مواقع النكبة: جمزو… شقيقة اللد والرملة

بئر مياه، آثار بيت، أحراش، مقبرة

جوني منصور

باحث من فلسطين

وشارك اهال من القرية في الثورة أو الهبة الفلسطينية لعام 1929 والثورة الفلسطينية الكبرى لعام 1936 إلى جانب الثوار والمقاومين ضد الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني. وشهدت القرية نفسها سلسلة من التظاهرات الاحتجاجية على ممارسات حكومة الانتداب. 

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

04/10/2021

تصوير: اسماء الغول

جوني منصور

باحث من فلسطين

جوني منصور

تقع هذه القرية في الجهة الشرقية من مدينتي اللد والرملة، على بعد 4 كم من اللد، ونحو 5 كم من الرملة. وترتفع 164 مترًا عن سطح البحر. وتقع عمليًا على طرف السّهل الساحلي الفلسطيني في موقع متوسط بين الشمال والجنوب، أي منتصف فلسطين تقريبًا.

تمّ تسميتها بـ “الأخت الصغرى للد والرملة” لكونها قريبة منهما، وكان لها علاقات اقتصادية واجتماعية معهما يوميًا. 

ويُحيط جمزو وأراضيها عدد من القرى، وهي: زكريا، خربة القبيبة، دير أبي سلامة، الظهيرية، دانيال، عنابة، خروبة، برفيليا وغيرها. ما يؤكد كثافة السكن البشري فيها والنشاط الاقتصادي لقُربِها من المدينتين المذكورتين، بالإضافة إلى المدينة الرئيسية “يافا” التي لا تبعد عنها سوى 22 كم. أمّا مساحة أراضي القرية فبلغت 9681 دونمًا، لم يملك اليهود منها شبرًا واحدًا.

مصدر ومعاني الاسم “جِمزو”

“جمزو” بكسر أوّله وسكون ثانيه وضم ثالثه وفي آخره واو. قيل إنّ اسمها منسوب إلى بطريرك من العهد البيزنطي اسمه “جمزا”. وفي رواية ثانية أنّ الاسم يعود إلى الفترة الرومانية لكثرة انتشار شجر الجميز في أراضيها، علمًا أنه في فترة ما قبل النكبة لم يبقَ فيها من هذا الشجر أي واحدة. في حين أنّ الرواية الثالثة تنسب الاسم إلى العهد القديم (التوراة) لتعني بـ “كم هذا”. وهذه الرواية غير واضحة الخطوط بالمرّة. ويُرجّح كثيرون أنّ تسمية القرية بهذا الاسم يعود إلى وفرة أشجار الجميز في أراضيها. وهو شجرٌ يشبه ثمره ثمار التين، ويؤكل.

احصائيات السكان

تفيدنا المصادر التاريخية أنّ عدد سكان جمزو في بداية العهد العثماني أي في 1596 بلغ 154 نسمة حينها كانت القرية تابعة للواء غزة. ووصفها عدد من الرحالة الأوروبيين الذين ساحوا في فلسطين في القرن الـ 19 بأنّها كبيرة من حيث السكان(لم يشيروا إلى العدد) وان بيوتها من الطين والحجارة. أمّا بموجب احصاء الانتداب البريطاني الأول من العام 1922 فأشار إلى 897 نسمة. والإحصاء الانتدابي الثاني من العام 1931 أشار إلى 1081 نسمة. ليرتفع العدد في 1945 إلى 1510 نسمة، وعشية النكبة إلى 1940 نسمة، موزعين على 440 بيتًا. ويُقدر عدد أهالي جمزو في اللجوء والمهجر قرابة 12 ألفًا تقريبًا، ولهم جمعية مقرّها في الأردن.

أمّا أبرز العائلات فهي: الدبشة، القُزعة، آل القطيش، آل الشايب، آل عمرو، آل حسان، آل النجار، دار سلامة، آل عساف، آل كنعان وغيرها.

واعتمد أهالي القرية في معيشتهم على الزراعة وخصوصًا الحبوب والحمضيات ورعاية المواشي وتربية النحل لانتاج العسل. وبعض الشباب عمل في الأشغال الحرّة أو العمل في ورشات المدن القريبة كاللد والرملة ويافا.

معالم القرية الرئيسية

المسجد: كان في القرية مسجد واحد، موقعه في أعلى مكان في القرية. وتألف المسجد من طابقين. الطابق السفلي فيه حواصل كانت لجنة الوقف المحلية تؤجرها وتعود مداخيلها على مصلحة المسجد وما يتطلب من مصروفات. أمّا الطابق الثاني فكان واسعًا ورحبًا.

المضافة: عبارة عن غرفة واسعة مُلاصقة لمبنى المسجد، وتمتد أمامها ساحة واسعة مكشوفة فيها بعض أشجار الكينا التي وفرت ظلالاً للوافدين الى المضافة. واستخدمت المضافة كمكان لاجتماع كبار الأهالي للتداول في شؤون القرية. كما أنّ المضافة كانت بمثابة نُزل للغرباء والضيوف في أحيان كثيرة. وشكلت المضافة أحد أبرز مظاهر الحياة الاجتماعية في القرية. ومضافة جمزو كانت وحيدة في القرية، ووحدت حمائل القرية حتى في أوقات خلافاتها البينية. 

الزاوية: وهي عبارة عن بناء مكون من غرفة واسعة في وسط القرية، واستخدمها اتباع الطريقة الصوفية المعروفة بـ “الخلوتية”. وأضيف إلى اسم الطريقة في جمزو التالي: “الطريقة الخلوتية الرحمانية الجامعة” نسبة إلى اسم مؤسّسها عبد الرحمن الشريف الحسيني ولأنّها جمعت بين الطرق الصوفية الأخرى التي انتشرت في عدد من القرى والمدن الفلسطينية.

وكانت تعقد في هذه الزاوية حلقات الذكر والتسبيح والمناقشات الدينية والاجتماعية. وكانت في بعض الأحيان أشبه بمدرسة تعليمية يطرح السائل سؤاله ويتلقى ردًّا من الشيخ الصوفي. وكانت الزاوية تقوم بجمع التبرعات لإرسالها إلى تكايا الخليل الخيرية. وتولى أبناء الشيخ وأحفاده من بعده خدمة هذه الزاوية إلى أنْ وقعت النكبة.  

مقام الشيخ أحمد الجمزاوي:  يعتبر أحد الأولياء الصالحين. ولا نملك عن حياته الكثير، سوى أنّه كان من المتصوفة يتبع الطريقة الجيلانية. وتفيدنا بعض المصادر إلى أنّه منسوب إلى حمولة الغليظ أو جحلش (هكذا كان أهالي القرية ينادون أفراد العائلة).  

أمّا المقام ذاته فهو عبارة عن “حويطة” أو بناء صغير تظلّـله شجرة خروب كبيرة مُعمِّرة. وموقع المقام على الطرف الشمالي الشرقي من الجزء الثاني للمقبرة على الطريق الرئيس العام الذي يربط القرية بالقرى الأخرى شرقًا وبمدينة اللد غربًا. وُيعتبر هذا المقام كغيره من المقامات المنتشرة في فلسطين مكانًا لوفاء النذور بواسطة إضاءة السرج وتقديم الذبائح والمآكل في بعض المناسبات.

المدرسة: تأسّست مدرسة القرية في العام 1920. وتولّى التعليم فيها معلم واحد في بدايتها. ثم مع نمو الصفوف فيها تمّ اعتماد عدد إضافي للتعليم فيها. وبلغ عدد صفوفها في عام النكبة الصف السادس الابتدائي. وفيها 175 طالبًا مُوزّعين على ثلاثة غرف. وكانت القرية تدفع راتب معلمين والمعارف تدفع للآخرين.

معاصر الزيتون: كان في القرية ثلاثة معاصر: معصرة دار عيسى، معصرة دار الزق، ومعصرة دار ذيبة. ويسمي أهالي جمزو المعصرة بالتسمية القديمة “البّد”.

مطحنة الحبوب: كان في القرية قبل العام 1948 مطحنة واحدة حديثة لطحن الحبوب على أنواعها كالقمح والشعير والذرة وغيرها. 

