رامة حيدر - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/341rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:43:12 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png رامة حيدر - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/341rommanmag-com 32 32 ما الذي يحدث في ألمانيا؟ الصياغة الزمنية للثقافة والجامعة والحداثة المبعثرة (ترجمة) https://rommanmag.com/archives/21451 Wed, 07 Feb 2024 08:17:48 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%8a-%d9%8a%d8%ad%d8%af%d8%ab-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7%d8%9f-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%8a%d8%a7%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%85%d9%86/ "الإلغاء الثقافي للفلسطينيين"

The post ما الذي يحدث في ألمانيا؟ الصياغة الزمنية للثقافة والجامعة والحداثة المبعثرة (ترجمة) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
كتبتها آنا مينا، ونشرت في ١٠ يناير ٢٠٢٤، في صحيفة “elsaltodiario” الإسبانية.

سياسة الإلغاء

يمتد تاريخ قمع وإلغاء النشاط الداعم للقضية الفلسطينية في ألمانيا لفترة طويلة. كذلك تاريخ فهم سياق أحداث السابع من أكتوبر، فهو يحتاج إلى نظرة عميقة تتخلل هيكلية السياسة الإسرائيلية في الاستيطان والإبادة الممنهجة للشعب الفلسطيني. كما أن التصاعد القمعي في هذا البلد لا يفعل سوى تكثيف سياسة واضحة وحازمة، موجودة بالفعل. “إنها عاصفة التقدم، سياسة الإلغاء” تماماً كما قال والتر بنيامين، حيث أن الاهتزاز الحاصل في أساسات الحضارة الألمانية الحديثة يؤدي إلى زلزال يُقدّر بست درجات على مقياس ريختر. 

في آذار/مارس 2023 منعت السلطات الألمانية فعالية تضامنية تناقش أهوال النكبة وضحاياها كانت قد دعت إليها منظمات حقوقية فلسطينية ويهودية معاً. الرد على هذا الحظر كان تجهيز فني احتجاجي في حي (نويكولن) صار بعدها مسرحاً للاحتجاجات منذ الثامن من أكتوبر الماضي، فقامت السلطات بتوقيف 170 شخصاً وفرض غرامات كبيرة على العديدين بسبب رفعهم للعلم الفلسطيني، مما أدى إلى إنشاء مبادرة “علينا أن نتحدث” بين العاملين في مجال الثقافة والفنانين، تلك المبادرة قامت بنقل خطابات نقدية لها تأثير عالٍ على المجتمع من مدينة برلين نفسها.

في مثال آخر يعود تاريخه إلى عام 2017 حيث قام البرلمان الألماني بالتصويت ضد حملة الـ BDS الناشطة على صعيد دولي تتلخص بسحب الاستثمارات الرأسمالية وفرض العقوبات على القطاعات الاقتصادية والتجارية المرتبطة بالنظام الصهيوني. لحسن الحظ أن حظرها لم يتم ولكن الكثير من نشطائها واجهوا محاكمات بتهمة معاداة السامية. وبسبب تمتع ألمانيا بصحافة سيئة حتى بين الجماعات اليسارية نفسها فإن حملات المقاطعة أو النشاطات الفنية لم تستطع الحصول على دعم حكومي، بل عانت جداً عند تقدمها بطلب مساحات عامة للحشد الشعبي. شهدنا كيف قام الجهاز الإعلامي والسياسي والأمني بعد السابع من أكتوبر ببذل كل الجهود لإدانة وقمع وتصفية المظاهرات وبدأ الحظر المعلن والصريح بمنع أي احتجاج، بالإضافة إلى حظر الأعلام الفلسطينية والكوفية والكثير من الشعارات. على الرغم من ذلك فإن تظاهرات حي “سونينلالي” لم تتوقف، فقد قرر المحتجون تنظيمها دون موافقات أمنية، حيث يتجمعون بشكل فجائي وتلقائي كل يوم في نفس الوقت ونفس المكان. بعدها بدأت تتشكل مجموعات أخرى تقوم بتنظيم تظاهرات جماهيرية قانونية لها دور بارز في التأثير والضغط، منها تنظيم “فلسطين تتكلم”، “التحالف العالمي لليهود” و”صوت اليهود”، تجمعت كلها من أجل تجاوز محاولات قمع وتفكيك المظاهرات. حيث أنها استطاعت أخيراً فرملة اعتداءات الجهاز الأمني في تظاهرة 28 أكتوبر، فقد تجمع آلاف الأشخاص في العاصمة الألمانية للتنديد بالعنصرية ووقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وبدأت بالفعل التجمعات تُنظم احتجاجات أسبوعية، في المقابل، صار صمت السكان الألمان ذوي البشرة البيضاء مربكاً. 

على الرغم من تلك الحشود التي كسرت حاجز الصمت، وخروج الملايين في العالم للمطالبة بوقف إطلاق النار إلا أن وسائل الإعلام الألمانية  تستمر في إنكار وتجاهل الاحتجاجات ضد المجازر المرتكبة. سنعود للحديث عن التنظيم الذاتي للاحتجاج في وقت لاحق، ولكن دعونا نتوقف الآن عند قطاعين رئيسيين في هذا السياق: القطاع الثقافي والجامعي، حيث يُعتبر كلاهما حالتين نموذجيتين لتصوير الطابع القمعي (الإنكاري والرقابي) للعملاق الأوروبي. مع استمرار المظاهرات الجماهيرية وانتقال العبارات الاحتجاجية بشكل خجول إلى القطاعات الثقافية والتعليمية، لا يتأخر الرد عبر سياسات الإلغاء والقمع الممنهج عبر وسائل الإعلام والقوانين نفسها.

حال القطاع الثقافي المضطرب في ألمانيا

في الأسابيع الأولى من شهر أكتوبر، دخلت المؤسسات الثقافية والتعليمية في ضبابية إدانة الإرهاب ودعم إسرائيل، في انتظار أن تمر العاصفة قريبًا بينما كانت القنابل ما تزال تتساقط على غزة. لكن العاصفة لم تتوقف، وبدأ ذهول الناس يتحول، بشكل خجول، إلى أصوات احتجاج. هذا الخجل الذي بالطبع أساسه “الخوف”، مرض من أمراض عصرنا الحالي كرسته ثقافة الطاعة. تجاوز طلاب الجامعات حاجز الرؤية الأولى، وبدأت أقنعة نظام التقدم الديمقراطي (تلك التي كانت تحملها المؤسسات الجامعية والثقافية كراية خاصة بها) بالسقوط. 

