حسن خضر - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/82rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:40:43 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png حسن خضر - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/82rommanmag-com 32 32 ثقافة مزدهرة وأفلام ممنوعة في جو احتفالي بهيج..!! https://rommanmag.com/archives/18961 Wed, 25 Oct 2017 12:43:33 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d9%85%d8%b2%d8%af%d9%87%d8%b1%d8%a9-%d9%88%d8%a3%d9%81%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%85%d9%85%d9%86%d9%88%d8%b9%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%ac%d9%88-%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d9%81%d8%a7/ أتجنّبُ، عادة، معالجة هموم الثقافة الفلسطينية، لأسباب يطول شرحها، ومع ذلك، ثمة ما يصعب التغاضي عنه، ويتجلى في إشكالية يمكن صياغتها على النحو التالي: يبدو، للوهلة الأولى، وكأن فلسطين تشهد ازدهاراً مُدهشاً في الفنون والآداب. ففي السنوات الأخيرة تسارعت ظاهرة إنشاء المؤسسات الثقافية، ومعها ظاهرة الجوائز السنوية، مع كل ما يصاحب هذه وتلك، ويتصل بها […]

The post ثقافة مزدهرة وأفلام ممنوعة في جو احتفالي بهيج..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
أتجنّبُ، عادة، معالجة هموم الثقافة الفلسطينية، لأسباب يطول شرحها، ومع ذلك، ثمة ما يصعب التغاضي عنه، ويتجلى في إشكالية يمكن صياغتها على النحو التالي: يبدو، للوهلة الأولى، وكأن فلسطين تشهد ازدهاراً مُدهشاً في الفنون والآداب. ففي السنوات الأخيرة تسارعت ظاهرة إنشاء المؤسسات الثقافية، ومعها ظاهرة الجوائز السنوية، مع كل ما يصاحب هذه وتلك، ويتصل بها من بلاغة، وبيانات، وخطابات، ومكافآت، ووزارة الثقافة لا تنتهي من احتفالية إلا لتبدأ احتفالية جديدة.

لا بأس. ولكن مقابل هذا المشهد الكرنفالي البهيج نشهد ضيقاً متزايداً من أسفل ومن أعلى (أي من المجتمع والسلطة على حد سواء) بحرية التفكير والتعبير، فقد صدرت قرارات بمنع كتب، وهناك قوانين بخصوص الجرائم الإلكترونية، وثمة دعوات تطلقها جماعات وجمعيات أهلية لمقاطعة ومنع أفلام، وحملات لمقاومة التطبيع طالت فنانين بارزين، وساسة وطنيين اعتُرض على دخولهم حرم الجامعة، بذريعة مقاومة التطبيع، وفي الأثناء يرفض طلاب في جامعة الوقوف احتراماً للنشيد الوطني الفلسطيني. 

كيف يحدث هذا وذاك في وقت واحد؟ بالمنطق: في ازدهار الفنون والآداب، وما تستدعي من بنى تحتية كالمؤسسات الثقافية، وفي كل هذا القدر من البلاغة والمناسبات والاحتفالات والمهرجانات، والمكافآت، ما يعني أن نهضة من نوع ما تتخلّق الآن وهنا، أو أن روحاً ليبرالية تتفشى في المجتمع. وبالمنطق أيضاً: في كل هذا القدر من تجليات الضيق بحرية التفكير والتعبير من أعلى ومن أسفل ما يعني ضيق صدر المجتمع، والسلطة، على حد سواء، من روح كهذه.

وبما أن كل كلام في الثقافة هو كلام في السياسة، أيضاً، كان من الممكن لازدهار كهذا أن يكون مُقنعاً لو تعامل مع ما نعينه بالضغط والضيق بوصفة هماً من هموم الثقافة، وقضية مفصلية من قضايا الحقل الثقافي العام تمس حاضر ومستقبل الحرية في هذه البلاد. بيد أن هذا لم يحدث، ولا أعتقد أنه سيحدث في وقت قريب. 

فالازدهار الثقافي، في هذا السياق، مؤسس على وطنية لا تثير إشكالية، ولا يعترض عليها أحد، وهي وطنية بلا أسئلة ولا تساؤلات. هل يكفي حب البلاد، والتغني بجمالها، والتنكيل البلاغي بأعدائها لإنشاء ثقافة وطنية؟ ألا تحتاج ثقافة كهذه إلى تأمل صورتها في المرآة؟ ألا يثير الميل إلى المحافظة، وتفشي الأصولية، قلقاً من نوع ما في الحقل الثقافي؟ تبدو أسئلة كهذه فائضة عن الحاجة.

“الثقافة المزدهرة” لا تشعر بالحاجة لممارسة النقد والنقد الذاتي، بل هي تزدهر، بالفعل، بقدر ما تنجح في تفادي ما ينجم عن أسئلة كهذه من أوجاع الرأس، ومآزق، قد تُؤدي إلى فقدان القائمين عليها مكان ومكانة النخبة ذات الامتيازات المادية والرمزية في حقل السلطة، وبين هؤلاء من يقوم مقام المنسّق العام، وضابط الإيقاع، بين حقلي الثقافة والسياسة.

هذا لا يعني أن البلاد لم تُنجب جيلاً جديداً من الفنانين والكتّاب (أعني الذكور والإناث)، وأن هؤلاء يمتازون بمواهب استثنائية، بل يعني أن أغلب هؤلاء يعيش على هامش الحقل الثقافي نفسه، وأن السماح بالتحاقهم به مشروط بالتنازل عن أسئلة وحساسية جيلهم السياسية والثقافية، وهي مختلفة في كل الأحوال عن أسئلة أجيال سبقت.

وثمة، في الواقع، وصفة مجرّبة، بدأت منذ عقود، في القلب منها تقسيم وتقاسم فلسطين بين “ثقافي” وظيفته الثوابت، و”سياسي” وظيفته التكتيك، واختزال الثقافة في الأدب، أي إقصاء العلوم الاجتماعية والأدبية من مركز الحقل الثقافي، والاكتفاء بالشعر والرواية، وكلاهما حمّال أوجه. لذا تجد مؤرخاً أنفق سنوات من عمره في التأريخ لحقبة ما من تاريخ الشعب لا يجد حتى من يحتفي به، وفي المقابل تجد احتفاءً لا يخلو من مبالغة بأعمال “أدبية” قليلة الأهمية، لا يقرأها أحد في أغلب الأحيان. ويندر أن تجد بين ما يُحتفى به من أعمال، تستدعي حفلات، وتوقيعات، نصوصاً نقدية بالمعنى السياسي والثقافي العام.

أخيراً، كلما نشب سجال في الحقل الثقافي بشأن قضية من نوع ما، ينبغي استعادة السياسة. وبقدر ما يتعلّق الأمر بالموجة الأخيرة المعادية للتطبيع، التي منعت عرض فيلم في رام الله بدعوى مقاومة التطبيع، وشهّرت بفنان، وطاردت مخرجاً لبنانياً زار إسرائيل، أعتقد أن حملة مقاطعة إسرائيل، ومقاومة التطبيع، التي تمأسست، وحققت نجاحات في الخارج، تنافس الآن على جانب من رأس المال الرمزي والمادي في حقلي الثقافة والسياسة في فلسطين. 

وهذا، في ذاته، ما لا يحق لأحد إنكاره عليها، أو حرمانها منه، مع ضرورة الانتباه إلى أشياء من نوع مخاطر الشعبوية الثقافية والسياسية على حداء سواء، والإفراط في عبادة الصواب الذاتي، وكفاءة ما لا يحصى من الشبيحة بالمعنى الثقافي والسياسي والأيديولوجي في ركوب موجة كهذه. فما يدعى التطبيع، كما مقاومته، بزنس وصناعة. ولدينا الآن الكثير من خبرات تراكمت على مدار ما يزيد على عقدين من الزمان. 

 لا يحق لأحد تخوين أحد، أو ممارسة الرقابة والمنع. يمكن في كل الأحوال استنكار المواقف والرد عليها بالحجة والمنطق، أما سياسات التجييش، وممارسة التحريض، وذهنية العقاب والثواب، فلم يكن لأشياء كهذه أن تكتسب هذا القدر من العدوانية في ظل ثقافة مزدهرة بالمعنى الحقيقي للكلمة، أما في وسط هذا الكرنفال البهيج فكل شيء مُتاح ومُباح.

نُشرت صباح اليوم في الأيام الفلسطينية

The post ثقافة مزدهرة وأفلام ممنوعة في جو احتفالي بهيج..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
كان حبيبنا ونجمته نجمتنا..!! https://rommanmag.com/archives/18940 Tue, 10 Oct 2017 16:24:30 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%83%d8%a7%d9%86-%d8%ad%d8%a8%d9%8a%d8%a8%d9%86%d8%a7-%d9%88%d9%86%d8%ac%d9%85%d8%aa%d9%87-%d9%86%d8%ac%d9%85%d8%aa%d9%86%d8%a7/ في مثل هذه الأيام، قبل خمسين عاماً، دخل جندي من القوّات الحكومية، غرفة مدرسة في قرية بوليفية نائية، وعلى الأرضية الطينية رقد رجل كث اللحية، مغبّر الوجه والثياب، وعلى ساق اخترقتها رصاصة، في يوم سبق، تخثّر دمٌ. وما أن أبصر الثاني الأوّل حتى اعتدل قليلاً، وأسند ظهره إلى الحائط، أما الأوّل فأبصره بطرف عينيه، وارتعشت […]

The post كان حبيبنا ونجمته نجمتنا..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
في مثل هذه الأيام، قبل خمسين عاماً، دخل جندي من القوّات الحكومية، غرفة مدرسة في قرية بوليفية نائية، وعلى الأرضية الطينية رقد رجل كث اللحية، مغبّر الوجه والثياب، وعلى ساق اخترقتها رصاصة، في يوم سبق، تخثّر دمٌ. وما أن أبصر الثاني الأوّل حتى اعتدل قليلاً، وأسند ظهره إلى الحائط، أما الأوّل فأبصره بطرف عينيه، وارتعشت يده على الزناد.

كان كلاهما يعرف مناسبة لقاء أوّل وأخير، يخرج منه الأوّل قاتلاً والثاني قتيلاً. قال تشي للجندي الذي يخشى النظر إلى عينيه، بنبرة هادئة وواثقة، وبما يشبه النصيحة الأبوية من مقاتل محترف: صوّب جيداً، واطلق على القلب. صوّب الجندي زائغ العينين، ومرتعش اليدين، أخطأ القلب، وأعاد الكرّة أكثر من مرّة. 

كان هذا قبل خمسة عقود، وعلى مدارها أصبحت الغرفة ذات الأرضية الطينية مزاراً يستدرج ما فيه من عبق الذكرى رجالاً ونساءً من أربعة أركان الأرض. وهناك، في القرية، وفي الأرياف البوليفية، بعض من عاشوا أحداث ذلك اليوم في التاسع من أكتوبر 1967، أو سمعوا عنها من ذويهم، وبين هؤلاء مَنْ تماهى في خياله وجه تشي (حبيبنا) بوجه يسوع المسيح، إن لم يكن صاحب اللحية الكثة، والبيريه المُتوّجة بنجمة حمراء (نجمتنا) قديساً فماذا يكون؟ 

بعد كتابة السطر الأخير، وجدتني مضطراً لحشر “حبيبنا” و”نجمتنا” ليستقيم الكلام، وكأن هذه وتلك علامة إرشاد على طريق. فتشي لم يصبح قديساً في أعين الفلاّحين في بوليفيا أو أميركا اللاتينية، وحسب، بل هو كذلك في أعين ما لا يحصى من بني البشر في كل مكان: عابر للأزمنة، والأجيال، والحدود، واللغات والثقافات، كما الحرية نفسها، وهو من أبنائها وأسمائها وحرّاسها وأجراسها.

وليس من الضروري، بهذا المعنى، أن تكون ماركسياً لتجد ما يجسر هوّة اللغة، أو القومية، أو الحدود، أو حتى الأيديولوجيا، بينك وبين ما كانه تشي حياً وميتاً. وبهذا نصل إلى “بيت القصيد”، أي إلى المحرّض الرئيس، بالمعنى الشخصي، على استعادة تشي في مثل هذه الأيام. فلا أحد يعود إلى مسائلة الماضي إلا بدافع من أسئلة الحاضر.

كان تشي حياً وميتاً محاولة ترجمة لأشياء من نوع: البشر في كل مكان أخوة للبشر في كل مكان. المشكلة ليست بين أبيض وأسود، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين قومية وأخرى، أو دين وآخر، بل بين مُستغِلين ومُستغَلين. وإذا نشأ تمييز على أساسا اللون، أو الجنس، أو القومية، أو الدين، فتّش دائماً عن المُستغِلين والمُستغَلين لتجد مفتاح السر. 

وبقدر ما يتعلّق الأمر بالعلاقات الدولية، والنظام العالمي، فتّش عن الإمبريالية، وشركائها المحليين، هنا، أيضاً، ستعثر على مفتاح السر. وكلما تعلّق الأمر بالظلم، والعدل، والمساواة، والفقر والغنى، فتّش دائماً عن الطبقات الاجتماعية، وتلاقي أو تضارب مصالحها، ومدى تلاقي أو تضارب هذه وتلك مع مصالح وطموحات ونهم أسياد العالم. هذه نظرة بسيطة، وتبسيطية، بالتأكيد. العالم أكثر تعقيداً من أشياء كهذه. ومع ذلك، لا يمكن في كل نظرة تسعى لتكون أكثر تطوّراً، واعترافاً بالتعقيد، الاستغناء عن أشياء كهذه فرادى أو مجتمعة.

 في سياق هذه الخصوصية، التي تنفتح على احتمالات كثيرة، في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفي أجواء الحرب الباردة (زمن هوشي منه، وماوتسي تونغ، وفيديل كاسترو، وجمال عبد الناصر، وياسر عرفات، والثورة الجزائرية، وحرب فيتنام، والثورة الطلاّبية، واليسار العالمي، وحركة الفدائيين الفلسطينيين، وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة) كان تشي جيفارا محلياً تماماً في القاهرة، بقدر ما كان كذلك في سان باولو، أو باريس، أو في مخيم الشاطئ في غزة.

لذا كان تشي ظاهرة كونية، واختزالاً لأشياء كثيرة، وقد أراد الذهاب، وذهب فعلاً، أبعد من الآخرين، وكانت الحرب عليه، وعلى ما يُمثّل، كونية أيضاً، قادها الأميركيون في حرب حياة أو موت، عسكرية، وأمنية، واقتصادية، وثقافية، في كل مكان من العالم. وشاء النفط، ومكان إسرائيل، ومنطق السوق، أن يكون الشرق الأوسط من ساحاتها الرئيسة.

من رحم الحرب المعنية، التي لم تبدأ بالجهاد الأفغاني، وإن كان من عناوينها الكبرى، وُلدت الثورة المضادة المعادية لتشي وزمنه، وكل ما يمثّل، ولأن القابلة كانت أميركا، والبطن التي حملت أكثر الرجعيات تخلفاً وعداءً للحرية والإنسان، ولد في الثورة المضادة، ومعها، ومنها، نموذج عجيب وغريب لأشخاص من طراز بن لادن، والظواهري، والزرقاوي، وخليفة الدواعش (ومَنْ لم نعرف من السلالة بعد). هؤلاء رموز عالم (أعني العربي) يُشن الحرب على نفسه، وعلى العالم، في أكبر محاولة للانتحار الذاتي ، بعد الجنون القيامي النازي في أواخر الحرب العالمية الثانية 

وهم كل ما يمثل نفياً لتشي وزمنه، وما يمثّل. كان مع حرية الإنسان في كل مكان، وهؤلاء يشنون الحرب على غير المسلمين في كل مكان، وعلى غير السنّة في الغالب، يكرهون النساء، والدولة الحديثة، والثقافة، ولا مشكلة لديهم مع الفقر والغنى، ولا وجود لمفردات من نوع التوزيع العادل للثروة، والحرية، والمساواة، في عالمهم الذي لا تشع فيه سوى الكراهية. 

لذا، يعود تشي ويُستعاد، اليوم، كنافذة لا نطل منها على الماضي، بل لنرى من خلالها صورة الحاضر. نستعيد مشهده الأخير، قبل خمسين عاماً، ونقول لأنفسنا، وأصحابنا، ومن يشبهوننا في أربعة أركان الأرض: على الرغم مع كل شيء، كان حبيبنا، وكانت نجمته نجمتنا. 

نُشرت اليوم في الأيام الفلسطينية

The post كان حبيبنا ونجمته نجمتنا..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
عن روضة للأطفال في رفح..!! https://rommanmag.com/archives/18888 Wed, 06 Sep 2017 10:23:15 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b9%d9%86-%d8%b1%d9%88%d8%b6%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a3%d8%b7%d9%81%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d9%81%d8%ad/ من مقعدها في القسم المُخصص للصحافة، في قاعة المحكمة في القدس، حاولت حنّا أرندت العثور في ملامح أيخمان، القابع في القفص، على ما يبرر أو يُفسّر المحرقة، وفشلت. فليس في ملامحه ما ينم عن غير العادي، ولا في شكله أو سلوكه، ما يجعل منه وسيلة إيضاح توازي ما أضفته حكومة بن غوريون على محاكمة اعتبرتها […]

The post عن روضة للأطفال في رفح..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
من مقعدها في القسم المُخصص للصحافة، في قاعة المحكمة في القدس، حاولت حنّا أرندت العثور في ملامح أيخمان، القابع في القفص، على ما يبرر أو يُفسّر المحرقة، وفشلت. فليس في ملامحه ما ينم عن غير العادي، ولا في شكله أو سلوكه، ما يجعل منه وسيلة إيضاح توازي ما أضفته حكومة بن غوريون على محاكمة اعتبرتها محاكمة القرن، وأرادت لها أن تكون منصة قانونية وأخلاقية وسياسية لتسليط الضوء عل حدث غير مسبوق في تاريخ الإنسان.

لم تجد أرندت في رجل باهت، متوسط الكفاءة، والثقافة، والذكاء، أقرب إلى موظف حكومي كئيب منه إلى الوحش الذي صوّرته المحكمة، وتكلّم عنه الشهود، أكثر من تفاهة الشر. الشر الذي لا تنوب مكوّناته فرادى ومجتمعة عنه، ولا تكفي للقبض على ماهية تستعصي على الفهم. لا شيء في الكون سيساعدنا، في يوم ما، على القبض على الجامع والمانع في معنى الشر. والأهم: أن ما في الشر من رعب وأهوال ينبغي ألا يحجب عن الأعين تفاهته.

بهذا تتفرّد أرندت، أحد أهم صنّاع النظرية السياسية في القرن العشرين، وفيه ما ندين به لها، أي إمكانية العثور على التفاهة في أكثر تجليات الشر بشاعة واستعصاء على الفهم. وبهذا، وفيه، يستوي ما يتجلى منه في “الصغير” و”الكبير” من الأفعال والأهوال، سواء في منطقة نائية، أو في قلب العالم.

وبهذا وفيه، أيضاً، ما يصلح مدخلاً للكلام عن حادثة صغيرة لم، ولن، يسمع بها تسعة وتسعون، وتسعة أعشار بالمائة من قاطني المعمورة، في منطقة لا يعرف العدد نفسه من الناس مكانها على الخارطة. ومَنْ سمع، وعرف، فلن تبقى في ذهنه أكثر من برهة عابرة سرعان ما تغمرها موجة فيضانية من الصور والأخيلة والأحداث القادمة من أربعة أركان الأرض، والتي تتجدد بالثواني والدقائق لا بالساعات والأيام.

أعني تمثيلية الذبح في روضة للأطفال في رفح. فهي وسيلة إيضاح لتفاهة الشر، التي لا يصعب القبض على دلالتها خارج سياقها، ولكن السياق نفسه يؤثث المشهد، ولا يبخل علينا بدلالات كوميدية وإن تكن مُفزعة.

 فالمربية، التي مثّلت مشهد الذبح بأطفال ولأطفال، لم تكن تريد بهم شرّاً، بالتأكيد، بل “ابتكرت” بمزيج من جدية المهموم بالنجاح المهني، وميل الإنسان الفطري للتمثيل، طريقة جديدة لتقريب معنى “خروف العيد” من أذهان أطفال ما بين الثالثة والخامسة من العمر. وهي ليست متدينة، وحسب، بل وتؤمن، أيضاً، أن في تدينها ما يحض على إسداء خدمة للأطفال وذويهم، وهل ثمة من خدمة أعلى من الهداية؟

هناك، طبعاً، سنوات ضوئية تفصل ما بين عالمها وعالم جيرار جينيت، وما فيه من مرافعات عن أولى تجليات فكرة القربان منذ الطوطمية في عصور ما قبل التاريخ، ومركزية فعل المحاكاة، وعلاقته العضوية بالعنف في المخيال الديني، وإن كان في كل ما فعلته وسيلة إيضاح إضافية تلتحق بملايين غيرها على مدار اليوم، بما فيها جزء الرؤوس في فيديوهات الدواعش.

ليس من المطلوب، ولا المُنتظر، ولا المنطقي، افتراض أن تكون أشياء كالقربان، والمحاكاة، بأدوات جينيت، جزءاً من عالم المعنية بالأمر، ولكن من المطلوب والمُنتظر والمنطقي ألا تغيب المرافعات ذات الصلة، التي تحفل بها العلوم الإنسانية، عن كل محاولة لنقل الكلام في الشأن العام، وعنه، في بلادنا، من رداءة وهبوط المستوى المعرفي إلى ما يغني الحقل الثقافي العام، ويفتح فيه نوافذ جديدة. فالبعض قد يكفيه كيل الشتائم للمربية، ولكن إذا كان في هذا ما يشبع الغرائز، فإن فيه ما يُفقر الكلام في الشأن العام. 

فما المانع، مثلاً، من التفكير في حقيقة أن فعل العنف الشعائري الذي مارسته المربية مزدوج، فقد اختارت وهي الأنثى طفلاً، لا طفلة، لوظيفة القربان. ولا يحتاج الإنسان إلى مهارات كثيرة في علم النفس التحليلي لتأويل فعل كهذا، فقد احتلت السكين، مثلاً، مكانة مركزية في المشهد التمثيلي، ولم يغب عن ذهنها أن تلونها بالأحمر، للإيحاء بالدم. وفي معرض الرد على المنتقدين، لم تغفل عن تذكيرهم بأن السكين “خشبية”. وعلاوة على هذا وذاك، لم يتلصص أحد على مشهد العنف الشعائري، بل هي التي تطوّعت برفع الصور على الصفحة الإلكترونية للروضة، ونالت عليها بعض “اللايكات” من نساء، أيضاً.

