جوني منصور - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/268rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:42:52 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png جوني منصور - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/268rommanmag-com 32 32 بربرة… كرم العنب البرّاق وأرض المقاومة https://rommanmag.com/archives/21072 Mon, 12 Dec 2022 10:18:28 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a8%d8%b1%d8%a8%d8%b1%d8%a9-%d9%83%d8%b1%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d9%91%d8%a7%d9%82-%d9%88%d8%a3%d8%b1%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%88%d9%85%d8%a9/ مواقع النكبة:

The post بربرة… كرم العنب البرّاق وأرض المقاومة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
يأخذنا هذا المقال إلى قرية جميلة من قرى قضاء غزة. عُرِفت القرية بعنبها الممتاز جودة، وأيضًا بعدد من الأشغال الحرفية، أبرزها حياكة النسيج متأثرين بجارتها بلدة مجدل عسقلان.

الاسم والمعنى

“بربرة” كلمة آرامية تعني “بدوي”. فمن المحتمل أنْ تكون قبائل بدوية مغاربية المنبت قد استوطنت المنطقة في عصور سابقة، والتصق اسمها بها.(١) عِلمًا أنّ هناك قرية تحمل الاسم ذاته على الساحل الصومالي.

الموقع وأهميته

تقع هذه القرية الى الجنوب من المجدل (مجدل عسقلان)، وعلى الطريق بينها وبين غزة التي تبعد عنها حوالي 17 كلم. أي أنّها تقع إلى الشمال الشرقي لمدينة غزة. وهي على الجانب الغربي لطريق وخط سكة حديد رفح – حيفا، بين غزة والمجدل.(٢) وترتفع بربرة حوالي 50 مترًا عن سطح البحر المتوسط. وتحيط بها أراضي القرى التالية: بربر وسمسم وبيت جرجا وهربيا والخصاص ونعليا والجيّة وبيت طيما وحليقات.

الأراضي والزراعة فيها

تبلغ مساحة أراضيها 13978 دونما. خصص الأهالي منها 132 دونمًا لزراعة الحمضيات وخاصّة البرتقال. تنتشر فيها بعض الآبار ذات عمق يتراوح بين 35 -40 مترًا. والقرية مشهورة بجودة العنب الذي كان يورّد إلى اسواق المدن الفلسطينية، وخاصة يافا وغزة. وآهتم الأهالي بزراعة أنواع أخرى من الفاكهة مثل اللوز والمشمش والتين، وأيضًا الزيتون. كما أنّهم زرعوا الحبوب والبقول والبطيخ والخضار.

ما بين الحِرَف والتقاليد الاجتماعية

وكانت نساء القرية ينتجن البسط التي عرفت عندهم باسم “مزاوِد” ومفردها “مِزوّده”.(٣) وقد نقل أهالي بربرة صناعة الغزل والنسيج عن أهالي المجدل، ما قوّى أواصر الصداقة والنسب بين عائلات القريتين وبخاصة بين عائلتي حبرون وصالحة. كما تشتهر نساء القرية بصناعة الكوانين من الطين وتزويقها بالألوان المختلفة ، وتستعمل هذه الكوانين بعد ملئها بأوراق الشجر والزهور فى زفة العريس، وتحمل هذه الكوانين على رؤوس النساء ويرقصن بها أمام العريس فى أثناء زفته فى شوارع القرية وميدانها كان ينادى فى الأسواق الفلسطينية ( بربراوي يا عنب).

القرية في أرقام

كانت القرية بموجب الاحصاء العثماني من العام 1596م تابعة لناحية غزة ويسكنها 402 نسمة.(٤)

بلغ عدد سكانها بموجب احصاء العام 1922م حوالي 1369 نسمة. وارتفع في العام 1931 إلى 1546 نسمة. موزعين على 318 منزل. ليصبح في العام 1945 قرابة 2410 نسمة. وارتفع العدد في العام 1948 ليصل إلى  2796 نسمة. موزّعين على 575 منزل. وتعود بعض العائلات بأصولها إلى المصريين، وأخرى إلى الصليبيين.(٥)

التعليم

أنشئت في القرية مدرسة ابتدائية في العام 1921م. وصارت مدرسة ابتدائية كاملة في العام الدراسي 1947/1948 حيث بلغ عدد طلابها 252 طالبًا يعلمهم خمسة معلمين. كانت القرية تدفع رواتب ثلاثة منهم، أمّا الاثنان الآخران فمن وزارة المعارف الانتدابية.(٦)  بدأت المدرسة بغرفة في جامع القرية، إلاّ أنّها اصبحت تحوي ثلاثة غرف في العام 1945 ثمّ أُضيفت إليها غرفتان في العام الأخير قبل النكبة.(٧)

الأوقاف

أمّا بالنسبة لأوقاف القرية فهذا وصف لها:” جميع الأراضي الخاصّة بالقرية، نصفها وقفٌ على الحرمين الشريفين بمكة المكرّمة والمدينة المنورة، والنصف الآخر وقف على زاوية “الشيخ يوسف” وهى جامع القرية، ثم ألحق بها مقدارها من الأراضي الأميرية.

وقد جاء في وثيقة شرعية قديمة محفوظة بمستودع دفاتر وأوراق الأوقاف بالقدس الشريف مؤرخة في أواخر جمادى الأول سنة 984هـ، ذكر فيها أنّ الشيخ شهاب الدين أحمد بن الشيخ زين العابدين المتولي على وقف زاوية الشيخ ” يوسف البربراوى ” بموجب البراءة الشريفة ” الخداونكارية” المخلدة بيده من مدة تزيد على عشر سنوات سابقة على تاريخه، وّأن الموقوف على الزاوية المذكورة نصف قرية بربرة، والنصف الثاني جارى في وقف الحرمين الشريفين “بمكة المكرّمة والمدينة المنورة” ومقطوع على القرية المذكورة لجهة الوقفين المذكورين في كل سنة خمسة عشر ألف درهم عثماني بموجب الدفتر الخاقانى، وأنّ القرية المذكورة خرّبت سابقاً من قلّـة الأمطار والغلال ومن الجراد مدّة سنة بعد سنة، ورحل أهل القرية المذكورة، وأخلوا مساكنهم وجلوا عن أوطانهم وتفرقوا في البلاد، وسكنوا بنواحي مصر والشام وساحل عكا ونابلس وغيرها، وتعذّر أخذ المال المقطوع عليهم لجهة الوقفين المذكورين، واستمر ذلك أياماً كثيرة وأنّ المتولي جدّ واجتهد في عمارة القرية المذكورة، أعاد أهلها إليها. وتحصـيل المال المقطوع عليها وزيادة، ويشهـد بذلك الوثيقة الشرعية المبـرزة من يده المؤرخة في 18 مـن شهر ربيع الأول سنة 980هـ، وأنّه متصـرف في وظيفـة التوليـة المذكورة بموجب البراءة المرقومة، وبعد التفتيش الشافي والتمحيص الكافي، أبقيت التولية بيد الشيخ شهاب الدين أحمد المذكور إبقائه شرعياً بموجب البراءة الشريفة ومنع من يعارضه تحريراً في 16 صفر سنة 985هـ. ثم تولى على هذا الوقف غير واحد من أهل القدس، ثم ضبط مع الأوقاف العمومية، واستبدل ذلك المقطوع بالعشر مع دفع الضريبة الأميرية بعد أن كان يؤخذ منها ربع النواتج، وصارت الحكومة تضمن جميع أراضى القرية الموقوف منها وهو نحو النصف على حدة، والأميرية على حدة بحضور مأمور الأوقاف، وهى تحصل مال العشر وبدل الالتزام وتحاسب الأوقاف على ما يخص هذا الوقف، وقد تقدمت القرية المذكورة وتحسنت وارداتها وصار بها دور وكروم كثيرة، واشتهر عنبها بالجودة وصار يسوق منها لبلاد أخرى”..
 
عائلات القرية

ومن عائلات القرية: عدوان “نشوان”، عايش، صالحة، ابو نحل “الأشقر”، نصّار، سعد الدين، أبو سليمة، ابو ضباع، ابو عبادي، أحمد، علي، قاسم، الصادي، صالح، حمّاد….(٨)

احتلال القرية وسقوطها وترحيل سكانها

وحول المعارك التي جرت بين العرب واليهود في بربرة وضواحيها، ومن ثمّ سقوطها بيد الاحتلال الاسرائيلي يكتب الخالدي واصفًا ذلك بما يلي:” كانت بربرة شهدت اشتباكات منذ الأسابيع الأولى من الحرب. ففي النصف الأول من كانون الثاني 1948 أطلق أشخاص من باص يهودي كان يمر بالقرية النار على سكانها من دون أن تقع أيّة ضحايا وعند الساعة السابعة من صباح 12 كانون الثاني، بحسب ما جاء في تقرير أوردته صحيفة(فلسطين) أطلقت النار على القرية وكسر الزجاج في المدرسة (الخالية). وحدث هجوم آخر في نيسان 1948 ورد ذكره في أحد تقارير القائد السوداني للقوات العربية غير النظامية في منطقة غزة طارق الإفريقي، فعندما كان سكان القرية يعملون في حقولهم في 10 نيسان تعرضوا لنيران أطلقها عليهم سكان مستعمرة يهودية مجاورة فجرح أحدهم وقد رد المدافعون عن القرية على النار فدارت معركة استمرت ساعتين. ولم تذكر التقارير سقوط ضحايا بين سكان القرية الذين قالوا إنّهم شاهدوا أفراد القوات اليهودية يحملون قتلاهم وجرحاهم خلال انسحابهم. 

خلال الهدنة الثانية في الحرب وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة تهدف إلى ربط القوات الإسرائيلية في النقب بالقوات المتمركزة إلى الشمال منها، في المنطقة الواقعة جنوبي الرملة. وكانت هذه العملية تدعى في البدء عملية الضربات العشر، لكن سُميت لاحقًا بعملية “يوآف” وقد سقطت بربرة خلال هذه العملية. 

ومن أجل الشروع في عملية يوآف حشد الجيش الإسرائيلي ألوية غفعاتي وههنيغف (النقب) ويفتاح في المنطقة الداخلية التي كانت سقطت في يده إلى الشرق من الشاطئ القطاع الساحلي حتى إسدود شمالاً. وما أنْ انتهت الهدنة الثانية في 15 تشرين الأول، حتى تحرّشت القوات الإسرائيلية بالقوات المصرية لتجعلها تُطلق النار على قافلة تموين إسرائيلية، ومن ثمّ قامت بقصف مدفعي عنيف وبغارات جوية. وكتب المؤرخ الإسرائيلي بني موريس يقول إنّ الجيش الإسرائيلي استخدم، بغية (تليين) القرى قبل احتلالها، المدفعية على نطاق أوسع كثيرًا من أيّ هجوم سابق بالإضافة إلى غارات جوية بالقاذفات والقاذفات المقاتلة. 

في 15 تشرين الأول، أوردت وكالة “يونايتد برس إنترناشول” خبرًا، بالإضافة إلى غزة والمجدل وقد أطلقت الطائرات النار على بربرة وقصفتها في اليوم ذاته. ومع نهاية العملية، تمكّنت القوات الإسرائيلية من الانتصار على القوات المصرية على الجبهة الجنوبية واحتلت معظم قرى قضاء غزة. في ذلك الوقت كان النشاط العسكري الإسرائيلي قد (أدخل اليأس إلى نفوس السكان) بحسب ما قال ضابط استخبارات إسرائيلية آنئذ. وقد ترك القصف المدفعي والقصف الجوي أثراهما في نفوس السكان في منطقة لم تكن مستعدة نفسياً ولم تكن فيها أيّ ملاجئ ضد الغارات الجوية. 

وسقطت بربرة عند نهاية هذه العملية في 4-5 تشرين الثاني 1948 بعد سقوط المجدل بقليل. أما السكان فقد طردوا منها، أو فروا تحت وطأة نيران الحرب”(٩). وتشتت أهالي بربرة كغيرهم من أبناء الشعب الفلسطيني، لكن معظمهم في قطاع غزة. وأقيمت على أراضي بربرة المستعمرات التالية: مفكيعيم، تلمي يافي وغيئا. واستعملت مساحات من أراضيها مكبات للنفايات.

بالرغم من التهجير

وأسس مهجرو القرية في غزة جمعية لهم بعنوان:”جمعية بربرة الخيرية”، وتمّ تسجيلها رسميًّا في 5 تشرين الثاني من العام 1998. وهي جمعية ثقافية اجتماعية تراثية ثقافية تنموية، يلتفّ من حولها أهالي القرية كبارًا وصغارًا. وتهدف إلى إرساء وتعزيز العلاقة بين المهجرين اللاجئين من أهالي القرية وقريتهم.(١٠)

من مشاهيرها

وعُرف من أبناء هذه القرية الشهيد المناضل كمال عدوان أحد مؤسسي حركة فتح الفلسطينية، والذي اغتالته اسرائيل في عملية “الفردان” ببيروت في 1973 مع رفيقيه الشهيدين محمد يوسف النجار وكمال ناصر.

المعالم الدينية

  1. مسجد القرية: وهو قديم. ويقع في الجزء الغربي من القرية. كتب على جداره:”بسم الله الرحمن الرحيم إنّما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين. جدد هذا المسجد الشريف في أيام سلطنة مولانا السلطان الأعظم والخاقان الأكرم المنصف بين العباد مولانا السلطان مراد خان(١١)، أدام الله سلطانه، العبد الفقير المعترف بالعجز واليه شهاب الدين أحمد بن المرحوم الشيخ زين العابدين متولي وقف المسجد تقبل الله منه عمله سنة 985″(هجرية) (١٢). أمّا أرض الجامع فلم تكن مبلطة وهي ممدودة بالاسمنت، إلاّ أنّه متآكل وآثار الدلف ظاهرة في أركانه بسبب تشقق سطحه، وفقًا لتقرير مأمور الأوقاف من العام 1945.(١٣)
  2. مقام الشيخ يوسف البربراوي:(١٤) وهو عبارة عن ضريح في صحن الجامع في غرفة بباب له. وصاحبه ملقب بـ “أبي المحاسن”. وهو من تلاميذ العالم السيد أحمد بن داود أحد المتصوفة في منطقة القدس، المتوفى سنة 1323م (١٥).
  3. مقبرة أولى: (١٦) كائنة في أرض اسمها عجوج القبلي، قطعة رقم 1275 قسيمة رقم 63. مساحتها 7458 م²، وهي وقف اسلامي.
  4. مقبرة ثانية: كائنة في أرض اسمها الجندبات، قطعة رقم 1276 قسيمة رقم 33. مساحتها 50م.

 

الهوامش

١-  الدباغ. بلادنا فلسطين.ج1 ق2، ص 254. عراف. القرية العربية الفلسطينية. ص 240.
٢-  شراب. معجم بلدان فلسطين. ص 148.
٣-  الدباغ. المصدر السابق. ص 254. شراب. معجم بلدان فلسطين. ص 148.
٤-  لبيب طه. المدن والقرى الفلسطينية المدمرة. ص 165.
٥-  الدباغ. المصدر السابق. ص 255.
٦-  الدباغ. المصدر السابق. ص 256.
٧-  عن موقع فلسطين في الذاكرة على النحو التالي: http://www.palestineremembered.com/Gaza/Barbara/Story2598.html
٨-  عن موقع فلسطين في الذاكرة على النحو التالي: http://www.palestineremembered.com/Gaza/Barbara/Story20320.html وعن موقع هوية على النحو التالي: http://www.howiyya.com/Portal/CityFamilies.aspx?Id=122
٩-  الخالدي. كي لا ننسى. ص 510 وص 511.
١٠-   يمكن تصفح صفحة الفيسبوك الخاصة بالجمعية: https://www.facebook.com/pages/%D8%AC%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D8%A8%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%A9/394181557298071
١١-  هو السلطان مراد الثالث بن السلطان سليم الثاني، وهو السلطان الواحد والعشرون من سلاطين آل عثمان. تولى السلطنة بين 981 – 1003 هـ الموافق 1574 – 1596 م.
١٢-  الدباغ. المصدر السابق. ص 255.
١٣-  أرشيف مؤسسة إحياء التراث والبحوث الاسلامية في القدس، ملف رقم 20/44،4/45/12.
١٤-  أرشيف مؤسسة إحياء التراث والبحوث الاسلامبة في القدس، الملف أعلاه.
١٥-  الدباغ. المصدر السابق. ص 255. لبيب طه. المدن والقرى الفلسطينية المدمرة. ص 165. عراف. طبقات الأنبياء والأولياء… الجزء الأول، ص 23.
١٦-  أرشيف مؤسسة إحياء التراث والبحوث الاسلامية في القدس، ملف رقم 10/59،1/47/12.

The post بربرة… كرم العنب البرّاق وأرض المقاومة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
زِرْعين… عروس مرج بني عامر https://rommanmag.com/archives/20959 Mon, 22 Aug 2022 06:40:49 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b2%d9%90%d8%b1%d9%92%d8%b9%d9%8a%d9%86-%d8%b9%d8%b1%d9%88%d8%b3-%d9%85%d8%b1%d8%ac-%d8%a8%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d8%a7%d9%85%d8%b1/ مواقع النكبة:

The post زِرْعين… عروس مرج بني عامر appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
يقول مصطفى مراد الدباغ في كتابه “موسوعة بلادنا فلسطين” إنّ “زرعين” هي من الكلمة الآرامية “يزراعيل”، أي “إله الزراعة”، ولهذا فإنّ المنطقة التي فيها موقع القرية يُعرف تاريخيا باسمه الكنعاني “مرج يزراعيل” أي “مرج زرعين” وبتسميته العربية المألوفة إلى يومنا هذا “مرج بني عامر”. أمّا لفظ الاسم فعلى النحو التالي: كسر أولّه وقبل آخره”، أيّ “زِرْعين”. في حين أنّ بعض المصادر أشارت إلى أنّ “زِرعين” تعني “الفلاحين والمزارعين”. وفي التسمية دلالة على خصوبة أراضي المنطقة التي فيها تمّ تشييد القرية. وأيضًا الربط بين خصوبة أراضيها ونشاط فلاحيها ومزارعيها ورعاة مواشيها. وورد ذكرٌ لها في التوراة – العهد القديم، وكذلك في نقوش وأشكال تصويرية من فترات سابقة.

موقعها ومساحتها

تقع “زرعين” على بُعد أحد عشر كيلومترًا إلى الشمال من مدينة جنين، وهي تابعة لقضاء جنين وفقًا للتقسيمات الإدارية من فترة الانتداب البريطاني. وترتفع 75 – 110 مترًا عن سطح البحر الأبيض المتوسط. وتبلغ مساحة أراضيها 23820 دونما، تسرب منها لليهود حتى عام النكبة بالبيع والشراء ما يقرب من 1711 دونمًا. وقد خُصِّص للطرق والوديان ما يقرب من 175 دونمًا فقط. أمّا باقي الأراضي فقد استغلّـها مزارعوها لزراعة الحبوب والمقاثي والزيتون وغيرها، كما وخُصِّص جزء منها لرعاية المواشي لما تمتاز به من خصوبة وسهولة التنقل في مساحاتها المستوية. واستقت القرية من “عين الميتة” التي تمّ الاعتناء بها في فترة الانتداب البريطاني. 