بدأت الوقفات التضامنية والنشاط الداعم والمتضامن، أيضاً نشطت الاجتماعات والمحاضرات، وبقيت الفعاليات الثقافية غائبة، على الرغم من كسر الحصار على التظاهرات في الشوارع. ولكنّ الخوف من الانتقامات كان يسيطر على المشهد الثقافي الألماني. وبدأ منظمون ذاتيون من طيف الحركات الاجتماعية في تنظيم فعاليات الدعم، والعروض، واللقاءات. في حين ظلت القطاعات الثقافية وعالم الفن في صمت. باستثناء مبادرتين تجاوزتا هذا الصمت. وهما المبادرة التي ذكرناها أعلاه “علينا أن نتحدث”، والمساحة “عيون”.

تتألف مبادرة “علينا أن نتحدث” من فنانين ومثقفين أخذوا على عاتقهم قرار التجمع للحديث عن مشاكل “الرقابة والتهديد والإلغاء” التي يواجهها قطاع الثقافة في مدينة برلين. بعد الكثير من التضييق، قرروا تنظيم تجمع آخر يسمى ” لا زلنا بحاجة إلى الحديث”. تمت المظاهرة في 10 نوفمبر. سلطوا الضوء فيها على سلسلة من التدخلات والاختراقات كالرقابة والعنصرية مقابل حرية التعبير في الدولة الألمانية. وقبل كل شيء، عدم التزام الثقافة والمؤسسات الثقافية بالدفاع عن حقوق الإنسان. بالرغم من أنه احتجاج عام، إلّا أنه أيضًا فعل رعاية للذات الثقافية ومواجهتها وبهذا نقد للقطاع الثقافي الذي تم تفتيته بفعل منطق السوق المبعثر.

أما بالنسبة لمساحة “عيون”، فهي مساحة ثقافية مستقلة وغير ربحية تعرّف نفسها بأنها “مكان للنقاش النقدي والتجريب التفكيري والتضامن الراديكالي من منظور مثليي الجنس والنسوية والمجتمع المهاجر”، وقد تعرضت، ما قبل أكتوبر 2023 إلى هجمات قمعية بسبب تنظيمها لفعاليات ونشاطات حول العنصرية المعادية للفلسطينيين. وفي بداية شهر نوفمبر تصاعد تحرش السلطات نحو “عيون”. حيث اتخذ مجلس ثقافة برلين إجراءات نقابية في رسالة مفتوحة تقتضي بإغلاق المركز الثقافي. السبب في ذلك فعالية: “الرثاء والحداد”  التي نظمتها مؤسسة “صوت يهودي من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط”، تلك المؤسسة التي فازت بجائزة “جوتنجن” للسلام. طلب مجلس برلين من “عيون” بإلغاء الحدث بحجة “العبء السياسي الكبير”. لم تتوقف وسائل الإعلام عن مضايقة المكان، واستمر مجلس برلين محافظاً على موقفه حول ما هو “مسموح به”، ولم يتردد في غض النظر عن كل محاولات الشفافية والانفتاح على الآخر متناسياً بنيته  الألمانية المكونة من الذاكرة والصدمة والرثاء والحساسية تجاه العنصرية والأمن، ماشياً عبر نفق المصالح السياسية والاقتصادية مع دولة الاحتلال. 

في شهر ديسمبر، وعلى الرغم من كل التضييقات الحاصلة، دعت مؤسسة “عيون” إلى سلسلة من الفعاليات الداعمة لفلسطين ونادت بالدفاع عن المكان الجامع للكثير من النشطاء والناشطات، وصل الحضور إلى أكثر من ثلاثمئة شخص. في أحد الخطابات العفوية، صرح بعض المثقفين من جنسيات مختلفة : “إن من ندافع عن ديمقراطيتهم هم من الأشخاص المهاجرين”، مبرزين أن الغالبية الساحقة للمشاركين في الحراك هي من المهاجرين، وليسوا هناك فقط من أجل دعم فلسطين، إنما وجودهم يقتضي أيضاً الدفاع عن حرية التجمع والتعبير. لعبت وسائل الإعلام بالتحديد دوراً مهماً في التضييق على الحراك المناصر للقضية الفلسطينية وخاصةً في قمع إضرابات الطلاب في الجامعات الألمانية. وبسبب تعليق المساعدة من مجلس برلين فغالباً سيتعرض الـ  32 موظفاً الذين تضمهم مؤسسة “عيون” لخسارة وظائفهم. هذا ليس إلّا مثالاً على الضغط الذي يتعرض له قطاع الثقافة في ألمانيا. وأشهر مثال على ذلك هو إلغاء جائزة الكاتبة عدنية شبلي في معرض فرانكفورت من قبل مؤسسة هاينرش بول.

المؤسسات التعليمية

بعد السابع من أكتوبر أعلنت جامعة الفنون في برلين دعمها لإسرائيل ونددت بهجمات حماس. إعلان أحادي الجانب يتضمن نشر صورة علم إسرائيل على موقعها الإلكتروني. لم يمر يومان حتى بدأت رسائل الدعم والتشديد على إعلان وخطاب مجلس الجامعة في رسالة واضحة وصريحة مؤكدة على الوقوف بجانب حكومة الاحتلال. لم يتفاعل الطلاب بعد. فبعضهم من أصل فلسطيني وسوري، يرتدون الكوفية ويشعرون بالخوف، فلم يمر يومان على هجوم 7 أكتوبر والجامعة ومجلسها كانوا قد اتخذوا قراراتهم بفصل كل من ينادي باسم فلسطين. في 27 أكتوبر، أصدرت الجامعة رسالة موجهة إلى جميع عمداء الجامعات الحكومية في برلين، تحمل عنوان “تحديات الجامعة أمام الصراع في الشرق الأوسط”. يتناول موضوع الرسالة اتخاذ التدابير القانونية لمكافحة معاداة السامية في الجامعات استناداً إلى قرارات التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست.  

لم يخلُ التعريف من الانتقاد من قبل الأكاديميين والعديد من الهيئات اليهودية بسبب التحيز والالتباس فيما يتعلق بما هو معادٍ للسامية والصهيونية أو “ما معنى مجرد انتقاد دولة إسرائيل؟”، هذا وغيره من الأحداث التي أدت إلى  “إضراب ألمانيا الكبير”. 

على ما يبدو أن “الخطاب السلمي” للجامعة، لم يتأثر بالهجوم العنصري للجيش الإسرائيلي على السكان المدنيين أو لم يُقم اعتباراً لوجود طلاب من أصل سوري أو فلسطيني يستشعرون التهديد من البيئة العنصرية واتهامات معاداة السامية. بناءً على رأي الإدارة العليا، تتأثر “ديناميكية الجامعة” بـ “تعليقات معادية للسامية”. لا نقلل هنا من مشكلة معاداة السامية في العالم ولكننا ننتقد الاستخدام الضار للمصطلح في التفسير الألماني للسياسة والذاكرة والقانون وحقوق الإنسان. هناك حساسية انتقائية، وتفوّق أخلاقي مزعوم، وعنصرية متجذرة تمامًا فيما يُقدم كمقرر للتفكير النقدي في جامعة الفنون.