وما المانع، أيضاً، من محاولة رسم صورة أولية لعالم الروضة الاجتماعي، والثقافي، والروحي، ودورها في الاقتصاد السياسي لتطبيع، وإنتاج، وتدوير، واستهلاك خطاب العنف، بحمولته الرمزية، ووظيفته الاجتماعية؟ وهل ثمة من إمكانية للفصل بين أمر كهذا وحكم حماس؟ 

على الصفحة الإلكترونية للروضة ثلاثة بنود بعناوين من طراز ووزن: “الرؤيا، والأهداف، والرسالة” وتحت كل عنوان قائمة من الأهداف التي لا تجرؤ حتى وزارة التعليم في أميركا على طرحها في سلة واحدة، وتسويقها كبرنامج يمكن أن ينجو من السخرية. ولكن، ما أدراك إذا أخذت روضة (في مكان هو الأعلى كثافة سكانية في العالم، يعاني ندرة مياه الشرب، ويمكن ألا يصبح قابلاً للحياة بعد سنوات، ويعيش على المساعدات) على عاتقها تحقيق ما يعجز عنه، أو يخجل منه، الأميركيون والصينيون والهنود والروس؟

المهم، أن هذا كله مكتوب بلغة ركيكة، ينبعث منه ضجيج بلاغي ولفظي، بحجم جوقة من الطبول، ويحيل إلى عالمين: واقعي وافتراضي، يعاني كلاهما موت وخواء المعنى. والأهم: هل يحتاج أطفال ما بين الثالثة والخامسة من العمر، إلى ما هو أكثر من اللعب المُجرّد من كل هدف، والمتعالي على كل رسالة؟ إذا كان الجواب بالنفي، وينبغي أن يكون، فهل ثمة، وبكل هذا القدر من الأخطاء اللغوية، والصور، والبراءة (من نبل الرسالة إلى السكين الخشبية)، تفاهة للشر أكثر بلاغة من هذه؟ 

تُنشر بالتزامن مع نشرها في جريدة الأيام الفلسطينية

The post عن روضة للأطفال في رفح..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
كل ما “يُطيّر” المخ..!! https://rommanmag.com/archives/18876 Tue, 29 Aug 2017 13:25:10 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%83%d9%84-%d9%85%d8%a7-%d9%8a%d9%8f%d8%b7%d9%8a%d9%91%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae/ حظ “الأخت” أم مولدات في العالم العربي قليل. ليس لأنها تكتب بالإنكليزية وحسب، ولكن لأنها تدس أنفها في الثالوث المحرّم، أيضاً، أي تابو الجنس والسياسة والدين. وعلى الرغم من حقيقة أن المذكورة لا تقترب من السياسة، وتحاول جسر العلاقة بين الجنس والدين، إلا أن في مجرّد محاولة كهذه، وعلى طريقتها، ما يُوصد الأبواب في وجه […]

The post كل ما “يُطيّر” المخ..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
حظ “الأخت” أم مولدات في العالم العربي قليل. ليس لأنها تكتب بالإنكليزية وحسب، ولكن لأنها تدس أنفها في الثالوث المحرّم، أيضاً، أي تابو الجنس والسياسة والدين. وعلى الرغم من حقيقة أن المذكورة لا تقترب من السياسة، وتحاول جسر العلاقة بين الجنس والدين، إلا أن في مجرّد محاولة كهذه، وعلى طريقتها، ما يُوصد الأبواب في وجه حظ “يفلق” الحجر.

بداية، يصعب وصف “الأخت” أم مولدات بالمثقفة، أو النسوية، أو المعنية بأسئلة الوجود الكبرى. كل ما في الأمر أنها ابنة زمانها ومكانها. فهي على الأرجح، وكما يُستدل من اسم الحركي الذي اختارته لنفسها، من أصول غير عربية، ربما باكستانية، وما أفصحت عنه أنها مسلمة وُلدت في الولايات المتحدة، ودرست علم النفس، وأخذت على عاتقها “تثقيف” المسلمات في قضايا الجنس، فنشرت كتاباً (85 صفحة) بعنوان “كتاب الإرشاد الجنسي: دليل المُسلمة إلى جنس حلال يطيّر المخ“.

وبما أن الكتاب يُقرأ من عنوانه، كما يُقال، فإن ما “يطيّر المخ” لا يتعدى كونه جزءاً من صناعة طويلة وعريضة لاستثمار الجنس، وما لا يحصى من تداعياته، في الدورة الاستهلاكية للمجتمع ما بعد الصناعي، وما بعد الحداثي، الذي تحظى فيه المتع، معطوفة على تسليم بكونها من الحقوق، ومرفوعة على ساعد لغة فصيحة وصريحة، بنصيب الأسد.

بمعنى أكثر وضوحاً، شغل “الأخت” أم مولدات مجرّد بزنس. ولستُ، هنا، بصدد تفصيل ما أوردته من تعليمات بشأن ما يُطيّر المخ، فهذا متروك للخيال، بل أكتفي بالقول إنها مجرد “قص ولصق” عن أوضاع وأجواء مختلفة، شائعة في ما لا يحصى من الكتب ذات الصلة المكتوبة بالفرنسية، والإنكليزية، والألمانية، وغيرها من لغات الكون، ما عدا العربية بطبيعة الحال.

وطالما أن الأمر كذلك، فما الذي استوقف منابر إعلامية من وزن الديلي ميل والغارديان، وحتى هفنغتون بوست (الخاضع لنفوذ القطريين والإخوان)، لتفرد مساحة لا بأس لها للكتاب وصاحبته، وما الذي حرّض بعض القرّاء على كتابة تعليقات إيجابية عموماً، لم يخل بعضها من نصائح لتفادي نقص في هذا الجانب أو ذاك في طبعات لاحقة؟

كلمة “الحلال” فقط. فلو لم تكن جزءاً من العنوان، ولو لم تدخل بين الثنايا في تفصيل هذا الوضع أو ذاك، لما توقف أحد أمام خمس وثمانين صفحة تضاف إلى ملايين الصفحات في موضوع كهذا، وبعضها بالصور والألوان. “الأخت” أم مولدات اكتفت بوضع وردة جورية صورة للغلاف. بيد أن في مجرّد هذا الوقوف ما يستدعي أكثر من تفسير، وفي هذا الحال، كما في كل حال، الصورة المُركّبة لا تحتمل التبسيط:

أوّل وأقرب تفسير أن “للإسلام” و”المسلمين” و”الحلال” و”الحرام” هذه الأيام سوقاً بحجم الكرة الأرضية، فبعد القاعدة، وداعش، وتكرار عمليات الدهس والطعن في كبرى عواصم العالم، وبلا نهاية محتملة في وقت قريب، ثمة ما لا يحصى من الناس، في أربعة أركان الأرض، الذين يعنيهم معرفة هذه الأشياء، وما لا يحصى، أيضاً، من الراغبين بتعريفهم، وبين هؤلاء وأولئك بزنس، ورؤوس أموال، وصناعة، ومهارات دعاية وتسويق وتسليع.

وباستثناء الجامعات (التي يضطر أغلب العاملين فيها للقراءة والكتابة ركضاً وراء العلاوة والترقية) يغامر القليل من الناس “بهدر” الوقت في قراءة كتابات تاريخية، وفلسفية، ولاهوتية، واجتماعية، جادة. لذا، تحظى أدبيات من نوع كتاب “الأخت” أم مولدات، (ومَنْ هم في وزنها من في شتى صنوف المعرفة) بفرص توزيع وعائدات أكبر.

بيد أن في تفسير كهذا ما يحيل إلى شيء آخر. فثمة حاجة للمعرفة، وصلة وثيقة بين العرض والطلب. وللطلب في موضوع كالجنس أهمية استثنائية مصدرها ما يكتنف موضوع النساء، والجنس، والذكورة والأنوثة، من خصوصية في سوق تعريف “الإسلام” والتعريف به في الغرب.

 ومن المنطقي، في زمن انفجار الهويات، وسياسات الهوية، وإذا أسقطنا إكراهات السوق، التفكير في وجود أشخاص في الغرب يريدون التوفيق بين هوياتهم “الإسلامية” وأسلوب الحياة والاستهلاك في مجتمعات يعيشون بين ظهرانيها، بما في ذلك نظرة تلك المجتمعات وعلاقتها بالجنس. وهذا، بدوره، يقود إلى أمرين: التوفيق (الذي لا يخلو غالباً من تلفيق) أو إعادة إنتاج الهوية نفسها، بدلا من رفضها والخروج عليها. ففي ألمانيا، مثلاً، تقوم امرأة من أصول تركية بدور الإمام في “جامع” تديره بنفسها، ويرتاده رجال ونساء. 

طبعاً، لا “الأخت” أم مولدات، ولا السيّدة التي تمارس دور الإمام، يمكنهما العيش والعمل في العالم العربي، أو في بلدان إسلامية. فلا الاجتهاد في التوفيق، ولا إعادة إنتاج الهوية (بصرف النظر عن الجدية، والجدوى، وحتى النيّة) يمكن أن يتحققا دون شرط الحماية والحرّية.  

وبهذا نصل إلى بيت القصيد. وبيت القصيد، هنا، حرّض وحض عليه كتاب بديع لكريستوفر دي بيلاجي “التنوير الإسلامي: الصراع بين الإيمان والعقل من العام 1798 وحتى الأزمنة الحديثة”. وفرضيته الرئيسة، في هذا الشأن، أن المراكز الرئيسة في العالم الإسلامي: القاهرة، وإسطنبول، وطهران، انخرطت في الأزمنة الحديثة، بوتائر مختلفة منذ نهاية القرن الثامن عشر، وتجلت فيها نزعات حداثية وتحديثية، وأظهرت حيوية مدهشة، ولكن المُحدثين والتحديثيين من حكّامها لم يعترفوا بالحرية، ولم يوفروا ضمانات الحماية للعقل.

ذلك لم يحدث، وحتى يحدث، لن تشكو كتابات “الأخت” أم مولدات، ومن في وزنها، في شتى صنوف المعرفة، من فتور الهمة، وكساد السوق، ولا ندرة ما “يُطيّر المخ”. 

نُشرت صباح اليوم في صحيفة الأيام الفلسطينية

The post كل ما “يُطيّر” المخ..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
ومن زرع حصد..!! https://rommanmag.com/archives/18864 Wed, 23 Aug 2017 06:34:52 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%88%d9%85%d9%86-%d8%b2%d8%b1%d8%b9-%d8%ad%d8%b5%d8%af/ لا أحد، من المعلّقين على الشأن العام، يرجو أن يكون مُخطئاً. ومن النادر أن يعترف أحد بأثر رجعي. ومع ذلك، أرجو أن أكون مخطئاً في القول إن تفجير داعش الانتحاري الأوّل في غزة لن يكون الأخير. ولنفكّر، بداية، في أساطير بددها التفجير: أن لا وجود لداعش في غزة (وفلسطين)، وأن وصول “الإسلاميين المعتدلين” إلى السلطة […]

The post ومن زرع حصد..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
لا أحد، من المعلّقين على الشأن العام، يرجو أن يكون مُخطئاً. ومن النادر أن يعترف أحد بأثر رجعي. ومع ذلك، أرجو أن أكون مخطئاً في القول إن تفجير داعش الانتحاري الأوّل في غزة لن يكون الأخير. ولنفكّر، بداية، في أساطير بددها التفجير: أن لا وجود لداعش في غزة (وفلسطين)، وأن وصول “الإسلاميين المعتدلين” إلى السلطة في مكان ما يضمن احتواء “المتطرفين”. وبعد الكلام، قليلاً، عن هذه وتلك، نختم بالفنتازيا.

وبقدر ما يتعلّق الأمر بالأسطورة الأولى، وحتى على المستوى النظري يستحيل أن يكون الوباء الداعشي (المقصود، هنا، حالة ثقافية عامة، وتجليات تنظيمية، بصرف النظر عن تسمياتها) قد تمكّن من أجساد دول ومجتمعات في الشرق والغرب وحاد عن فلسطين وأهلها. وبالنسبة للمولعين بالتحليل السوسيولوجي للوباء الداعشي توجد في غزة، على نحو خاص، وفي فلسطين عموماً، كل التوابل المطلوبة في الطبخة الداعشية. ولست، هنا، بصدد رصد الشواهد، وهي كثيرة.

المهم، رفض، قبل أيام، طلاّب في جامعة فلسطينية، الوقوف احتراماً للنشيد الوطني، وبهذا كانوا أوفياء لسيّد قطب صاحب عبارة “الوطن وثن والعَلم صنم”. هم، طبعاً، يَدرسونه، ويُدرّسونه في حلقاتهم التربوية والتنظيمية. العبارة موسيقية، تماماً، ولكن فيها من البارود ما يكفي لزعزعة أوطان، وتدمير بلدان. عمرها من عمر الصراع بين عبد الناصر والإخوان المسلمين على معنى ومبنى الهوية المصرية الحديثة. وهي، أولاً وأخيراً، معادية للوطن والوطنية. 

والأهم من الأوّل والأخير، أن العداء للوطن والوطنية وُلد مع الحرب الباردة، وكان سلاحاً في ترسانتها الأيديولوجية لمقاومة وإجهاض الحركات الاستقلالية في العالم العربي. (بين كل “مؤلفات” ابن باز، الموضوع الدنيوي والسياسي الوحيد هو ذم القومية العربية).

 ولا فائدة، في الواقع، من تذكير هؤلاء بأشياء كهذه عن جينالوجيا وأيديولوجيا توثين الوطن، وتصنيم العَلم، فما يحدث الآن، وهنا، في فلسطين والعالم العربي، لا يتجلى كصراع يُخاض، في جانب منه، على مستوى العقل والمنطق، بقدر ما يتجلى كعملية انهيار وتحلل طويلة الأمد لن يوقفها أحد حتى تبلغ مداها. “لا أحد يولد إلا من رماده”، كما كتب أدونيس. لذا، يكفي القول إن في حادثة كهذه، على الأقل، ما يستدعي إعادة النظر في مناهج وسياسة التعليم في بلادنا. لعل وعسى.

ولنصل، الآن، إلى أسطورة أن وصول “الإسلاميين” المعتدلين إلى السلطة، في مكان ما، يضمن احتواء “المتطرفين”. ولنحاول صياغة الموضوع بطريقة مغايرة: أليست حماس الإخوانية، وهي الحاكم الفعلي لغزة، “إسلامية” بالحد الكافي، ولماذا، إذاً، يخرج منها وعليها أشخاص بدعوى أنهم أكثر “إسلامية” منها، وهل ثمة إمكانية، فعلاً، لوقف عملية التشظي السياسي والأيديولوجي في صفوف “الإسلاميين”، وهل ثمة نهاية محتملة لصيرورة ”التطرّف”؟

الجواب: الاعتدال والتطرّف مجرد حيل بلاغية. كانت الماركسية أيديولوجية سائدة ومشتركة بين الاتحاد السوفياتي والصين، ولم تكن شرطاً كافياً لتحقيق الانسجام، أو حتى تفادي العداء الصريح. وكانت أيديولوجيا البعث قاسماً مشتركاً في سورية والعراق، ولم تكن شرطاً كافياً لتحقيق الانسجام، أو حتى تفادي العداء الصريح. 

وفي موسكو، كما في بكين، وفي دمشق، كما في بغداد، كان أشخاص يسكبون حبرهم، ويكسبون لقمة عيشهم من اتهام الآخرين بالتحريف والانحراف النظري والعقائدي. وقد ظهرت من وقت إلى آخر نتوءات ودرنات أيديولوجية وسياسية من نوع الخمير الحمر، في كمبوديا، مثلاً، للتدليل على حقيقة أنها تشرب أكثر من غيرها من النبع الصافي للنظرية.

الغرض من المقارنة أن الإسلاموية كأيديولوجيا لا تختلف في الحقل، والممارسة السياسية، عن غيرها من الحركات والجماعات الأيدولوجية المُعلمنة. وبهذا المعنى، لا قيمة للاعتدال أو التطرف، فكلاهما مجرّد واجهة خارجية، فرضتها خصوصيات محلية، وإكراهات خارجية، وقد يتبادل الطرفان الأدوار، ليصبح “المتطرف” معتدلاً، و”المعتدل” متطرفاً، ويمكنهما في الحالتين العثور على مبررات “نظرية” صافية. وبهذا المعنى، فإن “المعتدلين” و”المتطرفين” الإسلاميين، كما الخمير الحمر، والحزب الشيوعي الفيتنامي، يشربان من النبع النظري نفسه، ولكن بتأويلات فرضتها إكراهات وخصوصيات داخلية وخارجية مختلفة.

بيد أن هذه الأشياء كلها ينبغي ألا تحجب الكثير من أوجه الاختلاف. فالماركسية، ابنة عصر الأنوار، وعلى الرغم من نتوءات، ودرنات، أيديولوجية، لم تناصب الوطن والوطنية العداء، وبالتالي لم تكن معادية لفكرة للثقافة، حتى ثورة ماو الثقافية، وحرب البلاشفة على الكنيسة الروسية (وكلاهما ألحق ضرراً بالغاً بتراث وثقافة البلدين) لم تصدرا عن جنوح لتدمير الثقافة بل عن محاولة جانحة لإصلاحها. أما عداء الإسلاموية، ابنة الزواج الوهابي ـ الإخواني، في زمن الحرب الباردة، للوطن والوطنية، وبالتالي الثقافة، فمطلق. وإذا كان في هذا ما يفسّر عدم احترام العَلم من جانب “معتدلين”، فإن فيه ما يفسّر، أيضاً، كيف يمكن أن يخرج منهم وعليهم ”متطرفون”.

أخيراً، يجلس شخصٌ في غزة، الآن، ويفكر: هو جندي من جنود الخلافة، بايع البغدادي، وهو شرعي، أيضاً، يجيد صياغة الفتوى والبيانات، وكم سيبدو مُدهشاً في شريط الفيديو، الذي ستحضر “الجزيرة” لتصويره، أو تحصل عليه بطريقة “غامضة”، أو “تساعدهم” في التصوير والإخراج، ورفعه على الإنترنت، يوم إقامة الحد على المرتدين (يعرفهم واحداً واحداً، وبعضهم من حماس) في ساحة الجندي المجهول، هناك، أيضاً، سيُقام سوق السبايا (يفكر في جارته الآن)، سيهدم المجلس التشريعي، ومركز رشاد الشوّا، وأحد كازينوهات البحر (هو يعرفه الآن) سيصبح مركزاً للحسبة، وتحصيل الجزية (يفكر في جاره الآن) لن تخرج امرأة في غزة حاسرة الرأس بعد اليوم، ولن تبقى مدرسة واحدة للبنات، (يقول في نفسه ولها) يا إلهي، لكم يبدو المشهد “رائعاً” الآن.

فنتازيا مريضة ومُخيفة. من زرع حصد.
 
تُنشر تزامناً مع نشرها في صحيفة الأيام الفلسطينية

The post ومن زرع حصد..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
إسرائيل كلمة جائعة https://rommanmag.com/archives/18841 Wed, 09 Aug 2017 06:59:08 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%83%d9%84%d9%85%d8%a9-%d8%ac%d8%a7%d8%a6%d8%b9%d8%a9/ وصف دافيد غروسمان إسرائيل، ذات يوم، بالعبارة التالية: “إسرائيل كلمة جائعة”. يصلح هذا الوصف مدخلاً للكتابة عن، أو التفكير في، الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وقطاع غزة. ففي مثل هذه الأيام، قبل خمسين عاماً، احتل الإسرائيليون ما تبقى من فلسطين الانتدابية، بعد مرور أقل من عقدين على إنشاء دولتهم على أجزاء واسعة منها في العام 1948. […]

The post إسرائيل كلمة جائعة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
وصف دافيد غروسمان إسرائيل، ذات يوم، بالعبارة التالية: “إسرائيل كلمة جائعة”. يصلح هذا الوصف مدخلاً للكتابة عن، أو التفكير في، الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وقطاع غزة. ففي مثل هذه الأيام، قبل خمسين عاماً، احتل الإسرائيليون ما تبقى من فلسطين الانتدابية، بعد مرور أقل من عقدين على إنشاء دولتهم على أجزاء واسعة منها في العام 1948.

وإذا جاز الكلام بأثر رجعي فإن ما التهمته الدولة الإسرائيلية، في مثل هذه الأيام، كان أضخم وأهم وجبة على مائدة الكلمة الجائعة، على مدار سبعة عقود من الزمن، هي عمر الدولة الإسرائيلية الآن، وقرابة مائة وعشرين عاماً من الصراع في فلسطين وعليها بين الحركة الصهيونية من ناحية، والفلسطينيين والعالم العربي، من ناحية ثانية. فإلى جانب ما تبقى من فلسطين الانتدابية، احتل الإسرائيليون في العام 1967 مساحات شاسعة من الأراضي العربية: شبه جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية.

بيد أن في دلالة “الجوع” ما يتجاوز ابتلاع الأرض. للجوع، في حالة الدولة الإسرائيلية، وهي فريدة بين التجارب الدولانية في العالم، مضامين ومصادر تاريخية، وميثولوجية، وثقافية، وسياسية، أعقد من عمر الصراع في فلسطين وعليها، وأبعد من الرقعة الجغرافية لفلسطين في آسيا الغربية، منذ أواخر القرن التاسع عشر، وحتى مطلع قرن وألفية جديدين. وكلها، أي المضامين والمصادر، تُستمد مِنْ، وتتخلّق في، التجربة التاريخية لليهود واليهودية، في أربعة أركان الكون، على مدار عشرين قرناً من الزمان.

لذا، يكاد هذا الجوع يكون ميتافيزيقياً تماماً، طالما أن لا إمكانية واقعية لإشباعه دون تصفية الحساب مع التاريخ نفسه. وهذا مصدر خصوصيته، وصعوبة تعريفه، لا لاستحالة تصفية الحساب مع التاريخ وحسب (كأن تُعيد قرطاج، وهي اليوم من ضواحي تونس العاصمة، تصفية حساب مع روما، وهي اليوم عاصمة لإيطاليا، لتسديد فواتير حرب نشبت في القرن الثاني قبل الميلاد)، ولكن لأن ما يُراد تسديده من فواتير “تراكمت” على مدار عشرين قرناً من الزمان، يستمد دوافعه، ومبرراته، من قراءة انتقائية، وتحيّزات أيديولوجية، تبلورت في، ونجمت عن، المخيال الكولونيالي الغربي، في القرن التاسع عشر، وتجلّت في آخر موجاته الكبرى في القرن العشرين. ناهيك عن حقيقة أن الجانب الأكبر مما تراكم (سواء في روسيا القيصرية في القرن التاسع عشر، أو في الحرب العالمية الثانية، مثلاً) وقع في مناطق مختلفة من العالم، ولا ناقة للفلسطينيين فيه ولا جمل.

بيد أن الميتافيزيقي، في الحالة الإسرائيلية، حتى وإن استعصى على التعريف، يتجلى في ما أسمته جاكلين روز بالنزوع المسيائي (الخلاصي) في جوهر الصهيونية كمشروع وأيديولوجيا، وحذّرت من عواقبه الكارثية لا على الفلسطينيين وحسب، ولكن على اليهود والإسرائيليين أنفسهم، أيضاً(1). وقد سبقت المؤسسة اليهودية الأرثدوكسية، خاصة في أوروبا الوسطى، روز بعقود كثيرة، في اعتراضها على الصهيونية، التي وصفتها بالشبتائية، في إشارة إلى حركة شبتاي تسفي الميسيائية في القرن السابع عشر، التي ألحقت باليهودية جراحاً عاطفية ولاهوتية لم تندمل حتى الآن. وبقدر ما يعنينا الأمر، فإن الميتافيزيقي، في الحالة الإسرائيلية، يُعطّل كل إمكانية محتملة للإحساس بالشبع. وهذه مفارقة من عيار ثقيل.

فالدولة اليهودية، كما تجلّت في أذهان آباء الصهيونية الأوائل، كانت الشرط الأوّل والأساس لتطبيع وجود اليهود في العالم، وضمانة لكسر “الاستثناء اليهودي”. وغالباً ما استخدم هؤلاء تعبيرات يمكن وصفها اليوم بالمعادية للسامية. فقد تكلموا عن ضرورة تحويل اليهود إلى “بشر أسوياء” على اعتبار أنهم ما دون ذلك. وهذا ما نعثر عليه، أيضاً، في شعار حركة التنوير اليهودية “أن تكون يهودياً في البيت وإنساناً في الشارع”. وفي حين كان الشعار في نظر مثقفي الهاسكالاه مدخلاً لدمج اليهود في مجتمعات يعيشون بين ظهرانيها، أصبح لدى آباء الصهيونية نتيجة طبيعية للانفصال، فاليهودي، في نظرهم، لن يكون طبيعياً ما لم ينفصل عن الآخرين، ويعيش في دولة تخصه.

ولكن ما فات هؤلاء كان، في الواقع، مصدر قلق لدى أبرز المثقفين اليهود في القرن العشرين، الذين حذروا من مخاطر إيقاظ الشياطين النائمة في اللغة والمخيال التوراتيين، ففي كليهما ما يعرقل كل احتمال للتطبيع، ويضمن ديمومة الاستثناء. كتب غيرشوم شولم، قبل تسعين عاماً: “ماذا عن جعل العبرية واقعاً على الأرض، يعتقد المرء أن اللغة تعلمنت، وأن الشوكة القيامية نُزعت منها، ولكن هذا غير صحيح، بالتأكيد”(2). 

من الواضح أن شولم، وهو أحد أبرز مؤرخي الميسيائية والصوفية اليهودية في القرن الماضي، كان مُصيباً في حدسه، بقدر ما نعرف، اليوم، عندما نجول في أنحاء الضفة الغربية، ونقرأ الأسماء التوراتية لمستوطنات يواصل قاطنوها الحرب على العماليق القدامى، ولا يرون في وجوه الفلسطينيين، في القرى، أكثر من مجرّد أقنعة لفلاّحين أوكرانيين وبولنديين نكّلوا باليهود في القرن التاسع عشر. 

ولا نعرف، في الواقع، ما إذا كان الخوف من تداعيات بعيدة المدى، وكارثية في كل الأحوال، “للشوكة القيامية” من دوافع ومُحرّضات موجة ما بعد الصهيونية، التي صعدت في الأكاديميا الإسرائيلية، في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وانتهت عملياً مع اندلاع الانتفاضة الثانية. ولكنها تبدو، بأثر رجعي، كمحاولة للقول إن في مجرّد وجود الدولة ما يعني أن المشروع الأصلي قد اكتمل، وهي على قدر من القوّة والثقة بالنفس، إلى حد يمكنها من التعامل مع التاريخ والذاكرة كما يفعل آخرون في دول وبلدان طبيعية.

ويبدو أن تلك كانت خلاصة متسرّعة، ومتفائلة أكثر مما يجب. ففي معرض تحليله لنجاح الاحتلال في البقاء خمسة عقود من الزمن، على الرغم من الإدانة الدولية، ومقاومة الفلسطينيين، يذكر غيرشون شافير، وهو أحد نشطاء الموجة في علم الاجتماع الإسرائيلي، أن ديمومة الاحتلال نجمت عن رغبة إسرائيل في استكمال مشروع بناء الدولة بالاستيطان تمهيداً لضم أجزاء من الأراضي المحتلة. لذا، فضّلت الاستيطان على السلام، وحتى على الأمن، في كل مناسبة لاحت فيها فرص دبلوماسية وسياسية لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والصراع العربي ـ الإسرائيلي.

جاء تحليل شافير في كتاب نشره في أبريل (نيسان) الماضي بعنوان “نصف قرن من الاحتلال: إسرائيل، فلسطين، والصراع الأصعب في العالم” (3) بمناسبة خمسينية الاحتلال، المناسبة التي شهدت نشر العديد من الدراسات في هذا الخصوص. ففي السياق نفسه نشر الكاتب والباحث الأميركي، المقيم حالياً في القدس، ناثان ثرال كتاباً في مايو (آيار) الماضي بعنوان لافت: “اللغة الوحيدة التي يفهمونها: فرض التسوية في فلسطين وإسرائيل” (4)، وخلاصته لا تبتعد كثيراً عن خلاصة شافير، فإسرائيل، في نظره، تُفضّل الاستيطان على السلام، ولن تتقدّم في اتجاه تسوية سلمية مع الفلسطينيين ما لم تتعرّض للضغط من جانب الولايات المتحدة.

ويتجلى الوجه الآخر لخلاصة شافير، وثرال، في مرافعة المؤرخ الإسرائيلي، المختص في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، ماتي شتاينبرغ، الذي حاول التدليل في كتاب بعنوان “البحث عن الأمة الفلسطينية الحديثة” (5) على بطلان مقولة “لا شريك” يمكن التفاوض معه، التي يتذرّع بها الساسة الإسرائيليون لتفسير ترددهم في التوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين. فعلاوة على وجود الشريك، يرى شتاينبرغ أن تحوّلات عميقة طرأت على الحركة الوطنية الفلسطينية، وأن لدى الفلسطينيين الاستعداد للعيش والتعايش مع الإسرائيليين.

وفي السياق نفسه، ثمة ما يبرر الإشارة إلى ميكا غودمان، المُختص في تاريخ الفلسفة اليهودية، الذي أثار كتابه “اقبض 67” (6) ضجة في إسرائيل، وتصدّر قائمة أكثر الكتب مبيعاً. عالج غودمان الصراعات النفسية التي تعتمل في نفس ما يدعوه بالإسرائيلي العادي، أي المنتمي إلى التيار الاجتماعي الرئيس. وهذا الإسرائيلي يمكن، في نظره، أن يكون يمينياً ويسارياً في آن، وهذا مصدر حيرته. فأغلب الإسرائيليين يقر في استطلاعات الرأي بضرورة الانسحاب من الأراضي المحتلة لتفادي تحوّل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، وهؤلاء أيضاً مَنْ يرفض الانسحاب من الضفة الغربية لأنهم لا يثقون في نوايا الفلسطينيين. وهذا الموقف المتناقض بشأن البقاء في الضفة الغربية أو مغادرتها يمكن أن يطيح بالمشروع الصهيوني نفسه. 

وبالعودة إلى إسرائيل ككلمة جائعة يجدر القول إن ما يسم موقف أغلب الإسرائيليين من تناقض أبعد بكثير من تحليل غودمان لما طرأ على بنية المجتمع الإسرائيلي من تحوّلات في ظل خمسة عقود من الاحتلال. فجذور التناقض كامنة في بنية المشروع الصهيوني نفسه، وقد تجلى في ثلاثينيات القرن الماضي، أي قبل قيام الدولة، في صراع بين ما عُرف آنذاك بالصهيونية العملية من ناحية، واليمين الصهيوني من ناحية ثانية، واختُزل في سؤال ومعادلة: إسرائيل أكبر ويهود أقل، أم إسرائيل أصغر ويهود أكثر؟ وثمة ما يبرر القول، في الواقع، أن الصراع الأيديولوجي لم يُحسم بعد، وربما لن يُحسم أبداً، خاصة وأن الشوكة القيامية، التي تكلّم عنها شولم لم تكن في يوم من الأيام أقوى مما هي عليه الآن.

أخيراً، إذا كان الإسرائيليون قد حققوا أهم انتصار في تاريخهم قبل خمسين عاماً، فإن ما انطوى عليه من تداعيات بعيدة المدى، المنظور منها، والمُحتمل، قد يعيد التذكير بمقولة ذائعة الصيت للروائية البريطانية ماري كروس، المعروفة باسم الشهرة جورج إليوت: “ثمة انتصارات كثيرة أسوأ من هزائم”.

 في لحظة السيطرة على كامل فلسطين الانتدابية، أعاد الإسرائيليون الفلسطينيين، وحتى فلسطين نفسها، إلى سكة التاريخ. ففي الفترة ما بين عامي 1948 ـ 1967 خرج اسم فلسطين في العالم من التداول (باستثناء العالم العربي). واليوم، على الرغم من كل الحيل البلاغية التي استخدمها الإسرائيليون على مدار خمسة عقود لتسمية الضفة الغربية وقطاع غزة (المناطق المُدارة، يهود والسامرة، مناطق مُتنازع عليها، مناطق الحكم الذاتي) إلا أن اسم فلسطين يجاور، منذ سنوات، اسم إسرائيل (Palestine-Israel)، لا في الدراسات الأكاديمية، والمحافل الدولية وحسب، ولكن في وسائل إعلام التيار الرئيس في العالم، ووسائل إعلام إسرائيلية، أيضاً. 

وهذا الجوار يكتسي نوعاً من الغموض الإبداعي، إذا جازت التسمية. فقد يكون المقصود بفلسطين الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد يكون المقصود، على سبيل النزاهة الأخلاقية والسياسية، أن الاسمين يشيران إلى الرقعة الجغرافية نفسها بين ساحل المتوسط ونهر الأردن، أو، على سبيل التحيّز، أن أحدهما قد يكون بديلاً للآخر. والواقع أن في مجرّد هذا القدر من التكرار، والالتباس، واختلاط المعاني والدلالات، ما ينم عن تحوّلات جوفية عميقة طرأت على الصراع في فلسطين وعليها، وغيّرت ملامحه، على مدار العقود الخمسة الماضية.

بمعنى آخر، وبصرف النظر عمّا حدث ويحدث في السياسة اليومية، وعن السيناريوهات المحتملة للتسوية السياسية، لا ينبغي للفلسطينيين الاكتفاء بإحصاء خسائرهم، بل ثمة ما يبرر إحصاء ما أضافه واقع لم يكن من صنعهم، في أغلب الأحيان، من أوراق في رصيدهم. فإسرائيل كلمة جائعة، وفي الجوع ما يفسّر الكثير من عمى البصر والبصيرة. 

هوامش:
1- Jacqueline Rose, The Question of Zion (Princeton University Press 2007)
2- ورد في “على الجانب الصحيح للمتراس” أمنون راز كراكُتسكين (الكرمل الجديد ربيع –صيف 2012) ص 88
3- Gershon Shafir, A Half Century of Occupation: Israel, Palestine, and the World's Most Intractable Conflict, (University of California 2017)
4- Nathan Thrall,  The Only Language they Understand: Forcing compromise in Israel and Palestine (Metropolitan Books 2017)
5- Matti Steinberg, In Search of Modern Palestinian Nationhood (Moshe Dayan Center for Middle Eastern and African Studies 2016)
6- “A Best-Selling Israeli Philosopher Examines His Country’s Inner Conflict”, The NewYork Times June 9 2017. 

The post إسرائيل كلمة جائعة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
بنتٌ في التوجيهي، وعملية في الأقصى..!! https://rommanmag.com/archives/18794 Sun, 23 Jul 2017 15:08:40 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a8%d9%86%d8%aa%d9%8c-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%ac%d9%8a%d9%87%d9%8a%d8%8c-%d9%88%d8%b9%d9%85%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%82%d8%b5%d9%89/ استأثرت حادثتان باهتمام الفلسطينيين في الأيام القليلة الماضية: البنت الحاصلة على أعلى معدل في الثانوية العامة، والعملية المُسلّحة في الأقصى. وكالعادة، وهذا طبيعي تماماً، انقسم الناس ما بين مؤيد ومعارض. في الأولى شُتمت البنت وأهلها لأنها غير مُحجّبة، وفي الثانية استُعيدت مفردات تقليدية من قاموس الشهادة والشهداء. ولكن ماذا لو كان كارهو البنت هم أنفسهم […]

The post بنتٌ في التوجيهي، وعملية في الأقصى..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
استأثرت حادثتان باهتمام الفلسطينيين في الأيام القليلة الماضية: البنت الحاصلة على أعلى معدل في الثانوية العامة، والعملية المُسلّحة في الأقصى. وكالعادة، وهذا طبيعي تماماً، انقسم الناس ما بين مؤيد ومعارض. في الأولى شُتمت البنت وأهلها لأنها غير مُحجّبة، وفي الثانية استُعيدت مفردات تقليدية من قاموس الشهادة والشهداء. ولكن ماذا لو كان كارهو البنت هم أنفسهم أبرز مؤيدي العملية، أو على الأقل في طليعتهم، والأكثر صخباً بينهم؟

في مجرد سؤال كهذا ما يشترط قدراً من التعقيد في التحليل. وهذا ما لا يحظى بمكانة مرموقة في السجال العام: إما أبيض أو أسود. أما حقيقة أن الواقع أكثر تعقيداً من تبسيط كهذا، ففي أحسن الأحوال لا تحظى بالاهتمام، وفي الأسوأ تثير الغضب، وكل ما يستدعي من توابل الشتم والتخوين، ناهيك عن مفردة التكفير، التي انتقلت، في السنوات الأخيرة، من هامش غير مرئي في تاريخ الوطنية الفلسطينية إلى متن في خطاب مَنْ يقتات الآن على جثتها.

ففي حالة البنت، مثلاً، ثمة ما يبرر استعادة عبارة محمود درويش: “أنت منذ الآن غيرك”، التي قيلت بعد انقلاب حماس في غزة، والتي ينبغي أن تذهب مثلاً. فقبل الآن آن، وبعد الآن آن، في أفق ينفتح على كارثة، ونحن غيرنا: لم نعد نشبه ما كان فينا ومنّا حتى قبل عقد مضى من الزمن.

 ألا يدل شتم البنت وأهلها على نزعة ذكورية عدوانية جارحة ومجروحة؟ ألا تدل كراهية النساء، معطوفة على عنف لفظي وعملي، على تحوّل رهاب الجنس إلى وباء اجتماعي، أشد فتكاً من الكوليرا في اليمن؟ أوليس في هذا وذاك ما يدل، بتعبيرات فرويدية، على نضوب غريزة الحياة، مقابل صعود مُفزع لغريزة الموت؟

 الاحتلال يُمرضُ. ليس صحيحاً أن ما لا تستطيع الحصول عليه بالقوّة لا تستطيع الحصول عليه بأدوات من نوع آخر. لم تكن الحركة الصهيونية، وحتى سنوات قليلة سبقت قيام الدولة، قادرة على إنشاء دولة يهودية بوسائل القوّة، بل لجأت إلى الخداع الاستراتيجي، واقتصدت في ممارسة العنف مقابل توظيف كل ما توفّر من أدوات أخرى، ومارست “تنسيقاً أمنياً” مع سلطة الانتداب البريطاني للحد من ظاهرة عصابة شتيرن، وغيرها، وفي العام 1948 قصف بن غوريون سفينة، تحمل أسلحة ومهاجرين، تعود ملكيتها لجماعة بيغين، التي حاولت التمرّد على سلطة مركزية حديثة العهد.

لا يُساق التذكير بأمر كهذا للمقارنة بين السلطة الفلسطينية، وقيادة الييشوف اليهودي في فلسطين قبل العام 1948، بل للتدليل على ضرورة وأهمية وجود مرجعية مركزية في ممارسة اقتصاد العنف، والاقتصاد في العنف. وثمة أمثلة من تونس زمن مفاوضات الاستقلال الداخلي، وجنوب أفريقيا زمن مفاوضات تفكيك الأبارتهايد. فالقوّة الكولونيالية لا تعترف بالهزيمة لأن ما لديها من قوّة النيران يقل عن قوّة أعدائها، بل لأنها لم تعد قادرة على تحمّل الكلفة المادية، والسياسية، والأخلاقية، للاحتلال.

ولنبتعد قليلاً لنقترب أكثر، حضرتُ، في الأيام الأولى للانتفاضة الثانية، اجتماعاً في رام الله ضم مثقفين وقادة فصائل للتفكير في أسئلة من نوع: من هنا إلى أين؟ حذّرنا، يومها، من خطر العسكرة والعمليات الانتحارية التي يصدق عليها تشبيه مَنْ يثقب قاربه بيديه. ولا ضرورة للاستطراد في التفاصيل، المهم، في معرض الرد على التحذير، أن أحد الحاضرين طرح سؤالاً سرعان ما تلقّفه مؤيدوه، وهم الأغلبية: مَنْ يملك القارب؟ 

منظمة التحرير، والسلطة المنبثقة عنها، هما المالك الشرعي والوحيد للقارب، ولكن مياه كثيرة جرت تحت الجسر، كما يُقال. وفي حقيقة الخلاف على الملكية ما يفسّر واقع وفوضى المرجعيات. وفي كليهما ما يفسر، أيضاً، ضياع البوصلة. ولستُ، هنا، في معرض التحليل والتأويل لماذا وما الذي أوصلنا إلى حال كهذا، بل التعبير عن قلق ومخاوف قد يكون مبعثها تشاؤم مقيم، أو محاولة لاستخلاص العبر مما يجري حولنا.

 ففي العراق، كانت مقاومة الاحتلال الأميركي، وهي مشروعة في كل الأحوال، مدخل الدواعش إلى المشهد العراقي، ولا شك أن عراقيين يصعب حصرهم تعاطفوا مع مقاومين يقامون غزاة أميركيين، دون التدقيق في هوياتهم السياسية والأيديولوجية. وفي سورية، كانت مقاومة نظام آل الأسد، وهي مشروعة في كل الأحوال، مدخل الدواعش إلى المشهد السوري، ولا شك أن سوريين يصعب حصرهم تعاطفوا مع مقاومين لنظام الجمهورية الوراثية، دون التدقيق في هوياتهم السياسية والأيديولوجية. وكانت النتيجة في الحالتين تدمير العراق وسورية. 

ثمة خصوصية لكل حالة. ومع ذلك فإن ما وقع، ويقع، لا في العراق وسورية، بل في كل مكان آخر من العالم العربي، يحض حتى الأعمى على رؤية القاسم المشترك: تسلل الدواعش من فجوات في قضايا مشروعة إلى بلدان ومجتمعات للاستيلاء عليها وتدميرها. وبهذا المعنى، أخشى أن يصيبنا ما أصاب غيرنا، فهذه عاصفة شاملة وكاملة تجتاح العالم العربي، وفي فلسطين كل العناصر، والفجوات الضرورية، لدعشنة أبرياء ووطنيين ومغامرين ونصابين، وتجّار دم وحروب وأيديولوجيات، كما حدث في كل مكان آخر. 

المُموّل جاهز، والمُقاول جاهز، والتلفزيون جاهز، والشهيد جاهز، والاحتلال جاهز، والقضية جاهزة، والأيديولوجيا جاهزة، والشعب مُطيّفاً (السني والشيعي والدرزي والمسيحي والمؤمن والكافر، والحضري والريفي، واللاجئ والمواطن، والفصائل، والضفاوي والغزاوي، والشتات، وال48 وال67..الخ) جاهز، أما السردية البطولية فجائعة لا تشبع، والقارب يتأرجح.

نُشرت أمس في صحيفة الأيام الفلسطينية

The post بنتٌ في التوجيهي، وعملية في الأقصى..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
المدرسة الفرنسية..!! https://rommanmag.com/archives/18771 Wed, 12 Jul 2017 15:39:49 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d8%b1%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a9/ يستحق الفرنسي أوليفيه روا ما يليق به من تقدير، فمن بين ما لا يحصى من الباحثين في شأن الإسلام السياسي، يمتاز روا (ولا ننسى جيل كيبل) بالقدرة على إغناء النقاش والبحث، وتوليد أفكار وفرضيات جديدة. ففي «الجهل المقدّس: زمن دين بلا ثقافة» سلّط الضوء على انفصال الظاهرة الدينية في العقود الأخيرة عن بيئتها الثقافية والقومية […]

The post المدرسة الفرنسية..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
يستحق الفرنسي أوليفيه روا ما يليق به من تقدير، فمن بين ما لا يحصى من الباحثين في شأن الإسلام السياسي، يمتاز روا (ولا ننسى جيل كيبل) بالقدرة على إغناء النقاش والبحث، وتوليد أفكار وفرضيات جديدة. ففي «الجهل المقدّس: زمن دين بلا ثقافة» سلّط الضوء على انفصال الظاهرة الدينية في العقود الأخيرة عن بيئتها الثقافية والقومية الأصلية، واختزالها في إيمان يتجاوز الحدود اللغوية والقومية والثقافية التي أنجبته. 

وفي «الجهاد والموت» الصادر بالإنكليزية قبل أشهر قليلة (توجد ترجمة عربية للكتابين، وشكراً لدار الساقي) عالج الظاهرة الجهادية باعتبارها عدمية أولاً، ووليدة الزمن الحاضر، حتى وإن تقنّعت بلغة قديمة ثانياً، ودلالة على نوع من ثقافة احتجاج شبابية مشوّهة ومريضة ثالثاً. وكان عليه لمعالجة هذا كله التقليل من شأن مرافعات المظلومية، والتهميش، التي تصدّرت حتى الآن معالجات المعنيين بالأمر حتى الآن، دون إلغاء وجودهما بالكامل.

وبالمقارنة مع الباحثين الأميركيين يتجلى تفوّق المدرسة الفرنسية دائماً. فأغلب الأميركيين جاءوا إلى حقل الدراسات الإسلامية، والإسلام السياسي، من خلفيات أمنية. لذا، تشبه إسهاماتهم الحوليات القديمة، المعنية بسرد الوقائع والأحداث، و”الحقائق”، وغالباً ما تنم عن جهل فاضح. فأحدهم، مثلاً، وكان من المشاركين في وضع مسوّدة الدستور العراقي الجديد، بعد الاحتلال، كرّس كتاباً كاملاً للتدليل على أوجه الشبه بين السلفية والبروتستانتية.  

والأسوأ من هؤلاء العرب المتخرجون في المدرسة الأميركية، وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين: الأوّل، يلعب على عقدة الذنب الكولونيالية، وجراح ما بعد فيتنام، ليجعل من العرب والمسلمين ضحايا فوق العادة، ويعفيهم من كل مسؤولية عمّا أصابهم. والثاني يلعب بفكرة التعددية لزعزعة كل احتمال للتمييز بين الثقافات والحضارات بمنطق التقدّم، والنزعة الإنسانية، والتجربة التاريخية. فالكل سواء، ومَنْ أنكر واستنكر وضعناه في خانة المركزية الأوروبية، والعنصرية اللعينة. 

ومن سوء الحظ أن ميراث إدوارد سعيد النقدي تحوّل إلى ذريعة لدى هؤلاء. فنقّاد المركزية واللاعبون بالتعددية وعليها، يستشهدون به، ولكن بطريقة تلغي حقيقة مشروعه النقدي. فالفكرة الرئيسة في مشروعه أن الشرق كان مُتخيّلاً، وأن فعل التخيّل لم يكن ممكناً دون علاقة ما بين الخيال، أو إرادة المعرفة، والمصلحة في زمن التوّسع الكولونيالي، وأن المصلحة فرضت شكلاً وحدوداً للتخيّل.

ويغيب أن أذهان هؤلاء أن الفكرة السعيدية هذه تصلح، أيضاً، إطاراً منهجياً لتحليل ما يرونه عرباً وإسلاماً ومسلمين كعالم وكينونات مُتخيّلة يتم إنشاؤها في زمن تغلغل المال العربي في الأكاديميا الأميركية، والغربية عموماً، وفي زمن علاقة تبدو اليوم صريحة وفصيحة، بين كبار ممولي الجامعات الغربية، ومراكز البحث من جهة، وسوق المال والنفط والسلاح، من جهة ثانية. 

ولنتذكّر، بصرف النظر عن موقفنا من الرواية، أن الفاعل الرئيس في «خضوع» لميشيل ويلبيك، يشتغل أستاذاً في الجامعة، التي انهالت عليها هبات “المتبرعين” العرب، لأسلمة التعليم، كجزء من مشروع استيلاء الإخوان المسلمين على السلطة السياسية في فرنسا. الأدب لا يشتغل على طريقة العلوم الاجتماعية، ولكن في مجرد توظيف الجامعة، والهبات، والمتبرعين، في عمل أدبي، بصرف النظر عن نوايا صاحبه، ما يشي بحقيقة أن أشياء كهذه توجد في الواقع، وتتجلى كخطر محتمل، أحياناً.

المهم، في سياق هذا كله، أن عدداً كبيراً من نقّاد العرب والإسلام والمسلمين في الأكاديميا الأميركية، والغربية، يصنّفون أنفسهم في خانة مؤيدي إسرائيل، وبهذه الطريقة يتسيّس السجال، وينتقل من حقول معرفية تستدعي مؤهلات كثيرة إلى حلبة لصراع سياسي لا يحتاج، في أحيان كثيرة، إلى أكثر من غرائز مشحوذة جيداً، وعصب نافر.

 بعض ما يقوله هؤلاء يستحق التأمل، ولكن انحيازهم وتحيّزهم يقلل من صدقيتهم، ويحوّلهم في أحيان كثيرة إلى أكياس ملاكمة لعرب غاضبين. ومن نافلة القول التذكير بدلالة أن نسبة لا بأس بها من المُدافعين عن العرب والإسلام والمسلمين تصنّف نفسها، وتُصنّف، كمؤيدة للفلسطينيين. وبهذه الطريقة تصبح السياسة سيد الإحكام.

أما لماذا اخترنا التمثيل لأمر كهذا بفضائيتين فمردّه أن أغلب ما يستهلكه العرب والمسلمون من معلومات ومعرفة عن أنفسهم وعن العالم يأتي عن طريق التلفزيون، والإنترنت. وهذه التقنيات، وهي حديثة تماماً، هي واسطة ثقافة التمرّد العدمية، مصدر إنتاجها، وترويجها، وحقنها بالجهل المُقدّس. ولعل في كل هذا وذاك ما يستحق التفكير والتدبير.

لكل هذه الأسباب تبدو المدرسة الفرنسية أفضل، ربما يعود الفضل إلى تاريخ طويل من الاستشراق، وعلاقة كولونيالية، وما بعد كولونيالية طويلة وممتدة بعالم العرب والإسلام والمسلمين، وتماس يكاد يكون يومياً معهم نتيجة وجود جاليات عربية وإسلامية كبيرة، من مواطني المستعمرات السابقة، في فرنسا، وربما إلى جانب هذا كله، يمارس النزوع الراديكالي في الثقافة الفرنسية (خلافاً للأنجلوسكسونية المحافظة) تأثيراً مباشراً على المخيال وإرادة المعرفة هناك. هذا لا يحوّلهم، بطبيعة الحال، إلى ملائكة، ولكنه يضفي عليهم خصوصية تستحق التنويه. ولنذكر دائماً جاك بيرك، ومكسيم رودنسون، بما يليق بهما من تقدير.

ولنعد إلى روا. الواقع أن الألماني، من أصول إيرانية، نفيد كرماني كان أوّل من تكلّم عن عدمية الظاهرة الجهادية قبل عقدين من الزمن. ومن المؤسف أن فكرة العدمية لم تحتل مكانة مركزية في مداخلات “الخبراء” العرب في شؤون “الجماعات الإسلامية” (بتعبير “الجزيرة” القطرية) والإرهاب والتطرّف (بلغة قناة “العربية” السعودية). وربما في الترجمة العربية لكتاب روا ما يعزز من فرص صعود مفردة العدمية إلى ما تستحق من مكان ومكانة في كل كلام محتمل عن الجهاد والجهاديين.

أما لماذا اخترنا التمثيل لأمر كهذا بفضائيتين فمردّه أن أغلب ما يستهلكه العرب والمسلمون من معلومات ومعرفة عن أنفسهم وعن العالم يأتي عن طريق التلفزيون، والإنترنت. وهذه التقنيات، وهي حديثة تماماً، هي واسطة ثقافة التمرّد العدمية، مصدر إنتاجها، وترويجها، وحقنها بالجهل المُقدّس. ولعل في كل هذا وذاك ما يستحق التفكير والتدبير.

نُشرت صباحاً في الأيام الفلسطينية

The post المدرسة الفرنسية..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الأخ ترامب يفسد هذا كله الآن..!! https://rommanmag.com/archives/18754 Tue, 20 Jun 2017 03:00:00 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae-%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a8-%d9%8a%d9%81%d8%b3%d8%af-%d9%87%d8%b0%d8%a7-%d9%83%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d9%86/ فلنبدأ بالإمتاع والمؤانسة، على طريقة أبي حيّان التوحيدي، حتى وإن كانت الحكاية والنهاية أشد سواداً من جناح الغراب: في العام 1997 نشر مارك سينغر، في مجلة نيويوركر الأميركية، تحقيقاً عن دونالد ترامب. وبعد هذا التاريخ بثماني سنوات نشر التحقيق نفسه كفصل في كتاب نال مراجعة إيجابية، على صفحات نيويورك تايمز ريفيو أوف بوكس. وهذا ليس […]

The post الأخ ترامب يفسد هذا كله الآن..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
فلنبدأ بالإمتاع والمؤانسة، على طريقة أبي حيّان التوحيدي، حتى وإن كانت الحكاية والنهاية أشد سواداً من جناح الغراب: في العام 1997 نشر مارك سينغر، في مجلة نيويوركر الأميركية، تحقيقاً عن دونالد ترامب. وبعد هذا التاريخ بثماني سنوات نشر التحقيق نفسه كفصل في كتاب نال مراجعة إيجابية، على صفحات نيويورك تايمز ريفيو أوف بوكس. وهذا ليس بالقليل.

والمهم، أن ترامب، الذي لم يعجبه التحقيق، وأغاظته المراجعة، رد برسالة غاضبة يبدو أن ما فيها من شتائم كان كافياً لإثارة اهتمام القرّاء، فازدادت مبيعات الكتاب. للرد على الشتائم، وبقدر واضح من اللؤم والسخرية، كتب سينغر رسالة إلى ترامب وشكره على إسهامه، من حيث لا يشاء، في ازدياد مبيعات الكتاب، وتعبيراً عن امتنانه وضع في المظروف، مع الرسالة، شيكاً بمبلغ سبعة وثلاثين دولاراً واثنين وثمانين سنتاً. والمهم، عادت الرسالة، بعد أيام، بالبريد إلى مُرسلها، مع شتائم من ترامب، ولكن بدون الشيك. وعندما فحص سينغر حسابه، في البنك، اتضح أن الأخ ترامب صرف المبلغ.

كان ما تقدّم جزءاً من نوادر أوردها سينغر في كتاب بعنوان “ترامب وأنا” صدر العام الماضي، قبل فوز ترامب في السباق الرئاسي، كتحذير للأميركيين من مخاطر وصول شخص كهذا إلى البيت الأبيض. ومع ذلك، الأخ ترامب فاز ووصل. وثمة ما يبرر القول إن في وصوله ما يمثل تهديداً لا لمستقبل أميركا كقوّة عظمى وحسب، بل ومستقبل النظام العالمي، والعلاقات الدولية، أيضاً. وبهذا نكون قد خرجنا من طور الإمتاع والمؤانسة، إلى طور الهم، وما يُذهب النوم، ويجلب الغم.

كثيرون في العالم، ومنهم كاتب هذه السطور، لا يعنيهم بقاء أميركا كقوّة عظمى. وقد يتنفس البعض الصعداء لأن الإمبراطورية الأميركية في طور الأفول. وليست هذه هي المسألة، ففي سياق صعود القوى الكبرى وهبوطها ما يمس العالم، ويغيّر من بنيته، أيضاً. فلا قوّة تصعد أو تهبط بلا دوي تُسمع أصداؤه في كل مكان، خاصة اليوم، في القرية الكونية الصغيرة.

لم تصبح أميركا قوّة عظمى لأنها دخلت القرن العشرين بأقوى قاعدة صناعية، وآلة عسكرية وحسب، ولكن بمبادئ ويلسون، أيضاً، والديمقراطية الليبرالية، وهوليوود، والجامعات، والفردية، والمبادرة والابتكارات. وبعد الحرب العالمية الثانية بمشروع مارشال، وأسطورة العالم الحر، وحقوق الإنسان. وإذا كان من الممكن نقض هذا كله بأمثلة لا تحصى عن انتهاك حقوق الآخرين، وسرقتهم، وعن العدوانية، والكيل بمكيالين، إلا أن هذا لا ينفي أن كل ما يمكن نقضه كان ورقة توت ضرورية، ربما صدقت حيناً، أو تسبب وجودها في خجل صانعي السياسة الأميركية أنفسهم في حين آخر. وعلى خلفية كهذه تتضح المشكلة مع الأخ ترامب، الذي لم يعد حريصاً حتى على ورقة التوت.

فلنتأمل ما يلي: قبل أيام قليلة، لم تسقط بعد من الذاكرة، قال الأخ ترامب، بكلمات فصيحة وصريحة ومليحة، إن قطر ترعى وتموّل الإرهاب. وبعد أيام أقل باع القطريين طائرات مقاتلة بمبلغ 12 مليار دولار، وبعد الأقل من الأيام بأيام أقل أجرت البحرية الأميركية مناورات مشتركة مع “البحرية” القطرية.

بالمنطق: لا يمكن بيع أحد يرعى ويُموّل الإرهاب أسلحة، ولا يجوز إجراء مناورات عسكرية معه (يعني بالعربي الفصيح حمايته)، ويصعب في الحالتين، أيضاً، التفكير أن يحدث هذا كله خلال أيام، تُعد على أصابع اليدين، ومع ذلك فإن فيه ما يعيد التذكير بشتم سينغر، وسحب سبعة وثلاثين دولاراً من حسابه الخاص. 

وإذا جاز التفكير في أمر كهذا كطرفة سقيمة الذوق لأميركي قبل الرئاسة، فلا يجوز التقليل من خطورته كسابقة في العلاقات الدولية لأميركي بعد الرئاسة، ومعناه: يمكن لدول شراء الحماية الأميركية بالمال، بصرف النظر عن أنظمتها السياسية، وسياستها الخارجية، حتى وإن رعت وموّلت إرهابيين، وألحقت الضرر بآخرين، أو أسهمت في قتل أميركيين.

ألا يُحرّض سلوك كهذا على أسئلة من نوع: هل يمكن لأحد أن يثق في كلام، أو صدق، أو نوايا، حاكم القوّة العظمى الأهم في العالم؟ ألا تُؤجّر القوّة الأميركية لصاحب أعلى العطاءات؟ وما الفرق بينها وبين جيوش المرتزقة؟ ألا يحق لباقي دول العالم أن تحتذي بالنموذج الترامبي، وتسير على منواله، يهدد الكبير الصغير، ويشتري الصغير، إن استطاع، سلامته بالمال؟ ألا يذكرنا هذا بتوماس هوبس واللفياثان؟

في الإجابات المُحتملة على أسئلة كهذه ما يهدد سلام وسلامة العالم. البعض، خاصة في العالم العربي، يقول إن ترامب يحصل منّا على الجزية. بيد أن ثمة ما هو أبعد من العرب، وأموالهم، التي لا تساوي، ولا هم، شيئاً في ميزان القوى العالمي. فالسياسة، علاوة على كونها علوماً ومدارس ونظريات واجتهادات يُمارسها ويَدرسها الناس على مدار قرون، هي، أيضاً، صور، ورموز، وأخيلة، واستيهامات، وتمثيلات، تتجلى في سردية ما (narrative). 

تراوح السردية عموماً بين جذرين هما “ساس” العربية، وأصلها تربية والاعتناء بالدواب، وتدبير وتصريف أمور الناس، و”بوليتيكوس” اللاتينية، وما نُحت منها في الإغريقية، وتنطوي على دلالة عن، ومن أجل، وما يتصل بالمواطنين، والقانون العام، والمدينة/الدولة. 

نشأت بين الحدين، على مدار قرون، أمثلة وتمثيلات لا تحصى لوكيل العناية الإلهية، والراعي الصالح، والمستبد العادل. ومع الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر، هيمنت على السردية، وصعدت فيها وبها، صور وتمثيلات جديدة للساسة والسياسة، عاش بهما وعليهما القرنان التاسع عشر والعشرون، وفي بيئتها نشأت قيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والسلم في العلاقات الدولية. لم يكن الأمر مثالياً دائماً، ولكن الأخ ترامب يُفسد هذا كله، فيقترح نموذجاً جديداً للسياسي بوصفه التاجر الشاطر، وللسياسة بوصفها ما يُضاف أو يُشطب من أرقام في دفتر الأرباح والخسائر.

نُشرت صباح اليوم في صحيفة الأيام الفلسطينية

The post الأخ ترامب يفسد هذا كله الآن..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
أرواح ميّتة ووجبة كلام سريعة..!! https://rommanmag.com/archives/18723 Tue, 30 May 2017 00:00:00 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a3%d8%b1%d9%88%d8%a7%d8%ad-%d9%85%d9%8a%d9%91%d8%aa%d8%a9-%d9%88%d9%88%d8%ac%d8%a8%d8%a9-%d9%83%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%b3%d8%b1%d9%8a%d8%b9%d8%a9/ لستُ مع عقوبة الإعدام، وأرجو أن يحظر نص دستوري تطبيقها في بلادنا. وفي السياق نفسه، أعتقد أن “مؤسسة الضمير” الحقوقية لم تجانب الصواب في بيان لها حول مخالفة محاكم حماس، في غزة، لمعايير المحاكمات العادلة. ولكن هذه المقالة لا تستمد ما يبررها من قناعات شخصية بشأن عقوبة الإعدام، أو التذكير بضرورة الاحتكام إلى معايير أفضل، […]

The post أرواح ميّتة ووجبة كلام سريعة..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
لستُ مع عقوبة الإعدام، وأرجو أن يحظر نص دستوري تطبيقها في بلادنا. وفي السياق نفسه، أعتقد أن “مؤسسة الضمير” الحقوقية لم تجانب الصواب في بيان لها حول مخالفة محاكم حماس، في غزة، لمعايير المحاكمات العادلة. ولكن هذه المقالة لا تستمد ما يبررها من قناعات شخصية بشأن عقوبة الإعدام، أو التذكير بضرورة الاحتكام إلى معايير أفضل، بل من الوقوف أمام ظاهرة تداولتها منابر إعلامية مختلفة، بالصوت والصورة، في الآونة الأخيرة، لكنها لم تسترع انتباه أحد.

المقصود، هنا، عبارات أطلقها أحد المدانين بتهمة العمالة، وقتل مازن الفقهاء، بعد سماع الحكم، ولحظة وصوله إلى قاعة المحكمة، وخروجه منها. وهي مصوّرة ومتداولة على اليوتيوب. فبعد سماع الحكم بالإعدام، هتف المذكور “يحيا العدل”. وفي لحظة الخروج من القاعة، قال بأعلى الصوت، وبالحرف: “أدعوا لي بالرحمة، وسامحوني، وأقول للمخابرات الإسرائيلية إنكم ربطتموني لأعمل معكم، ولكنكم حثالة الدول جميعها، إنكم أتعبتم الأنبياء، ولكن المقاومة انتصرت عليكم، وستنتصر عليكم، والأمن الداخلي يعرف كل شيء، أنا ابن الشعب، أنا ابن غزة”.

وأوّل ما يتبادر إلى الذهن: كيف يمكن لشخص يتبرّع بعرض مؤهلاته الوطنية، وتحيّزاته السياسية، وقناعاته الفقهية، وحسه الأمني، أن يقول في جملة واحدة، إنه “ابن الشعب”، و”ابن غزة”، وأن الإسرائيليين “حثالة الدول”، وأنهم “اتعبوا الأنبياء”، وأن المقاومة “انتصرت عليهم”، وأن الأمن الداخلي “يعرف كل شيء”، وأن يعترف في العرض والاستعراض أنه كان قاتلاً وعميلاً في خدمة من وصفهم قبل قليل بأقذع الأوصاف؟

كيف تستقيم الوطنية مع العمالة والقتل؟ وما معنى، ودلالة، هذا القدر من الانفصام؟ هل في العرض والاستعراض ما يدل على توبة لم يعد من الممكن تأجيلها، وعلى صحوة الضمير، مثلاً؟ أم أن المشهد التمثيلي مجرّد طلقة أخيرة يائسة قد تُسهم، بمعجزة من نوع ما، ربما في تخفيف الحكم، أو حتى محاولة اقتناص بعض دعوات الرحمة في الدنيا لعلها تنفع في الآخرة؟ مَنْ يدري، الاحتياط واجب في كل الأحوال.

بداية، أُصر، هنا، على فكرة المشهد التمثيلي، ففي كل حديث، أو سلوك على مرأى من الناس، ومسامعهم، أو على مقربة من عين الكاميرا، ما يستدعي قدراً من التمثيل، بصرف النظر عن الدوافع. وبداية، أيضاً، أعتقد أن ذلك الشخص كان صادقاً وكاذباً في آن. ولأنه كذلك، فإن الخواء، وموت المعنى، هما البطانة الوحيدة لهويته، وأصدق ما فيه.

ولا علاقة، هنا، بين الصدق والقيم، ففي حال موت القيم، وضياع المعنى، تزول كل حدود محتملة للفصل بين الصدق والكذب، فكلاهما مجرّد قناع لوجه بلا هوية ولا ملامح، لا تعلو فيه قيمة على غريزة البقاء، وضرورات ومهارات تحقيق المصلحة الشخصية الضيّقة. لذا، كان صادقاً (وكاذباً) في الانتماء إلى المقاومة، بقدر ما كان صادقاً (وكاذباً) في العمالة، أيضاً. فالمهم في الحالتين، وفي ما لا يحصى من أحوال غيرهما، قضاء المصلحة، بصرف النظر عن دلالتها الأخلاقية، وما قد تُلحق من ضرر بالآخرين. وهذا، بدوره، يستدعي ويُحرّض على قدر من التمثيل.

والواقع أن الوصول في التحليل إلى هذا الحد يُسوّغ النظر إلى المذكور كضحية أيضاً. ففي مجتمعات يُراد تحويلها إلى قطيع، ويتهدد الخارجين منها وعليها مصير العزل أو القتل (أو النبذ الاجتماعي في أفضل الأحوال) يبتكر الناس تقنيات مختلفة للتماهي والتأقلم أو الممانعة (وغالباً ما تكون سخرية لاذعة)، وفي القلب منها الفصام كاستراتيجية للبقاء.

في مجتمعات كهذه تُصاب اللغة بفقر الدم إلى حد يشبه التغريد على تويتر هذه الأيام، مع فارق أن تغريدات تويتر، على فقرها، مفتوحة على احتمالات وموضوعات لا تحصى، أما الكلام الذي يُراد للآخرين سماعه، في المجتمعات المعنية، فيختزل في كليشيهات وعبارات وسيطة تفتقر إلى أدنى قدر من الفردية، أو تجليات المزاج الخاص. بمعنى آخر، يصبح الكلام وجبة جاهزة من فصيلة الهامبورغر، مثلاً. وهذا النوع من الوجبات اللغوية متوفر في دكاكين حماس الأيديولوجية، كما في ما لا يحصى من الدكاكين الأيديولوجية في أماكن مختلفة من العالم.

ومع ذلك، ثمة ما يتجاوز حماس، وما هو أبعد من غزة، أيضاً. فهذا النوع من الكائنات يمكن العثور عليه في مجتمعات عربية مختلفة. وقد أسهمت فيه تحوّلات سياسية وأيديولوجية وديمغرافية هائلة على مدار نصف قرن مضى. فالمجتمعات المستقرة تقاوم موت المعنى، وانهيار القيم، وتبلور آليات للمقاومة، ولكن هيمنة الاستبداد السياسي والأيديولوجي على مجتمعات غيرها، معطوفة على تعطيل لكل إمكانيات التفاوض الاجتماعي، وحل الصراعات بالطرق السلمية، أو التوصل إلى تعريفات تحظى بالقبول العام لمعنى الصالح العام، والمواطن الصالح، ينجب أرواحاً ميّتة. 

وعلى خلفية كهذه: في صدق الممثل، كما في كذبه، ما يستدعي التفكير بأدوات البحث الاجتماعي، والسياسي، والتاريخي. كيف خرجت شخصية من كتاب لغوغول في القرن التاسع عشر، لتتجسّد في إنسان من لحم ودم في غزة؟ وكم من الأرواح الميّتة خرجت من الروايات إلى شوارع في بلادنا، كم من هؤلاء بيننا؟ لا نعرف. المهم أن كل كلام من فصيلة الهامبورغر ينبغي أن يشعل أكثر من ضوء أحمر.

نُشرت صباح اليوم في الأيام الفلسطينية.

The post أرواح ميّتة ووجبة كلام سريعة..!! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>