جميل هلال: لا معنى للحديث عن نظام سياسي فلسطيني

2022-01-30 02:00:00

جميل هلال: لا معنى للحديث عن نظام سياسي فلسطيني

لا يوجد نظام سياسي فلسطيني إذ لا سيادة على الأرض والحدود والموارد الطبيعية لا في الضفة ولا في غزة ولا في الأرض المحتلة منذ العام ١٩٤٨ وفي الشتات. لا معنى للحديث عن نظام سياسي فلسطيني. لغة "النظام السياسي" هي من تداعيات ومخلفات اتفاق أوسلو، ما يوجد في الضفة هو حكم محلي محدود الصلاحيات إلى أبعد الحدود وفي غزة هناك غيتو، أو سجن كبير، وفي مناطق ٤٨ هناك تمييز قومي، وفي الشتات رفض لحق العودة.

نتوقف في هذا الحوار مع الباحث الاجتماعي والكاتب الفلسطيني جميل هلال، للحديث عن كتاب «فلسطين دولياً: صعود اليمين في العالم وإعادة رسم التحديات»، الذي حرّره وساهم في كتابة أحد بحوثه.

هلال، الذي تستضيفه "رمان الثقافية" للحديث عن تفاصيل الكتاب، عمل كمحاضر في جامعة رهام وجامعة لندن، وكباحث زائر في جامعة أكسفورد في بريطانيا. وشغِل وما زال، منصب كبير الباحثين في عدد من المؤسسات البحثية الفلسطينية. ونشر العديد من الكتب والمقالات والمؤلفات عن المجتمع الفلسطيني، والصراع العربي - الإسرائيلي، وقضايا الشرق الأوسط، منها: «العمل على الفقر، التنظيمات والأحزاب السياسية الفلسطينية» (رام الله: مواطن، ٢٠٠٦)، «النظام السياسي الفلسطيني بعد أوسلو» (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ١٩٩٨)، «تكوين النخبة الفلسطينية» (رام الله: مواطن، ٢٠٠٢)، «قراءات في المشروع الوطني الفلسطيني بين الأمس واليوم»، (مشترك)، (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ٢٠١٩).

في مستهل حوارنا، أرجو أن تقرّبونا من ذاتكم، ومن انشغالاتكم على صعيد البحث والكتابة؟ 

 تفرغت منذ العام ١٩٩٣ للبحث والكتابة وعملت بعد أن عدت إلى فلسطين من جامعة أكسفورد كباحث مستضاف في صيف العام ١٩٩٥- كباحث مستقل عن مؤسسات السلطة، في مؤسسات البحث الفلسطينية، منها مواطن، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، جامعة بيرزيت، دراسات المرأة ومركز دراسات التنمية وكلية الحقوق، وماس، ومركز الأبحاث الفلسطيني. قبل ذلك عملت في التدريس الجامعي في بريطانيا، ثم في مركز الأبحاث الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعملت مدرساً جامعياً في جامعة دار السلام خلال السنة الدراسية ١٩٧٤/١٩٧٥ وعدت بعدها إلى بيروت ونشطت في أحد التنظيمات السياسية اليسارية حتى بداية التسعينيات عندما قررت تجنيد كل وقتي للبحث والكتابة. وهو ما أقوم به حالياً، مع ممارسة لهواية الرسم والاستماع للموسيقى وقراءة الأدب.

أشارك في هيئات عامة لمنظمات ومؤسسات مدنية ناشطة في النشر وتنظيم الحوارات وحقوق الإنسان. وشملت مؤلفاتي أبحاثاً عن المجتمع الإسرائيلي والفلسطيني وعن واقع وتحوّلات الحقل السياسي الفلسطيني والأحزاب السياسية ودراسات عن الشباب والطبقة الوسطى والنخب السياسية الفلسطينية وعن الفقراء واليسار الفلسطيني والتعليم الذي يشكّل رأس المال الاجتماعي، وتناولت أبحاثي مناقشات للمشروع الوطني الفلسطيني بعد تداعي "حل الدولتين" ومهام الثقافة الفلسطينية، وشروط إعادة بناء منظمة التحرير، ودلالات وتداعيات وباء كوفيد صدر حديثاً عن مؤسسة القطان. ونشرت مقالات عديدة خلال العقود الثلاثة الأخيرة في مجلات محكمة، باللغتين العربية والانجليزية، وبعض كتاباتي ترجمت للإيطالية والإسبانية.

