«الصوت الآخر: مقدّمة إلى ظواهرية التحوّل»... قراءة البرغوثي لـ "ذوات" الإنسانية

2021-03-28 14:00:00

«الصوت الآخر: مقدّمة إلى ظواهرية التحوّل»... قراءة البرغوثي لـ
صور غير ملونة للأديب الفلسطيني حسين البرغوثي، وُجدت الصورة ضمن مجموعة فرقة صابرين. المصدر: المتحف الفلسطيني. الرقم التعريفي للمادة 0232.01.2127

لا يتوقف الكتاب عن عملية النقاش الفعال والقراءة المتروية بإمكانية غير منتهية للفهم، فهو يعود في الفصل الثالث للتأكيد على أننا نحن من نبدأ عملية التحويل دائمًا للطبيعة الخارجية، ونتحكم فيها ونستعملها أو نسيء استعمالها بحيث تصير موضوعًا. "إن عملية إبداع الحضارة هذه، هي "مَوْضَعَة". إن إبداع الخيال هو "تَخيُّل".

"في البدء كانت اللغة" إذا أردنا تجنب إرشادات حسين البرغوثي للقارئ في الكتاب، فإن هذه الجُملة له تُكثف كثيرًا مما قاله دون حشو ولا لغوٍ في أطروحته للدكتوراه والمعنونة بنفس عنوان الكتاب. عند الاطلاع على صنف الكتاب أو جنسهِ من العنوان، فستجده يندرج في "النقد – الفِكر"، ولكن من قرأ للبرغوثي قبلًا، فسيجد أن هذا الكتاب يستعمل الأسلوب الأدبي نفسه في الكتاب، حتى يكاد كون النقد أدبًا. ولأنه يبني مشروعه على بناء دريدا وفوكو، فسنجد أنه يكاد يعمل أدبًا في الفكر، وفِكرًا في الأدب دون إعطاء أية خصوصية شكلية للعمل الأدبي. 

يُقدّم حسين البرغوثي في كتابه (حوّله إلى العربية عبد الرحيم الشيخ، وصدر عن الدار الأهلية في عمّان، ٢٠٢١) هذا قراءة تفكيكية غير مُقيدّة ولا مُحددة لعدة مقولات متداخلة، وهو ما عبّر عنه في المُقدّمة، طارحًا مقولات وتقنيات النص الذي يقرأه القارئ في الكتاب. وتشبه هذه القراءة البرغوثية (إن صح التعبير)، قراءة دريدا في كتابه "صيدلية أفلاطون".  

يبدأ البرغوثي تمهيده بإشارته إلى أن التاريخ الإنساني في عملية انبثاق كما هي الطبيعة، وأن الإبداع يعرف هنا على أنه نشاط ذاتٍ واعية بذاتها، ولها غاية، وأن هذا يميز تحولات الذات عن غيرها من العمليات الطبيعية، لأن الذات محددة لغويًا، وليس ثمة من وعيٍ بالذات بلا لغة. ويشرح في المقدمة أنه يحاول تقديم مفهوم موحد للإبداع (بوصفه خلقًا)، ومعرّف كعملية تحول، أي أنه ليس مخلوقًا من العدم.

ينطلق البرغوثي في شرح مقولات أطروحتهِ، مبتدئًا بأن الحضارة المادية هي الصورة الموضوعية لنشاطنا الواعي بذاتهِ، ويوضح، إذا كان فرويد يرى في نشاط الدماغ البشري في أثناء الحلم مفتاحًا لفهم الذات، فإن باريس ونيويورك والأهرامات مفاتيح أكثر أهمية لفهم "ذوات التاريخ". يجيئ هنا البرغوثي بوضع الجسد الإنساني بوصفهِ طبيعيًا، فإنه له فاعلية، تمامًا كما للطبيعة فاعلية في تشكيل نفسها. ويميّز البرغوثي النشاط الإنساني في كتابه عن النشاط البركاني، بتسمية النشاط الإنساني "الذات الواعية بذاتها".