عين “الميتة” مبعثُ “الحياة”

 وهي من أكثر المواقع شهرة، كعين جارية . تقع على مسافة 2 كم شمال القرية . وتعتمد زرعين في استهلاك الماء عليها سواء في الشرب أو الاحتياجات البيتية حيث كان الناس ينقلون الماء إلى بيوتهم بواسطة القطاريز  أو الحيوانات، أو لريّ المحاصيل الزراعية، كما أنـّها كانت مورد السقي الرئيسي لقطعان الماشية التي كانت تـُخيّم في زرعين في مواسم الرعي. وقد استقطبت هذه العين الكثير من المزارعين والرعاة من قرى ومناطق قريبة وبعيدة عن القرية. ويصف الرحالة روبنسون الذي زار المنطقة في القرن التاسع عشر هذه العين وتطور استخدامها بالقول: “غادرنا زرعين صباحًا واتجهنا شرقًا إلى ينبوع في أسفل القرية، ووصلنا خلال 20 دقيقة مارين بمنحدرٍ حاد ووعر، وكانت المياه عذبة تندفع من ينبوع كبير، وتنسابُ كخيوط من عدّة أماكن لتُشكل مجمع مياه صغير، لقد قيل لنا بأنّ هذا الينبوع كان في الماضي يجفُّ طوال فصل الصيف. وقد قام السيد حسين عبد الهادي، بحفر الينبوع إلى عُمقٍ بحيث أصبح الماء يندفع بقوة وأحاطه ببناء ليجعل المياه تنساب باستمرار، وبناء عليه أصبح الينبوع يحمل اسم ” عين الميتة ” لكونه كان جافًّـا ثم أُحيي من جديد “. وتحيط بأراضيها القرى التالية: نورس والمزار وتعنك وعدد من المستعمرات اليهودية.

عدد سكانها

وفقًا لإحصائيات التعداد السكاني الأول الذي أجرته حكومة الانتداب البريطاني في 1922 بلغ عددهم 722 نسمة، وارتفع العدد في الاحصاء الثاني الذي أجرته الحكومة ذاتها ليصل إلى 975 نسمة، منهم 469 ذكرًا و 506 إناثًا. أمّا في الإحصاء الأخير الذي أجرته هذه الحكومة فبلغ تعدادهم قرابة 1420 نسمة تقريبًا. وآرتفع إلى 1468 نسمة في عام النكبة، أيّ 1948. ومعظم سكان زرعين قدِمَ إليها من مصر، خصوصًا زمن الحملة المصرية (1830) التي قادها إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا والي مصر. ثمّ استولت في العام 1858 عائلة عبد الهادي المتنفذة من عرابة جنين على مساحات شاسعة من أراضيها ووضعتها تحت سيطرتها. كذلك وفدت إليها عائلات من قرى مختلفة من أنحاء فلسطين.

شيء من التاريخ

تعتبر “زرعين” من المواقع القديمة جدًّا، إذ فيها مكتشفات تؤكد وجود بشري فيها يعود إلى 3500 سنة قبل الميلاد، أيّ إلى الفترة الكنعانية. كذلك تُشير المصادر التاريخية إلى أنّ فيها تداولت جيوش كثيرة كالآشورية والمصرية والرومانية والبيزنطية والإسلامية وغيرها. ووقعت فيها معارك عدّة وأيضًا في محيطها زمن صلاح الدين الأيوبي في مواجهاته لجيوش الفرنجة. كذلك وقعت فيها معركة عين جالوث المشهورة تاريخيًا. وهي من المعارك التاريخية الفاصلة، إذ تمكّن المسلمون فيها من وقف الزحف المغولي باتجاه جنوبي فلسطين ومصر. حيث وقعت المعركة بين أراضي قريتي زرعين ونورس بين الجيشين المصري بقيادة الظاهر بيبرس، والمغولي بقيادة هولاكو وذلك في 1260م بعد سقوط بغداد بأقل من سنتين. ويُطلِق سكان المنطقة على الموقع اسم “عين جالود”، أمّا الصهيونيين فيُطلقون عليها “عين حارود” وهو اسم لإحدى مستعمراتهم التي أقاموها هناك. وقعت زرعين منذ 1517م مثلها مثل محيطها في المشرق العربي، تحت نفوذ الاتراك العثمانيين وحكمهم . واعتبرت زرعين في سنة  1538م قرية من قرى ناحية مرج بني عامر، وبلغ عدد سكانها آنذاك 45 نفراً.

ووقعت زمن الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت على شمالي فلسطين في 1799 عدّة معارك في محيط قرية زرعين. ولحق بالقرية ومناطقها خراب ودمار ملحوظ، إلاّ أنّ السكان عادوا وأقاموا ما خرّبته هذه الاعتداءات فور مغادرة الحملة لأراضيهم. وأضاف إبراهيم باشا عددًا من العائلات المصرية عليها، كما أشرنا إلى ذلك سالفًا.  وهناك من يقول إنّ أحد عساكر ابراهيم باشا رفض العودة إلى مصر عام 1840م عندما انسحب المصريون، وفضّل الإقامة في القرية حيث تزوج وأنجب أطفالاً . وهكذا نشأت القرية وتوسّعت وكثُر عدد سكانها. ويقول البعض إنّه حين غادر إبراهيم باشا فلسطين كان هناك نفرٌ من الجنود من 4- 5 أشخاص قد اختبأوا في ميناء عكا، وبعد ذلك ساروا حتى وصلوا موقع زرعين الذي كان مهجوراً وغير مسكون آنذاك. وهذه مجرد تفسيرات وتأويلات يتناقلها أهالي القرية والجوار منذ فترة طويلة.

آثار القرية

تنتشر في القرية آثار كنعانية وأيضًا اسلامية من عصور قديمة، وكذلك آثار من الفترة الصليبية. حيث أنّ الصليبيين اسموها “جيرين الصغيرة” تمييزًا لها عن “جيرين الكبيرة” ويقصدون “جنين”. وفي أراضي القرية آثار لكنيسة من العصور الوسطى، بالإضافة إلى صهاريج ومعاصر خمور وغيرها من الآثار.

المعالم الدينية

كان في القرية مسجد وثلاثة مقامات، وثلاثة مقابر:

مسجد القرية: أحد المساجد القديمة في المنطقة، ويعود تاريخ تشييده إلى أيام ظاهر بيبرس عندما تصدّى للحملة المغولية في 1260م في معركة عين جالوت التي أشرنا إليها سابقًا. لم يبقَ من مسجد القرية إلا رُكام.

مقام الشيخ إبراهيم السعدي: وموقعه في المقبرة العامة غربي القرية.

مقام الشيخ الحلبي: موقعه إلى الشرق من القرية.

مقام أبو شيبان: قريب من مقام الحلبي السابق ذكره. ويسود الاعتقاد بين اهالي القرية أنّ صاحب هذا المقام كان من المجاهدين ضد الجيش المغولي الذي اعترضه جيش المماليك بقيادة بيبرس. 

المقبرة العامة: لم يبقَ منها إلاّ بقايا حجارة، في حين أنّ معظمها قد سوّته جرافات اسرائيل بالأرض.

المقبرة الشرقية قريبًا من مقام الشيخ الحلبي.

عائلات القرية

فايد، الشعبي، أبو عطية، أبو سرية، مطاحن، غريب، العموري، الزريقي، الزرعيني، الديراوي، الشلبي، الكلش، ألأسمر، القوصيني، الجبر وغيرهم.

احتلال القرية وسقوطها

يُلخص وليد الخالدي في كتابه” كي لا ننسى” عملية احتلال القرية على يد القوات اليهودية وسقوطها وطرد سكانها على النحو التالي:

في آذار  1948، ذكرت مصادر جيش الإنقاذ العربي أنّ “اليهود ما زالوا يحاولون، منذ السابع عشر من هذا الشهر، إزالة هاتين القريتين “زرعين” و”نورس”. لكن سيل الهجمات هذا توقف، فيما يبدو، نحو عشرة أيام في 19 آذار، بعد أن مُنيت الهاغاناه بخسائر فادحة. وفي 19 نيسان، أصدرت قيادة البلماح العامة أمراً نصَّ، في جملة ما نصّ، على أنّه “عند احتلال زرعين يجب تدمير معظم منازلها وترك بعضها سالماً من أجل المنامة والدفاع”. وهذه الأوامر هي مما يذكره المؤرّخ الإسرائيلي بني موريس، الذي يشير إلى أنّ القرية احتُلّت في أثناء هجوم عسكري شُنّ في الشهر اللاحق .

واستناداً إلى كتاب “تاريخ حرب الاستقلال” فإنّ الكتيبة الرابعة من لواء غولاني، وهي الكتيبة نفسها التي استولت على قرية نورس المجاورة، استولت على زرعين في 28 أيار 1948. وقد حدث ذلك في أعقاب احتلال وادي بيسان إلى الشمال الشرقي، وفي سياق التمهيد للهجوم على مدينة جنين. وتؤكد صحيفة “نيويورك تايمز” ذلك، مُستشهدة ببلاغ رسمي صدر عن الجيش الإسرائيلي في 28 أيار وأعلن الاستيلاء على القرية، مضيفاً أنـّها تقع “على أحد الحدود الفاصلة التي وضعتها الأمم المتحدة في إطار مشروع التقسيم”. ولم يصادف المهاجمون “مقاومة تذكر” في زرعين، استناداً إلى البرقية التي استقت معلوماتها من مصادر إسرائيلية في حيفا. وذكر تقرير آخر من تقارير “نيويورك تايمز” أنّ القوات العربية قامت بعد يومين، أيّ في 30 أيار بهجوم مضاد على المحتلين الإسرائيليين، لكنها أخفقت في ذلك كما يبدو. وثـمّة أيضاً بعض الدلائل على محاولتين أٌخريين فشلتا في استعادة السيطرة على القرية في تموز. فقد ذكر كتاب “تاريخ حرب الاستقلال” أنّ القوات العراقية حاولت استرداد زرعين في 10 تموز، لكنها عجزت عن اختراق خطوط الدفاع الإسرائيلية. وأوردت “نيويورك تايمز” نبأ هجوم عراقي ثالث في 19 تموز، في اليوم الذي عقب بداية الهدنة الثانية. وفيما بعد، مرّ خط الهدنة جنوبي زرعين. وقامت القوات الإسرائيلية بطرد من بقي من السكان. فمنهم من توجه إلى جنين، وبعضهم باتجاه طرعان.

بعد سقوطها

تمّ تدمير معظم بيوت القرية مباشرة بعد سقوطها، وما بقي منها تمّ استعماله لحاجات المستعمرات التي أنشأت على أراضيها وخصوصًا مخازن للمحاصيل والادوات الزراعية. وأقيمت على أراضيها مستعمرة “يزراعيل” في 1948، في حين أنّ مستعمرة “افيتال” كانت قد تأسست في 1933 على أراضي زرعين المسربة لصالح الصندوق القومي الصهيوني.

The post زِرْعين… عروس مرج بني عامر appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
بيت دجن… على طريق الحبوب والبرتقال https://rommanmag.com/archives/20861 Wed, 04 May 2022 12:02:06 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a8%d9%8a%d8%aa-%d8%af%d8%ac%d9%86-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b7%d8%b1%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a8%d9%88%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%84/ مواقع النكبة

The post بيت دجن… على طريق الحبوب والبرتقال appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الموقع

تقع “بيت دجن” الى الجنوب الشرقي من مدينة يافا، على بعد 9 كم منها. وكانت هذه القرية تقع في السهل الساحلي الأوسط إلى الجنوب من خط سكة حديد: يافا- القدس.

شيء من التاريخ

“بيت دجن” قديمة العهد، عُرِفت من أيام سنحاريب الأشوري (القرن الـ 7 قبل الميلاد)، باسم “بيت دجانا”. أما اسمها في الفترة الرومانية فأصبح “بيت داجو”. أما التسمية “داجون” فتعني “الغلّة” و “مخزن الحبوب” أي “الأهراء”. وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الإله الكنعاني “داجون”، الذي ظهرت صوره على قطع النقود الكنعانية ملتحيًا ذا خصلات طويلة من الشعر، مُمسِكًا بكلّ يد من يديه سمكة. كما ينتهي نصفه الأسفل على هيئة سمكة مغطاة بالفلوس ومزودة بالزعانف. وكانت مكانة الإله “داجون” عالية ومرموقة عند الكنعانيين. وانتشرت عبادته على طول الساحل الفلسطيني، حيث كانت تنتشر زراعة الحبوب. أمّا المعنى اللغوي للتسمية “داجون” فهناك من يُشير إلى أنّها تعني “الحبوب”، ومِمّا يؤكد هذا الاتجاه أنّ نصوصًا عديدة وكتابات قديمة أشارت إليه كإله “القمح والحبوب” و”إله الزراعة والمواسم”. وهذه التفسيرات تشير إلى أنّه كان رمزًا للخير والخصب. ويذكر أنّه توجد خارطة للعالم في كلية الزراعة في جامعة كلوج برومانيا محددًا عليها مواقع لأخصب تربة في العالم كله، وكانت بيت دجن بين تلك المواقع.

لا بد لنا من التنويه هنا إلى أنّ بيت دجن قد ورد ذكرها في عدد من كتابات الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين الذين زاروها. وورد ذكرها لدى البشاري المقدسي في القرن الرابع الهجري معتبرًا إيّاها شبه مدينة وليست قرية بحسب مقاييس ذاك الزمان. وذكرها أيضًا ياقوت الحموي في القرن السابع الهجري باسم “داجون”. وأثناء حروب الفرنجة تمّ إنشاء قلعة صليبية فيها باسم “كاسيل مين”، هدمها صلاح الدين الأيوبي، إلاّ أنّ ريكاردوس أعاد بنائها في 1191م. وتنتشر في أراضي القرية آثار قديمة العهد تعود إلى الفترات الكنعانية، وبعضها إلى البيزنطية. كما ووجدت مقابر قديمة يخمن علماء الآثار أنّها تعود إلى العصر البرونزي. كما وتنتشر فيها قبور من العصرين الروماني والمملوكي. 

“أثقلت أغصان شجر البرتقال بالثمار سنة النكبة، وكُنّا نسند الغصن المثقل بالخشب كي لا ينكسر. هل كان شجر البرتقال يودّع أهله؟”

عدنان محمد محمد شحادة أبو شعر – من أهالي القرية.

المعالم الدينية

تكثر في بيت دجن الأماكن الدينية، ومنها المقامات. فمقام أحمد الزاوي فيها لا نملك حوله معلومات. أما مقام سعد الانصاري فيعتقد اهالي القرية أنّه منسوب إلى سعد الدولة القواسي وهو قائد مسلم أوفده الوزير الأفضل الفاطمي أمير الجيوش في مصر على رأس حملة عسكرية كبيرة إلى فلسطين عام 1101 لمواجهة الفرنجة بعد سقوط بيت المقدس بيدهم في 1099. والتقى الجيشان قرب بيت دجن إلى الشمال الغربي من مدينة الرملة، فانتصر الفرنج وتردى بسعد الدولة فرسه فخرّ صريعًا ميتًا. واستخدم المسجد الذي فيه مقامه مستودعًا ثم تمّ هدمه في وقت لاحق. وهناك في بيت دجن مقام على اسم الشيخ عثمان. ولا تتوفر لدينا معلومات حوله. سوى أنّه كان بالقرب من معمل الطوب الذي امتلكه صبري الجبريني حتى العام 1948. أما مسجد بيت دجن فقد حمل عدة أسماء منها الجامع الغربي وجامع الشيخ مرزوق.

السكان والأراضي

بلغ عدد سكانها في عام 1596م قرابة 633 نسمة. وكانت حينها تتبع ناحية الرملة في لواء غزة، وفقا للتقسيمات العثمانية القديمة. أما في عام 1871 م فبلغ عدد سكانها قرابة 740 نسمة موزعين على 148 منزلا. وكانت القرية في ذاك العام تتبع ناحية اللد وفقا للتقسيمات الادارية التي اعتمدتها الدولة العثمانية خلال فترة الاصلاحات التي تُعرف بـ “التنظيمات”.أما في فترة الانتداب البريطاني فقد بلغ تعداد سكانها وفقًا للإحصاء الأول في العام 1922 قرابة 1715 نسمة، ليرتفع في احصاء 1931 إلى 2653 نسمة موزعين على 592 منزلاً. واستمر العدد في الارتفاع، ليصل في العام 1945 إلى قرابة 3840 نسمة، بينهم 130 مسيحيًا. أمّا في عام النكبة فبلغ العدد قرابة 4545 نسمة، موزعين على قرابة ألف منزل. وهذا ما يبين لنا تسارع نمو هذه القرية واقتصادها ومكانتها في القرى التي شكلت ظهير مدينة يافا.

واعتبرت “بيت دجن” رابع قرية في قضاء يافا من حيث عدد سكانها وأيضًا من حيث مساحة أراضيها. وبلغت مساحة أراضيها ما يعادل 17327 دونمًا. امتلك اليهود 1975 دونمًا بالشراء بواسطة سماسرة الأراضي والتسريب. وتمّ تخصيص 554 دونمًا للطرق والسكك الحديدية التي تمرُّ بالقرب من القرية. أمّا القرى والبلدات التي تحيط بها، فهي: الساقية، الخيرية، يازور ومستوطنة حولون، وعدد من قرى قضاء الرملة المجاورة.  

عائلات القرية

عرفت من عائلات القرية: الدجاني وهم مقدسيون في الأصل. واشتهر بعضهم في يافا وعملوا في التجارة وخدمات الدولة في الفترتين العثمانية والانتدابية. وعرفنا ايضًا من العائلات: حمودة، البيشاوي أبو شعر، البطش، الناطورـ حبايب، ابو العون، بشير، أبو الشاويش، وغيرها.

“كُنّا نُربّي شجرة البرتقال كما نُربي أبناءنا. وزرعنا في بيت دجن الورد والياسمين والفُلّ صفوفًا صفوفًا”

محمد حسني العسود – من أهالي القرية.

التعليم

تلقى أبناء القرية تعليمهم في الفترة العثمانية في كتاتيب القرية. ولكن في العام 1920 بادر الأهالي إلى تأسيس مدرسة للبنين. وكان الصف الرابع هو نهاية التعليم الابتدائي، إلى أن تمّ إكمال الابتدائية لتشمل السابع وذلك في العام 1940. وجدير ذكره هنا أنّ عدد طلاب هذه المدرسة في عام اكتمالها وصل الى 353 طالبًا. وارفقت بالمدرسة الابتدائية قطعة أرض مساحتها 15 دونمًا استعمل قسم منها للزراعة وعليها مضخة تعمل بالكهرباء.