اسمح لي أن أتوقّف عند مساهمتكم في كتاب «فلسطين دولياً: صعود اليمين في العالم وإعادة رسم التحديات»، الذي شاركتم فيه في بحث بعنوان: "المسألة الفلسطينية من منظور دولي". سؤالنا: هل يمكن التعويل على المجتمع الدولي – بعد أكثر من سبعة عقود من الزمن من عمر النكبة – للوقوف أمام مسؤولياته لإنصاف الشعب الفلسطيني ومنحه حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف؟

تعبير المجتمع الدولي تعبير ملتبس لأنه يختزل معنى المجتمع الدولي في الغرب (أمريكا وأوروبا، وأحيانا تضاف روسيا والصين)، أي القوى الامبرطورية أو القوى التي تملك قوى وازنة على الصعدين الاقتصادي العسكري وذات حضور مؤثر في المؤسسات الدولية. هذه تتعامل مع بقية شعوب العالم وفق رؤياها ومصالحها وإن استخدمت لغة مبادئ وحقوق الإنسان لكن دون التزام جديّ بمبادئ العدالة والمساواة والحرّية. ولذا فإنّ التعويل على "المجتمع الدولي" بالمفهوم المتداول لن يقود إلى إنصاف الشعب الفلسطيني ولا إلى تلبية حقوقه التاريخية والوطنية. لذا فالنشاط الديبلوماسي له أفق محدود وقاصر في إنجاز حقوقنا الوطنية.

الإستراتيجية الأكثر تأثيراً هي التي تتبنى سياسية بناء علاقات تضامن مع القوى التي تحمل قيم التحرّر والعدالة والمساواة في العالم (ونجدها في النقابات العمالية، ومنظمات المرأة والشباب وحركات الشعوب الأصلانية المغدورة والفئات المهمشة)، وهو ما تعول عليه بنجاح ملموس حركة المقاطعة BDS.

برأيكم، ما الذي ميّز هذا الكتاب عمّا سبقه من بحوث ودراسات ناقشت هذه المسألة؟

ربما الأفضل أن يوجه هذا السؤال للقارىء وليس لمحرّر الكتاب الذي يطرح العديد من القضايا ذات الأهمية الشديدة، وبخاصة بعد ملاحظة تراجع اهتمام مراكز القرار في العالم وفي الشرق الأوسط، بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، وتنامي نفوذ الاتجاه اليميني والشعبوي المحافظ والمتطرف العنصري تحت شعارات محاربة "الإرهاب" والتخويف من ظاهرة الهجرة واللجوء لأوروبا وأمريكا واستراليا، وذلك لإبعاد الأنظار عن الأسباب الحقيقية للمشكلات الفعلية في العالم.

لا يغفل الكتاب ما برز في العالم من ظواهر سياسة صحية كان منها التأييد الواسع لقضايا العدالة الاجتماعية ونمو تنظيمات يسارية (وإن بشكل متواضع حتى الآن) في مواجهة التنظيمات اليمينية المتعصبة والفاشية. ومن الحكمة أن نتذكر أنّ مسببات "الربيع العربي"، ما زالت قائمة بوفرة شديدة، وقابلة للانفجار مجدداً.

صحيح أنّ السياسة الأمريكية الرسمية تواصل دعم سيطرة إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية على أرض فلسطين التاريخية إلّا أنّ الكتاب يلحظ تحوّلاً في الرأي العام الأمريكي، وتحديداً بين فئات الشباب الأمريكيين وفي أوساط الحزب الديمقراطي. كما يلحظ أنّ النشاط الثقافي الفلسطيني يترك أثراً إيجابياً على هذا الصعيد، دون مواصلة إسرائيل استثمار اتفاق أوسلو لتسويغ الرواية الصهيونية ومواصلة نشاطها الاستعماري الاستيطاني في الضفة الغربية، وللتغطية على ما ممارستها العنصرية. ويلحظ الكتاب أنّ الرواية التاريخية الفلسطينية حقّقت انتشاراّ واسعاّ في أوساط المثقفين في أوروبا والولايات المتحدة، ولحد ما في أواسط الرأي العام العالمي خلال العقدين الأخيرين رغم مأزق السياسة الفلسطينية المتفاقم، في حين تراجعت صدقية الرواية الصهيونية وما يشاهد من تحوّل في مواقف اليهود الشباب إزاء حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) تعبيراً عن الاستياء من السياسة اليمينية الإسرائيلية المناقضة لقيم الليبرالية. ويستخلص الكتاب أنّ على الحركة السياسية الفلسطينية صياغة مشروع وطني يخاطب الكل الفلسطيني والعالم الديمقراطي. 