وفي مقولته الثانية، يقول بأن الصورة الفعلية جزء من الطبيعة الخارجية، وأنه ما من شيء "لا عقلاني" أو "خيالي" في الطبيعة الخارجية، فكل شيء يكون داخل الطبيعة، يلتزم بقوانينها، وحتى التهيؤات "اللاعقلانية" التي ينتجها الدماغ، تكونُ قد أنتجت بما يتوافق مع القوانين الحيوية والكيميائية والطبيعية التي تحكم الإنسان ككائن حيّ، وهو ما يذكرنا بهانز بلومنبيرغ، في محاولته لشرح معقولية إنتاج الأسطورة والعقل الأسطوري. ويشرح الكاتب لاحقًا بأن تعبيرات مثل "فوق الطبيعة" لهي افتراض لاهوتيّ، فلا شيء في الطبيعة فوقها أو تحتها. 

أما مقولته الثالثة، فهي أن الطبيعة الخارجية غير المحولة، تتحول على يد الإنسان ومن صورة وعيه بذاتهِ، فلا شجرة مُقدسة، ولكن الإنسان يعمل على تشخيص القوة الطبيعية، عبر تحول خيالي أو تخييلي. يفصل البرغوثي في هذه المقولة تعريف ما هو طبيعي بالطبيعة، بحيادها التام عن المفهوم، ويؤكد أننا نحن ومن بُنانا الذهنية نعطيها النظريات والمنطق والمفاهيم.

وفي المقولة الرابعة، يؤكد الكاتب على أن الجسد الإنساني أيضًا وبوصفهِ موضوعًا فيزيائيًا يخضع لنفس عملية التخييل، ويتغير تلقيه حسب الخلفية المرجعية للذات، ويشرح بأن الجسد في ملحمة جلجامش وفي القرآن والعهد القديم، يفسر الجسد على أنه من صنع الله، وهناك الجسد الجيد والسيء، وفي الشعر يفسر الجسد جماليًا وفي الاقتصاد يوصف على أنه عنصر يمكن التحكم به مثل أية آلة. يُلخص البرغوثي مقولته الرابعة في أن الخيال مقولة تجريدية مقسمة نظريًا إلى ثلاثة مقولات فرعية، الأولى: خيال الطبيعية الخارجية وغير المحولة فعلًا. الثانية: خيال الطبيعة المحولة فعلًا/الحاضرة المادية. الثالثة: خيال جسد الإنسان، وهو مقولة فرعية من الطبيعة المحولة فعلًا. 

ويتحدث البرغوثي مُسهبًا في تفسير استخداماته اللغوية للكلمات، ويوضح بأن اللغة نفسها جملة من تجريدات المقولات، وليس ثمة "معلومات" ولا "دلائل" متاحة لنا كبشر إلا عبر اللغة، ويشرح بأن الشيء يكون عينيًا، يعني أن لا يكون مجردًا على الإطلاق، وهذا وهم محض يتخطى العقل البشري، فلكي يكون شيء ما عينيٌ بحق، يجب أن يكون مُجردًا بحق. 

استند الكاتب إلى عدة تقنيات وافتراضات في كتابة الكتاب وهي أن الموضوعية في دراسة "الخيال"، فعل خياليّ. ولا يخاطب البرغوثي "العقل المنفصل" للقارئ، بل يخاطب ذاته، ويسعى إلى جعل القارئ يعيش تجربة انبثاق الصور، وليس فقط عبر نظام المقولات المعطاة، بل عبر العديد من الأنظمة، فهو وكما أشرنا، يوضح أن المقولات المرجعية، تُعين للإنسان مفاهيمه ونظرته للجسد والإنسان والطبيعة والخيال، ولكن البرغوثي لا يلتزم بنظام مقولات واحد، ويحطم القيود والحدود بينها، ويصنع لغة مكونة من جملة من الأنظمة.

