مواقع النكبة: معلول… بلد الربيع الدائم

جوني منصور

باحث من فلسطين

وأُقيمت على أراضي القرية قاعدة عسكرية تابعة للجيش الاسرائيلي، بالإضافة إلى عدد من المستعمرات اليهودية مثل كفار هجورش ومجدال هعيمق ورمات دافيد، وعدد من المصانع والمعامل الاسرائيلية. 

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
خمس ممثلات إيطاليات أيقونيّات (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

04/08/2021

تصوير: اسماء الغول

جوني منصور

باحث من فلسطين

جوني منصور

“يتشارك أهالي معلول الأفراح والأحزان، وكانت تسود المحبة والاحترام بين الجميع، وحتى أن للقرية تقاليد خاصة في الأفراح. وكانت في القرية لجنة تعيد لكل صاحب حق حقه دون الاستعانة بالشرطة أو بأي جهاز من خارج القرية، وكانت كل مشاكلها الصغيرة والكبيرة وهي نادرة تُحلُّ داخل البلدة بالتسامح والعفو”. (جاد سابا سالم، من مواليد القرية في عام 1922).
 

قرية فلسطينية لا تبعد سوى 6 كم إلى الغرب من مدينة البشارة “الناصرة” شمالي فلسطين، وتتبع قضاء الناصرة (حسب التقسيمات الإدارية من فترة الانتداب البريطاني). في حين أنّها ترتفع 275 م عن سطح البحر. 

الاسم ومعانيه

أمّا الاسم فيظن البعض أنّ معناه “المدخل” بحسب اللغة الآرامية. في حين أنّ آخرين يظنون أنّ المعنى هو المكان المرتفع. وهناك بلدة “معلولا” في سوريا والتي تقع شمال شرق العاصمة دمشق على بعد 56 كم تقريبًا، ويتكلم أهلها اللغة الآرامية الحديثة، وهي نفسها اللغة التي تكلّـم بها السيد المسيح قبل ألفي عام. طبعًا إلى جانب اللغة العربية . وقرية معلول التي نحن بصدد الحديث عنها تقوم على موقع بلدة من الفترة الرومانية عرفت باسم “مهلول”.

أرقام وإحصائيات

ووفقًا للإحصائيات فإنّ عدد سكانها في أواخر العهد العثماني بلغ حوالي 300 نسمة، ليرتفع إلى 346 نسمة في أوّل إحصاء أجرته حكومة الانتداب البريطاني، و800 نسمة في عام النكبة، ثلثاهم من المسلمين وثلثهم من المسيحيين.

وبلغت مساحة أراضي القرية 4698 دونمًا، نُقل حوالي ألفين منها في العهد العثماني لملكية آل سرسق من بيروت، الذين بدورهم باعوها إلى الصندوق القومي اليهودي. ولم يبق لأهالي القرية سوى ألفي دونمًا. ولجأوا إلى المحاكم الانتدابية لتسوية أمرهم. وبعد تسويف ومماطلات من طرف الحكومة الانتدابية نالوا حقًا باستعمال أرضهم مقابل بدل إيجار. ولكن ذلك لم يدم طويلاً، إذ وقعت النكبة، وفقدوا كل ما لديهم من أرض وبيوت وممتلكات. 

مصادر الرزق

اعتمد أهالي القرية في معيشتهم على الزراعة وأهمها الحبوب على أنواعها والزيتون ورعاية المواشي، في حين أنّ بعضًا منهم اشتغل في المرافق التجارية والصناعية التي توفرت في مدينة حيفا التي تبعد عن القرية بحوالي 26 كم. 

احتلال القرية وسقوطها

وسقطت القرية بيد الجيش الاسرائيلي خلال المرحلة الثانية من عملية “ديكل”، وتحديدًا قبل يوم واحد من استيلاء هذا الجيش على مدينة الناصرة في 15 تموز 1948. وشرعت قوات الاحتلال بترحيل السكان وهدم منازلهم وتسويتها بالأرض، ما عدا أماكن العبادة الاسلامية والمسيحية. ولجأ معظم أهالي القرية إلى يافة الناصرة القرية المجاورة، وبعض العائلات اتجهت نحو مدينة الناصرة.

وأُقيمت على أراضي القرية قاعدة عسكرية تابعة للجيش الاسرائيلي، بالإضافة إلى عدد من المستعمرات اليهودية مثل كفار هجورش ومجدال هعيمق ورمات دافيد، وعدد من المصانع والمعامل الاسرائيلية. 