في 30 أكتوبر، قامت مبادرة طلابية بصياغة بيان حول تداولات الموقف الرسمي لجامعة الفنون في برلين واستجابةً للبيان الصادر عن الإدارة العليا. أحد بنود المبادرة: “أولاً، أن تعترف الجامعة بوضوح بإنسانية الفلسطينيين، وأن تعترف علنًا بالضرر الذي تسببت فيه مواقفها والذي قد تتسبب به في المستقبل على الطلاب الفلسطينيين والعرب. ثانياً، أن تقدم جامعة الفنون في برلين نداءً إلى الحكومة الألمانية، برئاسة المستشار أولاف شولتس، بالمطالبة بالتوقف الفوري لإطلاق النار، مطالباً إسرائيل برفع حصارها عن غزة، مما يسمح بوصول آمن وبلا عوائق إلى الموارد الأساسية مثل المياه والطعام والوقود والإمدادات الطبية”.

تمّت صياغة هذا البيان وهذه المطالب من قبل نشطاء جامعة الفنون المتقاطع مع بيان حركة “اللا عنصرية” التي تأسست عام 2020 من أجل حراك “حياة السود مهمة”. احتفظ مجلس الجامعة بحق الرد ولم يُناقش أياً من هذه المطالب واعتبرها ملغاة. 

أمام هذا القلق الناشئ عن عدم الرد، بالإضافة إلى تزايد نبرة الكراهية المستمرة  تجاه المسلمين داخل وخارج الجامعة، بدأ الطلاب في تنظيم أنشطة تضامن واحتجاج دون الاكتراث بقرارات تعليق دراستهم أو حتى فصلهم من الجامعة. معظم هؤلاء الطلاب من أصل عربي (فلسطينيين ومن دول أخرى) وبنسبة أقل طلاب من أصل يهودي وألماني. كانت الفعالية الأولى في 13 نوفمبر، حيث قامت مجموعة من الطلاب بالجلوس في الممر الرئيسي للكلية مرتدين اللون الأسود وأيديهم مغطاة باللون الأحمر كناية على تواطؤ الحكومة الألمانية مع جرائم إسرائيل يقرأون  أسماء آلاف الضحايا المدنيين في غزة. بعد أسبوع من هذا الحدث، قدم “نوربرت بالز”، رئيس الجامعة، مقابلة أثارت موجة من الاهتمام الإعلامي، حيث تم اتهام الطلاب المشاركين في الفعالية بأنهم معادون للسامية وذو نزعة عدائية وعنيفة بسبب انتمائهم إلى اليسار المتطرف. وقد تم التشديد في بعض الصحف على عدم تسميتهم حتى كطلاب، بل كـ “معادين لإسرائيل”. وأُطلقت نحو عشرين مقالة للرد على حراكهم، تسلط الضوء على الكراهية المزعومة لإسرائيل. تبرز منها مقابلة في مجلة “زايت”، حيث اتهم طلاب ومدرسين ألمان زملاءهم وطلابهم (غير الألمان) بمعاداة السامية.

في حالات أخرى، اتهم البعض الذين لا ينتمون إلى الجامعة بأنهم مثيرون للشغب ومشاركون أو حتى منظمون للفعاليات؛ ولم يتم نشر أي تقرير إعلامي يعبر عن موقف الطلاب المنظمين. على العكس من ذلك، زادت الاعتداءات على مجالات الدراسات المتعلقة بمكافحة العنصرية وتاريخها وجذورها المتأصلة في ثقافة الحروب، وأيضاً تم تضييق الخناق على مفهوم “ما بعد الكولونيالية” من قبل رئيس الجامعة، واتهم جميع تلك الدراسات بأنها “مناهضة للديمقراطية ومتعصبة”، في إشارة واضحة تُعلن قرب صدور بيان تحت عنوان: “في الجامعة الألمانية، تُعرض هذه الدراسات الآن للتشكيك بالرؤية غير الألمانية للعالم”. لم تتردد وسائل الإعلام بلعب الدور الأكبر في التضييق على حملات المقاطعة والإضرابات والمبادرات التي تؤيد حق الفلسطينيين في التعبير عن سخطهم. على الرغم من قتامة المشهد وبشاعته تستمر الإضرابات التصاعدية، ويتمكن طلاب جامعة الفنون  في برلين بتنظيمها كل يوم أربعاء. حيث تمكنوا من التشبيك والتواصل مع طلاب منظمين من جامعات أخرى في مدن ألمانية مختلفة للتخفيف من عبء دولتهم عليهم وتغيير فكرة التضامن أحادي الجانب. نشأت بذلك حسابات: notinourname_fu notinourname_huberlin notinourname_udk.

يظهر الرد على الفور على شكل قرار يُصدر خطة للعمل ضد معاداة السامية وعداء إسرائيل من قِبَل مؤتمر وزراء التعليم. يبقى قراراً مُحافظاً على موقفه من “الصدمة والاستياء” تجاه الشعارات المعادية للسامية و”الدعم” لحماس ضد “أصدقائهم الإسرائيليين”، فهو تأكيد مُكرر على دعمه الغير مشروط لإسرائيل و”برامج البحث المرتبطة بإسرائيل”. قرار بطول أربعة صفحات. يتألف نصّه من ثماني فقرات، سبعة منهم يتصدرها عنوان “معاداة السامية”، بينما تتحدث الفقرة الثامنة عن “تهيئة فضاء للحوار السلمي” و “إنشاء منابر للمناقشة بين الثقافات والأديان”.

هكذا في الرابع عشر من ديسمبر، تنظم حملة “ليس باسمنا” وقفة احتجاجية تحتل فيها قاعة المؤتمرات الألمانية، تنتهي بدخول الشرطة لقمع لطلاب بطريقة عنيفة وإخلاء القاعة. بعدها بيومين نفّذت أنشطة مُنسّقة من قبل “تحالف الطلاب في برلين”، تشمل حركة “تحرير الجامعات، الطلاب المتحدون من أجل فلسطين الحرة”. بالإضافة إلى مبادرة “إضراب ألمانيا” الذي شمل جميع القطاعات الأكاديمية والفنية والثقافية، تعبيراً عن العصيان ضد رقابة المؤسسات الثقافية الألمانية.

