لم تدخل المياه إلى جوفه، بل انسكبت على قميصه، تمامًا في موضع بقعة القهوة. جفل مرّة أُخرى، لم تقع منه الكأس لكنَّ الماء التي فيها فعلت وأعادت شطف الموضع الذي سقطت فوقه القهوة منذ قليل.
نسي وليد أن يخلع كمامته عن وجهه بعد أن طلب قهوة الإسبريسو من على منضدة المقهى الذي يرتاده بشكل شبه يومي وجلس على مقعدٍ وثير لوحده رغم أنّه يتسع لإثنين غيره. أخذ تركيزه ينصب على هاتفه يُراجع المستجدات الأخيرة التي يتابعها بشكلٍ دائم على مواقع التواصل الإجتماعي.
أتاه الشاب العامل في المقهى مُحاسبًا ونادلًا وصانع قهوة بفنجانه ناسيًّا كأس الماء الذي أدرجته صاحبة المقهى ضمن السعر الأساسي لطلب فنجان الإسبريسو. شكره وليد مع ابتسامته المختفية وراء قناعه، وعاد بنظره إلى شاشة هاتفه وأنهى قراءة المقال الذي بدأه، ثمَّ أطفأ الشاشة ووضع الهاتف جانبًا وأغمض عينيه وأرجع رأسه إلى الوراء مستندً إلى أعلى ظهر المقعد الذي يشغله، مُقنعًا نفسه بأنّه حاليًّا في استراحة من عمله رغم أنَّ النهار لا يزال في أوله ولا يوجد في جسمه ما هو مرهقٌ من العمل باستثناء عينيه اللتين كانتا مركزتين على الشاشة.
فتح عينيه كمن استيقظ لتوه من النوم وانحنى إلى الطاولة وتناول الفنجان حاملًا إياه من صحنه ووضعه على مسند المقعد. أخذ نفسًا عميقًا ووجّه أصبعاه نحو جفنيه وفركهما مهيئًا نفسه لثالث فنجان قهوة سيتجرّعه ذلك اليوم. حمل الفنجان وهمَّ بسحب رشفة كبيرة فتفاجأ أنَّ القهوة انسكبت عليه عِوَضَ دخلوها إلى جوفه. جفل وأسقط الفنجان على الأرض متحطمًا إلى قطع صغيرة ناثرًا ما بقي فيه من قهوة في أرجاء المكان.
هجم الشاب النادل المحاسب صانع القهوة إليه وبيده ممسحة المقهى وكأنّه كان مترقبًا للحادثة مراقبًا لحيثياتها. بدأ الشاب بمسح الأرض مجيبًا وليد على اعتذاراته المتكرّرة ومؤكّدًا له بأن الأمر على ما يُرام وأنَّ هذا الحادث المتكرّر أصبح معتادًا عليه.
بعد أن عاد إلى وليد صوابه بدأ بمسح ما انسكب من قهوة على قميصه بمنديلٍ ورقيّ جاف. وما أن انتهى الشاب النادل المحاسب صانع القهوة من تنظيف فوضى وليد حتى سأله إن كان محتاجًا لشيءٍ آخر فطلب منه وليد القليل من الماء لإزالة البقعة عن قميصه. تذكّر الشاب النادل المحاسب صانع القهوة كأس الماء الذي كان يجب أن يكون مع القهوة فأسرع لإحضاره. وعندما رأى وليد الكأس أحس أنّ القهوة التي لامست شفتيه دون الدخول إليهما قد بدأت تُلهبهما فنسي البقعة التي على قميصه واختار أن يرتشف من تلك الكأس ليطفئ لهيبهما.
لم تدخل المياه إلى جوفه، بل انسكبت على قميصه، تمامًا في موضع بقعة القهوة. جفل مرّة أُخرى، لم تقع منه الكأس لكنَّ الماء التي فيها فعلت وأعادت شطف الموضع الذي سقطت فوقه القهوة منذ قليل. وبكلّ برودة عاد الشاب النادل المحاسب صانع القهوة إليه حاملًا ممسحة المقهى وبدأ بمسح الأرض مجيبًا وليد على اعتذاراته المتكرّرة ومؤكّدًا له بأن الأمر على ما يُرام وأنَّ هذا الحادث المتكرّر أصبح معتادًا عليه.