ناجي الخطيب - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/146rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:43:17 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png ناجي الخطيب - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/146rommanmag-com 32 32 اقتراح الدولة الديمقراطية الواحدة في زمن الإبادة الجماعية https://rommanmag.com/archives/21533 Tue, 07 May 2024 07:01:28 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d9%81%d9%8a/ تقديم عقد في بروكسل في 18 آذار 2024 مؤتمراً حول قضايا “نزع الاستعمار”(١) في فلسطين وكانت حرب الإبادة الجماعية في غزة حاضرةً بقوة إذ طرح توحش “القبيلة” الصهيونية المُقادة بأساطير تلموديه، جملة من التساؤلات حول مصداقية وواقعية الاقتراح الفلسطيني بخصوص الدولة الديمقراطية الواحدة فيما جرى اعتبارها دليلاً اضافياً على فشل المشروع الصهيوني برمته.  “إيلان بابيه”، […]

The post اقتراح الدولة الديمقراطية الواحدة في زمن الإبادة الجماعية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تقديم

عقد في بروكسل في 18 آذار 2024 مؤتمراً حول قضايا “نزع الاستعمار”(١) في فلسطين وكانت حرب الإبادة الجماعية في غزة حاضرةً بقوة إذ طرح توحش “القبيلة” الصهيونية المُقادة بأساطير تلموديه، جملة من التساؤلات حول مصداقية وواقعية الاقتراح الفلسطيني بخصوص الدولة الديمقراطية الواحدة فيما جرى اعتبارها دليلاً اضافياً على فشل المشروع الصهيوني برمته. 

“إيلان بابيه”، ضيف المؤتمر، ذَكّر الحضور بأن هذا التدمير الوحشي لغزة إنما يُسلط الضوء على فشل المشروع الاستعماري الصهيوني الآخذ بالتصدع والذي سوف يُسفر عن سقوطه عاجلاً أم آجلاً. وقد حلّل هذا الانهيار المُحَتَم لدولة إسرائيل اعتمادا على عنصر ضعفٍ بنيوي كامن في أساسها منذ تشكيلها مما يجعل منها تتسم بضعف هيكلي اتضحت معالمه قبل 7 أكتوبر، فإذا ما قمنا باستبعاد القاسم المشترك ما بين مكونات هذه الدولة، ألا وهو اقتلاع السكان الأصلانيين في فلسطين للحلول محلهم، لا يتبقى من عناصر وحدة هذه المكونات المتنافرة سوى القليل لدى من يعرِّفون بأنفسهم على أنهم يشكلون “الأمة اليهودية” في “إسرائيل”. ففي إسرائيل معسكران يهوديان في «حرب» متواصلة وقد شهدنا اشتباكاتهما في شوارع تل أبيب والقدس وصولاً ليوم 6 أكتوبر 2023 وذلك كمؤشر على تصدع المشروع الصهيوني بفعل هذه الحرب ما بين المعسكر العلماني والمعسكر الديني والذي يُطور نسخة جديدة من الصهيونية المسيحانية في مستوطنات الضفة الغربية.

“إيلان بابيه” أشارَ الى أن هذه اللحظة المظلمة للغاية، هذه اللحظة الرهيبة لتصفية الفلسطينيين والتي وصلت إلى مستوى غير مسبوق، إنما هي أيضاً لحظة إعلان انهيار الصهيونية وهي ليست مجرد لحظة أمل، بل هي أيضاً تعلن عن الفجر الذي سوف ينبلج بعد هذا الظلام الدامس، وهي الضوء في نهاية النفق. من جهتي، أوضحت للحضور أن الخروج من النفق لن يكون إلا من خلال مواصلة النضال لتفكيك الدولة الصهيونية كدولة يهودية حصرية وكخطوة باتجاه بناء دولة ديمقراطية وعلمانية للجميع على أنقاض الدولة العنصرية، وبأن هذا الاقتراح يبرز من جديد في هذه اللحظات المأساوية ليؤكدَ وبقوة على أنه الحل الوحيد لهذا الصراع الاستعماري ما بين المجتمع الفلسطيني والحركة الصهيونية. ولذلك، يمكن اعتبار هذا الاقتراح السياسي الفلسطيني التاريخي لبناء دولة ديمقراطية واحدة بمثابة نظرية سياسية وبرنامج نضالي ميداني وقوة تعبئة للشعب الفلسطيني ولجميع الحلفاء على المستوى العربي والإقليمي والدولي.

في هذا السياق، أشرتُ إلى أن “المبادرة لدولة ديمقراطية واحدة”(٢)، كحركة سياسية تعمل على بناء دولة فلسطين الغد، إنما هي امتداد لتراث وإرثٍ سياسي فلسطيني بدأ عام 1943(٣)، مروراً بعام 1968(٤)وصولاً الى عام 1974(٥)، تاريخ أولى هزائمه والتي أسفرت عن الوصول بالحركة الوطنية الفلسطينية للدخول في حقبة “أوسلو” المشؤومة لعام 1994 وما سُمي زوراً بحل الدولتين.

“المبادرة لدولة ديمقراطية واحدة” تلتزم بذلك بالثوابت الوطنية الفلسطينية الثلاث ألا وهي “التحرير” و”العودة” وبناء “دولة فلسطين الديمقراطية والعلمانية” من النهر الى البحر. هذه الرؤية السياسية تميزها عن مجموعات أخرى ترفع شعار الدولة الديمقراطية الواحدة إذ تعتبر “المبادرة” أن هذه الدولة هي دولة ديمقراطية وعلمانية إذ لا انفصال ما بين الديموقراطية الحقة والعلمانية السياسية وهي تمتاز أيضاً عن بعض تلك المجموعات بخصوص رفضها لمقولة الدولة الديموقراطية كَدولةٍ “ثنائية القومية” فدولة فلسطين هي دولة المواطنة المتساوية وليست دولة قوميات متعايشة. كما تمتاز “المبادرة” أيضاً برفضها لتلك الأفكار المتداولة من هنا وهناك حول “دمقرطة” دولة اسرائيل و”اندماج” ما بين إسرائيل وفلسطين في صيغة كونفدرالية…الخ.

الدولة الديموقراطية العلمانية كنقيض للدولة اليهودية

للإجابة على عدد من الأسئلة والتعليقات للحضور، كان لا بدّ من التوسع بالشرح لمكنونات هذا الاقتراح السياسي وتحديداً للحديث عن المستقبل في هذه الدولة المُتوخاة، إذ أن المستقبل المتحرر من الاستعمار في فلسطين يعني التحرر من هذه الدولة الصهيونية من خلال تفكيكها كدولة عنصرية يهودية حصراً، أي تفكيك أجهزة تلك الدولة التي تمارس الإبادة الجماعية لسكان فلسطين الأصليين وفقاً لمراحل مدروسة منذ النكبة عام 1948 وصولاُ لحرب الإبادة الراهنة في غزة.

إن هذا التفكيك هو ما سيتمخض عنه انتقال حاسم من الدولة الإسرائيلية كدولة يهودية إلى دولة فلسطينية كدولة قانون، وكدولة تعددية، ما بعد-قومية، تقوم المواطنة بها على مبدأ الانتماء الى مجتمع سياسي من المواطنين المتساوين وليس وفقاً لانتماءات جزئية طائفية، أو دينية، أو عرقية، أو ثقافية. احترام تنوع وتعدد مكونات المجتمع المدني سوف يكون متمفصلاً مع مبدأ حيادية الدولة تجاه المكونات المختلفة للمجتمع الكلي.

هذه الدولة هي دولة علمانية سياسياً وهي من سيضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية واحترام جميع المعتقدات الدينية والفلسفية دون تمييز. وهكذا، فإن نقيض الدولة اليهودية الحصرية الحالية هو الدولة الفلسطينية العلمانية والديمقراطية لجميع مواطنيها بغض النظر عن العرق، أو الدين، أو الثقافة، أو اللغة، أو الجنس، أو النوع الاجتماعي. وبهذا السياق، لن تكون هناك دولة ديمقراطية واحدة بدون النضال المشترك بين الشعب الفلسطيني والمجتمع اليهودي الإسرائيلي المنزوع من الصهيونية، أي المتخلي عن هذه الأيديولوجية العنصرية، مما سيجعل من تحرير فلسطين من الدولة الصهيونية تحريراً للمجتمعات اليهودية (في فلسطين وفي جميع أنحاء العالم) من الصهيونية. وهذا التحرير المزدوج هو الخطوة الضرورية لإنهاء استعمار فلسطين وبناء الدولة لجميع مواطنيها بدلاً من هذه الدولة “المسدودة الأفق” والمنغلقة على حد تعبير “آن لورا ستولر”(٦). 

الدولة الواحدة : حلم بعيد المنال؟

عدد من الحضور استحضر ملامح حرب الإبادة في غزة لكي يتساءل عن مدى واقعية مثل هذا الطرح إذ أن الشريك النظري المأمول (المجتمع الإسرائيلي) يميل نحو المزيد من التطرف وليس نحو النضال المشترك ضد الصهيونية.

للإجابة على هذه التساؤلات كان لا بدّ من التذكير بأن اقتراح النضال الفلسطيني-اليهودي المشترك لبناء دولة المواطنة هو بالأساس، اقتراح فلسطيني باتجاه الطرف الآخر والذي نأملُ بكسب بعض قطاعاته للالتحاق بهذا النضال وهذا الاقتراح هو بمثابة العرض الفلسطيني الدائم بغض النظر عن تقلبات اللحظة السياسية إذ لا حل سواه على المدى البعيد.

هذا العرض الفلسطيني لتحقيق هذا التحرر المزدوج سيبقى وإن تعارضَ بشكل مؤلم مع هذا الاتجاه الفاشي الذي يسري في المجتمع الإسرائيلي بأكمله، فعندما شهدنا في الماضي مظاهرات فاشية تحمل شعار “اقتلوهم جميعا”، اعتقدنا أننا نواجه تعبيرات أقلياتية معزولة. اليوم وفي ظل حرب الإبادة أصبح هذا الشعار الفاشي شائعًا جدًا لدى المجتمع بأكمله من رأس هرم السلطة الصهيونية ونخبها بكافة منوعاتها وصولاً لأغلبية المجتمع الإسرائيلي. الأمثلة الصادمة لا تُعد ولا تُحصى. ونزع إنسانية الفلسطينيين وممارسة الإبادة الجماعية بحقهم هي الدليل القاطع على الطبيعة الكولونيالية الاستيطانية للمشروع الصهيوني في فلسطين إذ أن الإبادة الجماعية هي ذلك السلوك المألوف لجميع حالات “الاستعمار الاستيطاني” في التاريخ. “باتريك وولف”(٧) يرى في الإبادة الجماعية الرديف الدائم والمُصاحِب للاستعمار الاستيطاني، فهي عنصر “بنيوي” و”تأسيسي” في هذا المشروع وليست “لحظة” أو “حدثا” مُعطى في زمن مواجهة عسكرية ما وهكذا هي في فلسطين كما كانت عليه في “العالم الجديد” وأستراليا في الماضي. الإبادة الجماعية هي عنصر مكون في المشروع الصهيوني لأن خلق الدولة الاستعمارية الاستيطانية بقاعدتها المجتمعية تستوجب الاختفاء الجسدي عبر القتل والنفي للسكان الأصليين واستبدالهم بالمستوطنين كما لا يمكن إنشاء مستعمرة الغيتو هذه من الصفر إلا من خلال القوة التدميرية لدولة قوية ومجتمع استيطاني اسبارطي عسكريتاري بامتياز. وهكذا فإن هذا “التصعيد” الفاشي، الذي ينتشر اليوم على نطاق واسع، ليس في الواقع سوى عنصر أساسي وعضوي وعميق في المشروع الصهيوني منذ بداياته. وبمواجهة هذه الفاشية الفالتة من عقالها يبرز شعار الدولة الديمقراطية الواحدة كرد أمثل ووحيد عليها من أجل لجمها والقضاء عليها بإيداعها في مزبلة التاريخ كغيرها من الأيديولوجيات النازية والفاشية القاتلة.

رغم حرب الإبادة والظلام ينبثق نور الفجر

“التحليل التفصيلي الذي قدمه ايلان بابيه لكي يبرهن على تقييمه المتفائل بخصوص نهاية المشروع الصهيوني كان مقنعاً رغم تعارضه مع مأساوية اللحظة القاتمة التي تعيشها فلسطين وغزة على وجه الخصوص. في هذا السياق ورغم تقديمي لتصور “متشائل” (استعارةً من أميل حبيبي) لوصف الواقع بما هو عليه بالفعل كان لا بدّ لي من تقديم بعض المعلومات التي تشير الى بداياتٍ واعدة باتجاه الخروج من النفق المظلم الذي وضعت فيه الدولة الصهيونية الشعب الفلسطيني والتجمع الكولونيالي اليهودي في فلسطين. ففي 30 أكتوبر/تشرين الأول، وفي خضم الهجوم المميت الذي شنه الجيش الإسرائيلي على غزة، قامت مجموعة “المبادرة لدولة ديمقراطية” بصياغة “رسالة إلى حلفائنا اليهود” في أعقاب المظاهرات المناهضة للحرب والتي شهدت مشاركة واسعة النطاق من الشباب اليهود الأمريكيين. وقد تمكنت هذه الرسالة من الحصول على أكثر من 14 ألف توقيع فلسطيني بعد أسبوع من نشرها. هذا يشير من ناحية، الى أن مظاهرات هؤلاء اليهود الأميركيين الشباب هي تعبير عن تغييرً حقيقي في وعيهم السياسي وبداية ابتعادهم عن أكاذيب الأيديولوجية الصهيونية، ومن ناحية أخرى، فإن هذا الاستقبال الإيجابي بين الفلسطينيين يُظهر أن العداء الفلسطيني موجه أساساً للصهاينة وليس لليهود كيهود وبأن الفلسطينيين وعلى الرغم من الإبادة الجماعية، يواصلون تصور مستقبل مشترك مع أولئك اليهود المبتعدون عن الطرح الصهيوني.

هذه الرسالة ذاتها وجدت استجابة كبيرة على المستوى الدولي، وتم التوقيع على عريضة لدعم هذه الرسالة من قِبَلِ أكثر من ألف شخصية في 35 دولة. لذا، يمكننا أن نأمل، وأن نحلم بفلسطين الغد المتحررة من الصهيونية، فلسطين العلمانية والديمقراطية، بدون هيمنة استعمارية، بدون مذابح وبدون كراهية، فلسطين التعايش والسلام كما كانت عليه قبل إنشاء دولة إسرائيل: فسيفساء جميل ومتنوع يضج بالحياة.

 

هوامش

1- مؤتمر “نزع الاستعمار”، بروكسيل-بلجيكا، 18مارس 2024، تنظيم “آن فانِس” وبمشاركة إيلان بابيه، ناجي الخطيب، دومينيك فيريه، أيتان برونشتاين ،سهيل ياسين.

2- “المبادرة لدولة ديموقراطية واحدة” https://odsi.co/en/.

3- البرنامج السياسي ل”عصبة التحرر الوطني”، حيفا، فلسطين، 1943.

4- مقررات المجلس الوطني الفسطيني-1968.

5- مقررات المجلس الوطني الفلسطيني، 1974-البرنامج المرحلي-النقاط العشرة.

6- Ann Laura Stoler, Duress, Imperial Durabilities in Our Times – Duke University Press Books, 2016.

7- Patrick Wolf, Settler Colonialism, and the elimination of native, 2006, https://doi.org/10.1080/14623520601056240.

The post اقتراح الدولة الديمقراطية الواحدة في زمن الإبادة الجماعية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
حفريات في الذاكرة السياسية الفلسطينية: في التحرير و/أو الدولة  https://rommanmag.com/archives/20410 Sun, 07 Mar 2021 09:28:07 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%ad%d9%81%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d8%a7%d9%83%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a/ كالفيلسوف الفرنسي “ميشيل فوكو”، لن نقوم هنا بالبحث عن “المعنى” الكامن وراء التعبير السياسي الذي يُعبّر عنه البيان والشعار السياسي وإنما سنقومُ بالبحثِ عن شروط إنتاج وتَشكُلِ هذا التعبير التقريري المُؤكِد والمُقررُ لموقفٍ ما (statement) أو المُعلِنُ عن (énoncé) هذا الموقف أو ذاك أو هذا “الفعل” أو ذاك. وقائع النكبة والاقتلاع والتهجير التي صاحبت قيام […]

The post حفريات في الذاكرة السياسية الفلسطينية: في التحرير و/أو الدولة  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
كالفيلسوف الفرنسي “ميشيل فوكو”، لن نقوم هنا بالبحث عن “المعنى” الكامن وراء التعبير السياسي الذي يُعبّر عنه البيان والشعار السياسي وإنما سنقومُ بالبحثِ عن شروط إنتاج وتَشكُلِ هذا التعبير التقريري المُؤكِد والمُقررُ لموقفٍ ما (statement) أو المُعلِنُ عن (énoncé) هذا الموقف أو ذاك أو هذا “الفعل” أو ذاك. وقائع النكبة والاقتلاع والتهجير التي صاحبت قيام “دولة إسرائيل” على أنقاض فلسطين كانت بمثابة الشروط التي أُنتِجَت من خلالها شعارات التحرير والعودة كشعارات برامجية لحركة تحرر وتحرير وطني. وهذه الوقائع وقبل أن تُتَرجم سياسياً وعسكرياً، كانت تُعبّر عن مُعاش انثروبولوجي جمعي من المعاناة والألم وسيادة مشاعر الضياع والفقد والغربة. التسييس اللاحق لهذه الخبرات الجماعية الصادمة للوعي الفردي والجماعي كان محاولةً للتسامي عن آثار “ما-بعد الصدمة” للارتقاءِ نحو مصافٍ تجاوزي لها بهدف “الصمود” أمام أهوالها. هنا، كان شعار “التحرير” وشعار “العودة” مفاتيح الصمود وإذكاء الفعل المقاوم وعدم التسليم بالهزيمة أو ما يمكن أن نسميه بلغة علم النفس بفعلٍ هادِف لتجاوز آثار الصدمة” كمقدمة للنهوض من جديد (resilience). 