هذا ليس سوى سرد مجرد لبعض الأحداث في الجامعة الألمانية فمنها ما يثير الدهشة والرعب خاصةً عندما يتزايد تحرش الطلاب الألمان المؤيدين للصهيونية بالتظاهرات. إنه أمر مربك ومرعب. ففي الوقت الحالي، يسود في ألمانيا تدجين فكري يشبه تماماً الذي كان سائداً في عام 1933، يشير إلى اليمين المتطرف الذي نجح بحشد أصواته وتياراته، والذي يصف بشكل جيد الوضع الحالي لأوروبا الفاشلة. مثيرٌ للاهتمام رؤية الإبادة الجماعية التي أشعلتها إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر واعتبارها نقطة اللاعودة لشق الشمال العالمي ضد الجنوب العالمي، أي ضد التفوق الأبيض في مواجهة الكيان المتنوع الذي يشكله الأخير. وماهية الممارسات الدولية التي تستحق التأمل والتفحص، تلك التي يمكنها أن تنقذنا من الرعب، من انعدام مسؤولياتنا الذاتية والتقاعس الإنساني تجاه كل ما يحصل.

The post ما الذي يحدث في ألمانيا؟ الصياغة الزمنية للثقافة والجامعة والحداثة المبعثرة (ترجمة) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
غيرنيكا: الغائبة الحاضرة https://rommanmag.com/archives/21436 Tue, 16 Jan 2024 08:51:21 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d9%86%d9%8a%d9%83%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a7%d8%a6%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%b6%d8%b1%d8%a9/ تُسمع صفارات الإنذار للمرة الثانية في مدينة غيرنيكا الإسبانية وذلك بعد مرور أكثر من ثمانين عاماً على سماعها، بدلاً من التحذير من خطر القصف النازي دوى ذلك الصوت شديد الوطأة كتحذير وتنديد بإبادة الفلسطينيين في غزة في وقفة تضامنية غير مسبوقة.  في صباح 26 أبريل 1937 تعرضت مدينة غيرنيكا الباسكية الصغيرة لقصفٍ قاسٍ زرع الذعر […]

The post غيرنيكا: الغائبة الحاضرة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تُسمع صفارات الإنذار للمرة الثانية في مدينة غيرنيكا الإسبانية وذلك بعد مرور أكثر من ثمانين عاماً على سماعها، بدلاً من التحذير من خطر القصف النازي دوى ذلك الصوت شديد الوطأة كتحذير وتنديد بإبادة الفلسطينيين في غزة في وقفة تضامنية غير مسبوقة. 

في صباح 26 أبريل 1937 تعرضت مدينة غيرنيكا الباسكية الصغيرة لقصفٍ قاسٍ زرع الذعر في قلوب سكانها المدنيين؛ بعد أن قامت الوحدة الجوية “ليغيون كوندور” التابعة للطيران الألماني “لوفتفافه” بالتعاون مع طائرات موسوليني الإيطالية بشن هجوم جوي ألقى بالمتفجرات فوق البلدة لمدة أربع ساعات متواصلة؛ حيث ألقوا 31 طناً من القنابل النووية والمتفجرة، ليدمروا 71 بالمئة من المباني؛ ويقتلوا أكثر من1,654 شخصاً و يصيبوا 889 آخرين بجراح. أتى هذا الحدث في سياق تطور الحرب الأهلية الإسبانية التي بدأت في 18 يوليو 1936، حيث كانت تواجه حكومة الجمهورية التي تم انتخابها ديمقراطياً انقلاب فرانكو العسكري إثر تمرده على السلطة الشعبية الشرعية. تتمثل فرادة هذا الهجوم في أنه كان يستهدف مدينة لا تحمل قيمة استراتيجية لأنها تفتقر إلى الدفاعات الجوية وتحمل بنية تحتية هشّة. فمن الواضح، إذاً، أن الأهداف المباشرة هي أولاً المدنيين و ثانياً الرمزية المرتبطة بالمكان الذي كان يومًا معادياً للفاشية. 

اعتبر الهجوم، جنبًا إلى جنب مع هجوم دورانغو الذي نُفذ في مارس 1937 والذي أسفر عن الكثير من الضحايا، أحد أوائل تجارب “الحرب الشاملة”: منها القصف العشوائي من الطائرات والتدمير المتعمد الذي يهدف إلى ترويع السكان المدنيين، والذي أصبح نموذجاً يُفرض على نطاق واسع ابتداءً من الحرب العالمية الثانية – من دريسدن وكوفنتري إلى هيروشيما وناغازاكي. بناءً على منظومة الجنرال الإسباني إيميليو مولا الذي ساهم في الانقلاب العسكري قائلاً: “يجب أن نزرع الرعب… علينا إعطاء الإحساس بالسيطرة من خلال القضاء بلا شك ولا تردد على جميع الذين لا يفكرون مثلنا”. شاركه في الانقلاب الضابط الألماني ڤون ريختهوفن بتصريحه: “التأثير النفسي يُعد أهم من الأسلحة”. حاملاً شعار “الصدمة والذهول”، عقلية عنصرية شمولية بُنيت على أنقاض الأبنية المدمرة والجماجم المكومة، تقوم بتمكين الشرّ وتطبيق سياسة فصل عنصري مباشرة وفجّة. مهّد ذلك المنطق الوحشي لجرائم إسرائيل وأمريكا في فلسطين والعالم و قاد إلى تدمير بغداد على يد التحالف الدولي في عام 2003. لسخرية القدر يصرّح نتنياهو اليوم بأن حربه على غزة هي حرب وجودية، ليس فقط لإسرائيل بل للحضارة الإنسانية، وبأن من يحاربهم ليسوا بشراً بل معتدين على القيم الأوروبية الحديثة. نفهم من قوله أن الإنسان الفلسطيني لا قيمة له ويجب أن يُقصف ويموت. 

في الوقفة التضامنية التي عملت عليها المنظمات الحقوقية وبلدية الغيرنيكا، تم الإعلان عن المبادرة الشعبية باسم “غيرنيكا-الفلسطينية”، حيث قاموا بتنظيم تظاهرة حاشدة في المكان الأكثر أهمية في بلدية بيسكايا، وهو الـ “باسياليكوا”، هناك عندما قامت الطائرات النازية بقتل آلاف من المدنيين، بما في ذلك العائلات والأطفال. فقام المئات من الأشخاص بتشكيل فسيفساء بشرية عملاقة، تمثل العلم الفلسطيني وجزءاً من لوحة “غيرنيكا” لبابلو بيكاسو. طالبوا المجتمع الدولي بالتدخل لوقف القصف على غزة تحت شعار”العالم والتاريخ لا يمكن أن يقبلوا بغيرنيكا جديدة” وألقت بطلة مسلسل لا كاسا دي بابيل الممثلة إيتزيار إيتونيو خطاباً مؤثراً قائلة: “غيرنيكا تلك البلدة التي شهدت مجزرة ملعونة من بين كل المجازر التي شهدها تاريخ الإنسانية، تدعو إلى وضع حد للمذبحة المستمرة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين، وتدين بقوة وغضب أي تواطؤ في هذه الإبادة الجماعية، سيحمل المواطنون الفلسطينيون أصواتنا من غيرنيكا أينما كانوا، قتلاكم قتلانا… بيوتكم المدمرة بيوتنا، أرضكم المحتلة هي أرضنا المحتلة، وبناتكم وأبناؤكم هم أبناؤنا”. في تصريح شديد اللهجة خاص في مفارقته التي تقتضي التنديد بوحشية لم تتغير رغم مرور الزمن. 

