ميسون شقير - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/78rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:42:21 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png ميسون شقير - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/78rommanmag-com 32 32 في رحيل خوسيه مانويل كاباليرو بونالد… الشاعر الأندلسيّ الأخير https://rommanmag.com/archives/20562 Thu, 15 Jul 2021 10:54:04 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d9%84-%d8%ae%d9%88%d8%b3%d9%8a%d9%87-%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%8a%d9%84-%d9%83%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%b1%d9%88-%d8%a8%d9%88%d9%86%d8%a7%d9%84%d8%af/ تحذر أسطورة الإبحار في إسبانيا، من أن الخلود يتحقق في الغرق للمرة الثالثة، وفي مدريد غرق الأديب خوسيه مانويل كاباليرو بونالد مرتين، وفضل عدم تأكيد ذلك رغم أنه أغوى البحر مرات عديدة، ولأن الأدب والفلامنكو والبحر كانوا يمثلون الجوانب الثلاثة لسيرته الذاتية، السيرة الواسعة جدًا، والغنية بالمغامرات فقد بدأ ضوؤه كشاعر يسطع في عام 1948 في أول […]

The post في رحيل خوسيه مانويل كاباليرو بونالد… الشاعر الأندلسيّ الأخير appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تحذر أسطورة الإبحار في إسبانيا، من أن الخلود يتحقق في الغرق للمرة الثالثة، وفي مدريد غرق الأديب خوسيه مانويل كاباليرو بونالد مرتين، وفضل عدم تأكيد ذلك رغم أنه أغوى البحر مرات عديدة، ولأن الأدب والفلامنكو والبحر كانوا يمثلون الجوانب الثلاثة لسيرته الذاتية، السيرة الواسعة جدًا، والغنية بالمغامرات فقد بدأ ضوؤه كشاعر يسطع في عام 1948 في أول مجموعة شعرية له، ثم جاءت مجموعة التكهنات (1952)، وبعدها ذكريات وقت قصير (1954)، ثم أنتيو (1956)، والساعات الميتة (1959)، وصفائح الخيط (1963)، وتشويه البطل (1977)، ومتاهة الحظ (1984)، ويوميات أرجونيدا (1997)، ودليل المخالفين (2005)، والليل بلا جدران (2009).

ولم يكن الشعر وحده هو ضوء ابيرو في عالم الأدب في إسبانيا، بل كانت الرواية المميزة والساخرة أيضا هي امتداد هذا الضوء إلى آخر كهوف أعماق القارئ الباحث عن الاكتشاف، كتب كاباييرو: يومان من شتنبر (1962)، أغاثا عين القط (1974)، طوال الليل أصغوا إلى عبور الطير (1981)، في بيت الأب (1988)، وحقل أغرمانطي (1992). وفي سنة 1995 نشر الجزء الأول من مذكراته: زمن الحروب الخاسرة، ثم في سنة 2001 نشر الجزء الثاني تحت عنوان: التعود على الحياة. وفي مجال الدراسة له عدة أبحاث ودراسات أهمها: أضواء وظلال الفلامنكو، إشبيلية في عصر ثيربانطيس.

حصل من خلال منجزه الإبداعي الضخم والمتنوع على معظم الجوائز الأدبية العظيمة في إسبانيا، منها جائزة النقاد لثلاث مرات متتالية. وجائزة رينا صوفيا للشعر الأيبيري الأمريكي في عام 2004 عن عمله ككلّ، وفي العام التالي حصل على الجائزة الوطنية للآداب الإسبانية، ثم جاء التكريم الأهم لأعمال كابايرو حين حصل على جائزة الشعر الوطنية عن عمله “دليل المخالفين”، في عام 2006 وهي مجموعة قصائد وصفها المؤلف بأنها “اعتذار عن العصيان”. وأخيرا وفي 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 حصل كابايرو على جائزة سرفانتس، وهي أعلى جائزة للأدب الإسباني. وقد تم انتخابه ابناً شرفيّاً للأندلس 1996، وابناً شرفيّاً لمنطقة قادش 1998، وابناً شرفيّاً لشريش 2000، وهو عضو مراسل للأكاديمية الأمريكية للغة الإسبانية. حصل في سنة 2000 على الميدالية الذهبية لحلقة الفنون الجميلة، وفي سنة 2004 على الدكتوراه الفخرية من جامعة قادش. 

أثبت كاباليرو بونالد نفسه بمرور الوقت كإنسان وأديب له شخصية طاعنة الخصوصية والعمق والجرأة، ذي دعوة تمرد دائم ووذي التزام مدني وإنساني وتجسيد سياسي ومبدئي لالتزاماته، منذ سنواته الجامعية الأولى في إشبيلية، حيث درس الفلسفة والأدب، تولى التزامًا سياسيًا حافظ من خلاله على روابط نشطة للغاية مع كل الجمهوريين في إسبانيا مقارعا فرانكو والفاشية ليصبح خوسيه مانويل كاباليرو بونالد العضو قبل الأخير الذي بقي من الفريق المؤسس لجيل الخمسين، جنبًا إلى جنب مع فرانسيسكو برينث ومع الشعراء الأسبان المعاصرين مثل جوليا أوسيدا، أنطونيو جامونيدا أو ماريا فيكتوريا أتينسيا الذين لا زالوا يحافظون على نبض لوركا وانتونيو ماتشادو في الشعر.

درس الملاحة بقادش والفلسفة والآداب بإشبيلية ومدريد، شغل مهمة نائب مدير المجلة الأدبية أوراق سون أرمادانس وعمل مدرسا للعلوم الإنسانية والآداب الإسبانية بالجامعة الوطنية بكولومبيا وبمعهد برين ماور. لدى عودته إلى إسبانيا، عمل بالأكاديمية الملكية الإسبانية. كما أشرف على دار للنشر، وشغل مهمة رئيس المركز الإسباني للنادي الدولي للقلم إلى أن قدَّمَ استقالته سنة 1980.

لقد شهد العقدان الأخيران من حياة كابيرو شيئًا غير عادي بسبب العمل الهائل الذي تم إصداره حين كان عمره أكثر من 70 عامًا، كما لو كان قد تم إحياؤه بالشيخوخة، لقد كانت بذرة ذلك الجزء الأخير من الكتابة القوية عبارة عن كتاب تمرد الذي يحمل اسم  دليل المنتهكين (2005)  وبعده جاء كتاب  الليل بلا جدران.

كان كابيايرو ينتمي إلى عائلة فريدة استقرت في خيريث، من أب كوبي وأم منحدرة من الطبقة الأرستقراطية الفرنسية. وكانت لطفولته ثلاثة اكتشافات أساسية ليصبح ما يريده: الأدب والفلامنكو والبحر. الذي أضاف إليه فكرة مخترعة أسماها “كوتي دي دونيانا” كأرض أسطورية تخللت جزءًا كبيرًا من عمله. وبين إسبانيا وأمريكا، تطورت لديه طريقة مختلفة للكتابة والقراءة والتشابك مع اللغة، وفي الوقت نفسه، توسع الوعي لديه النقدي الذي صنع به حياته وعمله.

ولأن الخمسينيات من القرن الماضي كانت تتمثل في إسبانيا بوجود مجموعة شعراء عانوا الحرب الأهلية وعانوا انكسار الحلم الجمهوري وفوز الطاغية فرانكو، إلا أنهم بقوا دائما مجموعة مرحة “بومة ليلية واحتفالية، متواطئة وغير متكافئة”، الأمر الذي قاد إلى إنشاء رموز شعرية جديدة في إسبانيا وإلى اهداء العالم جيلًا شاعريًا في المقام الأول. وقد كان كاباليرو بونالد أحد قادة الحملة الاستكشافية لتلك المغامرة جنبًا إلى جنب مع خوسيه أنخيل فالينتي، وكلاوديو رودريغيث، وجيل دي بيدما، وخوسيه أغوستين جويتيسولو، وأنجيل غونثاليس، وفرانسيسكو برينث ، وغابرييل فيراتر، الذين استمتع معهم، بالوقت المشترك، والليالي الطويلة حتى يطل الضوء عليهم وهم يبنون معا صداقات متينة وعلاقات شعرية نادرة.

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن كاباليرو بونالد كان مدركًا دائمًا أن أفضل طريقة لعمل خط خاص في الكتابة هي اتخاذ هذا الخط بمفرده، وقد سيطر هذا اليقين عليه وجعله يطبقه حتى النهاية ليكون وبكل جدارة أغرب شعراء الخمسينيات وأهمهم. كتب كاباييرو:

“أكتب مرة أخرى السؤال الكبير الذي لا يمكن الإجابة عليه: 

هل ما يخمن بعد الحد الأخير لا يزال هو الحياة؟”

كان يبلغ من العمر آنذاك 86 عامًا وحافظ على رغبة كتابية مذهلة، مصنوعة من الوضوح الشديد الذي لم يكن من المعتاد أن يتخلى عن حذره. وبقي هذا هو الحال مع آخر مؤلفاته المنشورة بعنوان فحص الذكاء، التي تمثل سيرة مبهرة للعواطف والسخط، وتؤكد على أن كاباليرو بونالد الشاعر المعبر المحاط بالصمت، لم يقبل الشيخوخة كمينًا أو كبر السن أو هروبًا، بل على العكس فقد كان الشعر في شيخوخته أفضل درع له. لقد ظل مستاءً من الحاضر ومن هذا السخط والاستياء من الظلم ومن عدم العدالة في هذا العالم  الأعور والأحدب، جاءت كل كتاباته، لقد افترض الحقيقة الشعرية كشرط لتحمل خيبة الأمل وحدود الأشياء والبشر.

لم تكن قصائد كاباليرو بونالد جدلية أبدًا، بل، على العكس من ذلك، فقد جاءت قصائدة دائما للتعبير عما لا يوصف، وعما لا يزال يتعين قوله، وعما يحدث في مناطق العقل القوية، والذهول، والرفض، وعدم الراحة المتمرد، والحب، وكما يؤكد لويس أنطونيو دي فيلينا، فإن قصائد بولاند كانت دائما تصل إلى أنفاسها الطبيعية، وتدفقها العميق، من خلال تشويه الخطاب.

وكان الليل والبحر من رموزه المفضلة. وكان التفاوت الغامض الذي ينتقل من الحياة إلى الحياة المختلفة، والذي ينطلق من اعتبارات من ينقل التجربة إلى اللغة هو سر إبداعه. وهذا ما جعل شعره يتجلى في صورة خيالية مليئة بالحيوية مليئا بفكره الغنائي وبهلوساته الخاصة، وهذا ما يجعل القصيدة عند بولاند نوعاً من ممارسة غير مسبوقة فوق فوهة بركان، وعبوراً لا يمكن التنبؤ به يلغي التفاهة المحيطة ويتخلى عن الحلول الأخلاقية لمفترضة. ليصبح وبكل جدارة “مترجم الحيرة” التي ظهرت بوضوح في المرحلة الأخيرة من عمله الشعري من كتب التمرد والذاكرة المليء بالازدراء الطوعي للعادات الدنيئة، ولكنه في نفس الوقت الغزير في قوة الشاعرية بحد ذاتها، الشاعرية التي كان يعرفها بأنها “تثير نفسه، وتنشر نفسه وتبعثرها، وتعيد اكتشاف نفسه”، و بهذا المعنى، فإن شعر كاباليرو بونالد هو أمر ضروري مضاد للتطويق الواقعي الضيق، وفي نفس الوقت هو لهجة وفردية وقوية للكشف عن المشاعر، وذلك ليس فقط كمحفز للتفكير وللبحث، ولكن كموقف وإعادة تعريف الحياة، واكتشاف ما هو حقيقي فيها. وهذا ما يربكنا بالأصالة لأن “استحضار ما كان يُعاش يعادل اختراعه”.

في الشهر الماضي رحل خوسيه مانويل كاباييرو بولاند الذي ألقى وبطلب من بيت الشعر في المغرب، كلمة الشاعر لاحتفالات اليوم العالمي للشعر (21 مارس 2013)، وهي الكلمة التي دأب بيت الشعر على ترسيخها كتقليد سنوي ضمن الاحتفاء الكوني بيوم الشعر. والتي قال فيها: 

شَرَعْتُ في محاولاتي الشعرية الأولى بعْد أنْ قرأت، في البَدْء، لشعراء حرَّكوا مشاعري وجعلوني أحسُّ بانفعال مُبْهَم. بدون تلك القراءات الأوَّلية، ما كنتُ لأعرف كيف أوَجِّه خطواتي الأولى في الأقاليم السِّرِّيَّة للشعر. أخُصُّ من الشُّعراء مُوَاطِنِي الأندلسيين؛ خوان رامون خيمينث، غارسيا لوركا ولويس ثيرنودا والشيلي بابلو  نيرودا. هؤلاء كانوا مُعَلِّمي الأوائل بجَدارَةٍ مُسْتَحَقة.

منذ ذلك الحين، بدأتُ أستوعبُ معنى تلك العبارة الشعريَّة التي تفيضُ على دلالتها في المعاجم، وتمْضي أبعَدَ من حُدودِها التعبيريَّة المشترَكة. لربَّما ذلك ما يدْعُوني، أحياناً، إلى التفكيرفي أنه ليس من الضروري أنْ يَفهم القارئُ القصيدةَ بشَكْلٍ مُطْلَق. يكفي أن تَفتَحَ له كلماتُها باباً وتجعلَهُ  يُطلُّ على واقعٍ مَجْهول، وتكشفَ له عالَماً يُغْني بشكل ما حساسيته. في سيرُورةِ هذه المعرفة، يكمُنُ سِرُّ الشِّعْر.

بعد  خطوات التعلُّم الأولى تلك، استكشفتُ مسالكَ مُغايرةً، طرقاً طبيعيّة أخرى لمُقاربة  تجربة الشعر. يَتوجَّبُ عليّ، بَدْءاً، أن أذكرَ الشعراء الرّمزيّين الفرنسيّين؛ فقراءةُ رامبو وبودلير ومالارمي، بالنسبة إليّ، تَعَلُّمٌ مُستمِرّ مُنذ نصف قرن تقريباً، ما دام هذا المقروءُ نموذجاً لا ينضب. فيه وجدتُ شكلاً جديداً لوضْع أسُس الشِّعْر التي كنتُ أجْهَلها، تلك التي أبرَزَتْ لي سجلات جديدة تضيءُ ما هو أشدّ إلغازاً في الواقع.

أظنُّ أنَّ ولوجَ شعر الرمزيّين لا يُمْكنُ أن يتحقق دون التمثل القبلي لترابطاته التعبيريّة الأكثر صفاء، و بوَجْهٍ خاصّ، دون استيعاب، على نَحْو رئيس، بعض المُغذيات الأساسية لفكره الجمالي.

ذلك ما يحدُثُ مع المبدعين الكونيّين في نظام شعريّ مُجَدّد، خصوصاً إذا كان هذا النظام الشعريُّ يتأسَّسُ على إبداع قوانينَ جماليّةٍ جديدة. وقد حدَثَ لي شيءٌ مُماثِل مع خلوات غونغورا، ومع حيوان الأعماق لخوان رامون خيمينيث، ومع جُزْءٍ كبير من شعر ثيسار باييخو وأوكتافيو باث أوليثاما ليما ومع السورياليين الفرنسيين؛ من بروتون إلى إيلوار ومن أراغون إلى سبولت. كانَ الأمْرُ شبيهاً بوُلوجِ غابة بكرٍ من غير أنْ أعرف كيف أشقُّ لنفسي طريقاً، إلى الحدّ الذي يبلغُ فيه المرءُ حالة التيه بين الظلمات والمسالك الخادعة. وهنالك بالذات سألتقي، فجأة، وميضاً، علامة، ومفتاحاً: يقينَ اكتشاف بُعْد شعريّ جديد.

أعتبرُ نفسي وريثاً للرمزيّين، هُم مَنْ علَّمُوني البحْثَ عن الشِّعْر في حالةٍ خالصة، مُجَرَّدَة مِنْ كلِّ عُنصُر مألوف: تلك الكيمياء السِّرِّيَّة للكلمة التي لا يُمْكنُ بلوغها نظريّاً، مضمومة إلى “مفهوم الحدّ”. يتعلَّقُ الأمْرُ بالمُتخيَّل وقدْ أزيحَ الواقعيّ: فالتجاوُزُ المُستمِرّ للمعنى المألوف للكلمة والقبض على كلِّ الوسائل التعبيريَّة للغة التي بين حدودها يرتفعُ الشاعر إلى المقام الأسمى للفنان الباحثِ في الشعر عن التركيب التأويليّ للعالم، هو المفتاح الأساس للمعيش.

الشِّعْرُ، بالنّسْبة إليّ، ممارسة ذاتُ صلات خفيّة بالتجربة الصوفية. ثمة ما يُشبه مماثلة سِرِّيَّة في البحْث عن المطلق في “الكهُوفِ العميقة للمعنى”، التي يتحدّثُ عنها سان خوان دي لاكروث. إنَّهُ مسلك روحيٌّ مُلغز وبرنامجٌ جماليٌّ. إلى أين تقود كهوف المعنى؟

لرُبَّما يُمكن أنْ تلخَّصَ الأجوبة الممكنة العديدة في جوابٍ واحد: بيان أنَّ كلَّ شعْر حقيقيٍّ يحدِّدُ، في كلِّ لحظة، الأحوالَ الأكثر خفاءً للحياة الإنسانية. يُمْكنُ للطريقة المُسَمّاة بوحدة الوجود عند الصوفية أنْ تجد في الشعر أحد تجلياتها الأشدّ ثباتاً أو على الأقل، الأكثر تطابقاً مع ما في التجربة مما هو مُتَمَنِّعٌ على التعبير. من هنا تنبثقُ كلُّ تلك الطرق التأمليَّة التي ميَّزت التيارات الكبرى للكمال الداخليّ: تيار الصوفيين المسيحيين والصوفيين المسلمين أو ممارسات التأمل البوذي للزن. عبر مسالك مختلفة، يتمُّ بلوغ الغاية ذاتها. نذكر عدا سان خوان دي لاكروث أو ميغيل دي مولينوس، مُعَلِّمِي الصوفية؛ ابن عربي، أو ابن عباد الرندي، أو رهبان البوذية الزن إيساي أو شويو دايشي.

منذ أكثر من نصف قرن وأنا أمارس مهنة الشاعر. يمكنني، على الأقلّ، أن أفتخرَ بالمُثابَرَة.

كلمتي المكتوبة تُعيد بشكل واضح إنتاج أفكاري الجماليّة. لكن أيضا فكري الأخلاقيّ، طريقتي في مراجعة التاريخ الذي أقتسمُهُ مع الآخرين. لقد أتاحتْ لي أداة اللغة أنْ أجعلَ مفهومي للعالم موضوعيّاً، وحرَصتُ دوماً على أن يتوافقَ ذلك المفهوم الشعريّ للعالم مع برنامج حياتي الذي لا يُمْكنُ التخلي عنه. وجرْياً على ما اعتيد أن يُقال، ففي أعمالي تضمينٌ لكلِّ ما أفكِّرُ فيه و حتى ما لمْ أفكّر فيه بعدُ، في كل مرَّة أجدُني أكثر يقيناً من أنَّ الشعر، ذاك الذي يشغلُ فضاءً أكبرَ من النصِّ بمعناه الصحيح، يُفسّر وجودي ويبرِّرُه. بل يمكنني أن أضيفَ أنَّ الشعر علَّمَني أن أعرفَ ذاتي بشكلٍ أفضل كلَّما مضيتُ أستعينُ به لكي أختار تشخيصاتي الذاتيَّة عن الواقع.