من آثار القرية

تنتشر في القرية آثار تعود إلى فترات وحقب تاريخية مختلفة، وكذلك مدافن ونقور صخرية. وفي القرية آثار لموقع يُطلِق عليه الأهالي اسم “قصر الزير”، وقد زالت معالمه في نهاية القرن الـ 19. وورد ذكر له في كتاب فيكتور جيرين “وصف فلسطين”. وكذلك في وثائق وأوراق بعثة صندوق استكشاف فلسطين البريطانية. في حين أنّ عددًا من أهالي القرية الباقين على قيد الحياة يطلقون على هذا الأثر اسم “دار القصر”. وكان هذا القصر يتكون من طابقين وتحمل أسقفه أعمدة ذات تيجان من الطراز الأيوني. واستعملت بعض أطرافه كمدافن فاخرة للذوات من أهالي المنطقة. وجدير ذكره استنادًا الى التاريخ الشفوي الذي يتناقله الأهالي أنّه استعمل ككنيسة للروم الارثوذكس حتى إنشاء كنيستهم الباقية حاليًا في القرية في الربع الأخير من القرن الـ 19.

معالم دينية

  1. المسجد: ويقع غربي كنيسة الروم الكاثوليك. شُيّد في عام 1932 وهو مستطيل الشكل. هُدِم جزء من واجهته الأمامية على يد جرافة اسرائيلية عملت في الموقع قبل عِقدٍ من الزمن. وتمّ تدعيم سقفه بدعامات حديدية بمبادرة من أهالي القرية النازحين عنها عنوة إلى بلدات مجاورة، سعيًا للحفاظ عليه.

  2. مقام النبي صالح: ويقع داخل مغارة عليها شجرة بطم. واعتاد أهالي القرية من مسلمين ومسيحيين تقديم نذورهم عند المقام على مدار أيام السنة دون تحديد أي يوم أو موسم خاص به.

  3. مقابر المسلمين: للمسلمين مقبرتين. الأولى وتقع في الجزء الغربي من موقع القرية، وبلغت مساحتها 4 دونمات. أمّا الثانية فقد طمست معالمها بالكامل.

  4. كنيسة مار الياس الارثوذكسية: وتقع في الجهة الجنوبية من مركز القرية، تمّ بنائها في سنة 1884. يتكون سقف هذه الكنيسة من ثلاثة عقود مصلبة، ولها مدخلان واحد من الجنوب والآخر من الغرب. وتسندها دعامات خارجية من الشمال والجنوب والغرب. أمّا مساحة الكنيسة فتبلغ 8 × 16 م تقريبًا أي حوالي 128 مترًا مربعًا. وتمّت مؤخرًا عملية ترميم الكنيسة من الداخل والخارج وصيانتها.

  5. كنيسة الروم الكاثوليك: وتقع إلى الشمال من الكنيسة الارثوذكسية. بادر إلى بنائها المطران غريغوريوس حجّار (المعروف بلقبه “مطران العرب”) وذلك في سنة 1932. وتبلغ مساحتها 176 مترًا مربعًا. لها ثلاثة أبواب من الغرب والشمال والجنوب. وتم بناء 3 غرف إلى جانب الكنيسة، واحدة لتعليم أولاد القرية من مسلمين ومسيحيين واثنتان لسكن كاهن القرية. وجرى ترميم بعض أجزاء من الكنيسة بعد أن انتشر فيها الخراب منذ عام النكبة وتشريد الأهالي عنها. ويقام قداس عيد الفصح في الكنيسة ويشارك فيه كافة أهالي القرية المسيحيين والمسلمين الذين يتوافدون إلى قريتهم حبًّا لها. 

المعالم العامة

  1. مدرسة القرية: استعملت إحدى الغرف الملاصقة بالكنيسة الكاثوليكية مدرسة لطلاب القرية باعتبارها ابتدائية فقط. ودرس فيها الطلاب المسلمون والمسيحيون. في حين أنّ البالغين منهم توجّهوا لأتمام دراستهم إلى قرية “المجيدل” المجاورة وفيها مدرسة ابتدائية وما يشبه الاعدادية. ومنهم من اتجه إلى مدارس الناصرة القريبة هي الأخرى. وجدير ذكره هنا أنّ الجمعية الروسية الفلسطينية القيصرية قد أنشأت مدرسة لها أسوة بعدد آخر من القرى في فلسطين وذلك في عام 1905، واستمرت هذه المدرسة في تقديم خدماتها التعليمية والتربوية إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى بعدة سنوات، وأشرف على إدارتها الأستاذ خلف الصباغ.

  2. أودية القرية وعيونها المائية: يفصل وادي الحلبي أو الصفصاف الواقع في جنوبها الغربي بين أراضيها وأراضي قرية المجيدل المجاورة. وتقع عين البص في شمالها الشرقي، وعين البلد في شمالها الغربي.

