عيد عزيز - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/229rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:42:59 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png عيد عزيز - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/229rommanmag-com 32 32 “٦٣ يوماً من الاعتصام”: مسرح البصر والبصيرة https://rommanmag.com/archives/21192 Tue, 11 Apr 2023 07:03:25 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%a6%d9%a3-%d9%8a%d9%88%d9%85%d8%a7%d9%8b-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d9%85-%d9%85%d8%b3%d8%b1%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b5%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b5/ هذه ليست المرة الأولى التي تُقدم فيها شخصية الأعمى في تاريخ المسرح، بل تم تقديم الكثير من الشخصيات في الإرث المسرحي العالمي ذات إعاقات متنوعة وتم توظيفها في الكثير من الأشكال لنقل وتقديم الحقيقة والحكمة والمعرفة. وقدم أيضاً موريس مترلنك مسرحية العميان التي تدور أحداثها في دير يسكنه عميان ويكون المشرف عليهم مبصر ويقودهم في […]

The post “٦٣ يوماً من الاعتصام”: مسرح البصر والبصيرة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

هذه ليست المرة الأولى التي تُقدم فيها شخصية الأعمى في تاريخ المسرح، بل تم تقديم الكثير من الشخصيات في الإرث المسرحي العالمي ذات إعاقات متنوعة وتم توظيفها في الكثير من الأشكال لنقل وتقديم الحقيقة والحكمة والمعرفة. وقدم أيضاً موريس مترلنك مسرحية العميان التي تدور أحداثها في دير يسكنه عميان ويكون المشرف عليهم مبصر ويقودهم في رحلة توهان وخداع إنساني، وعند موته في آخر المسرحية نكتشف أن العمى حقيقة والبصر وهم.

وأخذ توظيف الإعاقة بالمسرح أشكالاً متعددة، فمنها من استخدم التأثير العاطفي لجذب الجمهور والترفيه، ومنها تناول مواضيع إنسانية اجتماعية و فكرية، ففي مسرحية “أوديب”  لسوفوكليس، كانت شخصية تريسياس (العراف) مصابة بفقدان البصر، ولكنها على مدار المسرحية قدمت الحقيقة والبصيرة. كانت الحقيقة في عيون تريسياس الأعمى. ولم تكن في عيون أوديب المبصر ومن هنا بدأت مسرحية حمد سمامرة. كأنه يقول لنا أنتم المبصرون لا تستطيعون رؤية ما نعاني منه، وها نحن نرويه لكم ببصيرة  وليس ببصر.

ببصيرة حسية عالية وأداء فاق الألم الواقعي الذي يعيشه ويمر به ذوي الهمم، افتتح حمد سمامرة العرض المسرحي “63 يوماً من الاعتصام” الذي يوثق تجربة ونضال ذوي الاحتياجات الخاصة في سعيهم إلى المطالبة بحقوقهم من خلال اعتصامهم داخل المجلس التشريعي الفلسطيني المعطل -كما هي حقوقهم- في ظل نظام سياسي متهالك لا يملك الرؤية والبصيرة تجاه أبنائه من ذوي الإعاقة. روى حمد من خلال العرض تجربة معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة خلال الاعتصام الذي دام 63 يوماً من أجل حياة كريمة. حاول حمد وزملاؤه أن يعيدوا الحياة ولو بشكل رمزي  لخصوصية المكان الذي يفترض أنه المكان الحامي والمدافع عن حقوقهم  وحياتهم، طلباً في حقوق أساسية لتكون حياتهم أقل صعوبة وأكثر إنسانية ولكي يحصلوا على أبسط حقوقهم  من بينها التأمين الصحي، وتأمين الدواء والمعدات الأساسية كأضعف الإيمان. 

قدم حمد تناقضات واقع المؤسسات وغياب الوعي والفكر عمن يقودها، والتي يجب أن ترعى حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وتقدم لهم الخدمة المستحقة، وإن لا تقدم لهم الخطابات والبيانات الانشائية والوعود. وبسرد توثيقي تهكمي حرص حمد والقائمون على العرض في نقل المعاناة بواقعتيها. واستطاع حمد فضح عجز المؤسسات الرسمية والأهلية من خلال عرض مسرحي ملفت تقف أمامه متسائلا عن حجم المأساة التي تقع على كل ذوي الاحتياجات الخاصة في فلسطين.

 وكان حمد سمامرة فاقد للبصر يؤدي دوره على خشبة المسرح بوعي بصري وحسي ملفت؛ يعي ما يريد ويعي الزمان والمكان اللذين يلعب بهما الدور، بل بدا حمد بلعب دور الراوي الملحمي الذي لم يكتفي بسرد الأحداث بل كان يعلق عليها وكان جزءاً أساسيا منها ومن صناعتها هو وزملائه، ويتفاعل بإحساسه الخاص وبدا كممثل محترف ممارس لمهنة التمثيل؛ يتنقل في مشاعره من جملة الى أخرى، ومن حدث الى آخر بكل احترافية، ويروي وينقل لنا الشخصيات الغائبة المشاركة في الاعتصام والمؤثرة فيه وعليه. لم يكتف العرض المسرحي بالسرد الصوتي فقط بل تم تقديم العرض بشمولية تعبير لكافة ذوي الاحتياجات حيث تم توظيف مترجمة للغة الإشارة بطريقة مسرحية للتأكيد على حقوقهم بكل الأدوات المتاحة. 

لم يكن حمد في العرض المسرحي راوياً تقليدياً بل كان استثنائياً في نقله تجارب إنسانية تعبر عن حاجة أساسية لذوي الاحتياجات الخاصة دون زيادة أو نقصان. نجح القائمون على العرض في تقديم مسرحية تحمل معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة بطرح فكري وعاطفي دون توريط المتلقي في الشفقة على ذوي الاحتياجات، وهذا ما هو مطلوب، أن نتعامل ونخدم ذوي الاحتياجات من باب الحقوق وليس من باب الشفقة. 

يذكر أن العرض المسرحي أنتج بشكل مشترك بين “مركز خليل السكاكيني” و”تعاونية البسطة” من خلال مشروع الإعاقة تحت الحصار بالشراكة مع جامعة برمنغهام. وقدم على مسرح “مركز القطان” الثقافي. إخراج العمل كان بالاشتراك بين رزق إبراهيم وعفاف أسدي ونفذ السينوغرافيا مرح فرحات بينما كان الإشراف الفني حسام غوشة ومشاركة فنية من سبين سعادة وعاكف دراوشة وترجم للغة الإشارة اسمهان عصفور.

في النهاية كنت أتمنى أن لا يقدم هذا العرض على خشبة المسرح ولا تكون قضية ذوي الاحتياجات بهذا العقم السياسي والاجتماعي. بحيث يلجؤون إلى استخدام المسرح كمنبر يكاد يكون الأخير للمطالبة بأبسط الحقوق والواجبات.

 

The post “٦٣ يوماً من الاعتصام”: مسرح البصر والبصيرة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
رام الله للرقص المعاصر: “ألا ترى أنني محاصر وكل ما يمكنني فعله هو المقاومة؟” https://rommanmag.com/archives/20898 Sun, 12 Jun 2022 11:59:13 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b1%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d9%84%d9%84%d8%b1%d9%82%d8%b5-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d8%a3%d9%84%d8%a7-%d8%aa%d8%b1%d9%89-%d8%a3%d9%86%d9%86%d9%8a-%d9%85%d8%ad/ من بلفاست وإيرلندا إلى فلسطين

The post رام الله للرقص المعاصر: “ألا ترى أنني محاصر وكل ما يمكنني فعله هو المقاومة؟” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
رسالة إنسانية قدمتها فرقه كاتلين البريطانية عرض راقص تحت عنوان “رفاق في الظلام” وفي رسالة واضحة سعيا وراء الحرية في مهرجان رام الله للرقص المعاصر. بني العرض الراقص على تجربة الأسير بوبي ساندز، أحد السجناء الايرلنديين، الذي قاد الإضراب عن الطعام في عام 1981 في تحد لجرائم مارجريت تاتشر بحق السجناء الأيرلنديين، والذي توفي فيه بوبي وعدد من الرفاق المضربين عن الطعام.

“ليس المهم كيف يتحرك الناس المهم هو ما يحركهم”، هذا ما قالته الراقصة الألمانية بينا باوش التي أسست لشكل جديد وغيرت وجه المسرح الراقص في أوروبا. تفوقت مصممة ومخرجه العرض كاتلين بارنيت بنقل مشاعر معاناة الأسرى الإيرلنديين بشكل خاص والفلسطينيين بشكل عام، فمن خلال أجساد أربعة من الراقصين  الذين أبدعوا في نحت أجسادهم  تعبيراً عما يعيشه الأسرى في السجون، ومن خلال مساحات أجسادهم أعادوا إنتاج تجربة الأسرى في سجون الظلم والاحتلال، سواء في إيرلندا أو فلسطين أو أي مكان في العالم. 

“إن لم يتمكنوا من تدمير رغبتك بالحصول على الحرية فلن يستطيعوا كسرك

أنا مجنون لكن ألمي وحزني حقيقيان. يجب أن يكون كل شيء حقيقياً. أنا على حق، أعرف أنني على حق. ليس لدي أي مكان أركض فيه. جسدي مكسور وبارد. أنا محاط بغابة من الأسلاك الشائكة.”

قدم العرض تجربه إنسانيه تنطبق على كل أسرى العالم وهذه المعاناة التي استطاع الراقصون أن ينقلوها لنا بحرفيه عالية في انعكاس واضح لما قالته بينا باوش ليس المهم كيف يتحرك البشر المهم هو ما يحركهم. وفعلا كانت حركة الراقصين ممزوجة بوعي وفهم وإحساس عميق تجربة الأسر في العالم ولم تكن ملامسة سطحية مبتذلة، بل كانت تنبش في أعماق تجربه إنسانية كونية تختزن كثير من مشاعر الألم والفقدان والخسارة والانكسار مثل تجربة   الاسر، وعرضت نموذجا فنيا حقيقيا يعبر بدقة عن ما يمكن للفن أن يقدم لقضية إنسانية كقضية الأسرى.

“لا بد أنني توفيت البارحة لأنني عندما صحيت هذا الصباح وجدت نفسي في جهنم.

نعم يا سيدي.

أعتقد أنني في قبر ما لا أستطيع أن أرى العتمة تسود المكان.  

نعم يا سيدي.

أتذكر أنني كان لي عائلة في يوم من الأيام أين هي الآن؟

هل سأرى او اسمع عنها مرة أخرى؟

لكنني ميت.

لا أستطيع حتى أن أقتل نفسي.”

لقد أضاف النص الصوتي بعدا ثالثا للعرض، إذ استطاع الراقصون حمل تجسيد روح اللحظات القاسية من جهة والعنيدة من جهة أخرى. ولأن الأداة المشتركة بين الراقص والسجين هو الجسد، فكان من الضروري عدم الاكتفاء بحركات ذات جماليات والتي لم تخل من العرض، ولكن عمق التعبير الحركي بدا وأنه كتابه أخرى في فضاء أسود. وقد استعملت الإضاءة بشكل متقن لتسلط الضوء على مستويات متعددة من الحالات التي يعيشها الأسرى ما بين الأبيض البارد إلى الأحمر القاني إلى القمري المجترح للهواجس. من جهة ثانية، وجود إيقاع حي على المسرح يعمل كمضخة قلبية تنبض بعذابات الأسرى في زنازينهم.

أما عنا نحن الجمهور الفلسطيني فنحن الأقرب والأكثر حميمية مع هذا العرض، الذي في لحظات ما، تلاحمت أعيننا مع أجساد الراقصين ليكتب كل منا روايته الخاصة عن تجربة الأسر لنختتم سوية العرض باتفاق ضمني على خاتمة فيها من الأمل الكثير، للبقاء على قيد الأمل بالحرية لكل الأسرى. 

“يوجد في كل نور أمل لا يعرف حدودا ولا مساحة 

ارتفع باللونين الأحمر والأسود والأبيض 

إنه موجود في كل عرق 

إنه يقطن قلوب الأبطال والأموات 

يصرخ في عيون الطغاة 

يصل إلى قمة الجبال الشاهقة 

يومض عبر السماء

ينير الظلام في زنزانة السجن هذه، ترن قوته 

إنه الفكرة الحتمية يا صديقي 

إنه الفكرة التي تصيح: 

أنا على حق”

The post رام الله للرقص المعاصر: “ألا ترى أنني محاصر وكل ما يمكنني فعله هو المقاومة؟” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“مهرجان رام الله للرقص المعاصر” والجسد كأداة تعبير ومعمار مقاومة https://rommanmag.com/archives/20568 Thu, 22 Jul 2021 06:55:05 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d9%87%d8%b1%d8%ac%d8%a7%d9%86-%d8%b1%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d9%84%d9%84%d8%b1%d9%82%d8%b5-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b3%d8%af-%d9%83/ هدم الفكر، هدم الروح، هدم الجسد، تحرر الجسد فنياً وقمع الجسد سياسياً، مشاهد متعددة والجسد هو أداة التعبير الوحيدة القدس وبيتا ورام الله. في القدس على مدار عقود من الزمن وفي ظل صراع غير متكافئ من حيث الأدوات، كان ولا زال الجسد هو الأداة الوحيدة للإنسان الفلسطيني لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي الذي يمتلك جيشاً مدججاً بكل وأحدث […]

The post “مهرجان رام الله للرقص المعاصر” والجسد كأداة تعبير ومعمار مقاومة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
هدم الفكر، هدم الروح، هدم الجسد، تحرر الجسد فنياً وقمع الجسد سياسياً، مشاهد متعددة والجسد هو أداة التعبير الوحيدة القدس وبيتا ورام الله.

في القدس

على مدار عقود من الزمن وفي ظل صراع غير متكافئ من حيث الأدوات، كان ولا زال الجسد هو الأداة الوحيدة للإنسان الفلسطيني لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي الذي يمتلك جيشاً مدججاً بكل وأحدث التقنيات الحربية. 

خلال الأشهر القليلة الماضية، كان من اللافت للنظر تعدد أشكال استخدام الجسد في مقاومة هذا المحتل، تحديداً في حي الشيخ جراح بالقدس، إذ أن البقاء الفيزيائي بالمعنى الحرفي لا المجازي دفع جسد المقاوم المقدسي إلى أساليب التطهير العرقي في القدس ليكون حاضراً وبقوة إذ أنه الأداة الوحيدة المتاحة مقابل سياسة التطهير. أن يظل الجسد ثابتاً في نقطة ما (البيت، الحي، الشارع) هي الرصاصة الوحيدة المتبقية بين يديه. غير أن “الثبات والسكون الممتلئ” (بلغة المسرح) معبأ بالفكر والإيمان المطلق والعميق بأحقيته في هذا المكان، أي القدس وكامل فلسطين، مقابل جيش مستعمر قائم على فكرة مفبركة، وليس أمامه إلا القتل والتهجير بكل أنواع السلاح. في حي الشيخ جراح تقوم منظمات استيطانية باقتلاع أو التهديد باقتلاع السكان الأصليين ويُسكنون مستعمرين يهود جاؤوا بأمر تلمودي لفرض أمر واقع فيزيائي يهودي لأمريكي أمثال “يعقوب السارق” بجسده المترهل ولا فكرة لديه وراء السبب من وجوده غير إطاعة أوامر سياسية مفرغة من أي مضمون لا ذاتي ولا جمعي. 

لقد فرضت المعركة كل سياقتها ومقوماتها على شابات وشباب وأطفال وشيوخ القدس وكان الجسد هنا اقوى أنواع المقاومة التي جعلت من المحتل عاجزاً أمام هذا المعمار الجسدي الصلب الذي لا يهدم مثلما تهدم البيوت، ولا يدرك مدى فعالية وقوة هذه الأداة في تحقيق الحق، فنشاهد الحضور القوي للتعبيرات الجسدية التي صنعها الشباب المنتفض في القدس كعمل فني جسدي صمم بشكل تلقائي وأخرج فنياً بشكل عبقري من إخراج المجتمع الفلسطيني بفكره المقاوم.

في بيتا

علي الجانب الآخر وبالتزامن تقريباً مع ما يحدث في القدس كمدينة لها معمارها البنياني والجسدي الخاص، كانت قرية بيتا في الريف الفلسطيني تقاوم بناء مستعمرة على جبل أبو صبيح، كان الجسد حاضراً بمشاهد أشبه بالسينما، من حيث الطقوس بتحضير المشاعل النارية التي تتم على أنغام وأنشايد وطنية تبعث على الحماسة والجهوزية، وصولاً إلى ارتداء أشكال متنوعة من الأقنعة التي ارتبطت ليس فقط بالمقاومة الفلسطينية، بل أيضاً جمعية كتلك الأقنعة المناهضة للرأسمالية والامبريالية. الدخان الأبيض، الإنارة الليلية، الجسد الذي رسم لوحات فنية. فالجسد المنتفض يحمل معماراً سكنياً وجسدياً مختلفاً، صقل حركته بفكر وثقافة مرتبطتان بقضية ذاتية وجمعية في آن واحد، فهناك مستعمرون بنوا مساكن من القرميد الأحمر المشبع بالفكر الكولونيالي على أراضي القرية المتناثرة بين أشجار الزيتون الرومي، وعند التدقيق في المشاهد التي حدثت نجد مشاهد فنية مبدعة قوامها الأساسي الجسد وكأنها صيغت على يد أمهر المخرجين والكوريوغراف ومصممي الرقص والمسرح في العالم، ولكن في الحقيقة هي فعل تلقائي من الجسد الفلسطيني الذي يرفض الاحتلال والقمع بكل أشكاله فنجد في بيتا معماراً وهندسة جسدية مختلفة تحاكي روح العصر وحديث التصميم. وهذا ناتج من ثقافة رفض الاحتلال التي تنتقل في المجتمع الفلسطيني بالجينات من جيل إلى آخر. وتبدو المشاهد عبارة عن حركات رقص صممها هذا الجسد بكل ما يحمل من فكر في رفض الاحتلال، بل ووصلت إلى حد استخدام طقوس محددة وأزياء ذات معنى ثوري وضمن سياق استعراضي لا يبعث فقط على قوة الحضور بل أيضاً متعة المشاهدة لنوبات الإرباك الليلي، بحيث أصبح الجمهور يتابع بشكل يومي هذه المظاهر وأشكال التعبير والمقاومة بشكل حثيث. 

إننا أمام علاقة وثيقة بين الجسد والمكان والفكر، فنرى الجسد يعبر عن الفكرة بحركات أصيلة وذات معنى حركت مشاعر كل العالم الذي تضامن مع الشعب الفلسطيني بصورة لم يسبق لها مثيل. 

في رام الله

نصل إلي رام الله التي كانت تنتج مشاهد مختلفة وهو مشهد الاعتصام السلمي تعبيراً عن رفض الجماهير لعملية قتل الناشط الفلسطيني نزار بنات على أيد الأجهزة الأمنية التي مارست أشكالاً لا حصر لها من التنكيل بجسده حتى فارق الحياة. أول ما اصطدم به العقل الفلسطيني آنذاك هو الجدار الأمني البشري المدجج بالسلاح والهراوات ووسائل لا حصر لها من أدوات القمع. كانت الشعلة الأولى هي يد تلامس الجدار منتفضة ورافضة لهذا الإرباك الذهني الذي حل بجمهور المعتصمين، إذ أن هذا الجدار مبني من الأخوة، والأنسباء، والجيران، ورفقاء السجون والزنازين الإسرائيلية، إلا أن ردة الفعل كانت التنكيل بأجساد المعتصمين. مرة أخرى الجسد هو الأداة الوحيدة للمنتفضين الذين تعرضوا أيضاً للقمع والضرب والسحل والسحق بالحجارة على يد نظام القمع الشمولي في رام الله. الجسد تعرّض مرة أخرى لسحق العظام وتكسيرها من قبل الأجهزة الأمنية بشكل يبدو مصمماً وممنهجاً واستعراضياً من الدرجة الأولى. 

ومن مفارقات القدر أن تستضيف رام الله في ذات الوقت “مهرجان رام الله للرقص المعاصر” الذي قدّم العديد من العروض الفنية الراقصة جزءاً منها وجاهياً والآخر كان مسجلاً لصعوبة وصول الفرق الفنية في ظروف الجائحة. حملت هذه العروض الستة عشر مشاهد فنية راقصة تم تصميمها بفعل مدروس فنياً وكوريوغرافياً وإخراجياً للتعبير عن الحرية والتحرر والتعددية وتقبّل الآخر ونقل قضايا مجتمعية متنوعة. مثل عرض “970” وعرض “رحلة إلى القدس” وعرض “مساحة جسد”.

في مهرجان الرقص والذي ينعقد في دورته الخامسة عشرة، نجد حالة فنية تعمل منذ سنوات على الدعوة للتحرر واستخدام الفكر والجسد كأداة للتعبير الفكري والفني وتقبل الآخر والتبادل المعرفي والإنساني في المجتمع الفلسطيني، ودول العالم. بدا المشهد غاية في الغرابة، بل يطرح العديد من الأسئلة، حول دور الفن بشكل عام في التحرر الفكري، ليتسنى للجسد حريته في التعبير. من المهم والجيد والجميل أن يكون مهرجان الرقص المعاصر حاضراً في حياتنا الفلسطينية، لكن المشاهدة المتناقضة ما بين الشارع الفلسطيني المنتفض بجسده، ومشاهد الرقص على خشبة المسرح، تبدو مثيرة للدهشة، وتطرح العديد من الأسئلة. 

وأهمها: ما الهدف من إقامة مهرجان الرقص المعاصر للغايات الإنسانية والفكرية والجمعية والثقافية؟ إذا كان الهدف ترفيهياً، فهذا يتناقض تماماً مع فكرة الرقص المعاصر الذي جاء تمرداً على الفكر الكلاسيكي في الرقص، ليتيح لأي شخص حرية التعبير المطلق عن نفسه وإطلاق العنان للجسد ليعبر عن قضايا الفرد والمجتمع. إذا كان فكرياً ثقافياً، فإن ذات المدينة التي تتمركز فيها عروض الرقص المعاصر، تستبد بالجسد وتنكل به. بينما في قرية بيتا التي من المستبعد تماماً أنها من رواد هذا المهرجان، أبدعت في خلق لوحات فنية استعراضية ذات مضمون فكري وثقافي وسياسي. ألا يثير هذا الأسئلة؟ 

السؤال الأهم في هذا كله وما يحدث على صعيد الواقع السياسي والاجتماعي الفلسطيني: أين علاقة الجسد الفلسطيني في مهرجان الرقص بالتجربة الفلسطينية التي أنتجها الفلسطيني في القدس وبيتا ورام الله؟

وهنا لا أتحدث عن حركات راقصة بل عن الفكر وارتباط الفعل الجسدي بالواقع الفكري المعاش سياسياً واجتماعياً وانعكاساته على خشبات المسارح. 

ومن كان له القدرة على التفاف الجماهير حوله ودعمه من الشارع؟ وهذا سؤال شرعي لمهرجان الرقص بعد خمسة عشر عاماً من الإنتاج والجهد والعمل.

وهل مازال المنتج الفلسطيني يلامس قشور القضية أم توغل في عمقها وأصاب جذرها الأصيل؟

وهل الرقص حالة من الحركات الجسدية المركبة بتسلسل مع بعضها البعض يؤديها الراقصون؟

 بالعد واحد اثنان ثلاثة أربعة…؟ أم هي عمق أصيل وانعكاس حقيقي لمشاعر وأفكار تؤدى بانسيابية وإبداع عالي الجودة؟

وكل هذا المقال ليس لجلد مهرجان الرقص المعاصر وإنما للمساهمة في إثارة أسئلة تجعل من المهرجان أكثر قرباً وتعبيراً عما يحدث في المجتمع الفلسطيني.

لا يملك الفلسطيني إلا جسده، سواء بإطلاق العنان له في التعبير عن قضاياه، أو بتعرضه للجلد والتنكيل من قبل أوجه الظلم والاستعباد.

هل نحن في صدد خلق وعي جديد للفكر، أم خلق جسد خارج عن فكره ومتناقض معه ومع محيطه؟ كيف لمهرجان الرقص بشكل خاص، والفنون بشكل عام، أن تساهم في خلق فكر حر قادر على تحرير الجسد؟ إلى أي مدى تستطيع استعارة المشاهد الراقصة دون فكرها ومضمونها الثقافي والإنساني أن تكون قابلة لأن تصمد أمام الجسد الفلسطيني الذي يعيش دوامة لا متناهية من الوقائع والأحداث السياسية والاجتماعية؟

وفي النهاية، نشاهد إنتاجات فلسطينية متعددة التوجهات، منها ما أنتج بصيغ تلقائية للتعبير عن الذات، وهنا نقصد فعل المقاومة الجسدي بالقدس وبيتا ورام الله ومنها من أنتج عن قصد وسبق إصرار. هل العرض الفني (العرض الراقص والمسرح والسينما والفنون التشكيلية) لها القدرة على الوصول إلى الريف الفلسطيني مثلما وصل الفعل المقاوم بالجسد في بيتا وغيرها؟

The post “مهرجان رام الله للرقص المعاصر” والجسد كأداة تعبير ومعمار مقاومة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
حسين البرغوثي مسرحياً… ترجمةً وكتابةً https://rommanmag.com/archives/20431 Sat, 27 Mar 2021 09:06:37 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%ad%d8%b3%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d8%ba%d9%88%d8%ab%d9%8a-%d9%85%d8%b3%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d9%8b-%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9%d9%8b-%d9%88%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d8%a9%d9%8b/ في اليوم العالمي للمسرح

The post حسين البرغوثي مسرحياً… ترجمةً وكتابةً appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
من حسين الى هاملت:

إنَّ الزمانَ مخلَّعٌ من مفاصلهِ ورتاجِ بابه

كيدٌ لعينٌ أن أكون أنا ولدت، 

لأعيده لنصابه.
 

قدم الشاعر والكاتب والمفكر حسين البرغوثي الكثير من الأعمال الأدبية والشعرية على مستوى الشعر والسيرة الذاتية والنثر والمسرح والسينما والأغنية والنقد الأدبي.

حيث كان استثناءً فكرياً وفنياً ولغوياً فيما قدم.

سأتناول هنا بشكل خاص المسرح على قلة إنتاجه، على الصعيدين التأليف والترجمة. على صعيد التأليف قدم للمسرح مسرحية  “لا لم يمت”٬ و”موسم للغرايب”٬ و”وجوه”، و”المزبلة”، و”حفلة على غفلة”، و”ساحة الورد”. أما على مستوى الترجمة فقد قام بترجمة مسرحيتين لوليم شكسبير هما “هاملت” و”روميو وجولييت”.

في البداية سيكون الحديث عن الترجمة والتي يعتبرها حسين البرغوثي “استزراعاً” للنص المترجم٬ حيث ذكر في مقالة له عن الترجمة الجديدة لمسرحية هاملت ونشرت في مجلة الكرمل عام 1997 (عدد 50، ص 251-254):

“لا توجد ترجمة حرفية أبدا للأدب، فمن يحاول ترجمة “البحر الطويل” حرفياً للإنجليزية مثلاً معتوه. قال دريدا بأنها الترجمة “تحويل” وقال جبرا أنها “حب” وأما أنا فأراها “استزراعاً”، نقلاً لجذور النص من تربة أصلية، من نسق ثقافي ما إلى تربة ونسق جديدين. مثلاً، من جغرافيا “بلاد تموت من الثلج حيتانها” إلى “اغفاءة زرقاء تحت الشمس والنخيل في حرارة الصحراء العربية “.

عند قراءة مسرحية “هاملت” ومسرحية “روميو وجولييت” بترجمة حسين البرغوثي٬ تجد معنى ما قاله مجسداً لغوياً وفكرياً وحرفياً. إن الترجمة “استزراع”، وهذا ما قام به حيث عمل البرغوثي على النحت بمفردات اللغة العربية لجعل النص المسرحي الشكسبيري ابن البيئة العربية، وضمن السياق العربي. فيجد القارئ المسرحيات حكايات عربية صيغت بأجود المعاني اللغوية، وهذا حدث دون المساس بجوهر الحكاية والحبكة والدراما داخل النص. حيث حافظ على العلاقات والترابط الدرامي للمسرحيات وجعلها عربية. المترجم لم ينقل الحكاية والتجربة الدرامية الشكسبيرية فقط، إنما استطاع أن ينقل جوهر دراما وحكاية وشخصيات شكسبير ومشاعرها العامة والخاصة والتفصيلية لكل شخصية من الشخصيات. فعلى مستوى المعالجة  الفكرية اللغوية٬ سأختار هذا المنولوج الذي  أنتج فيه البرغوثي فكراً مغايراً لغوياً وموازياً لمنطق شخصية هاملت في بيئتها الجديدة، وسنلاحظ هنا  دراسة أعمق للمنطق اللغوي لشخصية مثل شخصية هاملت عرف عنها الذكاء، التردد، والتلاعب اللغوي بالكلام، والانتقام في تركيبتها الدرامية. 

وجودي أم عدمي: هذا هو السؤال 

أمن نبلٍ في النفسِ المعاناة

من مقاليعِ الدهرِ ومن نبالهِ

أم حملُ السلاحِ ضدّ بحرٍ من بلاياهُ

وبصدّها، ننهيها. أن أموتَ-أن أنامَ

-ليس إلاّ- وبهذه النومةِ أن 

أقول ننهي وجعَ القلب، وألفاً من نوازلِ الطبيعةِ التي

هي إرثُ هذا اللحم، إنه لكمالٌ

أتمناهُ بتقوى.

أن نموتَ-أن نحلم، ربّما، ونعم، فهنا المشكلُ:

إذ إن أيّةَ أحلامٍ في

سباتِ الموتِ قد تأتي، بعد أن

نخلعَ عن روحنا ما يغلِّفها من ثيابِ الفناءِ

هذه، تجبرنا أن نتروَّى.

هذا ما يجعلُ طاقةً من حياةِ

طويلةِ كهذه،

وإلاّ فمنْ هو هذا الذي يتحمّلُ منا سياطَ الزمن

وإهاناته، تجاوزاتُ الظالمِ، غطرسة المتكبّرِ،

أوجاع حبّ يقابل بالاحتقار

مماطلةُ القضاءِ، صلافةُ المنصبِ، الازدراءُ الذي يلقاهُ

ذو القدرِ والصبرِ ممن لا قيمةَ له،

لو كان بإمكانه أَن يسدَّد كلَّ الحساب، بنفسه

وبخنجرٍ عارٍ؟

ومن يتحملُ أعباءه،

أن يئنِّ ويعرقَ تحتَ أحمالِ حياةٍ منهكة

لولا أنَّ الخوفَ من أمرٍ قد يلي الموت

ذلكَ القطرُ المجهولُ الذي لا يعودُ مسافرٌ

من وراءِ حدوده، يحيِّر الإرادة،

ويحملنا على أن نتحمَّل ما لدينا من المكاره

بالأحرى، بدل الهروب لأخرى

لا نعرف عنها؟

هكذا يجعل هذا الوعي منّا كلَّنا جبناءْ

يمرضُ لونُ القرارِ الأصيلِ حين يلقي

عليه الفكر ظلاله الشاحبةَ الاصفرار،

ونهرَ المشاريعِ العظيمةِ والأزخمِ موجاً

يحوّل هكذا، من هذا التأمّل، تيارات مجراه

ويخسرُ اسم “الفعل  رويدك الآن رويدك

أوفيليا الجميلة‍- يا حورية، في صلواتك

أذكري كلَّ خطاياي.

 أما على مستوى الفراسة اللغوية وعمق التعبير الحسي والنفسي للشخصيات واشتباك مشاعرها مع لغتها المنطوقة، سأختار هذا المقطع الذي تجلت فيه قدرة المترجم في الغوص في أعماق الشخصيات وأبعادها النفسية المركبة، ونجح في إنتاج سياق ومفردات عربية معبرة عن مكنونات هذه الشخصيات.

هاملت: إن كنت عفيفة وجميلة، فعفافكِ يجبُ أن يجعلَ الوصولَ إلى جمالك باباً – حرام.

أوفيليا: أيوجدُ للجمالِ شريكٌ للتداول، يا سيّدي، خيرٌ من العفاف؟

هاملت: نعم، بالضبط، فقوة الجمال تحوّلُ العفاف مما هَو عليهِ إلى قوّاد، بأسرعَ من قدرةِ الجمالِ على تحويلِ العفافِ إلى صورته. كانَ هذا القولُ يوماً من الأضداد ولكن الآن زمننا يمدّه بالبرهان. أجبتك في ذاتِ يوم.

أوفيليا: حقّاً، سيدي، وزرعت فيَّ الاعتقاد بذلك.

هاملت: إن تزوجت سأعطيكِ هذا الوباء كمهرٍ: لو كنتِ طاهرةً كالجليدِ، نقيةً كالثلج، لن تنجي من المذمّهَ. اذهبي إلى “دير راهبات”، اذهبي، والوداع. أو إن كنت تحتاجينَ لأنَ تتزوجي، تزوجي أبلهاً، فالرجالُ العقلاءُ يعرفونَ بما يكفي أيّ بهائمَ تجعلنَ منهم، إلى الدير اذهبي، وبسرعة أيضاً. الوداع.

وعلى مستوى الطبقات الاجتماعية وعلاقة اللغة المنطوقة على لسان الشخصية بجلدتها الاجتماعية والاقتصادية المنتمية إليها لم يغفل المترجم هذا الجانب الذي يمايز المستويات الاجتماعية والعلاقات التي تربط هذه المستويات بالشخصيات، ونوع اللغة المستخدمة بالتعبير لهذه الشخصيات.

هوراشيو: السلام عليكم يا سيّدي.

هاملت: سعيدٌ برؤياك ترفلُ في العافيهْ. أنسيتَ حاليَ أم أنتَ هوراشيو؟

هوراشيو: نفسُهُ، يا سيّدي، خادم لك للأبدْ.

هاملت: يا سيّدي وصديقي، أبادلكَ تلكَ التسميةْ. ليتَ شعري، أي شيء أبعدكْ عن “ويتنبرغ”؟. مرسيلاس؟

مرسيلاس:سيّدي؟

هاملت: تسرّني رؤيتكْ. (لبرناردو) عمْ مساءً.

(لهوراشيو): ليتَ شعري، أيَّ شيءٍ أبعدكْ عن “ويتنبرغْ”؟ .

هوراشيو: قلبٌ يهربُ يا سيّدي الطيبْ.

هاملت: لن أسمعَ هذا من عدوّكَ، لن تقترفَ العنفَ على أذنيّ بحيث أومن بالشهادةِ منكَ ضدّكْ. أعرفُ عنك بأنَّك لستَ من يهربُ، قل لي، إذن، ما الذي أتى بكَ نحو قلعةِ “الزينورْ”؟ سنعلِّمكَ الشربَ بعمقٍ قبلَ أن ترحلْ.

هوراشيو: جئتُ يا سيّدي لحضورِ تشييعِ أبيكْ.

هاملت: لا تسخرنْ بي يا زميلي في الدراسةْ. ربّما جئتَ هنا لحضورِ عرسِ أمي.

هوراشيو: بعدَ الجنازةِ جاءَ الزفافُ بسرعة ٍ يا سيّدي.

هاملت: إنَّهُ التوفيرُ في المصروفِ إنّهْ…. يا هوراشيو، قدّم خبزَ الجنازة بارداً فوقَ مائدةِ العرسْ. ليتني في الآخرة كنتُ قابلتُ شرَّ عدو ٍ ولم أرَ ذاكَ اليومَ، يا هوراشيو. أبي، أظنُّني الآن أرى أبي.

هوراشيو: أينَ يا سيّدي؟

هاملت: في عيونِ القلب يا هوراشيو.

لم يبحث البرغوثي في ترجمة “هاملت” و”روميو وجولييت” على المفردات المرادفة للنص الإنجليزي، بل خلق سياقا وبيئةً لغويةً عربيةً مناسبةً لهذه المفردات، ومن ثم بحث في جذور اللغة العربية ليصل إلى أصدق وأدق المعاني والمفردات العربية. وهذا الفعل الدراماتورجي الشعري واللغوي والفكري الذي قام به المترجم على كل المستويات بالنص: المستوى اللغوي والفكري والنفسي لكل شخصية ومنطقها وقاموسها اللغوي والتباين الاجتماعي والنفسي بينهما، وبهذا “الاستزراع” الفكري والعاطفي والحسي لجوهر النص الشكسبيري خلق نصاً بجوهر وجذور اللغة العربية، مما جعل من “هاملت” و”روميو وجوليت” تحفاً لغوية عربية المنشأ. إن السياق العربي الذي أنتجه البرغوثي لمسرحيتَي “هاملت” و”روميو وجولييت” جعل من النصين استثناءً على مستوى الترجمة والغوص في طبقات اللغة العربية.

وأعتقد أن البرغوثي تقدم على جبرا إبراهيم جبرا إذا ما أردنا المقارنة بين الترجمتين على مستويات مختلفة سواء على صعيد الروح العامة للنص والموسيقى الشعرية والقراءة والتلقي والجانب الفلسفي في اللغة التي استخدمها.

هاملت: عشرونَ ألفَ روحٍ وعشرونُ ألفَ دوكةٍ

لن تكفي لحسم أمر قشَّةِ تبنٍ،

إنها قرحةٌ متقيحةٌ في جسم من السلمِ والثروةِ الطائلةِ

قرحةٌ تستفحلُ في داخلهِ، ولا تبدي للخارجِ

أسبابَ موتِ الإنسان.

شكراً لك، يا سيّدي، بتواضع.

روزنكرانتز:

سألتكَ، مولاي، أن غشي 

هاملت:

اذهبْ قبلي بقليلٍ، سألحقُ حالاً.

(يخرجُ الكلُّ ما عدا هاملت)

كلُّ مناسبةٍ تشهدُ ضديّ، وتهمزُ ثأري المتواني

ما هو الإنسان إن كانَ أسمى خيرهِ أن ينامَ ويأكلُ؟

محضُ حيوانٍ لا غير.

وبالتأكيدِ إنَّ اللهَ لمّا صاغنا أعطى لنا فهماً لننظر خلفنا

وأمامنا، لم يعطنا هذه القدرةَ والعقلَ الأشبهَ بالألوهيةِ كي

يتعفَّن من ركوده.

والآن، أكان ما بي نسيانٌ حيوانيٌّ، أمْ وسواسُ التفكيرِ

الدقيق في نتائج فعلي-

فكرةٌ لو قسِّمتْ أرباعاً لكان رُبعها حكمةٌ.

وثلاثةُ أرباعها جبناً.

أما على صعيد التأليف، يبدو لي أن مسرحية “لا لم يمت” كانت أنضج تجارب التأليف المسرحي لديه. فالفرضية الدرامية مكتملة ومشبعة دراماتورجياً دون زيادة أو نقصان، ولا توجد أي زائدة لغوية داخل المسرحية وهذه من المرات القليلة التي نجد فيها نصاً مسرحياً فلسطينياً منسوجاً بلغة وحكاية أصيلة، وليست تقليداً لأحد ولا نسخاً عن أحد. فمسرحية “لا لم يمت” تقوم على حوارات أصيلة ومفردات خاصة تخدم البناء الدرامي للمسرحية، وهنا أيضاً لم يغب عن البرغوثي المؤلف سبر أغوار الشخصيات لغوياً واجتماعياً واقتصادياً. 

مارس البرغوثي الترجمة والتأليف بنفس الاحترافية اللغوية، ووظف عمق المعرفة الفكرية واللغوية لديه لتقديم هذه الأعمال سواء للترجمة أو للتأليف.

بقي أن أشير إلى أن كلاً من مسرحية “هاملت” ومسرحية “روميو وجولييت” ومسرحية “لا لم يمت” لم تنشر حتى اللحظة.

ننهي بهذا الحوار من المسرحية.

الأم: لماّ.. لما الناس بطلت تحلم، في ليلة قمر، “خبز وحشيش وقمر.”

طاهر: خبز وحشيش وقمر.

الأم: ترك في سفينه مضوية في المينا. في هذيك الليلة..

طاهر: آه.

الأم: في هذيك الليله حلموا أهل البلد حلم واحد، نفس الحلم: انهم بسبحوا في نهر، بسبحوا، والدنيا قمر، مشلحين، والنهر اخذ منهم ناس، وخلى ناس، وناس غرقوا وناس قطعوه. نهر اللي بسبح فيه بيصير ينسى. وصاروا ينسوا. نسيوا. وبطل حدا يحلم. وبوك لحاله اللي سبح فيه بس ظل يحلم.

طاهر: بشو؟

الإم : هذا اللي طول حياتي  خايفة احكيلك اياه.

طاهر: شو هو حلمه؟

الإم: ظل يحلم انه المهدي.

طاهر: المهدي المنتظر؟

الإم: آه، المهدي المنتظر. ما اسمه مهدي. وبعدها قللي “أنا القائم”. سمى حاله القائم.