يترك البرغوثي للقارئ، إن كان بوسعه، اختزال التعين المقولاتي للنص في معيار واحد، ولكن دون تغيير جذري في المقولة، ويطلب من القارئ ألا يختزل كلانية نصه في هذه الفكرة أو تلك، وألا يقرأه بوصفهِ إسهابًا للمقدمة، ولكن أن يقرأه كما يقول دريدا على نحوٍ "تشتيتيّ".

هل يحق للكاتب أن يخبر القارئ كيف يقرأ نصوصه؟ إن عاملنا النص النقدي أو الفلسفي على أنه نصٌ أدبي، وإن عاملنا النص كما يطلبُ منّا البرغوثي، فإن نصيحته تقودنا مُباشرة إلى تلك توجيهاته وأن نغوص في قراءة النَّص بما ينطبق مع تحولاتنا، وأنظمة مقولاتنا، لأن الموضوعية في قراءة النص، حسب البرغوثي، "خيال". 

يشرع البرغوثي في كتابه محاولًا تقديم شرحٍ أو تعريفٍ لما هو الإلهام أو الإبداع، ويحقق ما قاله في المُقدّمة، بأنه لن يلتزم بنظام واحد أو مقولات موّحدة، بل بكسر الحدود والقيود من بينها، لمحاولة صوغ سؤالٍ أو فهم للإبداع. ومثل فرويد، ينطلق البرغوثي من النُّصوص الأدبية المتداخلة، جلجامش والعهد القديم والأوديسة والقرآن، وذلك عبر عقد قراءة متروية Closed Reading للنصوص التي يتحدث فيها الله أو صورتهِ، محاولًا تفسيرًا "الأنا" الناطقة أو حسب كلامه "اللا أنا"، والتي تبدو خارج الإنسان، وخارج الطبيعة. 

عبر إشارته للمقولات المختلفة، وأساطير الخلق المتعددة، فهي تتلاقى في عدة نقاط منها، أن الإنسانَ، خُلق على صُورة الإله، ولكنه ليس إلهًا، فالإله، خالقًا يُحيل مرجعيًا إلى نفسهِ، ولكن الإنسان، مخلوقًا، يُحيل مرجعيًا إلى خالقهِ، وعليهِ فكل ما يفعله الإنسان، حُدد مسبقًا من أزلٍ موجود قبله، ويعود إليهِ، ومن هُنا كان محاولة الإنسان في نسبة الإلهام والإبداع إلى نقطة خارجه، مثل ربات الشعر أو شياطينه أو الآلهة أو الحُلم. وبتحليل الأمر على نموذج الدائرة، لا النموذج الخطيّ، يكون الله/الخلق/الإلهة، في مركز الدائرة، يكون الإنسان في هامشها، ويحاول الإنسان على الدوام أن يلتمس لنفسهِ لمسة من المَركز، فيحاول الخلق والإبداع على الدوام، ولكنه يبقى في النهاية مخلوقًا. 

يرى الإنسان أن أناه وذاته تحديد إيجابي واعٍ، وبالتالي، بإن كل ما يفعله، ولا يراه لائقًا أو سلبيًا يتحول إلى تأثير يقع خارج هذه الأنا، فكل الشخصيات الدينية أو الملحمية، ولحظة الخطأ، تنسب الفعل إلى مؤثر خارجي، مثل وسوسة والشيطانِ أو غواية الإلهة وغيرها. يختصر البرغوثي هذا بقولهِ، أن كل تحديدٍ واعٍ، سواء كان في المركز أو في الهامش، بوسعهِ أن يفيض ليتخطّى حدوده الخاصّة، وينتهك حدود الآخرين، فالتدخل الإلهي هو انتهاك "الما لست أنا" للأنا، وقد أوضح البرغوثي في كتابهِ قبل هذه النقطة، أنّ لكل أنا، بما هي تحديد واعٍ وإيجابي، "لستُ انا" خاصة بها. 

جدير بالذكر أنّ الأنا التي يتحدث عنها الكاتب في الفصل الأول، هي الأنا الفردية بما هي "I’m" في الإنجليزية، مثل أن يقول أحدهم "أنا محامٍ"، وفي الفصل الثاني سيكون الحديث عن أنا بما هي Ego، عامّة، ولاحقًا سيكون الحديث عن الـ Egos، بما هي ذوات تاريخية. 

وبالعودة إلى بداية الفصل، يستخلص البرغوثي بأن الإلهام والإبداع الذي ينتج الفن في الأوديسة، هو تقليد إلهي في أصله، أي من روح الإله، فلا يكون الإلهام هو الإبداع من العدمِ، فهذا أمر يخص الله، بل أن تصمم شيئًا جديدًا من المادة الخام المغروسة فيك. ما تقوم بهِ "الأنا" فعلًا هو استخراج ماء الفن من بئر "الـ لست أنا" في داخل الأنا.

يقفز البرغوثي إلى العصر الحديث، وإلى مقاربة لوركا عن الإبداع في مقالته "اللعب ونظرية الدويندي" والذي يعرف على أنه "جني منزلي مغرم بإخفاء الأشياء، تكسير الصحون، التسبب في الإزعاج، وجعل نفسه مصدرًا للحرج". يشرح لوركا بأن الدويندي قوة غامضة لا يمكن لأحد تفسيرها، وهو كائن تلقائي وجني يهرب من الدوائر والخطوط، ويرفض كل ما نعرفه للحدود المسبقة. تتركز صفات الدويندي في اللاعقلانية والشيطنة والافتتان بالموت. مصدر الإلهام هنا، يتحدى المعروف، ويقامر الهاوية، فهو لا يعيش في داخل الحدود، بل يتحداها. 

وقبل الإكمال، يأتي البرغوثي بمثال جلجامش، ورفضهِ الزواج من عشتار لما فعلته بعشاقها السابقين، وكيف حولّتهم ومسختهم إلى كائنات أخرى. تكون "أنا" جلجامش هنا مذعورة وخائفة من التحول إلى هوية أخرى. يدركُ جلجامش أن عليه البقاء داخل حدودهِ، وألا يقترب من "ما لستُ أنا"، كي لا تخطف أناه من نفسها ولا تُنفى.

من هنا يرى لوركا أن الدويندي، هو قوة الموت، وأن الإلهام في إسبانيا، لمسة من الدم، ورقصة على حافة الهاوية، وذلك عبر الخروج عن الحدود ومسافة الأمان. الإلهام الإسباني، ليس أنثويًا مثل ربات الشعر عند اليونان، بل هو ثورٌ يعني وصوله دائمًا "تغييرًا جذريًا في الأشكال والصوّر" هذا التغير هو التحول الذي يحصل لحظة الخطر في رياضة مصارعة الثيران، أن يقامر فيها المصارعِ حياته على حافة الخطر. يقول لوركا "إسبانيا هي البلد الوحيد الذي يُعتبر فيه الموت فرجة وطنية".

ينقضي الإلهام عند لوركا في التحديد الحقيقي للصورة، أن ترقص مع نفيك ومع ما لستَ أنا، رقصة وجودية على حافة الحاوية، وإلا فإن إلهامك يكون غناءً للحدود والمشاعر القديمة التي لا تنتج تحوّلًا. إن الإلهام عند لوركا يعني أن تفتح نافذتك لطائر الموت الأسود.

يبدأ البرغوثي الفصل الثاني بما انتهى منه الفصل الأول، وهو نقد نيتشة للكوغيتو الديكارتي، لأن الإسناد إلى "الأنا" في مقولة أنا أفكر، إذن: أنا موجود" يُعبّر عن افتراض وربط ميتافيزيقي جاء من خارج عملية التفكير. ويستشهد أيضًا بنقد لاكان الذي فكك فيه الأنا، حيث يرى أن زيف هذه العبار، يخلق ميتافيزيقا يكون الإنسان الحديث متيقنًا فيه من كونه ذاتهِ، حتى في لحظة اللايقين من الذات. يشرح البرغوثي بأن وحدة الذات والموضوع المتوسطة باللغة هي الصورة، حتى أن المفاهيم الأكثر تجريدًا ونأيًا، هي صور أيضًا. ومن وجهة نظر الموضوع، لا توجد صورة تخلق من العدم، بل لها أساس مادي أولانيّ. 