علاقة الأهالي بالقرية

بالرغم من أنّ الاحتلال الاسرائيلي قد دمّر بيوت ومعالم القرية عن بكرة أبيها ما عدا أماكن العبادة فيها. وبالرغم من قيام الصندوق القومي اليهودي بتشجير القرية ومحيطها بشجر الصنوبر ليخفي القرية، إلاّ أنّ الأهالي الأوفياء لقريتهم يقومون بتنظيم زيارات مستمرة ودون توقف إلى القرية، كما أنهم ينظمون جولات تعريفية لمجموعات لها اهتمام بموضوع القرى الفلسطينية المهجرة، إلى جانب سعيهم الدؤوب إلى إبراز قضية القرية من خلال الافلام الوثائقية والبرامج الإخبارية على الوسائل الإعلامية المتاحة. وتشهد أراضي القرية في السنوات الأخيرة سلسلة من مسيرات الربيع التي يشارك فيها الابناء والكبار وضيوف من بلدات اخرى. كذلك، بدأ الأهالي بعقد أكاليل الزواج في الكنيسة والتي منعوا منها في السابق. وتحمل هذه الخطوة رمزية مهمة وثمينة بالنسبة لاستمرارية تمسّك الشباب بحقّهم في قريتهم والعودة إليها. أمّا قمّة الفعاليات التي ينظمها اهالي القرية فهي المشاركة في احتفالات عيد الفصح معًا وسط حضور جماهيري لافت لأهالي القرية وزوارها. 

حكاية سلوى سالم مع قبر والدها

وهي حكاية انتشرت سريعًا عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي قبل عامين. فسلوى سيدة من معلول متزوجة ولها أبناء. لما بلغت السبعين من عمرها قررت زيارة قبر والدها في مقبرة المسيحيين في قريتها معلول. وهذه المقبرة ضمتها حكومة اسرائيل إلى المعسكر المجاور وجعلتها منطقة مغلقة خاضعة للنظام العسكري وقوانينه. ورفضت حكومة اسرائيل السماح للسيدة سلوى الوصول الى المقبرة وزيارة قبر والدها. فلجأت السيدة سلوى إلى مركز “عدالة” في حيفا وهو المركز القانوني للدفاع عن حقوق الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل طالبة مساعدة قانونية لأنها شعرت أن من واجبها الاخلاقي والانساني والقانوني زيارة قبر والدها الذي استشهد في 17 نيسان 1948 برصاص العصابات الصهيونية أثناء توجهه إلى عمله مع مجموعة من العمال من أهالي القرية. وكانت سلوى حين استشهاده جنينا في رحم والدتها. وولدت بعد استشهاده بأسبوعين. وحاولت بكل الطرق الوصول إلى قبر والدها ولكن محاولاتها باءت بالفشل إلى أن تم تقديم التماس الى المحكمة العليا في إسرائيل بواسطة مركز عدالة المذكور. وتم الاتفاق مع العائلة على تنظيف المقبرة وترميم بعض شواهد قبورها.

وأقرّت المحكمة أنّ من حقِّها زيارة ضريح والدها وملامسته وسط اجراءات أمنية مشدّدة فرضتها وزارة الامن الاسرائيلية، وأبرزها أن تقوم بتقديم طلب في كل مرّة ترغب في زيارة القبر والانتظار لرد من الوزارة المذكورة. ولكن اصرارها وتحقيق رغبتها كانت علامة ورمز للتمسك بالأرض والحق فيها. 

وحظي أيضًا السيد جاد سابا سالم (من مواليد 1922) بزيارة قبر أخيه والد السيدة سلوى في العام 2021 بعد مرور 73 عاما من الحرمان.

جمعية تراث معلول

بادر عدد من أهالي قرية معلول إلى تأسيس جمعية لجمع كل ما له علاقة بتراث القرية من وثائق وصور ومستندات وتسجيل لذكريات الكبار حفاظا عليها، وايضا لاتاحة الفرصة أمام الجيل الشاب بالتعرف على الموروث الحضاري بكل مكوناته والخاص بالقرية. ويترأس الجمعية الأستاذ علي علي الصالح الذي يقول:”دورة الحياة مشتركة بين أبناء القرية الواحدة، وهي ميزة التصقت بأهالي معلول، لهذا جدير بنا القيام بهذه المهمة”. 

معلول باقية بالرغم من محاولات إخفائها

كما في كل بلدة وقرية ومدينة في فلسطين، تعمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على إخفاء معالمها بكل الطرق المتاحة له كالهدم والجرف والطمس والتشجير وتغيير الأسماء من العربية الى العبرية وغيرها من الوسائل، إلا أن أهالي هذه البلدات، وبضمنها معلول قد اعلنوا انهم متمسكون بحقهم في قريتهم بعد مرور عقود طويلة على النكبة. وما الفعاليات والمناسبات الشعبية والاجتماعية والدينية التي يقيمونها إلا دليل قاطع على هذا التمسُّك.

الكاتب: جوني منصور

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع