الفيلم بيانٌ نسويٌّ ضد السلطة الذكورية المتسببة بالقبح الجواني والبراني للنساء، بيانٌ عنيف بعنف تلك السلطة. تراجيدية حاسمة يحيلنا إليها الفيلم، في رعب جسدانيّ، متراوح بين الخوف والقرف، والقلق.
إلى اليوم، الميزة الأساسية لهذه الدورة من مهرجان كان السينمائي كانت في تطرفات أفلامه، ما بين العبثية والسخرية والعنف. فيلمنا هذا، "المادة"، أحد أكثرها تطرفاً في تصوير التحوّل البشري إلى مسخ بدوافع استهلاكية.
فيلم الفرنسية كورالي فارجا، الأمريكي تماماً، استهلَّ بمشهدٍ مرحِ فرِح لتمرينات أيروبيكس ببرنامج تليفزيوني، وختمَ بمشاهد شديدة القسوة والوطأة، والبشاعة في مدى الانمساخ الذي يمكن أن يصيب الجسد البشري من بعد انمساخ نفسيته.
كأن الفيلم (The Substance) على طوله، كان تلك الليلة التي استيقظ فيها بطل فرانز كافكا ليجد نفسه وقد انمسخ إلى صرصور. ما دار في تلك الليلة، في حلمه، يمكن للفيلم أن ينقل لنا شرحاً لحالة مماثلة، على التباين الشاسع بين العملين، الفيلم والرواية، قصةً وسياقاً. فإن كان الرجل تحوّل إلى صرصور لأسباب إدارية، تحوّلت مدربة الأيروبيكس إلى مسخ لأسباب شملت الإدارة وتعدّتها إلى المجتمع الذكوري المسلّع لكل ما هو نسائي.
امرأة جميلة، لا تزال بعمر الخمسين، تقدِّم برنامج أيروبيكس، تتلقى ملاحظات ذكورية بشأن عمرها، فتسعى يائسة إلى مادة سحرية ستعيد لها شبابها، وذلك بانسلاخها عن امرأة أخرى، نسخة شابة منها، أشد جمالاً وإغراءً، للرجال بطبيعة الحال، وهؤلاء مديرون وأصحاب قرار، بيض وأغنياء وعجزة. فنصبح أمام امرأتين، تموت واحدة في لحظة استعادة الأخرى الحياة، وذلك بالتناوب الضروري وبتناول منتظم للمادة التي تسمح لكل منهما بالمضي بحياتها. يختل التوازن وتتحول المرأة إلى مسخ، والفتاة كذلك من بعدها.
الفيلم المتطرف في تصوير مفاتن ومحاسن الفتاة، كموضوع جنسي، بأسلوب مستفز ومبتذل إغراءياً، تماماً كما يريده المدير الذكوري والجشع، الراغب وحسب بإعلاء نسب المشاهدة، تقدَّمَ، الفيلم، إلى حالة فانتازية في مسخ الامرأتين الشرهتين إلى الشهرة والشباب الدائم، أو، بكلمات أدق، إلى دوام تحقيق معايير المدير الجمالية لشرهه هو تجاه المال.
"المادة" المعروض ضمن موجة نسوية واسعة في فرنسا اليوم، وحملات "أنا أيضاً" ضد اعتداءات جنسية في الوسط السينمائي الفرنسي، هو عنيف نفسياً قبل أن يكون مشهدياً، عنيف في مآلاته، ولهذا العنف أساس واحد هو السلطة الذكورية الذي تتصرف بالنساء كمواد استهلاكية، وتشكِّل ملامحهن كما ترغب، هذه الملامح التي ستتحول من جمال طبيعي لامرأة رياضية ونجمة تلفزيونية، إلى مسخ هو أقرب للوحوش في لوحات فرانسيس بيكون التي يشوّه فيها النفسَ البشرية بانعكاسها على أوجه تخربطت فيها تفاصيله، ليتحول الجمال التام إلى قبح تام. نسمع ذلك من رجل آخر في الفيلم، الموكلة إليه مهمة انتقاء نساء للبرنامج التلفزيوني، معلقاً على امرأة بأن ثديها كان أولى به أن يكون في وجهها محلّ أنفها.
الفيلم بيانٌ نسويٌّ ضد السلطة الذكورية المتسببة بالقبح الجواني والبراني للنساء، بيانٌ عنيف بعنف تلك السلطة. تراجيدية حاسمة يحيلنا إليها الفيلم، في رعب جسدانيّ، متراوح بين الخوف والقرف، والقلق.