سخر الفيلم من التهذيب البرجوازي في مسائل تناولت المثلية والجندر والنساء، وغيرها كالسينما الأمريكية. فالفيلم برمّته، سخرية من عموم التقليدية والتنميطية في الواقع وفي الأفلام.
فيلم الافتتاح لمهرجان كان السينمائي، بدورته هذه، أقرب ليكون بياناً سينمائياً ساخراً، وعلى أكثر من جبهة: الصوابية السياسية والصوابية السينمائية.
فيلم الفرنسي كانتان دوبيو (Le Deuxième Acte)، أمكن له، مع آراء أكثر محافَظة، وشديدة الرياء الصوابيّ، وهي العنصرية والتنميطية بكل الأحوال، ومع ثقافة "الووك" البوليسية شديدة الصّحو، أمكن له أن يسبب إشكالاً، هرجاً ومرجاً، لا لطرحه مسائل يعتبرها المجتمع عموماً، معيبةً بطرحها صراحة، وليس بالسر، بل لسخريته اللاذعة، لا منها، بل من أولئك أنفسهم، المتفادين طرحها.
الفيلم، وبالدرجة ذاتها، بيان ضد الصوابية السينمائية. تكسير "غوداريّ" لعناصر لا يرى التقليديون مبِّرراً لها. غوداري نسبة إلى جان لوك غودار الذي صوّر مشهد "ترافيلينغ" حيث تنسحب الكاميرا على سكة في تصور غير منقطع للمشهد، كان الأطول في تاريخ هذه السينما، وكان تكسيراً، في ضمن مشاهد أخرى من فيلمه عام ١٩٦٧، Week-end. هو مذهب غودار السينمائي، لما هو متكرّس وآمن سينمائياً، في هدمه لبناء سينما جديدة.
المشهد الأخير من "الفصل الثاني" كان مشهداً طويلاً من السكّة التي تحمل الكاميرا، سكة "الترافيلينغ" فارغة وبتصوير متراجع، وفي وسط سهول خضراء لا هوية لها. كأنها سكة حديد بلا قطار، ولا ركاب. وكانت، السكة، أساساً في تصوير مشهدين طويلين من الفيلم، الأول والثاني. الأول وفيه حوار بين صديقين، والثاني فيه حوار بين فتاة يحبها أحد الصديقين، وأبيها.
نحن هنا أمام فيلم داخل الفيلم، لكن، وهذا الجديد والجدلي، بتداخل داخل الفيلمين لا بداية له ولا ختام. بالكاد يلحظ أحدنا حدوداً بين الفيلمين. في "الفصل الثاني" ممثلون يؤدون أمام كاميرا، لفيلم من إخراج الذكاء الاصطناعي، يخرج الممثلون مراراً عن النص، وتتداخل أسطرهم اللازم إلقاؤها كممثلين، وكلامهم بينهم وبين بعضهم في واقعهم كزملاء مهنة. مع الوقت لن يهم أيها كانت تمثيلاً وأيها كانت واقعاً. وهذا الفيلم مثال جريء ومغامر، في تماهي الواقع بالخيال في فيلم سينمائي، وبأسلوب فني صريح، وسيكون فجاً لدى تقليديين.
اللقاء بين الأربعة يكون في مطعم في مكان مجهول على الطريق العام، شبه فارغ، كأننا في مسرح عبثي. فيكون الفيلم أساساً حوارات، بسيناريو مكتوب بحرفية، وقد يكون أول امتياز للفيلم هو السيناريو الذي أتى بالعبث إلى السينما ضارباً بعرض الحائط أي اعتبارات لأحكام مسبَقة.
سخر الفيلم من التهذيب البرجوازي في مسائل تناولت المثلية والجندر والنساء، وغيرها كالسينما الأمريكية. فالفيلم برمّته، سخرية من عموم التقليدية والتنميطية في الواقع وفي الأفلام.