جمزو عبر التاريخ

تشير المكتشفات في أراضي جمزو أن الإنسان عاش فيها منذ عصور ما قبل التاريخ، ومارس أعمال الزراعة على أنواعها المعروفة في تلك الحقبة. ولقد عُثِر المنقبون على أدوات زراعية يعود تاريخها إلى العصر الحجري. وفي العصر الإسلامي انشئت جمزو على اراضي بلدة جمزو الكنعانية لتتابع مسيرتها العمرانية والحياتية. فبقي الاسم على ما كان. وورد اسم القرية في جداول معبد الكرنك في صعيد مصر من القرن الـ 15 قبل الميلاد. وورد أيضًا ذكرها في أسفار العهد القديم. ووقعت جمزو تحت الاحتلال الفرنجي وشهدت تحريرها على يد صلاح الدين الأيوبي بعد معركة حطين. ووصف الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين القرية ومحيطها بأنّها شهدت انتعاشًا اقتصاديًا في القرن التّاسع عشر ساعد بعضًا من أهاليها على تطوير اقتصادهم. وتبعت القرية قضاء الرملة في الفترة الانتدابية وفقـًا للتقسيمات التي أجرتها حكومة الانتداب في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين.

وشارك اهال من القرية في الثورة أو الهبة الفلسطينية لعام 1929 والثورة الفلسطينية الكبرى لعام 1936 إلى جانب الثوار والمقاومين ضد الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني. وشهدت القرية نفسها سلسلة من التظاهرات الاحتجاجية على ممارسات حكومة الانتداب. 

الاحتلال والسقوط

وفور صدور قرار التقسيم رقم 181 انطلقت العصابات العسكرية اليهودية بتنفيذ سلسلة من الهجمات على قرى ومدن فلسطين. أمّا جمزو فقد تعرضت الى هجوم من هذه العصابات بعد هدنة الأيام العشر في شهر تموز 1948. إذ كانت وجهة العصابات احتلال اللد والرملة ومحيطهما. وأرادت القيادة العسكرية اليهودية تغيير الحدود بواسطة توسيع الرقعة التي تمّ منحها للدولة اليهودية وفقًا لقرار التقسيم. فقام لواءان من البالماح وعددهم تجاوز الخمسة آلاف عنصر بإحاطة القرية من الجنوب والشمال وفتح الطريق بالترحيل باتجاه الشرق. فما أنْ أتّموا احتلال قرية عنابة المجاورة حتى وصلت أخبارها إلى الأهالي فأسرعوا إلى الهرب خارج القرية. إلاّ أنّ العصابات لاحقتهم وأطلقت عليه النار منعـًا لعودتهم إلى القرية. ولقد استشهد عدد من أبناء القرية أثناء الهجوم والهروب منها.

وبعد أنْ سيطر اليهود على القرية أقاموا لهم مقرًّا عسكريًا فيها وسيطروا على تلّتها الاستراتيجية التي تتحكّم بالطرق المؤدية من وإلى اللد والرملة. وبهذه الطريقة، أي بعد احتلال جمزو وعدد من القرى الاخرى القريبة والسيطرة على الطرق الرئيسة انفردت العصابات باحتلال اللد والرملة وتشريد سكانها. وارتكب اليهود ابشع اشكال المذابح في اللد يشهد لها التاريخ بوحشيتها.

في حين أنّ الجيش العربي الأردني كان قد أرسل إلى تلك المناطق دورية تابعة للوائه الثالث  في الحادي عشر من تموز 1948 فطردت القوة الإسرائيلية المعتدية. فتجهز الأهالي في القرى المجاورة الذين تركوا قراهم، بهدف العودة إلى جمزو إلاّ أنّ الدورية الاردنية انسحبت من القرية وعاد اليهود إلى احتلالها من جديد. وتُشير بعض الوثائق إلى أنّ القائد البريطاني المسؤول مباشرة عن الجيش الاردني بعث برسالة أمر فيها القوات العربية الاردنية بالانسحاب من المنطقة عن طريق جمزو وعنابة وبيت سيرا. فتفرّغت المنطقة لاحتلال الجيش الإسرائيلي لها في عملية عسكرية أطلق عليها اسم “عملية داني”. وقام هذا الجيش بمسح معظم معالمها مباشرة منعًا لعودة سكانها اصحاب الارض الاصليين. وانتشر عدد من عائلات القرية في مدن الضفة الغربية كالخليل ومنهم من انتقل إلى عمان طلبا للعمل والرزق.

دُمّرت القرية بالكامل وأُزيلت معظم بيوتها إلاّ القليل منها استخدم مخازن للمستعمرة التي أقامتها حكومة إسرائيل بالاسم ذاته في العام 1950.

الكاتب: جوني منصور

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع