سامر مختار - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/111rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:41:54 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png سامر مختار - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/111rommanmag-com 32 32 عن كاتبٍ منعزل… يخرج فجأة إلى العلن! https://rommanmag.com/archives/20113 Fri, 12 Jun 2020 20:21:38 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b9%d9%86-%d9%83%d8%a7%d8%aa%d8%a8%d9%8d-%d9%85%d9%86%d8%b9%d8%b2%d9%84-%d9%8a%d8%ae%d8%b1%d8%ac-%d9%81%d8%ac%d8%a3%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%86/ انتهت عزلة الكاتب، وابتعاده عن الحياة العامة. والذي حاول الروائي والشاعر السوري سليم بركات جاهداً رسم صورة مثالية لها. انتهت منذ بداية هذا العام، عندما وصل للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، و”خرج مع الخارجين”. وصولاً للمقالة الكاشفة للسرّ، المقصود منها على ما يبدو إثارة الجدل حول “أبوَّة” محمود درويش. وفي هاتين العمليتين، انتهى […]

The post عن كاتبٍ منعزل… يخرج فجأة إلى العلن! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
انتهت عزلة الكاتب، وابتعاده عن الحياة العامة. والذي حاول الروائي والشاعر السوري سليم بركات جاهداً رسم صورة مثالية لها. انتهت منذ بداية هذا العام، عندما وصل للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، و”خرج مع الخارجين”. وصولاً للمقالة الكاشفة للسرّ، المقصود منها على ما يبدو إثارة الجدل حول “أبوَّة” محمود درويش. وفي هاتين العمليتين، انتهى الغموض، وهالة “القداسة” التي يرسمها مريدوه حوله، ولم تعد صورة /شخصية الكاتب “الغامض”، مبهرة للكتبة الناشئين، أما نتاجه الأدبي، فالزمن كفيل في الحكم عليه، وإنصافه

مُذ قرأت مقالة سليم بركات «محمود درويش وأنا»، المنشور في صحيفة «القدس العربي» في  6 من الشهر الجاري، والذي قال فيه إن محمود لديه ابنة من امرأة متزوجة، حتى لاح في خيالي على الفور هذا المشهد: سيدةٌ تبلغُ من العمر الخمسين أو الستين، ولديها إبنة ربما تجاوزت الثلاثين من عمرها اليوم. لا نعرف إن كانت هذه الابنة تعيش حياة طبيعية، ولا تعرف شيئًا عن هذا “السرّ”؛ أي أنها إبنة شاعر فلسطيني مشهور اسمه محمود درويش، أو أن أمها أخبرتها بذلك، وفي حال أخبرتها؛ لا ندري كيف تعاملت نفسياً وعاطفياً مع فكرة أب رفض الاعتراف بها وتخلى عنها.  

ربما الزمن فعل فعلته بالتخفيف من وطأة ما حدث، وانشغلت الأم والإبنة بمشاغل الحياة التي لا تنتهي. أو أن الأم تجازوتْ بالفعل ما حدث، وحاولتْ نسيانه، وانفتحت على حياة جديدة. إذ أن الشاعر المشهور قد مات، وربما اطمأنت أكثر حين مات، لربما مات هذا السرّ معه. 

لكن يأتي الشاعر والروائي الصديق سليم بركات، ليكتب مقالاً، المقصود منه؛ الاحتفاء بصداقته مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش. لكنه خَتمَ مقالته بإفشاء سرّ “أبوَّة” صديقه، من باب “أنا أُلفِّقُ لتلك الأبوَّةِ إقامةً في الكلمات”. 

إذاً لنتخيل معاً، لا بل لنضع أنفسنا، مكان “المرأة /الأم”، السيدة التي في حال كانت على قيد الحياة، فستكون في سن متقدمة. تجاوزت آلام وأخطاء وجراح الماضي. مسترخية على أريكة في صالة بيتها، تتصفح الفيسبوك، وإذ تقع عيناها على رابط مقالة سليم بركات «محمود درويش وأنا»، وقد شاركه أحد الأشخاص من قائمة أصدقائها، وتعليق فوق الرابط: “سليم بركات يُفشي سرَّ أبوَّة محمود درويش!”. لا أستطيع تخيل ردّة فعل هذه السيدة، ولا ردّة فعل ابنتها في حال كانت على علم بما حدث في “الماضي”!

في حوار مع سليم بركات على موقع «ضفة ثالثة» في العام الماضي، أجراه الشاعر العراقي وليد هرمز (الحوار جزء من حوار طويل مع سليم بركات صدر مؤخراً في كتاب تحت عنوان «سليم بركات .. لوعة كالرياضيات وحنين كالهندسة») يسأل وليد هرمز سليم بركات، إن كان مازال يخشى “التعامل مع مبتكرات العصر كالكومبيوتر، الذي أسميته بـ “النشيد الخُرافي”، وكذلك الهاتف النقال، “الموبايل”» ليجيبه الأخير في الفقرة التي يخص بها موضوع التواصل الاجتماعي بقوله: «أما الهاتف، الذي كان أداةَ تواصلٍ للضرورات، أو لبعض الثرثرات العذبة أحياناً، فقد بات وسيلةَ غزوٍ واقتحام، ونهبٍ أيضاً: دلَّالون ببضائعهم السمعية. متطفلون. أصوات غير مرغوب فيها. بدَّلتُ رقمَ الهاتف الأرضيِّ برقمٍ سرِّيٍّ لا يعرفه إلاَّ خمسة (…) لكن الرسائل المكتوبة بخط اليد، أو الآلة، باتت، في أيامنا هذه، تُزَجُّ من فورها في معتقلات الـ Facebook. انتهت الحميمية. انتهت المُسارراتُ، والتناجي. كل شيء للنشر بات منكوباً بمواقع التواصل الهذياني».

هذا الكاتب الذي يعمل جاهداً على حماية حياته الشخصية، وخصوصيتها وحميميّتها وأسرارها، لم يكترث أولاً في فضح سرّ صديقه، وثانياً لم يفكّر بالآثار النفسية التي قد يسببها للمرأة “الأم”، والمرأة “الإبنة”. 

ضربة واحدة نالت من ثلاثة أشخاص، شخص ميت، لكنه شخصية عامة، ولا يمكن التنبؤ بتأثيرها على الشخصيتين الأخيرتين، المجهولتين. 

عندما أعدت قراءة مقال سليم بركات للمرة الثانية والثالثة، وصلت لفكرة أنه لربما إفشاء السرّ هذا مقصود، لكنه بالمقابل لا يحمل شراً مقصوداً، إنما بالتأكيد يضمر مشكلة ما أو سذاجة ما، دفعته لكشف سرّ صديقه، أو هي رغبة غير معلنة من جهة محمود درويش بأن يفشي صديقه سره بعد مماته؟! إذ أنه وفي الجزء الثاني من الحوار (على موقع ضفة ثالثة أيضاً) يقول سليم بركات في إجابته عن أحد أسئلة وليد هرمز «فقدتُ محمود درويش. كان “من حولي” أبداً، لا يكفُّ عن عروض سخائه. كان “منزله” يجاور منزلي أنَّى انتقلتُ. كان ينقله حيث أحلُّ. أرى غُرف بيته، وجدرانه، في صوته على الهاتف اتصالاتٍ لا تنقطع. جُرِحْتُ إذ رحل. لم أستمع إلى الموسيقى، التي تصاحبني عادة في العمل مساءً، طوال سنتين». أي أن احتمالية أن يضمر سليم بركات كراهية ما، ومباشرة لصديقه مستبعدة. لعلَّ  سليم بركات يريد أن يقول للجميع عبر إفشاء هذا السر، إن علاقة صداقة قوية تربطه بمحمود درويش، لدرجة أن لديه عن صديقه سرٌّ لا يعرفه سواه. 

 يتصرف سليم بركات مع صديقه محمود درويش، تصرفاً اعتدناه في هذه النوعية من الصداقات. تنشئ صداقةً بين اثنين، ورغم حبهما لبعضهما البعض، وبعد أن تمر هذه الصداقة بفترة زمنية معينة، يأتي صديق ما ويذكرك بحدث ما من الماضي لا تريد أن تتذكره، أو قراراً اتخذته سابقاً وتراجعت عنه، والآخر –إن كان على قيد الحياة– يستغرب من تصرف صديقه الذي يفتح ماضيه الأسود، كمن يفتح قضية ما داخل قاعة محكمة. هذه النوعية من الأصدقاء لا تنشغل بماضيها بقدر ما تنشغل بماضي أصدقائها أو أشخاص من حولها. ونتساءل هل هذا الصديق يحبنا بالفعل أم يكرهنا!

المأزق الذي أقحم فيه سليم بركات نفسه، هو أنه أباح بسرٍ/معلومة ناقصة، أي أنه وحسب كلامه في المقال، لا يعرف من هي هذه “المرأة المتزوجة”، إذ لم يخبره محمود درويش ما جنسية هذه المرأة، وأين تعيش، وما اسمها… فلو كان سليم بركات أفشى سر صديقه، انتصاراً للضحية “الابنة” مثلاً، عليه أن يكون شاهداً في المحاكم -في حال ظهرت ابنة محمود درويش المفترضة- حين تطالب الإبنة بحق بنوتها من محمود درويش، الإبنة وأمها التي لم يرها سليم بركات في حياته. ألم يقل “لكانَ أنبَأَني من تكون المرأةُ لو كنتُ أعرفها”!  

The post عن كاتبٍ منعزل… يخرج فجأة إلى العلن! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الترجمة الأدبية… ما بين اختيار المترجم وشروط سوق النشر https://rommanmag.com/archives/20064 Mon, 11 May 2020 10:19:22 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d9%8a%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85/ قِلّة من القراء في العالم العربي اليوم من يشترون عملاً أدبياً مترجماً للغة العربية دون أن يسألوا عن إسم المترجم. سؤال “من هو مترجم هذا العمل؟” بات شائعاً، أكثر من ذي قبل، في العشرين سنة الأخيرة. حتى أننا كقراء، ربما نشتري رواية لكاتب إسباني أو ألماني أو فرنسي لم نسمع عنه من قبل. لكن، ولثقتنا […]

The post الترجمة الأدبية… ما بين اختيار المترجم وشروط سوق النشر appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

قِلّة من القراء في العالم العربي اليوم من يشترون عملاً أدبياً مترجماً للغة العربية دون أن يسألوا عن إسم المترجم. سؤال “من هو مترجم هذا العمل؟” بات شائعاً، أكثر من ذي قبل، في العشرين سنة الأخيرة. حتى أننا كقراء، ربما نشتري رواية لكاتب إسباني أو ألماني أو فرنسي لم نسمع عنه من قبل. لكن، ولثقتنا بالمترجم الذي ترجم هذا العمل أو ذاك، نسارع في اقتناء الكتاب من دون أي تردد أو تفكير.

كيف يختار المترجم الأعمال الأدبية التي يرغب في ترجمتها؟ ما هي المعايير التي يقوم على أساسها الاختيار؟

حول هذه هذه المسألة حاورنا أربعة مترجمين من العالم العربي، لديهم تجارب مختلفة فيما يخص الترجمة الأدبية، وحدود حرية الاختيار المرتبطة بشروط سوق الكتاب في العالم.

حرية الاختيار من عدمها

يقول المترجم المصري سمير جريس، والذي يترجم أعمالاً أدبية متنوعة عن اللغة الألمانية: “معظم الأعمال التي نقلتها إلى العربية، وهي تشارف اليوم على الثلاثين، هي من اختياري. في بداية عملي كمترجم اخترت نصوصاً قصيرة لبورشرت وهاينريش بول. من ناحية كانت هناك اعتبارات عملية، مثل سهولة نشر تلك النصوص القصيرة في المجلات والدوريات، ومن ناحية أخرى لأن القصة القصيرة الجيدة تستطيع مخاطبة القارئ في لغة وثقافة أخرى على نحو أسهل بكثير من الرواية الطويلة؛ كما أن هذه القصص القصيرة تتحدث عن الخبرة الأساسية التي أثرت عميقاً في الأدب الألماني المعاصر، أعني خبرة الحرب”. 
سمير جريس

وأضاف: “بعد ذلك اتجهت إلى ترجمة الرواية. كان همي -ولا يزال- هو نقل أعمال متميزة من كافة اتجاهات الأدب الألماني اللغة المعاصر، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945. أقول أعمالاً متميزة، إما لأنها حققت شهرة في داخل المنطقة الألمانية، مثل “قصص بسيطة” لإنجو شولتسه، أو لكون العمل لكاتب شهير له وزنه مثل رواية “جون جوان” لبيتر هاندكه، والتي اقترحتها على الناشر قبل نوبل”. 

تختلف وجهة نظر الروائي والمترجم المصري محمد عبد النبي عن وجهة نظر المترجم سمير جريس حول مسألة الاختيار قليلاً، إذ يقول عبد النبي: “في ثمانين بالمئة من الحالات تقريباً، لا يختار المترجم الأعمال التي يترجمها، بل ربما تُعرَض عليه ثم يعود إليه القرار في قبول ترجمتها والاتفاق عليها أو لا. مَن يتفق على ترجمة العمل، في معظم الحالات، هو الناشر، حتَّى وإن كان العمل من اقتراح المترجم، وفي حالات نادرة للغاية يتواصل المترجم بنفسه مع الكاتب الأجنبي أو الوكيل أو الناشر لشراء حقوق أحد الكتب، لكن الأغلب الأعم أن الناشر مَن يختار ومَن يتفق”. 

مضيفاً أنه “في نسبة 20% من الحالات قد يقترح المترجم عنواناً وإن ساعدته الظروف وحالفه الحظ يوافق عليه الناشر ويحصل على حقوقه، وإلَّا فقد يترجم ويضعه جانباً لحين العثور على طريقة لنشره أو أن ينشره في إحدى دور تحت بير السلم التي لا تكترث لحقوق ولا يحزنون”.

أما الروائي والمترجم التونسي جمال الجلاصي يقول إن معياره الوحيد الذي يحدد على أساسه الاختيار هو الحب: “أنا أترجم تحت صدمة الحبّ. هذه هي القاعدة. التعبير عن عشقي لنص أو كتاب يكون بمحاولة خلق جناح إضافي له ليحلّق أعلى، لينتشر، ليشاركني أكثر عدد ممكن من القراء في تلك التجربة العشقية. إذا لم تكن الترجمة تعبيراً عن الحب، مثل الكتابة تماماً، فهي قفز بهلواني بين اللغات ولعبة قاموسية لا روح فيها.

ويتابع جمال كلامه: “الترجمة بالنسبة إليّ خيار إنساني بالدرجة الأولى، مثل الكتابة تماماً، والكتابة الخالية من البحث الجمالي والإنساني لا تنفع أحداً الكتابة الخالية من المعنى والسابحة في شقشقة لغوية وجمالية جوفاء لا تستهويني”. 

ويوضح جمال أنه: “قد نتج عن ذلك الكثير من الصعوبات في النشر، مثلما حدث معي إثر ترجمتي لرواية “الإله الصغير عقراب” للرواية الفرنسي روبيرت إيسكاربيت، باعتبارها رواية تتناول أهم التابوهات في العالم العربي وهو تابو الدين: هذه الرواية درس في التسامح بين الأديان وحق الاختلاف والتعايش مع المختلف وحرية الضمير. لكن أغلب دور النشر خافت من نشرها وتهرّب العديد من الأصدقاء الناشرين منها. ولولا جرأة دار الجمل لظلت في ذاكرة حاسوبي إلى الآن”.

في حين يعتقد المترجم السوري أسامة منزلجي أن في الأمر علاقة متبادلة بين المترجم والناشر والقارئ فيقول: “أولاً على المترجم أن يكون أولاً مخلصاً ويحترم المهنة التي اختارها وأن يكون جادّاً في عمله، ثم عليه أن يكسب ثقة الناشر عبر جودة ترجمته وحُسن انتقائه للمادة التي يترجمها، وبعد أن يقبل الناشر المادة ويجد أنها تجد صدى جيداً وقبولاً لدى القارئ فإنه سوف يتمسك بذلك المترجم ويلجأ إليه لتقديم ترجمات أخرى لأنَّ كتبه تجد قبولاً عند القرّاء – وهكذا تكتمل المنظومة : المترجم-الناشر- القارئ ، ويتحقق النجاح للجميع”.

الترجمة ما بين الشغف وكسب الرزق

الأدب المترجم لا يهم فقط القارئ الشغوف بقراءة الأدب عموماً، بل هو محط اهتمام الكتّاب والصحفيين العرب المختصين بالشؤون الأدبية والثقافية. إذ لا بدَّ أن يكون الكاتب العربي مطلعاً على الأفكار والأساليب الفنية والتجارب الأدبية المختلفة من كل ثقافات العالم. وكثير من الأحيان نشعر بالامتنان اتجاه عمل أدبي مترجم أحدث نقلة نوعية على مستوى الأسلوب وجماليات السرد الفنية داخل النص.  
جمال الجلاصي

في هذا الصدد يقول سمير جريس: قد أترجم عملا حقق نقلة فنية أو أسلوبية وبالتالي له أهمية نقدية (مثل “مونتاوك” لماكس فريش)، أو لأنني أرى أن هذا العمل يثير اهتمام القارئ العربي، مثل “الحيوان الباكي” لميشائيل كليبرغ والذي يتحدث فيه عن رحلته إلى لبنان وعلاقته بالشاعر عباس بيضون، أو مسرحية “مدرسة المستبدين” لإيريش كستنر، ومسرحية “99 في المئة” لبرشت، وهما مسرحيتان يتناولان موضوع القمع والاستبداد، وأنت تعلم راهنية هذا الموضوع في منطقتنا. 

ويتابع سمير كلامه: أحياناً أود أن أنقل عملاً لكاتب مهم لا يعرفه القارئ العربي، مثل إلفريده يلينك في روايتها “عازفة البيانو” التي كانت أول عمل يترجم لها، وكذلك توماس برنهارد في كتابه “صداقة” ورواية “قاتل لمدة عام” لدليوس. وأخيراً فأنا أترجم عملاً ما لأنني – ببساطة – أحببته، واستمتعت بقراءته وأود أن يشاركني آخرون هذه المتعة، مثل “الكونترباص” لزوسكيند، و”الوعد” و”العطل” لدورنمات، و”الطباخ” لمارتين زوتر”.

أما محمد عبد النبي فيطرح مجدداً رأياً مخالفاً إلى حد ما، لرأي سمير جريس، فيقول: “المترجم ليس مسؤولاً عن العمل الذي يترجمه، مِن حيث لغته وأسلوبه وتقنياته وبنائه، فهو ليس ناقداً ولا كاتباً، له مهمة محددة، تحويل نص من لغة إلى لغة، من غير أن يقيم نفسه وصياً لا على الكتاب ولا على القارئ، ويجب ألَّا يعطي لدوره حجماً أكبر من حدود مهمته. برغم هذا يأتي بعض المترجمين من سياق ثقافي واسع، كأن يكون المترجم صحفياً أو كاتباً أو أكاديمياً، وبعض هؤلاء يدقق في اختياراته، لأن الترجمة ليست مجرد وسيلة لكسب الرزق بالنسبة له، بقدر ما هي عمل ثقافي وتنويري”. 

ويرى محمد عبد النبي أن المترجم المحترف والذي يتعيش من الترجمة ولا يمكنه أن يتوقف عن العمل فترات طويلة فهو لا يضع معايير عالية طوال الوقت، والحد الأدنى يكفيه، أي أن يكون الكتاب جيداً مقبولاً ولا يحتوي على أفكار هدَّامة مثلاً، فهو في النهاية ليس آلة، حسب تعبيره.

أما جمال الجلاصي فيقول أنه حين يختار كتاباً لترجمته، يركّز أساساً على قيمته الأدبية، أي مدى الإضافة التي يقدّمها للجنس الأدبي التي ينتمي إليه، مدى وفائه للرواية أو الشعر أو للقصة، ثم الشحنة الإنسانية التي يحتوي عليها. الأدب الذي يدافع عن القيم الإنسانية الكبرى: الخير والعدالة والجمال.

كما أن أسامة المنزلجي يعتمد في الأساس على قراءاته ومعرفته بأهمية كتّاب معيَّنين في الأدب الإنكليزي-الأميركي: “أحب أن أقدِّم بعضهم إلى القارئ العربي، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا معروفين على نطاق واسع أم لا ، وأعتمد في ذلك على قناعتي وعلى ثقة دار النشر فيّ”.

الرقابة واقتراحات الناشر 

تلعب الرقابة دوراً هاماً في عملية اختيار ما يتم انتاجه ونشره من أعمال أدبية مترجمة أيضاً. لذلك قد يكون عند الناشرين خطط مسبقة في اختيارهم للكتب المترجمة، تعتمد على نوعية المواضيع المطروحة، وشهرتها. وهنا يكون الناشر هو من يختار ومن يقترح على المترجمين ترجمة هذا العمل أو ذاك. 
محمد عبد النبي

 يقول سمير جريس: ” بالطبع تلعب الرقابة دوراً في النشر، مثلا مسرحية برشت “99 في المئة” عرضتها في البداية على دار نشر حكومية، فرُفضت، لتماسها مع الأوضاع السياسية الحالية”. مضيفاً أن: “هناك أعمال اقترحها عليّ الناشر، ووجدتها بعد المطالعة جديرة بالترجمة، مثل “زمن مالر” لدانييل كيلمان، أو “حياة” لدافيد فاجنر، أو “العاصمة” لروبرت ميناسه والتي أعتبرها من الروايات المهمة لفهم آليات العمل في الاتحاد الأوروبي، ونوفيلا “حلم” لأرتور شنيتسلر الصادرة مؤخراً”.

وأضاف: “هناك أعمال يقترحها الناشر علي لاستثمار نجاح كاتب ما، لكني أرفضها إذا لم تعجبني أو تخاطب شيئا في. ولأني غير متفرغ للترجمة الأدبية، فلدي رفاهية الاختيار، والرفض أيضا. بعد نشر “عازفة البيانو” حدثني أكثر من ناشر لترجمة عمل آخر ليلينك، لكني رفضت، لأن العمل المعروض لم يثر حماسي. تكرر الأمر بعد حصول هاندكه على جائزة نوبل، وكنت قد انتهيت لتوي من ترجمة “دون جوان”. لكني رفضت كل الأعمال المعروضة عليّ، ببساطة لأن أعماله الأخرى لم تخاطبني، ففضلت أن أكتفي بتجربة “دون جوان”. 

ويتابع سمير كلامه: “من ناحية أخرى اقترحتُ على عديد من الناشرين أعمالا أراها مهمة، لكنها رُفضت لأسباب تسويقية، منها مثلا رواية ضخمة للكاتب السويسري ماكس فريش، تقارب الخمسمائة صفحة، قال لي الناشر بصراحة: لن أستطيع تسويقها ولن تجد عددا كافيا من القراء حتى تغطي تكاليفها”. 

أما محمد عبد النبي فيرى أن “اعتبارات وشروط السوق والرقابة (إن وجدت بأشكال واضحة أو غير واضحة) ليست كذلك موضع انشغال المترجم بقدر ما ينشغل بها الناشر، هذا لا يمنع أن يقترح المترجم على الناشر أعمالاً يكون من الصعب تسويقها بسبب موضوعاتها الخاصة أو لأن أفكارها غير جذابة ولن توزع جيداً، أو حتى لأن العمل صخم ولن يباع إلا بثمن كبير وبالتالي يصعب تسويقه”. ويضيف: ” قد جربت هذا أكثر من مرة حيث أقترح عنواناً فلا أجد حماساً مِن قبل الناشر، إمَّا لبعض الأسباب السابقة، وإمَّا لأن لديه خطط واقتراحات وعناوين أخرى وقد اتفق عليها بالفعل، في حالات قليلة تلتقي إرادة المترجم بإرادة الناشر، وهنا ربما يكون النشر الحكومي نوعًا مِن الحل”. 