تشكيل المنظمات الفدائية المُبَكِر  كـ”شباب الثأر” و”أبطال العودة” و”فتح” لاحقاً اندرجَ في شروط “النكبة” ومُستتبعاتها وهذه الشروط لم تُنتج خطاباً حول “الدولة”. منظمة “فتح” ورغم رفعها مُبكراً لشعارات “الكيانية الفلسطينية” لم ترفع شعاراً نضالياً نحو “الدولة” ولم تغادر بذلك دورها كـ”حركة تحرير وطني فلسطيني” منذ خمسينات القرن العشرين وصولاً لـ”برنامج النقاط العشر” لعام 1974.

تحول “فتح” اللاحق في بحثها عن “الدولة” بأي ثمن، كان بداية الانزلاق نحو “حل الدولتين” التصفوي للقضية الوطنية وخروجاً من دورها التاريخي كقائدةٍ لحركة تحرير وطني فلسطيني.

الدولة الديمقراطية والعلمانية 

برزت قضية الدولة الفلسطينية الديمقراطية والعلمانية قبل قيام دولة إسرائيل وقبل النكبة وقد حضرَ الطرح ‏العلماني في فلسطين كحل للصراع الفلسطيني الصهيوني منذ الثلاثينات والأربعينات من القرن المنصرم عندما قدمت “عصبة التحرر الوطني” الفلسطينية شعار الدولة الديمقراطية العلمانية كبديل للمشروع الصهيوني الداعي إلى قيام دولة يهودية خالصة على كامل التراب الفلسطيني.

ولقد أُعيدَ التأكيد على هذا الشعار في السبعينات من القرن الماضي كهدف مركزي النضال الفلسطيني ‏ وصولاً لعام ١٩٧٤ حيث افتتحَ “برنامج النقاط العشر” سابق الذكر حقبة جديدة في التاريخ الفلسطيني، حقبةً انحرف فيها النضال الفلسطيني عن أهدافه الوطنية محط الإجماع الفلسطيني العام، ممهداً الطريق بذلك لتبني “حل الدولتين” اللاحق وللانخراط في “اتفاقيات أوسلو” والمفاوضات المارثونية والعبثية التي أعقبتها، والتي تواصلت منذ ١٩٩٣ حتى “صفقة القرن” الترامبية.

سلسلة هذه التطورات الدراماتيكية في مسيرة النضال الفلسطيني أدت الى تشويه الوعي الوطني الفلسطيني وبدايةً لخلق تعارضات ما بين مصالح المكونات المركزية للشعب الفلسطيني وذلك بفصل فلسطينيي الضفة وغزة عن جموع اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن إضافة الى التخلي العلني عن فلسطينيي ١٩٤٨ واعتبارهم خارج الدائرة الفلسطينية تمهيداً للمزيد من ترسيخ أسرلتهم.

التخلي العملي عن المطالبة بحق العودة والاعتراف بشرعية الدولة الصهيونية وبصحة روايتها كان من شأنه دق أولى المسامير في نعش القضية الوطنية المعاصرة ولم تكن سياسات “ترامب” سوى كشفٍ عن المستور من سياسات التراجع لحركة التحرر الوطني الفلسطيني وتعلقها بأوهام الحل عبر التفاوض المؤدي إلى قيام دولة فلسطينية على ٢٢% من فلسطين التاريخية.

انكشاف حقيقة الأوهام بخصوص “حل الدولتين” وما خلفه من توسيع للاستيطان والى المزيد من اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم أدى الى عودة قوية للطرح الديمقراطي والعلماني على المشهد الفلسطيني ولم يكن بروز العديد من التيارات والتجمعات الملتفة حول شعار “الدولة الديمقراطية الواحدة” إلا التعبير الأوفى عن عودة الروح الى الطرح الديمقراطي والعلماني الأصيل والمتأصل في الفكر السياسي الفلسطيني والذي واكب في الماضي الما-قبل-أوسلو لحركة وطنية نابضة بالحياة ورافضة للاستسلام أو للتخلي عن أهداف العودة والتحرير. 

بالطبع، تنوعت هذه التيارات وتراوحت طروحاتها ما بين “دولة ديمقراطية واحدة” و”دولة ديمقراطية علمانية واحدة” إضافة الى منوعات أخرى كـ”دولتين لشعبين في فضاء واحد” وصولاً لطروحات هامشية لِدولة “كونفدرالية فلسطينية-إسرائيلية” و”دولة واحدة ثنائية القومية”… إلخ.

ما يمكن أن نلاحظه في هذا السياق هو أن هناك قاسماً مشتركاً أعظم يجمع ما بين هذه الطروحات المتنوعة ألا وهو البروز الحاد لشعار “الدولة” وكأنه ولعٌ وتعلقٌ استحواذي يزيح ما عداه من القضايا التي تراجعت إلى الظل بسبب طغيان هذا المعطى “الدولتي” المبالغٌ بأهميته. التركيز على قضية “الدولة” لم يولِ أي أهمية لتعميق البحث والتحليل لتركيبتها السياسية ولنظامها الديمقراطي ولبرامجها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بعلاقاتها بقضايا الحداثة والعلمانية. الاكتفاء بإطلاق شعار “الدولة الواحدة” دون مواكبة هذا الطرح ببطارية ثقيلة من الفكر السياسي والتحليل النقدي المتبصر لمعرفة ماهية هذه الدولة وجوهر أنساقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية كان يحملُ تقصيراً ونقصا فادحاً، فنعم للدولة الواحدة، ولكن ما هي هذه الدولة بالضبط؟ سؤال لا يزال معلقاً ولم يلقَ إجابات شافية.

“الدولة” كولع استحواذي

إطلاق مقولة “الدولة الواحدة” كفكرة عامة وتعميمية (generic) بغياب عمل فكري دؤوب حول القضايا السياسية وحول الأبعاد الفكرية وحول الاستحقاقات الاجتماعية المترتبة على تبنيها، يلغي موضوعياً دورها التعبوي كشعار سياسي ويفقدها قدرة التحفيز للنقاش النقدي البنّاء كرادف للفكر وللممارسة السياسية. هذا الغياب للنقاش المعمق بخصوص الدولة الواحدة المستقبلية يجعل من هذا الشعار معطىً رخواً وهلامياً وضعيف الدلالة السياسية والفكرية والاجتماعية فالمعنى “السائب”، “العمومي” غير مضبوط المعنى والدلالة لن يكون فقط ضعيف المردودية السياسية بل وثغرةً تسمح للقوى المحافظة بنقضه وتشويه معانيه وتحميلها ما لا يحتمل.

في الواقع، قد يكون غياب التناول التفصيلي لأبعاد الدولة الواحدة مرتبطاً أيضاً بشكل مقصود “بغاية في نفس يعقوب” من قِبَلِ بعض دعاة هذا التيار إما لِمحافظة عميقة كامنة لديهم وذلك لكيلا نضطر لنقاشٍ قد يُؤرق “مقدسات” اجتماعية محافظة في أعماق وعيهم و/أو تلبيةً لانتهازية سياسية تقوم على مبدأ “التقية” لكيلا “تُثارٌ قضاياً خلافية جانبية” قد تُعكرَ صفو الالتفاف على شعار الدولة الواحدة.

وهكذا، أعادت تيارات “الدولة الواحدة” فكرة “الدولة” كفكرة ثابتة ومقدسة لدرجة تطفح فيها على ما عداها من عناصر ووقائع ملموسة شديدة الارتباط بها لكي تُلغِيها وقد سبق وأن شاهدنا هذه الظاهرة الاستحواذيه في “حل الدولتين” إذ كان هاجس “الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس” بمثابة فكرة تسلطت على الوعي السياسي بقوة جاعلةً منه في حالة انشغالٍ وعمىً عن رؤية الحقائق الأخرى وخصوصاً تلك التغيرات التي أحدثها الاستعمار الاستيطاني الإحلالي على أرض الواقع مُقلصا نسبة الـ22% المُخصصة نظرياً لقيام الدولة إلى مالا يزيد عن حوالي 10% .

 هنا، وكي لا تقع تيارات الدولة الواحدة في مطب الولع “المرضي” بـ”الدولة الواحدة” كقدس الأقداس، وكي لا تكرر سقوط النظام السياسي الرسمي الفلسطيني في وحل تقديس “الدولة” والذي فرضَ تضحيةً بالقضية وبالشعب وبالأرض، لا بد من إيلاء براديغمات موازية لقضية “الدولة” أهميتها ومركزيتها هي الأخرى وذلك للحيلولة دون السقوط في هوس الاستغراق بقضية واحدة على حساب نقاش القضايا الرديفة بل وبالأحرى واجبة النقاش السابق وليس اللاحق لنقاش “الدولة”.

هيمنة نقاش “الدولة” وخفوت نقاش “التحرير” أو “وضع الحصان خلف العربة”

قبل الخوض في النقاش الضروري والمعمق لماهية نظام الدولة الديمقراطية وأشكاله ومنوعاته وأصنافه (تمثيلي-برلماني -نيابي، مباشر، شبه مباشر، ليبرالي، اشتراكي، تشاركي John Dewy، الخ) وقبل الخوض في إشكالات واشتراطات علمانية النظم الديمقراطية بتمفصلهما الوثيق إذ ليس هناك من ديمقراطية حقة دون أن يواكبها نظام اجتماعي وقانوني علماني وضعي. هناك عددٌ من القضايا السياسية الواجب نقاشها بهدف صياغة فكر سياسي ونظرية سياسية حول الدولة المنشودة. أولى هذه القضايا وأكثرها أهمية هو تغييبٍ مُتعمّد لمبدأ “التحرير”، تحرير فلسطين من الكيان الصهيوني كمقدمةٍ ضرورية لتحقيق “حق العودة” إذ بدا هذا الهدف الشرعي “العتيق”، ورغم طابعه التأسيسي للوعي الفلسطيني الجمعي المعاصر حجر عثرة للحديث عن الدولة الواحدة. كيف تحولَ هذا الشعار التأسيسي إلى شعار ماضوي عفا عليه الدهر ولم يعد صالحاً كما كان عليه الحال في حقب ماضية؟ لماذا نخجلُ من طرحه كضرورة سابقة لقيام الدولة الواحدة؟ وكيف تحول إلى رديفٍ للسذاجة أحياناً وللتحجر “الأيديولوجي” أحياناً أخرى وكأن شعارات الماضي هي شعارات بدائية، بمعنى “التخلف” المرافق للوصف بالبدائية كما علمتنا إياه مدارس الاستشراق الغربية.

هل يستدعي هذا الشعار مخاوف انفضاض العدد الضئيل من أنصارنا اليهود ممن تخلص من الطرح الصهيوني بدرجات متفاوتة؟ فبدلاً من تعميق النقاش حول الطابع الأخلاقي الرفيع لدولة واحدة علمانية وديمقراطية تحفظ حقوق التجمع اليهودي في فلسطين المستقبل بعد تفكيك الكيان الصهيوني العنصري، نقوم بالاستبعاد 'الإرادي” لشعار فلسطيني أصيل ومشروع كي لا نثير مخاوف هذه الأقلية الشجاعة من اليهود اللاصهاينة.

ياسر عرفات هو أول من ضحى بشعار التحرير بعد إعلانه دون استشارة شعبه عن إلغاء “الميثاق الوطني” الفلسطيني المتضمن مبدأ تحرير فلسطين وذلك رضوخاً للموقف الأميركي-الأوروبي-الرسمي العربي وخضوعاً طوعياً لهذا الابتزاز الوقح، فهل يقوم أنصار الدولة الواحدة باستبعاد مبدأ التحرير لكيلا يسببون خدوشاً معنوية لأنصار يهود حديثي العهد لما-بعد الصهيونية؟ عرفات، ضحّى بمبدأ التحرير أملاً بثمن بخس: إقناع الدولة الصهيونية العميقة بقبول “حل الدولتين” فهل يتكرر هذا الخطأ التاريخي هذه المرة باسم حل “الدولة الواحدة”؟

“عرفات” صرح بالفرنسية وبكلمة واحدة (يبدو أنه حفظها عن ظهر قلب) بأن “الميثاق الوطني” Caduque، مُنقضي، مُتساقط، عفى عليه الزمن ولكنه لم يحصل على دويلته القزمة التي ضحى بفلسطين وبقضيتها وبشعبها كثمن للحصول عليها لولعه الهاجسي الاستحواذي القديم ببناء “دولة”. إلغاء المادة 21 من الميثاق الوطني الفلسطيني (1968) والمادة 12 من “الميثاق القومي الفلسطيني”(1964) لم يخضع لاستفتاء شعبي فلسطيني. لقد جرى إسقاط قضية تحرير فلسطين كخطوة نحو تفكيك الكيان العنصري الصهيوني من خلف الأبواب المُغلقة لمفاوضات سرية لم يطلع عليها إلا الحاشية المُقربة من مركز القرار العرفاتي. 

ضمن هذا السياق، إعادة الاعتبار إلى براديغم التحرير كنموذج لشعار توحيدي للكل الفلسطيني لارتباطه المباشر بتطبيق حق العودة اللاحقة للتحرير وتفكيك الدولة الصهيونية، هو مهمة عاجلة تقع على عاتق دُعاة “الدولة الواحدة”، مهمةٌ متمايزة بحق عن دُعاة “حل الدولتين” واللذين أسقطوا هذا الشعار من جداول أعمالهم.  

تحرير فلسطين وتحرير الفلسطيني من تشرده في بقاع الأرض دون هوية وإتاحة المجال له للعودة إلى أرضه وأرض أجداده لكي يعيش بسلام ومساواة مع من سلبه حقوقه وشرده من دياره هو جوهر العيش المشترك في ظل دولة ديمقراطية علمانية. دولة تُحِقّ الحقوق بإعادتها للجموع اللاجئة ولأجيالها اللاحقة إلى قراها ومدنها وتعويضها عما خسرته مادياً وتعويضها عن حجم المعاناة التي تعرضت لها هي وأبناؤها منذ النكبة. 

وهكذا، لا بد من ترتيب بديهيات الخطاب الفلسطيني في “الدولة الواحدة” وذلك بإبراز أولوية تحرير فلسطين وتفكيك الدولة الصهيونية كهدف استراتيجي للنضال وذلك لكي نضع الحصان أمام العربة لا خلفها.

The post حفريات في الذاكرة السياسية الفلسطينية: في التحرير و/أو الدولة  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
عودٌ على بدء… حول بعض القضايا الخلافية ما بين دعاة “الدولة الواحدة” https://rommanmag.com/archives/20140 Thu, 09 Jul 2020 08:21:54 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8c-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a8%d8%af%d8%a1-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b6%d8%a7%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9/ تقديم تواصلت اللقاءات والنقاشات على امتداد السنوات الماضية ما بين رافعي رايات النضال من أجل “الدولة الواحدة” دون أن تسفر عن اتفاقات فعلية لتوحيد هذه المجموعات وذلك لبروز عدد من القضايا الخلافية وكان آخرها بمناسبة إصدار بيان مشترك في “يوم النكبة ” بتاريخ 15 أيار 2020. وهنا، وإن كان هناك اتفاق حول ضرورة اشتقاق برنامج […]

The post عودٌ على بدء… حول بعض القضايا الخلافية ما بين دعاة “الدولة الواحدة” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تقديم

تواصلت اللقاءات والنقاشات على امتداد السنوات الماضية ما بين رافعي رايات النضال من أجل “الدولة الواحدة” دون أن تسفر عن اتفاقات فعلية لتوحيد هذه المجموعات وذلك لبروز عدد من القضايا الخلافية وكان آخرها بمناسبة إصدار بيان مشترك في “يوم النكبة ” بتاريخ 15 أيار 2020.

وهنا، وإن كان هناك اتفاق حول ضرورة اشتقاق برنامج نضالي يضع بناء “الدولة الديمقراطية” في فلسطين كهدف مركزي له برز إلى السطح قراءات متضاربة وتقييمات لشكل الوحدة المُفترضة إضافة إلى بروز بعض مسلكيات الهيمنة ذات الجذور الفصائلية والتي تُشكِلُ جزءاً هاماً من تراثنا السياسي والفكري البائد والتي لم تكن، نظرياً على الأقل، لتظهر لدى حاملي لواء التغيير والتجديد للمشروع الوطني المتهالك. 

بعيداً عن التفاصيل، كان هناك جذراً فكرياً وايديولوجياً يغذيّ هذا الخلاف الجديد-القديم ألا وهو قضية الموقف من الطرح العلماني والذي يعتبره البعض كترف لا داعي له وتفصيل يمكن نقاشه لاحقاً ولا موقع له من الإعرابِ في اللحظة الراهنة لكونه عنصراً قد يُعكِر الوحدة المنشودة بإثارته لخلافات نحن بغنىً عنها.            

هنا، سوف نعود إلى نقاش هذه النقاط الخلافية ببعض التوسع.

دولة فلسطين الديموقراطية العلمانية الواحدة: الخلاص للفلسطيني ولليهودي “المتأسرل”

لن نقدم هنا بحثاً في “الاقتصاد السياسي” للجريمة ولنتائجها، ألا وهي جريمة تشويه الوعي الوطني الفلسطيني وحرف مسار النضال الفلسطيني وتدجين الفعل الفلسطيني المُقاوِم فمنذ برنامج النقاط العشرة وصولاً لاتفاقيات أوسلو المشؤومة، استمر التراجع الفلسطيني لكي يتراكم كماً ونوعاً مؤدياً لِصفقة القرن المدعوة للمزيد من التمدد لالتهام ما تبقى من الأرض الفلسطينية ومن الحق الفلسطيني بالعودة للوطن السليب.

 في ظل أكذوبة المفاوضات السلمية للوصول إلى “حل الدولتين” ارتفع عدد المستوطنين من 200,000 مستوطن في 1994 إلى 700.000 مستوطن في يومنا هذا ممن يعيشون في ظل أمن نسبي يضمنه لهم “التعاون الأمني” اللا- مقدس برعاية السلطة الأوسلوية، فيما شهدنا تراجع عدد سكان الأغوار الفلسطينية من 300.000 عام 1967 إلى 60.000 مواطن فلسطيني ممن سيواجهون قريباً خطة الضم الصهيونية بمباركة أميركية وتواطئ أوروبي ورسمي عربي.

أمام هذا الخطر الداهم، لا تملك سلطتي أوسلو في غزة ورام الله برنامجاً للمواجهة فهما ومجمل فصائل العمل الوطني أسرى للفخ الذي نصبوه لأنفسهم ولشعبهم وذلك في يوم لن تنفعهم فيه ربطات العنق وألقاب السيادة والفخامة والسجادات الحمراء وكواليس وأبواب السفارات الخلفية منها والامامية.

في ظل هذا العجز الفلسطيني الرسمي المُعلَن، تتعالى الأصوات الداعية للتحرك لاستعادة المبادرة الفلسطينية ولوقف الانحدار المريع والذي أوصلتنا له سياسات وكيانات أوسلو الوهمية والتي لن تتحول يوماً إلى “دولة” ذات سيادة بل يمكن لها في أفضل الأحوال أن تمارس دورها كإدارة ذاتية لبانتوستان هزيل على الشاكلة الجنوب-افريقية إبان عهد الأبارتهايد. 

هذا السقوط المدوي لحل الدولتين يجعل من حل “الدولة الواحدة” تجسيداً لإعادة التأكيد على الثوابت الفلسطينية في الحرية والتحرير والعودة وبناء “دولة فلسطين” كدولة عربية وديمقراطية تضمن حق العودة للاجئين من أهل فلسطين كما تضمن لسكانها من التجمع اليهودي “المتأسرل” (بفعل الأيديولوجية الصهيونية العنصرية والامتيازات المادية الممنوحة للمستوطن اليهودي)، حقوقهم المدنية والاجتماعية والثقافية واللغوية دون نقصان ودون أي سلوك ثأري لا يليق بثقافة التسامح العربي الأصيلة.

وهكذا، سوف يتقدم الفعل السياسي الفلسطيني تحت راية النضال لبناء الدولة الديمقراطية كاقتراح انساني وتقدمي لحل المشكلة اليهودية في فلسطين عِبرَ ترميم الوعي اليهودي وتخليصه من شوائب الفكرة العنصرية الصهيونية والتي سطت عليه واستعمرته محولةً من أتباع الديانة اليهودية أداة للاستعمار الاستيطاني الإحلالي وللتطهير العرقي.

إن النضال من أجل قيام دولة فلسطين-المواطنة، دولة القانون والعدالة الاجتماعية هي تأكيد للحق الفلسطيني الغير متعارض مع حفظ حقوق التجمع اليهودي وإن كان تجمعاً استعمارياً قام ولا يزال يقوم بممارسة أبشع أنواع الاضطهاد والقتل والتشريد بحق فلسطين وأهلها، وسوف يكون هذا النضال نضال مزدوج لتحرير الأرض والانسان الفلسطيني ومن اجل تحرير اليهودي من صهيونيته ومن امتيازاته المترتبة على مكانته كمستعمر “أبيض”.

“الدولة الديمقراطية الواحدة” هي دولة فلسطين العربية أولاً وأخيراً 

قد نتفهمُ حساسية بعض دعاة الدولة الواحدة من اليهود المتأسرلين والمتخلصين من الأيديولوجية الصهيونية بدرجات ما، من طرح قضية “دولة فلسطين الديمقراطية الواحدة” وذلك لاقتران اسم الدولة بفلسطين بمجالها العربي والإسلامي مفضلين اللجوء إلى تعبير يُلغي هذا البعد الدال على ارتباط فلسطين ببعدها العربي والإسلامي العميق والضارب جذوره في التاريخ والجغرافيا والفضاءٍ الثقافي المشترك لجميع شعوب المنطقة العربية. حضور هذه الحساسية لدى هؤلاء تدلُ على عمق الاختراق الصهيوني للوعي اليهودي من جهة كما تدلُ من جهة أخرى على ضرورة النضال لنبذ التطرف القومي والديني في الجانب الفلسطيني وذلك لتبديد مخاوف من قَطَعَ الشوط الأول في رحلة نبذ الصهيونية وايديولوجيتها العاملة على تحويل أتباع الديانة اليهودية إلى أتباع إثنية-قومية مصطنعة.

الانتصار الأخلاقي والتفوق على الصهيونية يستلزم خوض هذا النضال المزدوج على الجبهة الفلسطينية الداخلية كما على الجبهة اليهودية للمتأسرلين من “اليهود – الشركاء” في المواطنة في الدولة القادمة. ومن أجل التقدم على جبهة هذا الانتصار الأخلاقي، لا بدّ من ان تتحول “فلسطين” إلى فكرة مرادفة للعدالة بكل أشكالها وأبعادها ومواضعها ومواضيعها وكرمز عالمي للعدالة والحرية العابرة للحدود القومية والاثنية إلى الفضاء الإنساني الرحب. فلسطين -العدالة الاجتماعية، عدالة توزيع الثروات، العدالة الجندرية والعدالة ما بين الجنسين وما بين الأكثرية والأقليات.

فلسطين العربية الديمقراطية هذه كوطن يقع في إطاره الإقليمي العربي والإسلامي وإن كانت تُخيف اليهودي الأشكنازي بناءً على خلفية بنيته الذهنية الأوروبية المعادية لكل ما هو شرقي ، عربي وإسلامي، لن تُخيف الشركاء اليهود بفضل ديمقراطيتها وعلمانيتها من جهة ومن جهة أخرى بفضل بثها لخطاب عصري، ديمقراطي، متسامح وتعددي لكي تنتزع من مخيلاتهم التاريخية وتحديداً لدى اليهود من أصول عربية مشرقية أو مغاربية تلك الصور النمطية المازجة لعناصر “التسامح الإسلامي” مع “دونية” ما تفرضها شروط معاملة “أهل الذمة” والذي كان “نظام الملة “العثماني هو آخرها.

إن النضال لنزع هذه الحساسية وهذه الهواجس لدى اليهودي المتأسرل المبتعد عن صهيونيته لن يكون عبر تقديم تنازل يتمثلُ في نزع الصفة العربية عن فلسطين، بل سوف يكون عبر مواجهة شجاعة لحقائق التاريخ وإشكالاته وذلك لتقديم بديل عصري وانساني للتغلب على الجوانب المظلمة من هذا التاريخ لضمان مستقبل ديمقراطي لمواطنة حقة.

دولة المواطنة: دولة الديموقراطية والعلمانية

هنا، تقترن فكرة المواطنة ببنية الدولة الديمقراطية العلمانية بما هي في الجوهر فصل السياسة عن الدولة ومحاربة كل أشكال التمييز القائمة على عوامل الدين، القومية، الإثنية، الجنسية والجندرية وهي بذلك تلبية لانتظام البنية الاجتماعية لما فيه فائدة للسلم الأهلي وللعدالة الاجتماعية والمساواة.

وهكذا تتقدم العلمانية كنظام سياسي واجتماعي يقوم على فصل الدين عن الدولة وكجوهر تأسيسي لدولة المواطنة الديمقراطية المتعالية على الانتماءات الاثنية والقومية والدينية للمواطن المنظور له بصفته الفردية وليس بصفته عضواً في مجموعة قومية أو دينية أو طائفية.

هنا، لا بدّ من القول بأن هذا النظام السياسي والاجتماعي العلماني لن يُضمِرَ عداءات ضد الدين و/أو ضد المعتقدات الروحية والفلسفية، ففي فصله للدين عن الدولة، يقوم أولاً بإقرار حقيقة حيادية الدولة بمواجهة معتقدات المواطنين على تنوعها إذ لن تنحاز لمعتقد ما أو لدين ما أو تحارب معتقد أو دين آخر. ثانياً، حيادية الدولة هذه تعني احترامها لكل المعتقدات بما فيها المعتقد الديني بشرط ألا يتحول الدين والمعتقد إلى مشروع سياسي للتعبير عن مجموعة خصوصية وبذلك، احترام الدولة الديموقراطية للمعتقدات الدينية وبفصلها الدين عن السياسة تقوم بتقديم خدمة جلى للمعتقدات الدينية لصونها إياها من تقلبات السياسة والمصالح الدنيوية.

دولة المواطنة العلمانية برفضها لتصنيف المواطنين بناءً على انتماءاتهم المعتقدية والدينية والروحية احتراماً لخصوصيتهم وحريتهم بالمعتقد كخيار شخصي لا يعني سوى صاحبه ولا علاقة للدولة ومؤسساتها والمجال العام بهذا الحق الأساسي والجوهري، تقوم باستبعاد تلك النزعات نحو المطالبة بتحويل الدولة الديموقراطية إلى “دولة ثنائية القومية” حيناً وإلى “دولة دستورية” حيناً آخر. هذا الاستبعاد يقوم على النظر للمواطن بصفته مواطناً أولاً وأخيراً دون الأخذ بعين الاعتبار لديانته أو لقوميته الخصوصية فمشاعر الانتماء لدين ما أو لقومية ما هي شأن من شؤونه الشخصية في مجاله الخاص.

 هذا المواطن والذي تحمي الدولة خصوصية خياراته المعتقدية وحريته في استخدام اللغة التي تناسبه والثقافة التي يتماهى معها، حريته في ارتياد المسارح ودور السينما الناطقة بلغته، حريته باختيار المدارس والمناهج لأطفاله، حريته باستخدام لغته وثقافته في المجال العام دون أي رقابة، حريته بالانتساب إلى الجمعيات المدنية والأحزاب السياسية بكل منوعاتها وممارسة حقه بالتصويت وبالانتخاب وبأن يكون مُنتخباً أيضاً، هذا المواطن والتي تصون الدولة كل حقوقه الفردية وتمنحه حرية الانتماء إلى مجموعته وجماعته اللغوية والثقافية والدينية، هذا المواطن المحفوظة حقوقه الفردية والجماعية ضمن هذه الترسيمة الدقيقة للنظام الاجتماعي والسياسي العلماني، لن يكون بحاجةٍ إلى تعبيرات وأحزاب ومنظمات قائمة على اُسُسٍ اثنية أو دينية أو طائفية لتمثيله سياسياً، وبالتالي فإن الحاجة إلى نظام دستوري لحماية “الأقليات ” الخصوصية تكون لاغيةً بحكم الواقع ولا موقع لها في هذا النظام القائم على المواطنة المجردة من كل انتماء سياسي آخر.

هنا، سوف يحفظ القانون حرية التنظيم للحياة الدينية والثقافية واللغوية لكل الجماعات الخصوصية، دون أن يكفل لها حق تشكيل أحزاب سياسية دينية وطائفية حصرية ودون ان يكفل للمؤسسات الدينية أو الطائفية الحق الحصري بممارسة حصرية لمهام ووظائف اجتماعية لأبناء هذه الطوائف ممن هم مواطنون قبل أن يكونوا أبناء هذه الطائفة أو تلك.

هنا، سوف يتراجع دور المحاكم الشرعية والكنسيّة والحاخامية في “دولة فلسطين الديمقراطية” للعب أدوار ثانوية فالكلمة العليا هي للمحاكم المدنية غير الطائفية وهي المُقرر الأخير للقضايا والوظائف المنوطة بها من معاملات طلاق وزواج وحضانة الأطفال والإرث وصولاً لجميع قضايا الأحوال الشخصية وقوانين العائلة.

“مواطن” الدولة الديمقراطية ليس “مواطناً” في طائفة ما وهو لا ينتمي لها حصراً فانتماؤه هو للمجتمع الكلي الذي تمثله الدولة وعقدها الاجتماعي الرابط ما بين الفرد والمجال العام. “المواطنة – المرأة” لن تفقد حريتها الفردية التي ستكفلها لها الدولة باسم الانتماء إلى مجموعتها الاثنية والطائفية وقوانينها الخصوصية والتي قد تحد من حرية اختياراتها بفعل “ثقافة” أبوية وذكورية سائدة في أوساط هذه المجموعة الخصوصية او تلك.

لن تفرض الطوائف قوانينها على الفرد باسم الحقوق الجماعية والتي قد تفرضها بنية “الديمقراطية الدستورية”، بنيةً لا تعرفها الدولة الديمقراطية والعلمانية والتي لن تتنازل عن وظيفيتها في حماية الفرد وحقوقه وحريته بالدرجة الأولى مع مُحافظتِها على احترام الحقوق الثقافية والدينية للمجموعات الخصوصية ولأفرادها.

العلمانية اليوم وليس غداً

يمكننا ختام هذه المقالة باستحضار مثال قديم-جديد حول ضرورة الربط ما بين قضايا “التحرير” و”الحرية”، ما بين القضايا السياسية والاجتماعية بل والفكرية إذ أن هناك رابطاً وثيقاً وعضوياً ما بينها. تحرير الأرض يتطلب تحرير الإنسان والفكر والثقافة لكي ينال الفرد حريته ولكي يستطيع استعادة انسانيته وكرامته، وهذا الانسان الحر هو ضمانة إنجاز عملية التحرير.

في الثورة الجزائرية، جرى التخلص من الاستعمار الفرنسي وبناء دولة الاستقلال الوطنية بفضل نضال الشعب الجزائري رجالاً ونساءً ولكن، جرى إعادة النساء إلى مطابخهن بعد أن كُنَ على الخطوط الأولى في حرب التحرير.

“قانون الأسرة” الذي سنته الدولة الوطنية قام باستبعاد الجماهير النسوية من الحقل العام وفرض عليهن الخضوع للثقافة الذكورية الموروثة دون أي اعتبار لنضالهن من أجل جزائر حرة.

هذا المثال الجزائري جرى تكراره في الحركة الوطنية الفلسطينية بيمينها وبيسارها وذلك بالنظر إلى تلك القضايا وكأنها تفاصيل لا تليق بالنضال الوطني ويمكن تأجيل نقاشها إلى ما-بعد التحرير وهذا ما نجده مجدداً في النظر إلى قضية طبيعة الدولة الديمقراطية المنشودة. وغالباً ما جرى تكرار هذه المعزوفة: طرح العلمانية يتناقض وثقافتنا المُحافِظة مما سيُدخلنا في معارك جانبية تشغلنا عن المعركة الرئيسية، ونحن في غنىً عن ذلك. وتبعاً لذلك يجري القول” نحن نتفق مع الطرح العلماني ولكن لا نتفق مع توقيته فلنأجل هذه القضية الخلافية لما بعد-قيام الدولة”.

بالمقابل، يمكن اتهام هذه الطروحات برغبتها في إزاحة الطرح العلماني من حقل السياسة بحجة تأجيل البحث فيه إذ نعتقدُ بأن قضايا الحريات المدنية تحتاج إلى نظام علماني ضابط لحركتها ومنظماً للعلاقات الاجتماعية على أرضيتها وقضايا الحريات هي قضايا راهنة ومستقبلية لمرافقة جميع مراحل النضال قبل وما-بعد قيام الدولة الديمقراطية.

أهمية العلمانية للدولة المنشودة تتصل بطبيعة المجتمع المدني ونظامه الاجتماعي وهي قضية سياسية بامتياز وليست قضية محض اجتماعية وفكرية. المجتمع الفلسطيني في غد الحرية والتحرر هو مجتمع الحريات الفردية منها والجماعية وهو مجتمع التسامح الديني والعقائدي والتعددية وقبول الآخر وقبول اختلافه وتمايزه. وحري عن القول بأن علمانية الدولة الديمقراطية هي سلاح فعال لمواجهة الفكر الظلامي والعنصري والصهيوني وستكون أمضى الأسلحة في عملية نزع الأيديولوجية الصهيونية وترسباتها من وعي ولا-وعي الجمهور اليهودي المُتخلِص من عقدة سيطرة وتفوق “الرجل الأبيض”، اليهودي هذه المرة.  

The post عودٌ على بدء… حول بعض القضايا الخلافية ما بين دعاة “الدولة الواحدة” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الدولة العلمانية في فلسطين والخطاب القانوني المعياري “الوضعي”  https://rommanmag.com/archives/19931 Tue, 14 Jan 2020 11:05:05 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b7%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84/ درج البعض من دعاة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين على وصفِ الاقتراح العلماني المرافق لهذه الدولة بخطاب أيديولوجي غير سياسي مما يجعلُ منه في نظرهم بمثابة ترف فكري لا يليق بالعمل السياسي. في مقالتنا هذه، سوف نكشف الطابع السياسي العميق لهذا الاقتراح العلماني وذلك عبر العودة الى نقاشات عميقة في حقول علم الاجتماع الحقوقي والأنثروبولوجيا […]

The post الدولة العلمانية في فلسطين والخطاب القانوني المعياري “الوضعي”  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
درج البعض من دعاة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين على وصفِ الاقتراح العلماني المرافق لهذه الدولة بخطاب أيديولوجي غير سياسي مما يجعلُ منه في نظرهم بمثابة ترف فكري لا يليق بالعمل السياسي. في مقالتنا هذه، سوف نكشف الطابع السياسي العميق لهذا الاقتراح العلماني وذلك عبر العودة الى نقاشات عميقة في حقول علم الاجتماع الحقوقي والأنثروبولوجيا الحقوقية إذ أن قضية علمانية الدولة الحديثة هي قضية حقوقية وسياسية بامتياز.