أومنُ بكلِّ عِفَّة بالدور المخلِّص للشعر، بقدرته على الإشفاء أمام الاختلالات التي يُمكن أن يمدنا بها التاريخ  في عالم مثل العالم الذي  نتقاسمه اليوم، العالم المحاصَرُ بالعُنف والبلايا والحُروب الجائرة والاستهانات بحقوق الإنسان. في عالم مثل هذا، يجبُ المطالبة بالحلول المنصفة للذكاء، بالأساليب الإنسانية  القديمة للعقل. لرُبَّما يتعلَّقُ الأمر بيوتوبيا، لكن اليوتوبيا هي أيضا أمل مؤجَّلٌ بالتتابع، حيث يتوجَّبُ الوثوق بأن ذلك الأمل يتغذى أيضاً من الينابيع الخِصْبة للذكاء، ما الذي كانت ستصيرُ عليه بدونها العديدُ من العناوين المُشرقة التي تُزَيِّن حضارَتنا؟ أنْ تقرأ كتابا، أن تستمع الى كونشيرتو، أن تتأمَّل لوحة هي أشكال فورية وفعَّالة للدفاع عن أنفسنا من كلِّ ما يُهيننا أو يسعى إلى أن ينقص من اختياراتنا للحُرِّيَّة والطمأنينة. لرُبَّما يَتَسَنّى بذلك أن تسودَ حساسية جماعيّة جديدة تجعلُ الفكر النقدي يتغلبُ على الفكر الوحيد . لرُبَّما هكذا يتحوَّل مجتمع معقد مثل مجتمعنا إلى مجتمع متضامِن. فلنفكر بكلِّ التفاؤل الواجب بأنَّ الشعر أيضاً يمتلكُ تلك السلطة العلاجية.

The post في رحيل خوسيه مانويل كاباليرو بونالد… الشاعر الأندلسيّ الأخير appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
«المشّاءة» لسمر يزبك: رواية الثورة السّجينة https://rommanmag.com/archives/18931 Sun, 01 Oct 2017 09:53:35 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d9%91%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%84%d8%b3%d9%85%d8%b1-%d9%8a%d8%b2%d8%a8%d9%83-%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3/ دخلت الروائية السورية سمر يزبك في كتابها الأول عن الثورة والذي سمته «تقاطع نيران»، منطقة النار بكل ثبات ووعي لهذا الدخول، دخلت المرحلة الأولى للثورة السورية،  التي أرشفتها ووثقتها حين وثقت مشاهداتها وتجربتها بشهادات الناشطين في الأشهر الأولى من الثورة، التي عرفتها وسمعتها شخصياً محاوِلة توثيق هذه الثوابت وهذه الملاحم الإنسانية ضمن نقل صادق وعفوي […]

The post «المشّاءة» لسمر يزبك: رواية الثورة السّجينة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
دخلت الروائية السورية سمر يزبك في كتابها الأول عن الثورة والذي سمته «تقاطع نيران»، منطقة النار بكل ثبات ووعي لهذا الدخول، دخلت المرحلة الأولى للثورة السورية،  التي أرشفتها ووثقتها حين وثقت مشاهداتها وتجربتها بشهادات الناشطين في الأشهر الأولى من الثورة، التي عرفتها وسمعتها شخصياً محاوِلة توثيق هذه الثوابت وهذه الملاحم الإنسانية ضمن نقل صادق وعفوي لهذه الشهادات، لذا فقد جاء كتاباً أشبه بالأفلام الوثائقية، وأبعد ما يكون عن حالة الرواية.

وفي عملها الثاني، «الدخول إلى بوابات العدم»، قدمت حالة أخرى عن سرقة أحلام النشطاء والثوار السلميين السوريين، وعن دخول الثورة في مرحلة خطيرة جداً هي أشبه بالدخول في بوابات العدم، وهي المرحلة التي ظهرت فيها مجموعات تحمل الفكر السلفي وتحول كل الثورة إلى أبعاد دينية ضيقة وتقتل مفهوم الثورة في نفسها. 

اليوم تأتي سمر يزبك بأول عمل لها يحمل صفات الرواية الكاملة منذ بدايات الثورة السورية، وتطلق عليه عنوان «المشاءة» (دار الآداب، 2017) وفيه اختصار كبير لثورة كان عليها دائماً أن تمشي وأن تفقد ناسها، وروحها، في مشيتها التي لا تتوقف.

بطلة الرواية هي طفلة في بدايات اكتشافها لأنوثتها، مثلما كانت الثورة طفلة بالمعنى السياسي، وهذه الطفلة لم تكن قادرة على الكلام، فالجميع يعتبرها مختلة، مع أنها تملك بداخلها عالماً حياً، ومخيلة خلاقة، جعلتها تعيش في متعة اكتشافاتها الصغيرة، لفترة طويلة من حياتها قبل أن تبدأ الخسارات المتتالية، والتي ستقودها إلى الموت جوعاً في قبو يقبع في دوما، ضاحية دمشق التي لم يبق منها سوى الخراب.

الطفلة البطلة في «المشاءة» تشابه بطل الفيلم العالمي «فورست غامب» حيث البطل الذي يركض، ثم يركض، ليكون الركض هو المعنى الحقيقي الوحيد في حياة ذاك الشاب الطيب والبسيط، وهذا ما حاولت سمر يزبك أن تجسده في شخصية بطلتها ريم التي منذ ولدت انتصبت ومشت دون أن تدرك أو تعي اتجاه مشيها، لكنها كانت تريد حرية المشي التي دفعت ثمنها قيداً دائماً في معصمها يربطها بأمها، الفقيرة الكادحة، ويجعلها لا تذهب للمدرسة لأنها لم ترد أن تحرك عضلات لسانها، لكنها ولحظها، التقت بأمينة المكتبة التي كانت أمها تتركها عندها ريثما تنهي تنظيف باقي أقسام المدرسة، وقد شفقت أمينة المكتبة على الطفلة الخرساء فعلّمتها القراءة والرسم، وهكذا قرأت ريم حكايا تحولت في داخلها إلى كواكب سرية، وصارت مثل الثورة السورية، ترى العالم كله من خلال كواكبها أو أحلامها هذه.

يستمر ذلك إلى أن يأتي يوم وتكون ريم مع والدتها على أحد الحواجز الذي اعتقل شاباً وبدأ بضربه فقط لأنه من إحدى مدن ريف دمشق الثائرة، وحينها تفلت ريم من قيد أمها فستجيب فوراً لرغبتها العميقة في المشي، وينده عليها ضباط الحاجز أن تتوقف، لكنها لا تسمع، وتكمل مشيها، فيطلقون عليها الرصاصات التي اخترقت جسد أمها حين حاولت حمايتها، وهكذا تنطفئ الدنيا وتختفي الأم دون أن تعي ريم شيئاً، ومثلها مثل الثورة السورية التي حاولت فقط أن تتحرر وتمشي، أصبحت يتيمة ووحيدة، وفي استمرار التماهي بين الثورة والطفلة البطلة، يأخذ ريمَ أخوها الوحيد الذي يكبرها إلى “زملكا” في ريف دمشق وينضم هو إلى الجيش الحر، وهنا نتعرف على وجه جديد للحياة، وللموت، فطائرات النظام تحصد كل شيء، وريما باتت تفهم أن الأصوات التي تسمعها الناس في قلب العاصمة، تموت فيها الناس هنا، وفيها أيضا رأت ريم مجتمعاً غريباً يستم بالانغلاق والتطرف الديني، رأت مزيجاً من الأحمر الذي يملأ كل شبر، والأسود الذي يغطي الأفق، وتستمر الرواية إلى أن يصل اليوم الذي تشم فيه ريم رائحة واخزة تشبه رائحة الكبريت، وتجرب ريم مثلها مثل الثورة، طعم الكيماوي الذي نجت منه بأعجوبة، لكنها شاهدت أخريات متن لأن الرجال المسعفين لم يقبلوا أن ينزعوا عن أجسادهن الملابس التي علق الغاز بها، وذلك على حسب ما قالوا، “لأنه حرام“.

من الكيماوي تنجو ريم، لكن أخاها يختفي مثل أمها، ويوصي بها صديقه حسن في الجيش الحر، الذي يضع ريم في قبو تحت الأرض مع تفاحة يابسة، لتبقى ريم التي تقترب كل يوم من الموت جوعاً، تحلم بهذا الشاب كأول رجل يدخل أول أحلامها السرية الأنثوية.

بلغة رشيقة، وبقدرة على دخول عالم الطفولة والوعي، تقدم لنا سمر يزبك روايتها، وتترك فينا طفلة مقيدة ومكبلة، طفلة حالمة وخرساء، يتيمة وجائعة ووحيدة، تترك فينا ثورة رائعة، وقد حكم كل العالم عليها بالتوقف عن المشي.

The post «المشّاءة» لسمر يزبك: رواية الثورة السّجينة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
لم أكن أعرفك يا فدوى، لكني اليوم أدخل جثتك https://rommanmag.com/archives/18878 Wed, 30 Aug 2017 14:39:42 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%84%d9%85-%d8%a3%d9%83%d9%86-%d8%a3%d8%b9%d8%b1%d9%81%d9%83-%d9%8a%d8%a7-%d9%81%d8%af%d9%88%d9%89%d8%8c-%d9%84%d9%83%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%85-%d8%a3%d8%af%d8%ae%d9%84-%d8%ac%d8%ab/ سامحيني، لم أكن أحفظ اسمك كما أحفظ بعض أسماء الفنانات السوريات اللواتي تقمصنني في كثير من الأدوار، لكني حين رأيتك في أول مقابلة لك، المقابلة التي رأيتها خلسة عن الأعين التي كانت تراقب كل ما نفعل، وحتى كل ما كنا ننوي ولم نستطع، حينها لا أدري لماذا أحسست أنك تشكلين لي توأماً، ونداً، وتحدياً، وعالماً […]

The post لم أكن أعرفك يا فدوى، لكني اليوم أدخل جثتك appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
سامحيني، لم أكن أحفظ اسمك كما أحفظ بعض أسماء الفنانات السوريات اللواتي تقمصنني في كثير من الأدوار، لكني حين رأيتك في أول مقابلة لك، المقابلة التي رأيتها خلسة عن الأعين التي كانت تراقب كل ما نفعل، وحتى كل ما كنا ننوي ولم نستطع، حينها لا أدري لماذا أحسست أنك تشكلين لي توأماً، ونداً، وتحدياً، وعالماً طاعناً من الألفة، والنفور.