ليس من السهل إعادة إحياء ذكرى مجزرة قام التاريخ بطوي صفحتها، بالإضافة إلى أنه من الصعب على سكان مدينة تعرضت لإبادة جماعية محاكاة أصوات الحرب والرعب الذي لم ولن ينساه الوعي الجمعي الإسباني والأوروبي، خاصة بعد القوة البصرية التي قام بيكاسو بتشكيلها في لوحته الغيرنيكا. بألوانها الغامضة من الرمادي والأسود، تظهر بتفصيل محزن معاناة الناس والحيوانات في أثناء سقوط القنابل على رؤوسهم. واحدة من أشهر لوحات القرن العشرين. رسمها لصالح الجناح الإسباني في معرض باريس الدولي لعام 1937 وجاب بها العالم للترويج للمجزرة بعد أن أقسم أنه لن يعود إلى بلده المُحتل من قبل الفاشية حتى يتمتع شعبه بالديمقراطية ومات في منفاه دون تحقيق حلمه.

يعود شبح بيكاسو مجدداً هو والمدينة التي ألهمت لوحته ليمثلان أمام الفاجعة ويحاكيان ألم الفقدان والحسرة وانعدام العدل بألم مدينة غزة الثكلى بضحاياها وفاجعتها التي تفوق الوصف والخيال. فتراجيدية الحدث وتخليد الكارثة في لوحة بيكاسو جعلت المجزرة رمزاً لمكافحة الحرب. 

ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها تشبيه الغيرنيكا بغزة. فقد استعاد “غزة جيرنيكا” عنوان كتاب أعده مجموعة من الصحفيين بقيادة مصطفى البرغوثي، بالتعاون مع منظمته، “مرصد فلسطين”، اسم وروح البلدة الباسكية على غلافه لوثيقة بالتفصيل ما حدث خلال 18 يومًا من هجوم إسرائيل على غزة في عيد الميلاد عام 2008، الذي أسفر عن مقتل 1400 فلسطيني، ووفقاً للبرغوثي، أن الهدف من الكتاب هو مقاومة الرؤية الإسرائيلية للأحداث، ووصف ما حدث بدقة.

الكتاب استند في محتواه إلى إعداد “تقرير جولدستون” حول جرائم الحرب خلال عملية الرصاص المنصوبة في غزة. يقدم الكتاب جدولاً زمنياً يومياً للأحداث خلال ثلاثة أسابيع من الهجمات، بالإضافة إلى شهادات الضحايا والأطباء وبعض الهجمات التي وقعت في الضفة الغربية خلال الفترة نفسها ويشرح البرغوثي أيضاً السياق والخلفية والعواقب لفهم الأحداث بشكل أفضل، مشدداً على أن إسرائيل لم تنسحب فعلياً من غزة في عام 2005، وأنها استمرت في السيطرة على المياه والجو والحدود وحركة السلع والأشخاص.

هدف الكتاب واضح جداً: “أمام نزاع من هذا النوع، يسود دائما السرد الإسرائيلي حول ما حدث؛ هذه المرة أردنا محاربة تلك الرؤية المتحيزة ووصف ما حدث بدقة وبأقصى دقة لما حدث حقًا؛ في كلتا الحالتين كانت هناك قوة فاشية ظالمة تهاجم المدنيين الأبرياء بهدف هدم معنوياتهم وإرادتهم؛ في كلتا الحالتين لم تنجح. هذا جعل غيرنيكا في وقتها عنوانًا للتضامن الدولي، أيضاً اليوم فلسطين”.

فبعد مرور الكثير من الأحداث والتغيرات السياسية في أوروبا خاصةً بعد صعود تيار اليمين المتطرف المعادي للعرب من اللافت للنظر أن وقفة إسبانيا التضامنية تُعتبر مفاجئة في ظل الصمت العالمي الغربي وعدم اعترافه بجرائم إسرائيل الوحشية خاصة بعد فتح دفاتر الحرب العالمية الثانية وما أنتجته من كوارث على شعوب العالم وسياسات الدول. تُعيد تلك الحرب تقاليدها وشعائرها وطقوسها ولكن هذه المرة في ظل نفاق وتناقض حكومي غربي وتحت فيضانات السوشيال ميديا متشعبة المذاهب والأفكار. من المهم الإشادة بالوعي الشعبي المتضامن مع القضية الفلسطينية، فحتى لو أن الحكومات تغضّ النظر عن المجازر المرتكبة في غزة إلّا أن صحوة الشعوب تُعد من أهم سمات هذه المرحلة. على الرغم من عدم قدرته وتأثيره على وقف إطلاق النار وتمرير المساعدات الإنسانية ولكن حدثاً كهذا يستطيع أن يحرّك حسّاً شعبياً و ثقافة تضامنية تجاه الفلسطينيين افتقرت لها القارة العجوز.

The post غيرنيكا: الغائبة الحاضرة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
رام الله للرقص المعاصر: الرقص مقابل الصدمة https://rommanmag.com/archives/21250 Thu, 15 Jun 2023 13:20:32 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b1%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d9%84%d9%84%d8%b1%d9%82%d8%b5-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%82%d8%b5-%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b5/ “اضطراب ما بعد صدمة النكبة وانعكاساته على الجيل الأول والثاني والثالث والرابع، انقطاع عن الواقع، خوف ورعب، انفصال ما بين الجسد والمشاعر، أجساد تتألم، تبحث عن خلاصها، حركات تُعاد وتُعاد حتى تُصبح هواجس جنونية، منها يولد التجلّي، أي القدرة على الاقتراب من الألم، التواصل معه والتماسك.”   تصف الكوريوغراف شادن أبو العسل بهذه الجمل والعبارات […]

The post رام الله للرقص المعاصر: الرقص مقابل الصدمة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

“اضطراب ما بعد صدمة النكبة وانعكاساته على الجيل الأول والثاني والثالث والرابع، انقطاع عن الواقع، خوف ورعب، انفصال ما بين الجسد والمشاعر، أجساد تتألم، تبحث عن خلاصها، حركات تُعاد وتُعاد حتى تُصبح هواجس جنونية، منها يولد التجلّي، أي القدرة على الاقتراب من الألم، التواصل معه والتماسك.”

 

تصف الكوريوغراف شادن أبو العسل بهذه الجمل والعبارات عرض فرقتها الراقص “حين يتذكر الجسد” الذي يُشارك في مهرجان رام الله للرقص المعاصر “للجسد ألف قصة وقصة” في دورته السابعة عشرة ضمن سلسلة عروض راقصة لفرق فلسطينية وعالمية.

