فاروق وادي - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/117rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:40:52 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png فاروق وادي - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/117rommanmag-com 32 32 المدينة التي فتحت أبوابها ونوافذها للآخر  https://rommanmag.com/archives/19086 Fri, 26 Jan 2018 08:47:19 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d9%8a%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d9%81%d8%aa%d8%ad%d8%aa-%d8%a3%d8%a8%d9%88%d8%a7%d8%a8%d9%87%d8%a7-%d9%88%d9%86%d9%88%d8%a7%d9%81%d8%b0%d9%87%d8%a7-%d9%84%d9%84/ في سنوات السبعينيات من القرن الماضي، وربما مع دعم السادات للقوى الدينيّة الأصوليّة، هادفاً إلى ضرب تنظيمات اليسار المصري، التي كانت تحتفظ حتّى ذلك الوقت بقدرٍ من التأثير بين الناس، بدأ زحف التنظيمات الإسلاميّة الأصوليّة، وظهرت هيمنتها على منابر الجوامع. وشيئاً فشيئاً، بدا حضورها جلياً في الشارع، ساعدها في ذلك القوة الاقتصاديّة الفاعلة للإخوان المسلمين، […]

The post المدينة التي فتحت أبوابها ونوافذها للآخر  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
في سنوات السبعينيات من القرن الماضي، وربما مع دعم السادات للقوى الدينيّة الأصوليّة، هادفاً إلى ضرب تنظيمات اليسار المصري، التي كانت تحتفظ حتّى ذلك الوقت بقدرٍ من التأثير بين الناس، بدأ زحف التنظيمات الإسلاميّة الأصوليّة، وظهرت هيمنتها على منابر الجوامع. وشيئاً فشيئاً، بدا حضورها جلياً في الشارع، ساعدها في ذلك القوة الاقتصاديّة الفاعلة للإخوان المسلمين، واستثمارهم الانتهازي الذكيّ لحادث الزلزال الذي ضرب مصر أوائل التسعينيات، ومسارعتهم إلى مدّ يد العون للمتضررين من المحتاجين، في حين غابت مؤسسات الدولة تماماً، الأمر الذي واصله التنظيم الإخواني، بعد ذلك، في الأحياء الفقيرة والمناطق النائية المنسيّة، مستغلاً تحالف الجهل والفقر هناك، ما منح وجوداً مكثفاً وحقيقياً للجماعات الإسلاميّة في أحياء الاسكندريّة الأكثر فقراً وجهلاً.

مع هذا الحضور، سطع نجم شيخ جامع القائد ابراهيم في “الأزاريطة”، في قلب الاسكندريّة. وهو الوسط الذي طالما شكّل موئلاً للتعدديّة والتسامح الديني والعرقي الذي وسم المدينة وشكّل مركزاً لوجود الطليان واليونانيين والانجليز والفرنسيين.. وربما غبرهم. وعلت ميكروفونات الجامع، ليُشكّل مكاناً لتفريخ الأيدولوجيا الدينيّة وانتشارها. 

لقد تمدّدت الحركة الدينيّة الأصوليّة، دون ضوابط، حتّى أنه لم يعد من المبالغة القول، أن الاسكندريّة، التي طالما عُرفت بالتعدديّة التي تحترم وجود الآخر، ومعتقداته الدينيّة، وثقافته المختلفة، وبالليبراليّة الفكريّة والسياسيّة، باتت تُعرف بأنها مركز ثقل التنظيماتّ الأكثر أصوليّة وتطرفاً في مصر.

***

يجذبنا الحنين إلى الزمن الكوزموبولوتاني للاسكندريّة، حين نتأمّل أسماء أحياء المدينة، التي ما زالت صامدة كما هي حتّى الأن، منذ سنوات بعيدة تعود إلى أزمنة التعدديّة وتقبّل الآخر، وهي أسماء من الملاحظ أنها لم تتغيّر، رغم تغيّر طبيعة الأنظمة التي مرّت على مصر على مدى السنوات الماضية. 

ولسنا في حاجة إلى جهد لنكتشف أن هذه الأسماء هي أجنبيّة في الأساس، تعود في معظمها إلى أشخاص كانوا فاعلين ومؤثرين في المدينة. وإذا ما استعرضنا بعضها، المتداول بثبات حتى الآن، فإننا سوف نتأكد من ذلك.

ربما تكون المعلومات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت، هي المصدر الوحيد المتوافر لنا حول هذه المسألة، وهو المصدر الذي سنعتمده إلى حين العثور على مصادر أخرى أكثر وثوقيّة.

فاسم “زيزينيا” جاء من اسم الكونت زيزينيا، تاجر القطن الإيطالي الشهير في زمنه، والذي عاش طويلاً في الاسكندريّة؛ فيما جاء اسم “لوران” من اسم الخواجا لوران صاحب شركة سجائر كان معروفاً خلال سنوات القرن الثامن عشر، ويشغل قصره الآن مدرسة لوران الثانويّة للبنات. أمّا “بولكلي” (الذي طالما حسبتُ أنه جاء من اسم الفنان التشكيلي العالمي الشهير)، ومعه أسماء “فلمنج” و”شوتس” و”ستانلي”، فهي أسماء لشخصيّات إنجليزيّة من مؤسسي مجلس إدارة ترام الرّمل. وأمّا “جليم” فقد جاء من اسم جليموبولو”، وهو يوناني وأحد أعضاء المجلس البلدي للاسكندريّة في إحدى حقبها التاريخيّة الحديثة. وأمّا “بكوس” (الذي يوحي بأنه مشتق من اسم الآلهة اليونانيّة باخوس)، فهو نسبة إلى الخواجا اليوناني باكوس، الذي كان شخصيّة مؤثّرة في بورصة تجارة القطن في المدينة؛ في حين تُنسب “جناكليس” إلى خواجا يوناني آخر يحمل هذا الإسم، وكان صاحب مزارع عتب ومصانع تقطير الكروم (النبيذ)، وما زالت تحمل اسمه إحدى كبريات شركات إنتاج وتجارة الخمور في مصر. وأمّا منطقة “سابا باشا”، فهي نسبة إلى شخص يحمل الاسم ذاته، وهو مصري من أصول لبنانيّة، كان أوّل مصريّ يُعيّن لشركة البوستة الخديويّة (شركة ملاحة بحريّة)، ثمّ عُيّن وزيراً للماليّة في مصر. أمّا “سموحة” فهو يهودي عراقي وفد إلى الاسكندريّة، وقد تولّى عمليّة تجفيف بحيرة “الحضرة”. في حين تُنسب “محرّم بيه” إلى محرّم بك زوج تفيدة هانم بنت محمد علي باشا، وكان خلال سنوات من حياته حاكماً للاسكندريّة؛ في حين تُنسب “مريوط” إلى ماريوت باشا، أحد الأثريين الفرنسيين المشهورين، الذين قدموا الاسكندريّة أواخر القرن التاسع عشر. وأما “أبو قير” فهي محوّرة عن اسم الأب كير، وهو راهب مسيحي ولد في الاسكندريّة في القرن الثاني الميلادي، واستشهد فيها، ودفن في ترابها.

***

في الاسكندريّة، ليس من غرائب الأمور أن تعثر على جامع يحمل اسم أحد أنبياء بني إسرائيل (جامع النبي دانيال). ولا نعلم متى وأين ومن الذي اجتهد وأشاع أن الإسم يعود إلى شيخ جليل، مسلم، اسمه “محمد دانيال الموصلي”، وأن لقب الشيخ تطوّر مع الزمن إلى “النبي دانيال”  (كيف ومتى ومن الذي منحه شرف النبوّة؟!). ومن المعروف أن المعبد اليهودي بالاسكندريّة يقع في شارع النبي دانيال نفسه. فهل اختار اليهود شارع الشيخ/النبي محمد دانيال ليقيموا فيه كنيسهم؟! 

مهما يكن، فإن الاسكندريّة المتسامحة، عرفت منذ زمن كان لمّا يزل يحتفظ بشيء من الليبراليّة الاجتماعيّة والانفتاح، باراً مشهوراً من باراتها الواقعه في الوسط التجاري يعود تأسيسه إلى مطلع القرن العشرين، في شارع صغير متفرّع من سعد زغلول من جهة، وشارع شريف (صلاح سالم) من الجهة الأخرى، وسط المدينة، عُرف باسم “بار الشيخ علي”. ولا شكّ في أن البحث عن حقيقة “الشيخ” الذي يملك باراً يشتهر باسمه ويجعل الناس ينسون الاسم المعلّق على بابه (الكاب دور) ظلّت تؤرقني، مثلما أرّقت غيري. فهل جاء الاسم في إحدى موجات الانفتاح الليبرالي، أم أن الصدفة لعبت دوراً في ذلك؟ 

الحيرة، ظلّت ترافق السؤال، الذي لم يُجب عنه أحد كتّاب الاسكندريّة الجادين (علاء خالد)، أكثر المعنيين بقراءة الـ”أمكنة” (اسم مجلّة متخصصة أصدرها في الاسكندريّة لهذه الغاية)، والذي كتب حول البار مقالة بالغة الجديّة والتميز، اكتفى فيها بالقول: “كيف يجتمع اسم الشيخ والبار في جملة واحدة؟ هناك روايات كثيرة عن اسم الشهرة هذا، ولكنني لم أصدّق أياً منها، أو بمعنى أصح، لم أعرها أذناً مفتوحة“.

لكن يبدو أن كاتباً سكندرياً آخر يتميّز بأعماله الروائية التي تحرص على أن تكون الاسكندريّة مسرح أحداثها، وهو “إبراهيم عبد المجيد”، شاء أن يُصدّق، أو يتبنى، قصّة لم تخل من جماليّات سرديّة، دون أن يغيب عنها المنطق القابل للإقناع، حتّى لو لم تتأكّد حقيقتها. 

فقد روى عبد المجيد (في روايته «الاسكندريّة في غيمة») أن شخصاً يُدعى “علي”، هو الذي اشترى البار من خواجا يونانيّ كان يتهيّأ للمغادرة، وقد أصبح المدعو علي حريصاً على إغلاق البار يوم الجمعة، لما يعنيه اليوم بالنسبة للمسلمين، ما جعل الزبائن الذين يترددون على المكان، يتندرون، مستثمرين خفّة الظلّ المصريّة، ومشيعين أن البار أصبح اسمه بعد قرار الإغلاق في ذلك اليوم، “بار الشيخ علي”!  

لقد نسي الناس الاسم القديم الذي حلّ مكانه اسم “بار الشيخ علي”. وتجدر الإشارة أن المخرج المتميّز داود عبد السيّد، استثمر المكان في مشاهد من فيلمه «رسائل البحر»، الذي تدور أحداثه في الاسكندريّة.

***

سيرة شيوخ الاسكندريّة، لا تمضي دون الحديث عن شيخ روى عنه “حسام تمام”، الباحث السكندري الراحل، الذي تخضّض في تاريخ الحركات الإسلاميّة. فهو يحكي عن الشيخ “عبّاس السيسي”، أحد المفكرين الإسلاميين المؤثرين في المجتمع دون تعصّب، وإمام جامع سيدي جابر في فترة سابقة، وأحد أعضاء مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين…

يقول تمام، أن الشيخ السيسي كان منفتحاً ويحمل تقديراً عالياً للفن، وأنه عندما كان يتردد على القاهرة من الاسكندريّة لحضور اجتماعات مكتب الإرشاد للإخوان، كان يحرص، قبل الاجتماع، أن يطوف على دور السينما القاهريّة. يستعرض الأفلام المعروضة، لينتقي أحدها. يحجز تذكرة سينما قبل توجهه للاجتماع. ولا يغادر العاصمة قبل مشاهدة الفيلم الذي توسّم فيه الخير. ولم يكن الشيخ السيسي مدمناً حضور الأفلام السينمائيّة فحسب، بل ظلّ يحلم طويلاً بتبني التنظيم إنتاج فيلم يتناول شخصيّة وحياة مؤسس الحركة، الشيخ حسن البنّا.

***

بعد التطورات التي شهدتها العقود الأخيرة، لم يعد من النادر، مع تسلل الزّمن التكفيري وطغيانه، أن ترى الجلابيات تغزو ماء البحر وزمانه على شواطئ المعمورة والمنتزه، وترى الحجاب وهو يغزو محطة الرّمل، موئل الأجانب حتّى منتصف القرن المنصرم، ومسرح أحداث رواية لورنس داريل «الرباعيّة الاسكندرانيّة»، والذي سرعان ما تجاوز نفسه ليحلّ مكانه غزو النقاب. 

وتتذكّر أنك، منذ عقودٍ قليلة، كنت ترى الصبايا على كورنيش البحر، عند شاطئ “ميامي”، حتّى لا نقول في مناطق أكثر انفتاحاً اجتماعياً، وهنّ يتجوّلن بملابس البحر، يقطعن شارع الكورنيش، من البحر إلى الناحية الأخرى.. ليشترين ”الجيلاتي”!

The post المدينة التي فتحت أبوابها ونوافذها للآخر  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
عن كاتب فلسطيني بلغ عتبة نوبل https://rommanmag.com/archives/19042 Wed, 27 Dec 2017 15:12:54 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b9%d9%86-%d9%83%d8%a7%d8%aa%d8%a8-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%a8%d9%84%d8%ba-%d8%b9%d8%aa%d8%a8%d8%a9-%d9%86%d9%88%d8%a8%d9%84/ المصادفة وحدها، هي التي وضعت بين يدي، قبل سنوات، مادة صحافيّة جرى فيها الحديث عن كاتب وشاعر فلسطيني وصل، في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي (1936)، إلى الترشّح لجائزة نوبل للآداب.  لقد حاولت إثارة الموضوع، قبل سنوات، في إحدى الصحف الفلسطينيّة، ونحن نتهيّأ لخوض تحدي مشروع “القدس عاصمة للثقافة العربيّة”، علّ المؤسسة الثقافيّة والسياسيّة في فلسطين، […]

The post عن كاتب فلسطيني بلغ عتبة نوبل appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
المصادفة وحدها، هي التي وضعت بين يدي، قبل سنوات، مادة صحافيّة جرى فيها الحديث عن كاتب وشاعر فلسطيني وصل، في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي (1936)، إلى الترشّح لجائزة نوبل للآداب. 

لقد حاولت إثارة الموضوع، قبل سنوات، في إحدى الصحف الفلسطينيّة، ونحن نتهيّأ لخوض تحدي مشروع “القدس عاصمة للثقافة العربيّة”، علّ المؤسسة الثقافيّة والسياسيّة في فلسطين، بما تملك من إمكانيات لا تتوافر للأفراد، تلتفت للفكرة، فتسارع للبحث والتقصي في الموضوع، وتسهم في نفض الغبار عن تلك الشخصيّة الثقافيّة الفلسطينيّة ذات الحضور (وربما الأدق القول: الغياب) الغامض والإشكالي، حتّى لا يأخذنا الحماس ونقول أكثر من ذلك..

لكن الاهتمام جاء، كالعادة، أو كما توقّع غير المراهنين على حميّة مؤسساتنا الرّسميّة، من خارج المؤسسة، كون مهمات العمل الثقافي الرسمي أحيلت، في فترات عديدة من عمر عملنا الثقافي، إلى من لا تعنيهم الثقافة من قريب أو بعيد. فكانت مهمات مثل هذا العمل، في كثير من الأحيان، تمثّل مسألة شكليّة، أو موقعاً وظيفياً للترضية، وربما حقيبة من لا حقيبة له. لكن تلك تبقى قضيّة أخرى.

اسم الكاتب الفلسطيني المقصود، هو “عزيز ضومط،“ (1890-1943). ولد في مصر وعاش متنقلاً بينها وبين فلسطين (القدس) وألمانيا. كتب بالألمانيّة ولم بنشر الكثير. وقد أشارت المادة التي استندت عليها في حينه، أن الاسم ورد في وثائق مؤسسة نوبل التي تمّ الإفراج عنها مطلع هذا القرن (2001). بمناسبة إصدار مؤسسة نوبل كتابين يضمان الأسماء التي وصلت مرحلة التصفيات النهائية للجائزة خلال الفترة الممتدة من 1901 إلى 1950 ، وذلك احتفاءً بمرور مئة عام على إطلاق الجائزة. وقد أسهم عثور صحفي عربي يقيم في ستوكهولم، على ابنة الكاتب في منطقة قريبة من بيروت، بالإمساك في أطراف خيط عائلي جرى فيه الحديث عن ضومط. والابنة التي تمّ العثور عليها في حينه، كانت تبلغ الثمانين في ذلك الوقت، بمعنى أنه، إذا ما كان قد كتب لها العمر المديد، تكون الآن قد بلغت المائة أو شارفت عليها.

ما يهم في الموضوع الآن، هو إعادة طرحه من جديد. فإذا كنّا قد أخفقنا قبل سنوات في حثّ المؤسسة الفلسطينيّة على إبداء الاهتمام، فلعلّ إعادة الطرح تعيد تحريك القضيّة ويُحرّك جهات معنيّة أخرى.

سأستعرض هنا ما توصلنا إليه في حينه، وأعني مجموعة المثقفين الذين أبدوا اهتماماً في الموضوع، لنعيد التأكيد على أن غياب العمل المؤسسي، قد يعيد تكرار النتائج البائسة، أو على الأقل الناقصة، التي انتهينا إليها سابقاً. وحتّى لا نغرق في التقولات والأسئلة والمسؤوليات، فإننا سوف نُمسك عن ذكر أسماء الذين كتبوا لنا وأبدوا، مشكورين، اهتمامات فرديّة متفاوتة، اتخذت أشكالاً متعددة.

هذه الأشكال بدأت بكتابة المقالات المُحرّضة على حثّ المؤسسات على إبداء الاهتمام ومحاولة الاكتشاف ودعم الفكرة. والبعض أعلمني أنه طرح الموضوع في بعض الملتقيات الأدبيّة والثقافيّة الدوليّة التي حضرها أو شارك فيها، وأحد الكتّاب زودني بكتابة سابقة له عملت على التعريف بالاسم في إحدى الصحف العربيّة. ومنهم من أعلمني بأنه اقترح على اللجنة المعنيّة تسمية الشوارع في بلديّة رام الله تبني فكرة أن يُطلق اسم عزيز ضومط على أحد شوارع المدينة. وهي فكرة نبيلة، مع أنها بدت لي مبكّرة، ولا تضيف الكثير إلى المسألة العلميّة والمعرفيّة الهادفة إلى إعادة إكتشاف الرّجل، والتي ستتبعها بالتأكيد مسألة تكريمه ونفض الغبار عن اسمه.

أكاديمي في إحدى جامعات فلسطين، أرسل إليّ قائلاً أنه تردّد على “مقبرة العظماء” في برلين، ووجد فيها ضريح عزيز ضومط، وأنه زار الضريح بنفسه.

غير أن كاتباً ومثقفاً فلسطينياً جاداً، كتب إليّ قائلاً أنه ذهب لزيارة المقبرة نفسها (مقبرة “المشاهير” كما جاء في رسالته)، ولم يعثر فيها على  قبر يحمل اسم عزيز ضومط. غير أنه استدرك ليبدي تحفظه على ما أورده بالقول أن الكثير من شواهد القبور بدت له مطموسة وأن الكتابة عليها كانت غير واضحة، فيما كان الثلج يغطي شواهد عديدة أخرى. بيد أنه واصل اهتمامه ولجأ إلى الإنترنت لمحاولة العثور على اسم عزيز ضومط من بين قائمة المشاهير الذين يضمهم المكان، فلم يفلح في العثور عليه!

محاولة قد تكون من أهم محاولات البحث عن عزيز ضومط، قام بها مثقف فلسطيني، باحث يجيد الألمانيّة ويترجم عنها، وله علاقة بمؤسسات أكاديميّة في ألمانيا، طلب مني أن أزوده بالمادة الصحافيّة التي كنت قد استندت إليها في غير مقالة نشرتها حول الموضوع، فأرسلتها إليه مصوّرة (scanned). وقد أفادني بمعلومات هامة عن ضومط عثر عليها في أماكن مختلفة ولم يبخل عليّ بمحاولة تزويدي بصورة لما عثر عليه في بحثه على الشبكة العنكبوتيّة. كما أفادني بحقائق هامّة، أولها، مراسلته لأكاديميّة نوبل التي أكدت له ترشّح ضومط للجائزة عام 1936، وثانيها، عثوره على نصّ مسرحي أو أكثر للكاتب في الجامعة العبريّة في القدس.

ومع انقطاعي عن الموضوع ليقيني أن المسألة تبقى بحاجة إلى التبني المؤسسي الجاد، لم أعد أعرف إلى أين وصل به الموضوع، وهل استكمل بحثه فيه أم توقّف، رغم أنه راسلني منذ نحو ثلاث سنوات لسبب آخر، واستفسرت منه بالمناسبة عمّا وصل إليه في بحثه حول ضومط، غير أنه فضّل عدم الإجابة، وكان عليّ أن احترم رغبته في الكتمان.

ربما يكون هذا الوقت مناسباً لطرح الموضوع مجدداً، علّه يُفضي هذه المرّة إلى نتيجة إيجابيّة تكون لصالح الثقافة الفلسطينيّة وتعزيز المعرفة برمز من رموزها الذين غمرتهم الظروف التاريخيّة التي مرّت بها فلسطين التي شهدت تهجيراً قسرياً لشعبها عن أرضه، ومن قبلها ألمانيا، البلد الثاني لضومط، والتي شهدت أهوال الحرب العالميّة الثانية وهزيمتها فيها، ما أسهم أيضاً في تبديد إمكانيّة العثور على حقيقة مسألة وصول كاتب فلسطيني للترشح إلى جائزة نوبل، أو نفيها نفياً قاطعاً، والقفز عن هذه الصفحة نهائياً.

ففي النفي، أيضاً، ثمّة تأكيد على حقيقة علميّة وتاريخيّة، ليس من اللائق أو الجائز، أن تبقى طويلاً طيّ الإهمال.

سليم البيك: عن الفلسطيني الصهيوني الذي ترشّح لنوبل
 

ملاحظات حول عزيز ضومط: كاتب عربي مؤيد للصهيونية (ترجمة)

The post عن كاتب فلسطيني بلغ عتبة نوبل appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
زيارة لساراماغو الذي جاء لفكّ حصارنا https://rommanmag.com/archives/19012 Mon, 04 Dec 2017 09:16:27 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d9%84%d8%b3%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a7%d8%ba%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%8a-%d8%ac%d8%a7%d8%a1-%d9%84%d9%81%d9%83%d9%91-%d8%ad%d8%b5%d8%a7%d8%b1%d9%86%d8%a7/ نهبط من “الفاما”، الحيّ القديم في لشبونة الذي كان يسكنه الصيادون ومتوسطو الحال وما دون، وأصبح أكثر أحياء المدينة مقصداً للسيّاح الذين يترددون على المدينة صاعدين الربوة التي هناك بالترومواي القديم الذي يلهث متلكئاً في الوصول إلى الأعالي، حيث قلعة “سان جورج” والبيوت التي لا تذهب بعيداً في السّماء لترتفع كثيراً عن الأرض. تهبط من […]

The post زيارة لساراماغو الذي جاء لفكّ حصارنا appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
نهبط من “الفاما”، الحيّ القديم في لشبونة الذي كان يسكنه الصيادون ومتوسطو الحال وما دون، وأصبح أكثر أحياء المدينة مقصداً للسيّاح الذين يترددون على المدينة صاعدين الربوة التي هناك بالترومواي القديم الذي يلهث متلكئاً في الوصول إلى الأعالي، حيث قلعة “سان جورج” والبيوت التي لا تذهب بعيداً في السّماء لترتفع كثيراً عن الأرض.

تهبط من هناك، على درج قديم يتلوى بين بيوت قرميديّة عتيقة تزدهي بألوانها وعراقتها، لتحفّ بالدرجات العريضة التي تُفضي بك إلى أقدام الجبل، حيث يتهادى نهر “التاجو” بهدوئه الأسطوري، رغم رحلته الطويلة التي جاءت به إلى هذا المكان من إسبانيا، قبل خطوات قليلة من وصوله منتهاه وتماهي مائه بمياه المحيط شديد البرودة حتّى في عزّ الصيف. 

هناك، قريباً من قلب المدينة، التي كانت مسرحاً لأحداث العديد من رواياته: «حصار لشبونة»، «سنة موت ريكاردوريس»، «كلّ الأسماء»، «البصيرة».. وربما غيرها، سوف تعثر، دون عناء كبير، على متحف “جوزيه ساراماغو”، الذي يتجاوز كونه متحفاً وحسب، ليكون “مؤسسة” ثقافية أقيمت باسم الكاتب البرتغالي الكبير، الوحيد الذي انتزع جائزة نوبل للآداب للعام 1998، مردداً أمام الملأ، دون رهبة أو وجل، وباعتزاز شديد، قائلاً إنه لو خُيّر بين الجائزة العالميّة التي انتزعها، والتي يطمح لنيلها كلّ كاتب في الكون، وبين انتمائه للشيوعيّة بإطارها التنظيمي في البرتغال، ويعني الحزب الشيوعي البرتغالي، لاختار الثانية دون ريب. ولذلك، لم يكن من المفاجئ أن يشاع عنه، في الأوساط  العالميّة للمثقفين، بيسارهم ويمينهم ووسطهم،  بأنه “الشيوعي العنيد”!
 
تمشي في شارع Rua  dos Bacalhoeiros الذي  يقود امتداده إلى قلب لشبونة القريب، ودون سؤال أو ارتباك، يدلك المبنى القديم (الموازي لساحة براسا  دو كوميرشيو Praca do comercio الشهيرة الملامسة للنهر)، والذي جرى ترميمه وتجديده قبل سنوات دون إحداث أيّ تغيير في نمطه العمراني، بحجارته البارزة التي تكسو واجهة المبنى فتزيده تميّزاً، رغم زيادة طوابقه وارتفاعها إلى أربعه، مع المحافظة على شكل المبنى القديم نفسه. حيث ترتفع على الواجهة، إلى جانب اسم مؤسسة ساراماغو، صورة كبيرة للكاتب العجوز الذي لم توقفه الشيخوخة وأمراضها عن العطاء والتشبث بمبادئه السياسيّة والأيدولوجيّة، حتى رحيله صيف العام 2010.

قبل أن يتكرّس المبنى لاسم ساراماغو بعد غيابه الذي لم يلغ حضوره، أو يقلل منه، كان المكان يُعرف باسم Casa dos Bicos. وأثناء الترميم، تمّ العثور، بالمصادفة، على أوانٍ فخاريّة وقطع من السيراميك بعضها سليم ما زال يحتفظ بكامل هيئته، رغم إيغاله في القدم، والآخر أصابه الزمن بكسور أفقدته بعض أجزائه. 

غير أن هذه اللقى، مع ما تبقى من جدران البيت القديم وحجارته العتيقة، تمكنت بمجموعها من تشكيل نواة متحف تراثي شغل الجزء الأرضي من المؤسسة، مع قليل من التدخلات الحداثيّة المنسجمة مع القديم بتآلف غريب يشير إلى درجة الدّقّة والحسّ الجمالي المشهود للمشرفين على ترميم المكان وتحديثه.

في الأعلى، تتكرّس الجدران الداخليّة، وبطريقة تستثمر أسلوب عرض اللوحات الفنيّة، لكتب ساراماغو ورواياته، بطبعاتها المختلفة الصادرة باللغات العالميّة، التي نُقلت إليها (يبدو أن العربيّة لم تكن منها، أو أننا أخفقنا في العثور عليها)، وقد ملأت الكتب المعروضة جدران قاعة كبيرة من المتحف.

في الأدوار المتبقية، هناك جدران خُصصت لصور ساراماغو الفوتوغرافيّة، ظلّت تحرص على واحدة من مسألتين أو كلتيهما معاً. القيمة الجماليّة للّقطة، أو القيمة التوثيقيّة للصورة نفسها. وهنا، سوف نعثر على  صور له مفرّغة على كرتون سميك مقوّى، تمكّن الزائر من الوقوف أمام الكاتب، أو إلى جانبه، بحجمه الطبيعي، إلى جانب صورِه مع أصدقائه من الكتّاب العالميين، أبرزهم غابرييل غارسيا ماركيز وجورج أمادو.

علاقة الصداقة الحميمة وبالغة الخصوصيّة التي طالما ربطت بين ساراماغو وجورح أمادو، جعلت المؤسسة تحتفي بأمادو بشكل خاص واستثنائي، ليس في إبراز الصّور الملتقطة للكاتبين معاً، أو إظهار رسائلهما المتبادلة وحسب، بل وأيضاً، استثمار المؤسسة للمناسبات الخاصّة والاحتفاء بها، كما فعلت في مئويّة مولد جورج أمادو قبل سنوات (عام 2012)، حين أقامت احتفالية خاصة بالمناسبة، لم تكتف فيها بإبراز الصور والمراسلات المتبادلة بين الكاتبين الكبيرين، وتلحين كلمات أغنيةٍ بالمناسبة، بل تجلى فيها الرّقص البرازيلي الشهير (السّامبا). كما طلبت المؤسسة من المطاعم المحيطة بها والقريبة من النّهر، تقديم أطباق من الطعام البرازيلي على امتداد ذلك اليوم، فاستجابت للطلب دون تلكؤ أو تردد.

نُواصل الصعود إلى طابق آخر، وفيه تستطيع، من خلف الزجاج السّميك، أن تعاين نموذجاً لمكتب ساراماغو، وعليه آلته الكاتبة العتيقة التي لا ندري أيّ من روايات الكاتب خرجت من تحت حروفها القديمة النافرة. وإلى جانب ذلك، ثمّة قاعة صغيرة للمحاضرات، تعرض فيها إلى جانب ذلك، الأفلام التي تم اقتباسها عن رواياته كـ «العمى» للمخرج البرازيلي فرناندو ميريلليس، و«العدو» للمخرج الكندي دينيس فيلينيوف، وأخرى تناولت جانباً من حياة الكاتب وإبداعه، وآخرها الفيلم الوثائقي البديع الذي تجاوز طوله الساعتين وحمل عنوان «جوزيه وبيلار» Jose e Pilar للبرتغالي مغيل كونكاليس مينديس. ولا يغفل الفيلم، كما يشير عنوانه، دور زوجة الكاتب الإسبانيّة “بيلار ديل ريو” وتأثيرها في حياته وإبداعه، وعملها على ترجمة أعماله إلى اللغة الإسبانيّة، إلى درجة أن بعض روايات ساراماغو صدرت بالإسبانيّة قبل صدورها بالبرتغاليّة.

على بعد خطوات من المتحف، وعلى مساحة حائط قديم، يمكنك ملاحظة لوحة لفنان متواضع الإمكانيات، يستثمر فيها أحد ملصقات فيلم «جوزيه وبيلار»، ليعيده بتلك الضخامة التي تذكرنا بالأفيشات القديمة التي كانت تروّج للأفلام السينمائيّة، رغم عدم وجود صالات سينما في الجوار.

بعيداً عن المتحف ومحتوياته، يمكنك أن تعثر، في أحد المواقع الإلكترونيّة، على إعلان متواضع لقضاء ليلة في بيت ساراماغو الزوجي الأول، الذي قضى فيه الكاتب ردحاً من الزمان مع زوجته الأولى “إيزابيل”، مع العلم أن أجرة البيت لا تتجاوز الـ 25 يورو للفرد في الليلة!

على أيّ حال، فإن زيارة ساراماغو في متحفه/ مؤسسته، إن لم تكن لتعزيز معرفتنا بواحد من أبرز علامات الرواية العالميّة في القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، فهي من أجل ردّ زيارة الكاتب العجوز لرام الله المحاصرة عام 2002، ضمن وفد الكتّاب العالميين، واستجابة لدعوة شاعرنا الراحل محمود درويش، وتصريح الشيوعي العنيد من هناك، بأن ما شاهده في فلسطين في تلك الزيارة، ذكّره بالممارسات النازيّة في أوروبا، مقارناً بين معسكرات الإبادة النازيّة والمعتقلات الإسرائيليّة التي تزجّ بها الفلسطينيين، ما دفع المكتبات الإسرائيليّة إلى سحب كتبه من واجهاتها، ووقف بيعها أو ترويجها، دون أن تهتز شعرة واحدة في الجسد الناحل لكاتب ظلّ  يناصرنا بقوّة وعناد.. حتّى لحظته الأخيرة.

The post زيارة لساراماغو الذي جاء لفكّ حصارنا appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
«سقوف الرّغبة» لمحمود شقير: عندما نحلم أننا نحلم https://rommanmag.com/archives/18974 Thu, 02 Nov 2017 14:43:44 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b3%d9%82%d9%88%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%91%d8%ba%d8%a8%d8%a9-%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%88%d8%af-%d8%b4%d9%82%d9%8a%d8%b1-%d8%b9%d9%86%d8%af%d9%85%d8%a7-%d9%86%d8%ad%d9%84%d9%85/ هل يمكن أن يُعرّف الجنس الأدبي بطوله، فيصحّ أن نقول “القصّة القصيرة جداً”؟، كما أشيع، ولا نقول، على سبيل المثال، “القصيدة القصيرة جداً”؟ رغم أنني لا أميل إلى مثل هذا الوصف، وأعتبر القصّة القصيرة هي “قصيرة” وحسب، بغض النظر عن طولها أو عدد كلماتها ومدى ميل الكاتب إلى اختزالها إلى الحدّ الأدنى الذي تفرضه القصّة […]

The post «سقوف الرّغبة» لمحمود شقير: عندما نحلم أننا نحلم appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
هل يمكن أن يُعرّف الجنس الأدبي بطوله، فيصحّ أن نقول “القصّة القصيرة جداً”؟، كما أشيع، ولا نقول، على سبيل المثال، “القصيدة القصيرة جداً”؟

رغم أنني لا أميل إلى مثل هذا الوصف، وأعتبر القصّة القصيرة هي “قصيرة” وحسب، بغض النظر عن طولها أو عدد كلماتها ومدى ميل الكاتب إلى اختزالها إلى الحدّ الأدنى الذي تفرضه القصّة عليه، فإن تجربة محمود شقير، إن لم تمثّل استثناء، فإنها تشكّل تجربة متفرّدة تستحق الوقوف والتأمّل والدراسة.

فشقير تجاوز الفرنسيّة نتالي ساروت التي فاجأتنا ربما بأول مجموعة قصصيّة كاملة تضم قصصاً بالغة القصر، حملت عنوان «انفعالات»، لتصبح “القصّة القصيرة جداً” (ها نحن نستخدم المصطلح الذي نعترض عليه)، مشروعاً إبداعياً لواحد من أهم كتّابها. فمجموعته «سقوف الرّغبة»، التي نحن بصددها ( صدرت حديثاً ـ 2017 عن “مكتبة كل شيء” في فلسطين)، هي كتابه السادس في هذا المجال، كما يشير الثبت الذي وضعه الكاتب في نهاية صفحات كتابه، ضمن ما يزيد عن الخمسين كتاباً أصدرها شقير حتّى الآن. 

هذا الشكل الكتابي الذي يعتمد طول النّص وكثافته، والذي يندرج في صميم هموم الكتابة الإبداعيّة للكاتب، ويمارسه كمشروع كتابي، يلجأ إليه عديد من الكتّاب باستخفاف، أو كنزوة عابرة، فيما يمارسه آخرون، من منطلق أنه “قصّة قصيرة” وحسب، كما فعل يوسف إدريس، على سبيل المثال في قصّته “العصفور والسلك”، ضمن مجموعته «بيت من لحم». 

وكوننا أمام مشروع، يعنى أن الجديّة التي يتناول بها الكاتب موضوعه، تفرض على الدارس التوقف أمام الأمر باحترام وجديّة موازية. وربما تقتضي المسألة القراءة الشّاملة للنتاج الجديد، في سياق شموليّة المشروع المنجز للكاتب في هذا المجال.

لكن عزلاً تعسفياً للمجموعة الجديدة عن أخواتها، يفرض نفسه علينا هنا، كوننا لا نطمح هنا بمثل تلك الدراسة الشموليّة في هذا المجال الضيّق، وإنما الاكتفاء بوقفة أمام الجديد، مع التوصية المسبقة بالإحالة إلى القراءات التي سبقتنا وتناولت هذه التجربة. 

***

الحلم، هو لُحمة القصّة، أو الأقصوصة، في هذه المجموعة، فتكاد لا تخلو قصّة واحدة فيها، والتي تجاوزت المئة والعشرين، من موضوعة الحلم. ناهيك عن أن البنية التي يقوم عليها السّرد مشيّدة بمادة الحلم نفسه: لغة رقيقة، وخيالاً شفيفاً جامحاً، وشخصيّات شاعريّة، ومكاناً لامرئياً، حتى لو رأينا أن مكان السّرد مجروحاً، أحياناً، بوجود جنود الاحتلال ودورياتهم الفظة، ما يومئ إلى المكان الفلسطيني غالباً.

وفي أحلام شقير، يطل الحلم على الحلم؛ تدخل الحبيبة دون استئذان أو إنذار إلى حلم الحبيب، كحقّ من حوقها المشروعة، ويقول الحبيب إنه لا يحلم إلا بالقرب من حلم الحبيبة. والأحلام هناك تبقى بالغة الحساسيّة، حتّى أنه يمكن أن يصيبها البلل، فسقف الحلم قابل للامّحاء والخراب، وجدار الحلم يمكن أن يكون مثقوباً. ومع ذلك لا يفقد الحلم قدرته على تحقيق الرغبات، ليس بالمعنى الفرويدي للكلمة، كإشباع رمزي للرغبة المكبوتة، وإنما بالمعنى الدقيق للكلمة. بمعنى فعاليّة الحلم كمنقذ من مأزق واقعي محدّد..”وأنا رحت أحلم حلماً يعيدنا معاً من ذلك السفح حتّى لا نقع في محظور ما”.

ولأننا نعيش في أرض الأحلام، سنجد أن الأشياء متميزة بالشفافيّة والرّقة، ونلحظ فيها خفّة الكائنات، بحيث تبدو الأجساد بالغة الطلاقة، وسهلة الانطلاق، تطير بلا أجنحة، وتتحرر من ظلّها، فأنت تستطيع أن تمضي ليبقى ظلّك في المكان؛ فيتحقق وجود الظلّ بمعزل عن وجود الجسد. كما يمكن للمرء، في ذلك العالم الشفيف، أن يحلم أنه يحلم، وهو أمر يُقرّب الإنسان من أقرب حالات يقظته، أو كما يقول “نوفاليس”: “حين نحلم أننا نحلم، فتلك بداية اليقظة”. ومثل تلك الشخصيّات لا تحلم أنها تحلم فحسب،  بل يمكنها أن تذهب أبعد من ذلك، فتنام أثناء نومها، أو تستيقظ في الحلم أثناء سباتها.. “حلمتُ انني صحوت”!

ثمّة أمور لا تحدث في الحلم فقط، وإنما في حلم الحلم. وهنا يمكن توحيد حلميّ الحبيبين في حلم واحد، دلالة توحّد الروحين والغاء المسافات بين قلب الحبيب ونصفه الآخر. أو يمكن للحبيبين أن يتعاهدا على اللقاء في حلم واحد منهما “لعلنا نلتقي في حلمي أو في حلمها”، أو يمكن للمرء، في ذلك العالم، أن يجري تعديلاً على حلمه ليوائم رغباته. وقد يعمل على تركيز الحلم ليحقق أبعد أمانيه.. “سأحلم حلماً يجعلها تلد سبعة توائم”، بمعنى أن الحلم يستجيب للإرادة، وأن الواقع يستجيب لإرادة الحلم.