كان في صوتك وتحديك، وأنت تهتفين، قوة تعينني على الاستمرار، ولكنها أيضاً، تذكرني بأني لم أزل أضعف مما أريد أن أكون، فأحببتك جداً، وكرهتك قليلاً.

في إحدى العصريات من نهاية صيف 2011 وأنا في صيدليتي المكتظة بوجوه فقدت ملامحها، وجوه أهل داريا الذين جاؤونا وقد تركوا كل حياتهم للبراميل كي تكمل عنهم أحلامهم الثقيلة، ومنهم من ترك مع حياته، أحد أو كل أبنائه واستراح من حملهم مستقبلهم، فدود التراب تكفل به، هذه الوجوه التي كانت تأتيني مليئة بالذل والمرض، وارتفاع حاد في الحرارة والقهر، ولم تكن تملك، ثمن خافض لتلك النار إن كان سيتامول، أو بروفن، أو وجهاً واحداً في مدينتي يقول: “نحن معكم فاتكؤوا علينا قليلاً ريثما تنتهي المجزرة.“

في تلك العصرية جاءتني صبية تسكن مدينتي، وقالت لي: “أنا لا أخاف من القادم، سينتصر هذا الشعب الطيب والمحب، سينتصر هذا الحب، انظري إلى فدوى سليمان من الساحل تغير المعادلة، ومي اسكاف تغير المعادلة، وسميح شقير يغير المعادلة، وهذا الحب الحقيقي الذي يسري فينا هو أكبر من كل تلك البراميل، وجلست بقربي حين فرغت الصيدلية قليلاً، وقالت: ”انظري إلى فدوى والساوروت والناس وعيونهم، واحتفائهم بهم، وشاهدتك يا فدوى لأول مرة وأنت شجرة كاملة لا تهتز، وصوتها يملأ صفحات الفيس بوك والمحطات والإنترنت والصيدلية وقلبي وقلب الصبية التي أدركت أنها كانت ترتعش وتهذي من ارتفاع حرارتها.

في المساء بحثت عنك على الإنترنت، وبدأت أشاهد لك مقاطع تلفزيونية ومسرحية، وفي آخر الليل حلمت بأني أنت، وأن صوتي، كصوتك، كسر السماء.

حين اغتيل أخي لأنه حلم بشجر ينمو في تلك المسافة بيننا وبين الحياة، تفاجأت برسالة منك على الخاص، وكنت حينها لا أميز أحداً، لكن صدق ما كتبتِ كان كافياً كي لا أنسى تلك الرسالة.

في نفس الوقت عرفت أنك ذهبت إلى كل المدن السورية التي لم تشتهيها البراميل بعد، كي تجمعي ملابساً وأدوية التهاب وخوافض حرارة للأطفال لعلها تدخل المدن المحاصرة، حين سمعت اسمك زقرق عصفور صغير كان يبني عشه على الأشجار التي حلم بها أخي، لذا تركت لك مع الملابس وخوافض الحرارة للأطفال، كلمة صغيرة “شكرا فدوى سليمان“.

بعدها يا فدوى، تتالت الخيبات والأيام، وبدأنا نكتشف أننا استُبحنا، وسرقنا، بكل الأحلام التي كنا نخبئها، وأن لوناً أسود بدأ يغزو كل هذا الطيف، فالأبيض جاء مع غياث مطر إلى أمه بلا قلب، والأزرق لم يزل هناك مع سميرة خليل ورزان زيتونة، والأخضر نزح ولجأ وهرب وتمزق مع قلب فارس الحلو، ومع  قلبي وقلبك، أما الأحمر فقد بقي هناك على ملابس أخي وفي الأغنيات التي كنا نرقص فيها الشهداء ثم ندفنهم في الأغنية ونمضي راحلين، الأصفر تركناه كاملاً وطازجاً، في وجوه لم تزل تسكن زمناً توقف حين لم يكن نملك زمناً كي نودعهم، أو حتى كي نعتذر لهم عن موتنا، أو رحيلنا القسري إلى المنفى/القبر.

اكتشفنا متأخرين يا فدوى، هذا الأسود، الصاعق، الضخم، الفظيع، الذي سكن اللوحة، والذي سكن روحك، وبدأ يلتهمك رويداً رويداً.

هنا في منفاي، عرفت حين زرت باريس/منفاك، أنك اكتشفت الأسود أكثر مما يجب، وأنه يطل من عيونك التي بدأت تذوي، والتي كنت أرى نفسي فيها، أراها على حقيقتها التي أهرب منها، فأهرب يا فدوى، ونهرب كلنا من حقيقة عيونك، حقيقتها التي أسقطت عيوننا البلاستيكية الجميلة، التي حاولنا أن نلصقها، ونحميها، بمضادات الشيخوخة، ومضادات البكاء، وبمضادات المواجه، والتجاعيد.

هكذا تركناك وحدك يا فدوى، وضعناك على الرف، واصطنعنا نسيانك، كان هذا أسهل علينا يا فدوى، نحن أيضاً تمزقنا كثيراً، كثيراً، وصرنا مثل “قميص” ذلك “اللوكس” الذي عرفناه كثيراً في السنوات الأخيرة، القميص الذي نراه يتوهج، ويضيء، لكنه إذا لمسه أي شيء، حتى الريح أو الخنين، “يهر” ويسقط  كاملًا، هشاً، وبلا أثر.

اليوم تعاقيبننا جميعا، وتموتين، تجلدينا بصمت موتك، وتنتقمين من عيوننا البلاستيكية التي سقطت منا مع الملح الذي سال حين قرأنا خيانتك ورحيلك، وليس هذا فقط، فأنت ترحلين وتصرين على أن تجري جثثنا خلفك عارية، إلا من صمتنا، اليوم سنغير صورنا لفترة على الفيس بوك إلى صورتك، ثم نكمل نسياننا ونستريح.

ومثلما حلمت ليلة بأني أنت، أراني الآن وأنا التي لم أكن أعرفك، والتي لم تلتق يوماً بك، أراني أدخل جثتك،  البرودة تحاصر أصابعي، وخدر لذيذ بدأ يسري في كل أعضائي، وأوقن بأني سأكون معك في هذا الأبيض، وسنترك الباقين وحدهم في هذا القبر.

The post لم أكن أعرفك يا فدوى، لكني اليوم أدخل جثتك appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
إلى ناصر بندق، في العام الرابع لاعتقال القصيدة https://rommanmag.com/archives/18804 Sun, 23 Jul 2017 17:22:06 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a5%d9%84%d9%89-%d9%86%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d8%a8%d9%86%d8%af%d9%82%d8%8c-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a7%d8%a8%d8%b9-%d9%84%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%84/ تدخل عامك الرابع في سجنك، وتدخل العصافير عامها الرابع للسقوط، ولا وقت في الوقت، لا وقت للقذيفة كي تختار لحظة انفجارها، ولا وقت لتلك الطفلة كي تكمل تمشيط شعر دميتها الطويل. لا ورد يكفي لكل الشواهد التي نمت فوق حدائق البيوت يا ناصر، لا ورد يكفي كي يرقص الشهداء جيداً قبل أن ندفنهم في الأغنية […]

The post إلى ناصر بندق، في العام الرابع لاعتقال القصيدة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تدخل عامك الرابع في سجنك، وتدخل العصافير عامها الرابع للسقوط، ولا وقت في الوقت، لا وقت للقذيفة كي تختار لحظة انفجارها، ولا وقت لتلك الطفلة كي تكمل تمشيط شعر دميتها الطويل.

لا ورد يكفي لكل الشواهد التي نمت فوق حدائق البيوت يا ناصر، لا ورد يكفي كي يرقص الشهداء جيداً قبل أن ندفنهم في الأغنية ونمضي راحلين.

في عامك الرابع لاعتقالك، صار لنا خيام تملأ قصائدنا بالهاربين، وصور مالحة في جيوب الغرقى، وشهقات أطفال تملأ الأصداف بلؤلؤها، وشرفات تهوي على ظلها، وقصائد تبحث عنك.

لا أدري يا ناصر بما سأخبرك حين تخرج، وكيف سأحمل لك كل الغزلات الميتة في تلك البراري، وإلى أية جهة سوف أدير هذا القلب

كان علينا يا ناصر أن لا نصدق الأغاني، كان علينا أن نحب أقل، وأن نعرف أننا لم نخلق للطيران، وأننا لا نستحق أصابع الأطفال في مدارس درعا، كان علينا أن نجفف دمنا فينا، أن نقدده، أن نعلقه كالبامياء على زوايا الروح، كي يسري بنا لاحقاً بلا لون.

حين يعتقل الشاعر هكذا يا ناصر تسقط السماء في حفرة من الأرض ويهال عليها تراب القلب كي يتكمل موتها فيها، ليتنا يا ناصر لم نستجر بالشعر، ولا بأصواتنا في الساحات، ليتنا لم نكمل موتنا فيه كي يكمل انتحاره فينا

أربع سنوات يا ناصر، زادت فيها الصور المعلقة على جدراننا لتسندها من الانهيار، وتركتنا معلقين على زاويتها، ومربوطين بشرائط سوداء.

أربع سنوات، صارت الأمهات تعد لأسمائهم العشاء، وكل ليلة تقص على الصور الحكايا كي يناموا في قبورهم سالمين.

لن تجد البيت اذا خرجت يا ناصر، لن تجد الطرق التي حملت أشجارها ورحلت، لن تجد ظلالهم على القلوب.

أربع سنوات، متنا فيها كثيراً يا ناصر، متنا أكثر من كل ما وعدنا به الله من موت، شنقنا من حبل سرتنا، ومن شعر أحلامنا الطويل. الرصاصات الثلاث اللواتي ثقبن ظل أخي، كبرت أربع سنوات، وحملت شهقته الأخيرة ووزعتها على كل العشيقات، وعلى البرية التي ستبقى تسيل من قصائدك، والتي تعرف فقط أن تنتظرك هناك في أحراش المعاني، وفوق عشب العبارات الطري والتي تربي معك الحياة، الحياة التي تموت بجانبك الآن تحت التعذيب.

هناك حيث أنت لم تزل تتوهج، وكلما عذبوك أكثر كلما صرت زيتا في قنديل عتيق.

هناك حيث أنت، حي كروح كانت تبحث دائماً عن الشعر فيها، عن حريتها فيه، وكانت دائما سجينة هذا البحث، حزين كظل يبحث عن قامته، وكقامة تنثر ظلها في كل اتجاهات العواطف. 

حر كصوت، شديد الضعف وشديد القوة، شفاف كياسمين يخدش الروح بأظافره البيضاء الحادة

مبلل كشاعر من ماء، كنهر عصي على التوقف. 

متفرد كزهرة بحرية مالحة.

هناك في نبوءة البراءة الأولى التي كنا نكتشفها كلما قرأناك، وفي تمرد الوعول على دهشتنا بها، وفي جناحيك العصيين على الانحناء، وهناك حيث تجدك قصائدك، لم تزل السماء تحلم بسماءات لا تعرفها، ولم تزل الأرض تحتفي بزلازل دمك.

هناك حيث نرحل، والطريق تحيك لنا آثار أقدامنا، كي لا تجف.

وحيث المطر لم يزل يسقي عيون الميتين وعشب القبور.

هناك، مهما تأخرت، سننتظرك. 

The post إلى ناصر بندق، في العام الرابع لاعتقال القصيدة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
خوان غويتيسولو، إسباني بروح عربيّة https://rommanmag.com/archives/18740 Tue, 06 Jun 2017 23:00:00 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%ae%d9%88%d8%a7%d9%86-%d8%ba%d9%88%d9%8a%d8%aa%d9%8a%d8%b3%d9%88%d9%84%d9%88%d8%8c-%d8%a5%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%a8%d8%b1%d9%88%d8%ad-%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d9%91%d8%a9/ رحل قبل يومين الأديب الإسباني المغربي “خوان غويتيسولو”، صامتاً كعادته، متعففاً عن كل السطوح اللماعة، طاعناً في جرأته، وفي حزنه الشفيف، يستريح قليلاً من حمل المعنى، ويلعب مع الموت لعبته مع الحياة، يراقبه كثيراً ثم يباغته بنهاياته الجارحة. يرحل ويترك لنا ظله مستلقياً بين كتابات تصل القلب وتثير زلزالاً من دهشة وسؤال، يرحل ويتركنا معلقين […]

The post خوان غويتيسولو، إسباني بروح عربيّة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
رحل قبل يومين الأديب الإسباني المغربي “خوان غويتيسولو”، صامتاً كعادته، متعففاً عن كل السطوح اللماعة، طاعناً في جرأته، وفي حزنه الشفيف، يستريح قليلاً من حمل المعنى، ويلعب مع الموت لعبته مع الحياة، يراقبه كثيراً ثم يباغته بنهاياته الجارحة.

يرحل ويترك لنا ظله مستلقياً بين كتابات تصل القلب وتثير زلزالاً من دهشة وسؤال، يرحل ويتركنا معلقين بحبل أحلامنا، نكتشف ثقافتنا في كتب لكاتب هو أشهر كتّاب إسبانيا الحديثين، وأجمل من بحث عن ثقافة عمرها آلاف السنين كانت قد عمّرت في إسبانيا منجزاً معرفياً وحضارياً كاملاً. 

لم يكن خوان مجرد كاتب بعبر بالكتابة إلى الذات البشرية بكل ما فيها من تناقضات، ولا مجرد ثائر رفض بكل ما آوتي من أدوات، سلطة الديكتاتورية، والتي تمثلت في فرانكو، ديكتاتور إسبانيا،  بل كان حالة كاملة من المواجهة التي لا تتعب، حالة من البحث الدائم عن كل ما يمس الذات البشرية الحقيقة، ومن الدفاع عن كل ما هو حقيقي فيها، حالة من التبني الكامل لتعرية كل ما يظلم الآخر، وكل من يقصيه، وكل من يزيّف التاريخ والأدب والمعرفة والسياسة لأجل مطامع سياسية، أو شخصية، أو لأجل أسباب دينية هشة، لذا فقد تبنى خوان عدالة القضية الفلسطينية أكثر مما تبناه العديد من الكتاب العرب، ودافع عن منظمة التحرير الفلسطينية وعن حقها في نضالها المشروع، ووقف مع حق الجزائريين في الإستقلال وأعلن عداءه لحكومة فرسنا المستعمرة، كما وقف ضد مذابح سراييفو، وضد مذابح الشيشان، ورفض وبكل شدة، جائزة القذافي للآداب برغم كبر قيمتها المادية، كما رفض عدة جوائز أخرى، وفي هذه الحالة عاش خوان عمره الكامل بالصدق الذي يلزم لكي يبقى نقيا، كماء المطر.

كبر خوان وكبرت فيه صورة أمه ضحية إحدى جرائم فرانكو، صورة حوّلته لعدوّ كل الدكتاتوريات في العالم، وهو أشد معارضي فرانكو، وكان خوان كلما كبر، كلما تعمق في فهم الأسباب التي تقود إلى وجود الأفكار التي توصل الى هذا الاستبداد. وقد أيقن خوان الدور الرئيسي لمفهوم الأنا الأوربية المتضخمة لدى الشعوب الأوربية بشكل عام، وللأساطير المؤسسة للقومية الإسبانية، بشكل خاص، لذا فقد تحول إلى مهاجم شرس ينتقدها بشدة، ويعري سقوطها الأخلاقي وزيفها الحضاري، ومن أكثر ما انتقده خوان الباحث دائماً على الحقائق، هو الإهمال الممنهج الرسمي الذي تقوم به المؤسسات الثقافية الرسمية في إسبانيا، للدور الأساسي والمحوري للثقافة، العربية في بناء ملامح للشخصية الإسبانية، ولبناء بنيتها المعرفية والحضارية، وقد اعتبر خوان في كل لقاءاته، أن أسوأ ما قامت به إسبانيا، منذ بدء تشكلها، هو طرد العرب المورسكيين من أراضيها، وأنها بهذا الطرد طرت أهم وأجمل ما تحمله الشخصية الإسبانية، وأنها بطردها لهم من قبل فكر كاثوليكي متطرف، فإنها قد جعلت الإنسان الإسباني يعاني فقداً حاداً في هويته، وخسارة عميقة في تركيبته النفسية والفكرية والإبداعية، واعتبر أن هذا الطرد هو تعد على التاريخ، واغتيال للحضارة وقد كرس كل حياته لإثبات هذا الدور من خلال ما قدمه من كتب بحثية تاريخية، كان أهمها كتاب “وقائع إسلامية” الذي انتقد  فيه بشدة القيم الرسمية الكاثوليكية التي قامت عليها إسبانيا في عهد فرانكو،  والتي لم تزل موجودة في الوجدان الإسباني حتى الآن، كما أن سيرته الذاتية “ملوك الطوائف” كانت أوضخ الأمثلة عن إقراره بشدة إعجابة بالثقافة العربية الإسلامية وبدور هذه الثقافة في بلورة تجربته الأدبية. 

ترك لنا خوان عدداً من روايات مميزة ومتفردة بطريقة سرديتها، وبعمق معالجتها للقضايا الكبرى والمفصلية في تاريخ البشرية، ولقد صارت تلك الروايات من أهم الروايات الأوروبية الحديثة. وستبقى تشكل لنا، نحن العرب المحكومين بالقهر، مرايا مدهشة لنتفرج فيها على أنفسنا، ولنرانا في مراياه أجمل.

لقد أدخل خوان عمق معرفته بالصوفية الأندلسية وبالأدب الصوفي الأندلسي في كل روايته، ولعل رواية “فضائل الطائر المتوحد” هي من أمتع ما يمكن لعربي ضاعت أندلسه منه وفيه، أن يقرأ، فكم هو ملفت أن نقرأ لروائي إسباني ما لا نعرفه نحن عنا، وأن نكتشف في ما ترك لنا، الحضارة الرائعة التي أنجبتنا، فالرواية هي حكايات متتالية متقاطعة ومعقدة تتشابك وتتفرد ضمن طروحات فلسفية وشعرية لابن عربي، ولابن الفارض، أما رواية “الأربعينية” -أو ما سميت “برزخ”- فقد تسببت بزلزال نقدي حولها وقد سماها الكثير من النقاد بأنها الرواية الحديثة الرديفة لرواية “الجحيم” لدانتي ولعل أكثر ما يدهش فيها هو بناء كل أحداثها على المكان الذي عاش فيه خوان أجمل أيام عمره، والذي كان أقرب الأمكنة إلى روحه، إنه ساحة جامع الفنا في مراكش، وقد شكل المكان مع البعد الفلسفي التصوفي، حالة من الدهشة ضمن مزج رشيق لكل محتوياته مع إسقاطات تاريخية وفلسفية خطيرة تجعل من الأنا الأوروبية العرقية مجرد أسطورة فاشلة.

لا كلام لنا ننعيه فيه، لقد رحل “خوان غويتيسولو”، هناك في مدينته مراكش، المدينة التي أهدى إليها جائزة “ثرفانتس للآداب”، حين قال أنها مدينته الحقيقية التي استقبلت شيخوخته المتعبة.

The post خوان غويتيسولو، إسباني بروح عربيّة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
عيد الحب والكتاب في إسبانيا، ودرويش https://rommanmag.com/archives/18680 Sun, 07 May 2017 05:00:00 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7%d8%8c-%d9%88%d8%af%d8%b1%d9%88%d9%8a%d8%b4/ مذ وعينا ذواتنا، كنا نمر دائماً بقصائد درويش كي نتعرف على أنفسنا أكثر، وكنا نجده دائماً على ضفة ذاك النهر الذي نعبر به إلى ضفتنا الثانية، نجده واقفاً يقول لنا أننا نحن في مرايا الآخر دائماً أجمل، وأننا حقيقيون يقدّر أخطاءنا، بقدر تجارب الحب التي أحببناه فيها، بقدر ما ناضلنا لأجمل معتقدات قابلة دائماً للتغير، […]

The post عيد الحب والكتاب في إسبانيا، ودرويش appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مذ وعينا ذواتنا، كنا نمر دائماً بقصائد درويش كي نتعرف على أنفسنا أكثر، وكنا نجده دائماً على ضفة ذاك النهر الذي نعبر به إلى ضفتنا الثانية، نجده واقفاً يقول لنا أننا نحن في مرايا الآخر دائماً أجمل، وأننا حقيقيون يقدّر أخطاءنا، بقدر تجارب الحب التي أحببناه فيها، بقدر ما ناضلنا لأجمل معتقدات قابلة دائماً للتغير، وبقدر ما كتبنا عن فلسطين التي كانت تعيش بين الأصابع، وفلسطين التي ستبقى تعيش بين الأصابع.

وكنا نعرف أننا سنلتقي بقصائد درويش في كل زاوية من دمشق، من عمان، من القاهرة، لكننا لم نكن نتوقع أن تكون كتب درويش المترجمة للإسبانية، هي أكثر الكتب المترجمة التي تداولتها الناس في يوم الكتاب والحب في إسبانيا. 

فهنا، في إسبانيا، في بلد الكمنجات التي تبكي على الراحلين من الأندلس، تحتفي البلاد بيوم الثالث والعشرين من نيسان الذي تحول ليوم الكتاب العالمي، وذلك لأنه يوم وفاة كاتب إسبانيا الأكبر سرفانتس ويوم وفاة كاتب البشرية شكسبير ولعل من سخرية القدر أن يرحل كلا العملاقين في نفس اليوم تاركين للبشرية ما يغني روحها وما يعرّفها على نفسها، وعلى تناقضاتها، ونوازعها، وما يعيد إنتاج الإنسان بجماله وحقيقته، ويصبح يوم رحيلهما يوم ولادة للكتاب. 

وتضيف إسبانيا طعماً آخر لهذا اليوم إذ أن مقاطعة كاتالونيا تحتفل بنفس هذا اليوم بعيد الحب، فلا ينفصل يوم الحب عن يوم الكتاب، معتبرة أن أهم وأجمل دافع للكتابة هو الحب، وأن أهم وأجمل ما كتبته البشرية كان عن الحب، ومؤكدة أن الحب وحده هو ذاك السحر البشري الذي وجد مذ وجدت البشرية، ولا يزول طالما هي موجودة، لذا تكون الورود في هذا اليوم حاضرة مثلما تكون الكتب، وهكذا يهدي العاشق عشيقه وردة تعبر عن ولعه به وكتاباً يختاره له كي يقول الكتاب ما لم يستطع هو أن يقول ليتحول الاحتفال لطقس غريب، وطاعن بالجمال والعذوبة. 

هذا العام، في يوم الكتاب والحب هذا، انتشرت الكتب والورود في كل شوارع برشلونة، مشكّلة معرضاً مدهشاً في الهواء الطلق، وبكل الزوايا والحارات، كما أقيمت فعاليات كثيرة ومتنوعة، فمنها أمسيات شعرية في فضاء مفتوح، وحلقات نقد في الساحات الكبيرة، وأناس يعيدون إلقاء قصائد لوركا بصوت عال في إحدى الحدائق، وهناك صبية كانت تلقي قصائدها من شرفة عالية، وتتجمع الناس تحت الشرفة لتستمع لها. 

ويأتي معرض الكتاب بعد تاريخ وفاة الكاتب الكبير غارسيا ماركيز بفترة بسيطة، وهو الكاتب اللاتيني الذي قرأه الشعب الإسباني بشغف، والذي سكن إسبانيا طويلًا فسكنته شمسها، لذا فقد تحول جزء من معرض الكتاب إلى احتفاء سنوي به، حيث أعيدت طباعة كميات مذهلة من كتبه لتباع تقريباً بالكامل في هذا اليوم، كما أعيدت طباعة الكثير من أعمال الكتاب المشهورين الذين كتبوا بالإسبانية مثل كويلو وبارغاس يوسا واللندي ولوركا وماتشادو… كما أقيمت أيضاً عدة حفلات لتوقيع كتب صادرة حديثاً، مع طقس احتفالي كرنفالي من الورود المرافقة لكل كتاب يباع. 

لكن الذي شد قلبي من شعره، وجعله يسبقني، هو عدد كتب محمود درويش المترجمة التي كانت تملأ واجهات المكتبات، والتي كانت تتنقل بين أيادي الناس بكل خفة كأنها تطير، فمن “أثر الفراشة”، مرورا بـ “كزهر اللوز أو أبعد”، إلى “لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي”، وإلى “الجدارية” التي تصلبك على جدار دمك وحياتك وأحلامك والتي كانت مكتوبة بالإسبانية، ومعلقة على جدار في غاليري لعرض اللوحات والكتب، وقد كان الأكثر دهشة وحفراً في القلب، هي عبارات درويش المترجمة التي طبعت بخط كبير ولون أحمر وألصقت على واجهات المكتبات، تلك العبارات التي كُتبت عن الحب كما لم يكتب أحد، تلك المقاطع من القصائد التي حين نقرأها، تدخل روحنا، ولا تخرج، فما أجمل أن تجد عبارة “هو الحب كذبتنا الصادقة”، وأن يباغتك مقطع مثل “خسرنا ولم يربح الحب شيئاً”، وأن يجعلنا نقول في حضرة غيابك الحاضر هذا يا درويش، “أنك أينما ذهبنا، ستبقى دائماً تدلنا على أنفسنا، وعلى ظلنا فينا”، وسيقدّمك العاشق في يوم الحب والكتاب، مع وردة ويشرب دائماً نخبك.

The post عيد الحب والكتاب في إسبانيا، ودرويش appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
 «راكب الريح» وعبور يحيى يخلف إلى الذات الفلسطينية  https://rommanmag.com/archives/18666 Fri, 28 Apr 2017 03:00:00 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b1%d8%a7%d9%83%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%8a%d8%ad-%d9%88%d8%b9%d8%a8%d9%88%d8%b1-%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d9%89-%d9%8a%d8%ae%d9%84%d9%81-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d8%a7/ كعادته الروائي الفلسطيني يحيى يخلف، يسجنك ضمن روايته من صفحاته الأولى، ويجعلك تعيش فيها وتشارك بأحداثها، يمسك بك من الصفحة الأولى لتصعد بك مرارة عميقة من داخلك، مرارة كان يحيى يخلف يعرف جيداً كيف يعمرها في داخل قارئه بمنتهى المهارة والصبر، مرارة طالعة من تفاصيل القهر الفلسطيني، من عمر هذا القهر الطويل، ومن تلك التجاعيد […]

The post  «راكب الريح» وعبور يحيى يخلف إلى الذات الفلسطينية  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

كعادته الروائي الفلسطيني يحيى يخلف، يسجنك ضمن روايته من صفحاته الأولى، ويجعلك تعيش فيها وتشارك بأحداثها، يمسك بك من الصفحة الأولى لتصعد بك مرارة عميقة من داخلك، مرارة كان يحيى يخلف يعرف جيداً كيف يعمرها في داخل قارئه بمنتهى المهارة والصبر، مرارة طالعة من تفاصيل القهر الفلسطيني، من عمر هذا القهر الطويل، ومن تلك التجاعيد التي باتت تسكن وجه هذا القهر، والتي تشي بحجم استسلامنا نحن، إلى النسيان كحلّ وحيد للهروب من مواجهة هذا الوجه بكل هذه الشقوق.

نعم مرة جديدة، يحرمنا يخلف من هذا الهروب، ويجعلنا ندخل عوالمه بمتعة الفضول، متلاعباً بشدة رغبتنا لمعرفة أنفسنا أكثر.

لقد عرفنا يحيى يخلف حين تذوقنا كامل التفاح الفلسطيني في «تفاح المجانين» وحين عبرنا معه، كأي فلسطيني خرج من فلسطينه، ولم تخرج منه، عبرنا إلى غربتة الكاملة في «نجران تحت الصفر» وتذوقنا بأصابعنا وقلبنا، تفاصيل المكان الذي كان بعيداً عن الحياة، كبعد الفلسطيني القادم من أقدم حضارات الأرض، عن نفسه، وفي «أنشودة الحياة» انتصرنا مع يخلف بما بقي فينا، وبما بقي في أحلام الفلسطيني من قدرة على إنتاج الحياة من بين أصابع هذا القهر. 

اليوم، يعود لنا يخلف الكاتب والمثقف الفلسطيني الذي لم يغب عنا أبداً، والذي ما زال منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، يعمرنا بكل هذا الخراب، ويعيد حياكة التغريبة الفلسطينية بكل تفاصيلها، ولكن برؤى أعمق، وأكثر انفتاحاً بنفس الوقت، اليوم يطل علينا يخلف في روايته الجديدة  «راكب الريح»، (دار الشروق، عمّان 2016،) ليقدم لنا رواية مختلفة عن كل طريقته السابقة في الكتابة، رواية لا انتصار فيها إلا انتصار المعرفة، رواية يسرد لنا فيها عبوراً جديداً بين القرين والذات، ويصف لنا وبكل عمق، تفاصيل هذا العبور، وليترك التاريخ حراً بتقديم إجابة محتملة، لأسئلة لا تنضب.

وفيها يبتعد هذه المرة عن الحاضر باتجاه الماضي لزمن هو أكثر من مئتي عام إذ تحصل أحداث الرواية بين عامي 1795 و 1800 الفترة الزمنية التي بنى الكاتب فيها متن عمله على شخصية الفلسطيني ابن يافا، ولكنه الفلسطيني الذي كان يعيش في يافا القديمة، المدينة الفلسطينية التي لم تكن تحتوي كفاحاً مسلحاً، ولا موقعاً “للسلام الفلسطيني-الإسرائيلي”، هذا السلام الكاذب الذي قال عنه يحي يخلف بأنه “سلام أكثر عنفاً من الحرب، سلام يحصد فيه الرصاص الإسرائيلي، يومياً، أرواحاً لم تتهيأ للحرب ولم تنعم بالسلام”.