The post حسين البرغوثي مسرحياً… ترجمةً وكتابةً appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
فوضى الدماء والبقاء على كل المستويات… الثقافية والسياسية والاقتصادية https://rommanmag.com/archives/20066 Tue, 12 May 2020 18:40:46 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%81%d9%88%d8%b6%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%82%d8%a7%d8%a1-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%83%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%88%d9%8a%d8%a7%d8%aa/ تلعب الدراما دوراً محورياً في تأثيرها على الوعي الجمعي والفردي، وتعتبر ركيزة أساسية في بناء المجتمعات وهدمها واختراقها، وهي أفضل الأدوات الحديثة التي تستخدم في إعادة نحت الوعي المجتمعي؛ سواء بإعادة صياغة المفاهيم، أو تشكيل وطرح مفاهيم جديدة بشكل مختلف، تخدم أهداف الصنّاع لهذه الدراما. ولعل القليل من الدراما العربية المحاصرة مالياً ورقابياً التي تَعي […]

The post فوضى الدماء والبقاء على كل المستويات… الثقافية والسياسية والاقتصادية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

تلعب الدراما دوراً محورياً في تأثيرها على الوعي الجمعي والفردي، وتعتبر ركيزة أساسية في بناء المجتمعات وهدمها واختراقها، وهي أفضل الأدوات الحديثة التي تستخدم في إعادة نحت الوعي المجتمعي؛ سواء بإعادة صياغة المفاهيم، أو تشكيل وطرح مفاهيم جديدة بشكل مختلف، تخدم أهداف الصنّاع لهذه الدراما. ولعل القليل من الدراما العربية المحاصرة مالياً ورقابياً التي تَعي هذا السلاح وتستخدمه، وربما أنا لستُ محقاً، بل إن كل منتجي الدراما يعون هذا السلاح ويستخدمونه لحرف بوصلة المجتمعات عن قضاياها الأساسية والإنسانية والوطنية والمجتمعية.

سأتناول في هذا المقال التحليلي مسلسل “فوضى” الإسرائيلي، الذي أطلق موسمه الثالث مؤخراً، وتلقى الكثير من النقد والمقاطعة، والكثير من الإعجاب والمؤازرة والتعاطف، ليس فلسطينياً فحسب، بل، أيضاً، عالمياً وعربياً.

لقد أثار المسلسل الجدل حول الكثير من القضايا، وأهمها القصة “الحدوتة” الإسرائيلية وطرحها للعالم، وتجنيد كل الإمكانيات المتاحة لإعادة نحت وصياغة شكل الإسرائيلي القاتل المحتل في العالم بشكل عام، والعالم العربي بشكل خاص، ولأن العالم العربي هو الجار القريب القادم للتعايش والتطبيع مع نظام الابرتهايد الإسرائيلي، فهو بحاجة إلى بناء صورة جديدة له، غير تلك التي ترويها قنوات الأخبار والسياسة، وتساهم في اختراق وعي الجيل الجديد في المجتمع العربي الجديد الذي يعيش انتكاسات متراكمة منذ مطلع القرن العشرين. عَمِل مسلسل “فوضى” على محورين فكريين، الأول ذكرناه سابقاً؛ وهو إعادة طرح الإسرائيلي بشكل جديد، حيث عمل المسلسل بحرص شديد وقدّم البطل الإسرائيلي والبطولة من خلال قوة وحدة المستعربين وقدرتها على تحقيق أي هدف.

وأعتقد أن استخدام وحدات المستعربين كان المفتاح السحري لتكوين شكل الإسرائيلي المقبول كصورة، فكل عناصر الوحدة (الممثلين) وعلى مدار الأجزاء الثلاثة، يرتدون الملابس الفلسطينية المعاصرة، التي تساعدهم على الدخول إلى المجتمع الفلسطيني دون أن يكشف أمرهم كوحدة قتل تتسلل داخل المجتمع الفلسطيني، وفي الوقت نفسه، تساعدهم على اختراق المجتمع العربي، لأنهم لا يرتدون زياً عسكرياً، فهم بلباسهم مثلهم مثل الفلسطينيين والعرب، إضافة إلى قدرة هذه الوحدة على التحدث باللغة العربية، واستخدام كلمات ولازمات كلامية عربية مثل “صبابا، يلا حبيبي، فوضى، إن شاء الله، كل شي تمام، إنتَ منيح”، مصحوب بسيطرة معرفية بتفاصيل الثقافة الفلسطينية وهذا يمنح الإسرائيلي هذا التفوق المعرفي الذي لا يمكن قهره هذا من شأنه إلغاء فكرة الإسرائيلي المحتل القاتل العسكري على مستوى الصورة البصرية والمحكية في المسلسل، ويمهد للخطوة التالية وهي العائلة الإسرائيلية التي قدمت من خلال عائلات عناصر وحدة المستعربين، وهنا الملعب الأوسع الذي سيولّد التعاطف والمؤازرة والتقبل للإسرائيليين في المسلسل، حيث عمل صنّاع “فوضى” (الكاتب، والمخرج، والمنتج) على تقديم العائلة الإسرائيلية بمشاهد إنسانية عاطفية اجتماعية كثيرة ومكثفة، في ردات فعل الشخصيات الإنسانية والعاطفية تجاه ما يحدث معها، وما تواجهه من عقبات حياتية، مثل علاقتها الاجتماعية بين الزوجين، والخلافات الزوجية، والأولاد، والعلاقة العاطفية مع الأم والأب، وعلاقة الأخوة بين بعضهم البعض، وهذه “الانسنه” تفضي حكماً لشيطنة الفلسطيني بل وكل ما هو عربي..
 

ونستطيع القول إننا نشاهد الأسرة الإسرائيلية بكامل حضورها وعمقها الاجتماعي والإنساني وتماسكها ومعاناتها، وهذا ما تم تكريسه في المسلسل بأجزائه الثلاثة، هذا إضافة إلى حرص صنّاع المسلسل على تقديم الصورة الإنسانية للإسرائيلي في نهاية كل جريمة قتل يقوم بها المستعربون، وكأنه يمحو الجريمة باستخدام المشاهد الإنسانية والفعل الإنساني. ففي الجزء الأول، وبعد تسلل وحدة المستعربين إلى عرس فلسطيني لاغتيال أحد المقاومين المطلوبين الفلسطينيين، يقوم أحد أفراد الوحدة بقتل شقيق المطلوب، وهو العريس، وأثناء خروجهم من العرس، وبعد عملية قتل العريس، يُصاب أحد أفراد الوحدة بقدمه، وهنا تركز الكاميرا بمشاهد متعددة ومتلاحقة لمعاناة الجندي المصاب، وكيف ستتوقف حياته المهنية نتيجة هذه الإصابة، إضافة إلى ردّات فعل عاطفية ومتعاطفة من باقي أفراد الوحدة، وبالمقابل لا تعود الكاميرا إلى أهل العريس الشهيد المقتول إلا بعد أن تكون مشاعر المتلقي قد التصقت مع الإسرائيلي المستعرب الذي أصيب بقدمه، وتنسى فعل القتل للعريس الذي قام به المستعرب.

يضاف إلى ذلك الكثير من المشاهد التي تذكرك في كل حلقة أن تتعاطف مع الإسرائيلي، فعندما يكون “الكابتن أيوب” يحقق مع أم الشهيد (العريس)، يرن هاتفة ويكون المتحدث على الطرف الآخر ابن الكابتن أيوب، وهنا يركز المشهد على إنسانية الأب تجاه ابنه خلال العمل على جريمة قتل، وهذه المشاهد متكررة ومصنوعة بحرفية بصرية وفكرية. ففي كل حلقة، وفي كل مشهد يتعلق بالإسرائيلي، توجد طريقة بصرية فكرية محكية تجعل المتلقي ينحاز ويتعاطف وينقاد للرواية الإسرائيلية. بمعنى آخر، عمل صناع “فوضى” على تقديم الإسرائيلي المعاصر المنفتح العقل والقلب بعلاقاته الاجتماعية والإنسانية.

المحور الفكري الثاني يتمثل في هدم صورة الفلسطيني، وتهشيم الصورة البصرية والفكرية، وخلخلة المجتمع الفلسطيني والعربي والعالمي تجاه الفلسطيني كإنسان وصاحب قضية ومناضل لأجل الحرية.

استخدم صناع المسلسل الإسرائيلي ممثلين من أصل فلسطيني ليؤدوا دور الشخصيات الفلسطينية، ولم يستخدم ممثلين إسرائيليين يقومون بدور الفلسطيني، وهذا من شأنه تسهيل قبول ما سيتم تحميل هذه الشخصيات من أفكار وضعت على لسانها وحوارات ومشاعر ومواقف تخدم وجهة نظر الاحتلال والكيان الصهيوني، وقدمها ببراءة على أنها وجهة نظر فلسطينية قادمة من المجتمع والمواطن والممثل الفلسطيني.