تداعٍ حرّ يتجلّى في تشكيل “التروما”. التروما التي تتماهى في انقباض وانفلات حركات المؤديات على خشبة المسرح. ست راقصات ومؤديات ترتدين ثوباً باهت اللون وتتسمن بالشحوب، تتناقلن تداعيات الصدمة واحدة تلو الأخرى، الخشبة شبه خالية، باستثناء عداد الوقت المحبوس داخل مربع حديدي مُحاكياً الزمن باحتوائه على كرات صغيرة تعدّها المؤديات المسؤولات عن تبديل موقعها من اليمين إلى اليسار والعكس. يتمثّل الجسد بالمرآة العاكسة لصورة الألم والفقد ويُعطي الذاكرة بُعداً طاغياً على تجربة العقل في استقبال الصدمة.

في هذه التجربة الأنثوية والبسيطة تتماهى الأجساد في حيرتها وحزنها وخوفها، تنكمش كقطعة قماش مهترئة ما إن تنفرد فليلاً حتى تنكمش مرةً أخرى، الحركة متقطّعة، بطيئة، مفاجئة. تُحاكي فيها الأجساد قصصاً مجتزأة من خيالات وتهويمات الخوف، وتأثير القمع فيها ينعكس على صيرورتها؛ تلك الصيرورة ذات العيون المفتوحة على العدم والتي لا تستطيع إلّا أن تشهد على كل ما حدث. تستخدم الراقصات حركات انفعالية قوية لتجسيد الخوف شاملاً الاهتزازات والتشنجات والانهيارات والحركات العفوية الموتورة والقلقة. تخلق الوجوه الشاحبة الاضطراب كالتوتر في الجبين والعيون المفتوحة التي تعرض الدهشة أو الرهبة، التشنج في الفكوك والانفجارات المفاجئة للضحك العصبي. قد يتم تقليص حجم الحركة في مساحة صغيرة ثم فجأة توسيعها بشكل كبير. كالانتقال من حركات هادئة إلى حركات عنيفة واستخدام التوتر والاسترخاء بشكل متناوب. 

عادةً، عندما يتعرض الإنسان إلى صدمة ما، يضيع في متاهات لا متناهية، منها إنكار ماضيه ومستقبله للتعايش مع حاضره. اللافت هنا في عرض شادن ليس فقط تجريد موضوع الصدمة وتسليط الضوء عليه بوصفه حدثاً رئيسياً يُمسك بمجريات العرض، بل تشكيل نكبة فلسطين على مستوى مرئي وحسّي وحتى ثقافي، بمعنى أنها تُجرّد الزمن والجسد من وظائفهما الحياتية والروتينية وتضعهما في مكان لا يوجد فيه سوى رسم وتصوير جميع قطع هوية الفلسطيني المبعثرة كإنسان تعرّض لشتى أنواع التهميش والتعتيم؛ تلك النكبة التي تناقلتها الأجيال وأصبحت هوية شعب يحاول التشافي حتى بعد 75 عاماً من حدوثها، كأن الزمن ينفلت كشبح قابع في أعماق الروح و كأن صوت تحطم الأجساد يُسمع حتى في الصمت. تلك الأجساد التي تُلقي بنفسها على الأرض و تتحرك بصعوبة محاولةً فهم ما جرى. تتخصص أبو العسل بتمكين جميع مفاصل الجسد من انكماشها وعدم قدرتها على الانطلاق عن طريق محاكاة فعل الصدمة على الجهاز العصبي وأثرها على العمود الفقري والعضلات. في هذا الانعكاس البصري المليء بالتوتر والحزن يتم نحت الرعب والهيبة من الحقيقة. 
 

تاريخياً، تعود جذور الرقص المعاصر في فلسطين إلى الاحتلال البريطاني والثورة الثقافية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، سعى من خلالها الفنانون الفلسطينيون إلى تطوير أساليب جديدة من الرقص، أثّرت فيما بعد على تشكيل هوية ثقافية متنوعة ومتعددة الصور، تسمح للراقصين بالتعبير بحرية عن أنفسهم والتفاعل مع الفضاء والزمن بشكل مبتكر. حيث تمزج العروض الراقصة على مرّ السنين بين العناصر التقليدية والمعاصرة كالموسيقى وبعض الرقصات الفلكلورية مما يخلق تجربة فريدة من نوعها تُسلط الضوء على مفهوم الهوية والعدالة. هكذا على مر السنين تأسست العديد من الفرق ومجموعات الرقص والمسرح المعاصر في فلسطين وأصبح لديها وجود قوي على الساحة الفنية المحلية والدولية. تعمل هذه الفرق بصعوبة تحت ظل الاحتلال وتُحاول أن تتواصل مع العالم الخارجي والمجتمع المحيط لإيصال صوتها على الرغم من تضييق الخناق عليها بكل الوسائل. يمكن القول أن الفن المعاصر في فلسطين يعكس تجربة فنية حيّة وديناميكية تساهم في توسيع حدوده لتعزيز التفاهم الثقافي والاجتماعي وخلق مساحة للتعبير والمقاومة والتجديد. 

يأتي مهرجان رام الله للرقص المعاصر اليوم في نسخته السابعة عشرة لإحياء ذكرى النكبة ولتمثيل تداعياتها على الثقافة والفن والمسرح. اللافت للنظر أن العروض المشاركة تتميز بكسر حدود التجريب والاكتشاف وتحاول تقديم نظرة جديدة ومستقبلية للفن مما يجلب تنوعاً كبيراً في الأساليب والتقنيات المستخدمة. بالإضافة إلى أنها تشترك جميعها بفقر عناصر الديكور على الخشبة وبساطة الإضاءة. وكأن الجسد المؤدي للحركة والانفعالات هو تأمّل شخصي وضروري لتمكين الجسد من خلق مساحاته وعرض عواطفه المتناقضة كالخوف والقوة والضعف والثورة الداخلية على نفسه وعلى واقعه الثقافي والاجتماعي الذي يحاول طمس معالمه الخاصة والمتنوعة. فالعروض الراقصة للفرق الفلسطينية تعبّر بشكل جزئي وكلّي عن حالة الصراع الداخلي والانهيارات الشخصية وتنقل تجربة الضعف والقوة والهشاشة البشرية في ظل هذه الضغوط الجنونية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. هي مساحة لكسر ماهية الخوف من السلطة وتذكير الأفراد بأهمية الفن وتأثيره العميق على المجتمع. 
 

The post رام الله للرقص المعاصر: الرقص مقابل الصدمة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
خُطا باستر كيتون… لفيديريكو غارثيا لوركا https://rommanmag.com/archives/20817 Tue, 15 Mar 2022 14:22:40 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%ae%d9%8f%d8%b7%d8%a7-%d8%a8%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b1-%d9%83%d9%8a%d8%aa%d9%88%d9%86-%d9%84%d9%81%d9%8a%d8%af%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d9%83%d9%88-%d8%ba%d8%a7%d8%b1%d8%ab%d9%8a%d8%a7-%d9%84%d9%88%d8%b1/ أثارت المسرحية الكثير من الجدل، حيث يقتل باستر كيتون أطفاله الأربعة ويخرج في جولة بالدراجة

The post خُطا باستر كيتون… لفيديريكو غارثيا لوركا appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“لا تبكِ، يمرّ شهران بهذه البساطة. شهران. لن يمضيا أبدًا. شهران. أصبحا بالفعل 864 شهرًا من الذاكرة المستمرة المخزّنة في أعماق روحي، لن يمرّ يوم دون نسيانها.”
 

هذه كانت كلمات لوركا الأخيرة خلال اعتقاله ومن بعدها إعدامه على سفوح جبال قرى غرناطة الأندلسية، لا يكاد يبلغ الشاعر الثامنة والثلاثين من العمر حين قامت قوات فرانكو بإطلاق الرصاص عليه وإنهاء حياته المليئة بالشعر والفن والشغف العميق لمسقط رأسه، لم يكن له الكثير من الوقت كي يفصح عن كل ما أراد قوله، ولكنه ترك إرثاً ثقافياً وفنيّاً شديد العمق والحساسية. 

في الثامن عشر من أغسطس من عام 1936 وقبل شهر واحد من اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية قُتل شاعر الحلم والأغنيات وبقي جثمانه دون ضريح. فنشاطه السياسي والأدبي كان جلياً في أعماله الأدبية وتصريحاته الصحفية التي يستنكر فيها سياسة الحكم الواحد وقمع الحريات. فرانكو لهذا السبب، أمر بإعدام كل ما يمثّل وينادي بحرية التعبير إلى أن تمكّن من إحكام قبضته على إسبانيا لمدة تتجاوز الأربعين عاماً.

“أنا لست رجلاً، ولا شاعرًا، ولا ورقة شجر، بل نبضة جريحة تستشعر ما وراءها”.

فيديريكو غارثيا لوركا (فوينتيه باكيروس، غرناطة، الخامس من حزيران، عام 1898). كثيرة هي الروايات التي تدور حوله، وتدور حول أعماله الشعرية والأدبية، ماذا عن جنسه الأدبي وعن تأويلاته للشعر والمسرح؟ 

عاش فترة تحولات سياسية وثقافية كبرى وسريعة، كتب خلالها الكثير من الأعمال الشعرية والمسرحية، خاطب فيها الحب والحلم والموت، يعتبر واحداً من أهم كتّاب جيله الطليعيين، تأثّره بالسوريالية يبدو جلياً في أغلب أعماله المسرحية، كالجمهور، ييرما، هكذا مضت خمس سنوات.

كان لوركا ثورياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهو لا يكرر تجاربه الشعرية، بل يجددها. فقد تمكّن من عبور الكثير من السياقات الأدبية وأساليب وأشكال الكتابة المسرحية. كرّس نفسه للشعر وأصدر العديد من دواوين الشعر منها: قصائد غجرية وشاعر في نيويورك، تحمل قصائده لغة الشعرية الإسبانية التقليدية وأصواتها الغنائية، ومن ناحية أخرى تحمل لغة طليعية متأثرة بمعاصريه وتوغلاتهم في الأساليب المختلفة، فضلاً عن الثقافات والوقائع الأكثر تنوعًا التي عرفها طوال حياته وأسفاره. امتلك نوعًا من الاحتجاج الفني وسعى إلى الشعر بطرق مختلفة مثال على ذلك (شاعر في نيويورك) تلك القصائد التي كسر فيها ما هو مألوف فنياً في تلك الحقبة. 

مرّ عالم لوركا الشعري بتطور كبير ومعقّد بعد عودته من رحلة نيويورك، هذه المدينة الحديدية والمليئة بالتناقضات. لم يكن يتصوّر أن هذه الرحلة سوف تجعل منه أكثر حزناً، فقد تأثّر بالأجواء العنصرية التي يشوبها المكان وسياق الحضارة الذي يسعى إليه. يقول: “نعيش في عالم بلا معنى مليء بالألم والموت إنني الآن أكثر وحدة وانعزالاً وألماً” 

أنتجت تلك الرحلة مناخاً شعرياً غارقاً في السوريالية، يبدو ذلك جلياً في حواراته القصيرة في الصحف، في مسرحياته المقتضبة والتي تكاد تكون صوراً مقتطفة من الخيال دون أي ترابط أو حتى معنى. مثال على ذلك “خُطا باستر كيتون”.

أكّد في أحد تصريحاته أن: “المسرح يحتاج إلى شخصيات تحمل عباءة شعرية وفي نفس الوقت علينا أن نرى عظامهم، دماءهم، يجب أن يكونوا على درجة من المأساوية كي يتوازنوا مع حقيقة البشر ونزعتهم للخيانة والجشع، يجب أن تثير كلماتهم الحقيقة المليئة بالحب والمثيرة للاشمئزاز”. 

يمكن تصنيف نصوصه المسرحية ما بين: “المهزلة، المأساة، الدراما، والمسرح المستحيل”. 

يكسر لوركا قواعد الدراما الكلاسيكية في مسرحه المستحيل، ويعارض بطريقةٍ ما الواقعية بوصفها شكل الحياة الباهت في الفن. يمكننا تسليط الضوء على تلك النصوص التي وصفها بالمستحيلة: “خُطا باستر كيتون، الوهم، الخادمة والبحّار والتلميذ”. نصوصٌ ليست بمسرحية ولكن يمكنها أن تكون كذلك. إنها أشكال مفتوحة، حوارات غير متناسقة بإيقاع متسارع ومستويات متزامنة، تتوافق بشكل أو بآخر مع التجريبية وقصائد النثر المعاصرة. تتميز بالاختصار، هي نصوص قصيرة جداً، عبارة عن صفحة واحدة أو صفحتين. صور متقطّعة ومليئة بالشعرية. 

أثارت “خُطا باستر كيتون” الكثير من الجدل، حيث يقتل باستر كيتون أطفاله الأربعة ويخرج في جولة بالدراجة. في طريقه يلتقي بومة، رجلاً أسود يأكل قبعة من القش، ديكاً وببغاء. من ثم يسقط على الأرض وتنزلق منه الدراجة. تظهر فتاة أميركية وتسأله بضعة أسئلة، بعدها تأتي على دراجتها شابة برأس عندليب، تلقي عليه التحية، يغمى عليها. يقبّلها ولكنها لا تستيقظ.