«راكب الريح» هي رواية جديدة يخرج بطلها من باطن أساطير يافا العريقة، يخرج من زرقة بحرها ومن ظل موجه على تلك الصخور،  يخرج من بين أسوارها العتيقة، ويعبر الريح مع قارئه من عشق طفولي حارق، إلى عشق وحشي جديد يشكل زلزالاً روحياً وفكرياً يهز كل قواعد المطلق، ويغير كل أعماق الشخصية، يعبر يخلف ببطله من حلاوة الانسجام النفسي الذي كان يشكل له حالة من الثبات والاستقرارالذاتي، إلى مرارة وقلق القرين الذي يسكن داخله، القرين الذي اخترعه يخلف كتقنية جديدة مغايرة لصياغة الحوار مع الذات، والذي حول الرواية إلى رواية غريبة، ممتعة، ومدهشة.

البطل الفلسطيني في «راكب الريح» يعود ويعبر من تلك الشعلة التي يحملها قرينه فيه إلى عالم آخر، عالم كامل من إبداع الرسم والرقش والتزويق والتزيين والتذهيب والتشجير، هذا العبور الذي هو عبور من قوة الذات وتفردها، إلى عوالم الآخر وقبولها ووعيها، هو انفتاح جديد على البعد الإنساني الذي ل ابد وأن يحمي الفلسطيني يوماً، وهو البعد المعرفي الحضاري الذي راهن عليه يحي يخلف في أن يكون العمق الوحيد القادر على حمل أحلامنا المؤجلة، والأولوية المطلقة التي يجب أن يسعى دائماً إليها الفلسطيني في رحلة هجرته وتشتته، إن رحلة العبور هذه هي رحلة بين الانغلاق وبين الانفتاح الكامل على الآخر، والتعلم الدائم منه، التعلم الذي سيبقى يشكل المعادل الوحيد لحالة القهر التي قد تأكل فينا ذاتنا، وقريننا، وتحولنا إلى “فرانشكتاين” لا يشبع.

في ابتعاده هذا عن حاضر فلسطيني محاصر، يقدم يخلف حالة من الهروب الجميل ضمن ما يسمى بالرواية التاريخية، التي هي حالة تعبير عن أزمة، ولكنه، وبذكاء ووعي، يترك الماضي يقدم نفسه طليقاً، ويجعلنا نكتشف أن الماضي يجيب ولا يسأل، فقد بنى يخلف “الفعل الروائي” على عشق مجنون بين بطل فلسطيني واسع النباهة والتميّز، وأنثى تركية من منطقة أزمير طاعنة في الجمال. وذلك منذ أن اكتشف البطل في نفسه سحراً غريباً سماه القرين، هذا القرين هو انعكاس سحر يافا فيه، وانعكاس سحر الرجولة الذي يعطيه طاقة وقوة خارقة.

يستمر الفعل الروائي ليأخذ اتجاهاً ميز الرواية جداً، انه اتجاه “رواية التعلّم”، اذ أرسل الكاتب بطل الرواية إلى مدينة دمشق لتعلّم دراسة “فن العمارة” في “مدرستي مملوكي سلطاني”، وهنا تتابع الأحداث لتغير كل ما كان متوقعاً، يتغير محور العمل وينطلق البطل في رحلة شاقة إلى مدينة أضنة التركية، الرحلة الأهم في كل الرواية، وهي الرحلة التي يلتقي فيها بذاته الحقيقية من خلال لقائه بحكيم “يعشق السلام والبشر”، ومن خلال محاولته  التحرر من قرينه العجيب، والعودة إلى سر الإنسانية فيه حين يعود إلى الحب والرسم وعالم الألوان، ويتخلى عن القوة التي تحوله عنيفاً. ويبدأ بالتأثر بكل أفكار العدالة والمساواة التي نشرتها الثورة الفرنسية في ذلك الوقت. 

ولا تنتهي الرواية قبل أن يكتشف كل من البطل والقارئ مدى نقصه، النقص الذي لا تستطيع أبداً القوة الخارقة أن تملأه، النقص الذي يغير من مفهومي الهزيمة والانتصار، ويجعلنا نعيد البحث فينا عن اكتمالنا بالمعرفة فقط، اكتمالنا بالآخر الذي يعرّفنا أكثر على أنفسنا، ويجعلنا نعود إلى أنفسنا سالمين. 

The post  «راكب الريح» وعبور يحيى يخلف إلى الذات الفلسطينية  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
«قهوة الجنرال» لغسان جباعي: مغايرة السائد في أدب السجون https://rommanmag.com/archives/18653 Wed, 19 Apr 2017 04:00:00 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%82%d9%87%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%b1%d8%a7%d9%84-%d9%84%d8%ba%d8%b3%d8%a7%d9%86-%d8%ac%d8%a8%d8%a7%d8%b9%d9%8a-%d9%85%d8%ba%d8%a7%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3/ هي ليست مجرد رواية حقيقية صادمة تشكل شاهداً لاذعاً على قتل الحياة تحت التعذيب في سجون الرأي لدى الأنظمة الدكتاتورية، وخاصة هناك تحت الأرض في زنازين دمشق، وليست أيضاً مجرد الرواية التي نالت جائزة المزرعة التي تشرف عليها رابطة الكتاب السوريين الأحرار التي انبثقت بعد الثورة، وهي أيضاً ليست مجرد سرد وأحداث ولغة كعادة الروايات، […]

The post «قهوة الجنرال» لغسان جباعي: مغايرة السائد في أدب السجون appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

هي ليست مجرد رواية حقيقية صادمة تشكل شاهداً لاذعاً على قتل الحياة تحت التعذيب في سجون الرأي لدى الأنظمة الدكتاتورية، وخاصة هناك تحت الأرض في زنازين دمشق، وليست أيضاً مجرد الرواية التي نالت جائزة المزرعة التي تشرف عليها رابطة الكتاب السوريين الأحرار التي انبثقت بعد الثورة، وهي أيضاً ليست مجرد سرد وأحداث ولغة كعادة الروايات، قهوة الجنرال هي مزيج معقد من أوراح، وصراخ، وعفونة، ومواء، تلتف حول رقبتك منذ صفحاتها الأولى لتجعلك سجينها الأوحد، ولتبدأ بممارسة تعذيبك بكل لغات التعذيب البشري.

يعذبك غسان جباعي بالشعر الكثيف المتراكم بين الجمل الوعرة المدببة، الجمل التي تتراكض لتستقر في قلبك وتحشو شراينك بالدهشة والسؤال، وليصل طعمها إلى فمك تاركاً فيه مزيجاً من العجز والخذلان، مزيجاً من أشلاء أحلام، ومن مرارة عميقة، كما بعذبك غسان أيضاً بالوقوف المسرحي المهيب في المسافة القاتلة بين النور والظل، لتجد ظلك في قاتلك، ولتجد قاتلك ينام في جسدك الذي يتحرر منك في نهاية الرواية ويذهب إليه.

يعذبك بالعتمة الطافحة بالأنوثة المكسورة، بالضوء الطاعن بالذكورة العرجاء ثم يعلقك على سلمه المسرحي لتعيش حالة الشبح التي يعيشها كل معتقل سياسي في بلاد تطعمك خبزها المعجون بالشيح والصبار.

من الرشفة الأولى من «قهوة الجنرال» يمسك غسان بنا متلبسين بخوفنا وبهشاشتنا، ولا يتركنا، بل على العكس نظل نلاحقه علنا نجد بعضاً آخر منا، وهو بدهاء الروائي والمخرج المسرحي يتركنا نتأرجح بين سرد يروي بطريقة غريبة وجديدة عشر سنوات من حياة بطلها ربيع، حياته التي اقتلعها منه جنرال الأسى كما سماه وجعلها تعيش دائماً بعيدة عنه، حياته التي كانت تعيش بملح دموع أمه التي أمضت عشر سنين تتنتظره والتي أصيبت بجلطة دماغية ساعة عودته، وحياته التي كانت تموت بجانبه في المعتقل مثلما كانت تموت في عيني زوجة ربيع  التي كان عليها أن تدفع نصيبها كاملاً من القهر والانتظار والذل وبعدها من التحول الجارح إلى زوجة سجين سياسي متهم بالخيانة تشحذ قوت أطفالها وتشحذ ضمان استمرار حياته وحلم خروجه يوماً من جيوب ضباط السجن بلحم أنوثتها الشهي، وبين مسرح كامل خلقه الكاتب فينا لنصير نحن الجمهور الذي يطلق عليه الرصاص من فوهات تجربته المحشوة بديناميت ونحن الفئران ذات العيون البراقة التي تملأ كل زوايا الزنزانة، ونحن أيضاً القطط التي كانت تراقب مشاهد الحب والجنس بينه وبين عروسه وبينه وبين المرأة التي تؤجره نفسها بعد خروجه من السجن، وليصير البطل ربيع هو الممثل الوحيد في الصالة التي هي الزنازنة لمدة عشر سنوات كاملة وهي الوطن بكل حدوده الجغرافية والفكرية والعقائدية وهي خوفنا من الطاغية  القائد الواحد إلى الأبد للحزب الواحد ولملايين الجواسيس، وهي أيضاً العلاقة بين الرجل والمرأة في بلاد تأكل قلوب ناسها وترمي عليهم اسمها وعلمها وشعارات المقاومة والممناعة والقومية العربية الرنانة.

في «قهوة الجنرال» يلتقي ربيع، الخارج من عشر سنوات من السجن السياسي بقدم مبتورة وروح مثقوبة بأعقاب السجائر، مع امرأة كانت قد قبضت 500 ليرة سورية مقابل أن تهب هذا الخارج من السجن ليلة يحاول فيها العودة للتعرف على نفسه فيها من جديد، في فندق رخيص، وهنا تكون الذروة الدرامية لهذه الرواية الممسرحة والمكتوبة شعراً، اذ يتعرف كل منهما على الآخر ويكتشفان أنهما الزوجان اللذان جمعهما عشق أو رغبات قبل أحد عشر عاماً وجمعهما طفل كان لم يكمل الشهرين حين اقتادوا والده إلى ما تحت الأرض، هنا نكتشف نحن سجناء هذه الرواية حجم الخراب وعمق الهاوية التي يعيشها الإنسان في بلاد القمع والذعر، هنا نكتشف كيف لن ينجو أحد من مجزرة اعدام الانسانية فينا مثلما لم ينجُ أحد من سجناء صيدنايا ساعة المجزرة.