ونجد في الكتاب نقداً شديداً وموثقاً لعلاقة أوروبا بإسرائيل التي تزداد عمقاً مع مواصلتها الاستيطان وتهويد القدس ومصادرة الأرض وتشديد نظام الأبرتهايد على كل فلسطين، ومع استمرار جرائمها. ونجد الكتاب يلاحظ الدور الضئيل جداً للاتحاد الأوروبي في قطاع غزة المحاصر والمنكوب، وكون المساعدات الإنسانية الضئيلة التي تقدم له تأتي على حساب معالجة القضايا السياسية والوطنية الإستراتيجية. بل يلحظ الكتاب دور الاتحاد الأوروبي في تكريس الحصار من خلال توصيفه حركة "حماس" كحركة إرهابية. 

فيما يخص موقف روسيا الاتحادية ينبه بأنّ العلاقات الاقتصادية الروسية الفلسطينية هامشية جداً مقارنة بالعلاقة الروسية - الإسرائيلية، وأنّ وسائل الإعلام الروسية تضع الشأن الفلسطيني على الهامش. صحيح أنّ روسيا لا تعتبر حركة "حماس" حركة ارهابية. وهي تدعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس. لكن روسيا الاتحادية لم، حتى اللحظة، تطرح بديلاً للجنة الرباعية الدولية التي تسييرها الولايات المتحدة وفق ما تريد. ويلحظ الكتاب التغيير الذي دخل في العقود الأخيرة على علاقة إسرائيل مع كل من الصين والهند بعد أن كانت علاقاتهما متميزة مع منظمة التحرير الفلسطينية، كما كان حال روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقاً، وراهناً يقيم البلدان الثلاثة علاقات اقتصادية ودبلوماسية متقدمة مع إسرائيل).

اعتراف معظم دول أمريكا اللاتينية بالدولة الفلسطينية ما بين العام ٢٠٠٨ والعام ٢٠١٣ يفسر في الكتاب بهيمنة حكومات يسارية على القارة في تلك الفترة لكن هذا الوضع بدأ في التغيير بعد التحوّل اليميني التي شهدته عدة بلدان هناك. ويلحظ الكتاب أنه في كانون أول/ ديسمبر من العام 1991 وافقت جميع دول أمريكا اللاتينية، باستثناء كوبا، على إلغاء قرار الأمم المتحدة الذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية كنتيجة لبدء مفاوضات مدريد.

اليسار في أمريكا اللاتينية فقط بقي محافظاً على التضامن مع القضية الفلسطينية. وشكل انعقاد المنتدى الاجتماعي العالمي في بورتو أليغري في البرازيل في العام ٢٠٠١ فرصة لإعادة العلاقة بين اليسار والقضية الفلسطينية. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٢ عقد المنتدى العالمي في المكان نفسه تحت عنوان "فلسطين حرّة". ويستخلص الكتاب أنّ إستراتيجية السلطة الفلسطينية أعطت الأولوية للعلاقة مع الحكومات بدلاً عن إستراتيجية تعزيز العلاقات مع مؤسسات المجتمع المدني ذات القواعد الشعبية. وهذه الإستراتيجية باتت ضرورية منذ العام ٢٠١٥ حين بدأت الأحزاب اليمينية تعود إلى الحكم في أمريكا اللاتينية، وإن بدأت ظواهر تغيير في الفترة الأخيرة.

ويدعو الكتاب حركة التضامن الفلسطينية إلى تنمية حضورها ودورها على الصعيد الشعبي وإيلاء الاهتمام الملموس بحركات الشعوب الأصلية (الأصلانيين) في أمريكا اللاتينية كونها الأقدر على تفهم ودعم مطالب حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، وإدانة نظام التمييز العنصري. كما يدعو لتنمية دور الشتات الفلسطيني في دول أمريكا اللاتينية، والانتباه لميل "الطبقة العليا" من الجاليات الفلسطينية لتأييد الأحزاب اليمينية، مما يوجد غربة بين هذه الفئة والنضال الوطني الفلسطيني. 