يوضح الكاتب لاحقًا أنّ الأنا بوصفها حضورًا لغويًا، لا يمكن أن توجد منعزلة، بل ضمن شبكة مفاهيمية كاملة، فالقارب لا يعرف كقارب لوحده، بل بعلاقتهِ مع البحر، وكذلك الآن، فهي توجد بعلاقة مع الكينونة نحويًا وصرفيًا، وبالعلاقة مع الفعل "أنا أفعل هذا وذاك"، لأن الأنا فاعلة وصاحبة فعالية، وهنا تكون "أنا أفكر" صورة مشهورة عن جملة "أنا أفعل". تعرف مقولة ديكارت "يقينيَّة الأنا في كينونتها بالعلاقة مع يقينيتها المباشرة في فعاليتها التفكيرية"، أما نيتشة فيرى الأنا نفسها في هذه الحالة تفسيرًا، وخلقًا لأسطورة جديدة.

وبناءً على ما وصل إليهِ من نقاشٍ لتلك الآراء، يفكك البرغوثي الذات بين الخيالي والواقعيّ مُشيرًا إلى حاجة للتخلص من ميتافيزيقية الذات، وخلق ذات جديدة مُتحررة، وهذا حتى نتمكن من إيجاد صُورة جديدةٍ من الإبداع الإنساني، صُورة، تكون قادرة على التحرر من إرث اليونان، لأن الذات الديكارتية، ذات إيديولوجية، وهو ما سيمسح لنا بإيجاد خطاب حقيقي وواضح وغير مُبهم، ويؤكد على تعاطفه في هذه النقطة مع دريدا وفوكو.

انطلاقاً من الأساطير القديمة، والوسطى، والمعاصرة، وتوضيح معقولية كل منها، في تفسيرها، وعبر استخدام الوسيط اللغوي، يحاول البرغوثي أن يقول بإن كل "ذاتية" في التاريخ تتكون من عدة مُحددات، وهي وعي الذات في علاقاتها بشخص آخر، وعلاقتها بشيء آخر، وعلاقتها بذاتها، وحين يجيئ إلى العصر الحديث، فيقول إن أسطورتنا هي التحليل النفسي، ولدينا عالَم علويّ، وعالم سفلي، والواقع الذي نعيشه، مشيرًا إليها في الأنا، والأنا العليا، والهو، ويشير الكاتب في الكتاب إلى أن الأسطورة، "ليست أسطورة ما دام الواحد يعبدها".

لا يتوقف الكتاب عن عملية النقاش الفعال والقراءة المتروية بإمكانية غير منتهية للفهم، فهو يعود في الفصل الثالث للتأكيد على أننا نحن من نبدأ عملية التحويل دائمًا للطبيعة الخارجية، ونتحكم فيها ونستعملها أو نسيء استعمالها بحيث تصير موضوعًا. "إن عملية إبداع الحضارة هذه، هي "مَوْضَعَة". إن إبداع الخيال هو "تَخيُّل".

ويبني مُستخدمًا نموذج فرويد في أن الإنسان يتكون من مادة جسدية (أنسجة) ومن طاقة يجب أن تفرغ قبل تشكلها اجتماعيًا ومن مادّة نفسية مقبولة اجتماعيًا، فهو يرى بأننا لسنا ذواتًا، بل صرنا ذواتًا، وفعل الصيرورة هذا غير متوقف، فتشكل الذات عند الطفل لا يكون لحظة الميلاد، وإنما لحظة التذكر، وعملية "المَوْضَعة" هي التي حولتنا من محض أشياء أو كائنات في الطبيعة إلى فاعلين، فالصفّة تُعطى بالفِعل. "الهوية هي دومًا فعل، أنا ما أفعل".