تمارا أبو لبن - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/127rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:42:14 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png تمارا أبو لبن - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/127rommanmag-com 32 32 أسامة بواردي، منتج الفيلم: «الهدية» استحقّ اهتمام المشاهدين https://rommanmag.com/archives/20454 Tue, 13 Apr 2021 17:15:26 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a3%d8%b3%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a8%d9%88%d8%a7%d8%b1%d8%af%d9%8a%d8%8c-%d9%85%d9%86%d8%aa%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%8a%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d8%b3/ بأسلوب سينمائي بسيط وفي ٢٤ دقيقة من الدراما والتشويق، يحصد فيلم «الهدية» للمخرجة الفلسطينية البريطانية جائزة أفضل فيلم بريطاني قصير في حفل توزيع جوائز بافتا (أكاديمية فنون السينما والتلفزيون البريطانية) كما ويحصد العديد من الجوائز، وهو مرشح للأوسكار عن أفضل فيلم روائي قصير، والذي ستخرج نتائجه خلال أيام، يُعرض الهدية على شبكة نتفليكس. قابلنا، للحديث […]

The post أسامة بواردي، منتج الفيلم: «الهدية» استحقّ اهتمام المشاهدين appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

بأسلوب سينمائي بسيط وفي ٢٤ دقيقة من الدراما والتشويق، يحصد فيلم «الهدية» للمخرجة الفلسطينية البريطانية جائزة أفضل فيلم بريطاني قصير في حفل توزيع جوائز بافتا (أكاديمية فنون السينما والتلفزيون البريطانية) كما ويحصد العديد من الجوائز، وهو مرشح للأوسكار عن أفضل فيلم روائي قصير، والذي ستخرج نتائجه خلال أيام، يُعرض الهدية على شبكة نتفليكس.

قابلنا، للحديث عن الفيلم، أسامة بواردي، منتج فيلم «الهدية»، وهو ومنتج فلسطيني شارك في إنتاج العديد من الأفلام مثل «٣٠٠٠ ليلة» للمخرجة مي مصري والأفلام الروائية لآن ماري جاسر ومنها «واجب» و«ملح هذا البحر»، وكذلك «الجنة الآن» لهاني أبو أسعد، وغيرها.

كان السينمائي، رمّان

كيف وصل فيلم فلسطيني بإنتاج بسيط، إلى الأوسكار؟ 

فيلم «الهدية» لفرح نابلسي ليس أول فيلم فلسطيني يرشح للأوسكار، فهنالك فيلم «عمر» لهاني أبو أسعد وفيلم «الجنة الآن» وغيرهما من الأفلام، فلسطين تحقق نجاحات في السينما عالمياً. أما عن السرد البسيط، فمن خبرتي في صناعة الأفلام، فإن الفيلم البسيط في حال كانت فكرته عميقة ينال اهتماماً أكبر من الجمهور، من خلال قصة سينمائية بأسلوب إخراجي واضح حقيقي فيه أصالة تروي القضية وتؤثر في المشاهدين. نحن لسنا بحاجة إلى قصص متشابكة ومعقدة ورمزية عالية، فقد يكون السرد خطياً يحمل طابعاً إنسانياً يفهمه الجمهور أينما وجد.

يحكي الفيلم قصة فلسطيني يريد شراء هدية لزوجته في ذكرى زواجهما، فيذهب مع ابنته لشراء حاجيات فيواجه حواجز التفتيش الإسرائيلية في الذهاب والعودة، والتنكيل والتعذيب والفصل العنصري. يسلط الفيلم القصير الضوء على كيفية حرمان الفلسطينيين من حقهم الأساسي في حرية التنقل والحركة، فتظهر علاقة الأب بابنته الصغيرة وسط عالم قاسٍ يُحيط بهما، ويتجلى نجاح الفيلم في ذروة الأحداث فيؤثر عاطفياً على المُشاهد، وقد عمّق ذلك الأداء المميز للممثل صالح بكري بدور الأب والطفلة مريم كنج، بدور الابنة ياسمين.

حدثنا عن مرحلة ما قبل الإنتاج لفيلم الهدية؟

تعرفت على فرح من خلال هند شوفاني، من فريق العاملين على الفيلم، فقد شاركتْ في الكتابة، وهي أيضا مونتير الفيلم. قرأت القصة فتأثرت وشعرت بأنها تمثلني. 

هل لأنك أب ولديك ابنة؟ لذلك شعرت بالانتماء للقصة؟

هناك أنواع منتجين: منتج لا يهتم في الموضوع بل ينصب اهتمامه في الربح والمبيعات، ومنتج مستقل، مثلي، يهتمون في المضمون والفكرة. عملت في هذا الفيلم لسنوات عديدة منذ العام ٢٠١٨ وحتى الآن. بالتالي يجب أن أحب الفيلم حتى أستطيع الاستمرار، فنحن، منتجي الأفلام المستقلة، نعمل أحياناً بلا مقابل، الأفلام القصيرة في الغالب لا تحقق الربح، الدافع كان القصة، الفيلم يعبر عني بشكل أو بآخر كإنسان، كرجل، كأب، وكفلسطيني. 
 

ماذا عن التحديات التي واجهتكم خلال إنتاج الفيلم؟

أحد أكبر التحديات هو التمويل، فنحن في فلسطين لا نملك مؤسسات صناعة أفلام وشركات إنتاج عملاقة، فتحملتْ فرح جزءاً من التمويل، وحصلنا على جزء آخر من مؤسسة الدوحة للأفلام، وبعض التمويل المحلي، أما التحدي الآخر فهو أن فرح كانت تريد أن تحقق أحلاماً كبيرة ولكن الميزانية لا تسمح، فهي طموحة جدا. 

يبدو أن طموحها أوصلها إلى الأوسكار، كيف تشعر الآن وأنت تحدثنا من الولايات المتحدة وقد وصلت إليها قبل ساعات لحضور الحفل؟

بالتأكيد الشعور جميل، ليس فقط من أجل الجائزة بل لأننا كصانعي أفلام نعمل لسنوات بجهد للحصول على تمويل، ناهيك عن ساعات التصوير الطويلة دون كلل أو ملل، حتى يتسنى للناس مشاهدة الفيلم والتعاطف مع قصته. ولأن فيلمنا ترشح للأوسكار وأصبحت الناس في كل أنحاء العالم تهتم لرؤيته، فهذا هو النجاح الحقيقي، أن تصل فكرتك وصوتك إلى المنابر العالمية، وتأكّدي أنه ليس بالأمر الهين، ففيلم «الهدية» فيه رسالة ولم ننتجه للتسلية، وصلنا إلى هنا بسبب الإصرار وحبنا للعمل، وحتى نوصل صوت فلسطين للعالم ونؤكد على حقنا وقضيتنا.

هل تملك السينما الفلسطينية مقومات ومؤهلات لتنافس؟ 

نعم نحن لدينا المواهب والشغف ونحن شعب نحب السينما. أثناء التصوير في محافظة بيت لحم لا تتخيلي كمية الحب والمساعدة والكرم التي حظينا بها من الناس، الشعب الفلسطيني شعب كريم ومحب، هنالك مواقف حدثت معنا تنسيك الجهد والتعب، ليس من الناس فحسب بل أيضاً السلطات المسؤولة والبلدية. كما وأن العاملين على الفيلم جميعهم فلسطينيون باستثناء مدير التصوير. لدينا كوادر مؤهلة فالعاملين في الإخراج والإنتاج والإضاءة والديكور والمكياج والمونتاج والصوت فلسطينيون، وعلى ذكر الصوت فقد خسرنا مهندس الصوت المتميز رجا دبية حيث توفي بعد انتهاء عمله على الفيلم وكانت خسارة حقيقية. 

كيف ترى فلسطين من عدسات نسائها المخرجات، وهنّ كثر؟

المرأة الفلسطينية امرأة قوية ومستقلة وهذا ليس وليد اللحظة، إنه نتاج تراكم سنوات طويلة من النضالات والثورات والنكبات وثقافة المقاومة والانتفاضة، وإلى اليوم. نحن كشعب شرق البحر الأبيض المتوسط، لنا علاقة بباقي الشعوب المتوسطية، أصولنا مختلطة كما وأن تنوع الأديان والأعراق أغنى المرأة الفلسطينية وثقافتها. نساؤنا لديهن الشجاعة، المرأة الفلسطينية هي رمز الثورة ،حاملة على أكتافها البيت والأسرة والنضال والبندقية. المخرجات اليوم يرتقين بالسينما الفلسطينية وهذا فخر لنا.

The post أسامة بواردي، منتج الفيلم: «الهدية» استحقّ اهتمام المشاهدين appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
جبرا إبراهيم جبرا… تتبّعٌ لبيوته الأولى في بيت لحم https://rommanmag.com/archives/20355 Fri, 22 Jan 2021 11:46:06 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%ac%d8%a8%d8%b1%d8%a7-%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%ac%d8%a8%d8%b1%d8%a7-%d8%aa%d8%aa%d8%a8%d9%91%d8%b9%d9%8c-%d9%84%d8%a8%d9%8a%d9%88%d8%aa%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84/ في إحدى حارات بيت لحم القديمة ما بين البيوت المتلاصقة، ولد مؤلف وناقد وتشكيلي فلسطيني من طائفة السريان الأرثوذكس اسمه جبرا إبراهيم جبرا، الذي نشأ على بعد عشرات الأمتار من كنيسة المهد. ما بين الحاضر والماضي والماضي الأكثر غرقا في التاريخ تشكلت مدينة بيت لحم من عائلات سكنت فيها وأخرى جاءت إليها كجزء من القوافل […]

The post جبرا إبراهيم جبرا… تتبّعٌ لبيوته الأولى في بيت لحم appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

في إحدى حارات بيت لحم القديمة ما بين البيوت المتلاصقة، ولد مؤلف وناقد وتشكيلي فلسطيني من طائفة السريان الأرثوذكس اسمه جبرا إبراهيم جبرا، الذي نشأ على بعد عشرات الأمتار من كنيسة المهد.

ما بين الحاضر والماضي والماضي الأكثر غرقا في التاريخ تشكلت مدينة بيت لحم من عائلات سكنت فيها وأخرى جاءت إليها كجزء من القوافل المسيحية للحج وظلت هنا. فهي مدينة أقرب إلى طابع البلدة بشوارعها الصغيرة وبيوتها المتلاصقة، تشعر فيها بدفء وترحاب أهلها، فلطالما سمعت من عائلتي المسلمة اللاجئة الى بيت لحم في نكبة ١٩٤٨ عن كرم الكنائس التلحمية التي آوت اللاجئين المهجرين في الشتاء القارص.

ولد جبرا في شهر آب في العام ١٩٢٠ في بيت لحم، في عهد الانتداب البريطاني. ودرس في القدس وانكلترا وأمريكا ثم انتقل للعمل في جامعات العراق لتدريس الأدب الإنجليزي وكان له شأن لتنوع كتاباته وترجماته. فقد أنتج نحو سبعين من الروايات والكتب المؤلفة والمترجمه، كما وتُرجمت أعماله إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة.

وبرغم كل تلك التجربة العميقة في بقاع مختلفة، يتحدث جبرا كثيرا في مؤلفاته وتحديدا كتابه «البئر الأولى» عن بيت لحم، لأن هذه المدينة ارتبطت بشكل وثيق بطفولته ونشأته فيستذكر قول الشاعر وردزويرث: “إن الطفل هو والد الرجل” ويقول جبرا: “إن الطفولة تبقى مبعث سحر يستديم فعله الغامض ومصدر وهج يعجز عنه التفسير”.
 

بيت سمعان

وكتب في رواية «البحث عن وليد مسعود»: “في الشباب نخجل من الاستغراق في الذكريات، لأن الحاضر والمستقبل أهم وأضخم. ولكننا مع تقدم السنين يقل فينا الخجل من الانزلاق نحو الذكريات”  ولذلك كتب كثيرا عن نشأته وذكرياته الأولى وهو في سن متأخر.

سكنت عائلة جبرا في سبع بيوت، جميعها في شارع النجمة أو بالقرب منه وهو الشارع الذي كان يسلكه الحجاج للوصول لكنيسة المهد. وسمي بشارع النجمة نسبة إلى النجمة التي ذكرت في إنجيل متى، حيثُ يروي الإنجيل أنها كشفت مكان ولادة المسيح للمجوس الثلاثة. ويتمتع الشارع بقيمة دينية تعود إلى الميلاد عندما مرت العائلة المقدسة فيه وصولا إلى مغارة المهد.

أول بيت سكنه جبرا في مدينة مهد المسيح كان يسمى بالخان، سكنت العائلة في الطابق الأرضي ويصفه جبرا بأنه طابق بدون شبابيك تدخله الشمس فقط من خلال البيت الرئيسي وهو يقع خلف الجامع الكبير أو جامع عمر بن الخطاب وهو أقدم مسجد في بيت لحم، وقد خصص هذا المسجد لذكرى الخليفة عمر بن الخطاب الذي زار مدينة بيت لحم عام 637، بعد أن كان قد أصدر مرسوما تعهد السلامة لجميع المسيحيين ورجال الدين واحترام مقدساتهم. وعودة للبيت الأول وهو الخان، فلا يزال قائما حتى الآن ويصفه جبرا في كتابه «البئر الأولى» بأنه بناء قديم! في الطابق الثاني يسكن الراهب يوسف شاهين أما في الطابق الثالث عليّة وكانت تستخدم ككنيسة للطائفة السريانية. فقد قدمت طائفة السريان من بلاد ما بين النهرين وتركيا إلى فلسطين وبعضهم سكن في بيت لحم ومنهم من فر قبيل الحرب العالمية الأولى والمذابح العثمانية لهم. وقد قدِم جد جبرا إلى بيت لحم كحاج وبقي فيها.
 

باب بيت عائلة سمعان

وتنقلت عائلة جبرا واستأجرت سبعة منازل نتيجة الفقر وسوء الحال. حيث يصف نفسه بين أترابه في المدرسة “حافي القدمين، وأكثرنا حفاة” متحدثا عن نفسه. ويقول جبرا في كتابه «البئر الأولى»: “كلما أردنا التحول إلى دار جديدة نسكنها كان أول ما نسأل عنه هو البئر، هل توجد بئر في حوش الدار؟  إلا أن الدور التي كنا نسكنها كانت من النوع البدائي. والبئر الأولى هي بئر الطفولة. لأنها تلك البئر التي تجمعت فيها أولى التجارب والرؤى والأصوات، أولى الأفراح والأحزان” وكل هذا كان بيت لحم بالنسبة للأديب الفلسطيني جبرا.

يقول جورج الأعمى وهو مدير “مركز دار الصباغ للثقافة ودراسات وأبحاث المغتربين”، وهو باحث في مجال الفنون: “في البحث الذي أعددته مع الباحثة ندى الأطرش وجدت لوحات قديمة لجبرا مع ابنة أخيه السيدة سوزان ومن هنا بدأ ارتباطي بجبرا وأعماله ونشأته” حيث عمل الأعمى على اكتشاف اللوحات القديمة وترميمها وهي تركز بشكل رئيس على المرأة ويظهر فيها تأثره بالفنانين الفرنسيين مثل هنري ماتيس وجورج رو.

في عمر الخامسة أصرت أم جبرا أن يذهب للمدرسة مع أخيه يوسف، فقال المدير عليه أن يأتي في اليوم التالي قبل الساعة الثامنة ولكن العائلة انتقلت في ذلك اليوم إلى بيت آخر وهو بيت الخشاشي.
 

صورة جبرا الجماعية في المدرسة الرشيدية في القدس حيث كان طالبا، الأول في الصف الأعلى يساراً.

يقول جورج الأعمى: “بعد البيت الثاني انتقلت العائلة إلى حوش عائلة الدبدوب، تقطنه اليوم الخياطات السريانيات”. سرت كثيراً من أمام بيت تلك النساء وهو ليس بيتا واحدا، فبيوت بيت لحم القديمة بنيت بنظام الأحواش والحوش عبارة عن تكوينات غير منتظمة من الغرف المتراصة وكل غرفة هي متعددة الاستخدامات تسكنها عائلة، وتحتوي هذه الأحواش على فراغات متوسطة شبه خاصة، ويتجمع سكان الحوش في هذه الساحة للحديث وشرب القهوة والشاي ومشاركة النشاطات، فهندسة البناء العربي قامت على أساس الجماعة وليس الفرد وترجم ذلك في شكل المباني.

تغير نظام البناء مع دخول سكة الحديد إلى فلسطين فأصبح الحديد متوفرا، وبدأت العائلات تبني الطوابق حيث تم استخدام الحديد في البناء. ثم انتقلوا إلى حوش خاطر حيث كانت هذه البيوت تطل على وادٍ بديع، كما ذكر في كتاباته وهو وادي الجمل: وادٍ ممتد من شارع النجمة إلى ما يعرف بالكركفة الآن، وقد كان في وقتها وقبل اشتعال نيران الاسمنت في المدينة التي أكلت كل ما هو أخضر، وادٍ مليء بالزراعة وأشجار الزيتون ومصاطب الحجر للحفاظ على التربة من الانهيار، وهذا الوادي الأخضر الفردوسي ألهم الأديب والفنان في بعض لوحاته لما له من جمال يسر الناظرين.

ثم سكنوا في منطقة دوار العمل الكاثوليك وراء مخبز “أبو فؤاد” الآن حيث يٌخبز أفضل كعك بالسمسم  مع الفلافل في المدينة. ثم بيت سمعان، عمارة طويلة مقارنة باقي مباني بيت لحم القديمة، كتب عليها تاريخ البناء، عام ١٩٠٨، سكنت فيها العائلة حتى قبل عامين. خرجت عائلة جبرا من هذا المبنى وسلموه لأصحابه، بعد سنوات وسنوات تغير فيها نظام الحكم من الانتداب البريطاني للحكم الأردني للاحتلال الإسرائيلي وحتى مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية والانتفاضتَين وأوسلو.
 

شارع النجمة

في بحثي عن البيوت التي سكنها جبرا سافرت عبر الزمن، كم تغيرت فيها الدنيا والأحداث ولكن البيوت نفسها ما زالت قائمة، أحجار فلسطين قوية صلبة تتحمل عوامل الزمن. لا يغيب عن ناظري مشهد دخول الدبابات الى شوارع بيت لحم القديمة في حصار كنيسة المهد في ٢٠٠٢، فقد تحملت هذه الأحواش كثيرا من القصف والحروب والويلات.

شارع النجمة والذي وُضع على قائمة التراث العالمي، وأغلبه تم بناؤه في القرن التاسع عشر يشكل جوهر مدينة بيت لحم وأكثر شوارع المدينة جمالا، تحديدا عندما تقترب أعياد الميلاد المجيدة، فيتزين بالأضواء وبألوانها. والسائر في الشارع يلحظ ما كتب على أبواب البيوت والمصاطب والأقواس من صلوات وأدعية مسيحية دونت قبل ما يقارب مئتي عام وأكثر فيستشعر جذور المسيحيين العرب التي تضرب عميقا في أرض فلسطين، ويحزن على الهجرة المسيحية والتغير الديموغرافي لفلسطين التاريخية، ففي عصور مضت كانت العائلات المسيحية تأتي هنا لشعورها بالأمان في هذه الأراضي المقدسة، أما الأن فنسبة المسيحين الفلسطينيين لا تتعدى ٢٪ من مجمل السكان. ويمكن القول إن الهجرة الأساسية بدأت تتخذ طابعا سياسيا منذ منتصف القرن الماضي، وكان هدفها محاولة لتفريغ فلسطين من مكوناتها الحضارية وتنوعها كجزء من السياسة الإسرائيلية التي تسعى لتخريب ثقافة الشعب الفلسطيني عن طريق اقتلاعه من موطنه الأصلي وبعثرته في العالم ليتسنى لها استعمار فلسطين، وفصلها عن محيطها العربي. حيث يروي لي الأستاذ جورج الأعمى ما قالته له سوزان ابنة يوسف، الأخ الأكبر لجبرا، بأن جبرا كان يزورهم بسيارته الفولفو من بغداد لفلسطين، وكان يعود لبغداد محملا بغلات الأراضي المقدسة. أما الأن فلا يمكننا السير من بيت لحم إلى القدس والتي هي على مرمى حجر.

حملت روايات جبرا الوجع الفلسطيني من قتل واقتلاع وتغريب ومعاناة، إضافة إلى هموم المثقفين العرب كما وأن الزمان والمكان، شكّلا حضورا لافتا في أدب جبرا إبراهيم جبرا، وقد كشفت إبداعاته عن استمرارية التأرجح بين الماضي بهناءاته وبين الحاضر بمرارته، واستطاعت المخيلة الإبداعية أن تعيد صياغة الذاكرة في حلم لغوي يثري القارئ. استذكر من رواية «البحث عن وليد مسعود»: “نحن ألعوبة ذكرياتنا، مهما قاومنا، خلاصاتُها، وضحاياها معاً. تسيطر علينا، تحلّي المرارة، تراوغنا، تذهب أنفسنا حسرات، عن حق أو غير حق. كيف نمسك بهذه الأحلام المعكوسة، هذه الأحلام التي تجمد الماضي وتطلقه معاً، هذه الصور المتناثرة أحياناً فوق سهوب الذهن، والمضغوطة أحياناً كالماسات الثمينة في تلافيف النفس”. 

مع طفلَيه

The post جبرا إبراهيم جبرا… تتبّعٌ لبيوته الأولى في بيت لحم appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
فيلم «تل الزعتر»… إيجاد الأرشيف الضائع https://rommanmag.com/archives/20188 Wed, 12 Aug 2020 10:30:14 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%81%d9%8a%d9%84%d9%85-%d8%aa%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b9%d8%aa%d8%b1-%d8%a5%d9%8a%d8%ac%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%b4%d9%8a%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d8%a7%d8%a6/ في لغة سينمائية سهلة يخرج لنا فيلم «تل الزعتر» بعد سنوات من ضياع الأرشيف الفلسطيني في لبنان ليروي قصة حصار المخيم في العالم ١٩٧٦. واللافت في هذا الفيلم بساطة السرد وفي المقابل صعوبة إنتاج وتصوير وتحميض الفيلم والبحث عنه لأكثر من ثلاثين عاما وإعادته إلى شاشات السينما. خرجت قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، ووضع […]

The post فيلم «تل الزعتر»… إيجاد الأرشيف الضائع appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

في لغة سينمائية سهلة يخرج لنا فيلم «تل الزعتر» بعد سنوات من ضياع الأرشيف الفلسطيني في لبنان ليروي قصة حصار المخيم في العالم ١٩٧٦. واللافت في هذا الفيلم بساطة السرد وفي المقابل صعوبة إنتاج وتصوير وتحميض الفيلم والبحث عنه لأكثر من ثلاثين عاما وإعادته إلى شاشات السينما.

خرجت قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، ووضع الأرشيف الفلسطيني تحت حصانة السفارة الفرنسية وعندما تفاقمت أحداث الحرب الأهلية اللبنانية في ١٩٨٥ وأغلقت جميع السفارات فتبرع تاجر لبناني قريب من حركة فتح بوضع الأرشيف في مخزن بضاعة له، ثم تعرض التاجر اللبناني إلى الاعتقال من قبل السوريين في فترة حصار المخيمات، بعد ذلك لم يعثر أحد على الأرشيف السينمائي الثمين.

واختفى الأرشيف إلى أن عادت السيدة خديجة حباشنة والتي كانت مسؤولة عن وحدة الأرشيف ما بين العام ١٩٧٤و١٩٨٢، عادت للبحث عن الأفلام وتواصلت مع سفارات وجماعات سينما صديقة وحتى العام ٢٠١٨ في القاهرة، حيث تم العثور على النسخة الفلسطينية من فيلم «تل الزعتر» مدفوعة الأجر من شركة الصوت والضوء سابقاً، والتي أصبحت تابعة للمعهد القومي للسينما. 

في أواخر يونيو/حزيران ١٩٧٦، بدأت القوات اللبنانية والمليشيات المارونية حصار مخيم تل الزعتر وقطعت عنه المياه والكهرباء والطعام، واستمر الحصار الخانق ٥٢ يوما، ومنع الصليب الأحمر وهيئات الإغاثة من دخوله.

يتتبع الفيلم ما جرى في أيام الحصار وكيف تتالت الأحداث القاسية على سكان المخيم، من خلال مقابلات أجريت مع بعض سكان المخيم الناجين والمقاتلين. استخدم في الفيلم التعليق الصوتي أو أسلوب الراوي لربط الأحداث مرافقا له تصوير المخيم في تلك المرحلة. 

لم تكن الحرب بحسب رواية الفيلم حربا بين مسلم ومسيحي فقد تم قتل مسيحيين أيضا، ولم تكن بين لبناني وفلسطيني لأن جزءاً من سكان المخيم كانوا لبنانيين فقراء. أحد مخرجي الفيلم هو جان شمعون وهو لبناني مسيحي، وأحد المتحدثين في الفيلم مقاتل سوري قال إنه يشارك في الثورة الفلسطينية، وتم استخدام تسمية (القوى اللبنانية الفلسطينية المشتركة مقابل الفاشيين للطرف الأخر) فهو عنف يقوم على فكرة وجود دولة لبنانية مسيحية مارونية عنصرية متواطئة مع الاحتلال الاسرائيلي ترفض الفكر الثوري الوطني.

أحد المتحدثين يقول، توقعنا في الأيام الأولى للحصار دعم ونجدة، ولكن لم يأتي أحد لنجدتنا والناس تعودت، وكان صراعا مع الوقت.

صحيح أن الأحداث صارت في العام ١٩٧٦ ولكن تشبهها كثيرا أحداث حصار كنيسة المهد في الانتفاضة الثانية في ٢٠٠٢. حينها كنت طفلة ولكن أذكر تماما عندما حاصرت القوات الإسرائيلية الكنيسة، قتلت عائلات بأكملها، كان القناص يصيب أي شيء يتحرك، منع تجوال مرعب، عشنا في مدينة أشباح تماما كما أفلام الرعب الخيالية. لم يعد هنالك طعام ليأكله المحاصرون في الكنيسة من مقاتلين ومدنيين فاضطروا لأكل أوراق الشجر والعشب وأي شيء.

الفيلم، وهو من إخراج ٣ مخرجين هم جان شمعون ومصطفى أبو علي وبينو ادريانو، يبدأ بأحداث صادمة حزينة قاسية ثم تزداد سوءا، وفي منتصف الفيلم وفي أثناء لقاء جماعي مع المقاتلين يبدأ المتحدثون بالضحك والمزاح، مشهد هزلي فيه شيء من روح الفكاهة المنبعثة من أصعب اللحظات، ومن ثم تغني إحدى المقاتلات الفدائيات أغنية دلعونة، مشهد يلطف حدة الأحداث ويبعث على الأمل. الفلسطيني لا يحب الموت، ولغة السينما واسعة، أنت لا تحتاج لأن تقول بشكل مباشر: أنا أحب الحياة، يكفي أن ترى ابتسامة طفل، أو مشهد حب بين الناس ليتسلل إلى قلبك شعور بالأمل.

 يقسم المخرجون الفيلم إلى مشاهد كل منها يتخذ مضمونا أو محورا معينا، أحد المحاور كان ما تأكله الناس تحت الحصار لتبقى على قيد الحياة، الإسعاف الأولي والمرضى، والإصابات، والحصول على الماء، وكان أحد المحاور الرئيسية لأنه وبسقوط آخر مصدر للمياه التي كان يغذي المخيم سقط المخيم، فهو من المحاور التي ساهمت بتطور الأحداث وكان مصدرا يخلق التوتر إن صح التعبير. وإلى جانب ذلك فإن الفيلم يعتمد على الترتيب الزمني، يبدأ برواية الأيام الأولى في الحصار، وينتهي الفيلم بانتهاء الحصار.

لم يركز الفيلم بشكل رئيسي على لقطات الحزن والأسى برغم ذكر ما حدث من تنكيل وتعذيب وانعدام الرحمة، إلا أن الفيلم أعطى صورة عن قدرة الفدائيين على النضال والقدرة على التحمل والبسالة بين شابات وشبان إضافة إلى الصمود البطولي لأهل المخيم. لا يقلل ذلك من قيمة الفيلم كونه يحمل طابعا حماسيا ليبث الروح الثورية النضالية، وقد نكون نحن في هذه الأثناء وبعد إعلان ما يسمى بصفقة القرن والحملة الاستعمارية الموجهة ضدنا كفلسطينيين، وما يسمى بخطة ضم أجزاء من الضفة الغربية، نحن الآن بأمس الحاجة إلى هذا النوع من الأفلام التثقيفية الحماسية الوطنية، لما لها من تأثير إيجابي على توحيدنا وإعادة صياغة خطاب ثوري يحقق تطلعاتنا ويركز على نضالنا ضد الاحتلال، وليس ما يريده الممول وأجنداته الاستعمارية.

كما وأن فكرة مشاركة المرأة في النضال كانت واضحة جدا، فالكاميرا ولغة السينما تحب المرأة، فهنالك المقاتلة والمسعفة والمرأة الأم التي ضحت ومازالت واقفة بصلابة وعنفوان. وقد أُنتج هذا الفيلم قبل غزو التمويل الغربي ومؤسسات الـ NGOs التي تتغنى بقضايا النوع الاجتماعي ومشاركة المرأة، فهذا الفيلم يوثق بقصد أو غير قصد الوعي الذي كان آن ذلك، فهي وثيقة بصرية على تحرر الفلسطيني ووعيه ومشاركة المرأة في كل جوانب الحياه ما قبل أوسلو. 

وهذا يشير إلى أهمية الأفلام في توثيق الحالة الاجتماعية والسياسية، فإن هذا النوع من الأفلام يعطي عمرا مديدا للحدث والمجزرة والنضال الفلسطيني في تلك المرحلة، وهو حال كمية الإنتاج السينمائي عن الهولوكوست، ما ساعد أن تظل المحرقة في الذاكرة الإنسانية، وهذا ليس من الممكن أن يتحقق في كتب التاريخ ، فالقوة البصرية التي تمتلكها السينما لا تملكها الكتب.

 

The post فيلم «تل الزعتر»… إيجاد الأرشيف الضائع appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“رحالة وجدار”… طريق البحث عن الوطن الضائع https://rommanmag.com/archives/19808 Tue, 08 Oct 2019 12:03:56 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b1%d8%ad%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d9%88%d8%ac%d8%af%d8%a7%d8%b1-%d8%b7%d8%b1%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d8%ab-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d8%a7%d8%a6/ يُعرض اليوم ضمن مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"

The post “رحالة وجدار”… طريق البحث عن الوطن الضائع appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

دارت أحاديث بين صانعي الأفلام الشباب في مدينة بيت لحم بأنه لم يعد أحد يرى سمير، فهو منشغل بالعمل على إنتاج جديد، لم يستوقفني الأمر كثيراً، لم أكن أعلم بأنه يقوم بإنتاج فيلم بهذا الاتقان، فيلم بمستوى عالمي. امتلأت مدرجات سينما “دار الكلمة” التي تتسع لـ ٣٠٠ شخص مستمتعين ومنشدّين لأحداث الفيلم. 

وعندما التقيت بسمير مهنئة قال أمراً في غاية الغرابة: “كنت أشعر باكتئاب، كنت أفكر بإنهاء حياتي، كان لا بد أن أعمل على صناعة فيلم لأخرج من هذه الحالة. قلتُ له: “وهل ساعدك الفيلم على الخروج؟ هذا فيلم وليس حبوباً مضادة للاكتئاب. قال: “قلبَ كياني، غيّر منظوري للعالم!”

فالعبرة تكون بالرحلة والتجربة. فماذا لو كان الفيلم عن الرحلة؟ يبدأ الفيلم بفتاة تتحدث عن “فن المشي”، تقول: “فن المشي الذي يجعلك تشعر مع التجوال بأنك في بيتك أينما ذهبت وهذه هي الحرية” وتخلع ملابسها وتقفز في مياه بحر. رسالة الفيلم بلا شك واضحة من الدقائق الأولى، وهي البحث عن الحرية، قد يكون هذا هو الـ teaser للفيلم، في لغة صانعي الأفلام.

 بعد مشهد البداية الجاذب للانتباه والباعث على التأمل، يصدمنا سمير قمصية مخرج الفيلم باستخدام فن المونتاج -هو بالأساس مونتير- يصدمنا بمشهد المشي مع انعدام الحيز المكاني، أي المشي أمام جدار الفصل والضم العنصري. جلب الفكرة وعكسها في المشاهد الأولى بأسلوب ذكي.

ويأتي اسم الفيلم بالإنجليزية Walled Citizen ، ومعنى الاسم المواطن المحاط بجدار، ولكن المخرج يختار اسما مختلفا بالعربية وهو “رحالة وجدار”، مع أن الاسم باللغة الإنجليزية أقوى وأكثر اتقاناً وجذباً. ويخبرني سمير بأنه أصر على أن تكون لغة الفيلم هي الإنجليزية ليصل إلى العالم بشكل أسرع، لا يحب الناس قراءة الترجمة، الصور أقرب من اللغة إلى قلوب البشر.

بعد المقدمة، يبدأ التعريف عن الرحلة بأسلوب أفلام الطريق. يقول سمير في الفيلم إنه في اللحظة التي يضع فيها شنطة الظهر ويمشي، يتخلص من كل القيود المجتمعية ومن الهوية والالتزامات، إنها لحظة سحرية، وفي لقطات مونتاج سريع نرى أقدامه تمشي على مناطق مختلفة، مرة في مناطق زراعية ومرة جبال، صحراء، ثلوج، شوارع معبدة وأرصفة، لقطات تحمل بعض التشويق لأننا نريد كجمهور أن نرى أكثر من مجرد أرجل تمشي على الأرض. 

في قواعد كتابة نصوص الأفلام، مع كل انفراجة يجب أن تأتي عقدة والعكس صحيح، فعندما رأينا سمير يسير في بقاع الأرض بحريّة، تلاه مشهد العقدة في أن جواز السفر الفلسطيني لا يخولك السفر بحرية كما تحلم وتتمنى، ويكتمل مشهد العقدة بمقابلة مع شاب من بيت ساحور يتحدث فيه عن صعوبات السفر لنا كفلسطينيين، فالفيلم الوثائقي يعطيك معلومات عن قضية ما، وهذه المعلومات مهمة بالطبع لغير الفلسطيني، وكون لغة الفيلم هي الإنجليزية فهذا اختيار صائب بلا شك لأن الجمهور الذي يحتاج لمعرفة هذه المعلومات هو الأجنبي غير الفلسطيني، نحن نعلم هذه المعلومات وكرهناها لشدة ما عرفناها وعايشناها.

وتتوالى المقابلات مع شبان فلسطينيين وآخرين من أماكن حول العالم، لنرى كيف يعيشون ويتنقلون، فنشعر بإبداع التقطيع والمونتاج، في تضاد الظروف، أشخاص محبوسون في مدينة واحدة محاطة بجدار وآخرون يكتشفون أنفسهم أثناء السفر وفي المساحات الواسعة والترحال. كم حزين لنا أن نرى هذه المقارنة، نعم لقد شعرت بالشفقة على حالنا، فمحافظة بيت لحم تبلغ مساحتها الكلية حوالي ٦٠٠ كم مربع يبتلع الاستيطان والجدار أغلبها، فليس هنالك أفق إلا السماء. 

وأول موسيقى محسوسة في الفيلم كانت في الدقيقة الـ ١٤، جميلة هي الموسيقى في الأفلام الوثائقية عندما لا يتم استخدامها كثيراً، والأجمل عندما تكون حقيقية من روح المكان، صوت غناء يرافقه عزف بيانو في جامعة وصل إليها سمير للدراسة في أوروبا، وهذا ما ساعده على الحصول على الفيزا والإجراءات اللازمة للسفر.
 

يطرح الفيلم تساؤلات فلسفية كبيرة كمحاولة تعريف الحرية والاستقرار، والوطن والمأوى فيلتقي سمير وهو في الدنمارك برجل بريطاني يعيش في الشارع على الرصيف، يتحدث بعمق عن الوطن، والمفارقة هنا تبدو واضحة باللغة الإنجليزية، فهو رجل بلا مأوى يتحدث عن الوطن والبيت، فيقول: بأن أسماء البلدان تتغير والحكم يتغير والناس كذلك، فليس الوطن هو المكان الذي تولد فيه، بل الذي تجد فيه حريتك، ويقارن سمير نفسه بهذا الشخص الأوروبي الذي يستطيع العيش في بلد أوروبي آخر، هي ليست غيرة أو حسد، إنه الإحساس بانعدام العدل في هذا العالم.

تأخذنا القصص لنتجول معها في الشوارع والمساحات، بشكل انسيابي، ونتمنى لو نعيش في تلك البقاع من الأرض، ثم يلتقي سمير وبالتالي نلتقي نحن المشاهدين مع فلسطينيين يعيشون في أوروبا ويعانون من العنصرية والروتين، لنعود ونسأل هل فعلاً الحرية هي في ذلك الجزء من الكرة الأرضية؟ أحد أصدقاء سمير يخبره بأن الحرية ليست أمراً سهلاً بل هي شيء ثمين جداً لا تحصل عليه بسهولة. فكل شخص لديه تعريفاته المختلفة وبالتالي يختلف المنظور والدافع والآمال.

تزداد العقدة في التصاعد، الفلسطينيون في أوروبا يعانون ظروفاً قاسية، مقيدون بعقدة الجدران وبجواز سفر فلسطيني يحاصرهم ويضعهم أمام المساءلة أينما ولوا وجوههم.

أسلوب التصوير واقعي جداً وكأن الكاميرا عينا المخرج، تنظر وتستكشف وتدخلنا إلى منازل أصحابه وخصوصياتهم، فتشعر بالقرب وتتوحد أحياناً معهم. كما وأن الكلام والعبارات التي تستخدمها الشخصيات طبيعية جداً مما جعل الحضور في السينما يتفاعل ويضحك أحياناً. حيث شعرت بأن الشخصيات لا تكترث لوجود الكاميرا، وكأنها مختفية، سألتُ سمير عن ذلك فقال “إن الكاميرا كانت موجودة دائماً، وعندما أرى ما هو مميز أو عندما يتحدث أحدهم، ما عليّ إلا أن أضغط على زر التشغيل، وأحياناً لا أضع المايكرفون، تخيلي أن أقول لأحدهم انتظر حتى أضع المايكرفون مثلاً؟ سوف يخرج حتماً من الحالة النفسية أو العاطفية الطبيعية وربما ينسى ما يقول. 

يعود سمير في أحداث الفيلم إلى فلسطين ويلتقي بشبان يحاولون إيجاد الحرية بالرغم من الجدار والحواجز، وهذا يجعلني أتساءل عمّا إذا كانت الحرية في دواخلنا، فالشباب الفلسطينيون في أوروبا يعيشون نوعاً من الحرية، ولكن بعد وقت يكتشفون بأنهم في قفص وفي سجن مقيدون. أما هنا، فالشباب في سجن كبير وفي بحث دائم عن الحرية. 

وتجعلك القضايا التي يتم طرحها والبحث فيها توقن بأن الفيلم هو دعوة لمحاربة الكراهية والعنصرية من جهة، ومن جهة أخرى هي دعوة للسفر للتعرف على الآخرين وإقامة صداقات وعلاقات حقيقية لا تحكمها المصالح والمادية. ويسلط الضوء على أننا في هذا الزمن حبيسو نظام الحياة القائم على الروتين والبحث عن الاستقرار والنظام المادي الرأسمالي والقروض. 

والذي يعرف سمير بلطفه وبراءته يفهم جيداً بأن سرد الفيلم يتصل بشكل أو بآخر بهذه الشخصية الحالمة المختلفة، فهو يحب الناس حتى وإن كان قد مر بوقت كئيب، إلا أنه ليس شخصاً ينشر الحزن والكآبة، وهذا ما قلته لسمير عند لقائنا، وأضفت أنني كنت أبحث في الفيلم على لحظات أكثر كآبة تفسر ما يحدث لنا كفلسطينيين. 

في الدقيقة ٤٠ نشعر كأن الفيلم الذي يمتد لساعة ونصف، بدأ يعيد نفسه، فبرغم جماليات الصورة والمونتاج إلا أنه لم يعد يقدم لي شيئاً جديداً، لا من حيث التشويق ولا من حيث المعلومات والصور.

أعتقد بأن الفيلم الوثائقي يجب أن لا يزيد عن ساعة. أعلم بأن سمير قضى ٣ سنوات وهو يعمل على الفيلم ولا يستطيع الاستغناء عن كثير من المشاهد، ومع ذلك يقول العاملون في هذا المجال “يجب أن تقتل أطفالك”، بمعنى أن تتخلى عن أجزاء من المادة المصورة التي تعني لك الكثير حتى يصبح الفيلم أكثر تماسكاً. وعن اعتراضي هذا قال لي سمير “إن هذه النسخة من الفيلم هي الثانية عشر، كانت مدة إحدى هذه النسخ ٤ ساعات، فلقد تخلى عن أطفاله في مراحل المونتاج حتى إنه غيّر فكرة الفيلم كلياً والتي كانت في البداية البحث عن طريقة للخروج من حالة الاكتئاب.

وعن فرحته بإنجاز أول فيلم وثائقي طويل يقول لي “أنا بالتأكيد أشعر بالفرح ولكني لا أعلم ماذا أفعل بعد الانتهاء من عمل دام لسنوات، كنت أشعر بأن هنالك دافع للعمل والحياة في كل يوم، الآن يجب أن أبحث عن دافع جديد.”

The post “رحالة وجدار”… طريق البحث عن الوطن الضائع appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
أول وطأة قدم لي في بيروت https://rommanmag.com/archives/19722 Wed, 07 Aug 2019 08:12:27 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a3%d9%88%d9%84-%d9%88%d8%b7%d8%a3%d8%a9-%d9%82%d8%af%d9%85-%d9%84%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d9%8a%d8%b1%d9%88%d8%aa/ في أول مرة أزور فيها بيروت، مدينة الفن والجمال والتناقضات التي ترسو على البحر الأبيض المتوسط تماماً كمدينة يافا حيث عاش جدي في سنوات الأربعينيات. قبل النكبة عمل جدي في ميناء يافا ورأى أم كلثوم في حفل لها هناك، حكى لي القصة أكثر من مرة. فقدمت من فلسطين عبر الأردن إلى لبنان للمشاركة في مهرجان […]

The post أول وطأة قدم لي في بيروت appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
في أول مرة أزور فيها بيروت، مدينة الفن والجمال والتناقضات التي ترسو على البحر الأبيض المتوسط تماماً كمدينة يافا حيث عاش جدي في سنوات الأربعينيات. قبل النكبة عمل جدي في ميناء يافا ورأى أم كلثوم في حفل لها هناك، حكى لي القصة أكثر من مرة. فقدمت من فلسطين عبر الأردن إلى لبنان للمشاركة في مهرجان “كرامة لحقوق الإنسان”، الذي يسلط الضوء على أفلام ترفض العنصرية وخطاب الكراهية والتمييز والظلم، ولأن كلّ دورة من دوراته السابقة تحمل شعارًا مختلفًا، فكان شعاره لهذه السنة “تكلم معها” ويقصد به الحوار مع المرأة والحوار لتغيير عنصرية المجتمع الذكوري ضد المرأة، حيث تعاني النساء والفتيات التمييز والعنف في مناطق كثيرة في العالم وتحديداً الدول العربية.

وعند وصولي الفندق كان لا بد من قسط من الراحة بعد يوم سفر طويل شاق يشوبه الشعور بالدونية والألم لأني فلسطينية أمر من تفتيش مذل من قبل الاحتلال الصهيوني. لو كانوا يعلمون بأن هذا العالم يسير بمبدأ التبادلية بمعنى أن ما من ذرة من حب وعطاء أو ذرة من شر وبغض بلا تبادل للأدوار لما فعلوا ذلك بنا نحن الفلسطينيين. خرجت من الفندق وقصدت مقهى جذبني اسمه (تاء مربوطة) شعاره (ة). تساءلت إن كان يقصد صاحبه التعبير بهذا الأسم عن حقوق النساء، فالتاء في اللغة من علامات التأنيث.

أثناء المشي في شارع الحمرا وسط بيروت امتلكني شعور بقوة الجذب والحب من أول وطأة قدم، جميل شارع الحمرا لديه قدرة غير طبيعية على إعطاء الزائر الحيوية فلا تمل من النظر يميناً ويساراً للمحال التجارية والمتسوقين والجالسين على المقاهي، كما والنظر لفن الجرافيتي على الجدران، إحدى العمارات رسمت عليها جدارية كبيرة جداً للفنانة صباح باللون البنفسجي سرقت نظري لدقائق. بالرغم من الصراعات والحروب التي مرت على هذا البلد إلا أن فيه طاقة على إظهار الوجه الجميل للبنان. 

متحيزة زنا للمرأة، اعتقدت أن المطعم نسائي أو يقدم صورة مختلفة للمرأة فذهبت إليه، بلا شك، فإن التاء في العربية من علامات التأنيث، فهي تلحق بالاسم، فتغير دلالته من التذكير إلى التأنيث. فيعتقد العرب بأن “أصل الاسم أن يكون مذكراً، فإن التاء تدخل على الاسم فتغير دلالته من التذكير إلى التأنيث. برغم حبي للغة العربية إلا أنها لغة ذكورية، من قال إن أصل الأشياء مذكر؟

في وسط المقاهي التي كُتبت أسماؤها بالإنجليزية أو الفرنسية نتيجة تبعيتنا الفكرية والاقتصادية للغرب، هنالك مقهى عربي باسم عربي هو مطعم غير عادي، فيه كتب في كل مكان وفي الطابق العلوي مكتبة. يقال إنه مطعم الشيوعيين، فيه لوحات عرضت لفنانين تجعلك تتلمس الحس الفني والثقافي العالي، والناس هنا منهمكون بالكلام والحوارات، ليسوا مثل الأوروبيين كل في عالمه ويتحدثون بأصوات منخفضة بل على العكس، تتعالى الحوارات والضحكات، حاولت التقليل من انبهاري بكل شيء، حتى أني انبهرت بالأمور العادية التي أراها كل يوم في بيت لحم أو رام الله، الانبهار والفضول جزء من التجربة مع أني في العقد الثالث ويجدر بي أن أكون أكثر اتزاناً. فقد تمنيت أن أسير بين الطاولات لأسترق السمع لأحاديث الناس وأصادقهم وأن أرى اللوحات عن قرب وأن لا يكون هناك مكان واحد أجلس فيه. 

في اليوم الأول في بيروت لاحظت وجود انسجام تام بعكس ما نراه على شاشات التلفاز أو نقرأه على هواتفنا الذكية، لازلت في ساعاتي الأولى والانطباع الأول قد يكون زائفاً لدرجة كبيرة. وللبحث عن المعرفة والمعلومات الأكثر صدقًا كنت أسأل الناس التي أصادفها. ما الذي يدفع الناس للاقتتال؟  قيل لي بأنها طائفية وجهل وبحث عن المكاسب والكراسي وهو فساد مستشري، ومع ذلك شعرت بموجة من السعادة والأمل عندما رأيت الناس التي قدمت للمهرجان والنقاشات الثقافية الغنية التي تلت عرض الأفلام.

بالرغم من أن  شعار مهرجان “كرامة لحقوق الإنسان” هو “تكلم معها” إلا أن الحوار ما بين الطوائف والأجناس المختلفة على مر العصور كان يخلق سوء فهم، فأقوى معتقداتنا لربما يكون سببه سوء فهم، وأقوى الحروب نشأت نتيجة مشاكل كلامية. سمعت أحدهم يتحدث على الراديو وأنا في التاكسي بأنه “يكره الأحزاب لأنها تضع شعارات وقواعد يجب أن يظل الشخص من عامة الشعب مؤمناً بها، أما القيادات فتسرق وتنهب وتستغل الإنسان البسيط الذي يجب أن يظل متمسكاً بالمبادئ ويحارب الآخرين من أجلها”. قواعد وشعارات الأحزاب وحتى المعتقدات الراسخة قد تتنافى أحيانًا مع طبيعة الإنسان المتغيرة، كل شيء من حولنا يتغير والأرض تدور ويتغير موقعنا في مواجهة الشمس، وبرغم كل ذلك مطلوب منا اتخاذ مواقف ثابتة جدًا ومتحيزة جدًا لأحزابنا وأدياننا.

سألت سائق التاكسي عن منطقة عرض المهرجان وهويتها واتجاهها في خارطة بيروت وهي “سينما ميتروبوليس، أمبير صوفيل”، فقال هي منطقة مسيحية في بيروت الشرقية في الأشرفية، حي راق إلى حد ما. قد يكون سؤالي هو الطائفي وليست الأجابة.

زرت مخيم برج البراجنة في اليوم التالي، وبلا شك أن الزيارة حملت الكثير من الصدمات والتساؤلات، على من تقع مسؤولية كون المخيم بهذا البؤس وانعدام الخدمات؟ قارنت بين مخيمات فلسطين ومخيمات لبنان، قد يكون هناك قواسم مشتركة كثيرة على رأسها اللجوء وانعدام الأفق وشح الخدمات وتقليصات وكالة الغوث، ولكن هنا الوضع أصعب بكثير، ثلاثون ألف إنسان يقطنون ١ كيلو متر مربع ولا يستطيعون العمل في ٧٢ مهنة بحسب القانون اللبناني. لا أحد يبحث عن حل لأزمتنا نحن اللاجئين قلت لشباب من الخيم، ابحثوا عن حلول فردية لا تنتظروا هنا هكذا. أعلام الأحزاب الفلسطينية وأسلاك الكهرباء تتقاطع مع  خراطيم المياه فوق الشوارع لتحجب الضوء.

صحيح بأن الواقع حزين ولكن من أحد مخيمات لبنان خرج ناجي العلي برسوماته، بلا شك أن لبنان بيئة ثقافية تحفز الأدب والفن، برغم وجود عنصرية من اليمين اللبناني ضد الفلسطينيين. فهناك نشر ناجي العلي أولى لوحاته وكانت عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوّح، ومن بعد ذلك حمل القضية الفلسطينية بفنه بكل إيمان وخلق شخصية حنظلة الشهيرة وهو الطفل اللاجئ ذو العشر سنوات. أصبح ناجي ملهماً لفناني الكاريكاتير وحتى الجرافيتي. 

وأنا هنا أيضًا أشعر بهذه الطاقة الثقافية التي تشعها لبنان، قدمت فيلمي «جدران المخيم» الذي يسلط الضوء على الجرافيتي والكتابة على الجدران في المخيمات الفلسطينية وتحديداً في مخيم الدهيشة الذي نشأت فيه. وتلا عرض فيلمي نقاش حول الثقافة والسينما والحياة في فلسطين وتحدثت عن تجربتي كمخرجة أفلام فلسطينية، كما وشاهدت أفلاماً كانت ضمن عروض المهرجان تتحدث عن حقوق الخادمات «خادمة في الجحيم» من الدنمارك، وفيلم «الحبل السري» عن امرأة تلد في أثناء ظروف الحرب ومنع التجوال القاهرة في سوريا، وفيلم «خيمة ٥٦» يتحدث عن اللاجئين السوريين في لبنان وانعدام الحقوق الأساسية ومن بينها الحقوق الجنسية. فتنوعت الأفلام واختلفت الموضوعات واتفقت حول قضايا المرأة وحقوقها في مجتمعات وثقافات عديدة. مؤكدين على أنّ العلاقات الإنتاجية في الحياة المعاصرة لم تعد تقوم على النوع الجنسي، إذ أصبح العمل يقوم على التفرّد الذاتي، بعد الانتقال إلى الاقتصاد المعرفي. لكن المجتمعات العربية لا تزال متخلفة عن العصر، في ضعف الإنتاج والفساد، وقد تكون عدم المساواة المجتمعية أحد الأسباب الأساسية لهذا كلّه.

ستفهم أنك في بيروت حين تحتار في أي اتجاه تود الذهاب، لمعرض أم لمسرح أم لندوة ثقافية أم لحفلة في منتصف الليل. والأفضل ألا تفكر كثيراً وأن تدع الأقدار تسير بك إلى حيث يجدر بك الذهاب؛ فالتقيت المخرجة مي المصري التي يجمعني بها صداقة تاريخية، وذهبنا إلى معرض «الوطن العائم» في مركز ثقافي يدعى “دار النمر”، هو معرض مشترك لفؤاد الخوري وجيريمي بيكوك. عند الاستقبال هنالك سيدة لبنانية تحدثت إلينا بالفرنسية متظاهرة بالرقي والثقافة العالية، تجولنا في المعرض الذي يحكي بالصور الفوتوغرافية عن رحيل الفلسطينيين من بيروت في العام ١٩٨٢، فأنا وهي فلسطينيتان في لبنان ويجذبنا أيضاً ما له علاقة بالفلسطينيين في لبنان، وبيروت التي في وجداننا لا تكتمل إلا بذاكرتها الفلسطينية. فلسطين بثورتها مرّت من هنا، صحيح أن الصور ساكنة لكنها تحمل في طياتها حرباً عارمة أكلت ما أكلت. قرأت عن الحرب التي عصفت بلبنان والمنطقة فصحيح أن التاريخ يشوبه بعض الكذب والتزوير إلا أن هذه الصور لا تكذب، قد تختصر أو تأخذ زاوية من الأحداث دون غيرها، قد تمتنع عن إظهار أمور ما ولكن لا تكذب. صور فيها الكثير من الألم والكثير من الحنين في آن واحد، هل يحن الإنسان إلى الوجع؟ وأفكاري تسرح وتتخيل الماضي الذي لم أعشه، تقول لي مي المصري التي عايشت الحرب وغطت أحداثها وأنتجت أفلاماً عنها من بينها فيلم «بيروت – جيل الحرب» تصف لي القصف ومنع التجول والمحاربين. 

يقول محمود درويش عن بيروت “بيروت لا تعطي لتأخذ… أنت بيروت التي تعطي لتعطي ثم تسأم من ذراعيها”. ولقد سجل الخروج الفلسطيني من بيروت نقطة تحول في التجربة الفلسطينية برغم عطاء بيروت، عندما غادر ياسر عرفات وبعض قيادات منظمة التحرير الفلسطينية على متن الباخرة “أتلانتيس” وعن هذا الرحيل وما سبقه من دمار كان المعرض.

وفي اليوم الأخير لي في بيروت تمكنت من الجلوس مقابل البحر لفترة طويلة، فأنا لم أرَ البحر لسنوات، فقد سرقوا بحرنا حقاً، وحاولت تذكر قصص جدي عن البحر وكل القصص التي عرفتها عن أمواج البحر والسفن والحوريات، فلا أدري متى أراه مجدداً.

The post أول وطأة قدم لي في بيروت appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
غزال قيد الإنشاء https://rommanmag.com/archives/19130 Thu, 22 Feb 2018 13:20:06 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%ba%d8%b2%d8%a7%d9%84-%d9%82%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b4%d8%a7%d8%a1/ منال محاميد فنانة تشكيلية من سكان مدينة حيفا، عاشت طفولتها مع عائلتها في قرية معاوية في أم الفحم، لا أعلم كيف بدأت الرسم والفنون البصرية ولكنها تحدثت لي عن جمال قريتها والطبيعة المحيطة بها ومن هنا بدأ الشغف والهواية. فالطبيعة بخطوطها حفرت معالم أعمال منال الفنية وصنعت في اللاوعي عالماً مليئاً بالأشجار والحياه البرية. تؤمن […]

The post غزال قيد الإنشاء appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
منال محاميد فنانة تشكيلية من سكان مدينة حيفا، عاشت طفولتها مع عائلتها في قرية معاوية في أم الفحم، لا أعلم كيف بدأت الرسم والفنون البصرية ولكنها تحدثت لي عن جمال قريتها والطبيعة المحيطة بها ومن هنا بدأ الشغف والهواية. فالطبيعة بخطوطها حفرت معالم أعمال منال الفنية وصنعت في اللاوعي عالماً مليئاً بالأشجار والحياه البرية.

تؤمن منال بأن الفكرة هي أساس العمل الفني وهذا يختلف عن المدرسة الكلاسيكية للفن، فدافع منال القوي لفهم وتحليل ماذا حدث للطبيعة من تشويه بعد قدوم المحتل الإسرائيلي كان أساساً للبحث والذي أدى إلى تقديمها لمعرض ”أعمال قيد الإنشاء“.

هذا المعرض الذي أقيم في وسط مدينة بيت لحم في جاليري “باب الدير” للفنانة منال محاميد ينقلنا وللوهلة الأولى إلى عالم الخيال لجمال اللون الأبيض في المجسمات والتقنيات الفنية المتعددة واللوحات فهو لون الصفاء والسلام والطمأنينة، ولكن لا يمكث هذا الشعور كثيراً بل يبدأ بالزوال حيث تختلط الطمأنينة بسيل التساؤلات. فأول ما تراه كزائر هو غزال كبير أبيض جميل وضع بشكل ذكي في حيز أبيض اللون أيضاً، ولكن ما يشتت جمال الشكل العام أن الغزال له ٣ أطراف بدل أربعة! 

فكان لا بد لي أن ألتقي بمنال، لأن هنالك نهر من الأسئلة عن أي اتجاه أسلك في مخيلتي لهذا المجسم كجزء أساسي من المعرض. وتبدأ الحكاية عندما تأخذ منال الأم أطفالها إلى حديقة الحيوان، فتفاجأ بأن غزالاً اسمه “الغزال الفلسطيني“، الاسم مكتوب بالعربية كما الانجليزية، في حين أن اسم الغزال بالعبرية “الغزال الاسرائيلي”!  كيف يحدث ذلك أمام أعين الناس، فقد وصل التهويد إلى تشويه أسماء الحيوانات فلم يقتصر فقط على أسماء القرى والمدن وتهويد التاريخ وكل شيء، بل إن التشويه قد وصل إلى عالم الحيوان!

هذا كان الدافع الأول الذي حفز منال لتجسيد الغزال في معرض فني كامل، أما الدافع الثاني، فهو أن أحد الغزلان في الحديقة كان بثلاثة أقدام، وعندما سألت عن سبب بتر رجله، قيل لها إنه مريض فاضطروا لبتر رجله، فشعرت منال بأن الغزال ليس بخير في هذه البيئة الجديدة، فما هو السبب؟ هل هو ناتج عن كونه معنفاً أم أنه يحاول التكيف والتغير؟

التكيف في علم الأحياء هي عملية تحدث للكائن الحي ليصبح أكثر قدرة على التعايش فالكائنات الحية تواجه تحديات بيئية وأحيانا قد تحدث طفرة جينية ناتجة عن محاولة الكائن الحي التكيف مع التغيرات البيئية الجارفة. إسرائيل حاولت وتحاول تشويه الطبيعة الفلسطينية فتهجين التسميات والنباتات والحيوانات هو جزء من مسح الذاكرة التاريخية، وتصف لي منال كيف تمت عملية تشجير القرى الفلسطينية المهجرة في الداخل المحتل بشجر ليس بالأصل من هذه الأرض بل تم اجتلابه من بعض الدول الأوروبية مثل شجر السرو والصنوبر، ليغيروا طبيعة بلادنا وليخفوا المعالم التي تدل على وجود حضارة فلسطينية في زمن ما. وهذا التغيير في جغرافيا المكان يؤثر على الحيوانات البرية الفلسطينية تماماً كما يؤثر على الرواية.

إن مشروع منال هو بحثي وفني معاً، يركز بشكل أو بأخر على الهوية الفلسطينية، ومن وجهة نظرها فإن الحياه البرية هي أحد أهم معالم الهوية الفلسطينية التي تواجه قساوة المستعمر وفكره، فهي علاقة معقدة في سياق طويل من الصراع الكولونيالي بين المواطن الأصلي والمستعمر. 

استخدمت محاميد في المجسمات مادة السيراميك بعد محاولات عدة لاختيار المادة التي تناسب الفكرة، فالسيراميك مادة جميلة لماعة ثمينة ولكنها ضعيفة هشة سهلة الكسر تشبهنا.
 

في إحدى زوايا المعرض تجسد منال الغزال باللون الذهبي في حين أن كل ما حوله بلا لون، هذا التباين الحاد بين ما هو رمادي وبينه يميزه أكثر، كيف لا وهو يحمل كل هذه المضامين والتجربة والرواية، فمنال تنقل إلينا فيضاً من الرسائل البصرية بمجرد أن تولي وجك من جدار إلى أخر. وعندما نظرت إلى اليسار رأيت الغزال نفسه بلا لون كجزء من المحيط الشاحب كما وأنه يحاول الاختفاء في محيطه ولكنه يظل جميلاً. 

فالغزال ملهم للجمال في الثقافة العربية الإسلامية، أنيق جميل سريع وذكي استلهمت منه قصائد وزجل وفسيفساء، فغزال منال بالرغم من أنه بثلاثة أطراف إلا أنه لايزال نرجسياً يقف ممشوق القوام معتداً بنفسه، وهو كثير ما يشبه الهوية الفلسطينية فهي قوية نفتخر بها إلا أنها وفي بعض الأحيان قد تحمل تعقيدات كثيرة تحديداً عند التفريق ما بين فلسطينيي الـ ٤٨ وفلسطينيي الـ ٦٧. 

يضم المعرض تقنيات عدة منها الفن التركيبي والنحت ومنها الصور الفوتوغرافية واللوحات الفنية والفيديو حيث أنه يصرخ بصرياً عالياً بألوان هادئة فاتحاً أبواب الخيال للماضي ليرتبط بالحاضر، ففي أحد الزوايا، تتفوق محاميد بمزج طبقات الأبيض بعمدان التاريخ الروماني والغزال يقف عليها، فالهوية الفلسطينية محصلة لكل هذه الحضارات التي دخلت بهندستها وثقافتها ولغاتها فكان الكنعانيون والسومريون واليونان والرومان والمسلمون العرب والصليبيون والمماليك وغيرهم.
 

تعود محاميد لتظهر الغزال باللون الذهبي المائل إلى الأصفر وهو على جدران المنازل يشع نوراً ويتمايز عما حوله، في حين أن اللوحة التي بجانبها يتخذ الغزال لوناً متماشياً متماهياً مع الخلفية الغامقة وكأنه جزء من كل. تفوقت منال في بعض اللوحات عن غيرها بتقنيات الرسم واختيار الألوان، فاستخدام الأبيض والذهبي ودرجات الرمادي كان أكثر احترافاً وعمقاً من آلية استخدام الأزرق الغامق مقابل الأصفر، حيث يبدو أنها في حالة تجربة مستمرة للألوان والأشكال ونوعية المواد المستخدمة.

يقفز الغزال في إحدى اللوحات عالياً فوق كل القرى والمدن غير آبه بحواجز أو تقسيمات الأبرتهايد فهو لا يرى الجيش الإسرائيلي على الحواجز، هو هنا قبلهم بكثير. تقول محاميد: ”إن الصراع في داخل أراضي الـ ٤٨ أكبر من مجرد حدود وحواجز ، فهو على وجودنا على لغتنا حتى على قصصنا وذاكرتنا وموروثنا الحضاري.“

يجذب انتباهي مجسم لقطيع من الغزلان يسير في دائرة وهم مبتورو الأقدام متداخلين متشابكين معاً في دائرة محاصَرين داخلها قد تكون دوامة، فالدائرة في رمزيتها قد تحمل معنى الهزيمة وقد تحمل معنى التوحد أو قد تحمل فلسفة الحياه اليومية، ففي كل يوم تمر بنفس الدائرة ونفس الروتين فتدور الدائرة لننتهي بنفس النقطة التي بدأنا منها. تستخدم محاميد الدائرة بعدة أساليب في اللوحات والمجسمات فهي حتماً جزء من عمق الفكرة وتشكيلها البصري.

تعيد الفنانة التفكير بالماضي وتقدم لنا شريط ذاكرتها وتوحدها مع الغزال بأسلوب مبتكر يتبلور به إسقاط تعقيدات شخصيتها وهويتها على الغزال، ففي إحدى الصور تظهر هي إلى جانب الغزال في حين أن انعكاس صورتها على مرآة مكسورة على الأرض يبدو مبعثراً مشوهاً وغير منتظم، فهي تمزج بين الوعي واللاوعي فأحدهما يشبه الآخر ولكن يرى ويفهم بشكل مختلف.

هنالك حالة استثنائية وفكر عميق وسحر في أعمال محاميد تحمل طابع التجريب المحترف الذي يضعنا في عالم جميل أنثوي رقيق متشابك من الناحية البصرية والفكرية.
 

 

 

The post غزال قيد الإنشاء appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
قارب في بحر اسمنتي: معرض “مكانك سر” https://rommanmag.com/archives/19016 Wed, 06 Dec 2017 15:03:02 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%82%d8%a7%d8%b1%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d8%ad%d8%b1-%d8%a7%d8%b3%d9%85%d9%86%d8%aa%d9%8a-%d9%85%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d9%85%d9%83%d8%a7%d9%86%d9%83-%d8%b3%d8%b1/ في منتصف مدينة بيت لحم بأحيائها القديمة المتراصة، أتمشى مع صديقة لي مقابل كنيسة مهد المسيح فعلمت من أحدهم بوجود معرض فن تشكيلي بالجوار وقررنا أن نقضي قليلاً من الوقت هناك لأكتشف حينها أن الفنان هو من مخيم الدهيشة أي من حيث نشأت.  القادم إلى معرض الفنان عايد عرفة يستقبله تنوع الألوان فيكاد يذهل بكم […]

The post قارب في بحر اسمنتي: معرض “مكانك سر” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
في منتصف مدينة بيت لحم بأحيائها القديمة المتراصة، أتمشى مع صديقة لي مقابل كنيسة مهد المسيح فعلمت من أحدهم بوجود معرض فن تشكيلي بالجوار وقررنا أن نقضي قليلاً من الوقت هناك لأكتشف حينها أن الفنان هو من مخيم الدهيشة أي من حيث نشأت. 

القادم إلى معرض الفنان عايد عرفة يستقبله تنوع الألوان فيكاد يذهل بكم مزج الألوان التي تتراوح ما بين الأخضر والأصفر والبنفسجي والأزرق ودرجات البني. الحيز ليس بكبير ولكن بمجرد أن تخطو قدمك داخل الباب الزجاجي للمعرض حتى تدخل إلى عوالم مختلفة. تتحدث الفتاه التي تدير المكان عن الفنان عايد ونشأته في مخيم الدهيشة للاجئين وأعماله فيختفي صوتها لأشرد بمخيلتي داخل لوحة ”السر”. أسمع صوت الألوان فهي ليست صامتة كما يظنها البعض، ملاقط الغسيل تحدد المباني وتربط الأحياء السكنية معاً، حبٌ للبحث في المساحات وهندستها يبدو واضحاً في هذه الرسمة، أنماط شكلية وهندسية متضادة ومتداخلة، أدراج كأدراج المدن الفلسطينية القديمة كبيت لحم والقدس القديمة، القباب أينما وليت وجهك، وفي قلب المدينة مصباح مضيء وفي أسفله هنالك السر في الكلام المتشابك بالخط العربي الساحر.

يعود صوت الفتاه متصاعداً، قائلة: على اللوح المقابل هنالك لقطة قريبة zoom in من لوحة ”السر“ وهي حماية للشباك.

استدرت لأرى الرسمة، لماذا قرر عايد أن يقدم لقطة قريبة لحماية النافذة -وهو الجزء الحديدي الذي يكون داخل إطار النافذةـ وليس للنافذة بأكملها! هل لأن شكلها، أي الحماية، ملفت ومليء بالزخارف أم لأنه قد يكون لها بعد نفسي واجتماعي له علاقة بالخصوصية حيث أن بيوت المخيم متراصة وكأن الجيران يعيشون معاً، وليس ذلك وحسب فالحماية مرتبطة بحماية ذاتي ومشاعري من الآخرين، والمعنى قد يذهب إلى ما هو أوسع وله علاقة بحمايتنا من الاحتلال، بالتالي له ارتباط وثيق بالشعور بالأمان، أو أن عايد يحمي سره ولا يريد الآخرين أن يدخلو إليه، فحتى شكل الحماية قريب من الحرف X مزخرف وبألوان متداخلة ليست قوية ولا محددة.

نقترب من لوحة “untitled”، قارب يبحر في بحر اسمنتي! ليؤكد على عنوان المعرض “مكانك سر“، حيث يبدو وكأن القارب يسير لأن خطوطاً من خلفه تظهر حركة ما، في حين أن اللون الرمادي للماء يعطي انطباعاً بالسوداوية، هل سبق وأن رأيتم مياه رمادية؟ أما في الأعلى فالسماء خضراء، فلقد انتظرت أن أرى لوناً أزرق، كالسماء أو البحر، لأن تفاجئنا اللوحة بأفكار عميقة وألوان غير متوقعة، ففي عملي في مجال السينما يعتبر إبداعا تقديم أفكار ولقطات غير متوقعة وذات معنى عميق ومبتكر في نفس الوقت.

أنا لا أعرف عن مدارس الرسم والفن التشكيلي ولكني أرى في معرضه إبداعاً يفوق مساحة اللوحات بكثير. فأن تظهر قارباً يسير ولكن في الاسمنت، يا لروعة العقل! فيعبّر الفنان هنا عن كم الجهد المبذول في طريق ما، قد تكون الفكرة نابعة من صعوبة شقه لطريقه ليحقق ذاته. في حين أن اللون الأخضر بخبرتي السينمائية يدل على الخضرة والراحة النفسية، أما درجات الأخضر الداكنة قد لا تعطي رسائل إيجابية بل على العكس، ويتجه القارب نحو الألوان الداكنة في حين أن السابق أو الماضي، أي من حيث أتى القارب، كان أكثر إضاءة.

تستوقفني لوحتان على نفس الواجهة، (Studio1, Studio2)، فاللوحة الأولى، أي استوتديو ١، وهي المعمل الأول للفنان في حين أن استديو ٢، المعمل الثاني. اللوحة الأولى تتميز بالبساطة وكثرة استخدام اللون الأخضر الداكن الذي قد ينم هنا عن الفقر وبساطة الحال، حيث أن اللوحة هذه تجذب الأنظار لجمال استخدام الضوء والظلال وبساطة الفكرة، والصندوق الذي على الطاولة وكأن الفنان صنع الصندوق ليفكر خارج الصندوق. أما اللوحة الثانية فحاول الفنان تغيير أسلوب الرسم ليبدو أكثر تجدداً وكأن المكان تطور وأصبح أكثر ميلاً للأثاث الفاخر، ولكن ما زلت أشعر وكأن هذه اللوحة تحمل نوعاً من التهكم، وكأن القديم ببساطته وألوانه الداكنة أجمل.

يبحث عايد كثيراً، في هذا المعرض، في الأماكن باختلاف مساحتها سواء في المدينة أو المخيم أو داخل معمله وبيته، ويخلط الماضي بالحاضر محاولاً البحث في ذاته عن ذاته، فهو كل هذه الأماكن باختلاف هويتها وأنماطها. 

تبدع يده مرة أخرى في لوحة Scene2 حيث أرى فيها مشهداً للمخيم في الليل. شبابيك المنازل وكأنها عيون شريرة، فالمخيم مكان جميل وقبيح ويتميز بكلاهما معاً، فليل المخيم مظلم مخيف، والدوريات الإسرائيلية هناك باستمرار تطلق النار وتخيف الناس. ينظر سكان المخيم من شبابيك منازلهم وكأنهم حيوانات مفترسة تريد أن تحمي نفسها وأسرها. فأنا أيضاً أكره الليل… قد يكون رأي عايد مختلفاً عني ولكن هذا ما أراده عقلي وأسقطه على اللوحة.

الثور المعلق هو أحد الإبداعات في المعرض، لا يبدو لي ثوراً هائجاً بل هادئ، يحاول البحث عن وجهته وطريقه، في حين أنه مربوط، حتى وإن وجد بوصلته فلن يستطع المضي والسير. هذه الفكرة تذكرني بالتفكر بالوجود إن كنا نحن كبشر مسيّرين أم مخيّرين، وقد يكون رأي الفنان أنك وإن كنت مخيراً في بعض الحركات البسيطة ولكنك مسير في الغالب مثل دمى الماريونيت. هل كان عايد يبحث عن فكرة روحانية؟ لرمبا هي تجليات صوفية.

وتقول منسقة المعرض: “الفنان عايد عرفة يحب العمل مع الخشب فمعمله أشبه بمنجرة وهنا يصور الثور هذا كذبيحة العيد معلقة“.

لم اشعر بأن هذا الثور هو ذبيحة عيد الأضحى، فأسلوب التعليق مختلف ومناطق ارتكاز الوزن مختلفة، كما وأن أرجل الثور على الأرض جعلتني أحلق في خيالي كما يحلّق هذا الثور في جسده وعقله في حين أن أرجله على الأرض ثابتة، كم هذا جميل.

وفي لوحة ظهرت لي وكأنها مختلفة عن أخواتها يصور الفنان شخصاً نائماً، ما يلفت النظر هو تنوع ألوان البطانيات فهي لوحة مبهجة والجميل في الخلفية أنه كلما اقتربنا إلى رأس الشخص النائم تزداد الألوان بهجة، فالعقل ليس نائماً بل حالم وهذا يذكرني مرة أخرى بعنوان المعرض “مكانك سر“، الشخص نائم ولكنه يبدو وكأنه يتجول في أحلامه ليعود فيرى نفسه في المكان نفسه. أما طبقات البطانيات، فالحيز الضيق في بيوت المخيم يجعل الناس تنام مفترشة الأرض والأخوة بجانب بعضهم البعض والأغطية في كل مكان في الغرفة، ويصور الرسام النوم كجزء أساسي منه ويجعله جميلاً.

وبالعودة إلى الخشب فقد استخدم عايد قطع الخشب الصغيرة جداً التي قد نجدها في الشارع ولا نكترث بها ونرميها، فيصنع منها مدناً وناطحات سحاب في مجسم خشبي بعنوان “urban sight”، فالأشياء الصغيرة هي في الواقع كبيرة. فقد زار عايد وعاش في مدن أوروبية متعددة ولكنه عاد ليبحث في تفاصيل هذا الجزء من العالم، فيبحر في الماضي والحاضر معاً ولكنه يكتشف أنه لا يزال مكانه أي ”مكانك سر“.

إن المعرض يحمل تنوعاً جميلاً، أفكاراً يضعها لنا الفنان ويكونها من زوايا مختلفة ليخلد مشهداً أو فكرة ويطرح أسئلة أو يلملم قطعاً من هنا وهناك ويجعلها قطعاً فنية، ويجعلنا نتفكر من هو ومن نحن؟ فهذا المعرض الشخصي الأول لعايد عرفة، يقدم فيه سنوات تجربته فيجعل عقلك يكتظ بالأفكار وتنتقل العدوى إلينا نحن الناظرين، وكم هي جميلة عدوى الإبداع والفكر والفن.
 

 

The post قارب في بحر اسمنتي: معرض “مكانك سر” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>