ويرى عبد النبي أن “مِن حق المترجم أن يكون لديه وجهة نظر ورؤية خاصة، لكن لا يجب أن تكون هي المعيار في اختيار العناوين أو الكتب التي يقبل ترجمتها، وإن كانت ضد قناعاته بنسبة 100 % ، كأن يضطر مترجم يساري لترجمة كتاب يكرس للرأسمالية ويؤيد كل أشكال الاستغلال أو العنصرية، فإمَّا أن يرفض تماماً وإمَّا أن يعرض وجهة نظره والمشكلات التي يراها في الكتاب، في مقدمة أو في هوامش أو حتى في مقال طويل في الختام. ومع ذلك أرى أنه من الضروري أن نترجم كل شيء، مهما بدا ضد قناعات المترجم أو الناشر أو غيرهما، وإلَّا فلن نرى ولن نسمع إلا ما نحب ونرضى”.

أما جمال الجلاصي فيقول: “أحياناً تُعرض عليّ المشاركة في مشاريع ترجمية كبرى ليست ضمن خياراتي لكنّ أهمية المشروع والخدمة جليلة التي يقدّمها إلى القارئ العربي تحفّزني على المشاركة، مثلما حدث مع ترجمة “موسوعة الشعر الفرنسي في 100 كتاب الذي يقوم به مشروع كلمة. وهو مشروع ضخم وطموح يشرّف كل من فكّر به وخطّط له وشارك فيه، لأنّه سيصبح مرجعاً أساسياً لكل دارس للأدب الفرنسي”.

The post الترجمة الأدبية… ما بين اختيار المترجم وشروط سوق النشر appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
«لم يُصلّ عليهم أحد»… عن مدينة حلب وماضيها الغارق بالآلام https://rommanmag.com/archives/19896 Wed, 18 Dec 2019 09:16:11 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%84%d9%85-%d9%8a%d9%8f%d8%b5%d9%84%d9%91-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87%d9%85-%d8%a3%d8%ad%d8%af-%d8%b9%d9%86-%d9%85%d8%af%d9%8a%d9%86%d8%a9-%d8%ad%d9%84%d8%a8-%d9%88%d9%85%d8%a7%d8%b6/ من رواية «مديح الكراهية» 2006، إلى «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» 2014، كانت مدينة حلب حاضرة دوماً في أعمال الروائي السوري خالد خليفة التي ولد وعاش فيها (مواليد 1964 – قرية أورم الصغرى – حلب) وحتى رواية «الموت عمل شاق» 2016 التي تبدأ في دمشق، لكنها تنتهي في حلب، وصولاً إلى رواية «لم يصلّ […]

The post «لم يُصلّ عليهم أحد»… عن مدينة حلب وماضيها الغارق بالآلام appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
من رواية «مديح الكراهية» 2006، إلى «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» 2014، كانت مدينة حلب حاضرة دوماً في أعمال الروائي السوري خالد خليفة التي ولد وعاش فيها (مواليد 1964 – قرية أورم الصغرى – حلب) وحتى رواية «الموت عمل شاق» 2016 التي تبدأ في دمشق، لكنها تنتهي في حلب، وصولاً إلى رواية «لم يصلّ عليهم أحد» الصادرة مؤخراً بطبعتين، الأولى عن دار أنطوان هاشيت في بيروت، والثانية عن دار العين في القاهرة. 

يعود خالد خليفة في روايته الجديدة إلى حلب في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. هذه العودة، ليس هدفها الرئيسي سرد التاريخ غير الرسمي لحقبة زمنية ما فقط، بل يعمل خالد على تقصي أثر المصائب والحروب والأحداث التاريخية على البشر ومصائرهم. عن تأملهم للحياة والموت، للحب والكراهية، للإيمان وعدمه. 