عودتنا الى وضع قضية علمانية الدولة في مجالها الطبيعي، أي مجال الحقوق والقوانين هو الدليل الأكبر على جوهرها السياسي بما تُمثِله القضايا الحقوقية والقانونية من تكثيف جوهري للممارسة السياسية في الحقل الاجتماعي. وهذه العودة وإن اضطرت لاستحضار بعض المقولات “الوضعية” غير المُريحة في هذا الزمن النقدي للحداثة في نماذجها الغربية الكولونيالية، سوف تكون عودة نقدية تأخذ جانب الحذر من الطابع الشمولي للمعيارية القانونية الوضعية إذ لا يمكن مواجهة الطابع الشمولي للطروحات الدينية بعلاقتها ببناء الدولة ووظائفها بأطروحات حداثية تُعاني بدورها من هذه السوسة الشمولية ذاتها.

في فلسطين الغد وبعد دحر الصهيونية كدولة وكأيديولوجية لن يكون هناك من مكان للدولة الدينية بل لدولة ديموقراطية وعلمانية، دولة القانون هذه سوف تفصل ما بين السياسة والدين في اعتمادها على مبدأ المواطنة وحيادية الدولة بخصوص المعتقدات الدينية والفلسفية للمواطن الفرد وللتكتلات الاجتماعية الخصوصية. هذه الدولة سوف تكون الحامي والمدافع الأساسي عن جميع الحريات الفردية والجماعية بما فيها حرية المعتقدات الدينية.

دولة المواطنة: دولة القانون

تتفق الدراسات القانونية بمعظمها على تعريفِ الحقوق بوصفها مجموعة القواعد والقوانين والمؤسسات ‏صاحبة الحق الشرعي بإنزال العقوبات بحق المخالفين لها وذلك باسم المصلحة العامة والأمن ‏الاجتماعي. ممارسة هذا العنف الشرعي “العام” يهدف الى حماية الفرد والجماعة من عنفٍ “خاص” قد ‏يتعرضا له وذلك ضمن التزام هذا العنف الشرعي بمجموعة من الاشتراطات الصارمة والتي تُنَظِمُ ‏أشكال توظيفه.

ولقد شكلت هذه المقولة الحقوقية في ممارسة العنف الشرعي كالوسيلة المُثلى لحماية الحقوق الفردية و‏الجماعية حجر الأساس في معظم المدارس الحقوقية في الغرب وتحديداً تلك المدارس “الوضعية” ‏Positivist‏ الجاهدة في ربطها لقضية الحقوق بـِ”الحداثة” وبِـ”العقلانية” وبالحضور المميز لأجهزة ‏‏”الدولة”‏ كأداة ضرورية لإنجاز الضبط والتحكم الاجتماعي. ‏

في هذا الصدد، امتازت المدارس القانونية والحقوقية الوضعية بتركيزها هذا على دور الدولة ومؤسساتها ‏القضائية والبوليسية، تركيزاً لم تشهده المدارس الحقوقية السابقة لها كمدارس ونظريات “الحق الطبيعي” ‏لدى روسو، ولووك، وهوبس، وديدرو، والتي اعتبرت أن مصدر ‏القانون هو”الطبيعة الإنسانية” للإنسان دون ارتباط بوضعيته الاجتماعية أو معتقداته أو جنسيته وبغض ‏النظر عن مؤسسات الحكم والدولة التي يعيشُ في ظِلها.  ‏

وهكذا، كانت المدارس القانونية الوضعية هي مدارس الدولة الديمقراطية الحديثة العاملة على بناء حالة ‏من التماثل ما بين المواطن والدولة في‎ ‎إطارِ اعتبارِ أنَ القانون ومؤسساته هو ما يُشكِلُ لحمة التضامن ‏الاجتماعي فلا “مواطنة” بدون “دولة القانون” الصالح لكلِ زمانٍ ومكان في العالم المعاصر. هذا القانون ‏ودولته ومواطنه هو “الحالة المثالية” والتي يجبُ أن تُطَبَق في كلِ أرجاء المعمورة وذلك لِـ”تفوقها” ‏الأخلاقي والحضاري ولِـ”فعالية” نموذجها في تحقيق الاستقرار والأمن المجتمعي. “الطابع الشمولي” ‏Universal‏ للقانون الوضعي استُخدِمَ لتبرير حركات الاستعمار في الماضي وأداةً للتدخلات العسكرية ‏في الحاضر وليس التدخل الأميركي المدمر في العراق لـِ”بث الديمقراطية” ولِـ”حماية حقوق الأقليات ” ‏و”حقوق المرأة” و”المساواة الجندرية” إلا مثالها الساطع (الدمقرطة الأميركية عبر الغزو العسكري ‏المُدَمِر لم تمنح حقوقاً ولم تتمتع بتفوق أخلاقي في ممارستها للتعذيب في “أبو غريب” ولم تُقدم نموذجاً ‏للأمن والاستقرار المجتمعي بل تفجيراً للحروب الأهلية وللحركات الجهادية المعادية للنساء و ‏للحداثة). ‏

في هذه الثقافة الحقوقية الوضعية، يلعبُ الكيان الفردي لـِ”الشخص” دورين مزدوجين إذ هو بمثابة ‏‏”الموضوع” ‏Subject‏ الفاعِل، القابلِ بوعيٍ وبِإرادة بالقانون لِتحقيقه الأمن والحرية لكيانه والموضوعَ ‏المُنفَعِل بالقانون عِبرَ رضوخه لأحكامه ولقيوده ولاشتراطاته. ‎كانَ كانط‎ ‏سباقاً لـِ أوغست كونت أب الوضعية الفلسفية في التأكيدِ ‏على ذلك التطابق ما بين الفرد الحر والمرؤوس (لا تعارض ما بين الحرية والخضوع) والنظام ‏السياسي الحاكِم، ما بين المواطن المأمور والنظام الآمِر وذلكَ لِكونِ العلاقة ما بينهما هي علاقةٌ مُطلقة. ‏فهمُ “الإطلاق” هنا يرتبط بالفهم الوضعي الكانتي القائل بأنَ “كلَ ما لا قيمة له هو ما يمتلكُ قيمة نسبية ‏أما ما قيمة له فهو الصالح في كل الظروف وتحت كل الشروط والأوضاع والحالات دون أيُ استثناءات ‏وخصوصيات”‏‏. وهكذا، فإنَ الفرد الاجتماعي هو فردٌ كوني وشمولي وقانونه الاجتماعي لا يؤخذُ بعين ‏الاعتبار شروطه الخاصة وثقافته المُمَيَزة. خضوعه للقانون هو خضوع إرادي وواعي لأحكامه بما تمَثِله ‏من “أخلاقٍ سامية” متناغمة مع “الإرادة الطيبة” المكنونة في النفس الإنساني.‏

مركزية الدولة في هذا الطرح القانوني “الوضعي” ربطَ وبشكلٍ مطلق قضية الحقوق والقانون ببناء ‏الدولة الحديثة، إلا أنَ مدارس الوضعية ـ الجديدة ‏neopositivism‏ قامت بنقد أُسُسِ الطرح الوضعي ‏عموماً وذلكَ منذ بدايات القرن العشرين وتحديداً‎ ‎‏(وليس حصراً) على يدِ عددٍ من كبار المنظرين كـَ ‏‏كارل بوبر‎‏ وتوماس كون وبوول فيرابند.

هذا النقد الجذري “الوضعي الجديد” للنظرية “الوضعية” الكلاسيكية ترافق مع نقدٌ فلسفيٍ وقانوني آخر ‏قَدَمَتهُ المدارس “الوظيفية” (أو الوظائفية) ممن أنكر أهمية الدولة كمصدرٍ وحيد للتشريع وكأداةٍ شرعية ‏لِممارسة العنف بإسم بسطِ القانون والنظام.‏

الأنثروبولوجيا الحقوقية‏: رفض الوضعية الحقوقية المرتبطة بالدولة الحديثة

المدارس “الوظيفية” أو”الوظائفية” في علم الإجتماع الحقوقي وفي الأنثروبولوجيا الحقوقية انتقدت مبدأ ‏‏”الدولة” كمصدرٍ وحيد للتشريع إذ إن المجتمعات الإنسانية وبغض النظر عن درجات تبلورِ وتَشَكُلِ ‏نويات السلطة السياسية فيها، قامت بابتكار منظومات من القوانين الكفيلة بِلَعِبِ دورِ الوظيفة الحيوية ‏للضبط الإجتماعي وفرض الأمن والنظام العام. هذه القوانين “العرفية” ليست من إنتاجِ مؤسسات ‏‏”الدولة” وإنما هي إنتاجٌ جماعي لثقافة قانونية متوارثة عبر الأجيال. رموز هذه المدارس ‏كـَ مالينوفسكي‎‏ ولوهمان، ‏أكدوا على مبدأ “الحقوق” كـَ “ثقافة” خصوصية مُؤسِسَة للضبط الاجتماعي ومُنَظِمة للمعاملات ‏الاجتماعية ،السياسية والإقتصادية للحياة الاجتماعية وللعيش المشترك.‏

إن هذه النظرة الفلسفية والأنثروبولوجية للحقوق تقف على التضاد من حاملي ألوية الفلسفات الوضعية ‏الحقوقية‎ ‎إذ أن إعادة الإعتبار للقوانين العرفية بمواجهة قوانين الدولة الحديثة الوضعية أفقدَتْ مقولة ‏‏”تفوق” ورُفعة” القوانين الوضعية، أي القوانين الغربية، من شرعيتها وادعاءاتها الإيديولوجية.‏

هنا، هل “الشريعة” الإسلامية تدخلُ في خانة “الثقافة الحقوقية الخصوصية” بالفهم الأنثروبولوجي مما ‏يفترِضُ الدفاع عنها بمواجهة الحقوق الوضعية، غربية المرجع والمكان وذات النزعة للهيمنة الشمولية، ‏أم أنها في مجرد نسخة أخرى لِخطابٍ قانونيٍ معياري وشمولي في خدمة مؤسسات “الدولة” الإسلامية؟

‏”القانون العرفي” يعكس قانوناً صاغته الثقافة الشعبية عبر القرون خارج علاقات السلطة وتدخل الدولة ‏في الشؤون القانونية فيما أن الشريعة الإسلامية ومنذ إرهاصاتها الأولى كانت على ارتباطٍ وثيق بمؤسسة “الدولة” ‏مما يجعلُ منها نسخة أخرى من نُسخِ النُظم القانونية الشمولية مُلتقيةً في ذلك مع النُظم القانونية ‏الوضعية، عدوتها اللدود وخصمها المُعلَن على رؤوس الأشهاد.‏

الدولة العلمانية بمواجهة الدولة الدينية

ارتباط الشريعة بالسياسة سوف يكن حجر الأساس في استبعادها من مكونات الدولة الحديثة، فدولة القانون والمواطنة لن يكون لها دين رسمي (سلطة رام الله الأوسلوية تعلن أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام والشريعة مصدرها للتشريع). 

دولة فلسطين العلمانية هي من ستقوم على أنقاض دولة الأبارتهايد والتمييز العنصري لدولة إسرائيل الحالية بما هي دولة دينية لليهود حيثُ تتقدم اليهودية بدورها كشريعة للدولة الإسرائيلية عاملةً على تجنيد “القدسي” لفرض قوانينها وتصوراتها لسياسات الدولة تجاه الشعب الفلسطيني.

وهكذا ولدرء هذه المخاطر التي تمثلها الديانات من إسلامية ويهودية، لن تكون هناك دولة ديموقراطية حقة دون أن تكون دولة علمانية تفصل ما بين “الدين” و”الدنيا” والسياسة والدولة.

 

The post الدولة العلمانية في فلسطين والخطاب القانوني المعياري “الوضعي”  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الزمن العلماني القادم، والدولة الواحدة في فلسطين https://rommanmag.com/archives/19855 Fri, 15 Nov 2019 13:00:11 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%af%d9%85%d8%8c-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ad/ تفتحت ورود الربيع العربي من جديد لتضع حداً لعمليات الترهيب والتخويف من الطروحات العلمانية والديموقراطية من قِبَلِ أنظمة الفساد والاستبداد العربية، من قِبَلِ أحزاب وحركات الإسلام السياسي بمختلف منوعاتها السنية والشيعية والجهادية ومن قِبَلِ بعض أوساط اليسار العربي والفلسطيني مِمَن كان أحرى بها أن تكون في خط الدفاع الأول عن قيم العلمانية في الحرية والعدالة […]

The post الزمن العلماني القادم، والدولة الواحدة في فلسطين appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تفتحت ورود الربيع العربي من جديد لتضع حداً لعمليات الترهيب والتخويف من الطروحات العلمانية والديموقراطية من قِبَلِ أنظمة الفساد والاستبداد العربية، من قِبَلِ أحزاب وحركات الإسلام السياسي بمختلف منوعاتها السنية والشيعية والجهادية ومن قِبَلِ بعض أوساط اليسار العربي والفلسطيني مِمَن كان أحرى بها أن تكون في خط الدفاع الأول عن قيم العلمانية في الحرية والعدالة والمساواة وفصل الدين عن الدولة.

ورود الربيع المتجدد في هذا الخريف العربي والفلسطيني الكئيب تأتي لكي تواجه وبقوة هيمنة السلطات القمعية العربية ولكي تدحضَ مقولات الاٍرهاب الفكري الذي يمارسه الإسلام السياسي وأحزابه وقواه المختلفة ولكي تفضح تراجعات اليسار وانهزامية منظماته، تلك الانهزامية التي قلصت من حجم تأثيره ومن حضوره.

لقد كان تراجعْ اليسار الفكري والسياسي واضمحلال قواعده الشعبية من شأنه أن يقدم خدمات جلى ليس فقط للنظام الاستبدادي العربي القاتل وإنما أيضاً للحركات الدينية والطائفية والمذهبية المختلفة لكي تسود المشهد العربي العام ولكي تتمأسس في الواقع الاجتماعي والسياسي بل والوجداني أيضاً مستفيدةً إلى أبعد الحدود من سياسات النفاق والسترة والتقية واللغة المزدوجة والمبهمة لما تبقى من هذا اليسار البائس والذي (إمشِ الحيط الحيط وقُل يا ربي السترة. مثل فلسطيني) فقد مصداقيته رغم محاولاته اليائسة لتبرير تراجعاته بادعاءات باطلة حول “الحِس الشعبي المحافظ” والذي يجب عدم خدشه ومواجهته.

لقد برهنت الانتفاضات الراهنة للشعوب العربية في السودان وفي الجزائر والعراق ولبنان أن هذا الحس الشعبي ليس على هذه الدرجة من المحافظة المُدّعاة. الانتفاضة السودانية لم تكن شعبية ومهنية وحسب وإنما كانت نسوية أيضاً وشقيقتها الجزائرية شهدت بدورها عودة النساء إلى واجهة الأحداث بمطالبهن العادلة ونضالاتهن ضد “قانون العائلة” المجحف بحقوقهن. في الانتفاضتين اللبنانية والعراقية، تبرز النساء كقوة فاعِلة ضد النظام الطائفي الفاسد في كلا البلدين وضد الأحزاب الإلهية والطائفية ورعاتها في نظام الملالي الخميني.

لقد برهنت هذه الانتفاضات المجيدة على بطلان التخويف والترهيب من الطرح العلماني بل وعلى تقدمية الحس الشعبي المُتهم باطلاً من قبل بعض أهل اليسار بالمحافظة بل وبالرجعية أحياناً. لقد جاء الشارع العربي في هذه البلدان لكي يقول كلمته دون خوف وبدون الحاجة إلى الخروج من باحات المساجد ليبرهن على أنه أكثر تقدمية من هذا اليسار الانهزامي. وهكذا، لم يعد من المجدي التلطي وراء أطروحات المعاداة الشعبية للفكر التنويري والطرح العلماني والديمقراطي وتحديداً في ظل المطالب الشعبية بالحرية السياسية وبالحريات الفردية والمساواة ما بين الجنسين في ظل نظام سياسي مدني لا مكان للطائفية والأحزاب الدينية فيه، نظاماً يرسي قيم المواطنة الحقة، أي قيام نظام ديمقراطي وعلماني حداثي بامتياز.

وهكذا، إذا كان هناك من علامة فارقة ما بين هذا الربيع العربي المتجدد والربيع الأول فهي التأكيد على الطابع العلماني والنسوي وبقوة وذلك لأن قضايا الحرية لا تتجزأ وقضايا المنطقة لا تتجزأ بدورها فما يصيب هذا البلد أو ذاك ينعكس على المصير المشترك لهذه الشعوب في سعيها لنيل حريتها.

الانتفاضات العربية الراهنة تفتتح الزمن العلماني القادم في المنطقة ككل وفي فلسطين حتماً.

الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين والحتمية العلمانية

فلسطينياً، البرنامج النضالي من أجل دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية يعاني من صعوبات ترسيخ حضوره في المشهد السياسي الفلسطيني وذلك جراء محاربته من قوى ما يُسمى بالسلطة الفلسطينية ومن بعض قوى اليسار الفلسطيني والتي لا تزال تعيش في أوهام “حل الدولتين”.