يولي الكتاب كذلك، اهتماماً لتطوير دور حركة المقاطعة لإسرائيل (BDS) انطلاقاً من التجربة التي راكمتها الحركة على هذا المجال، وبالاستناد إلى القيمة الخاصة التي تحتلها فلسطين في النضالات الجارية في العالم من أجل العدالة والترابط في مفاهيم العدالة والقانون الدولي وحقوق الإنسان ومحاربة جشع الشركات الكبرى واستهتارها بالبيئة وقيم العدالة. 

ناقش الكتاب أيضاً، اعتماد السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير إستراتيجية التدويل، بشكل أساسي، لتغيير موازين القوى لصالح القضية الفلسطينية. وهناك من المؤلفين من يناقش أنّ اعتماد القانون الدولي لن يغيّر من بنية الدولة الإسرائيلية ولا من ممارساتها الاستعمارية، بل يقلص الحقوق الفلسطينية لحدود الأراضي التي احتلت عام ١٩٦٧ ويشرعن الاستعمار الاستيطاني السابق (احتلال أراضي فلسطين في العام ١٩٤٨).  ويشير الكتاب إلى أنّ مكانة فلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة يتيح أمامها عضوية عديد المؤسسات الدولية بما فيها محكمة الجنايات الدولية. وهذا أمر يمكن من تجريم بعض الممارسات الإسرائيلية. كما أنّ الانضمام للهيئات الدولية يعزز من السلطة القانونية الدولية لفلسطين (كدولة غير عضو). ومن هنا دعوة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لتفسير القانون الدولي بما يخدم مصالح الأطراف المستضعفة مما يتطلب نقد ومعارضة تفسير مراكز القوة للقانون الدولي. ودعوتهما استخدام مصطلحات تعكس التجربة التاريخية للشعب الفلسطيني (كالاستعمار الاستيطاني والأربتهاريد والتطهير العرقي)، وأن تطرح جرائم في عرف محكمة الجنايات الدولية (الاحتلال ليس جريمة في عرفها). 

يستخلص الكتاب أنّ المأزق الفلسطيني الراهن يستدعي إحياء الحركة الوطنية الفلسطينية على أساس التفاهم بين أطرافها المتنازعة والمشاركة السياسية لجميع مكوناتها بما يمكن من توحيد الكل الفلسطيني في مؤسسات ديمقراطية جامعة.  

في الحديث عن صعود اليمين في العالم، هناك سؤال يفرض نفسه؛ أين اليسار العالمي اليوم من دعم القضية الفلسطينية؟

السؤال يجب أن يكون هو أين اليسار الفلسطيني؟ في الانتخابات التشريعية التي أجلت العام الماضي شارك اليسار بثلاث لوائح انتخابية (الشعبية، الديمقراطية، وحزب الشعب وفدا)، بدل من قائمة واحدة في مواجهة اليمين (الوطني والإسلامي). لذا على اليسار أن يعيد صياغة نفسه ورؤيته وصوته في مخاطبة شعبه أولاً وفي مواجهة الاستعمار الاستيطاني والأبرتهايد ثانياً وللحديث مع العالم ثالثاً.

كيف تنظرون إلى النظام السياسي الفلسطيني اليوم، والذي هو وليد اتفاقية أوسلو (١٩٩٣)؟

لا يوجد نظام سياسي فلسطيني إذ لا سيادة على الأرض والحدود والموارد الطبيعية لا في الضفة ولا في غزة ولا في الأرض المحتلة منذ العام ١٩٤٨ وفي الشتات. لا معنى للحديث عن نظام سياسي فلسطيني. لغة "النظام السياسي" هي من تداعيات ومخلفات اتفاق أوسلو، ما يوجد في الضفة هو حكم محلي محدود الصلاحيات إلى أبعد الحدود وفي غزة هناك غيتو، أو سجن كبير، وفي مناطق ٤٨ هناك تمييز قومي، وفي الشتات رفض لحق العودة.

في هذا السياق، كيف تقرأون مواقف قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية في رام الله، وقيادات حماس في غزة؟

مؤسسات منظمة التحرير مهمشة إلى أبعد الحدود، بعد أوسلو. وهي بحاجة إلى إعادة بناء جذرية وعلى أسس ديمقراطية وتمثيلية لكل مكونات الشعب الفلسطيني كمؤسسات تمثيلية للكل الفلسطيني (مجلس وطني، لجنة تنفيذية، إلخ). وكأطر تمثيلية لمصالح وتطلعات قطاعية (عمال، نساء، شباب، إلخ) ومهنية (معلمين، مهندسين، كتّاب وصحافيين، أطباء، إلخ). مواقف السلطة الفلسطينية وقيادات حماس يحركها هدف الحفاظ على سلطتها كحكم محلي.

بتقديركم، ما هو الأفق الذي ينتظر السلطة الفلسطينية في ظل السياسات الإسرائيلية الرافضة لأي حل سياسي يمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وكذلك في ظل موقف الإدارة الأمريكية الحالية الراهن؟

ما دامت السلطة الفلسطينية وحماس على حاليهما الراهن، ستستمر إسرائيل في سياستها الاستعمارية الاستيطانية وفي فرض معازل وغيتوات على الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية والتنكر لحق العودة للاجئين الفلسطينيين. نحن بحاجة للتخلص من ترتيبات أوسلو، وبناء صعود منظمة تحرير جديدة تحمل رؤية سياسية جديدة جامعة لمصالح وحقوق الكل الفلسطيني وتخاطب اليهود الإسرائيليين بضرورة مغادرة الصهيونية كأيديولوجة عنصرية وممارسة استعمارية استيطانية.

ما هي نظرتكم للمجتمع المدني في فلسطين، بخاصة في الضفة الغربية؟ وما هي التحديات التي تواجهه في حالة انسداد الأفق السياسي الذي نعيشه؟

على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني أن تعي أنّ دورها الأساسي هو تنظيم المجتمع بتكويناته المختلفة للدفاع عن حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وبما يعزز من نضاله ككل من أجل حقوقه الوطنية السياسية والتاريخية. تحوّل المنظمات الجماهيرية والمهنية إلى منظمات تقديم خدمات للجمهور اعتماداً على تمويل من خارج المجتمع الفلسطيني ووفق شروط الممول فرّغ العديد منها من دورها الأساسي، وجعل مرجعيتها الممول الخارجي وليس المجتمع نفسه.

كعالم اجتماع وكاتب سياسي، هل تؤمن بقدرة الكتابة السياسية على إحداث تغيير ما في المجتمع الفلسطيني، وكذلك في المشهد السياسي الفلسطيني، وفي طبيعة الصراع الفلسطيني السياسي؟ وما واجب المثقف الفلسطيني في اللحظة الراهنة تجاه القضية الفلسطينية؟ ما الفارق الذي يمكن أن يصنعه مقارنة بسواه؟

لقد كتبت في أكثر من مجال عن دور المثقف بالمعنى الواسع (الفن والأدب والمسرح والسينما والأغنية والفكر النقدي...) في تعميق الرواية التاريخية الفلسطينية وترسيخ القيم التقدمية التحرّرية والانعتاقية والتصدي للقيم والممارسات الظلامية والرجعية. المثقف التقدمي (أو العضوي بتعبير غرامشي) له دور تنوير الآراء وتعميقها في النضال ضد الاستعمار الاستيطاني والتمييز العنصري ومن أجل مجتمع ديمقراطي حرّ، يعلي من قيم ومبادئ العدالة والمساواة والحرّية. أرى أن من واجب المثقف المساهمة في طرح مشروع وطني يتجاوب مع مصالح وحقوق مكونات الكل الفلسطيني.

هل تعتقدون أنّ هناك دوراً حقيقياً للشباب الفلسطيني في التغيير، ورسم خريطة سياسية وفكرية مختلفة لفلسطين المستقبل؟ 

نعم يمكن للشباب أن يقوموا بدور في رسم خريطة سياسية وثقافية واجتماعية لفلسطين المستقبل. هذا يستدعي تحلي الشباب بقيم وأفاق تحرّرية ديمقراطية وأن ينشطوا في جذب تعاون وتضامن بقية فئات فالمجتمع، وبخاصة الفئات المهمشة والمسحوقة والمعرضة للإفقار والاستغلال والقهر والتمييز. بدون قيم تحرّرية لا أفق لدور متميز للشباب، وسيبقى الشباب كفئة عمرية عابرة، خاضعة لصالح رأس المال وأصحاب السلطة.

في الختام؛ بماذا تفكر اليوم؟ هل هناك أي مشاريع بحثية قريبة؟ في اللحظة الراهنة؟

لا مشاريع بحثية بالمعنى الجدّي لديّ راهناً، الواقع البحثي الفلسطيني القائم لا يشجع على ذلك.