أمّا المدرسة الابتدائية للبنات فتمّ تأسيسها في العام 1934. ولأن كثيرين من الاهالي امتنعوا عن إرسال بناتهن إلى المدرسة فإنّ عدد الطالبات فيها لم يزدد كثيرًا مقارنة مع مدرسة البنين الابتدائية. فبلغ عدد البنات فيها في العام الدراسي 1945 قرابة 102 طالبة فقط. أي أقل من ثلث عدد البنين. أمّا الطلاب الذين أرادوا متابعة تعليمهم الثانوي فكانوا يتجهون إلى ثانويات في يافا وطولكرم ونابلس وحيفا. في حين أنّ من رغب في مواصلة تعليمه للمستوى الجامعي كان يسافر إلى بيروت أو القاهرة لهذا الغرض.

مصادر المعيشة

اعتمد معظم أهالي قرية بيت دجن على العمل في القطاع الزراعي، حيث زرعوا أكثر من تسعة آلاف دونم من أراضيهم بالحمضيات، وخصوصًا البرتقال. وكانوا يوردونه إلى تجار يافا الذين بدورهم يصدرونه إلى أوروبا. وشكلت زراعة الحمضيات أحد أهم مصادر رزق ومعيشة الأهالي لكونه مصدرًا مربحًا. كذلك زرعت مساحات شاسعة من شجر الزيتون. وكان إنتاج الزيت وفيرًا في هذه القرية. بالإضافة إلى عائلات عدة عملت في زراعة الخضراوات وتوريدها إلى أسواق يافا والرملة. في حين أنّ بعض العائلات اعتمدت على رعاية المواشي وتربية الطيور والدواجن. وعمل عدد كبير من شباب القرية خارجها، خصوصًا في يافا في الخدمات المتنوعة كالبناء والتجارة وغيرها.

بيت دجن والثورة الفلسطينية

شارك عدد كبير من أهالي القرية وخصوصًا الشباب والرجال في الثورة الفلسطينية الكبرى في النصف الثاني من الثلاثينيات، مقاومين المشروع الاستعماري البريطاني والمشروع الصهيوني. وبرز من بين المقاومين الشيخ يحيى الناطور الذي قاد فصيلاً نفذ عملية تفجير خط القطار المار بالقرب من القرية في عام الثورة 1936، وأيضًا في الدفاع عن القرية أمام هجمات العصابات الصهيونية المسلحة في عام 1948.  

سقوط القرية وتهجير اهاليها في 1948

كانت القرية منذ كانون الثاني  1948 هدفًا لهجمات شنّتها قوات منظمة البلماح المتمركزة في مبنى كيرين كاييمت ليسرائيل ( الصندوق القومي اليهودي)، الكائن جنوبي طريق يافا- القدس العام مباشرة. وقد دمر منزل من منازل القرية في إحدى غارات البلماح. وجرح أربعة ودمر أحد المنازل. وأفادت صحيفة ( نيويورك تايمز) أنّ البريطانيين اشتبكوا مع سكان القرية يوم 19 شباط بعد أن توقفت إحدى قوافلهم العسكرية في القرية لاعتقال رجل كان يحمل بندقية. ويذكر مقال الصحيفة أنّ السكان صوبوا النيران على الجنود البريطانيين وقتل عدد من الأهالي والجنود. وربما لم تحتل بيت دجن إلاّ في نهاية نيسان إذ سقطت على يد لواء ألكسندروني في سياق تنفيذ عملية حميتس التي جرت بين 25 و31 نيسان والتي استهدفت سلمة ويازور وقرى عربية أخرى تقع إلى الشرق من يافا.

كان من المقرر لعملية حميتس (الخميرة) أن تُنفذ في أثناء عيد الفصح. وكان هدفها المباشر الاستيلاء على القرى الفلسطينية الكبرى الواقعة على جانبي خط سكة الحديد الذي يصل يافا بعمقها العربي. وكانت القرى الواقعة إلى الشمال من خط سكة الحديد (من الغرب إلى الشرق) وهي: سلمة والخيرية والساقيه وكفر عانة والعباسية ( اليهودية). أمّا تلك التي كانت تقع إلى الجنوب من خط سكة الحديد فهي: يازور وبيت دجن والسافرية وكان من شأن احتلال تلك القرى أن يعزل يافا- أكبر مدينة فلسطينية بسكانها السبعين ألفًا- عزلاً تامًّا ويضمن سقوطها في يد الهاغاناه. لذلك كان الهدف النهائي للعملية الاستيلاء على يافا.

في 29 نيسان شنّت منظمة الهاغاناه عملية حميتس وآنضوت الألوية الثلاثة كرياتي وألكسندروني وغفعاتي تحت قيادة دان إبشتاين قائد لواء ألكسندروني فهاجمت وحدات ألكسندروني انطلاقًا من قاعدتها في كفار أزار قريتي الساقية والخيرية واستولت عليهما. وانطلقت وحدات كرياتي من تل أبيب وهاجمت قرية سلمة وضاحيتي أبو كبير والجبلية من ضواحي يافا. ومع حلول ليل اليوم ذاته كانت سلمة قد سقطت في قبضة وحدات كرياتي وغفعاتي.

تصدّت كتيبة من جيش الانقاذ بقيادة ميشال عيسى وقوامها 250 رجلا جميعهم من الفلسطينيين للفرق اليهودية، وقامت بتنفيذ هجوم مضاد اضطرت وحدات غفعاتي إلى الانسحاب من التل بعد أنْ تكبدت خسائر فادحة بلغت 33 بين قتيل ومفقود ونحو 100 جريح بحسب ما جاء في ( تاريخ الهاغاناه). وكان ميشال العيسى ورجاله قد وصلوا الى الموضع في اليوم السابق ( 28 نيسان)، في مسعى لتخفيف الضغط المتصاعد عن يافا. وبقي العيسى في يافا حتى 10 أيار محاولا محاولة أخيرة يائسة الحؤول دون سقوط ضاحية أبو كبير. ثم قرر في اليوم ذاته الانسحاب جراء تضييق الخناق الذي فرضته عملية حميتس.

ظهرت أولى بوادر الاستسلام من فلسطيني يافا في 11 أيار. ثم استسلمت يافا رسميا للهاغاناه في 13 أيار وغادر البريطانيون المنطقة في اليوم التالي. وكانوا يقومون، منذ بداية عملية حميتس بمواكبة المدنيين المذعورين من يافا، على الطريق العام الرئيسي الى اللد والرملة اللتين كانتا يومها ملاذين آمنين. ويشير المؤرخ الإسرائيلي بني موريس إلى أن سكان بيت دجن أخلوا قريتهم في 25 نيسان1948 من جراء الضغط على يافا وعليهم أيضًا. وتشرّد الأهالي في القرى التي لم تسقط بعد. كذلك منهم من وصل الى اللد والرملة ثم تركوها بعد سقوطهما في تموز 1948.

بعد أقل من شهرين على سقوط بيت دجن أصدر بن غوريون أوامره بهدم القرية مع الإبقاء على بعض المنازل والمباني لتكون في خدمة الحركة الاستيطانية التي شهدتها اراضي القرية من أعمال بناء وتطوير بنى تحتية لصالح المشروع الصهيوني. وأقامت حكومة اسرائيل على أراضيها المستعمرات التالية: مشمار هضفعا، حيميد، غانوت.

بيت دجن ليست غائبة

بالرغم من المأساة الكبرى التي حلّت على قرية بيت دجن كأخواتها باقي قرى فلسطين المهجرة، إلا أنّ أبنائها بادروا إلى تأسيس جمعية خيرية لهم في عمّان – الأردن باسم “ملتقى بيت دجن/ يافا”. وتنشط هذه الجمعية في تنظيم لقاءات تجمع فيها أهالي القرية المقيمين في الأردن للحفاظ على الروابط الاجتماعية بينهم. كذلك ساهم الدكتور سعيد البيشاوي وهو ابن بيت دجن بدراسة توثيقية عن قريته. وأيضا الدكتور ايمنجابر حمودة بكتاب مفصل عن القرية، أساسه التاريخ الشفوي من حافظة/ذاكرة الاهالي في الأساس. والهدف في هذه النشاطات الحفاظ على حضور بيت دجن في حياة ووجدان الاهالي اينما كانوا منتشرين.  

 

“حوار عائلي” لشاعرة دجنية (19/8/1976)

بقلم: زينب حبش

لماذا يريدون رأسي

لماذا؟!

لأنّ برأسِكَ يا نور عيني

جواهِرَ تبهرُ أبصارهَمْ

لماذا يريدونَ أن يفقأوا مُقْلَتيّ؟!

لأنّ العصافير يا روح قلبي

تعششُ في مُقلتيْك

لماذا يريدونَ أن لا أغني؟!

لأنّ الثعالبَ يُزعجُها الشدوُ

تخشى زئيرَ الأسودْ

لماذا وُلِدْتُ بدونِ هُويّةْ؟!

لتحمل يا طفلي الحلوَ

أحزانَ هذا الوجودْ

لتصنَعَ يا طفلي الحلوَ

أحلامَ هذا الوجودْ

The post بيت دجن… على طريق الحبوب والبرتقال appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
بلد الشيخ… قرية باقية في خيمة اعتصام https://rommanmag.com/archives/20816 Tue, 15 Mar 2022 13:49:04 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a8%d9%84%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d9%82%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%ae%d9%8a%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d9%85/ مواقع النكبة

The post بلد الشيخ… قرية باقية في خيمة اعتصام appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
نُصبت مؤخرًا، في تشرين الثاني 2021 خيمة اعتصام في أرض مقبرة قرية بلد الشيخ القريبة من حيفا، وذلك لمواجهة آليات وجرّافات شركات الاستثمار التي ألمحت إلى أنّها ستبدأ ببناء وإقامة مشروع مُجَمّع تجاري وسكني على جزء من أرض المقبرة المُصادرة. وتأتي الخيمة لتلفت أنظار العالم إلى اعتداء حكومة إسرائيل وشركات خاصة تحتمي بعباءتها على المقدسات الاسلامية والمسيحية، بما فيها المقابر والمعابد والمؤسسات. وأيضًا الاعتصام هو أكثر من مجرد تعبير عن موقف، هو عبارة عن خطوة نضالية في وجه الظلم الغاشم الذي لحق ولا يزال بأراضي وممتلكات، بل قرى ومدن، ومقدسات الفلسطينيين وتقليص وجودهم وحضورهم الفعلي في مرافق وحيزات حياتهم، وكأنّهم ليسوا شيئًا له أثر في وطنهم.  

إنّ الإصرار على التصدّي هو تحدّ وجودي لا غبار عليه. وهو وسيلة مشروعة لمواجهة كل محاولة لنهب حقوق الفلسطينيين في وطنهم. فكما للأحياء حقوق، كذا للأموات حقوق في دفن محترم ومكرم، وتخليد لذكراهم. لكن، لماذا الاعتصام في هذه القرية، وتحديدًا في مقبرتها؟ ولماذا الانزعاج الاسرائيلي منه؟ إنّه قبر الشهيد الشيخ عز الدين القسّام الذي قضّ مضاجع الإنكليز في الثلاثينيات وباستشهاده انطلقت أكبر ثورة شعبية عرفها التاريخ المعاصر في العالم، ألا وهي الثورة الفلسطينية الكبرى في 1936. ويقضُّ مضاجع الاسرائيليين في غزة. فالقسّام الذي تصدّى لوحدات وعناصر من الجيش البريطاني وفرق ارهابية يهودية ومتعاونين في أحراش يعبد قرب جنين في 1935، لقي مصرعه هناك ودفن في مقبرة بلد الشيخ بعيدًا عن مقبرة مسجد الاستقلال في حيفا الذي كان يخدمه منذ وطئت قدماه المدينة في مطلع العشرينيات من القرن الماضي.

حديثنا في هذه الزاوية عن “قرية بلد الشيخ”، عن قرية كانت مُزَوِّدًا بشري لمصانع حيفا. عن قرية وادعة حالمة قطع المشروع الصهيوني الطريق على مستقبلها الواعد.

موقع القرية وأراضيها

تقع قرية “بلد الشيخ” في الجهة الجنوبية الشرقية من مدينة حيفا. وتبعد عنها قرابة خمسة كيلومترات. عِلمًا أنّها أصبحت في أيّامنا (2022) مُلْتَصِقَةً بها جرّاء التمدُّد العمراني في المنطقة الفاصلة بين حيفا والقرية. ترتفع القرية 100 متر عن سطح البحر الأبيض المتوسط. وتُعتبر ثاني قرى قضاء حيفا من حيث مساحتها المشغولة سكانيًّا، أيّ 241 دونمًا. في حين أنّ مجمل مساحة القرية بلغت 9849 دونمًا. تسرّبَ منها 285 دونمًا لليهود خلال فترة الانتداب البريطاني. وتكثُرُ في القرية وأراضيها آبار المياه وذلك على طول امتداد حافّة جبل الكرمل. كذلك تمرُّ في أراضيها عدّة أودية صغيرة تنتهي في منطقة مرج بني عامر. وتزود أراضي المرج بما تحتاج إليهِ من المياه لإرواء محاصيلها.

ومن المزروعات التي انتشرت زراعتها في أراضي وحقول القرية: الزيتون، الحبوب كالقمح والشعير، والتين، والعنب، والرمان، واللوز. وكانت محاصيل القرية ومنتجاتها كالألبان والأجبان تكفي لسدّ حاجة الأهالي (وهذا يعني أنّ القرية اعتمدت اقتصاد الاكتفاء الذاتي). وما كان يفيض يتمّ بيعه في القرى والبلدات المجاورة، وفي حيفا على وجه الخصوص. وكان في القرية معصرة زيتون يدوية. ووفقًا للاحصائيات من العام 1944/1945 كان ما مجموعه 4410 دونمًا مُخصصًا للحبوب على أنواعها، و 368 دونمًا مرويًا لزراعة الخضروات وبساتين الفاكهة.

وتقع القرية على الطريق البرّي الرابط بين حيفا والناصرة وغيرها. كذلك كان يمرُّ بمحاذاتها الخط الحديدي الحجازي بين حيفا وسمخ ومن ثم باتجاه درعا في جنوبي سوريا. لهذا، ساهمت هذه الطرقات في إحداث نقلةٍ نوعية في توجُّهات سكان القرية نحو سوق العمل. وبالتالي إلى تحسُّن أوضاعهم الاقتصادية. ويظهر هذا من التطوّر العمراني لبيوتهم وحواصلهم ومحلاتهم التجارية التي انتشر معظمها على طول الطريق الذي شقَّ القرية من حيفا باتجاه طريق الناصرة- طبريا. وتقع إلى شرق القرية مستعمرة الياجور ومصنع “نيشر” للأسمنت. وفي أراضي القرية مدرج (مطار) للطائرات البريطانية. أمّا القرى الفلسطينية القريبة منها فهي: الهربج، وسعسع، وكفرتا، وشفاعمرو وحواسة. وإلى الغرب منها تقع مدينة “حيفا”.

اسم القرية

نسبة إلى جد عائلة السهلي “الشيخ سهل”. وظلّت القرية تحمل هذا الاسم “بلد الشيخ السهلي” إلى أنْ اقتصرت التسمية على “بلد الشيخ”. وكلمة بلد تعني “قرية”. ومن المحتمل أن تكون بعض جذور العائلة تعود إلى مصر. في حين أنّ مصادر أخرى ترجع التسمية إلى الشيخ الصوفي عبدالله السهلي الذي منحه السلطان العثماني سليم الأول في بدايات القرن السادس عشر التزام القرية والمنطقة المحيطة بها، أي جباية الضرائب للدولة. وإليه تُنسب القرية. وقبره في مقام أُقيم خصيصًا له بعد وفاته.

السكان ومصادر معيشتهم

تُبيّن الارقام التالية مراحل التطور السكاني من ناحية عددية:

اعتمادًا على تقديرات رحالة اوربيين من القرن التاسع عشر فإنّ نائب القنصل البريطاني في حيفا ادوارد روجرز قدّر عدد السكان بـ 350. وفي عام 1875 بلغ عدد سكانها حوالي 500 نسمة (هذا وفقًا لتقديرات فيكتور غيرين).

ووفقًا لاحصاء حكومة الانتداب الأوّل الذي أجرته في 1922 فقد بلغ 407 نسمة. أمّا بموجب احصاء ذات الحكومة للعام 1931 فقد ارتفع إلى 747 نسمة، بينهم 383 ذكر و 364 اناث، موزعين على 144 منزلاً. أمّا احصاء العام 1945 فبيّن أنّ عدد السكان في قرية بلد الشيخ قد ارتفع أكثر من خمسة أضعاف مقارنة بإحصاء العام 1931، أيّ أنّ عددهم في هذا العام بلغ 4120 نسمة. في حين أنّه في العام 1948 بلغ عدد السكان في القرية 4779 نسمة. موزعين على 921 منزلاً.  والسبب في هذا الارتفاع السكاني قدوم عدد كبير من العمال للعمل في مَرَافِق حيفا الاقتصادية على مختلف أنواعها، وفي مُقدّمتها مصفاة البترول. هؤلاء اتخذوا من بلدِ الشيخ مُستقرًا لحياتهم. وكثيرون منهم بقوا فيها حتى احتلالها وسقوطها بيد العصابات العسكرية الإرهابية الصهيونية. وبعض منهم لاقى حتفه جرّاء المجزرة الرهيبة التي ارتكبتها هذه العصابات ضد سكان القرية، وسنأتي على شرحها لاحقًا. ولا بُدّ لنا من الاشارة هنا، إلى أنّ عددًا من العشائر العربية البدوية قد سكن في محيط القرية، ومنها عرب السويطات، والسمنية والقليطات والطوقية. 

اعتمد سكان القرية على الزراعة كمصدر رزق أساسي في حياتهم ومعيشتهم. وكذلك اعتمد عددٌ منهم على رعاية المواشي وتربية الدواجن والنحل. ولمّا أُقيمت المنطقة الصناعية قريبا من أراضي القرية، ترك كثيرون من سكانها العمل الزراعي والتحقوا بالعمل الصناعي في عدد من الصناعات هناك، وفي مُقدّمتها العمل في مصفاة البترول عن طريق شركة البترول العراقية المعتمدة رسميًا ورئيسيًا لتكرير البترول في مصفاة حيفا. بل أكثر من ذلك، ارتفع عدد سكان القرية اضعاف مضاعفة عن سكانها الاصليين، في أعقاب اتخاذ عدد كبير من عمال المصفاة بيوتًا لهم في القرية.  

التعليم في القرية

كان التعليم في القرية في فترة الدولة العثمانية مؤسسًا على طريقة “الكُتّاب”. وكان الشيخ يُدرّس الطلبة المُتحلقين من حوله وقد افترشوا أرض الجامع، أو تحت شجرة بالقرب منه. وأمّا المواضيع التي كان يعلمها للطلاب فهي حفظ القرآن الكريم، وبعض الأحاديث النبوية الشريفة وقراءة نصوص بالعربية وأسس الحساب. وما أنْ يتمكّن التلميذ من معرفة هذه المواضيع، أو جزء منها، حتى يترك الكُتّاب ويلتحق بالعمل مع والده في الزراعة ورعاية المواشي. أمّا من كان له حظ في متابعة تعليمه، وهم قلّة، فكان ينتقل إلى عكا للتعلّم في المدرسة الأحمدية الملاصقة لجامع الجزار. 

وتأسّست في القرية مدرسة ابتدائية في العهد العثماني، وتحديدًا في  1887م. وأعلى صف فيها هو الرابع الابتدائي. وارتفع التعليم حتى الصف السابع. وبقيت المدرسة فاعلة في فترة الانتداب البريطاني ووقعت تحت ادارة المعارف الانتدابية وسار التعليم فيها وفقًا للمنهاج الذي وضعته هذه الجهة. وبقيت المدرسة حتى سقوط القرية في العام 1948. أمّا من رغب في تعليم أعلى فكان يتجه إلى مدينة حيفا للالتحاق بإحدى مدارسها الثانوية. ولا بد من الاشارة إلى أنّ التعليم في المدرسة الحكومية كان للبنين والبنات، إنّما في صفوف منفصلة. بمعنى أنّه كان للقرية مدرسة واحدة بصفوف منفصلة للبنين والبنات. وعدد من الطلاب تابع تعليمه العالي في لبنان ومصر. وتأسّست في القرية مدارس خاصة ومنها: مدرسة عبدالله السهلي، ومدرسة سهل الدين، ومدرسة السباعي.

ووجَّه الاهالي رسائل كثيرة إلى مفتش المعارف الانتدابية طالبين منه فتح مدرسة جديدة يساهمون هم في تكاليف جزئ من اقامتها بعد أنْ زاد عدد طلاب القرية جرّاء الهجرة إليها للسكن فيها قريبًا من مصادر العمل في مصفاة النفط وتوابعها من المصانع والمصالح التجارية. إلاّ أنّ المعارف الانتدابية ضربت بعرض الحائط كل هذه التوجهات غير آبهة برغبات الأهالي في اكساب أبنائهم العلوم والفنون.

المعالم الدينية

كان في البلدة جامع صغير قريبًا من المقبرة الكبرى. وفيها ثلاثة مقابر. الكبيرة وتمتد على مساحة 43 دونمًا تقريبًا وفيها قبر القسّام وتتعرّض حاليًّا (2022) لمحاولات جرفها وطمسها وإقامة مُجمّعين تجاري وسكني على أرضها. ومقبرة ملاصقة لمقام الشيخ عبدالله السهلي مؤسس القرية. ومقبرة صغيرة اندثرت عبر الزمن.

مجزرة قرية بلد الشيخ وطرد سكانها

وقعت هذه المجزرة في ليلة رأس السنة الميلادية؛ أيّ مساء 31/12/1947 وصباح 1/1/ 1948:

كانت الأجواء في مدينة حيفا قبل تنفيذ المجزرة مشحونة بين اليهود والعرب، فبعد مقتل خمسة عمال فلسطينيين في ميناء حيفا برصاص اليهود، قام العمال العرب بالهجوم على العمال اليهود المتواجدين في المصفاة وقتلوا 41 يهوديًا. بعد هذه الحادثة قرّرت القيادة الصهيونية اختيار قرية بلد الشيخ لتكون هدفًا لها تُحرج الإنكليز وتُرعِب الفلسطينيين.

صدرت الأوامر لقائد محلي هو حاييم أفينوعام ومعه أيضًا ضابط آخر باسم حنان زلينجر بتطويق القرية من ثلاثة جهات. وكان الهدف هو قتل عدد من أبناء القرية  وتخريب الأملاك وتدمير المنازل. ومعظم سكانها من العمال في الأساس. وتحرّكت قوات مشتركة من البلماح ولواء كرملي من قرية الياجور المحتلة مساء يوم الأربعاء 31/12/1947 وكان قوامها 170 صهيونياً. ووقع الهجوم في الساعة الواحدة والنصف فجراً واستمر حتى الرابعة والنصف من صباح الخميس 1/1/1948 واستمر قرابة ثلاث ساعات، وقد بدأ الهجوم بقصف مدفعي متواصل دمر خلاله الأعداء البيوت النائية من القرية. بعد ذلك تسلّـلت مجموعات من الوحدات المهاجمة إلى داخل القرية وأخذت تعمل داخل المنازل قتلاً وذبحاً وتخريباً كما يروي أبناء القرية.

قاوم من كان يحمل سلاحاً من أبناء القرية، ولكن السلاح لم يكن كافياً لمواجهة الهجوم، ولم يكن في القرية إلاّ بعض الحراسات المحلية البسيطة والمتواجدة في الشوارع، مِمّا سهّل على القوات المهاجمة الدخول إلى القرية والناس نائمين فأطلقوا عليهم نيران رشاشاتهم الكثيفة. ورغم قلّة العتاد لدى أهل القرية، استطاعوا أن يوقفوا الهجوم ويوقعوا خسائر في صفوف المهاجمين، وقد اعترف المهاجمون بسقوط ثلاثة من قوادهم. أمّا شهداء القرية فقد بلغوا ثلاثين شهيداً وستين جريحاً معظمهم من النساء والأطفال والعجائز. 

احتلال القرية وطرد سكانها

بعد هذه المجزرة، أُخليت القرية جزئياً في 7 كانون الثاني 1948، ولم تحتلها القوات الصهيونية إلاّ في نهاية نيسان 1948. وكانت خطة “دالت” تقضي بأنْ يحتل لواء كرملي بلد الشيخ، في عملية احتلال حيفا ذاتها. وبسقوط حيفا في 22 نيسان، أُجلي عدد من نساء القرية وأطفالها إلى أماكن آمنة، تحسُّباً لهجوم قد يُشن. عند فجر 24 نيسان، حاصرت وحدات من الهاغاناه القرية وطلبت من السكان تسليم أسلحتهم. فقد جاء في الرواية حول سقوط القرية أنّ السكان سلّموا “22 بندقية قديمة” وطلبوا هدنة، غير أنّ الهاغاناه رفضت ذلك الطلب وهددت بالهجوم إذا لم يُسلّم باقي السلاح. وعند الساعة الخامسة صباحاً، فتحت الهاغاناه النار من مدافع الهاون والمدافع الرشاشة. وجاء في تقرير لوحدة بريطانية وصلت إلى المكان في الساعة السادسة صباحاً، أنّه لم يصدر عن القرية “أي رد تقريباً” على إطلاق النار. ثم رتّب البريطانيون هدنة تقضي بإخلاء القرية من سكانها، وفي جملتهم النساء والأطفال، وذلك تحت حماية بريطانية. ويبدو أنّ بعض السكان اتّجه صوب عكا، ثم فرّ منها بعد أيام قليلة، عندما انتاب الذعر المدينة تحسباً لهجوم جديد تقوم الهاغاناه به. ويبدو أنّ القوات البريطانية كانت لها مساهمة في عمليات تسهيل نقل من تبقى من اهالي بلد الشيخ بواسطة الشاحنات وعدد من الحافلات إلى جنين وإلى سوريا. وعمليًّا تمّ تنفيذ عملية تطهير عرقي مخطط لها مسبقًا من قبل قيادات الهاغاناه وفي مُقدّمتهم واضعي أُسس هذا التطهير وهم بن غوريون ويوسف فايتس ويسرائيل غاليلي ويغآل ألون وغيرهم. ولم يبقَ من أهالي هذه القرية إلاّ عدد قليل من عائلاتها في الناصرة وطمرة. ووفقًا لإحصائيات الأونروا الواردة في سجلاتها من العام 2000 فإنّ 1441 عائلة من قرية بلد الشيخ مقيمة في سوريا، ويصل عدد أفرادها إلى نحو 7205 نسمة، بواقع خمسة أفراد بالمتوسط للعائلة الواحدة. 

اختفت بيوت القرية بمعظمها. وما بقي هو رفاتُ الآباء والأجداد في مقبرتها الشهيرة باسم “مقبرة القسّام” تصرخ بوجه المحتل وتستصرخ النجدة لإنقاذها من براثن مشروع الاقتلاع الجاري تنفيذه يوميًّا منذ العام 1948. 

The post بلد الشيخ… قرية باقية في خيمة اعتصام appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
صرفند الخراب وصرفند العمار: اسم واحد لقريتين شقيقتين https://rommanmag.com/archives/20763 Fri, 21 Jan 2022 09:32:05 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b5%d8%b1%d9%81%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b1%d8%a7%d8%a8-%d9%88%d8%b5%d8%b1%d9%81%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%af-%d9%84%d9%82/ نحن أمام قصة غريبة وعجيبة لقريتين تجمعهما علاقة حميمة وصلة قرابة. والقصة ليست قديمة إنّما تعود إلى فترة بداية الاحتلال البريطاني (ويُسميه البعض الانتداب البريطاني). وبالرغم مما لحق بالقريتين إلاّ أنّ الأهالي بقوا على عهدهم مُتمسّكين بكل شبر منهما إلاّ أنّ حلّت النكبة اللعينة التي أتت على الأخضر واليابس وطمست من المعالم معظمها إلاّ ما […]

The post صرفند الخراب وصرفند العمار: اسم واحد لقريتين شقيقتين appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
نحن أمام قصة غريبة وعجيبة لقريتين تجمعهما علاقة حميمة وصلة قرابة. والقصة ليست قديمة إنّما تعود إلى فترة بداية الاحتلال البريطاني (ويُسميه البعض الانتداب البريطاني). وبالرغم مما لحق بالقريتين إلاّ أنّ الأهالي بقوا على عهدهم مُتمسّكين بكل شبر منهما إلاّ أنّ حلّت النكبة اللعينة التي أتت على الأخضر واليابس وطمست من المعالم معظمها إلاّ ما بقي في ذاكرة الكبار والتي يتناقلها أبناء وبنات الأجيال اللاحقة للنكبة.

“صرفند”: الاسم والمعنى

من “صرفة” باللغة السريانية وتعني “صهر المعادن وتنقيتها”. أمّا في العهد الروماني فسُميت بـ “سريفين” أو “صريفين”. وفي فلسطين موقعين على الأقل يحملان الاسم ذاته. الموقع الأول الذي نحن بصدد التطرق إليه ويقع إلى الغرب من مدينة الرملة على بعد 5-7 كم. في حين أنّ الموقع الثاني يقع الى الجنوب من مدينة حيفا على بعد أقل من 15 كم، وهو قرية فلسطينية تعرضت للتدمير على يد آلة الدمار الصهيو-إسرائيلية في العام 1948. ولم يبقّ منها إلاّ أثارٌ دارسة.

“صرفند الخراب”

تبعد عن مدينة الرملة حوالي 7 كم إلى الغرب منها. وترتفع 50 مترًا عن سطح البحر الأبيض المتوسط. والسؤال هنا لماذا حملت هذا الاسم؟ كانت تسمى صرفند الصغرى تمييزًا لها عن الكبرى. ولكن ما حدث في العام 1919 هو المرتبط باسمها الكامل. حيث أنّه قُتِل جندي بريطاني كان مرافقًا لمجموعة من الجنود الإنجليز الذين دخلوا إلى القرية وهم سكارى وعاثوا في أرضها فسادًا وألحقوا دمارًا وخرابًا بالمزروعات والمحاصيل وبعض ممتلكات الأهالي فيها.ونتيجة لمقتل الجندي قام الإنجليز بإحراق القرية فتشرّد معظم الأهالي عنها، فعُرِفت حينها باسم “صرفند الخراب”. إلاّ أنّ الأهالي عادوا إليها وقاموا بإعمارها من جديد. وهناك من يعتبر نزوح الاهالي عن قريتهم أوّل حالة نزوح أو تشريد للفلسطينيين بعد الحرب العالمية الأولى وقبل وقوع النكبة في العام 1948. وحصل الأهالي بعد سلسلة من المفاوضات على إذن من حكومة الانتداب البريطاني لإعادة بناء قريتهم. عِلمًا أنّ بعض عائلاتها قد انتقلت الى الجوار وأقاموا بيوتهم في صرفند العمار. وسنأتي على ذكرها مفصلين اسمها ومقاصده.

عدد سكانها

استنادا إلى احصائيات متفرقة عبر الازمان فإنّ عددهم بلغ 330 نسمة في الاحصاء الأول الذي أجرته الحكومة العثمانية عام 1596. وبلغ في العام 1871 حوالي 110 نسمة موزعين على 22 بيتًا. أما مساحة أراضي القرية في هذه السنة فبلغت حوالي 1000 دونمًا، في حين أنّ نتائج المسح الذي قامت به دائرة أراضي يافا في العام 1874 أشارت إلى أنّ الأراضي التابعة لمسطح القرية بلغت مساحتها 4426 دونمًا. 

ونتابع مع عالم الإحصاء لنلحظ أنّه في الإحصاء الانتدابي الأول الذي أجرته الحكومة في 1922 بلغ عدد سكان القرية 385 نسمة، ليرتفع في الاحصاء الثاني في 1931 ليصل إلى 974 نسمة. أمّا الاحصاء الذي أجرته الحكومة ذاتها في 1944/1945 فأشار إلى 1040 نسمة تقريبًا. وفي عام النكبة وقبيل الترحيل عن القرية وصل العدد إلى 1206 نسمة، موزعين على 255 بيتًا. وتوزع السكان من ناحية انتمائهم الديني على النحو التالي: 90% مسلمون، و 10% مسيحيون.

اقتصاد القرية

اعتمد سكانها كغيرهم من سكان فلسطين على الزراعة كمصدر رئيسي لمعيشتهم، وخصوصًا أنهم زرعوا الحمضيات والزيتون والحبوب على أصنافه. واستقوا المياه من آبار ارتوازية قاموا بحفرها في أنحاء مختلفة من مواقع القرية. 

ولا بُدّ من الاشارة هنا إلى أنّ المؤسسات الاستعمارية الصهيونية قد اخترقت القرية واشترت 1291 دونما من أصل 5500 دونم من مساحة أراضي القرية. 

التعليم في القرية

أظهر الأهالي في هذه القرية اهتمامًا بتعليم أبنائهم أُسوة بما بدأ يحصل في القرى الأخرى المجاورة. فتأسست مدرسة صرفند الخراب عام 1920 وتمّ تعيين معلم واحد، ثمّ أخذت تتقدم وتنمو ويزداد عدد الصفوف فيها حتى أصبحت في عام 1943/1944 مدرسة ابتدائية كاملة، بلغ عدد تلاميذها 258 تلميذًا. كذلك تأسست مدرسة للبنات في عام 1945، وكان عدد تلميذاتها 46 تلميذة.

احتلال القرية وسقوطها

تُشير المصادر التاريخية المتوفرة وبينها ما كشفه ونشره المؤرخ الإسرائيلي بني موريس إلى أنّ السكان فرّوا من القرية في 20 نيسان من عام 1948، خوفًا من هجوم إسرائيلي في أعقاب انتشار أنباء عمّا حصل لقرية دير ياسين قبل ذلك. قبل أسبوع من ذلك، أي في 12 نيسان، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” (عن مصادر يهودية) قولها أنّ احدى وحدات اليهود قامت بضربة في عمق الأراضي العربية، وفجّرت 12 منزلًا عند مشارف الرملة ومشارف قريتين مجاورتين لها، وربما كانت صرفند الخراب احدى هاتين القريتين. لكن ربما لم تقع صرفند الخراب تحت الاحتلال الإسرائيلي الّا في اواسط ايار (أي تقريبا وقت احتلال شقيقتها صرفند العمار وجارتها بيرسالم). أي ان هناك التباس حول الموضوع، لكن الثابت أنّ الأهالي لم ينتظروا قدوم جيش الاحتلال فنزحوا عن قريتهم ريثما تهدأ الأحوال ويعودوا إليها لاحقًا.

مستعمرات على أراضيها

أقام الاحتلال الاسرائيلي على أراضي القرية مستعمرات عدة، منها: نس تسيونا والتي كانت قد تأسست في العام 1883 ولكنها استفادت من نزوح اهالي صرفند الخراب فوسعوا مُسطح المستعمرة بلوغًا إلى إعلانها مدينة. وكذلك مستعمرة “ياد اليعيزر”، ومستعمرة باسم “بيت حنان”. ولم يبقَ من منازلها إلاّ القليل يستعمله بعض سكان المستعمرات مخازن لأغراضهم.

معالم القرية الدينية

المسجد: بدأ الأهالي بإقامة مسجدهم إلاّ أنّهم استعملوا ما أنجزوه مدرسة لأبنائهم ريثما يتابعون عملية جمع المال اللازم لإتمام إعماره. 

الديوان: ويُسميه أهالي القرية بـ “المقعد”: استعملوه لمناسباتهم الاجتماعية على مختلفة أنواعها، وكذلك بشكل يومي لاستقبال الضيوف ومناقشة المستجدات اليومية. وكان في القرية عدة دواوين عائلية، منها: مقعد(ديوان) عائلة ابراهيم، مقعد عائلة حمدان. ومثّل مختارا العائلتين رئاسة الديوانين باعتبارهما أكبر العائلات في القرية.

مقبرة القرية: كان للقرية مقبرة، إلاّ أنَها طمست بعد نزوح الأهالي وتدمير بيوتها.
 

“صرفند العمار”

ويسميها اهاليها باسم آخر وهو “صرفند العيون” أو بالتسمية القديمة “صرفند الكبرى”. وتقع إلى الشمال من مدينة الرملة على بعد 5 كم منها، على الساحل الفلسطيني الاوسط. أي بين قريتي وادي حنين وعيون قارة (أصبحت تحمل اسم “ريشون لتسيون” بعد الاحتلال الإسرائيلي لها.  وتمرّ بالقرب منها سكة حديد تصل يافا بحيفا. 

عدد سكانها

استنادًا إلى الإحصاء الذي أجرته الحكومة العثمانية في العام 1596م فإنّ تعداد سكان القرية بلغ 358 نسمة. أمّا في إحصاء حكومة الانتداب الاول الذي أجرته في العام 1922 فبلغ عدد سكان القرية 862 نسمة، ليرتفع في الاحصاء الثاني من العام 1931 ليصل إلى 1183 نسمة، وفي عام 1945م بلغ 1950 نسمة، وليصل في عام النكبة الى 2262 نسمة موزّعين على خمسمائة منزل. 

اقتصاد القرية 

اعتمد سكان القرية في معيشتهم بشكل أساسي على الزراعة ككروم الزيتون وبيارات الحمضيات والحبوب وأنواع من الفاكهة. بالإضافة إلى رعاية المواشي. ولكن بعد أن شيّد الاحتلال البريطاني قاعدة حربية له ومعتقلاً حمل اسم “صرفند” عمل عدد كبير من أهالي القرية في توفير الخدمات اللازمة لهذه القاعدة، طبعًا دون الخدمات الأمنية والعسكرية. ونشير هنا إلى أنّ هذه القاعدة ومعتقلها الشهير تمّ فيهما توقيف مئات من المعتقلين الفلسطينيين المعارضين لسياسات الاحتلال البريطاني وللمشروع الصهيوني، ومن بينهم كبار القياديين السياسيين، وبوجه خاص في أعقاب اندلاع وانطلاق الثورة الفلسطينية الكبرى في العام 1936م.

التعليم في القرية

تأسّست في القرية مدرسة للبنين في العام 1921، وبلغ عدد طلابها بعد اكتمالها في العام 1947 قرابة 300 طالب. يقوم بتعليمهم ثمانية معلمين، دفعت القرية معاشات بعضهم، أمّا الباقي فدفعته دائرة معارف الانتداب. وتأسّست في العام 1947 مدرسة للبنات التحقت بها 40 طالبًا، خصصت لهنّ معلمتين، قبل إغلاقها جرّاء تصاعد وتيرة الأحداث في فلسطين في ذاك الوقت. 

احتلال القرية وسقوطها

تعرّضت القرية إلى سلسلة من الهجمات قامت بتنفيذها فِرق من الهاغاناه، خاصة من فِرق الألغام، حيث قام عناصر من هذه الفرق بتلغيم عدد من منازل القرية ونجحوا في تدمير مبنى مؤلف من ثلاثة طبقات. قُتل نتيجة تفجيره 16 شخصًا، وجرح 21 آخرين. وآدّعت قيادة الهاغاناه أنّ هذا المبنى كان مُستخدمًا من قبل فصيل حسن سلامة، ومنه كانت تنطلق العمليات الحربية ضد مواقع يهودية. وفي واقع الأمر أنّ هذا المبنى كان ملجأ أو دارًا للأيتام الذين لاقى آبائهم حتفهم في ميادين الجهاد دفاعًا عن فلسطين. وبناه زهدي ابو الجبين أحد وجهاء وأثرياء مدينة يافا في أواخر عهد الانتداب البريطاني. وتبين لاحقًا أنّ جنديين بريطانيين هما قاما بعملية نسفه بعد أن اشتراهما اليهود بالمال. وجدير بالذكر هنا أنّ مفاوضات جرت بين الوكالة اليهودية وحكومة الانتداب على شراء القاعدة، إلاّ أنّ المبالغ لم تصل في الوقت المتفق عليه، فانتقلت القاعدة الى الجيش العربي (الأردني)، إلاّ أنّ وحدات من لواء جفعاتي تمكنت من احتلاله وعندها تم طرد سكان القرية بكاملها في 20 أيار 1948.

 وجعل الإسرائيليون هذه القاعدة لجيشهم باسم “يادين” وهو أحد رؤساء اركان الجيش الاسرائيلي. 

معالم القرية

المسجد: مسجد القرية قديم وملاصق لمقام لقمان الحكيم.

مقبرة القرية: مساحتها ثلاثة دونمات تقريبا. وخصصت مقبرة اخرى للقرية مساحتها اربعة دونمات وربع تقريبا اعتدت عليها بلدية ريشون لتسيون وشركات استثمارية لإقامة مشاريع إعمار مكانها.

مقام لقمان الحكيم: له قبة ومزار. وفي ليوانه اجتمع الأهالي في مناسبات دينية واجتماعية. وعقد اهالي القرية وقرى أخرى مجاورة سوقهم قرب المقام وخصوصًا زمن العيدين.

رابطة اهالي صرفند العمار

لأهالي القرية المهجرين والنازحين عنها جمعية اهلية مسجلة رسميًا لدى دوائر الحكومة الاردنية في عمّان منذ العام 1975. وتُشرِف على رعاية شؤونهم وتنظيم نشاطات اجتماعية وثقافية تخصّ القرية وأهاليها لجمع كلمتهم والحفاظ على أواصر القرابة والعلاقة بالجذور.

The post صرفند الخراب وصرفند العمار: اسم واحد لقريتين شقيقتين appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مواقع النكبة: سمخ… عينٌ على البحيرة https://rommanmag.com/archives/20706 Mon, 22 Nov 2021 08:32:42 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%82%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%83%d8%a8%d8%a9-%d8%b3%d9%85%d8%ae-%d8%b9%d9%8a%d9%86%d9%8c-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d9%8a%d8%b1%d8%a9/ “حين تعود بي الذاكرة إلى سمخ، أذكر بيت جدي المبني من طين، لكن الرحب، المضياف والمطل على البحيرة شمالاً وجنوباً على الشارع الرئيسي الواصل بين الحمة السورية وبين طبريا، أذكر بيت أبي الذي شيده على مقربة من بيت جدّي، ليسكنه في الشيخوخة ولم نهنأ لحظة بسكناه، فكان أبي يسكن في حيفا حيث مكان عمله، ولم […]

The post مواقع النكبة: سمخ… عينٌ على البحيرة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“حين تعود بي الذاكرة إلى سمخ، أذكر بيت جدي المبني من طين، لكن الرحب، المضياف والمطل على البحيرة شمالاً وجنوباً على الشارع الرئيسي الواصل بين الحمة السورية وبين طبريا، أذكر بيت أبي الذي شيده على مقربة من بيت جدّي، ليسكنه في الشيخوخة ولم نهنأ لحظة بسكناه، فكان أبي يسكن في حيفا حيث مكان عمله، ولم نستطع العودة إليه بعد عام النكبة وكان من حجر أسود ولا أزال أحتفظ بترخيص بنائه وتحضرني صورة البيادر وأذكر حديث أمي عن بعض أرض جدي واسمها أرض الدوير وكانت تمتد من الماء (نهر اليرموك) حتى الماء (بحيرة طبريا)”.

الكاتب والشاعر إبراهيم مالك

“يجلس (راضي) في دكان خاله وراء الميزان الشاقولي، وفي انتظار عودة خاله يبيع قليلا ويسأم كثيرًا.. وعلى كل حال، فالناس في سمخ لا يدرون ماذا يفعلون. إنهم في حالة إنتظار أيضًا. ينتظرون قدوم المجهول. لم يعد ما يملأ فضاء البلدة بعد أن توقف صفير القطار القادم من حيفا والذاهب إلى درعا سوى القلق. لم يعد ثمّة ما يوحي بالطمأنينة”. 

من رواية “بحيرة وراء الريح” ليحيى يخلف

 سمخ: من الاسم إلى الفعل

سمخ؛ قرية فلسطينية في قضاء طبريا حسب التقسيمات الإدارية لحكومة الانتداب البريطاني. تقع على بعد 10 كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة طبريا. والاسم حسبما يفيدنا عدد من الباحثين في مجال تسميات الأماكن من الآرامية “سماحا” بمعنى الضياء والنور والإشراق. أما Semah  فتعني “الإنبات”. و”سميّاح” العبرانية تعني الفرح والسرور والبهجة. أو من “السمك” واستبدل حرف الكاف بـ “خ”، هذه مسألة يتوجب فحصها والتدقيق فيها.

أرقام

تبلغ مساحة هذه القرية 18611 دونمًا. تسرّب منها لأيدي اليهودي 8412 دونمًا خلال فترة الانتداب البريطاني إثر نشاط سماسرة الأراضي العملاء، وصفقات الخفاء مع أصحاب الأراضي. واعتمد فلاحو القرية على زراعة الحمضيات والموز والحبوب والخضار على أنواعها. 

أمّا عدد السكان فجدير دراسته جيدًا لأنّ القرية شهدت تحولات فيه خلال فترة الانتداب البريطاني على خلفية تحول المنطقة إلى موقع استراتيجي يربط بين سوريا والأردن وفلسطين عبر سكة الحديد الحجازية، وأيضًا لتطور مشاريع أخرى في المنطقة مثل مهبط الطائرات القريب منها. ولقد استقطبت القرية عائلات كثيرة وفد أربابها للعمل في سمخ في مخفر الشرطة وفي مكاتب الجمرك التي كانت فيها. في حين كان عدد السكان حسب الإحصاء الانتدابي من العام 1922 قد وصل الى 976 نسمة فإنّه ارتفع إلى الضعف خلال عقد من الزمن، أي أنّه بموجب احصاء العام 1931 والذي أجرته حكومة الانتداب يُبين أنّ العدد كان 1865 نسمة. ليبلغ في العام 1945 حوالي 3460 نسمة، وعشية النكبة 4014 نسمة موزعين على 1009 منزل. وتعتبر قرية سمخ أولى قرى قضاء طبريا من حيث كبرها وعدد سكانها.

أمّا من حيث التركيبة السكانية لقرية سمخ فإنّ سكانها الاوائل من قبيلتي عرب الصقور وعرب البشاتوة بالاضافة الى عائلات جزائرية وتونسية ومغربية مهاجرة قدمت مع من قدِمَ الى بلاد الشام برفقة الأمير عبد القادر الجزائري. وخلال فترة الانتداب وصلت الى القرية عائلات مسيحية من الناصرة ومن قرى في الجليل للعمل فيها، وكذلك بعض العائلات المنتمية إلى الديانة البهائية. 

ساهمت هذه التركيبة السكانية في خلق واقع فسيفسائي جميل من الالفة والمحبة والاحترام بين سكان القرية الذين حظوا بتشكيل مجلس محلي(في عام 1923) لإدارة شؤونهم وشؤون قريتهم.

آثار القرية شاهد على قدم وجودها

تنتشر في القرية وأراضيها آثار ومكتشفات تعود إلى الفترة الكنعانية، وخصوصًا تلك الواقعة في موقع يُعرف باسم “كفار سماح”. وكذلك عرفت بالاسم ذاته في الفترة الرومانية التي خلفت بعضا من آثارها. وأيضا هناك آثار لكنيسة بيزنطية بقي منها أسس قليلة.

العلاقة بين القرية والبحيرة والنهر

ما يُميّز هذه القرية أنّ نهر الاردن يخرج من بحيرة طبريا على بعد ربع ساعة إلى الغرب منها في الموقع الذي تنتهي فيه البحيرة. وبين البحيرة (أي بحيرة طبريا) وبين أول جسر على نهر الأردن ويُدعى “جسر المجامع” ممرّان (مخاضان) على بعد حوالي ساعتين من القرية (مسيرًا) ويمكن خوضهما بسهولة في ساعات معينة في اليوم. أمّا الوادي الممتد من قرية سمخ الى طبريا فيُدعى بـ “غور طبرية”.

معالم القرية الدينية

كان في القرية مسجدان وأربع مقابر.

  1. المسجدان: الأول باسم المسجد الحميدي. في حين أنّ الثاني حمل اسم المسجد الشرقي. والمسجدان تعرضًا إلى الانهيار بفعل زلزال 1927 الذي ضرب المنطقة بما فيها مدينة طبريا. إلاّ أنّ أهالي القرية وبدعم من المجلس الشرعي الإسلامي وأهل الخير أعادوا بنائهما من جديد.

  2. المقابر: مقبرة المكبس الواقعة في منطقة باسم “أم المصاري” وتبلغ مساحتها حوالي 50 دونمًا. ومقبرة جذر القرية، وتبلغ مساحتها حوالي 20 دونمًا، ومقبرة في منطقة الربيضة ومساحتها تقريبًا 35 دونمًا. أمّا المقبرة الأخيرة ففي منطقة الدوير ومساحتها حوالي 25 دونمًا. وتعرّضت هذه المقابر إلى التجريف والتدمير الكامل على يد آلة الاحتلال الاسرائيلي على مرّ العقود منذ النكبة إلى يومنا هذا.

مدارس القرية

مع الزيادة في أعداد السكان في القرية، وبالتوازي مع تحسّن الحالة الاقتصادية خلال فترة الانتداب البريطاني بفضل جهود وتعب الاهالي أنفسهم فإنهم بادروا الى تأسيس مدرستين:

الأولى ابتدائية للبنين، وكانت قد تأسست في العهد العثماني وفيها حتى الصف الرابع الابتدائي، وتم خلال الحرب العالمية الثانية إضافة صفوف حتى السابع الابتدائي. كذلك أقام الأهالي مدرسة ابتدائية للبنات حتى الصف الرابع الابتدائي. هاتان المدرستان ساهمتا في رفع المستوى التعليمي للطلاب والطالبات، لدرجة أنّ بعض من الشباب قد تابع تعليمه في صفد وطبريا وحيفا وكلية النجاح بنابلس وفي غيرها من المدن الفلسطينية التي فيها مدارس وكليات تعليمية فوق الصف السابع.

موقع سمخ ودوره في تطوير المواصلات

لا بُدّ لنا من الاشارة إلى أنّ القرية قد بُنيت على امتداد بحيرة طبرية. وانتشرت بيوتها على طول مساحة الارض التي خُصِّصت لها وامتلكها الاهالي. وتمّ مد الخط الحديدي الحجازي في العام 1905 بالقرب من القرية، وجُعِلت إحدى محطاتها في أراضي القرية تحت اسم “محطة سمخ”. وكان القطار الحجازي ينطلق من مدينة درعا السورية متجهًا الى حيفا مارًا بمحطة قرية سمخ. ولأن القرية تقع على طريق عام يمر بمحاذاة بحيرة طبريا ويفضي إلى مدينة طبريا في الشمال الشرقي فكانت خطوط الملاحة في البحيرة تربط سمخ بمرفأ مدينة طبرية ذاتها.

أما الطريق التي تتفرّع عند سمخ فتتجه الى الشرق وصولاً إلى الحِمّة على نهر اليرموك وفي الحِمّة محطة للقطار الحجازي ذات أهمية كبرى. أمّا الطريق الآخر فيتجه نحو الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا لتصل إلى قرية السمرا في الشمال الشرقي. في حين أنّ قرية العبيدية القريبة منها تقع إلى الجنوب الغربي. 

أمّا المواصلات البحرية فكانت متيسرة بين مدينة طبريا وقرية سمخ أسوة بوسائل النقل وطرقات المواصلات الأخرى. 

وكانت الدولة العثمانية وبالتعاون والمساعدة الألمانية قد أقامت مهبطًا للطائرات في سمخ اعتبر الأول في فلسطين. وقامت حكومة الانتداب بتطوير هذا المهبط ليتيح هبوط طائرات متوسطة الحجم. واستعمل هذا المهبط للطائرات المُقلعة من حيفا باتجاه بغداد وكراتشي في فترة الانتداب البريطاني. بالإضافة إلى استخدامه للسياحة الوافدة إلى بحيرة طبريا. 

بمعنى آخر، فإن قرية سمخ هي القرية الفلسطينية الوحيدة التي تمتعت بوسائل نقل متعددة: طرقات برية، نقل بحري، وسكة حديد. 

حاملو القلم من أبناء سمخ

برز بعد النكبة عدد من الادباء والكتاب من أهالي سمخ، خصوصا في اللجوء خارج الوطن، وبعضهم داخله. ومن هؤلاء: فايز قنديل، وهو إذاعي عمل في إذاعة دمشق وكاتب ايضًا. وأحمد حسين مفلح وهو شاعر. ومحمود حسين مفلح شاعر وقاص. وصالح هواري وهو شاعر. يحيى يخلف، كاتب وروائي ووزير الثقافة الفلسطيني سابقا، وابراهيم مالك، كاتب وشاعر.

احتلالان للقرية؛ الثاني هو الاصعب

شكلت سمخ وأراضيها ساحة قتال بين الجيش البريطاني (معظم عناصره من الأستراليين) وبين الجيش التركي – الألماني خلال الحرب العالمية الاولى (1914- 1918). وانتهت المعركة التي وقعت فيها الى انتصار الحلفاء بقيادة الجنرال اللنبي، وفتحت الطريق أمامه نحو مدينة دمشق. وباحتلال الحلفاء لسمخ تنتهي فترة الحكم العثماني التي استمرّت قرابة اربعة قرون.

واستمر الاحتلال البريطاني الذي يُطلق عليه عدد من المؤرخين تسمية “الانتداب البريطاني” حتى العام 1948 وهو العام الذي انتُـكِبَ فيه الشعب العربي الفلسطيني وتمّ تدمير قرابة 531 قرية ومدينة وخربة، ومنها سمخ.

ففي اليوم الأخير من عمر هذا الانتداب وقبل مغادرة الجيش البريطاني لفلسطين قام الجيش السوري بهجوم على منطقة سمخ لاستباق اي تحرك يهودي كان يلوح في الأفق. فاستولوا على مستعمرتي شاعار هجولان ومسادة. لكن الجيش السوري أخلى موقع سمخ في 21 أيار 1948 بعد الفشل في معركتي مستعمرتي دجانيا (أ) ودجانيا (ب). وأستنادًا إلى صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر بتاريخ 20 أيار 1948 فإنّ الطيران الاسرائيلي قد أغار على مواقع الجيشين السوري والعراقي مِمّا ساهم في استعادة السيطرة على سمخ لأهمية موقعها الاستراتيجي. كذلك نفذت هذه الطائرات غارات جوية على مواقع قرى عربية أخرى في الجوار لتسريع عمليات هروب وخروج الفلسطينيين، وبالتالي سيطرة الجيش الاسرائيلي سريعًا على القرية ومحيطها.

ولا بُدّ من الاشارة هنا إلى أنّه قريبًا من سمخ وعلى بعد قليل تقع “خربة التوافيق”، وفيها وقعت اشتباكات بين العرب واسرائيل زمن الوحدة العربية المصرية – السورية، حيث حركت جيوشهم المنطقة من خلال سلسلة من المناوشات. لكنها في نهاية المطاف لم تثمر كثيرًا.

ما بعد الترحيل، وماذا بقي من سمخ؟

كانت الوكالة اليهودية ومؤسساتها قد أقامت عددًا من المستعمرات الصهيونية على اراضي تمّ تسريبها في سمخ وغيرها من القرى والمناطق في الجوار قبل العام 1948. ومن بين هذه المستعمرات شاعار هجولان ومسادة ودجانيا (أ) ودجانيا (ب). وفيما بعد تهجير وترحيل سكان سمخ وغيرها من القرى وتفريغها من سكانها والاستيلاء عليها فقد قامت حكومة اسرائيل بإقامة مستعمرات جديدة، منها: تل كتسير ومعجان وتسيماح (الأخيرة على اسم القرية الفلسطينية سمخ)، وغيرها. 

عائلات كثيرة من سمخ لجأت إلى الأردن وبوجه خاص الى مدينة اربد ومخيمها. في حين أنّ عائلات أخرى اتّجهت في طريق لجوئها الى سوريا وكثيرون منهم استقروا لاحقا في مخيم اليرموك. وهناك عائلات وصلت الى الناصرة ومنها الى كفر ياسيف وغيرها من قرى وبلدات فلسطين الداخل. 

لم يبق من قرية سمخ سوى عدد من المباني، من بينها محطة القطار الحجازي وعدد من المنازل التي استخدمتها المستعمرات كمخازن لمعداتها الزراعية او لإيواء أعداد من المواشي فيها. في حين أنّ الأراضي التي استولت عليها تتم زراعتها بالحبوب والموز ومحاصيل أخرى. بالإضافة إلى مبان أقيمت على أراضي القرية وتستخدم للصناعات المتنوعة ولأغراض سياحية.   

وأخيرًا…

“توقف نجيب تحت شجرة خروب معمرة، وأطل يراقب مغيب الشمس وانعكاسها على مياه البحيرة.

كان يشم رائحة سمخ، لقد مرّت شهور كثيرة دون أن يراها أو يشم رائحة ترابها ومائها، لكنّها ظلّت تعيش في أحلامه، بل وفي يقظته…

أدركتُ عند ذلك أنّه قد ضاع كل شيء، وأنّ كلّ الدروب أصبحت تُفضي إلى الغربة والشتات، فيا لكآبة المنظر، ووحشة الطريق!”.

من الفقرات الأخيرة من رواية “بحيرة وراء الريح” ليحيى يخلف 

The post مواقع النكبة: سمخ… عينٌ على البحيرة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مواقع النكبة: جمزو… شقيقة اللد والرملة https://rommanmag.com/archives/20649 Mon, 04 Oct 2021 05:38:09 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%82%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%83%d8%a8%d8%a9-%d8%ac%d9%85%d8%b2%d9%88-%d8%b4%d9%82%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%af-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%85%d9%84%d8%a9/ تقع هذه القرية في الجهة الشرقية من مدينتي اللد والرملة، على بعد 4 كم من اللد، ونحو 5 كم من الرملة. وترتفع 164 مترًا عن سطح البحر. وتقع عمليًا على طرف السّهل الساحلي الفلسطيني في موقع متوسط بين الشمال والجنوب، أي منتصف فلسطين تقريبًا. تمّ تسميتها بـ “الأخت الصغرى للد والرملة” لكونها قريبة منهما، وكان […]

The post مواقع النكبة: جمزو… شقيقة اللد والرملة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تقع هذه القرية في الجهة الشرقية من مدينتي اللد والرملة، على بعد 4 كم من اللد، ونحو 5 كم من الرملة. وترتفع 164 مترًا عن سطح البحر. وتقع عمليًا على طرف السّهل الساحلي الفلسطيني في موقع متوسط بين الشمال والجنوب، أي منتصف فلسطين تقريبًا.

تمّ تسميتها بـ “الأخت الصغرى للد والرملة” لكونها قريبة منهما، وكان لها علاقات اقتصادية واجتماعية معهما يوميًا. 

ويُحيط جمزو وأراضيها عدد من القرى، وهي: زكريا، خربة القبيبة، دير أبي سلامة، الظهيرية، دانيال، عنابة، خروبة، برفيليا وغيرها. ما يؤكد كثافة السكن البشري فيها والنشاط الاقتصادي لقُربِها من المدينتين المذكورتين، بالإضافة إلى المدينة الرئيسية “يافا” التي لا تبعد عنها سوى 22 كم. أمّا مساحة أراضي القرية فبلغت 9681 دونمًا، لم يملك اليهود منها شبرًا واحدًا.

مصدر ومعاني الاسم “جِمزو”

“جمزو” بكسر أوّله وسكون ثانيه وضم ثالثه وفي آخره واو. قيل إنّ اسمها منسوب إلى بطريرك من العهد البيزنطي اسمه “جمزا”. وفي رواية ثانية أنّ الاسم يعود إلى الفترة الرومانية لكثرة انتشار شجر الجميز في أراضيها، علمًا أنه في فترة ما قبل النكبة لم يبقَ فيها من هذا الشجر أي واحدة. في حين أنّ الرواية الثالثة تنسب الاسم إلى العهد القديم (التوراة) لتعني بـ “كم هذا”. وهذه الرواية غير واضحة الخطوط بالمرّة. ويُرجّح كثيرون أنّ تسمية القرية بهذا الاسم يعود إلى وفرة أشجار الجميز في أراضيها. وهو شجرٌ يشبه ثمره ثمار التين، ويؤكل.

احصائيات السكان

تفيدنا المصادر التاريخية أنّ عدد سكان جمزو في بداية العهد العثماني أي في 1596 بلغ 154 نسمة حينها كانت القرية تابعة للواء غزة. ووصفها عدد من الرحالة الأوروبيين الذين ساحوا في فلسطين في القرن الـ 19 بأنّها كبيرة من حيث السكان(لم يشيروا إلى العدد) وان بيوتها من الطين والحجارة. أمّا بموجب احصاء الانتداب البريطاني الأول من العام 1922 فأشار إلى 897 نسمة. والإحصاء الانتدابي الثاني من العام 1931 أشار إلى 1081 نسمة. ليرتفع العدد في 1945 إلى 1510 نسمة، وعشية النكبة إلى 1940 نسمة، موزعين على 440 بيتًا. ويُقدر عدد أهالي جمزو في اللجوء والمهجر قرابة 12 ألفًا تقريبًا، ولهم جمعية مقرّها في الأردن.

أمّا أبرز العائلات فهي: الدبشة، القُزعة، آل القطيش، آل الشايب، آل عمرو، آل حسان، آل النجار، دار سلامة، آل عساف، آل كنعان وغيرها.

واعتمد أهالي القرية في معيشتهم على الزراعة وخصوصًا الحبوب والحمضيات ورعاية المواشي وتربية النحل لانتاج العسل. وبعض الشباب عمل في الأشغال الحرّة أو العمل في ورشات المدن القريبة كاللد والرملة ويافا.

معالم القرية الرئيسية

المسجد: كان في القرية مسجد واحد، موقعه في أعلى مكان في القرية. وتألف المسجد من طابقين. الطابق السفلي فيه حواصل كانت لجنة الوقف المحلية تؤجرها وتعود مداخيلها على مصلحة المسجد وما يتطلب من مصروفات. أمّا الطابق الثاني فكان واسعًا ورحبًا.

المضافة: عبارة عن غرفة واسعة مُلاصقة لمبنى المسجد، وتمتد أمامها ساحة واسعة مكشوفة فيها بعض أشجار الكينا التي وفرت ظلالاً للوافدين الى المضافة. واستخدمت المضافة كمكان لاجتماع كبار الأهالي للتداول في شؤون القرية. كما أنّ المضافة كانت بمثابة نُزل للغرباء والضيوف في أحيان كثيرة. وشكلت المضافة أحد أبرز مظاهر الحياة الاجتماعية في القرية. ومضافة جمزو كانت وحيدة في القرية، ووحدت حمائل القرية حتى في أوقات خلافاتها البينية. 

الزاوية: وهي عبارة عن بناء مكون من غرفة واسعة في وسط القرية، واستخدمها اتباع الطريقة الصوفية المعروفة بـ “الخلوتية”. وأضيف إلى اسم الطريقة في جمزو التالي: “الطريقة الخلوتية الرحمانية الجامعة” نسبة إلى اسم مؤسّسها عبد الرحمن الشريف الحسيني ولأنّها جمعت بين الطرق الصوفية الأخرى التي انتشرت في عدد من القرى والمدن الفلسطينية.

وكانت تعقد في هذه الزاوية حلقات الذكر والتسبيح والمناقشات الدينية والاجتماعية. وكانت في بعض الأحيان أشبه بمدرسة تعليمية يطرح السائل سؤاله ويتلقى ردًّا من الشيخ الصوفي. وكانت الزاوية تقوم بجمع التبرعات لإرسالها إلى تكايا الخليل الخيرية. وتولى أبناء الشيخ وأحفاده من بعده خدمة هذه الزاوية إلى أنْ وقعت النكبة.  

مقام الشيخ أحمد الجمزاوي:  يعتبر أحد الأولياء الصالحين. ولا نملك عن حياته الكثير، سوى أنّه كان من المتصوفة يتبع الطريقة الجيلانية. وتفيدنا بعض المصادر إلى أنّه منسوب إلى حمولة الغليظ أو جحلش (هكذا كان أهالي القرية ينادون أفراد العائلة).  

أمّا المقام ذاته فهو عبارة عن “حويطة” أو بناء صغير تظلّـله شجرة خروب كبيرة مُعمِّرة. وموقع المقام على الطرف الشمالي الشرقي من الجزء الثاني للمقبرة على الطريق الرئيس العام الذي يربط القرية بالقرى الأخرى شرقًا وبمدينة اللد غربًا. وُيعتبر هذا المقام كغيره من المقامات المنتشرة في فلسطين مكانًا لوفاء النذور بواسطة إضاءة السرج وتقديم الذبائح والمآكل في بعض المناسبات.

المدرسة: تأسّست مدرسة القرية في العام 1920. وتولّى التعليم فيها معلم واحد في بدايتها. ثم مع نمو الصفوف فيها تمّ اعتماد عدد إضافي للتعليم فيها. وبلغ عدد صفوفها في عام النكبة الصف السادس الابتدائي. وفيها 175 طالبًا مُوزّعين على ثلاثة غرف. وكانت القرية تدفع راتب معلمين والمعارف تدفع للآخرين.

معاصر الزيتون: كان في القرية ثلاثة معاصر: معصرة دار عيسى، معصرة دار الزق، ومعصرة دار ذيبة. ويسمي أهالي جمزو المعصرة بالتسمية القديمة “البّد”.

مطحنة الحبوب: كان في القرية قبل العام 1948 مطحنة واحدة حديثة لطحن الحبوب على أنواعها كالقمح والشعير والذرة وغيرها. 

جمزو عبر التاريخ

تشير المكتشفات في أراضي جمزو أن الإنسان عاش فيها منذ عصور ما قبل التاريخ، ومارس أعمال الزراعة على أنواعها المعروفة في تلك الحقبة. ولقد عُثِر المنقبون على أدوات زراعية يعود تاريخها إلى العصر الحجري. وفي العصر الإسلامي انشئت جمزو على اراضي بلدة جمزو الكنعانية لتتابع مسيرتها العمرانية والحياتية. فبقي الاسم على ما كان. وورد اسم القرية في جداول معبد الكرنك في صعيد مصر من القرن الـ 15 قبل الميلاد. وورد أيضًا ذكرها في أسفار العهد القديم. ووقعت جمزو تحت الاحتلال الفرنجي وشهدت تحريرها على يد صلاح الدين الأيوبي بعد معركة حطين. ووصف الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين القرية ومحيطها بأنّها شهدت انتعاشًا اقتصاديًا في القرن التّاسع عشر ساعد بعضًا من أهاليها على تطوير اقتصادهم. وتبعت القرية قضاء الرملة في الفترة الانتدابية وفقـًا للتقسيمات التي أجرتها حكومة الانتداب في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين.

وشارك اهال من القرية في الثورة أو الهبة الفلسطينية لعام 1929 والثورة الفلسطينية الكبرى لعام 1936 إلى جانب الثوار والمقاومين ضد الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني. وشهدت القرية نفسها سلسلة من التظاهرات الاحتجاجية على ممارسات حكومة الانتداب. 

الاحتلال والسقوط

وفور صدور قرار التقسيم رقم 181 انطلقت العصابات العسكرية اليهودية بتنفيذ سلسلة من الهجمات على قرى ومدن فلسطين. أمّا جمزو فقد تعرضت الى هجوم من هذه العصابات بعد هدنة الأيام العشر في شهر تموز 1948. إذ كانت وجهة العصابات احتلال اللد والرملة ومحيطهما. وأرادت القيادة العسكرية اليهودية تغيير الحدود بواسطة توسيع الرقعة التي تمّ منحها للدولة اليهودية وفقًا لقرار التقسيم. فقام لواءان من البالماح وعددهم تجاوز الخمسة آلاف عنصر بإحاطة القرية من الجنوب والشمال وفتح الطريق بالترحيل باتجاه الشرق. فما أنْ أتّموا احتلال قرية عنابة المجاورة حتى وصلت أخبارها إلى الأهالي فأسرعوا إلى الهرب خارج القرية. إلاّ أنّ العصابات لاحقتهم وأطلقت عليه النار منعـًا لعودتهم إلى القرية. ولقد استشهد عدد من أبناء القرية أثناء الهجوم والهروب منها.

وبعد أنْ سيطر اليهود على القرية أقاموا لهم مقرًّا عسكريًا فيها وسيطروا على تلّتها الاستراتيجية التي تتحكّم بالطرق المؤدية من وإلى اللد والرملة. وبهذه الطريقة، أي بعد احتلال جمزو وعدد من القرى الاخرى القريبة والسيطرة على الطرق الرئيسة انفردت العصابات باحتلال اللد والرملة وتشريد سكانها. وارتكب اليهود ابشع اشكال المذابح في اللد يشهد لها التاريخ بوحشيتها.

في حين أنّ الجيش العربي الأردني كان قد أرسل إلى تلك المناطق دورية تابعة للوائه الثالث  في الحادي عشر من تموز 1948 فطردت القوة الإسرائيلية المعتدية. فتجهز الأهالي في القرى المجاورة الذين تركوا قراهم، بهدف العودة إلى جمزو إلاّ أنّ الدورية الاردنية انسحبت من القرية وعاد اليهود إلى احتلالها من جديد. وتُشير بعض الوثائق إلى أنّ القائد البريطاني المسؤول مباشرة عن الجيش الاردني بعث برسالة أمر فيها القوات العربية الاردنية بالانسحاب من المنطقة عن طريق جمزو وعنابة وبيت سيرا. فتفرّغت المنطقة لاحتلال الجيش الإسرائيلي لها في عملية عسكرية أطلق عليها اسم “عملية داني”. وقام هذا الجيش بمسح معظم معالمها مباشرة منعًا لعودة سكانها اصحاب الارض الاصليين. وانتشر عدد من عائلات القرية في مدن الضفة الغربية كالخليل ومنهم من انتقل إلى عمان طلبا للعمل والرزق.

دُمّرت القرية بالكامل وأُزيلت معظم بيوتها إلاّ القليل منها استخدم مخازن للمستعمرة التي أقامتها حكومة إسرائيل بالاسم ذاته في العام 1950.

The post مواقع النكبة: جمزو… شقيقة اللد والرملة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مواقع النكبة: معلول… بلد الربيع الدائم https://rommanmag.com/archives/20588 Wed, 04 Aug 2021 08:34:37 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%82%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%83%d8%a8%d8%a9-%d9%85%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%84-%d8%a8%d9%84%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d8%a6%d9%85/ “يتشارك أهالي معلول الأفراح والأحزان، وكانت تسود المحبة والاحترام بين الجميع، وحتى أن للقرية تقاليد خاصة في الأفراح. وكانت في القرية لجنة تعيد لكل صاحب حق حقه دون الاستعانة بالشرطة أو بأي جهاز من خارج القرية، وكانت كل مشاكلها الصغيرة والكبيرة وهي نادرة تُحلُّ داخل البلدة بالتسامح والعفو”. (جاد سابا سالم، من مواليد القرية في […]

The post مواقع النكبة: معلول… بلد الربيع الدائم appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“يتشارك أهالي معلول الأفراح والأحزان، وكانت تسود المحبة والاحترام بين الجميع، وحتى أن للقرية تقاليد خاصة في الأفراح. وكانت في القرية لجنة تعيد لكل صاحب حق حقه دون الاستعانة بالشرطة أو بأي جهاز من خارج القرية، وكانت كل مشاكلها الصغيرة والكبيرة وهي نادرة تُحلُّ داخل البلدة بالتسامح والعفو”. (جاد سابا سالم، من مواليد القرية في عام 1922).
 

قرية فلسطينية لا تبعد سوى 6 كم إلى الغرب من مدينة البشارة “الناصرة” شمالي فلسطين، وتتبع قضاء الناصرة (حسب التقسيمات الإدارية من فترة الانتداب البريطاني). في حين أنّها ترتفع 275 م عن سطح البحر. 

الاسم ومعانيه

أمّا الاسم فيظن البعض أنّ معناه “المدخل” بحسب اللغة الآرامية. في حين أنّ آخرين يظنون أنّ المعنى هو المكان المرتفع. وهناك بلدة “معلولا” في سوريا والتي تقع شمال شرق العاصمة دمشق على بعد 56 كم تقريبًا، ويتكلم أهلها اللغة الآرامية الحديثة، وهي نفسها اللغة التي تكلّـم بها السيد المسيح قبل ألفي عام. طبعًا إلى جانب اللغة العربية . وقرية معلول التي نحن بصدد الحديث عنها تقوم على موقع بلدة من الفترة الرومانية عرفت باسم “مهلول”.

أرقام وإحصائيات

ووفقًا للإحصائيات فإنّ عدد سكانها في أواخر العهد العثماني بلغ حوالي 300 نسمة، ليرتفع إلى 346 نسمة في أوّل إحصاء أجرته حكومة الانتداب البريطاني، و800 نسمة في عام النكبة، ثلثاهم من المسلمين وثلثهم من المسيحيين.

وبلغت مساحة أراضي القرية 4698 دونمًا، نُقل حوالي ألفين منها في العهد العثماني لملكية آل سرسق من بيروت، الذين بدورهم باعوها إلى الصندوق القومي اليهودي. ولم يبق لأهالي القرية سوى ألفي دونمًا. ولجأوا إلى المحاكم الانتدابية لتسوية أمرهم. وبعد تسويف ومماطلات من طرف الحكومة الانتدابية نالوا حقًا باستعمال أرضهم مقابل بدل إيجار. ولكن ذلك لم يدم طويلاً، إذ وقعت النكبة، وفقدوا كل ما لديهم من أرض وبيوت وممتلكات. 

مصادر الرزق

اعتمد أهالي القرية في معيشتهم على الزراعة وأهمها الحبوب على أنواعها والزيتون ورعاية المواشي، في حين أنّ بعضًا منهم اشتغل في المرافق التجارية والصناعية التي توفرت في مدينة حيفا التي تبعد عن القرية بحوالي 26 كم. 

احتلال القرية وسقوطها

وسقطت القرية بيد الجيش الاسرائيلي خلال المرحلة الثانية من عملية “ديكل”، وتحديدًا قبل يوم واحد من استيلاء هذا الجيش على مدينة الناصرة في 15 تموز 1948. وشرعت قوات الاحتلال بترحيل السكان وهدم منازلهم وتسويتها بالأرض، ما عدا أماكن العبادة الاسلامية والمسيحية. ولجأ معظم أهالي القرية إلى يافة الناصرة القرية المجاورة، وبعض العائلات اتجهت نحو مدينة الناصرة.

وأُقيمت على أراضي القرية قاعدة عسكرية تابعة للجيش الاسرائيلي، بالإضافة إلى عدد من المستعمرات اليهودية مثل كفار هجورش ومجدال هعيمق ورمات دافيد، وعدد من المصانع والمعامل الاسرائيلية. 

من آثار القرية

تنتشر في القرية آثار تعود إلى فترات وحقب تاريخية مختلفة، وكذلك مدافن ونقور صخرية. وفي القرية آثار لموقع يُطلِق عليه الأهالي اسم “قصر الزير”، وقد زالت معالمه في نهاية القرن الـ 19. وورد ذكر له في كتاب فيكتور جيرين “وصف فلسطين”. وكذلك في وثائق وأوراق بعثة صندوق استكشاف فلسطين البريطانية. في حين أنّ عددًا من أهالي القرية الباقين على قيد الحياة يطلقون على هذا الأثر اسم “دار القصر”. وكان هذا القصر يتكون من طابقين وتحمل أسقفه أعمدة ذات تيجان من الطراز الأيوني. واستعملت بعض أطرافه كمدافن فاخرة للذوات من أهالي المنطقة. وجدير ذكره استنادًا الى التاريخ الشفوي الذي يتناقله الأهالي أنّه استعمل ككنيسة للروم الارثوذكس حتى إنشاء كنيستهم الباقية حاليًا في القرية في الربع الأخير من القرن الـ 19.