يبدو أن السينما الصامتة أثرت على العديد من دعاة السريالية، وبالتحديد أفلام باستر كيتون وشارلي شابلن ومثلما استوحى منها لوركا، استوحى دالي وآخرون. حيث أضافت السخرية بمعناها الفج الكثير على حياتهم الخاصة وعلاقتهم بالفن والشعر. دالي ولوركا، بالإضافة إلى بونويل وألبرتي وأصدقائهم الآخرين كانوا من عشاق السينما المتحمسين، وكانوا معجبين بشدة بباستر كيتون.

يقترح لوركا في مسرحياته منهجاً جديداً وأسلوب سرد لاواع، مهتماً بنظريات فرويد كنقطة انطلاق. ومع ذلك، فإن جذور السورليالية لها دوافع اجتماعية وسياسية أوسع بكثير، تسعى إلى تطوير منهجيات فنية جديدة. إنها الرغبة في تحقيق شكل فني يمزج ما بين حالة اليقظة والنوم بل تفوقها، ومن هذا المنطلق يتم تفكيك السمة الفردية التي تتميز بها تلك الطليعة حيث اتخذ السرياليون المفاهيم الفرويدية للقضاء على مخاطر السيطرة الواعية والسماح لقوى اللاوعي بالتدفق. وبهذه الطريقة يظهر الواقع بحجمه الصغير، مما يحرر الإنسان من المنطق والأخلاق بمعناها التقليدي. 

المسرحية:
ترجمة: رامة حيدر

الشخصيات: باستر كيتون، الديك، البومة، فتاة أمريكية، رجلٌ أسود، فتاة.

 

الديك: كوكو كو كووو!

(يحمل باستر كيتون أبناءه الأربعة بين يديه ويقتلهم بمطرقة خشبية)

باستر كيتون: أبنائي المساكين! 

البوم: بوووووو!

باستر كيتون: (يقوم بعدّ الجثث الملقاة على الأرض) واحد، إثنان، ثلاثة، أربعة. (يأخذ دراجته الهوائية ويمضي). 

(ما بين الإطارات المطاطية وعلب الغاز هناك رجلٌ أسود يأكل قبعة مصنوعة من القشّ)

باستر كيتون: ياله من مساء جميل!

(يرفرف ببغاء في السماء المحايدة)

باستر كيتون: أشعر بالارتياح وأنا أقود الدراجة.

البوم: بووو، بووووو، بوووو، بو! 

باستر كيتون: ما أجمل صوت العصافير! 

البوم: بوووووووو! 

باستر كيتون: كم هو مُلهم هذا الصوت! 

(يتوقف، يعجز عن وصفه عبور حقول الذرة وأشجار القصب، تتقلّص المناظر الطبيعية ما بين عجلات الماكينة، فالدراجة الهوائية لها بعدٌ واحدٌ فقط، يمكنها عبور الكتب، بالإضافة إلى الاستلقاء في فرن الخبز. دراجة باستر كيتون ليست بكرسيِ مصنوع من الحلوى وليست بدواساتٍ من سكّر. هذا ما كان يرغب به الرجال السيئون، إنها دراجة عادية جداً، ولكنها الوحيدة الغارقة في البراءة. آدم وحواء يركضون هاربين إن كان هناك كوب مليء بالماء ولكنهم يحتضنون دراجة باستر كيتون)

باستر كيتون: الحب، إنه الحبّ! 

( تسبقه الدراجة. تركض وراء فراشتين رماديتين، يقع. يتهاوى كالمجنون على بعد ميليمترين من الأرض)

باستر كيتون: (يقف وكأنه استيقظ من حلم) لا.. أريد أن أقول شيئاً، ماذا عليّ أن أقول؟ 

صوت: أحمق!

(عيناه، أبديتان وحزينتان. كعينيّ وحشٍ وُلد للتوّ، تحلمان بالزنابق، بالملائكة وأحزمة الحرير، عيناه، ككعب الكأس، عيناه، كعينيّ طفلٍ أحمق، قبيحتان، عيناه، جميلتان، كعينيّ النعام، عيناه بشريتان وفي توازنٍ جدير بالكآبة، يرى فيلادلفيا من بعيد، سكّان المدينة يعلمون أن القصيدة القديمة لآلة المغنّي يمكنها أن تروي الزهور العظيمة والحقول البلاستيكية، ولكنهم يفتقرون إلى التمييز ما بين كأس شايٍ ساخن وآخر بارد. تلمع فيلاديلفيا في البعيد. يستمر في المشي)

باستر كيتون: إنها حديقة.

(كشريط سينمائيّ تأتي فتاة أميركية ذات عيون بلاستيكية لتبحث عن العشب)

الفتاة الأميركية: مساء الخير

باستر كيتون: (يبتسم ويتأمّل حذاء الفتاة) أوه، لا يمكننا السّماح لك بارتداء هذا الحذاء، فهو يحتاج إلى جلد ثلاثة تماسيح لصنعه.

باستر كيتون: أودّ أن… 

الفتاة الأميركية: هل تملك سيفاً مزيّناً بأوراق الآس؟ 

(يهزّ كتفيه ويرفع قدمه اليمنى)

باستر كيتون: هل تملكين خاتماً مصنوعاً من الحجر المسموم؟ 

(يغمض عينيه ببطء ويرفع قدمه اليسرى)

(يتراقص ما بين الأزهار أربعة ملائكة يرتدون أجنحة من القماش السماويّ ، نساء المدينة تعزفن البيانو كما لو أنهنّ تركبن الدراجة، الفالس والقمر والقوارب تهزّ قلب صديقنا الرقيق، وأمام دهشة الجميع، يغزو الخريف الحديقة، كما يغزو الشاي مكعّب السكر)

باستر كيتون: (يتنهد) أريد أن أصبح بجعة، ولكنني لا أستطيع، مع أنني شديد الرغبة، ولكن، أين سأترك قبعتي؟ أين سأذهب بعنقي وربطاته المزركشة؟ يالها من مصيبة! 

(برأسٍ كالعندليب وخصر ملكة النحل تأتي فتاة وهي تقود الدراجة)

الفتاة: على من لي الشرف بإلقاء تحيتي؟ 

باستر كيتون: (فخوراً) على باستر كيتون!

(تتهاوى الفتاة وتسقط من على الدراجة، ترتجف قدماها المتشابكتان كقدميّ حمارٍ وحشيٍ يحتضر. غراموفون يُلقي خطاباً مدوّياً دفعة واحدة: أميركا تفتقر للعنادل!)

باستر كيتون: (راكعاً) آنسة إلينوار، اعذريني، لم أكن أنا، (هامساً) آنسة، (أكثر همساً) يا آنسة. (يقترب منها ويقبلها)

(في الأفق البعيد، يُضيء نجم سيارة الشرطة الساطع)

The post خُطا باستر كيتون… لفيديريكو غارثيا لوركا appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>