ويحرص شقير على النأي بأحلام شخوصه عن العناصر التي تعمل، بكل جبروتها، على تلويث الحلم أو تبديده، وفي مقدمتها خطوات أقدام جنود الاحتلال على أرض المدينة المقدّسة وبلاطها، ورفض مشهد دورياتهم الاستفزازيّة، وإلغاء ضجيج طائراتهم، أو مرأى قطعان مستوطنيهم. فبوجود مثل تلك العناصر الباهظة على المشهد العام، يتمظهر الحلم كشيء معادِ للبشر، ويغدو كابوساً ضاغطاً على الناس. فالمرأة التي تلح عليها رغبة بأن تستلقي لدقائق على بلاط القدس العتيقة بالقرب من باب العمود، لم تتجرأ على تحقيق رغبتها.. “بسبب عيون المارّة وأقدام الجنود”.

وإذا كانت الفظاظة التي يفرضها وجود الاحتلال قادرة أحياناً على تلويث الحياة وإفسادها، فإن تحديها المباشر يفرض أحياناً على الكاتب لغة مباشرة حادّة تُخرج النّص من رهافة الحلم ورقّة الفنّ وسلاسة القصّ، من مثل: “يطلقون علينا النار، ونحن نغني وننزف الدماء ولا نموت، نعم لا نموت”؛ ” نريد وطناً حراً خالصاً من رجس الغزاة، نغسله بأيدينا من أقصاه إلى أقصاه، حتى لا يبقى لرجسهم الكريه من أثر”؛ “الأمهات اللواتي ولدن للتوّ أطفالاً ولدوا من رحم المأساة”! 
 
لكن ثمّة إرادة واعية لبساطة التحدي، تصنع بدورها بساطة في الفن، أو أنه هو الذي يصنعها. نلمس ذلك، على سبيل المثال، في أقصوصة “الحاجز”، خاتمة المجموعة، والتي تمثّل نموذجاً للقصّة الموفّقة فنياً رغم انطوائها على خطاب وطني، هو في طبعه بالغ الحساسيّة وقابل لكسر القيمة الإبداعيّة أحياناً، أو شرخها على أقل تقدير. بيد أن تلك القيمة تتقدّم هنا ببساطة شديدة ودون أدنى قدر من المباشرة أو الافتعال، لنقرأ:

“ذات يوم عند الحاجز العسكري، في الطريق من رام الله إلى القدس، انتظرنا، أنا وليلى، ثلاث ساعات:.
شربنا قهوة من بائع جوّال، تداولنا آخر الأخبار، ولم نتذمّر من شدّة الحرّ رغم ما أصابنا من إرهاق. وبالقرب منّا امرأة تسرّح شعرها، كأنها تهيء نفسها كي تنام.
والازدحام كان على أشدّه، والجنود الغرباء بدوا متعبين خلف الحاجز، كما لو أنّنا نحن الذين نحتجزهم هناك“.

***

وبالرغم من أننا نقف أمام أقاصيص يصر الكاتب على أنها “قصص قصيرة جداً”، إلاّ أن الواحدة منها تمد مع الأخرى خيوطاً وتغزل علاقة حميمة تصنع في التقائها سرداً يقارب النفس الروائي. يعزز الأمر تكرار العديد من الشخصيات القصصيّة التي يذكرنا وجودها بالشخصيات الروائيّة متواصلة الحضور (ليلى وقيس؛ الكهل النحيف؛ نوارة؛ العنزة الرعناء.. الخ). كما يتوحد زمن السرد أحياناً في زمن الاحتلال، ومكان السرد يكون هو الأرض المحتلة، ومدينة القدس خاصّة.

وإذ تغيب النهايات عن العديد من القصص في كثير من الأحيان، فإننا قد نعيد ذلك إلى أن الأحلام، في طبيعتها، غالباً ما تأتي في العادة دون نهاية دقيقة، منطقيّة، ومرسومة بشكل بالغ الوضوح، أو لأن نهاية الحلم تضيع بضياع الحلم نفسه أو نتيجة اليقظة المفاجئة، غير المنتظرة أو المتوقّعة. 

وأمام أقاصيص على هذه الدرجة من الرهافة، تبدو محاولة مواصلة إخضاع هذا العالم لجديّة النقد، نوعاً من ممارسة شيء أقرب ما يكون إلى إخضاع الطفولة للمساءلة، والأحلام إلى المنطق وبرودة العقل.

وإذا كان ثمّة نماذج كثيرة من الأقاصيص، أعترف إزاءها بأنني عاجز عن اختزالها، فإنني مع ذلك أشير إلى بعض العناوين لنصوص متميّزة: “رغبة”، “انقياد”، “الربيع”، “انتظار”، “عطر”، “ترحيب”، “غناء”..وغيرها كثير. إلا أن القصّة التي سحرتني ولا أجرؤ على اختزالها أو الاكتفاء بالإشارة إليها وحسب، هي قصّة “مريول”، التي أجد أن إيرادها بالنّص، هو أفضل مديح لها ولهذه التجربة المتميّزة في القصّ. فليكن إيرادها كاملة هو مسك ختام الحديث عن هذه المجموعة، من منطلق أن أفضل مديح للموسيقى هو الموسيقى نفسها:

“ظلّت تحتفظ بمريولها المدرسي ذي اللونين الأبيض والأخضر لسبب ما.
الآن وهي في الأربعين تتأمل المريول، تتذكّر أيّام الشغب، وتنشد نشيد الصباح.
ثم تعدّ القهوة في انتظار زوج لا يجيء.
صبّت فنجانًا له وفنجانًا لها. جلست في الشرفة، وأصغت لقلبها وهو يحكي لها كلامًا مباحًا وكلامًا غير مباح”.

The post «سقوف الرّغبة» لمحمود شقير: عندما نحلم أننا نحلم appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
في انتظار قلب اللوز https://rommanmag.com/archives/18951 Tue, 17 Oct 2017 13:12:15 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%b8%d8%a7%d8%b1-%d9%82%d9%84%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%88%d8%b2/ كلمات قليلة من شاعر فلسطيني ترك غزّة خلفه وجاء إلى أوروبا لاجئاً من جديد، جعلتني أستحم في خجلي، وأرتد باحثاً عن تواضع بقيتُ أتشبّث به، مردداً على الدوام بأنه رذيلتي البورجوازيّة الوحيدة، والتي ساوى لينين بينها وبين الغرور.  كلمات الشّاعر لم تأتني، إذن، مع نسائم بحر غزّة ورائحة الدّم والبارود التي تخلفها الطائرات الإسرائيليّة المغيرة […]

The post في انتظار قلب اللوز appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
كلمات قليلة من شاعر فلسطيني ترك غزّة خلفه وجاء إلى أوروبا لاجئاً من جديد، جعلتني أستحم في خجلي، وأرتد باحثاً عن تواضع بقيتُ أتشبّث به، مردداً على الدوام بأنه رذيلتي البورجوازيّة الوحيدة، والتي ساوى لينين بينها وبين الغرور. 

كلمات الشّاعر لم تأتني، إذن، مع نسائم بحر غزّة ورائحة الدّم والبارود التي تخلفها الطائرات الإسرائيليّة المغيرة في أفق مدينة تعاني قهر الاحتلال وقمع أصوليّة تتشبّت بزمام السياسة والسّلطة والتسلّط هناك، وجهدت من أجل النكوص بالمدينة إلى أزمنة بعيدة تجاوزها الزمن، في ظلّ صمت عربي بلغ أحياناً حدّ التواطؤ المُعلن. 

لقد جاءتني الرسالة من “برشلونة”، عاصمة إقليم كاتالونيا الإسبانيّة، التي اكتشفت أن باسم يقيم فيها منذ عامين بعد تعرّضه للاضطهاد على أيدي السلطة الحاكمة في القطاع، مثلما تعرّض بيته لهجوم من الميليشيات ذات النفوذ. وقد شاءت المصادفة أن أتلقى كلمات الشّاعر الأولى التي تخصّني، أثناء وجودي في “لشبونة”، عاصمة البرتغال.

