المصادفة وحدها، هي التي وضعت بين يدي، قبل سنوات، مادة صحافيّة جرى فيها الحديث عن كاتب وشاعر فلسطيني وصل، في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي (1936)، إلى الترشّح لجائزة نوبل للآداب.
لقد حاولت إثارة الموضوع، قبل سنوات، في إحدى الصحف الفلسطينيّة، ونحن نتهيّأ لخوض تحدي مشروع “القدس عاصمة للثقافة العربيّة”، علّ المؤسسة الثقافيّة والسياسيّة في فلسطين، بما تملك من إمكانيات لا تتوافر للأفراد، تلتفت للفكرة، فتسارع للبحث والتقصي في الموضوع، وتسهم في نفض الغبار عن تلك الشخصيّة الثقافيّة الفلسطينيّة ذات الحضور (وربما الأدق القول: الغياب) الغامض والإشكالي، حتّى لا يأخذنا الحماس ونقول أكثر من ذلك..
لكن الاهتمام جاء، كالعادة، أو كما توقّع غير المراهنين على حميّة مؤسساتنا الرّسميّة، من خارج المؤسسة، كون مهمات العمل الثقافي الرسمي أحيلت، في فترات عديدة من عمر عملنا الثقافي، إلى من لا تعنيهم الثقافة من قريب أو بعيد. فكانت مهمات مثل هذا العمل، في كثير من الأحيان، تمثّل مسألة شكليّة، أو موقعاً وظيفياً للترضية، وربما حقيبة من لا حقيبة له. لكن تلك تبقى قضيّة أخرى.
اسم الكاتب الفلسطيني المقصود، هو “عزيز ضومط،“ (1890-1943). ولد في مصر وعاش متنقلاً بينها وبين فلسطين (القدس) وألمانيا. كتب بالألمانيّة ولم بنشر الكثير. وقد أشارت المادة التي استندت عليها في حينه، أن الاسم ورد في وثائق مؤسسة نوبل التي تمّ الإفراج عنها مطلع هذا القرن (2001). بمناسبة إصدار مؤسسة نوبل كتابين يضمان الأسماء التي وصلت مرحلة التصفيات النهائية للجائزة خلال الفترة الممتدة من 1901 إلى 1950 ، وذلك احتفاءً بمرور مئة عام على إطلاق الجائزة. وقد أسهم عثور صحفي عربي يقيم في ستوكهولم، على ابنة الكاتب في منطقة قريبة من بيروت، بالإمساك في أطراف خيط عائلي جرى فيه الحديث عن ضومط. والابنة التي تمّ العثور عليها في حينه، كانت تبلغ الثمانين في ذلك الوقت، بمعنى أنه، إذا ما كان قد كتب لها العمر المديد، تكون الآن قد بلغت المائة أو شارفت عليها.
ما يهم في الموضوع الآن، هو إعادة طرحه من جديد. فإذا كنّا قد أخفقنا قبل سنوات في حثّ المؤسسة الفلسطينيّة على إبداء الاهتمام، فلعلّ إعادة الطرح تعيد تحريك القضيّة ويُحرّك جهات معنيّة أخرى.
سأستعرض هنا ما توصلنا إليه في حينه، وأعني مجموعة المثقفين الذين أبدوا اهتماماً في الموضوع، لنعيد التأكيد على أن غياب العمل المؤسسي، قد يعيد تكرار النتائج البائسة، أو على الأقل الناقصة، التي انتهينا إليها سابقاً. وحتّى لا نغرق في التقولات والأسئلة والمسؤوليات، فإننا سوف نُمسك عن ذكر أسماء الذين كتبوا لنا وأبدوا، مشكورين، اهتمامات فرديّة متفاوتة، اتخذت أشكالاً متعددة.
هذه الأشكال بدأت بكتابة المقالات المُحرّضة على حثّ المؤسسات على إبداء الاهتمام ومحاولة الاكتشاف ودعم الفكرة. والبعض أعلمني أنه طرح الموضوع في بعض الملتقيات الأدبيّة والثقافيّة الدوليّة التي حضرها أو شارك فيها، وأحد الكتّاب زودني بكتابة سابقة له عملت على التعريف بالاسم في إحدى الصحف العربيّة. ومنهم من أعلمني بأنه اقترح على اللجنة المعنيّة تسمية الشوارع في بلديّة رام الله تبني فكرة أن يُطلق اسم عزيز ضومط على أحد شوارع المدينة. وهي فكرة نبيلة، مع أنها بدت لي مبكّرة، ولا تضيف الكثير إلى المسألة العلميّة والمعرفيّة الهادفة إلى إعادة إكتشاف الرّجل، والتي ستتبعها بالتأكيد مسألة تكريمه ونفض الغبار عن اسمه.
أكاديمي في إحدى جامعات فلسطين، أرسل إليّ قائلاً أنه تردّد على “مقبرة العظماء” في برلين، ووجد فيها ضريح عزيز ضومط، وأنه زار الضريح بنفسه.
غير أن كاتباً ومثقفاً فلسطينياً جاداً، كتب إليّ قائلاً أنه ذهب لزيارة المقبرة نفسها (مقبرة “المشاهير” كما جاء في رسالته)، ولم يعثر فيها على قبر يحمل اسم عزيز ضومط. غير أنه استدرك ليبدي تحفظه على ما أورده بالقول أن الكثير من شواهد القبور بدت له مطموسة وأن الكتابة عليها كانت غير واضحة، فيما كان الثلج يغطي شواهد عديدة أخرى. بيد أنه واصل اهتمامه ولجأ إلى الإنترنت لمحاولة العثور على اسم عزيز ضومط من بين قائمة المشاهير الذين يضمهم المكان، فلم يفلح في العثور عليه!
محاولة قد تكون من أهم محاولات البحث عن عزيز ضومط، قام بها مثقف فلسطيني، باحث يجيد الألمانيّة ويترجم عنها، وله علاقة بمؤسسات أكاديميّة في ألمانيا، طلب مني أن أزوده بالمادة الصحافيّة التي كنت قد استندت إليها في غير مقالة نشرتها حول الموضوع، فأرسلتها إليه مصوّرة (scanned). وقد أفادني بمعلومات هامة عن ضومط عثر عليها في أماكن مختلفة ولم يبخل عليّ بمحاولة تزويدي بصورة لما عثر عليه في بحثه على الشبكة العنكبوتيّة. كما أفادني بحقائق هامّة، أولها، مراسلته لأكاديميّة نوبل التي أكدت له ترشّح ضومط للجائزة عام 1936، وثانيها، عثوره على نصّ مسرحي أو أكثر للكاتب في الجامعة العبريّة في القدس.
ومع انقطاعي عن الموضوع ليقيني أن المسألة تبقى بحاجة إلى التبني المؤسسي الجاد، لم أعد أعرف إلى أين وصل به الموضوع، وهل استكمل بحثه فيه أم توقّف، رغم أنه راسلني منذ نحو ثلاث سنوات لسبب آخر، واستفسرت منه بالمناسبة عمّا وصل إليه في بحثه حول ضومط، غير أنه فضّل عدم الإجابة، وكان عليّ أن احترم رغبته في الكتمان.
ربما يكون هذا الوقت مناسباً لطرح الموضوع مجدداً، علّه يُفضي هذه المرّة إلى نتيجة إيجابيّة تكون لصالح الثقافة الفلسطينيّة وتعزيز المعرفة برمز من رموزها الذين غمرتهم الظروف التاريخيّة التي مرّت بها فلسطين التي شهدت تهجيراً قسرياً لشعبها عن أرضه، ومن قبلها ألمانيا، البلد الثاني لضومط، والتي شهدت أهوال الحرب العالميّة الثانية وهزيمتها فيها، ما أسهم أيضاً في تبديد إمكانيّة العثور على حقيقة مسألة وصول كاتب فلسطيني للترشح إلى جائزة نوبل، أو نفيها نفياً قاطعاً، والقفز عن هذه الصفحة نهائياً.
ففي النفي، أيضاً، ثمّة تأكيد على حقيقة علميّة وتاريخيّة، ليس من اللائق أو الجائز، أن تبقى طويلاً طيّ الإهمال.
سليم البيك: عن الفلسطيني الصهيوني الذي ترشّح لنوبل
ملاحظات حول عزيز ضومط: كاتب عربي مؤيد للصهيونية (ترجمة)