من جهة أخرى نشهد رفضاً آخر لاقتران الطرح العلماني بفكرة الدولة الديمقراطية الواحدة من قِبَلِ بعض من يرفع راية هذا البرنامج النضالي للدولة المنشودة وذلك في تناقضٍ جدير بالتحليل واستخلاص العِبَر وتحديداً في سياقٍ يبدو فيه الطرح العلماني كضرورة قصوى  للخروج من المأزق التاريخي الذي انزلقت إليه م.ت.ف بموافقتها على “حل الدولتين” والدخول في مفاوضات قيل أنها “سلمية”(الحروب لم تتوقف بتاتاً منذ عام ١٩٩٤) وأنها مدعومة من المجموعة الدولية والتي لم تحرك ساكناً أمام التنصل الإسرائيلي مما كان يُتفق عليه بين الحين والآخر. 

تَعرّض الاقتراح العلماني لدولة ديمقراطية واحدة على أرض فلسطين التاريخية (دولة فلسطينية ديمقراطية وعلمانية تضمن حق العودة وبناء مؤسساتها على أنقاض دولة الأبارتهايد والعنصرية الصهيونية كما تضمن حق المواطنة المتساوية لمواطنها اليهودي)  بدوره للتشكيك بدعوى “نفور” الشعب الفلسطيني المُتَديّن من الفكرة العلمانية المنظور لها كرديف الإلحاد والتنكر لمبادئ الدين الحنيف.

حملة التشكيك هذه وإن كانت تشيرُ إلى تغلغل الخطاب الديني المُسيَس في النسيج الاجتماعي والثقافي للشعوب العربية ومنها الشعب الفلسطيني، فهي تُشيرُ بالأحرى إلى انهزامية اليسار العربي والفلسطيني المتواطئ موضوعياً مع خطاب الإسلام السياسي، ذلك الخطاب الذي لم يكن له حظوظ في التغلغل عميقاً في الوعي الشعبي دون توفر هذا الانكفاء لقوى اليسار عموماً.

ما بين الانكفاء والانهزامية ليسار فقد روحه النقدية ، تعرضت قيم الحرية والديموقراطية والعلمانية إلى التشويه والتزييف ولم تكن جملة التحالفات السياسية ما بين بعض هذا اليسار والدولة الدينية الخمينية في إيران (وملحقاتها من الأحزاب الإلهية وأنظمة الاستبداد والقتل المُنظّم في سوريا والعراق) إلا لتوجه الضربة القاضية لهذا اليسار وقيمه الجوهرية. فقدان البوصلة اليسارية الحقة ساهم هنا في تشويش الوعي الشعبي بدلاً من استنهاضه وتركه فريسة سهلة لخطاب الإسلام السياسي السني الاخونجي والشيعي. العلمانية بات يُنظرُ لها كخطر داهم وعدو يجب مقاومته وفكرة فصل الدين عن الدولة كتكريس للإلحاد وتخريب للأخلاق وانحلال القيم الاجتماعية. بالطبع، كان يجري استحضار العلمانية الفرنسية كنظام معادٍ للدين وكنموذج وحيد للعلمانية  بهدف الترهيب والتخويف ولردع من ستسوّل له نفسه إشهار علمانيته على رؤوس الأشهاد.

على ضوء هزيمة اليسار العربي والفلسطيني وهيمنة الخطابات الرجعية على المشهد الثقافي والسياسي العربي والفلسطيني، يمكن فهم تردد دعاة الدولة الديموقراطية الواحدة في فلسطين عن تبني شعار الدولة العلمانية وذلك كانعكاس مباشر لهذا الوضع العربي العام المهزوم والمأزوم برمته، وضعاً سوف يتعمق به تغول الاستعمار الاستيطاني الإحلالي في الضفة  رغم الانكشاف السافر لأكذوبة السلام المؤدي إلى إنشاء دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل. إن ما سُمي بمفاوضات سلمية برعاية دولية لم تكن أقل من تواطؤ مكشوف لحلٍ لا يمكن أن يفضي بكل الحالات إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. 

الأدهى في الأمر أن هذا المأزق كان ترجمةً لسياسة إسرائيلية وجدت ضالتها في قبول الفلسطينيين لأول مرة الدخول في عملية تفاوضية أساسها نتائج حرب حزيران عام ١٩٦٧. هذا التنازل التاريخي عن القضية الوطنية الجمعية والمشتركة لكافة التجمعات الفلسطينية كان حلماً لم يتصوره الصهاينة اذ قدم “الممثل الشرعي الوحيد “للشعب الفلسطيني” ثاني الانتصارات التاريخية للحركة الصهيونية والتي لا تقل أهمية عن إنشاء دولة إسرائيل عام ١٩٤٨.

في هذا السياق، الطرح العلماني لحركة وطنية فلسطينية سوف يستعيد الأسس الأولى للصراع على فلسطين: مشروع صهيوني لإقامة دولة لليهود على كل فلسطين التاريخية محولاً من الديانة إلى قومية مُدعاة بمواجهة مشروع فلسطيني يرى في فلسطين الغد دولةً لمواطنيها بدون تمييز في الجنسية والديانة والقومية وهذا ما طرحته”عصبة التحرر الوطني” في فلسطين عام ١٩٣٩وما وما نادى به المفتي في إقامة دولة فلسطينية تقبل بالوجود اليهودي كوجود مواطنة مجردة. فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية في ١٩٧٤ أعادت التأكيد على “علمانية” المشروع الوطني في دولة فلسطينية ديمقراطية واحدة.

هذه هي علاقة الطرح العلماني بالقضية الوطنية: العودة إلى جذور الصراع والعودة إلى الحلول التقدمية التي طرحها الفلسطينيون منذ الثلاثينات من القرن المنصرم. للوهلة الأولى، قد يبدو الحديث عن ضرورة اختطاط استراتيجية فلسطينية جامعة من أجل النضال لتحقيق دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية، كنوع من الترف الفكري في ظل حالة التراجع للمشروع الوطني وفي ظل الانقسام الفلسطيني وتغول الاستيطان والصفقات القادمة لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية برمتها. ولكنَ هذا الانسداد لآفاق النضال الحالي المبني على شعار بناء الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل (وما يتبعه من تصفية حق العودة والتخلي عن المجتمعات الفلسطينية في الشتات وفي مناطق ١٩٤٨) هو ما يمنح قضية البحث عن استراتيجيات بديلة معناها الفعلي وضرورتها المُلحة لإنجاز تصورات للمستقبل رغم صعوبات الظرف الحالي.

في هذا الحراك الواسع نحو بناء استراتيجية بديلة لحل الدولتين، تمايزت المجموعة السياسية المُلتفة حول طروحات المناضل “سلامة كيلة” بربطها قضية الديمقراطية بالقضية العلمانية فيما بقيت المجموعات الأخرى في هذا الحراك وإن هي لا تعارض الطرح العلماني، رافضة لإدماج العلمانية كقضية جوهرية وتكوينية في الدولة الديمقراطية المنشودة.

The post الزمن العلماني القادم، والدولة الواحدة في فلسطين appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
عن رفيقي اليساري والعلماني والذكوري https://rommanmag.com/archives/19683 Tue, 09 Jul 2019 12:35:45 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b9%d9%86-%d8%b1%d9%81%d9%8a%d9%82%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%b3%d8%a7%d8%b1%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%83%d9%88%d8%b1%d9%8a/ هنالك فكرة سائدة تقول بأن أهل اليسار هم عموماً من دعاة حقوق المرأة ومن مناصري حقوقها المشروعة ولكن… في يوم الثامن من آذار الماضي، فوجئتُ بكلمة تحية يوجهها أحد الرفاق إلى النساء في عيدهن، تحية أعادتني إلى الوراء لعشرات السنين حين كنتُ مقاتلاً شاباً ومُرافقاً لمناضل مُسن في تنقلاته وجولاته، تلك الجولات التي كان آخرها […]

The post عن رفيقي اليساري والعلماني والذكوري appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
هنالك فكرة سائدة تقول بأن أهل اليسار هم عموماً من دعاة حقوق المرأة ومن مناصري حقوقها المشروعة ولكن… في يوم الثامن من آذار الماضي، فوجئتُ بكلمة تحية يوجهها أحد الرفاق إلى النساء في عيدهن، تحية أعادتني إلى الوراء لعشرات السنين حين كنتُ مقاتلاً شاباً ومُرافقاً لمناضل مُسن في تنقلاته وجولاته، تلك الجولات التي كان آخرها يتمثل بزيارة بيوت مخيم “برج البراجنة” لدعوة العائلات للسماح لبناتها البالغات بالالتحاق بفرق الحماية للمخيم بفعل خلوه من معظم قواته المقاتلة المُستنفرةِ على جبهات الشياح/عين الرمانة.

صدمتي حينذاك كانت لاكتشافي بأن المناضل العتيد يمنع إحدى بناته من الالتحاق بهذه النشاطات فيما هو يقوم بدعوة الآخرين للسماح لبناتهم بالمشاركة في جهود المقاومة. لقد كانت هذه الحادثة/الصدمة ذات وقعٍ كبير في نفسي وما كان لذاكرتي إلا وأن تستحضرها بعد قراءة هذه “التحية” الملغومة من قِبَلِ رفيق جديد، يساري وشاب وذي قُدراتٍ مُبَشرة في حقول العمل والتنظير السياسي في القضايا الفلسطينية والسورية.

بعد القراءة السريعة أعدتُ قراءة النص القصير من جديد وكان يساورني سؤال مقلق: كالمناضل اليساري المُخضرم في السبعينات من القرن المنصرم، يعود المناضل اليساري الشاب في  ٨ آذار ٢٠١٩، لكي يُشير ومن جديد بأن الفكر اليساري لا يزال منخوراً بسوسة الثقافة الذكورية وكأنها قدرٌ محتوم ولا مفر من الخضوع لالتزاماته وأحكام قيمته المُلزِمة.

إعادة قراءتي لتحيته للمرأة في عيدها بنكهة ذكورية عدوانية كانت تتناقض بالكامل مع ثقتي به بل وتعويلي على دورٍ نضالي وفكري واعد لهذا الشاب اليساري. في الشأن الفلسطيني، كان اتفاقنا شبه كلي في ضرورة صياغة اقتراح سياسي فلسطيني، ديمقراطي وعلماني لفلسطين الغد. اقتراح يقوم على المبدأ العلماني في فصل الدين عن السياسة والدولة وذلك ليس لمخاطبة الفلسطيني فقط بل “الآخر” اليهودي المُؤسرَل المُتخلص من صهيونيته ولذلك الذي لم يتخلى بعد عن هوسه التوراتي المُتصهين.

إذن، مناضلنا الشاب ليس يسارياً فقط بل ويُشهرُ علمانيته على رؤوس الأشهاد فلماذا لا تزال هذه العاهة الذكورية تعشِشُ في وعيه أو في طبقات دفينة في لاوعيه؟ كيف يمكن أن يجمع ما بين العلمانية ومعاداة المرأة؟ 

في “عيد المرأة” يُوجه رفيقنا بتحياته إلى “نساء ورجال العالم”… ما مغزى إقحام الرجال هنا وهم رمز لنظام أبوي ذكوري مضاد للحقوق النسوية الأساسية؟ باسم قيم المجتمع الذكوري يقوم هؤلاء أو البعض منهم بقمع النساء وسلبهن لحقوقهن ولحرياتهن. ألا تستحق النساء تحية خاصة بهن دون هذا الإقحام القسري لرجال في عيدٍ ليس لهم؟ هل الحضور النسوي بحد ذاته غير ممكن إن لم يكن معطوفاً على حضور ذكوري يُقاسم النساء عيدهن. هل الرجال الأشاوس هم على هذه الدرجة من الأنانية الطفولية لدرجةٍ لا يتخيلون فيها النساء قادرات على الاستمتاع بعيدهن دون أن يكون لهم حصتهم من كعكة العيد؟

العبارة اللاحقة في تحية رفيقنا اليساري قد تكون مُصاغة لتبرير هذه المشاركة القسرية للرجال، ثقيلة الدم والمفروضة فرضاً وبدون دعوة، وذلك لأن “الرجال كما النساء يواجهون قوى القمع وأوضاع اللاعدالة” ولذا، فهم يستحقون مشاركة النساء في عيدهن وتوجيه التحية لهم كما لهنّ. هذا التبرير للخلط ما بين الحابل والنابل يكشِف عن عمق قناعاته الذكورية إذ لم يستطع ملاحظة الاختلاف النوعي ما بين القمع الموجه للنساء عنه للرجال. حريٌ عن القول هنا بأن النساء يتعرضنَ للقمع ولاستلاب الحرية والتعرض لأوضاع اللامساواة في مختلف المجالات وهذه هي حقيقة شمولية في بلدان وثقافات متنوعة ولا تقتصر على هذا البلد أو ذاك، فقمعهن وإنكار حقوقهن لا يُقارن لا كمياً ولا نوعياً وليست قضية عدم التساوي بالأجور على المستوى الدولي إلا الدليل القاطع على هذه اللامساواة ولذا، كيف يمكن الحديث عن تساوي الرجال والنساء في التعرض لأوضاع القمع واللاعدالة! 

المثال الآخر، كيف يمكن الحديث عن تساوي الرجال والنساء في فلسطين في المعاناة اليومية ؟ فإذا عانى الرجل كما المرأة من سياسات الاحتلال والأبارتهيد الصهيونية وعلى نفس الدرجة من العنف الاستعماري القاتل، تظلُ المرأة إضافةً إلى هذه المعاناة المشتركة مع الرجل، تعاني من القمع المجتمعي فيما لا يخضع الرجل إلى هذا النوع من القمع. إهانة الفلسطيني رجل وامرأة على حواجز الاحتلال يُضاف لها سلسلةٍ من الإهانات الاجتماعية التي تتعرض لها المرأة من مجتمعها الأبوي الذكوري وقد لا يقل التدمير والأذى الذي يلحقه هذا العنف الأخوي، الزوجي والأبوي عن عنف المستعمر في آثاره التدميرية للكرامة النسائية. هناك بالطبع نساءٌ تُقتل على يد الجنود والمستوطنين القتلة كما يُقتل الرجال على يد هذه الأيد المجرمة ولكن لا يُقتل الرجال لجريمة شرف اقترفوها بينما تُقتلُ النساء على شبهات بـ”اقتراف جريمة الإخلال بشرف العائلة” لكي تُعالج بجريمة فعلية فادحة. “جرائم اللاشرف” المأساوية في فلسطين هي الدليل القاطع على زيف ادعاء الرفيق العتيد بتساوي الرجال والنساء أمام اللاعدالة والعنف.

قراءتي لهذا النص الذكوري بامتيازٍ فاقعٍ دون مواربة أو مناورة أدخلت على قلبي مشاعر بالحسرة ولم يكن يخطر بذهني سوى عبارة الاستنكار التالية: “حتى أنتَ يا بروتوس؟”

يواصل المناضل اليساري نصه لكي يعلن وبصراحة بأنه “لا يحب مثل هذه الأعياد التي فقدت معناها” من وجهة نظره وهي فقدت معناها لأن “القمع ليس قمعاً للنساء فقط بل للمجتمع برمته” (استبدل هنا الرجل بالمجتمع) وهذا الاستبدال يجعل من المجتمع المذكور هو المجتمع الذكوري، وهو بالفعل مجتمع ذكوري الثقافة والعُرف والتقليد. وهكذا، لم يكن هذا الاستبدال إلا تكراراً لا يُقدم الجديد (رجل = مجتمع ذكوري). وضمن هذه المقاربة الاجتماعية الكلية تختفي من جديد خصوصية المعاناة النسوية وخصوصية نضالات النساء من أجل تقرير مصيرهن ونيل حريتهن وتحديداً حريتهن بامتلاك أجسادهن حصراً، أجساد تمتلكهن النساء وليس ملكية مشاعية للنظام الاجتماعي الذكوري الكلي. 

إن إنكار هذه الخصوصية النسوية، خصوصية القمع الذي تتعرض له النساء كنساء وليس كفرد اجتماعي مجرد يتعارض مع الواقع وحقائقه الساطعة والمأساوية: في المجزرة التي ارتُكِبَتْ في معهد البوليتكنيك في كندا ، قام القاتل بفرز الذكور عن الإناث لقتلهن فيما لم يقتل ولو طالباً ذكراً واحداً. عصابات الـ”بوكو حرام” اختطفت المئات من طالبات المدارس الثانوية ممن تعرضن للقتل والاغتصاب والتزويج بالقوة فيما لم تقم هذه العصابات القروسطية باختطاف طالب ذكر واحد.

في أفغانستان، تتعرض الفتيات للخطف والقتل وعلى الزواج الإجباري. في حروب البلقان وفي مجازر “راوندا” وفي الهند وفي الحرب السورية، تعرضت النساء للخطف والقتل والاغتصاب.

 إن محاولة القفز عن هذه الحقائق الدامغة عبر جعل الجريمة الموجهة للنساء كجريمة “عادية” وكأنها كأي جريمةٌ  أخرى لا جنس ولا هوية جنسية لها وبدون دافع قائم على جنس الضحية… إنما هي محاولة بائسة لإلغاء معاناة النساء بل وإنكار هذه المعاناة الخصوصية وخصوصيتها تُستمدُ من الهوية الجنسية للضحية وليس من الضحية المجردة.

إن استلاب حرية النساء وقهرهن وإفقادها لحقوقهن الأساسية هي جرائم لا يمكن”إذابتها” والتخفيف من هولها عبر تقديمها ضمن سياق الجرائم المألوفة والشائعة والتي تُفقدها كل تميُز وبالتالي يجري تمييعها  وكأنها قدر محتوم ولا مرد له وما على النساء إلا أن يعزيّن أنفسهن بهذه التعميمات التي لا يمكن أن تُخفي فداحة القمع الذي يتعرضنّ له لكونهن نساءً بالدرجة الأولى.

الرفيق المثقف، اليساري والماركسي وصاحب التحليلات السياسية رفيعة المستوى لم تُسعِفه ذكوريته لكي يكتب في الشأن النسوي تحليلاً على نفس الدرجة من الدقة والفطنة لكتاباته في الشأن السوري والفلسطيني، فلماذا هذا الفشل الذريع؟ ولماذا يختار يوم الثامن من آذار لبث هذه السقطة المريعة؟ هل انتصر”الذكر”على”المثقف اليساري” لكي يُنتج موقفاً رجعياً بامتياز. لماذا يحاول منع المرأة من التمتع بيوم عيدها حاشراً ذكوريته في موقع ليس له مكان فيه؟ لماذا لا يتخيل النضال النسوي كجزء عضوي من النضالات الاجتماعية مع احتفاظ هذا النضال بخصوصيته المميزة إذ لا تعارض ما بين هذا وذاك. وهنا، لا بدّ وأن نذكّر الرفيق اليساري بأن المرأة الجزائرية خاضت نضالاً شرساً جنباً إلى جنب مع الرجل في حرب الاستقلال والتي أسفرت عن بناء الجزائر المتحررة من نير الاستعمار، ولكن قام المجتمع الذكوري باستبعادها ورفض مشاركتها بقطف ثمار هذا النصر المبين لكي يعيدها إلى مواقعها التقليدية دون حقوق تليق بحجم تضحياتها.

دولة الاستقلال وبدلاً من الاعتراف بفضل المرأة وبمشاركتها الواسعة في النضال قامت بسن “قانون العائلة” المُجحِف بحقوق النساء والمُحوّل لهن إلى كائنات تابعة للسلطة الأبوية والذكورية عموماً (ما يجري تداوله حول المرأة التي حَوَلّها هذا القانون إلى قاصر ودون شخصية قانونية مستقلة مما قد يضطرهُا لاصطحاب طفلٍ ذكر بالغ أو حتى غير بالغ للعب دور الوليّ عليها للقيام بمعاملة إدارية ما، والأمثلة لا حصر لها).

رفاق الدرب الذكور في جبهة التحرير الوطني الجزائري بِسنّهم مثل هذا القانون القمعي والرجعي المضاد لمصالح جمهور النساء لم يكونوا بجاهلين للجهود البورقيبية لتحسين شروط النساء فالبعض منهم كان يعيش في تونس والتي شهدت إقرار”مجلة الأحوال الشخصية” والتي كانت على درجة متقدمة مقارنة بالنص البائس لقانون العائلة الجزائري، ذلك القانون الذي عادت النضالات النسوية في الحراك الثوري الجزائري الحالي لطرحه كشعار مركزي للنضال. اليوم ، الكنداكات السودانيات والمناضلات النسويات الجزائريات ضد “قانون العائلة” هما شرارات الربيع العربي المتجدد.

وهكذا، كيف يمكن للرفيق اليساري إنكار هذه النسوية المتمايزة في شعاراتها وفي أشكال نضالها وإن هي شكلت جزءاً عضوياً من حراك ثوري مجتمعي عام؟

لتذكير الرفيق العزيز،  يجب أن أقول له إن جذور “الهيمنة السياسية للذكورة” هي ما  يمكن لنا أن نستشرف بواسطتها تناقضات الخطاب “الديمقراطي” والتي تحملُ في رحمها جذوراً تتنافى مع مبادئ الديمقراطية الحقة ومع اشتراطات العلمانية السياسية الفاصلة ما بين الدين والدولة إذ ليس هناك من ديمقراطية حقة في ظل استثناء النساء من حقلها وليس هناك من ديمقراطية حقة دون علمانية فاصلة ما بين النظام السياسي (الذي تُجسده الدولة) و”الشريعة” الدينية المُدّعية بأحقيتها في تنظيم شؤون الدولة والمجتمع.

The post عن رفيقي اليساري والعلماني والذكوري appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
صفقة البحرين بدأت في أوسلو https://rommanmag.com/archives/19664 Tue, 25 Jun 2019 12:59:37 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b5%d9%81%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d8%af%d8%a3%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%88%d8%b3%d9%84%d9%88/ تمر القضية الوطنية الفلسطينية في أحلك أيامها بل أخطرها منذ نكبة عام ١٩٤٨، فهي لم تعد على الأقل لفظياً “قضية العرب الأولى” وإن لم تكن هي بالفعل كذلك، ولم تعد عنواناً للقوى التقدمية على الصعيد العالمي ولم تعد تمتلكُ أي خيارٍ لفرض حضورها ولإسماع صوتها إذ غاب الفدائي الثوري المغوار وحضر الدبلوماسي وكياسته الخجولة مكانه. […]

The post صفقة البحرين بدأت في أوسلو appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تمر القضية الوطنية الفلسطينية في أحلك أيامها بل أخطرها منذ نكبة عام ١٩٤٨، فهي لم تعد على الأقل لفظياً “قضية العرب الأولى” وإن لم تكن هي بالفعل كذلك، ولم تعد عنواناً للقوى التقدمية على الصعيد العالمي ولم تعد تمتلكُ أي خيارٍ لفرض حضورها ولإسماع صوتها إذ غاب الفدائي الثوري المغوار وحضر الدبلوماسي وكياسته الخجولة مكانه.

ثقافة المقاومة استُبدِلت بثقافة المساومة والمفاوضات الماراثونية ولم يعد حق العودة الشعار الناظم للكل الفلسطيني، ذلك الكل الذي قامت اتفاقية أوسلو بتجزئته وتقطيع أوصاله. “الداخل الفلسطيني” أُغرِق بعقلية الاستهلاك الفردي والمديونية وحُكِمَ بقوة النار والحديد التي تشاركت فيه سلطتي أوسلو في رام الله وفي غزة إضافة لقمع الأجهزة الأمنية والعسكرية للمُحتَل الغاشم.

أما الشتات الفلسطيني وتحديداً في “دول الطوق” (طوقاً على الفلسطيني وليس طوقاً على إسرائيل) فلم يكن أسعدَ حظاً إذ لم يعد الرديف الأول للعمل الوطني بفعل تهميشه المقصود من قِبَلِ السياسات الأوسلوية ومن قِبَلِ النظام الرسمي العربي المتوجس منه شراً.

وهكذا، جرى استبدال النضال من أجل العودة والتحرير بالنضال من أجل الدولة الكانتونية والبانتوستانية تحت ظل حراب الاحتلال وقد جرّ هذا الاستبدال لوضعٍ لم يعرف له التاريخ مثيلاً: يقوم المُستعمَر بحماية المُستعمِر عبر تنسيق أمني رُفعَ لمرتبة القداسة. لم يعد شعار العودة والتحريرالشعار المقدس للجماهير الفلسطينية بل سياسة التعاون الأمني مع المُحتل هي الممارسة المُقدسة لسلطة تتباهى بسلميتها أمام العالم لعل تهاونها يجلب لها عطف العالم لكي يُجبر إسرائيل على منح هذه السلطة دولتها العتيدة.

لكن، وبانتظار الدولة (أو بانتظار”غودو”) العبثي والتي لن تأتي أبداً، تواصل السلطة الأوسلوية الحديث عن الحل الوهمي المُسمى بـ “حل الدولتين” ورغم وهميته الفاقعة، يبقى كورقة توت وحيدة لحماية عورة هذا الحل التصفوي للقضية الوطنية. ولذا، فإن العمل على إسقاط حل الدولتين هو عمل نضالي بامتياز وذلك من أجل إعادة تعريف القضية الوطنية بعيداً عن التلوث الأوسلوي الذي أدخله اليمين “العلماني” (فتح) واليمين الديني (حماس) في صلب الوعي الوطني الفلسطيني. نزع الأوهام من الوعي الفلسطيني يتطلب تلك العودة إلى بديهيات الصراع حول فلسطين التاريخية المدعوة صهيونياً للتحول الكلي لأرض إسرائيل حيث يتقلص الوجود الفلسطيني بعد تحويل الجزء الأكبر منه إلى شتات اللجوء فيما سيتبقى وجود أقلياتي من سكان غيتوات مغلقة في مراكز مدينية مُحاصَرة من الخارج بالقوى العسكرية الصهيونية ومن الداخل بقوى الأمن الفلسطيني المُتعاونة مع قوى الاحتلال.

نزع أوهام الحل السلمي وإقامة الدويلة المسخ هو بمثابة نزع استعمار العقل والوعي الفلسطيني والذي نجحت إسرائيل بالتعاون الوثيق مع النظام الرسمي العربي بترسيخه في العقل الجمعي الفلسطيني في الحقبة الأوسلوية المشؤومة. بالطبع، تتحمل القوى المركزية التاريخية في الحركة الوطنية الفلسطينية مسؤولية كبرى في إنجاح عملية الاستعمار الذهني هذه وذلك عبر سلسلة تراجعاتها وفشلها في بلورة مشروع وطني قائم على ثوابت الحق الفلسطيني في فلسطين التاريخية. التنازل عن الحق التاريخي بحجة مرحلية النضال منذ إقرار برنامج “النقاط العشر” هو ما فتح الباب مشرعاً للولوج في المرحلة الأوسلوية والتي أدت إلى الوصول إلى “صفقة القرن” وورشة البحرين وسلامها الاقتصادي المُدعيّ زوراً بالوقوف خارج “السياسة”.

وبمواجهة هذه المخاطر الجسيمة والتي يمثلها هذا النظام الدولي والإقليمي الجديد ومحاولاته فرض التصور الصهيوني لفلسطين كأرض إسرائيل، لا بدّ من رفع شعار “الدولة العلمانية الديمقراطية الواحدة من النهر إلى البحر على أرض فلسطين التاريخية”.

نزع الوعي الاستعماري من الوعي واللاوعي الفلسطيني

لكي لا تتحول صفقة العصر الترمبية إلى نكبة جديدة تُضاف إلى نكباتنا المتواصلة ولكي لا تتحول بفضل موازين القوى المُختَلة لصالح الحلف الصهيوني/الامبريالي/الرسمي العربي إلى واقع جديد مُسَلمٌ به في الوعي وفي طبقات اللاوعي الدفينة في الذهن الجمعي الفلسطيني، لا بدّ من إعادة تعريف القضية الوطنية كقضية كولونيالية وليس كقضية احتلال بدأ عام ١٩٦٧. هذا التعريف هو ضرورة قصوى للخروج من ذهنية إقامة الدويلة على جزء من أرض فلسطين التاريخية. هنا، إعادة التعريف هذه مرتبطة بتعريف أكثر دقة للطبيعة الاستعمارية للمشروع الصهيوني ألا وهي تلك الطبيعة الخصوصية لكولونيالية استيطانية إحلالية هادفة للسيطرة على الأرض وطرد الجزء الأكبر من أهل هذه الأرض لكي تتحول أرض فلسطين التاريخية إلى أرض إسرائيل. ومن شأن إعادة هذا التعريف الدقيق لطبيعة الصراع على أرض فلسطين أن يساهم في التخلص من “إيديولوجيا” الدويلة المُتغلغل في الوعي الفلسطيني، تلك الإيديولوجيا التي مهدت الطريق للقبول بالحل الأوسلوي ومخرجاته الطبيعية: الحل الترمبي للصراع في ورشة البحرين وما سبقها وما سوف يعقبها في الأيام القادمة. تلك الأيديولوجية الكولونيالية المُتغلغلة في الوعي الفلسطيني هي من أنتجَ صفقة العصر الأولى: اتفاقية أوسلو وملحقاتها في السلم الاقتصادي، ففي الصفقة الأولى، تنازل الفلسطيني عن حقوقه التاريخية واعترف بشرعية الخطاب الصهيوني على حساب الخطاب الفلسطيني الذي هزمته قيادات العمل الوطني على أياديها بقبولها مقدمات الطرح الصهيوني وحقوقه بإقامة دولته على الجزء الأكبر من أرض فلسطين التاريخية.

إن من قبل الصفقة الأولى لا يمكن له أن يقاوم نتائجها الطبيعية: الصفقة الثانية كتتمة منطقية للأولى وما محاولات “مقاومتها” إلا ذر للرماد في عيون الشعب ومحاولةٍ بائسة لاستعادة “عذرية” وطنية مفقودة. مقاومة السلام الاقتصادي لورشة البحرين، أي القبول بسلطة إدارة ذاتية “بلدية” على مراكز مدينية دون سيادة سياسية وتحت ظلال حراب الاستعمار الكولونيالي الصهيوني هو واقع الحال لسلطتي أوسلو في رام الله وفي غزة، فما معنى تلك “المقاومة” وما هي مصداقيتها ما دامت تتم من تحت وابل خراب المشروع الوطني الذي تمثله إيديولوجيا الدويلة المشؤومة؟

إن المقاومة الحقة تحتاج إلى الاعتراف العلني بأن “السلام الاقتصادي” المرفوض في ورشة البحرين هو ذات السلام الاقتصادي المُقرَ في “اتفاق باريس” الاقتصادي كركن أساسي من أركان السلطة الأوسلوية مُضافاً له ركن التعاون الأمني”المُقدس”. إن هذه “المقاومة” المزعومة ما هي إلا نوع رديء من صبغة مغشوشة لن تُخفي شيخوخة وهرم السلطة الأوسلوية والتي لن تنجح في ثني بعض من وُصفَ بـ “الخونة” من تجار وكمبرادور ممن يعلنون صراحةً مشاركتهم في ورشة تصفية القضية الوطنية.

إن الاختراق الإسرائيلي لبُنى المجتمع الفلسطيني المحلي سبق وأن حقق اختراقات مُمَيزة لبُنى النُخب السياسية والثقافية من قبل ذلك بكثير. إن البكاء على أطلال المشروع الوطني ممن ساهم بفعالية في تدميره قد ينُمَ عن خبث سياسي أو عن “لاوعي” دفين لن تجدي معه وصفات سحرية لمقاومة مُتجددة، مقاومة غير ممكنة في ظل سيادة إيديولوجيا “الدويلة على جزء من أرض فلسطين”.

الدولة الفلسطينية الواحدة ونزع الوعي الكولونيالي الصهيوني من الذهن الجماعي

إن مقاومة حقة للسلام الاقتصادي، أي سلام الخبز مقابل الحرية، سلام الرضوخ مقابل المقاومة، يتطلب قلب الطاولة على الفكر الأوسلوي برمته وهذا يستوجب تغيير الشعار الناظم للعمل الوطني من شعار حل الدولتين إلى شعار النضال من أجل فلسطين كدولة علمانية ديمقراطية واحدة لجميع مواطنيها ولجميع جموع اللاجئين المطرودين من وطنهم هم وأجيالهم اللاحقة على امتداد السبعين عاماً الماضية.

هذا الانقلاب الجذري على مقدمات الطرح الأوسلوي التصفوي للقضية الوطنية لا بدّ وأن يكون انقلاباً جذرياً دون مهاودة تُذكَر وذلك 

لإحداث عملية “تنظيف” لوعي وطني جرى تلويثه على امتداد الحقبة التفاوضية المزعومة وهو ما يُشكل الأرضية المُثلى لتطبيق الحل الترمبي الحالي لتصفية نهائية للمشروع الوطني الفلسطيني. على امتداد صفقة القرن الأولى، تضافر “القسر”و”الإكراه” (أنطونيو غرامشي) كأداة للسياسة الأوسلوية بشقيها الفلسطيني والإسرائيلي مع “الإقناع” الاقتصادي الهادف إلى انتزاع قبول الطرف الضعيف بشروط وقواعد اللعبة السياسية (سلطة دون سيادة) وقواعدها الاقتصادية في الملحق الاقتصادي لباريس (رخاء اقتصادي ضمن قوانين السوق الرأسمالية المُتَحَكَم بها إسرائيلياً). إلحاق “الطرف” الفلسطيني اقتصادياً بـ “المركز” الإسرائيلي (سمير أمين) كان سياسة قسرية عنيفة لم يلعب فيها الإقناع سوى دوراً ثانوياً وتكميلياً وهذا ما تحاول أن تسد ثغراته هذه الصفقة التكميلية الجديدة لترمب والتي سوف تبني ركائزها على أرضية ما أنجزته الصفقة الأولى إذ أن الوعي الوطني سبق وأن دُجِنَ على يد سلطتَي أوسلو: لقد جرى “كيّ” الوعي الوطني وتطويعه وإرهاقه بالسعي لكسب العيش وما رافقه من ثقافة “الموزع الآلي/ATM” على أبواب المؤسسات البنكية لصرف رواتب آخر الشهر والتي يترقبها بلهفة ذلك المواطن/المُستهِلك والمُثقل بديون البنوك واستحقاقاتها. المواطن الفرد لم يعد متماهياً مع القضايا الجمعية ومع الحس الوطني المُتراجع ولم يعد التظاهر ممارسة سياسية جماعية سوى في حالات ٍ تتمايز بطابعها المطلبي اللامُسَيَس (التظاهرات الحاشدة ضد قانون الضمان الاجتماعي فاقت بكثير تظاهرات يوم الأرض).

نزع التسييس الذي تطمح له الصفقة الثانية سبق وأن حققته الصفقة الأولى بامتياز. تحول المواطن عن الهموم الجماعية نحو الهموم الفردية جعل منه مواطناً “متفرجاً” على ما يجري وما يُخطَطُ له لتحديد مصيره ومصير المشروع الوطني برمته. المواطن الفرد المُستهلِك والمُستَهلك بهمومه اليومية هو الفرد الفلسطيني الذي تراهن الخطة الترمبية على قبوله بالاستسلام النهائي لمشروعها التصفوي. الفلسطيني المُسالِم، المُحافِظ والمُعتدل هو الفلسطيني المثالي الذي صنعته الصفقة الأولى لأوسلو عبر ذلك الطابع الزبائني/المصلحي الرابط ما بين المواطن و”السلطة” (وبالتالي، أي سلطة) في ظل تداخل وتراكب المصالح الضيقة لممثلي الحمائل المتنفذة وكبار التجار وكبار موظفي”السلطة” ممن تتمفصل مصالحهم المادية مع علاقاتهم العائلية والعشائرية.

تراجع المشروع الوطني وتشظيه إلى جزيئات غير مترابطة لن تنفع معه عملية ترقيع مُقترحة من بعض الأصوات الوطنية الغيورة على المصلحة الجمعية للشعب الفلسطيني (إعادة تفعيل منظمة التحرير، مثلاً) فأمام حجم الكارثة الوطنية لا بدّ من حلول جذرية وأول هذه الحلول هو الانحياز العلني بدون لبس وتردد لشعار دولة فلسطين العلمانية الديمقراطية واختطاط برامج عملية لتطبيق هذا الشعار على أرض الواقع المحلي والإقليمي والدولي. إن تطبيق خطة عمل ميدانية تجمع القوى الحيّة من الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده تستوجب بناء كيانات شعبية شابة، نقابية ومطلبية وتشبيكها خارج الأُطر القديمة والتي ثبت عقمها وتبعيتها لفصائل عفى عنها الزمن وشاخت دون أن توصل المشروع الوطني إلى بر الأمان. بناء الكيانات الجديدة بشكل لامركزي للعمل معاً تحت برنامج نضالي وطني جامع هو الرد الوحيد على ما يجري التخطيط له من قِبَلِ التحالف الصهيوني الإمبريالي بالتواطؤ مع النظام الرسمي العربي.

The post صفقة البحرين بدأت في أوسلو appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
‎⁨تنهيدة اللاجئ الشبقة الأخيرة لعشيقة بعيدة⁩ https://rommanmag.com/archives/19571 Sat, 13 Apr 2019 10:04:11 +0000 https://romman.b5digital.dk/%e2%81%a8%d8%aa%d9%86%d9%87%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%a6-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a8%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d9%84%d8%b9%d8%b4%d9%8a/ لماذا لن أستطيعُ بَعدْ أن أُكحل عيوني بنور فجرك؟ وأن أُرافقك في يومٍ لن تمطر فيه الغيوم إكراماً لانبهاري بكِ؟ لماذا سأقضي أياميّ الأخيرة في أرضٍ بور بيادرها مُجدبة؟ لماذا لن أتمكن من تعليمك الإدمان على السياسة لكي أحرفك عن إدمان الحزن والملل؟ لماذا لن أنجح في مضي سلاح كلماتي لتزويدك بذخيرة “الحقيقة” بدون حجاب […]

The post ‎⁨تنهيدة اللاجئ الشبقة الأخيرة لعشيقة بعيدة⁩ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
لماذا لن أستطيعُ بَعدْ أن أُكحل عيوني بنور فجرك؟ وأن أُرافقك في يومٍ لن تمطر فيه الغيوم إكراماً لانبهاري بكِ؟ لماذا سأقضي أياميّ الأخيرة في أرضٍ بور بيادرها مُجدبة؟ لماذا لن أتمكن من تعليمك الإدمان على السياسة لكي أحرفك عن إدمان الحزن والملل؟ لماذا لن أنجح في مضي سلاح كلماتي لتزويدك بذخيرة “الحقيقة” بدون حجاب يحجبها؟ حقيقة تمزقين بعدها بيديك قيودك لتمتشقي راية حريتك وتَحَررك ولكي تستظلي بها في رحلتك في هذه العوالم المُقفِرة نحو فضاء خُضرتك وخضرة الحرية والحب والصفاء والجمال.                                                       

يبدو وآه لحزني، أنني لن أعمد بالنار بَعد صوتي في حضرتك، بعيداً عن مسافات البُعدِ التي لن تُقلصها كل  التكنولوجيات البلهاء الحديثة  وإذا كان لكل جواد كبوة، فلماذا سيكبو جوادي في حضرتك؟ لماذا لا يكتمل قمر فرحتي بلقاك وبالعودة لك؟ لماذا ولماذا…

***

نعبرُ نهر الأحزان والأشجان كل يوم ورؤوسٌ مكتظة بالأحلام التي لم تتحقق وعيونٌ تغمرها الظلمة وصدور تختزن غضباً باسقاً وأسئلةٍ دون جواب حول تلك الارض ذات الأسوار الواطئة التي لا يكف الغزاة عن تدنيسها ولا يكف الطغاة عن تقييد أبنائها بسلاسل الذل والهوان. الغزاة الصهاينة يصوغون آلام القرن الفلسطيني المنصرم لكي يغرسون خجل الانكسار في عيون القرون الفلسطينية القادمة وجراحنا الراعفة لا نزال نتأبطها بانتظار غدٍ يوشِكُ أن يُولَد.

كم أحببتُ ان تكوني معي أو أكونُ أنا معكِ في هذه الولادة العسيرة لكيلا تبقى أسوارنا واطئة وأليفة للغزاة وعقولنا مسرحاً للمشعوذين والمهووسون من أبناء جلدتنا.

لقد تصورتُكِ أنكِ لستِ ممن يستدرون الدمع أمام المصاعب: قوية العزيمة والذكاء، جميلة الروح والوجه البشوش وطاقات دفينة تنتظر أن تكسري سلاسلها لكي تنتشي بمشاعر الانتصار على تجار المبادئ وتجار الدين والعقول الانهزامية.

هل أحملك حملاً ثقيلاً قد لا يعدو انعكاساً لرغباتي أنا والتي لا يكون ضرورياً أن تُقاسميني إياها؟ سؤال دار في خاطري أكثر من مرة… ولكن، في كل مرة أعيدُ الكرّة: في صوتك حنيّة وقوة ورغباتٍ لم يكتمِلُ قمرها بعد، صوتٌ يُحمل تلهف الليل العميق إلى ملاقاة نور النهار الساطع، صوتاً لا يعكس الغنج والخيلاء الأنثوي الشرقي لنساء الحريم ممن يسوقهن كرباج السلطات الذكورية والأبوية. في صوتك، هناك بوحٌ غير مباشر عن رغبات بالانعتاق من القيود البلهاء للسلطات الذكورية. لدي شعور بأنك قاب قوسين أو أدنى من عبور نهر حرية ليس للجته قرار وليس لضفافه من حدود.

قد لا نلتقي أبداً ولكنني على قناعة بأن آمالي بك لن تصبح رماداً تذروه الرياح…

أتمنى أن تواصل كلماتي ريّ داليتك ليكبر عنقودك وتزهو ورودكِ ويلوح سنا فجرك، فجر الحرية.

***

قد لا نلتقي ولكنني سأواصل تسلق ومضات الضوء المنبعثة من عالمكِ الفعلي والمُتَخيل، لكي أبلغ رأس نبعك ونبع هذا الضوء المتهدل من نافذة الكون، كونك.

في حضرتكِ الافتراضية، سوف ألقي بِجلابيب الحذر والخوف وانتقاء الكلمات جانباً لأعبر عن المكنونات العميقة في روحي ووجداني “من الباب للمحراب”، كلمةٌ كلمة، اختلاجةٌ إثر أخرى…

سأقول لكِ، هيّا بنا فعلى “قدرِ أهل العزمِ تأتي العزائم”، هياّ بنا لكي نُحوّل الافتراض إلى واقع فالفرقُ بينهما هو “كالفرق ما بين الثرى والثُريا”. حينها، ستتوحدُ مشاعل الحياة التي سوف نوقدها في هيكلي الذاتي وفِي هيكلكِ. حينها، سوف تُطلِق ورود البنفسج رياحينها لتكنسَ كل العفن والوسن المتُهالكِ في طرقات بلادنا وفي منافينا. حينها، سوف نكسر الحزن المنتصب على الجبين، جبينك وجبيني وجبين شعبٍ من المقهورين. وسوف نطفئ هذا الظمأ الأبدي للحرية وسوف ننتصرُ على ظلم القريب وظلم الغريب الصهيوني. هيّا بنا لِنجردَ سيوفنا فـ” كلِ السيوفِ قواطعٌ إذا ما جُرِدَت من غمدها” وسيوف الظمأ للحرية ستكون أكثرها قطعاً. لن نبقى عطشى مُرَدِدين صلوات الاستسقاء والكأسُ ما بين أيدينا فالانتظار انتحار.

سوف أواصلُ تحفيزي لكِ واستوداعكِ مكنونات أسراري الثورية في بحثي عن عالمٍ أفضل وعن وطنٍ ضائع وعن حرية موعودة، سأواصلُ اقتلاع الشوك الجارح من دروب الحرية المنشودة، وسوف أسترِق السمع مزهواً لحشرجة نشيد الحرية في حنجرتكِ كارتعاشةِ لحنٍ جميل في صعوده إلى شفتيكِ وسوف أستمِعُ مرهفاً لتسارع دقاتِ قلبك، وسوف أنظر بحياء لتورد وجنتيكِ ولامتلاء صدرك بنسيم الحرية، وسوف أُراقِبُ سعيداً انجلاء الغيوم من سمائكِ وتفجُر رغباتك الدفينة وينابيعك الثرية تحت ضوء الشمس الساطع والذي لن يحجبه بعد ذلك حجابٌ سوداوي أحمق.

في حضورك الافتراضي سوف أسمحُ لنفسي بالتلصص من وراء الأسوار والأبواب الموصدة على حركات قلبك وأنفاسك المتصاعدة وشهيقك وزفيرك وتورد خديكِ وامتلاء شفتيكِ وأشياء أخرى لن أقولها لكِ. ولكن، سأقول لكِ ودون مواربة بأنه آنَ لصوتكِ المسبي أن يتفجر ولليلكِ بأن ينداح أفقاً، مشرّقاً.

لن نُدمن الحزن بعد اليوم بل الفرحة، لن يجرفنا طوفان الاستبداد والحرمان بعد اليوم بل سوف نُكحل عيوننا بألوان الحرية الزاهية، ولن تبقى حقولنا بوراً وبيادرنا مُجدِبة إذ سوفَ نُمطِرُ الغيوم ونستدر خيرات الأرض دون انتظار مُنة السماء. سوف نسكَرُ وننتشي بمديح الحرية ونكسر السلاسل والقيود، قيود الطغاة والمشعوذين وسماسرة العقائد المترهّلة وتجار الدين ومأجوري الوطنية.

سوف نُحاصِرُ حصارنا ونتأبط أحلامنا وننزع من رؤوسنا ثقافة القمع والحجبِ والتحجب لكي نجيد لغة البوحِ عن مشاعرنا وعن رهفات قلوبنا ولكي نتقنَ قول حقوقنا بملأ الفم على مرأى من الكون بكامله. لن نواصل التفيئ بظل بساطير المحتل الأكبر ووكيله “الوطني” الأصغر ولن يصمت فينا صوت التمرد والشوق والاشتياق لملاقاة امرأة -أرض لا نُطيقُ فراقها ولن يفتضَ الزمان رغباتنا في الإبحار في عيونها وفي الاستلقاء في سهولها والنوم عميقاً في أحضانها وفي تسلق هضابها وقطف ثمارها “الممنوعة”.

سوف أدَعُ أحلامي وتمنياتي وأفكاري تُبحِرُ في عينيكِ وفي مُخيلتكِ لكي أدعوكِ لأن تلتحفي بغيمة الدفء القادم والواعِد، ولكي يتهجى قلبُكِ أبجديات الفرح والبهجة والحب في العالم الفعلي بعيداً عن العالم الافتراضي وغرفه التي ينبعثُ من نوافذها ومضاتُ ضوءٍ لا زلتُ أتسلقها لكي أصل إليكِ لكي أبثُ لك تنهيدة اللاجئ الأخيرة هذه.

The post ‎⁨تنهيدة اللاجئ الشبقة الأخيرة لعشيقة بعيدة⁩ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“من أجل تحرير فلسطين، نريد إسقاط النظام” https://rommanmag.com/archives/19567 Fri, 29 Mar 2019 21:06:30 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%ac%d9%84-%d8%aa%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%b1-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d8%8c-%d9%86%d8%b1%d9%8a%d8%af-%d8%a5%d8%b3%d9%82%d8%a7%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85/ في أمسية نظمها “المركز الثقافي والفني” الفرنسي والمُسمى بِ “La Générale” في تاريخ ٩آذار ٢٠١٨وذلك بمناسبة نقاش كتابٍ صدر حديثاً لمناضل سوري شاب وهو “محمد مجد الديك” وعنوان الكتاب الصادر بالفرنسية هو “إلى الشرق من دمشق:نهاية الكون، شهادة من ثائر سوري”، كان الكاتب وهو مناضل سوري شاب برفقة مناضل آخر حيث شارك الإثنان في تجربة”تنسيقيات […]

The post “من أجل تحرير فلسطين، نريد إسقاط النظام” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
في أمسية نظمها “المركز الثقافي والفني” الفرنسي والمُسمى بِ “La Générale” في تاريخ ٩آذار ٢٠١٨وذلك بمناسبة نقاش كتابٍ صدر حديثاً لمناضل سوري شاب وهو “محمد مجد الديك” وعنوان الكتاب الصادر بالفرنسية هو “إلى الشرق من دمشق:نهاية الكون، شهادة من ثائر سوري”، كان الكاتب وهو مناضل سوري شاب برفقة مناضل آخر حيث شارك الإثنان في تجربة”تنسيقيات الثورة السورية”منذ بداياتها الأولى وكان برفقتهم شاب سوري – باريسي ثالث يقوم بمهمة الترجمة من العربية للفرنسية لجمهور الحاضرين. وقد كان النقاش جاداً ومثمراً ومؤثراً على الحضور والذي تفاعلَ معه بقوة. في خضم النقاش، أخذ الإجرام الأسدي حقه من العرض والتحليل فيما لم ينطق ضيوف الأمسية بكلمة واحدة حول طبيعة القوى التي هيمنت على “المناطق المُحَرَرَة” وحول سياسات “الإسلام السياسي” في تلك المناطق والتي لم تكن بأقل قمعية من القوى الأسدية فارضةً على جماهير “الغوطة الشرقية” الالتزام الصارم بأحكام الشريعة وبشكل تعسفي واستبدادي واضح. هذا الاستفسار الذي تَقدَمتُ به لم يرُق البتة لمترجم الأمسية السوري الباريسي والذي لم يتورع عن توجيه ملاحظة  تشيّ باتهام مُبطن ليّ :”فلسطيني من جماعة المصفقين للأسد” متجاهلاً تكراري في اكثر من سياق من مداخلتي إدانتي الصارمة لسياسات النظام السوري الإجرامية بحق الشعب السوري أولاً وبحق الشعب الفلسطيني (في سوريا وفي لبنان كدوره في مجزرة مخيم “تل الزعتر” تحديداً السابقة لمجزرة “مخيم اليرموك” اللاحقة…).

في تلك اللحظات، ما كان ليّ إلا أن أذكر سلامة كيلة، المناضل في الساحة السورية كسوري والمُنظّرُ لثورة الشعب السوري للتخلص من نير الاستبداد السلطوي للعائلة الأسدية ونظامها. سلامة، السوري-الفلسطيني أو الفلسطيني-السوري كان تجسيداً لالتحام النضال السوري بالفلسطيني في وحدة مصير لا انفكاك منه فما هو جذر هذه الريبة وكيف يمكن ان يُنظَرَ للفلسطيني المُعارض لسياسات النظام السوري كمُؤيدٍ للنظام القاتل! الطريف في الموضوع أن أجد الشاب “محمد مجد الديك”حاضراً في مناسبة تأبين سلامة كيلة في باريس بتاريخ ٨ اكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٨…إذن، لم يكن سلامة كرمز لوحدة المصير السوري الفلسطيني بغائبٍ عن عالمهم ولم يكونوا بحاجة الى تذكيرهم بهذه الوحدة الطبيعية ما بين الشعبين وإن ارتكبت قيادات فلسطينية حماقاتٍ مُشينة كالتي نعرفها والتي لا يمكن أن يتحمل الشعب الفلسطيني أوزارها. ساحات النضال والحروب جمعت ما بين الشعبين ضد العدو الصهيوني المشترك وفي سبعينات القرن المنصرم لم يكن من الممكن تمييز السوري عن الفلسطيني في المجموعات الفدائية في مختلف التنظيمات الفلسطينية كما كان عليه الحال في أوساط الطلبة والمثقفين حيث يتداول السوري والفلسطيني أفكار التحرر والتحرير والحرية، حرية فلسطين وشعبها وحرية الشعوب العربية بأجمعها وبتحريرها من نير مضطهديها من قوى الاستبداد الطائفي والطبقي والعسكرتاري المقيتة.

هذا النقاش وما أثاره لديّ من تداعيات ذكُرني بلقاءٍ مع  “أمين صالح”، مثقف سوري-فلسطيني أو هو كسلامة كيلة، فلسطيني -سوري ، حفيد “أحمد حلمي باشا”، السكرتير الشخصي للمفتي الحاج أمين الحسيني، سكرتير “الهيئة العربية العليا” في الأربعينات من القرن الماضي ورئيس “حكومة عموم فلسطين”حتى عام ١٩٦٣ وأحد الشخصيات الفريدة ممن بقي من القيادات الفلسطينية في خط الدفاع عن مدينة القدس بمواجهة العصابات الصهيونية قبل احتلالها للقدس الغربية. السيرة الذاتية لأحمد حلمي باشا المولود في مدينة صيدا اللبنانية والشاب النابلسي اليافع في مقتبل صباه والمحارب الى جانب الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي والمشارك في ثورة القبائل العراقية ضد قوات الانتداب البريطاني ما كان له إلا وأن يعود الى القدس لكي يُدفن بعد هذه المسيرة القومية العربية الحافلة. هل هو بهذا سوري أم فلسطيني أم عراقي؟ حفيده وَرِث هذه الصفات وكيف لا وهو المولود بدوره في مدينة القدس. وهكذا وقبل سلامة وبعده سيبقى السوري الفلسطيني والفلسطيني السوري غايةً في الحضور لمقارعة ما سمُيّ بالدولة “الوطنية” الحديثة والتي لم تكن سوى دولة سايكس-بيكوية بامتياز لخدمة طبقات من الكمبرادور المحلي من الأعيان ومن العسكر بالتواطؤ مع الكولونيالية المُستَحدثَة ومع الدولة اليهودية ثالثة أثافي النهب الامبريالي لثروات المنطقة العربية.

المناسبة الثالثة لحضور هذه التداعيات والتساؤلات تمثلت في سؤال وجههه لي أحد الأصدقاء حول ناشط وكاتب يكتبُ بغزارة في الشؤون السورية والفلسطينية ويناضل في صفوف تشكيلات سياسية فلسطينية وسورية : “هل هو سوري أم فلسطيني”. لقد فاجئني السؤال للوهلة الأولى فأنا لم أسأله ولم أتسائل ولو لمرة حول انتمائه الجغرافي إذ لا تدخل هذه التمثلات في حقلي الذهني و/ أو المشاعري ولم تُشكِل هذه التقسيمات بعضاً من حالات الوعي السياسي لديّ منذ أيام شبابي حتى اليوم. أجبتُ بأنني لا أدري وهل سبق وأن طرح أحد الفلاحين من أنصار شيخنا المناضل “عز الدين القسام” وهم من أرياف نابلس وجنين ومنطقة مرج ابن عامر سؤالاً كهذا في أحراش “يعبد”حيث تحاصرهم قوات الجيش البريطاني! وهل بطل معركة “ميسلون” سعيد العاص القادم من “حماة” لكي يستشهد على أرض فلسطين في معركة “الخضر” عام ١٩٣٦، أبدى استغرابه قبل ان يلفظ أنفاسه الأخيرة لمعنى استشهاده هنا وليس على أرض معركة ميسلون السورية!

سلامة كيلة كان من نفس طينة هؤلاء، “بير زيت” مسقط رأسه لم تكن لتختلف كثيراً لديه عن دمشق وما كان شعاره المفضّل عام ٢٠١١ سوى تلخيص لهذا الازدواج ففي عز النهوض الثوري السوري أطلق شعار”من أجل تحرير فلسطين، نريد إسقاط النظام”

في نفس هذا السياق، تكثفت لديّ إثرَ جميع هذه التساؤلات والتداعيات فكرة طرح سؤال يتعلق  بتطابق هذا  الشعار مع شعارٍ سبق وأن رفع رايته شهداء “المنظمة الشيوعية العربية” على امتداد عامي ١٩٧٤ و ١٩٧٥فلماذا لم يكن سلامة كيلة هو الرجل السادس من على منصة المشنقة التي نصبها المجرم حافظ الأسد لخيرة الشباب السوري والفلسطيني في ذلك التاريخ البعيد. كيف نجى سلامة كيلة من ذلك المصير المحتوم؟ يمكننا أن نفترض أن سنوات دراسته الجامعية في بغداد والتي تخرج منها عام ١٩٧٩كانت كفيلة بحمايته من هذا الهوى الثوري والذي كان يجتاحه مبكراً، هوىً ما كان له إلا وأن يجعل من انضمامه الى صفوف هذه المنظمة الفلسطينية – السورية الوليدة قدراً حتمياً. وكيف لا وهو الدائر في فلك القائد الفتحاوي اليساري، ناجي علوش، إبن بلده “بير زيت”. تيار ناجي علوش كان على صلة ببعض من شكًل لاحقاً “المنظمة الشيوعية العربية”وتحديداً في ظل نقاشات متقاربة حول ضرورة قيام حزب ثوري عربي واحد كرافعة لتحرير فلسطين وللتحرر من نير أنظمة القمع والاستبداد في ذات الوقت. شعار بناء الحزب الثوري الشيوعي العربي كان من أغلى امنيات سلامة كيلة حتى تاريخ وفاته المفاجئ.

وهكذا، قد تكون بغداد وجامعتها هي من أسقط هذا الرقم السادس من على منصة المشنقة، ولكن ولمعايشتي تلك الحقبة، لم يكن هذا البعد الجغرافي ذَا دلالات سياسية كبيرة وذلك لتنقل الشباب المناضل ما بين بيروت ودمشق وبغداد في شبه حركة دائمة وحيث تنتقل النقاشات معهم من هذا المكان لذاك.

في صباح يوم السبت ٢٩/٧/١٩٧٥ نُصبت المشنقة المُعدة لإعدام “علي الغضبان”(فلسطيني لبناني)، “غياث شيحة”(سوري)، “محمد وليد عدوان”(فلسطيني سوري)، “محمد خير نايف”(فلسطيني سوري) ولِ “علي الحوراني”(فلسطيني سوري). وفي معركة ليلية مع قوى الأمن، قُتل مناضل المنظمة الشيوعية العربية “محمد زهير شقير”(سوري) بطلقة في الرأس.

إضافة لهذا الحكم المجرم للعصابة الأسدية، حُكِمَ على “عماد شيحة”، أخ غياث شيحة بالسجن المؤبد والذي لم يخرج منه سوى في عام ٢٠٠٠.”فارس مراد”،قضى في السجون الأسدية من سجن تدمر الصحراوي الى صيدنايا ما قدره ثلاثون عاماً لكي يخرج في سنة ٢٠٠٤ ولكي توافيه المنية بعد ذلك بقليل في سنة ٢٠٠٩(عن “الحياة”١٧/٣/٢٠١٦).

سلسلة القتل الأسدي بدأت مبكراً وكانت “المنظمة الشيوعية العربية” أول العنقود في هذا التاريخ الدموي المتواصل لهذا النظام الاستبدادي، وأضافةً الى ما تم ذكرهم، أنزل النظام بعدد آخر من أعضاء المنظمة عقوبات قاسية: هشام البريدي(سوري)، محمد فارس(فلسطيني سوري)، هيثم النعال(سوري)، محمد وليد السلطي(فلسطيني سوري)، محمود الأبطح(فلسطيني سوري)، بيهيت كنيفاني(سوري) وأخيه نبيل كنيفاني.

أعتقد أنه لم يدر بخلد الشهداء الخمسة على حبل المشنقة سؤالاً عبثياً فيما لو كانوا من فلسطين أو من سوريا، بالضبط كما لم يدر في خلد الشهيد الشيخ عز الدين القسام في أحراش يعبد وسعيد العاص في الخضيرة وأعتقد بأن سلامة كيلة لم يكن ليخطر بباله سؤال عبثي كهذا لو كان مع قافلة الشهداء هذه.

The post “من أجل تحرير فلسطين، نريد إسقاط النظام” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
ما بين الحلم العلماني لسلامة كيلة وحلم الحرية لحنة أردنت https://rommanmag.com/archives/19559 Sat, 09 Mar 2019 13:16:51 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%83%d9%8a%d9%84%d8%a9-%d9%88%d8%ad%d9%84%d9%85/ الحُلمُ أو بالأحرى حُلمُ اليقظة، ليس خيالاً عابراً لتعزية المُتَخيلِ والحالِم عن واقعٍ يفلتُ من بين يديه لكي يواصل انحداراً نحو الهاوية وإنما هو “الحُلُمُ – الرؤية”، حُلُمُ التغيير بتوسط رؤية متفائلة وإيجابية. وهذا هو ما كان عليه الحلم الديمقراطي والعلماني لرفيقنا سلامة كيلة. حلماً تحررياً لبناء فلسطين كوطن جديد لأصحابها ولمن شردته منهم سياسات […]

The post ما بين الحلم العلماني لسلامة كيلة وحلم الحرية لحنة أردنت appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الحُلمُ أو بالأحرى حُلمُ اليقظة، ليس خيالاً عابراً لتعزية المُتَخيلِ والحالِم عن واقعٍ يفلتُ من بين يديه لكي يواصل انحداراً نحو الهاوية وإنما هو “الحُلُمُ – الرؤية”، حُلُمُ التغيير بتوسط رؤية متفائلة وإيجابية. وهذا هو ما كان عليه الحلم الديمقراطي والعلماني لرفيقنا سلامة كيلة. حلماً تحررياً لبناء فلسطين كوطن جديد لأصحابها ولمن شردته منهم سياسات الكولونيالية الإحلالية الصهيونية.

هذا الوطن العلماني الذي تغنى به سلامة وناضل من أجله بدون كلل، هو الوطن الذي رفضته”حنة أرندت”، فيلسوفتنا الألمانية اليهودية والمعادية للصهيونية ولمشروعها لإقامة دولة يهودية في فلسطين ولسان حالها يقول”تختبئ وراء فكرة الوطن دولة قومية ذات طابع استبدادي بالضرورة”.

حنة أرندت (Hannah Arendt) بذلك لم تنظر إلى الوطن كقيمة إيجابية عليا وذلك لاقترانه بدولة الاستبداد القومي، ومبدؤها في ذاك إدانة مفهوم “السيادة” المُنظِم لعمل الدولة في حيزها القومي. حنة أرندت رأت في مفهوم “السيادة” نقيضاً لمفهوم “الحرية” فلا حرية حيث توجد سيادة للدولة القومية.

سلامة كيلة رغم سعيه الحثيث لاستعادة الوطن الفلسطيني، لم يكن ليخطر في باله حدوث مثل هذا التعارض الحاد وذلك لسببٍ وحيد: لن يكن هذا الوطن هو ذلك الوطن المُسيجَ بدولة قومية وإنما بوطن يُفرِزُ فيه النضال الديمقراطي دولة علمانية ومابعد قومية، دولة فلسطينية بالطبع ولكن دولة لا تمُتُ بصلةٍ لتلك الدولة القومية على الشاكلة الأوروبية: “الدولة – الأمة”، دولة النزاعات القومية والحروب.

“كم هو سعيد من لا يملكُ وطناً”

حنة أرِندت هي أكبر فلاسفة القرن العشرين وأكثرهم إنتاجاً ومقاربة لحقل السياسة من وجهة نظر فلسفية. الفيلسوفة كانت شاعرةً أيضاً وهذا هو عنوان قصيدتها: “كم هو سعيد من لا يملك وطناً”.

الفلسطيني لا يملك وطناً فهل هو سعيد بدوره؟ أليس الوطن هو مكان الأمن والراحة والشعور بالانتماء والذي لا بد وان يكون بذلك رديفاً للسعادة؟

حنة أرِدنت، تلميذة الفيلسوف الألماني الكبير مارتين هايدجر (Martin Heidegger) والمتأثرة بوالتر بنيامين (Walter Benjamin) كانت تغني نشيداً لفضاء الحرية والذي لا تحد حدوده جغرافية سياسية قومية والذي يتمثل بالوجود الفعلي في فضاء “المنفى” اللاقومي.

المنفى هو رديف “الحرية” وعدم الخضوع لاشتراطات الدولة القومية ولروح التعصب القومي الذي يُميزهُا، والذي لا بدّ وأن يكون ذَا طابع عنصري، روحاً تعصبية تُسيجُ به الدولة القومية حدود “الوطن” باسم مبدأ “السيادة”.

“وطن” حنة أرِنت هو “الحرية” والذي يمثله “المنفى”. ولذا، يمكن ان نعتبر أن المعنى الحقيقي للوطن لا يمكن اختزاله إلى “قضية الأمن” والعيش الآمن في وسطه الاجتماعي والعائلي بل هو التمتع بالحرية،  فوطن لا حرية فيه، ليس بوطن وإنما هو سجن لأفراده ذكوراً واناثاً.

الحرية هنا وفي المنظور الديمقراطي والعلماني لسلامة كيلة، هي الحرية بمعناها الشمولي: حرية التحرر من احتلال استيطاني بغيض في محاولاته لإحلال المستوطنين في أرض الفلسطيني. حرية التعبير في مجتمعه المحلي دون أن يكون هناك رقابة سياسية أو اجتماعية أو ذاتية على هذا الرأي في حالة مخالفته للإجماع المُتعارف عليه حُكماً.

حرية الاختلاف كحق مقدس وكشرط أساسي للسعادة.

وهكذا، يرتبط “التحرر” من الاحتلال الإسرائيلي بضرورة التمتع بـ “الحرية” بمواجهة المجتمع الفلسطيني والذي لا يتيح الكثير من الحريات لأفراده وتحديداً للنساء منهن.

التحرر من الاحتلال الاستيطاني فقط  وضمن هذا المنظور لن يحمل لنا الحرية المنشودة.

وعودة إلى حنة أرِدنت، يمكننا أن نقول إن استعادة الفلسطيني لوطنه بحق هو شرط  امتلاك الحرية  بعد إنجاز تحرره من القيد الاستعماري وحينذاك يمكنه التغني بوطنه، أي بحريته كمعادل لهذا الوطن.

استعادة الفلسطيني لوطن الحرية وطناً لا يُكررُ بناء دولته الاستبدادية القومية حصراً يُمكنُنا من قلب معادلة فيلسوفتنا لكي نجعل من عنوان قصيدتها “كم هو سعيد من يمتلك الحرية”.

الوطن الديمقراطي العلماني هو شرط السعادة والحرية

الإنتاج النظري الكثيف لسلامة كيلة كان يهدف إلى الارتقاء بمفهوم الديمقراطية إلى آفاق العلمانية إذ أن الاقتصار على الأولى دون ربطها بالثانية إنما هو هو تقصير فاضح: الديمقراطية الأثينية كانت ديمقراطية استعباد الأثيني الحر لمن هو ليس حراً، ديمقراطية ذكورية تضع العبيد والنساء خارج حقل المواطنة في نظامٍ يدعيّ الديمقراطية. ولذا، كان تنظير سلامة كيلة محاولة جريئة للانتقال من الحقل الأول للثاني لمزجهما معاً في توليفة إنسانية رفيعة.

بناء الدولة الديمقراطية فقط هو شعار نضالي قاصر وغير كافٍ لإحداث نقلة نوعية في بحر الجمود الفكري والاستبداد السياسي المتجذر في الواقع العربي عموماً.

هناك ديمقراطية ليبرالية اقتصادياً وتنحو بقوة نحو النيوليبرالية الهمجية في ظل العولمة وسيادة علاقات السوق على السياسة التابعة لا السياسة المُحددة والضابطة لقوانين السوق الرأسمالي.

هناك ديموقراطية شعبوية ذات توجهات فاشية كما في المثالين الألماني والايطالي. وهناك ديموقراطية لنظام ثيولوجي كما في الحالة الإيرانية وديموقراطية قومية متطرفة كما الحال في تركيا حيث اجتمعت مؤخراً العوامل القومية مع الدينية بعد أن كانت العلمانية هي سند النظام القومي العسكري التركي السابق للحقبة الإسلامية.

وأخيراً، هناك المثال الفاجر في “الديمقراطية الإسرائيلية”، ديمقراطية  عرقية ودينية قائمة على استبعاد الفلسطيني “الغوييم” من خانتها كما استبعدت الديمقراطية الأثينية من “الأغراب-العبيد” والنساء من جمهوريتها. هي بالفعل، ديمقراطية الرجل الأبيض الكولونيالي والفاشي معاً.

“سلامة كيلة” وحُلمُه: I have a dream

سلامة كيلة لم يكن حالماً مثالياً بل كان مناضلاً يحمل مشروعاً للتغيير ولبناء عالم أفضل ليس في فلسطين وحسب وإنما في المجالين العربي والدولي، مشروعاً يقوم على رؤية متماسكة، تقدمية وإنسانية. هذه الرؤية المتفائلة والإيجابية كانت تتناقض مع جو الهزائم والتراجعات الفلسطينية والعربية في ظلِ تغول السياسات الصهيونية والرسمية العربية.

وهنا، شتانّ ما بين الحُلُمُ – الرؤية وأضغاث الأحلام وكوابيس المنفى وجرائم أنظمة الاستبداد العربية والتي تسربت إلى “وعي” قطاعات واسعة من أحزاب ما سُمي باليسار يوماً. “الحلم-الرؤية” كان برنامجاً سياسياً مُؤسِسَاً ومُؤطراً لطاقات شابة لوضع اللبنات الأولى لحزب ثوري عربي لدحر الصهيونية والنظام العربي: سندها المتين وحليفها الأمين لتلاقي مصالح الطرفين وإشهار هذا اللقاء على شواهد الأعيان.

الحُلُمُ السياسي لسلامة كيلة لم يكن حلماً وإنما عملاً ونشاطاً “بلغَ سِنّ الحِلْمْ”.

حُلماً لن يُجهضَ ولن يُعلق على مشجب النسيان بوفاته إذ هو حلم انسيابي ينفث حنيناً للحرية وللوطن العلماني.

The post ما بين الحلم العلماني لسلامة كيلة وحلم الحرية لحنة أردنت appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>