معالم دينية

  1. المسجد: ويقع غربي كنيسة الروم الكاثوليك. شُيّد في عام 1932 وهو مستطيل الشكل. هُدِم جزء من واجهته الأمامية على يد جرافة اسرائيلية عملت في الموقع قبل عِقدٍ من الزمن. وتمّ تدعيم سقفه بدعامات حديدية بمبادرة من أهالي القرية النازحين عنها عنوة إلى بلدات مجاورة، سعيًا للحفاظ عليه.

  2. مقام النبي صالح: ويقع داخل مغارة عليها شجرة بطم. واعتاد أهالي القرية من مسلمين ومسيحيين تقديم نذورهم عند المقام على مدار أيام السنة دون تحديد أي يوم أو موسم خاص به.

  3. مقابر المسلمين: للمسلمين مقبرتين. الأولى وتقع في الجزء الغربي من موقع القرية، وبلغت مساحتها 4 دونمات. أمّا الثانية فقد طمست معالمها بالكامل.

  4. كنيسة مار الياس الارثوذكسية: وتقع في الجهة الجنوبية من مركز القرية، تمّ بنائها في سنة 1884. يتكون سقف هذه الكنيسة من ثلاثة عقود مصلبة، ولها مدخلان واحد من الجنوب والآخر من الغرب. وتسندها دعامات خارجية من الشمال والجنوب والغرب. أمّا مساحة الكنيسة فتبلغ 8 × 16 م تقريبًا أي حوالي 128 مترًا مربعًا. وتمّت مؤخرًا عملية ترميم الكنيسة من الداخل والخارج وصيانتها.

  5. كنيسة الروم الكاثوليك: وتقع إلى الشمال من الكنيسة الارثوذكسية. بادر إلى بنائها المطران غريغوريوس حجّار (المعروف بلقبه “مطران العرب”) وذلك في سنة 1932. وتبلغ مساحتها 176 مترًا مربعًا. لها ثلاثة أبواب من الغرب والشمال والجنوب. وتم بناء 3 غرف إلى جانب الكنيسة، واحدة لتعليم أولاد القرية من مسلمين ومسيحيين واثنتان لسكن كاهن القرية. وجرى ترميم بعض أجزاء من الكنيسة بعد أن انتشر فيها الخراب منذ عام النكبة وتشريد الأهالي عنها. ويقام قداس عيد الفصح في الكنيسة ويشارك فيه كافة أهالي القرية المسيحيين والمسلمين الذين يتوافدون إلى قريتهم حبًّا لها. 

المعالم العامة

  1. مدرسة القرية: استعملت إحدى الغرف الملاصقة بالكنيسة الكاثوليكية مدرسة لطلاب القرية باعتبارها ابتدائية فقط. ودرس فيها الطلاب المسلمون والمسيحيون. في حين أنّ البالغين منهم توجّهوا لأتمام دراستهم إلى قرية “المجيدل” المجاورة وفيها مدرسة ابتدائية وما يشبه الاعدادية. ومنهم من اتجه إلى مدارس الناصرة القريبة هي الأخرى. وجدير ذكره هنا أنّ الجمعية الروسية الفلسطينية القيصرية قد أنشأت مدرسة لها أسوة بعدد آخر من القرى في فلسطين وذلك في عام 1905، واستمرت هذه المدرسة في تقديم خدماتها التعليمية والتربوية إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى بعدة سنوات، وأشرف على إدارتها الأستاذ خلف الصباغ.

  2. أودية القرية وعيونها المائية: يفصل وادي الحلبي أو الصفصاف الواقع في جنوبها الغربي بين أراضيها وأراضي قرية المجيدل المجاورة. وتقع عين البص في شمالها الشرقي، وعين البلد في شمالها الغربي.

علاقة الأهالي بالقرية

بالرغم من أنّ الاحتلال الاسرائيلي قد دمّر بيوت ومعالم القرية عن بكرة أبيها ما عدا أماكن العبادة فيها. وبالرغم من قيام الصندوق القومي اليهودي بتشجير القرية ومحيطها بشجر الصنوبر ليخفي القرية، إلاّ أنّ الأهالي الأوفياء لقريتهم يقومون بتنظيم زيارات مستمرة ودون توقف إلى القرية، كما أنهم ينظمون جولات تعريفية لمجموعات لها اهتمام بموضوع القرى الفلسطينية المهجرة، إلى جانب سعيهم الدؤوب إلى إبراز قضية القرية من خلال الافلام الوثائقية والبرامج الإخبارية على الوسائل الإعلامية المتاحة. وتشهد أراضي القرية في السنوات الأخيرة سلسلة من مسيرات الربيع التي يشارك فيها الابناء والكبار وضيوف من بلدات اخرى. كذلك، بدأ الأهالي بعقد أكاليل الزواج في الكنيسة والتي منعوا منها في السابق. وتحمل هذه الخطوة رمزية مهمة وثمينة بالنسبة لاستمرارية تمسّك الشباب بحقّهم في قريتهم والعودة إليها. أمّا قمّة الفعاليات التي ينظمها اهالي القرية فهي المشاركة في احتفالات عيد الفصح معًا وسط حضور جماهيري لافت لأهالي القرية وزوارها. 

حكاية سلوى سالم مع قبر والدها

وهي حكاية انتشرت سريعًا عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي قبل عامين. فسلوى سيدة من معلول متزوجة ولها أبناء. لما بلغت السبعين من عمرها قررت زيارة قبر والدها في مقبرة المسيحيين في قريتها معلول. وهذه المقبرة ضمتها حكومة اسرائيل إلى المعسكر المجاور وجعلتها منطقة مغلقة خاضعة للنظام العسكري وقوانينه. ورفضت حكومة اسرائيل السماح للسيدة سلوى الوصول الى المقبرة وزيارة قبر والدها. فلجأت السيدة سلوى إلى مركز “عدالة” في حيفا وهو المركز القانوني للدفاع عن حقوق الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل طالبة مساعدة قانونية لأنها شعرت أن من واجبها الاخلاقي والانساني والقانوني زيارة قبر والدها الذي استشهد في 17 نيسان 1948 برصاص العصابات الصهيونية أثناء توجهه إلى عمله مع مجموعة من العمال من أهالي القرية. وكانت سلوى حين استشهاده جنينا في رحم والدتها. وولدت بعد استشهاده بأسبوعين. وحاولت بكل الطرق الوصول إلى قبر والدها ولكن محاولاتها باءت بالفشل إلى أن تم تقديم التماس الى المحكمة العليا في إسرائيل بواسطة مركز عدالة المذكور. وتم الاتفاق مع العائلة على تنظيف المقبرة وترميم بعض شواهد قبورها.

وأقرّت المحكمة أنّ من حقِّها زيارة ضريح والدها وملامسته وسط اجراءات أمنية مشدّدة فرضتها وزارة الامن الاسرائيلية، وأبرزها أن تقوم بتقديم طلب في كل مرّة ترغب في زيارة القبر والانتظار لرد من الوزارة المذكورة. ولكن اصرارها وتحقيق رغبتها كانت علامة ورمز للتمسك بالأرض والحق فيها. 

وحظي أيضًا السيد جاد سابا سالم (من مواليد 1922) بزيارة قبر أخيه والد السيدة سلوى في العام 2021 بعد مرور 73 عاما من الحرمان.

جمعية تراث معلول

بادر عدد من أهالي قرية معلول إلى تأسيس جمعية لجمع كل ما له علاقة بتراث القرية من وثائق وصور ومستندات وتسجيل لذكريات الكبار حفاظا عليها، وايضا لاتاحة الفرصة أمام الجيل الشاب بالتعرف على الموروث الحضاري بكل مكوناته والخاص بالقرية. ويترأس الجمعية الأستاذ علي علي الصالح الذي يقول:”دورة الحياة مشتركة بين أبناء القرية الواحدة، وهي ميزة التصقت بأهالي معلول، لهذا جدير بنا القيام بهذه المهمة”. 

معلول باقية بالرغم من محاولات إخفائها

كما في كل بلدة وقرية ومدينة في فلسطين، تعمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على إخفاء معالمها بكل الطرق المتاحة له كالهدم والجرف والطمس والتشجير وتغيير الأسماء من العربية الى العبرية وغيرها من الوسائل، إلا أن أهالي هذه البلدات، وبضمنها معلول قد اعلنوا انهم متمسكون بحقهم في قريتهم بعد مرور عقود طويلة على النكبة. وما الفعاليات والمناسبات الشعبية والاجتماعية والدينية التي يقيمونها إلا دليل قاطع على هذا التمسُّك.

The post مواقع النكبة: معلول… بلد الربيع الدائم appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مواقع النكبة: الطنطورة… أم الجُزر وبلد البطيخ الأخضر https://rommanmag.com/archives/20537 Tue, 22 Jun 2021 13:53:04 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%82%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%83%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%86%d8%b7%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8f%d8%b2%d8%b1-%d9%88%d8%a8%d9%84%d8%af/ “يصعُبُ عليّ الآن نقل مشاعر أهل البلد، ربما لأنني ساعتها كنت أعيش حالة لا تسمح سنّي بالإحاطة بها. ربّما تساءلت مثل باقي الناس! متى يأتي علينا الدور؟ ربّما كنت مثلهم أتشبّث بقشة الغريق وأردد مثل الشباب أن عين غزال وإجزِم وجَبَع الأضغر من صفد ويافا وعكا والتي لا يحرسها سوى أهاليها، صمدت وصدّت العدوان مرة […]

The post مواقع النكبة: الطنطورة… أم الجُزر وبلد البطيخ الأخضر appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

“يصعُبُ عليّ الآن نقل مشاعر أهل البلد، ربما لأنني ساعتها كنت أعيش حالة لا تسمح سنّي بالإحاطة بها. ربّما تساءلت مثل باقي الناس! متى يأتي علينا الدور؟ ربّما كنت مثلهم أتشبّث بقشة الغريق وأردد مثل الشباب أن عين غزال وإجزِم وجَبَع الأضغر من صفد ويافا وعكا والتي لا يحرسها سوى أهاليها، صمدت وصدّت العدوان مرة بعد مرة، وأننا مثلهم سنصد أي محاولة لاستباحة قريتنا. هل سنقدر؟ أقطع السؤال. أذهب إلى البحر. أتربع على الشاطئ. أتابع بالنظر المكان”. (رضوى عاشور. رواية “الطنطورية”. دار الشروق، القاهرة، 2010. ص 39).

الاسم والأصل والمعنى 

يعتقد عدد من المؤرخين والباحثين والموثقين للروايات الشعبية والتراثية أنّ بعض عائلات القرية قد وصل إلى حيث موقعها قادمًا من اقليم اسمه “طنطور” في الهند. ولكن في المسميات الفلسطينية فإنّ الاسم “طنطور” يعني المكان المرتفع قليلا على هيئة قبعة مخروطية الشكل نوعًا ما. علمًا أنّ القرية مُقامة على موقع كنعاني اسمه “دور” ويعني “المنازل”. وتشير آثار كثيرة في موقع القرية ومحيطها إلى وجود استيطان بشري منذ فجر التاريخ المعلوم لنا. كما وتشير نقوش فيها إلى أيام الفرعون رعمسيس الثاني وكذلك دلائل تعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد.

موقع القرية وتطوره

والقرية “الطنطورة” تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وتبعد بحوالي 24 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة حيفا. ويرتفع أعلى منزل فيها عن سطح البحر بحوالي 25 مترا. إذ أنّها قرية موازية للبحر. وتحيط بها القرى التالية: الفريديس، كفر لام، عين غزال، إجزم، جسر الزرقاء. وتجدد السكن في الفترة العثمانية بشكل مكثف. وخصوصًا في أيام حكم الشيخ ظاهر العمر الزيداني في منتصف القرن الـ 18. حيث قام الزيداني بتوسعة الميناء الصغير لاستخدامه في تصدير القطن إلى أوروبا. إذ أن زراعة القطن انتعشت في عدد من مناطق الجليل ومرج بني عامر والساحل الفلسطيني. وخلال الحملة الفرنسية على فلسطين وباقي بلاد الشام (1799) التي قادها نابليون بونابرت قام بجعل القرية مقرا لجيوشه الزاحفة نحو عكا لمحاصرتها واحتلالها من يد أحمد باشا الجزار. واستراح بونابرت في أراضي الطنطورة أثناء عودته مهزومًا أمام أسوار مدينة عكا، وأقام فيها مستشفى ميداني لعلاج مئات الجرحى ومرضى وباء الطاعون الذي تفشى في صفوف جنوده ، فما كان منه إلاّ أنْ دفن بعض مدافعه في رمال وبحر الطنطورة. وتمّ العثور عليها في الثمانينيات من القرن الماضي وانتشال بعضها وعرضه في أحد متاحف مدينة حيفا.

آثار في القرية وحواليها

وتمّ الكشف عن آثار تاريخية قديمة جدًّا تعود إلى الفترة الكنعانية في محيط القرية. وأيضا آثار من أيام الفراعنة وبضمنهم الفرعون رعمسيس الثاني. وبقايا كنيسة بيزنطية في المنحدرات الشمالية لتل البرج المجاور وبقايا قلعة صليبية مسماة كزال دو شاتيون ( وفي جملتها برج مربع العقد). وذكر أيضًا أنّ ثمة هناك مزيدًا من المعالم الأثرية في خربة الدريهمة الواقعة الى الشمال الشرقي من القرية. وأجريت تنقيبات اثرية تحت المياه قرب شاطئ الطنطورة عثر خلالها على مراسي سفن يعود تاريخها الى معظم الحقب من تاريخ الموقع، ومدافع من فترة الحملة الفرنسية على بلاد الشام.

المواقع الأثرية حول القرية

تكثر في قرية الطنطورة المواقع الاثرية وأيضًا الخرب التي تكشف لنا عن آثار دارسة فيها. ومن أشهر هذه المواقع: خربة المزرعة التي تحوي آثار تعود الى فترة الحملات الصليبية. وخربة أم الطوس وفيها مدافن وصهاريج ماء. وخربة السليمانيات وفيها بقايا جدران منازل قديمة. وخربة حنانة، وفيها مغائر سكنها الإنسان منذ عصور قديمة. وخربة دريهمة وفيها بقايا أعمدة ومدافن. وتل عبدون وخربة حيدرة. 

جزر الطنطورة

على بعد 35 مترًا عن شاطئ البحر تنتشر لها أربع جزر صغيرة تبلغ مساحة كل منها مئة وخمسون مترًا مربعًا وصخرة مسطحة كأنها بساط جميل. وتحمل كل جزيرة اسمًا، وهي: جزيرة الفلتية، جزيرة الشدادة، جزيرة دار الأعمر، وجزيرة الحمام. وفي الاخيرة مساحات يُعشش فيها الحمام لوفرة النباتات العالية أكثر من غيرها من الجزر. والى شمال جزيرة الفلتية شبه جزيرة المقر يفصل بينهما ممر بحري صغير تتدفق منه مياه حلوة، كما أنه في الطرف الشمالي لشبه الجزيرة هذه يوجد حوض مائي كبير طبيعي للسباحة. واستخدمت الجزر لرسو القوارب بينها.
 

السكان في أرقام

وتفيدنا المصادر التاريخية، وخصوصًا نصوص الرحالة الاجانب أنّ عدد منازل القرية في مطلع القرن الـ 19 لم يتجاوز الـ 50. في حين أنّ الاحصاء السكاني الأول الذي اجرته حكومة الانتداب البريطاني في العام 1922 يشير إلى وجود 750 نسمة في القرية، ليرتفع هذا العدد في الاحصاء الثاني في العام 1931  إلى 953 نسمة. وبلغ في إحصاء العام 1945 قرابة 1500 نسمة، ليرتفع العدد الى 1728 عشية وقوع النكبة الفلسطينية في العام 1948.

وأشار الرحالة الأمريكي لينش الذي زار فلسطين في منتصف القرن الـ 19 إلى أنّ الطنطورة قرية فيها الكثير من السكان ومتطورة ومزدهرة. وفيها ميناء نشيط يُستعمل للصيد ولنقل منتجات القرية وبعض القرى المجاورة لها. ومن عائلات الطنطورة: العموري، أبو عمرو، المصري، اليحيى، اليتيم، الهندي، الدسوقي، أبو ماضي، العشماوي، السمرة، البجيرمي، البيرومي… 

مصادر معيشة السكان

واعتمد سكان القرية في معيشتهم الحياتية على مصادر رزق أساسية وهي صيد الاسماك لقرب القرية بل ملاصقتها للبحر، والنقل التجاري البحري، والزراعة ورعاية المواشي. ومن أبرز المحاصيل التي زرعوها: الحبوب على أنواعها كالقمح والشعير والفول والحمص والعدس والسمسم. وكذلك الأشجار الثمرية كالتين والرمان والتفاح والليمون. واشتهرت الطنطورة بموسم البطيخ الذي كان يباع أغلبه في المدن القريبة كحيفا ويافا وأوصلوا كميات منه إلى غزة وضواحيها، وحتى الى لبنان ومصر. 

ولما تطورت مدينة حيفا وأقيمت فيها منشآت صناعية والميناء الحديث وخطوط السكك الحديدية توجهت أنظار عشرات الشباب من اهالي القرية والقرى المجاورة لها الى هناك للعمل في إحدى هذه المنشآت. وبالتالي انتقلت عائلات طنطورية كثيرة للعيش في حيفا لتشكل نواة لمجتمع فلسطيني متجدد في مدينة عصرية وحداثوية وفرت لهم كل سبل الحياة بكافة تفاصيلها.

التعليم في القرية وخارجها

كانت المعارف العثمانية قد أسست مدرسة ابتدائية للبنين في القرية تابعت تقديم خدماتها التعليمية لطلاب القرية في فترة الانتداب البريطاني حيث ارتقت المدرسة لتصل الى الصف السابع الابتدائي. كما تم إنشاء مدرسة ابتدائية للبنات في العام الدراسي 1937-1938 وبلغ أعلى صفوفها قبل وقوع النكبة الصف الرابع الابتدائي. أمّا الطلاب الذين كانوا ينهون الابتدائية فكانوا غالبًا ما ينتقلون إلى متابعة تعليمهم الثانوي في إحدى مدارس حيفا القريبة سواء الحكومية أو الاهلية (الخاصة)، ومنهم من فضّل التعلُّـم في عكا في المدرسة الاحمدية المجاورة لجامع الجزار.

شخصيات من الطنطورة

برز عدد من أهالي الطنطورة في الحياة العامة سواء في فلسطين أو في العالم العربي، خصوصًا في الأردن وسوريا. ومن أبرز هؤلاء:  محمود السمرة متخصص بالأدب العربي، أشغل مناصب أكاديمية في الجامعة الاردنية وسواها من جامعات العالم العربي، وكذلك وزيرًا للثقافة. محمد توفيق اليحيى ويحيى محمود اليحيى في القانون. وخليل الهندي متخصص في الهندسة الاليكترونية ومحاضر في عدد من الجامعات العربية والاوروبية والامريكية، واستشاري لعدد من الشركات. 

محاولات الصهيونية الفاشلة لإقامة مستعمرة على أراضيها

ضمن مشروع آل روتشيلد في السيطرة على مرافق الاقتصاد في فلسطين قام أحدهم ببناء مصنع لإنتاج الزجاج على قطعة أرض من أراضي الطنطورة. لكن هذا المشروع لم يكن مجديًا ومربحًا، فقرّر اغلاقه. ولم تتوقف مشاريع الصهيونية عند هذا القرار، إذ بادر أحد زعماء الحركة الاستيطانية الى طرح مشروع إقامة ميناء لصيادي الأسماك على جزء من ساحل الطنطورة بعد التوصل إلى اتفاق مع أحد الملاكين هناك. أمّا الصيادون فهم من أصول قفقازية. وكان الهدف المركزي والرئيسي لطرح مشروع كهذا هو إبراز أهمية العلاقة بين المستعمر الصهيوني وبين فلسطين باعتبارها وفقًا لمعاييره ارض الآباء والأجداد. إلى جانب التأسيس لفكرة “العمل العبري” مقابل العمل العربي للسكان الاصلانيين. إلاّ أنّ هذا المشروع لم يصمد مقابل اهالي القرية الصيادين.     

احتلال القرية وتنفيذ مجزرة فيها

وضعت قيادة منظمة الهاغاناه العسكرية خطة لاحتلال القرية وطرد سكانها منها. وكانت القرية حسب مزاعم القيادة العسكرية الصهيونية تتلقى اسلحة مهربة من لبنان بالسفن والقوارب ويتم نقلها لاحقًا إلى المقاومين الفلسطينيين في قرى المثلث الصغير: عين غزال، اجزم وجبع. وان الطنطورة واقعة على الطريق الرابط بين حيفا وتل أبيب. وتمّ تطويق القرية وطرد سكانها في 23 أيار 1948 بعد أن نفذ لواء الكسندروني من الجيش الاسرائيلي مجزرة رهيبة راح ضحيتها عدد من أهالي القرية الذين تمّ دفنهم في مقبرة جماعية قريبًا من مسبح المستوطنة التي أقيمت لاحقًا على أراضي القرية. وبالرغم من اللغط الإعلامي والسياسي والقضائي الذي أحدثته المؤسسة في إسرائيل لإنكار المجزرة وجر الباحث تيودور كاتس الذي كشف النقاب عنها من خلال وثائق الأرشيفات الإسرائيلية الى اروقة المحاكم، إلاّ أنّ تلميحات عديدة تؤكد وقوع مجزرة وقتل عدد من رجال القرية.

معالم القرية

قام  الاحتلال الاسرائيلي بهدم بيوت القرية إلاّ بعضًا منها استعمله لخدمة المستوطنين الذين حلوا مكان أهالي القرية الأصليين. ومن أبرز المعالم الدينية التي كانت في القرية مسجدان، ومقام وثلاثة مقابر. المسجد الاول مقام على أرض أوقفها يوسف فرنسيس الجدع من أثرياء ووجهاء مسيحيي حيفا الذي كانت له بعض الاملاك في الطنطورة. ولم يبق منه شيئًا. أمّا الثاني فبقي منه جدران. في حين أنّ مقام القرية على اسم الشيخ عبد الرحمن المجيرمي وتم ترميمه في بداية الالفية الثالثة ويحوي ثلاثة قبور مع شواهدها. أمّا المقابر الثلاثة فقد طمستها السلطات الإسرائيلية ولم يبق منها إلاّ حجارة متناثرة وعدد من القبور. وهناك عند حافة شاطئ الطنطورة بيت آل اليحيى استخدمه آل اليحيى للسكن ولتخزين مؤونتهم. ومبنى المدرسة الابتدائية الكائن إلى الشرق من القرية ويستخدم لمؤسسة إسرائيلية تُعنى بدراسة عالم الاسماك.     

وهكذا، بالرغم من تشتت أهالي القرية بين الوطن و اللجوء والمنافي، إلاّ أنّ تاريخ وتراث القرية ومعالمها الباقية شاهد على وجود أصحاب الحق، وتمسكهم بحقهم هذا مهما طال الزمن. 

The post مواقع النكبة: الطنطورة… أم الجُزر وبلد البطيخ الأخضر appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مواقع النكبة: مجدل يابا (الصادق)… القلعة المدهشة https://rommanmag.com/archives/20484 Sun, 09 May 2021 06:27:42 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%82%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%83%d8%a8%d8%a9-%d9%85%d8%ac%d8%af%d9%84-%d9%8a%d8%a7%d8%a8%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%84%d8%b9%d8%a9/ يأخذنا نفق الزمن إلى جولة تاريخية في قرية مجدل يابا أو مجدل الصادق من أعمال قضاء الرملة حسب التقسيمات الادارية من فترة الانتداب البريطاني. والملفت للانتباه أنّ بيوت القرية أحاطت قلعة أثرية تاريخية قديمة تعود إلى فترات سابقة للحكم الروماني. وكُلّما تجدّد السكن البشري فيها تمّ إعادة تأهيل هذه القلعة لتكون مركزًا لها. إنّها مجدل […]

The post مواقع النكبة: مجدل يابا (الصادق)… القلعة المدهشة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

يأخذنا نفق الزمن إلى جولة تاريخية في قرية مجدل يابا أو مجدل الصادق من أعمال قضاء الرملة حسب التقسيمات الادارية من فترة الانتداب البريطاني. والملفت للانتباه أنّ بيوت القرية أحاطت قلعة أثرية تاريخية قديمة تعود إلى فترات سابقة للحكم الروماني. وكُلّما تجدّد السكن البشري فيها تمّ إعادة تأهيل هذه القلعة لتكون مركزًا لها. إنّها مجدل يابا القلعة المدهشة والعجيبة في مخططها ودورها واستعمالاتها. وما القرية وآثارها المتبقية شاهد عيان على الوجود الفلسطيني التاريخي والحضاري.

الموقع

تنتصبُ هذه القرية على المنحدرات الغربية لجبال نابلس، مشرفة على أحد أهم طرقات فلسطين التي تربط شمالها بجنوبها. هكذا عرفها الرومان بكونها طريق ضامن لهم. ولقد أُقيمت مجدل يابا على الجانب الشرقي من هذا الطريق، كما أنّها كانت إلى الشرق من طريق عام يمتد من اللد ويتفرع إلى فرعين أحدهما يؤدي إلى مدينة يافا والآخر إلى مدينة طولكرم. وحظيت القرية بأنْ مرّ فيها خط سكة الحديد اللد – طولكرم على بُعد كيلومترين تقريبًا إلى الغرب منها. 

عمليًا فإنّ القرية تقع على بعد 18 كم إلى الشمال الشرقي من مدينة الرملة. وترتفع 110 أمتار عن سطح البحر. وبلغت مساحة أراضيها الاجمالية حوالي 26600 دونمًا. ولا بدّ من الاشارة هنا إلى أنّ القرى المحيطة بها هي: كفر قاسم والزاوية ورافات ودير بلوط.

الاسم ومعانيه

سمّاها الرومان “أفيكو بيرغوس” أي “برج أفيق”. أمّا الصليبيون فأسموها “كاسل ميرابل” أي القلعة المدهشة. حيث جعلوها مركزًا إداريًا لهم أثناء احتلالهم لفلسطين وبقيت بقبضتهم إلى أنْ حررها صلاح الدين الأيوبي سنة 1187.  في حين أنّ ياقوت الحموي عرّف بها باسم “مجدل يافا” أي أنّها تنتسب إلى يافا بوابة فلسطين على ساحلها الجميل. وتمّ تحريف الاسم إلى “يابا”، وبقي ملتصقًا بها بصيغته هذه.

في حين أنّه منذ قرنين ونصف تقريبًا تمّ تسميتها بـ “مجدل الريّان” نسبة للعشيرة العربية التي سكنتها وهم من آل الريان. أمّا كلمة “مجدل” فتعني البرج. وهناك عدّة مواقع تحمل هذا الاسم في فلسطين. أمّا تسميتها بـ “مجدل الصادق” فنسبة إلى أحد زعماء عشيرة الريّان المذكورة وهو الشيخ محمد الصادق الجماعيني الذي اتخذ من قلعة القرية التاريخية مقرًّا له، حيث أشرف من خلاله على الطرقات لفرض الأمن باسم الدولة العثمانية. ومن هنا تحمل القرية الاسمين: مجدل يابا/ مجدل الصادق.
 

المكونات السكانية

بلغ عدد  سكانها 726 نسمة في العام 1922 . ليرتفع في العام 1948 الى 1763 نسمة موزعين على 414 بيتًا. ولقد شقَّ شارع رئيسي القرية وشطرها إلى جزئين، فتناثرت عائلاتها بين هذين الشطرين. وعائلات القرية: آل عمر، السلع، ايوب، عليان، الرياحي، الأقرع، الدقروق، أبو صفية، العجلة، ابو ربيع، حجازي، ابو كاملة، المدني، ضمرة، الريّان، العابد، الخطيب، سمارة، الساحلي، حميدان، قزع، يحيى، الأعرج، غيث، شهيل، الطريفي، الجعافرة، محمود الصالح.

وارتزق السكان من الزراعة في الأساس لوفرة المياه المتدفقة من ينابيع القرية والجوار. ونذكر من المحاصيل التي زرعها أهالي القرية: الحبوب كالقمح والشعير والذرة والسمسم. كذلك اعتنوا بزراعة الخضراوات والأشجار الثمرية، وأبرزها الحمضيات على انواعها. في حين أنّ عددًا لا بأس به من السكان عمل في الكسارات التي أقيمت قرب القرية، وشكلت مصدر رزق لهم، علمًا أنّها كانت أيضًا موقعًا للصراعات والتجاذبات بينهم وبين المستوطنين اليهود الذين سعوا إلى الاستيلاء عليها، ومنع أي عامل عربي من العمل فيها. واشتد الصراع خلال الثورة الفلسطينية الكبرى في الثلاثينيات.

المؤسسات الخدمية

وكانت قد تأسّست في القرية مدرسة للذكور في العام 1888 ساهمت في تعليم عدد من أبنائها القراءة والكتابة. وخلال فترة الانتداب البريطاني وفد إلى هذه المدرسة عددٌ من الطلاب من بعض القرى المحيطة بها. ووصل عدد الطلاب فيها إلى 150 طالبًا في أواسط الأربعينيات من القرن الماضي. ولا بدّ أن نشير إلى أنّه بسبب موقعها الاستراتيجي على مفترق طرقات مهم في فلسطين فقد تأسّست فيها عيادة طبية في أواخر العهد العثماني لتوفر الخدمات الصحية لسكانها والجوار. 

تاريخ قديم للقرية

تفيدنا الدراسات الأثرية والتاريخية إلى أنّ استيطانًا بشريًا بدأ في موقع مجدل يابا منذ 4500 عام قبل الميلاد، وتحديدًا في موقع رأس العين المجاور لموقع المجدل. ثم امتدّ الاستيطان ليصل إلى أراضي مجدل يابا. وورد ذكر لها في الكتابات المصرية القديمة، أي من القرن الثامن عشر قبل الميلاد. وعثر المنقبون على بقايا مقابر وقبور متناثرة في أراضي القرية. وأصبحت مركزًا اداريًا للحكم المصري أيام الفرعون امنحوتب الثاني. ووقعت القرية ومناطقها تحت حكم “الفلستيين” أي 1150 ق.م. وأشارت التوراة إلى الموقع بكونه نقطة انطلاق هجمات الفلستيين على التجمعات اليهودية. ونجح الفلستيون من تسديد هجمتين حاسمتين ضد مواقع يهودية، وتمّ خلال الاخيرة من الاستيلاء على تابوت العهد. وهذا ما يؤكد أهمية الموقع ونبضه بالحياة والحيوية. وفي فترة الحكم الروماني جعلها هيرودس الملك نقطة مركزية على الطريق الرئيسي باتجاه يافا، وأطلق عليها اسم “مدينة انتيباتريس” على اسم والده انتيباتر، وذلك عشر سنوات قبل الميلاد. 

أمّا سفر أعمال الرسل من العهد الجديد فيفيدنا أنّ القديس بولس مرّ فيها وجعل مبيته في أحد بيوتها. وتعرّضت المدينة إلى دمار شبه شامل إثر معارك الرومان ضد مجموعات يهودية ثائرة. وجرت محاولة لإعادة توطين بعض العائلات فيها في نهاية الفترة الرومانية، إلاّ أنّ هزّة أرضية أتت عليها في عام 363 ميلادية. 

وتُفيدنا المصادر التاريخية العربية أنّ عبدالله بن علي عم الخليفة العباسي الأول أبو العباس السفاح قد دعا إلى هذا الموقع 80 أميرًا من العائلة الاموية في عام 750 ميلادية واعدًا اياهم بمنحهم الأمان، إلاّ أنّه أعملَ السيف فيهم وصفاهم جميعًا. في حين أنّ العباس ابن الموفق انتصر على خمارويه بن أحمد ابن طولون في معركة الطواحين القريبة من نهر العوجا المار قرب قرية مجدل الصادق وذلك في 885 ميلادية. وفي فترة حكم الفاطميين تمّإالقاء القبض على افتكين الحاكم الحمداني لحلب بالقرب من نهر العوجا ووضع في سجن قلعة مجدل الصادق.  

 وتلعب القرية، وخصوصًا قلعتها دورًا مركزيًا في المواجهات التي وقعت بين المسلمين والفرنجة (الصليبيون). واتخذها الصليبيون مركزًا لهم يتحكمون بواسطته في المنطقة كافة. وبقي بيدهم إلى أنْ سقطت يافا بيد السلطان ظاهر بيبرس المملوكي في 1266. ولم تمضِ سنة إلاّ واتخذ قرارًا بهدم أجزاء من القلعة منعًا لعودة الفرنجة إليها، أسوة بما تمّ فعله في عدد كبير من القلاع والحصون في طول فلسطين وعرضها.

وورد ذكر للقرية في السجل الضريبي  العثماني الشهير من العام 1596م مشيرًا إلى أنّ عدد العائلات التي سكنت المكان كان ثمانية، وعدد أفرادها حوالي 40 نسمة فقط. وحاول الجنرال كليبر جعلها مقرًّا لجنوده أثناء سيرهم نحو حصار عكا في آذار 1799 إلاّ أنّ قصف المدفعية التركية جعله يعزف عنها.

وبمبادرة من الشيخ محمد الصادق الجماعيني أعادَ الحياة من جديد إلى القرية بعد أنْ استولى على الموقع، وخصوصًا قلعتها التي قام بترميمها وجعلها لسكنى عشيرته من آل الريّان. وكان جيمس فين القنصل البريطاني في القدس قد زار القلعة وبات فيها ليلة وأشار في كتابه “أزمنة مثيرة” إلى وجود آثار لكنيسة بيزنطية إلى جوار القلعة، وبقية نقوش تشير إلى ذلك. وفرضت عشيرة أل الريّان سطوتها على المنطقة وجبت الخاوة والاتاوة من المارين والمسافرين بين يافا والقدس. إلاّ أنّ دورهم هذا تراجع ابتداء من النصف الثاني من القرن التاسع عشر. عِلمًا أنّهم استمروا في خدمة الدولة العثمانية في تحصيل بعض أنواع من الضرائب.    
 

المعالم الدينية

كان في القرية مسجد ومقبرة ومقامين. فالمسجد تمّ بنائه في العام 1935 على نفقة أهالي القرية وبالتعاون مع المجلس الاسلامي الأعلى في أرض تتوسط القرية ليسهل على المصلين الوصول إليه من كافة حارات القرية. وكان للقرية مقبرتان عامة وخاصة، فالعامة كانت على الطرف الشمالي من القرية تخدم السكان في دفن موتاهم. أمّا الخاصة فكانت لعائلة الضمرة.

 أمّا المقام المعروف في القرية فيحمل اسم “براز الدين”، ويقع على تلة إلى الشمال من القرية ويقابل قلعة الصادق. وأجريت فيه ترميمات قبل عقدين من الزمن. وتنتشر حول المقام قبور آخرها قبل سقوط القرية بيد الاحتلال الإسرائيلي. واللافت أنّ فوق المقام شجرة خروب معمرة. وتمّ تسييج المقام إلاّ أنّ أيد لثيمة وآثمة عبثت به. أمّا المقام الثاني فهو للنبي ثاري، ونقشت على قبته آية الكرسي.   

 وكان في القرية موقعين خاصين بطريقتين صوفيتين أقام اتباعها صلواتهم ومجالس ذكرهم فيها. و”الخلوة” كانت تخصُّ آل الضمرة. أمّا الزاوية الشاذلية فكانت منتشرة هي أيضًا في القرية. وقدّر بعض أهالي القرية أنّ 20% من سكانها تتبعوا الطريقتين الصوفيتين.

احتلال القرية وسقوطها

في اليوم الذي تمّ فيه احتلال مدينة الرملة انتشرت بعض الوحدات الاسرائيلية من لواء الكسندروني في أراضي قرية مجدل يابا. وفي 12 تموز 1948 انتزعت هذه الوحدات السيطرة على المنطقة من أيدي القوات العراقية التي كانت ترابط فيها. وكانت وجهة الوحدات الوصول إلى منابع رأس العين حيث أنّ احتلالها يساهم في سيطرة اسرائيل على منابع نهر العوجا (اليركون) الذي كان أحد مزودي القدس بالمياه. وتشير بعض المصادر التاريخية العربية والإسرائيلية على حد سواء إلى أنّ القوات العراقية حاولت استعادة الموقع إلاّ أنّها واجهت هجومًا قويًا من اللواء المذكور، فانسحبت من المنطقة. وكان مصير أهالي قرية مجدل الصادق والقرى المجاورة الترحيل وهدم البيوت وتخريب المزارع منعًا لعودتهم إليها. وأقامت الحكومة الاسرائيلية عددًا من المستعمرات على الأراضي التابعة للمجدل، منها: “عينات”، و”روش هعاين”، غفعات هشلوشا”، نحشونيم”. أمّا في موقع القرية ومن حوالي قلعتها انتشرت البيوت التي أشرنا إليها، فلم يبقَ منها إلاّ حطام وحجارة متناثرة. وبعض الآبار البيتية والزراعية المنتشرة فيها. 

مجدل الصادق حديقة وطنية إسرائيلية وأصحابها يبقون لاجئين

أعلنت سلطة الحدائق الوطنية في اسرائيل في مطلع العام 2021 عن تخصيص ألفي دونم حوالي قلعة المجدل لتكون حديقة وطنية وموقعًا سياحيًا بعد أنْ تمّ تأهيل المكان لهذه الغاية. على أنْ تفتح الحديقة ابوابها في الفصح العبري للعام ذاته. وتمّ اتخاذ “مجدال تصيدق” تسمية للمكان بدلا من اسمه الحقيقي (أي عبرنة الاسم). بالإضافة إلى عدم الاشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى أنّ عائلات فلسطينية وعربية عاشت لفترات طويلة في المكان  وتمّ تهجيرها على يد الاحتلال الاسرائيلي. 

The post مواقع النكبة: مجدل يابا (الصادق)… القلعة المدهشة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>