كما حجب صنّاع المسلسل الجانب الإنساني والمجتمعي للفلسطيني، وعملوا بصرياً وفكرياً على تجريده من إنسانيته ومشاعره، وقدّمه على شكل قاتل وساذج؛ فالشخصيات الفلسطينية لا تملك أبعاداً درامية، ولا تطوراً نفسياً درامياً، بل عمل صنّاع المسلسل على عكس ذلك تماماً، فتم تقديم الفلسطيني بمشاهد تحمل صفات القتل، والخيانة، والتخاذل، واللاإنسانية، والتخلف، والغضب، ليوقع الهزيمة في الفلسطيني المتلقي لهذا المسلسل أمام نفسه، ويولد موقفاً ضده من المتلقي العربي والعالمي، وعزّز ذلك في كل المشاهد الضيقة التي أتاحها للفلسطينيين في مسلسل إسرائيلي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في الحقلة الأولى في الموسم الأول، وخلال مطاردة وحدة المستعربين لأحد المقاومين المطلوبين، تتسلل وحدة المستعربين إلى عرس فلسطيني يقام لشقيق المطلوب “أبو أحمد”، حيث كُشف وجود وحدة المستعربين داخل العرس وهي تقوم بالانسحاب من العرس، ويقوم أحد المستعربين بقتل “بشير” العريس، وخلال المطاردة يصاب المطلوب برصاصة بخاصرته، ويلتقي المقاوم المطلوب بأحد مساعديه في المستشفى، ويدور بينهم الحوار التالي:

وليد: كيف هيك أحسن؟

أبو أحمد: تمام.

أبو أحمد: ايمتا بنقدر نطلع عملية تفجيرية؟

وليد: عملية تفجيرية؟

أبو أحمد: آه عملية تفجيرية.

وليد: خلال أسبوع أو أربع أيام، حسب ما نجد متطوع.

أبو أحمد: اسمعني، اليهود فاتوا على بيت إمي، وقتلوا أخوي يوم عرسه.

أبو أحمد: بكرا بدي إياك تطلع عملية.

وليد: فش عندي مين أبعت.

أبو أحمد: معناته بتلاقي، وإذا ما بتقدر أنا بلاقي مين بلاقي.

وليد: اسمع، في بنت، بش مش عارف إذا الفكرة منيحة.

أبو أحمد: مين.

وليد: آمال أرملة بشير، بس هي من العائلة.

أبو أحمد: هي مش من العائلة، كان ممكن تكون من العائلة. إبعهتا بكرة.

وليد: عندي فكرة وين نعمل العملية (ويخرج من جيبة علبة كبريت عليها رسم وشعار محل، ومن ثم يخرج هاتفة ويتبين أن الشعار لبار إسرائيلي).

أبو أحمد: (يقرر) أرسلها لهناك، وابعت معها شنطة متفجرات، وخليها ما تستشهد.
 

هذا مثال لحوار عنيف إجرامي ساذج، يوضع على لسان الشخصيات الفلسطينية، ليقنع المتلقي أن هذه الشخصيات الفلسطينية؛ أي الفلسطيني، لديه بعد واحد وهو العنف الفوضوي والقتل لمجرد القتل.

وهنا ننتقل إلى اللغة المحكية والحوار الدرامي في المسلسل على مستويي الشخصيات الإسرائيلية والشخصيات الفلسطينية.

من خلال هذا المشهد السابق الذي لا يتجاوز الدقيقتين، نكتشف ركاكة اللغة والفكر والسذاجة والإجرام المقصود الذي يتم تحميله للشخصيات الفلسطينية داخل المسلسل، فلا أحد يعرف كيف يتم التخطيط للعمليات الاستشهادية، وليس بهذه الطريقة الساذجة يتم اختيار المنفذ للعملية، ولا بهذه السذاجة يتم اختيار الموقع للعملية، ولا أحد يعرف وكيف ومتى وأين يتم الأمر برمته. إنما هو افتراض من قبل صنّاع المسلسل استُغل لتأسيس واقع لغوي متدنٍّ على كل المستويات المتعلقة بالفلسطيني: الإنساني، الوطني، النضال من أجل التحرر، العائلة، الفرد، السلطة، لينتج صورة مشوّهة عن الفلسطيني بكل أبعاده الإنسانية والوطنية والنضالية والاجتماعية والعائلية، حتى إنه تم استغلال معظم الشخصيات الفلسطينية لتأسيس فكر التواطؤ والتعاون والتعايش مع الإسرائيلي؛ فعلى لسان الشخصيات التي لعبت دور الضباط الفلسطينيين، وضعت كل الحوارات الانهزامية التي تمهد للتعايش والتعاون مع الإسرائيليين، كما انها تسعى لتكريس صورة الانقسام الفلسطيني وتصويره على انه صراع بين من هم كانوا هم انفسهم مناضلين سابقين وانتهى بهم المطاف كخدم لصالح الامن الإسرائيلي وحركة حماس التي يظهرها المسلسل كإحدى عصابات الجريمة المنظمة وسأقدم هنا مثالاً في حلقة ٨ الجزء الثاني:

أبو ماهر مدير الأمن الوقائي وابنه

(يستقل أبو ماهر سيارته هو وابنه ويتجهان إلى المدن الفلسطينية المحتلة العام ١٩٤٨، ويقطعان الحواجز الإسرائيلية بكل سهوله بصفة التنسيق الأمني، ومن ثم يدور بينهما هذا الحوار في مقهى على شط البحر):

أبو ماهر: حلو المكان صح؟

ماهر: حلو كثير بس مش إلنا.

أبو ماهر: كان إلنا مرة … شو بتفكر إنك بتقدر تدمر كل هالبنايات، وتهدم كل إسرائيل وكل هالعمارات؟

ماهر: هاي مجرد عمارات.

أبو ماهر: لا هاي مش مجرد بنايات، إنت ما بتعرف شو في هون من صناعات، إنت بتعرف إنه الاقتصاد هون زي أمريكا مش مثل الشرق الأوسط، هون في شركات مبتدئة مثل سيليكون فالى في أمريكا، والأهم من هيك في ناس هون بدها تعيش، وما بدهم يموتوا، اصحى مش رايحين يختفوا هيك ببساطة.

الكثير من المشاهد التي صنعت على مدار الأجزاء الثلاثة من أجل هتك صورة الإنسان الفلسطيني لغوياً وفكرياً، ووصمه بالتخاذل، وفي المقابل تعزيز إنسانية ورقي وحضور المستعرب الإسرائيلي القاتل المحتل، بعث كاتب المسلسل ومخرجه وصانعه الحياةَ في الشخصيات الإسرائيلية، وجعلها من لحم ودم، ونزعها من الشخصيات الفلسطينية في الواقع وفي الدراما.

وبصناعة هذا المسلسل، كسب المحتل الكثير من الجولات؛ أولاها إيهام المتلقي الفلسطيني والعربي والعالمي في عرض الرأيين الإسرائيلي والفلسطيني حتى لا يقال عنة متحيز للإسرائيليين، وقدم قصته كما يُريد أن يُريها للآخرين. كسب ود وتعاطف المشاهد العالمي والعربي ولو بنسبة ضئيلة، ما يمهد لاختراق مجتمعات عربية من خلال الدراما. مارس التطبيع الثقافي في فلسطين من أوسع الأبواب بكل سهولة، ومهد للتطبيع الثقافي مع العالم العربي، فباستخدامه ممثلين من أصل فلسطيني وهذا اخطر ما في الامر ، فإن هذا الأمر سيساهم ويساعد في تشجيع الكثير من الممثلين العرب والفلسطينيين في المستقبل على المشاركة في أعمال إسرائيلية، فلا نستغرب في الأجزاء القادمة من هذا المسلسل، أو مسلسلات إسرائيلية أخرى، أن يكون هناك ممثلون عرب إلى جانب ممثلين فلسطينيين وإسرائيليين، وهذا الاختراق الأكبر والاشتباك والتشابك الثقافي الذي يخطط له الاحتلال عبر صناعة الدراما.

قدم مسلسل فوضى مجموعة من المسارات والخطوط الدرامية المسلحة فكرياً وبصرياً كما هو تسليح صانعها، ولعل أكثر هذه الخطوط خطورة هو القتل الفعلي والقتل الدرامي، بحيث تطور هذا الخط على مدار الأجزاء الثلاثة ليُثبت صورة الموت التي يمارسها المحتل تجاه أصحاب الأرض.