الرسالة التي جاءتني من الشاعر باسم النبريص، كانت تعقيباً على مقالة أخيرة نشرتها في “الأيام” الفلسطينيّة تحت عنوان “المقال الأخير: أقول وداعاً”، والتي ودّعت فيها قرائي (الذين لم أكن أحسب أن باسم من بينهم) لأسباب صحيّة، بعد ستّة عشر عاماً من الكتابة الأسبوعيّة المتواصلة دون انقطاع.

في كلمات قليلة، قال باسم كلاماً كثيراً، تلمس الصّدق والنبل في أعطاف حروفه. قال مديحاً أخجل من تكراره في هذا المقام، وذرَف دمعة لسعتني بحزنها وحميميتها وثرائها الإنسانيّ النبيل. لكنه آلمني حين قال لي أن ليل برشلونة موحش، وقد بات أكثر وحشة مع غيابي .

إيقاع الحروف بلُغتنا العربيّة في اللفظتين اللتين تشيران إلى إسميّ المدينتين الأوروبيتين اللتين كنّا فيهما، والذي يوقع البعض بشيء من الالتباس، جعلني أرسل له تحياتي من المدينة الأولى (لشبونة) إلى الثانية (برشلونة) متمنياً، من قبيل المجاملة، أن تتاح لنا الفرصة، ذات يوم، للقاء لم تتحه من قبل أيامنا التي خلت. 

لم يترك باسم النبريص المجاملة على حالها. أرسل لي رداً فورياً يفيض صدقاً وحماسة ويخلو من المقدّمات: “ها نحن فيها. بيتي في برشلونة تحت تصرفك. ولا أظن أنه ستأتي فرصة قريبة لنلتقي. لديّ بيت في مركز برشلونة، في حيّ (البورن) بقلب المدينة العتيقة. البيت وصاحبه بانتظارك، أنت ومن معك.. أرجو أن لا تفوّت الفرصة”.

لم أفوّت الفرصة. تحديتُ طبيعتي المترددة والخجولة مع البشر الذين لا أعرفهم منذ زمن طويل ولم أبلغ معهم حدود الألفة. وقُلت لمن لم أتبادل معه سوى بضع رسائل إلكترونيّة قصيرة في تلك الأيّام :”أنا قادم وليس معي سوى سناء، زوجتي”. 

بعد أيّام كان باسم النبريص ينتظرنا في ساحة كتالونيا، حيث تتوقّف حافلات المطار. وهو المكان الذي ودّعنا فيه بعد خمسة أيّام، ظلّ فيها رفيقنا ودليلنا على امتداد ساعاتها الغنيّة.

قبل الوداع، أهدانا باسم كتابين من كتبه المتوافرة لديه هناك، الأوّل جاء بغلاف أبيض لا يداخله سوى العنوان الذي يُبدد بعض البياض: «نظم العقل الخالص»، والذي لا يوحي بأننا أمام ديوان شعر، وربما يحيل فوراً إلى إيمانويل كانط وكتابه الشهير «نقد العقل الخالص»، برؤاه وتأملاته العقليّة الباردة في الميتافيزيقا التي تطرق أسئلة ما وراء الطبيعة، مع أننا نقف أمام تجربة شعريّة تنتمي معظم القصائد فيها إلى اللمحة القصيرة الذكيّة بالغة الشفافيّة.

الكتاب الثاني يبدو هو الآخر، في عنوانه، بعيداً عن الشّعر، رغم انطوائه على رؤى شعريّة مصاغة بلغة لا تتنازل، هي الأخرى، عن رقتها وشفافيتها وشغبها الجميل. حمل الكتاب/ الديوان عنوان «مقال في معنى الريح»، وقد شاء باسم أن يُصنّف جنسه الأدبي على أنه (نصوص)، رغم انتمائه، برأينا، في لغته الطازجة ورؤاه، إلى صورة الشّعر المُجنح بالدرجة الأولى:

وفي الليل 
أربط نجمة بخيط قنّب
وأدعها تلعبط في بركة
وأنام

ولا تقل الأسئلة التي تستثيرها تجربة باسم الحياتيّة، في حرارتها وغناها، عن أسئلة تجربته الكتابيّة الشعريّة. وقد كانت المصادفة، التي عثر فيها الفتى ذات يوم بعيد على “صحارة” زاخرة بالكتب، بداية لتحوّل حياتي، كما لو كان قد عثر على كنز عرف كيف يُقدّر قيمته بعد أن انكبّ عليه لينهل من ثرائه، الأمر الذي ورّطه في محاكاة ذلك السّحر الذي تضفيه صناعة الكلمات على الورق. 

وكان على الفتى أن يُبادر إلى حمل العبء عن المرأة التي رحل عنها زوجها باكراً، أمّه التي انحنى ظهرها في شرخ الشباب وهي تحمل أكياس اللوز، ممتهنة كسر الحبّات وتخليصها من غلافها الخشبي الصّلب، لتعيدها لصاحب الحقل قلوباً مُقشّرة. وبمثل هذا العمل المضني، تمكنت صاحبة القلب الكبير من أن تُربّي أطفالاً كبروا بطلوع الرّوح: لقد وجدتُ العنوان الأنسب لكتاب سيرتك، التي عليك أن لا تتردد طويلاً في كتابتها. فلا تؤجّل “قلب اللوز”!

قالت له سناء، التي أدهشتها حكاية الأم التي امتهنت استخراج القلب الأبيض بغلافه البني الرقيق الملتصق بالبياض من سجنه الخشبيّ، فقامت بذلك بدور الأمّ والأب معاً، منذ أن غاب الأب مع ذلك الندى، فيما كان باسم في الثالثة من عمره.

ابن تلك المرأة الذي كبر وألقى بنفسه في سوق العمل الأسود في وقت مبكّر من حياته، طرق أبواب تل أبيب التي كانت متاحة للأيدي العاملة الفلسطينيّة الرخيصة، دون أن يكون أمامها كثير أو قليل من الخيارات الأخرى. وبذلك، خضع الفتى لاستلابين معاً، مارسهما عليه محتلّ أرضه، الأول وطنيّ والآخر طبقيّ.

من الأعمال التي اشتغل فيها الفتى، غير التعلّق على السقالات المرتفعة المصلوبة في الهواء بين أرض وشمس لا ترحم، يتناهشها الاستغلال الرأسمالي الإسرائيلي من كلّ جانب، العمل خادماً في مزرعة آرييل شارون. هناك، رأى باسم الوحش على حقيقته الواقعيّة، دون تزييف تصوغه المخيّلة والصورة المفترضة للقائد، ودون تزويقات سياسيّة أو دبلوماسيّة أو نياشين. رآه كيف يلتهم الخراف بنهم وحشيّ لا يعرف الشّبع، وكيف يفرض سطوته على الآخرين المستلبين لديه، كأنما عهد العبوديّة لم يأفل. 

بعد زمن من مرارة العمل تلك، انتقل باسم للعمل في تل أبيب، فكانت الانعطافة حادة ومُفاجئة: “شيف” متخصص في صناعة الحلويات الغربيّة في “باتيسيريهات” مدينة عربيّة الأرض والأصول، غربيّة الطابع، وقد ظلّ الشّاب الغزّاوي يمارس المهنة سنوات طويلة دون أن يتوقف عن مناوشة الشّعر والاقتراب أكثر من السياسة، بهمومها الفلسطينيّة وتوجهاتها اليساريّة.

هل أهدرت شيئاً من لوزات باسم؟

ربما القليل، القليل..

فأنا واثق من أن ما يختزنه القلب النبيل ينطوي على بياض كثير وغنى سرديّ بلا حدود، ولذّة غامرة في القصّ والتلقي، وحكايات يصوغها العرق والتحدي.. يرويها الشّعر والنبض الإنساني الدافق، مذكراً بالكلمات الأخيرة التي تركتها سناء في عهدته، وهو يودعنا في ساحة كتالونيا التي استقبلنا فيها قبل أيّام:

لا تنسى.. نحن في انتظار “قلب اللوز”!

