"أيام فلسطين السينمائية"... مغامرة مستمرة لتسع سنوات

2022-10-31 11:00:00

ومع كل هذه المخاوف المشروعة والمبررة إلا أن الإقبال على الندوات أو حضور الأفلام والنقاشات يزيد، كما أن فرص العروض خارج رام الله ازدادت فهناك عروض في كل من حيفا وبيت لحم والقدس وجنين وغزة ورفح، وسط الاهتمام بقيمة الأفلام المُختارة من قبل لجنة فنية خاصة بناءً على اللغة السينمائية والقصص الإنسانية والأفلام المستقلة.

وليد يعيش في حيفا، يحاول الحفاظ على هويته كفلسطيني، فيدخل في صراعٍ يوميّ مع المسميات لدى مُدرسة ابنه وعند زيارة العيادة الطبية، فهو يصرّ أن فلسطين على الخارطة، لكن ليس هذا كلّ ما يشغل باله، بل إنه لم يستطع أن يُكمل السطر الوحيد الذي كتبه من روايته، كما لا يحب المناسبات العائلية، منعزل، لا يكلم أحدًا، يختبئ من الناس، "زهق من الدنيا"، إلى أن يظهر جاره جلال في حياته، الوسيم المشكلجي الذي "لا تهمه فلسطين ولا غيرها".

وليد (عامر حليحل) وجلال (أشرف فرح) سيكونان بطليّ الفيلم الافتتاحي لمهرجان "أيام فلسطين السينمائية"، وهو فيلم روائي طويل بعنوان "حمى البحر المتوسط" للمخرجة مها الحاج، عبارة عن مغامرة في الحياة، سيعرضه مهرجان "أيام فلسطين السينمائية" الذي يعد تنظميه بحد ذاته أيضًا مغامرة مستمرة منذ تسعة أعوام. فليس من السهل، إقامة مهرجان سينما في فلسطين، قد تضع جدولًا لذلك، وخطة سنوية، ولكن على الدوام هناك مفاجآت، فإنه طريق التحديات.

ولأن فلسطين دومًا كانت درب الآلام ذاك، فنادرًا ما تخلو مدن الضفة الغربية من الأحداث والتغييرات السياسية. قبل أيام وقعت التطورات الميدانية الأخيرة في نابلس، على بعد حجر من افتتاح مؤسسة " فيلم لاب" مهرجانها السنويّ في قصر رام الله الثقافي، إلا أنه الوقت المناسب تمامًا لتقول الحياة في فلسطين كلمتها، فالنضال مستمر بشقيه الثقافي والميداني، وهو أمر ليس بجديد، وقد يبدو كليشيه إلا أنه حقيقي ومعاش يوميًا منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية التي خصصت دائرة للسينما، وهو موضوع سيكون جزءًا من برنامج المهرجان أيضًا، تحت عنوان "حديث لذاكرة بصرية" لمناسبة الذكرى الـ40 على خروج "منظمة التحرير الفلسطينية" من بيروت. 

وهي ليست مصادفة أن يخصص المهرجان جزءًا من برنامجه لثنائية المقاومة والسينما، ويعيشها في الوقت ذاته خلال عروض 58 فيلمًا بين الوثائقي والروائي والقصير والطويل 19 منهم مخصصة للأطفال، وسط أحداث مدينة نابلس وشعفاط بالقدس.

مدير المهرجان حنا عطالله يُسلّم بتأثير الأحداث الميدانية على سير المهرجان من حجم العروض وتواجد الجمهور، والمزاج العام لإقبال الناس، مستدركًا أن الاعتقالات والإصابات مستمرة طوال الوقت في فلسطين، لكن إذا زاد حجم الأحداث على الدوام هناك خطط بديلة، لذلك فإنه من أهم التحديات المستقبلية أمام المهرجان هي استمراره.

وهو ما توافق عليه علا سلامة مديرة مؤسسة " فيلم لاب"، فرغم إقرارها أن المهرجان يكبر وينجح عامًا بعد الآخر إلا أنه دائمًا يقام وسط مخاوف من التغيير السياسي المفاجئ الذي قد يؤثر على معنويات الجمهور أو سير الأحداث.

أما التحدي الآخر أمام استمراره فيتفق كل من سلامة وعطالله على كونه التمويل خاصة أنه لا توجد صناعة فنية سينمائية رسمية في فلسطين أو صندوق يلبي احتياجات قطاع السينما، لذلك يبقى المهرجان جزءًا من الخطة الاستراتيجية لمؤسسة " فيلم لاب"، بتمويلٍ غير حكومي، سواء عبر رجال أعمال وشركات القطاع الخاص الفلسطينية، أو بعض الجهات الأوروبية.

وتمويل المهرجان لا يقتصر على أيام إقامته وجائزته السنوية، بل هناك شراء حق عرض الأفلام، وتكاليف الترجمة، وسط منافسة مهرجانات أخرى قد تكون مغرية أكثر للمخرجين/ات، وبحسب علا سلامة فهذه الإغراءات لم تبدّل على سبيل المثال قرار المخرجة مها الحاج بأن يكون عرض فيلمها الجماهيري الأول "حمى البحر المتوسط" في مهرجان "أيام فلسطين السينمائية".

ومع كل هذه المخاوف المشروعة والمبررة إلا أن الإقبال على الندوات أو حضور الأفلام والنقاشات يزيد، كما أن فرص العروض خارج رام الله ازدادت فهناك عروض في كل من حيفا وبيت لحم والقدس وجنين وغزة ورفح، وسط الاهتمام بقيمة الأفلام المُختارة من قبل لجنة فنية خاصة بناءً على اللغة السينمائية والقصص الإنسانية والأفلام المستقلة.

الآن انطلق قطار المهرجان كما تصف سلامة مهرجان هذا العام، فالافتتاح في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، رغم الإغلاقات والحواجز العسكرية وصعوبة الحركة التي ربما تؤثر على الحضور، إلا أنه انطلق ويعرف وجهته، وسينتهي بعد سبعة أيام بإعلان جوائز طائر الشمس الفلسطيني، وأكبرها جائزة الإنتاج التي تبلغ قيمتها 16 ألف دولار، (6 آلاف منها عينية).
 


انطلق القطار ولا يزال هناك أكبر عائق أمامه هو الاحتلال الذي يرفض إعطاء تصاريح للضيوف سواء مخرجين/ات أو منتجين/ات أو ممثلين/ات، خاصة العرب والفلسطينيين الذين لا يحملون جوازات سفر أجنبية.

وأحد هؤلاء هو المخرج محمد الصواف من قطاع غزة، ومن المقرر أن يعرض فيلمه التسجيلي المشترك مع المخرج البريطاني "مايكل وينتربوتوم" "11 يوم في مايو"، وبتعليق صوتي من صاحبة الأوسكار الممثلة كيت وينسلت، بطلة "تيتانيك".

 وسيكون عرضه في مهرجان "أيام فلسطين السينمائية" أول عرض له بالشرق الأوسط، فهو لا يزال يُعرض في بريطانيا وهولندا وبلجيكا، وإيرلندا، لكنه لم يُعرض من قبل في دولة عربية، إذ كان مقررًا عرضه قبل أسبوع، في مهرجان سينمائي بمدينة غزة، لكن لم يحدث ذلك.

ويقول المخرج لـ"مجلة رمان" إن إدارة المهرجان قدمت هويته الشخصية والأوراق اللازمة لحضور المهرجان والنتيجة "اللارد"، وهي طريقة يتبعها الاحتلال في رفض كثيرٍ من التصاريح، بأن لا يرد حتى مرور المدة التي يحتاجها الشخص.

ويضيف الصواف عن فيلمه بأنه ليس سياسيًا كما لا يُركّز على تفاصيل العدوان الإسرائيلي في مايو/أيار2021، بل يتابع أيام الحرب ويتحدث عن كلّ طفل استشهد فيها منذ اليوم الأول حتى الـ11 " بماذا كان يحلم أن يكون بالمستقبل، صوره، ومقاطع الفيديو في وسائل التواصل، ذكرياته مع عائلته، دفاتره، رسوماته".

سيكون أحد ضيوف مهرجان هذا العام المنتج الشهير حسين القلة، أما مواضيع الندوات فستكون إحداها عن مستقبل صناعة الصورة، وأخرى عن مستقبل الفيلم القصير، كما سيحتفي المهرجان بإصدار كتاب "فلسطين في السينما" للكاتبين وليد شميط وغي هينبل. ويبقى أمل استمراره كمهرجان فلسطينيّ أول في تشجيع السينما، وبناء الثقافات ودعم صناع الأفلام محلقًا فوق كل الصعاب والمفاجآت.