وهذا يترك مجموعة أسئلة رهن الإجابة:

– أين القصة “الحدوتة” الفلسطينية من الإنتاج المرئي والمسموع الذي يحاكي الجمهور في العالم، وبخاصة الدراما التلفزيونية؟

– هل يتكلم الفلسطيني مع نفسه في إنتاجه الدرامي إن وجد؟

– ماذا نحتاج لكي نؤمن بالدراما مثلما نؤمن بالوطن؟

– متى يمكن إنتاج دراما فلسطينية مليئة بالفكر والتعاطف والإنسانية ليصبح الصراع الفلسطيني الإسرائيلي متوازناً ولو درامياً؟

– هل نحن نمتلك الإرادة للبدء في معركة الدراما التي فرضت علينا ولم نختارها نحن؟
​​

The post فوضى الدماء والبقاء على كل المستويات… الثقافية والسياسية والاقتصادية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“البحث عن صورة شخصية”… مستويات من التشظّي والضمور والاختفاء والتلاشي https://rommanmag.com/archives/19897 Wed, 18 Dec 2019 09:51:42 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d8%ab-%d8%b9%d9%86-%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%b4%d8%ae%d8%b5%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%88%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b4%d8%b8%d9%91/ افتتح في غاليري زاوية في رام الله في 12 أكتوبر 2019 واستمر حتى 12 ديسمبر

The post “البحث عن صورة شخصية”… مستويات من التشظّي والضمور والاختفاء والتلاشي appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

“كُنْتُ أَمْشي إلى الذّات في الآخرين، وها أنَذَا أَخْسرُ الذاتَ والآخرينَ”. محمود درويش

إن التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أي مجتمع، هي الكفيلة ببناء الصورة الأولى والأساسية عن الذات الفردية وتشكيلها، وبالتالي الصورة الجمعية. وفي معرض بشار خلف، يطرح أثر هذه التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الفرد والمجتمع الفلسطيني، وكيف عملت هذه التغيرات، على مدار ستة وعشرين سنة من فكرة الدولة الفاشلة، على إلغاء الصورة الشخصية الذاتية وسحقها؛ من أجل البحث عن رمز وهوية وطنية وسياسية من جانب، وكيف حولت الرمز الوطني إلى سلعة تجارية، وفي بعض الحالات السلعة التجارية إلى رمز وطني من جانب آخر، ومقابل هذه التحولات أصبح حضور الإنسان العادي غير مرئي ولا محسوس.
 

التمزّق التشظّي

تمزّق الأيقونة (الرمز) تشظّي الذات (الفرد)

حكمت الشارع الفلسطيني على مدار سنوات وإلى الآن، ذائقة بصرية مصدرها الملصقات والبوسترات والشعارات الثورية في الشوارع الفلسطينية؛ سواء أكانت هذه الملصقات لأيقونة (رمز وطني) أم لسلعة تجارية. وفي بعض الأحيان يلتبس الأمر ويصبح من الصعب التمييز بين السلعة والرمز الوطني، وهنا يبدأ الانعكاس على الصورة الشخصية، ومن ثم التوهان وفقدان الذات الفردية. وفي معرض بحثه عن صورة شخصية، انطلق الفنان من هذه البوسترات والملصقات التي سكنت ذاكرة المجتمع والفرد واحتلتها في حالتيها الوطنية والتجارية، إلى دراسة أثرها على الصورة الشخصية الفردية والجمعية، حيث عملت على انصهار الذات الفردية وتأخر حضورها واختفائها تماماً، مقابل سطوة الرمز الوطني والتجاري وتمجيدهما.

في المستوى الأولى، ومع تكرار موت (فقدان) الأيقونة الرمز، تتكرر البوسترات والملصقات التي يأكل بعضها الآخر، وتتلاشى وتختفي، ولا يتبقى منها إلا الحواف المتشرذمة الحادة، وهنا حتى الأيقونة/الرمز ذاتها تفقد صورتها الشخصية، وتتمزق، تتآكل وتختفي، وهذا الفعل الجلي في أكثر من أربعة عشر عملاً فنياً، وكأن بشار يُصرّ على أن الهوية الفردية تشكلت من بقايا متشرذمة، مشوهة، في أقسى وأبشع حالات التشوه، والتمزق، والتشظي، والطبقات المتراكمة، والألوان المتعددة، وطرح هذا التشظي من خلال طبقات مختلفة وتعابير لونية؛ تارة في انسيابية مقصودة لتشعرك بكيف يترسب التشوه إلى ذاكرتك البصرية الفردية دون أن تدرك، منبهراً بالألوان والفكرة، وتارة أخرى كأنها تشتت الروح وتمزقها وتعلقها على حافة السلك الشائك، ولا طريق للخلاص أو الهروب من الإطار المشوه، وكأننا كلنا نعيش في إطار مشوّه تحكمه أشكال لا نهاية لها، تتكسر أحياناً، وتبهرك بألوانها، أحياناً تنساب لحظة تتعرج، لحظة وتعود مستقيمة أحياناً أخرى، وفي النهاية إطار من الفوضى والتهتك البصري.

من خلال مشاهدة الأعمال الفنية، تبدأ دون وعي بأن تبحث عن الرمز الوطني المفقود أو السلعة التجارية المختفية خلف هذا التمزق والفوضى، ومن ثم تبدأ بالبحث عن ذاتك داخل هذا الركام البصري، وتبدأ برسم حدود صورتك الشخصية، وهذا السؤال الذي ربما أراد الفنان أن تحمله بجعبتك للوهلة الأولى.
 

التآكل الاختفاء التلاشي

ثلاث مراحل لاختفاء الذات (الفرد) والمجتمع

وفي مجموعة أخرى تصطادك الدهشة مرة أخرى عندما تشاهد مجموعة مكونة من ثلاثة أعمال تجسد أقوى حالات الانتصار والاختفاء تحت عبارة “سننتصر يا ابن اليهودية”، وهذا مستوى إضافي آخر من فقدان الصورة الشخصية، وفقدان اللغة. وفي هذه المرحلة، تتوقف فيها الذات عن إدراك مكان وجودها، واتجاه حركتها، بحيث تصاب بحالة من فقدان البوصلة، ومن ثم السكون والانعزال، وتصبح غير قادرة على الفعل، وتتحول الذات إلى سلعة أصبح خيارها الوحيد هو التلاشي؛ لدرجة تلاشي اللفظ اللغوي والفكري خلف الشعار.

 

الانهيار الهدم

المدينة الفقاعة المدينة الأصيلة هدم الهوية هدم البيوت

وفي مجموعة أخرى من الأعمال، يظهر لنا تراكم حالة التشوه وانتقالها من الفرد إلى المكان، وكأن كل التشوه السابق ينتج عنه بطريقة حتمية تشوهه المدينة.

البيت هو المكان الآمن الأول الذي يحتضن ويهدهد الصورة الشخصية (الذات)، وإذا صلح البيت صلحت الصورة، والعكس بالعكس، يتغير شكل المدن اقتصادياً واجتماعياً، وهذا ينعكس بشكل معماري على أي مدينة، وبطريقة منظمة، بحثاً على التطور، لكن المدينة الفلسطينية لديها طريقة خاصة بالتطور والتشوه، بحيث أصبح المجتمع الفلسطيني هو من يأكل تاريخه، إذ تتوسع المدن على حساب ماضيها وتاريخها وهويتها، وعندما تنهار البيوت القديمة، أو تهدم حاملة معها ذاكرة أصحابها وصورهم الشخصية، تبدأ الـذات الشخصية، هنا، تبحث عن مكان للتكون، وإذا استمر هذا الفعل (الهدم) تتلاشى الصورة الشخصية الخاصة بالمدينة في فترة زمنية قريبة، وهنا نجد أن الفرد فقد عنصراً آخرَ من عناصر تكوين صورته الشخصية، من خلال استبدال الحيز الأصيل للعيش، بحيز مكون من ورق جدران، وهنا يبهت شكل المدينة شيئاً فشيئاً، كما يبهت ورق الجدران، وتحل محل المدينة فقاعة من ورق الجدران.

وفي النهاية، استخدم بشار أدوات بصرية يومية قريبة من ذاكرة المجتمع ليطرح العديد من الأسئلة: أين الصورة الشخصية الذاتية من بين كل هذه الفوضى البصرية؟ كيف يمكن أن يكون شكلها في هذا السياق العام الطاحن والفوضوي؟ وإلى أي مستوى من التشوّه ستصل؟ وماذا بعد كل هذا الانحدار، حيث لا وجود ولا مساحة ولا مكان للعادي، فيجب عليك إما أن تكون رمزاً/أيقونة وطنية، وإما سلعة تجارية، لتصبح ذا حضور وصورة شخصية إنسانية، وذاتاً فردية مستقلة وواضحة المعالم.

“إلى أَيْن؟ أَيْنَ الطّريقُ إلى أيّ شيءٍ؟ أرى الْغَيْبَ أَوضَحَ مِنْ شارعٍ لَمْ يَعُدْ شارِعي”. محمود درويش
 

 

 

The post “البحث عن صورة شخصية”… مستويات من التشظّي والضمور والاختفاء والتلاشي appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>