The post في انتظار قلب اللوز appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مصطفى النوبي راوي كوم الدّكة https://rommanmag.com/archives/18932 Tue, 03 Oct 2017 06:56:12 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%88%d8%a8%d9%8a-%d8%b1%d8%a7%d9%88%d9%8a-%d9%83%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%91%d9%83%d8%a9/ لم ألتق يوماً مصطفى النوبي، الذي أزمع الحديث عنه دون معرفة مسبقة. لم أحادثه أو أستمع إليه، حتّى أنني لم ألمحه يوماً عن بُعد. فلم أكن، للأسف، من مجموعة الأطفال الذين كانوا يتحلّقون حوله، يصغون بانبهارٍ إلى الحكايات البديعة الآتية من شاشات ناصعة البياض سخيّة العطاء، لتتوالى بلسانه المفطور على سلاسة السّرد وسحر الحكاية، إذ […]

The post مصطفى النوبي راوي كوم الدّكة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
لم ألتق يوماً مصطفى النوبي، الذي أزمع الحديث عنه دون معرفة مسبقة. لم أحادثه أو أستمع إليه، حتّى أنني لم ألمحه يوماً عن بُعد. فلم أكن، للأسف، من مجموعة الأطفال الذين كانوا يتحلّقون حوله، يصغون بانبهارٍ إلى الحكايات البديعة الآتية من شاشات ناصعة البياض سخيّة العطاء، لتتوالى بلسانه المفطور على سلاسة السّرد وسحر الحكاية، إذ تتحوّل الرؤى البصريّة التي شاهدها عبر حزم الضوء السّاقط على المساحات البيضاء، إلى كلام يقطر شهداً على لسانه النوبي الذي لم تحرفه سنوات البعاد في مدينة عرفت السينما باكراً، فيهيمن على آذان الأطفال المصغين إليه، الذين يتصببون صمتاً رهيباً وترقّب.

بضعة سطور، وبالتحديد أحد عشر سطراً لا تزيد كلمة ولا تنقص، كتبها عنه يوماً على صفحته في ”الفيس بوك“ صديقنا المسرحي الراحل، يوسف يوسف، الذي كان ضمن المجموعة التي التقيتها أثناء عامي الدراسي  في الاسكندريّة عام 67 ولفتني أنه كان من الشبّان الطامحين الذين يخبئون وعوداً إبداعيّة كثيرة، وخضنا معاً نقاشات ثقافيّة كنّا نعتقد أننا من خلالها سنمتلك القدرة، ليس فحسب على فهم العالم، وإنما على تغييره!

قبل سرد حكاية النوبي، تجدر الإشارة إلى أن صديقنا يوسف كان يقيم بشكلٍ شبه دائم، في حيّ “كوم الدّكة”. عاش هناك طفولته ومعظم سنوات عمره.. وربما ظلّ فيها حتّى سنته الأخيرة. 

***

نعود إلى الأحد عشر سطراً التي رواها يوسف يوسف عن مصطفى النوبي، نستثمر ما جاء فيها لنقول:

كان مصطفى النوبي يجمع من أطفال كوم الدّكة القروش القليلة التي يحصّلونها من أهاليهم كمصروف يوميّ ضئيل. ولم يكن ما يحصلون عليه يسمح للواحد منهم بدخول صالة السينما لمشاهدة أحد الأفلام المعروضة فيها. يجمعون المبلغ المطلوب قرشاً قرشاً ويضعونها في يد مصطفى النوبي، مؤكدين على ثقتهم به. فإن حال ضيق ذات اليد أمام إمكانيّة توفير تذكرة سينما لكل فرد فيهم، إلاّ أن ذلك لا ينفي قدرتهم مجتمعين على توفير ثمن تذكرة واحدة لمصطفى، المتعلّم، الحكّاء، السّارد بامتياز.

يهبط مصطفى من كوم الدكّة متشبثاً بالقروش القليلة التي جمعها من العيال المساهمين في ثمن التذكرة، الذين يلازمونه في العادة حتّى باب الصّالة التي يقع الخيار عليها. يمرّون من جانب صالات السينما المبثوثة قريباً من حيّهم، في شارعيّ فؤاد وصفيّة زغلول.. يراقبون الصور المعلّقة خلف الواجهات الزجاجيّة في سينما أمير، ثمّ مترو، وريو، وريالتو، ليتجاوزوها بسرعة. فالمبلغ الذي جمعوه لا يكفي لتذكرة في هذه الصالات الفخمة، والتي تكتفي غالباً بتقديم فيلم واحد لا فيلمين.

تتوجّه القافلة مشياً على الأقدام إلى صالات الدرجة الثالثة التي يمكن أن يعثروا عليها في مناطق محرّم بيه، محطّة مصر، المنشيّة، الحقانيّة، العطارين أو السّبع بنات. فيلمان بتذكرة واحدة. لم يكن مصطفى النوبي يفرض رأيه في اختيار الفيلم (أو الفيلمين) وفي أحايين كثيرة كان يعقد اجتماعات ديمقراطيّة في الشارع لهذه الغاية مع العيال المساهمين الذين يرافقونه. ليدخل مصطفى النوبي بعد ذلك إلى الصالة المعتمة ويتركهم جالسين على الأرصفة القريبة. يشاهد الفيلمين ويختزن مشاهدهما، مشهداً مشهد، ولقطة لقطة. يسجلها في ذاكرة من ذهب، لا تسمح بتسريب أيّ تفصيل، مهما بدا ضئيلاً وعديم القيمة.

يخرج من الصّالة المعتمة منتشياً، فيتحلّق حوله الأطفال المتربّصين بحكاياته. يشرع في رواية الفيلم الأوّل وقوفاً، أو جلوساً على سور قريب، أو رصيف. يروي ببراعة سرديّة آسرة، فيعيش الأطفال زمن الفيلم وأحداثه، وكأن عيونهم هي التي ترى وليست آذانهم التي تسمع. وفي كوم الدّكة، يواصل مصطفى النوبي سرد الفيلم الثاني. الأطفال يجلسون على أرصفة الحارات أو عتبات المنازل، يتابعون الفيلم سماعياً، يشاهدونه على شاشات خيالاتهم. يسألون، يصغون، يطلبون الاستزادة. ألم يشتروا الحكاية بقروشهم العزيزة!؟

***

تحاورتْ سناء (زوجتي الاسكندرانيّة) مع يوسف على صفحات ”الفيس بوك“. حرّضته على أن يستثمر حكاية مصطفى النوبي في عمل روائي، أو في أحد مشاريعه المسرحيّة الطموحة. كتبتْ إليه: “عندما حكيت لفاروق عن مصطفى النوبي، الذي أراه كشخصية روائية رائعة، رأيت تلك اللمعة في عينيه، لمعة الدهشة التي بتنا نمسك بتلابيبها، لشدة ندرتها..
وجلسنا نتخيل معاً: كيف أن مصطفى، أحياناً، يغيّر النهايات كما يحلو له، أو يميت أبطالاً ويحيي آخرين، حسب مزاجه. وفي أحيان أخرى قد ينام في صالة السينما، فيخرج ليؤلف حكاية أخرى مختلفة تماماً. لقد أهديتنا، دون أن تدري، متعة حكاية جميلة”.

لكن يوسف فاجأني عندما أحال إليّ مهمّة كتابة هذه الحكاية في قصّة أو رواية. لكنني ترددت، أولاً لأن معرفته بالشّخص وبالأمكنة والأجواء العامّة ستكون بالتأكيد أفضل من معرفتي، وأكثر اقتراباً من روح الحكاية. وثانياً، لأن عثوري على رواية من أميركا اللاتينيّة وقراءتها باستمتاع (حملت عنوان «راوية الأفلام» للكاتب التشيلي إيرنان ريبيرا ليتيلير)، وتدور حول فتاة تمتهن رواية الأفلام بطريقتها الحاذقة، أشعرني بأن الحياة تتقاطع في وقائعها رغم تباعد الأمكنة واختلاف الألسنة. وتبقى ريادة الكتابة لمن ارتاد أولاً.

قلت ليوسف: نواصل حديثنا عندما نلتقي في الاسكندريّة.

غير أننا لم نلتق، إذ سرعان ما أسدل يوسف الستارة على مسرح الحياة، ليمضى بعيداً عن الاسكندريّة وعنّا، ضارباً في الطريق الموحش.. الذي يذهب ولا يعود.


The post مصطفى النوبي راوي كوم الدّكة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>