لم يخرج غسان جباعي في روايته من سجنه فقد كان حبيس كل ذلك الفقد الهائل الذي نما في عشر سنوات كالعليق على ما بقي فيه من شجر، وأراد أيضاً أن يُدخل قارءه كاملاً إلى سجنه لعل أرواحنا تحبل ببذور ثورة ما بعد كل هذا الحرث فيها.

حاول غسان في «قهوة الجنرال» أن يضع كل ما خزّن من لغة ومسرح وشعر وتجربة في روايته، لذا فقد جاءت مختلفة وشائكة، لكن طعمها سيبقى تحت اللسان لفترات طويلة، كما حاول أن يفرغ قليلا من النار التي لم يزل يعيشها إلى نار على الورق، لذا فهو عبور من نار إلى نار بأصابع ملذوعة حكمت على قارئها بالاحتراق المؤبد، لكنه أيضاً وقع في بعض التقريرية التي حاول تغليفها بما قبلها وبعدها من تخيل ومن صور مدهشة في طريقة الكتابة تلسع الروح، لذا فقد جاءت مغايرة للشكل النمطي لأدب السجون، متميزة بكثافتها وبلعبتها السردية، وبتقنيات المسرح المضافة كاملة فيها، وبعلو لغتها الذي قد يوصلك إلى السماء السابعة، لكنها رواية حادة، وبرغم سرياليتها فهي حقيقية، إلى درجة تجعلك تتذوق مرارتها كاملةً.

The post «قهوة الجنرال» لغسان جباعي: مغايرة السائد في أدب السجون appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الشعر السوري في المنفى، وعالم يحرق قلبه https://rommanmag.com/archives/18543 Thu, 16 Feb 2017 07:00:00 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b9%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d9%81%d9%89%d8%8c-%d9%88%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d9%8a%d8%ad%d8%b1%d9%82-%d9%82%d9%84%d8%a8/ الشعرهو تلك المسافة التي يعبرها كل من الشاعر والقارئ بين نارين كاملتين، بين موتين ناقصين، بين حالتين متفردتين من السؤال والدهشة والنطق الأول لكل أبجديات الأرض. والقصيدة أم تربي أبناءها الكبار لكي يعودوا صغاراً، وهي أيضاً تلك الأم التي تعرف كيف تطبخ لهم دهشتها على نار هادئة بحيث تستوي ولا تحترق. ولكن أي عبور يعبره […]

The post الشعر السوري في المنفى، وعالم يحرق قلبه appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الشعرهو تلك المسافة التي يعبرها كل من الشاعر والقارئ بين نارين كاملتين، بين موتين ناقصين، بين حالتين متفردتين من السؤال والدهشة والنطق الأول لكل أبجديات الأرض.

والقصيدة أم تربي أبناءها الكبار لكي يعودوا صغاراً، وهي أيضاً تلك الأم التي تعرف كيف تطبخ لهم دهشتها على نار هادئة بحيث تستوي ولا تحترق.

ولكن أي عبور يعبره الآن الشاعر السوري في أكبر تغريبة عرفها هذا القرن؟ وما الذي ستقوله قصيدته الأم التي سقط قلبها في حفرة من تراب؟ والتي سقط شعر رأسها حين مات أبناؤها تحت النعذيب؟ ماذا سيبقى فيها حين تسقط على أبنائها كل سقوف العالم، وسقوف أحلامهم البسيطة بالحياة؟ ما الذي ستقوله القصيدة الأم السورية حين صارت قلوب سكانها طحيناً من غبار؟ وكم من الملح سيملأ فمها، وقلبها، حين يغرق أطفالها في البحر؟

يقول الشاعر السوري عارف حمزة الذي وصل إلى المانيا ولم يزل يعرّف عن نفسه بأنه مقيم في الحكسة:

لا أطفئ أضواء شرفتي المطلة على البحر المتوسط 

من أجل المهاجرين السوريين 

اللذين يغرون فيه 

كل ليلة .

إن القصيدة السورية الراحلة عن دمشقها، تحمل معها كل طعم الحارات التي كانت، وتحمل كل الشرفات التي هوت، وكل الملح الذي ملأ القلب، تعجهنهم جميعهم مع طحين الأحلام وماء العيون التي رحلت وهي مفتوحة، تخبزهم في عبورها للنار، وتقدمهم للعالم الذي لا يشبع.

هذه القصيدة السورية الأم  يرحل الآن أبناؤها وقلوبهم ترتطم بأقدامهم،  يصير شاعرها السوري داخلها يتيماً، ويصير ذاك الغريب الذي يشرب ملح دموعه ويقتل نفسه كي يرى دمشقه فيه ولو مرة واحدة.

يقول فايز العباس الشاعر السوري الذي ينتقل من قبر إلى قبر:

يهرب من يسكنون أناي من الحلم 

يحتشدون على معبر الموت 

ينتقلون من القبر الذي كنته ذات عمر 

إلى القبر الذي صرته آن غادرني كل ذاك الحمام 

يمر بي الموت طفلا 

ويكبر حتى يكفن بعض شعره بعضا

ولا شيء ينجو من الياسمين 

كمصباح في بيت الأعمى، كالأشواك التي تهبها الصبارة للريح، كالسهم القتيل الذي بلا هدف لكنه يصيب القلب، يأتي شعر السوري الراحل عن حياته والذاهب لبلاد البرد، ويبقى شاعرها  يربي حياته التي تركها هناك 

يربيها ويقتلها، ويدفن حملها في القصيدة 

وداد نبي الشاعرة السورية تعترف من ألمانيا: 

كامرأةٍ سيّئةٍ، لا ملامحَ لها

تبيع جسَدها على رصيفٍ مزدحمٍ ببرلين

حفرتُ حفرةً صغيرةً

تحت شجرة زانٍ خضراء في منتزه “فيرستن فالدي”

حفرةً صغيرة تتّسعُ لأدفنَ فيها ثلاثين عامًا

وبلدًا خرابًا

ثيابي القديمة

أحذيتي في خزائنِ منزلي المتعدّدة

قصائدي القديمة

هنا في بلاد الغربة المنفى، تتحول الغابات الكبيرة إلى كائنات عارية مرعبة تشحد من السماء شمساً لا تأتي ويصير الشاعر التارك لبلاد لا يحيي فيها غير الموت سجيناً لحريته، وسجاناً لروحه التي بقيت هناك رغماً عنه والتي يريد أن يبادلها بكل بلاد العالم.

محمد المطرود الشاعر السوري يبادل غابات ألمانيا ببعض الدفلى التي كانت هناك ويعري سجنه بين قضبان المعنى وزنازين الله الواسعة:

خُذ الأشجارَ، أشجارَ السَرو العاليةِ، أشجارَ الزينةِ من الصنوبرِ والصندلِ والحشائشَ والخشبَ، الخشبَ الذي كانَ فتياً ويُسمىَّ شجرةً، واترك لنا الدُفلى فيما تَتركُ شجراً كثيراً، حينَ كانتِ الغابةُ تتنفسُ، ولم تكُن ابنةَ الموت، افعل هذا، لنتعلمَّ المرَّ ونفعلهُ بعد أن قلناه كثيراً ولم ننجَح ولم نيأس أيضاً، قدرُها أنْ تشتدَّ الحياةُ وقدَرُنا أنْ نشدَّ الصبرَ على ظهورِ دوابِنا ونرحلَ من أرضٍ إلى سواها، ونقولُ: ” أرضُ اللهِ واسعةٌ” في حين ضاقت علينا كأنَّها تابوتُ.

نعم يصير الشاعر السوري الطاعن في حزنه وفي رحيله، يصير الغريب عن كل الحياة ويصير الغريب عن نفسه فهو لم يأت إلى هذي البلاد سائحاً، ولم يأت مهاجراً، ولم يأت حياً.

الشاعر السوري عمار الجمعة يخاطب من ألمانيا رسول الرؤيا كما تخاطب فريسة عين صيادها:

هنا الرؤيا يا رسولُ الرؤيا وهنا تكسّر الذاتِ على نطعِ القصيدةِ

وهنا الهبوبُ يسكنكَ، وهنا الهبوب يغادر، وهنا الصَدع والأمسُ

فأنىَّ وليتَ وجهكَ يا غريب وقد نبتَت في النفس خناجر وأكاذيب

ثَمَّ ما لا يقولهُ الحنينُ سوىَ الآه.. آهٍ تتبعُها آه

إلىَ أنْ يحطَّ الحمامُ أو يطيرَ أو يبيضَ معجزةً

قُل كلمتك يا رسولَ الرؤيا، قُلها وامضِ خفيفاً

أو نَم بينَ جمعِ الجثث!

ولا تنتهي القصيدة، ولا تنتهي جراحات الناي في صدر الحنين، ولا ينتهي الموت الجاهز لكل مقاساتنا، وبكل ألوان الوجع، هناك في الحكسة أم لم تزل تعلق قلبها في صوت يأتيها بالهاتف، وهنا في ألمانيا شاعر يأكل البرد الطويل، يشرب حليب صوتها، ويكتب للعالم أجمل وأوجع المقاطع، يقول عارف حمزة:

نتحدّث أنا وأمي يوميّاً بالهاتف

مثل أرملتين

في سنوات الحداد.

الهاتف بالنسبة لأمي

مثل “سيروم”

معلّق في يدها.

هو الشاعر السوري في المنفى يعبر ألف دائرة للنار، يمد أصابعه إلى قصيدته، يحرك فيها شعلتها، وحين تتوهج هذه القصيدة، وتصير أدباً جديداً بطعم لم يعرفه العالم، أدباً بطعم الحطب والملح، حينها وعن سابق إصرار، سيحرق هذا العالم فيها قلبه.

The post الشعر السوري في المنفى، وعالم يحرق قلبه appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>