تبدأ الرواية بحادثة غرق قرية حوش حنّا، إثر هبوب عاصفة، تتسبب في طوفان النهر، الذي ابتلع أغلب سكان القرية. الطوفان سيغير نظرة  بطل الرواية حنّا كريكورس للحياة، الذي كان يعيش مع صديق طفولته زكريا البيازيدي حياة ماجنة، وصلت حدّها الأقصى ببناء قلعة على قمة تلّة، يقضون فيها معظم أوقاتهم في اللهو والسكر في أحضان النساء، ولعب القمار. انشغال الاثنين بحفلاتهما الماجنة سينجيهم من الطوفان، الذي لم تنجو منه زوجة حنّا جوزفين وابنهما، كما لم ينجو ابن زكريا الذي حاولت زوجته شاها في لحظة الطوفان الحفاظ عليه، والتي رأتها الفتاة ماريانا “تضم جثة ابنها إلى صدرها، نجح الصيّادون في انتزاعه من بين ذراعيها بصعوبة”.

سيكون الطوفان بمثابة نذير شؤم، يبشر ببداية قرن جديد مليء بالحروب والمجازر والقتل والجوع. 

ورغم أن الزمن الرئيسي للأحداث التي أعقبت الطوفان يبدأ مع عام ١٩٠٧ وينتهي عام ١٩٥١، إلا أن سرد تاريخ الشخصيات يعود بالقصص والحكايات لما قبل الطوفان. فالرواية مليئة بالشخصيات التي تتداخل قصصها الشخصية في بعضها البعض. والشخصية التي يعتبرها القارئ للوهلة الأولى أنها شخصية ثانوية في العمل، يكتشف مع تطور أحداث الرواية، أنها شخصية رئيسية في العمل. وطالما الزمن يتقدم هناك شخصيات أخرى تحتل متن النصّ، وأخرى تترنح إلى هامشه. 

القصص والحكايات الشخصية في الرواية، تتحرك بالتزامن مع وقائع وأحداث تاريخية، مثل الاحتلال العثماني، مذبحة الأرمن، الحرب العالمية الأولى، الاحتلال الفرنسي، لترصد الرواية تأثير ذلك كله على حيوات البشر، من مصائب وآلام وأحزان ويأس كبير، الحديث عنه وإخراجه من داخل الإنسان وروايته ضرورة لمحاولة فهم ما جرى، إذ “لا يمكن لأي شخص شرح التعاسة” هكذا تخبر سعاد عمتها عندما لا تجد تفسيراً لعدم سعادتها من زواجها من حسن المصابني. أو عندما يصل حنّا لخلاصة مفادها أنه “لا يمكن تجميل مجزرة، كما لا يمكن نسيان وجوه الضحايا” وذلك أثناء تذّكره لحكايات مربيته مارغو عن المقابر الجماعية للمسيحيين السريان، التي “ما زالت تحفر في أعماقه”. 

تطرح الرواية تساؤلات كثيرة حول معنى الوجود، عن الله كفكرة، والدين والتديّن. كل تلك الأسئلة تتملك بطل الرواية حنّا، إذ بعد الطوفان، يتحول حنّا من رجل ماجن، سكير، يبحث عن ملذات الحياة، إلى رجل زاهد في كل شيء، ليعتقد من حوله أن حكاية تحوله هذه تشبه حكايات القديسيين، ورغم محاولات ماريانا الفتاة المسيحية المتدينة  التي تصرّ على مرافقته في رحلاته الطويلة، لجعله قديسًا، إلا أنه في قرارة نفسه لا يثق بهذه المعتقدات، فحنّا كان في رحلة داخل أعماقه، رحلة في البحث عن الذات، والبحث عنها “لا يحتاج إلى وضعها على طاولة طعام قذرة أمام العامّة. كل ما تحتاج إليه هو التكوّر على نفسك ورمي أشلائها على جدران غرفتك” حسب تعبيره. 

تتضمن «لم يصلّ عليهم أحد» مصنفات كتبها حنّا كريكورس ما بين عام 1918 و1951، والتي يشير إليها خالد خليفة، إضافة إلى قصّة من فصلين بعنوان “الحب المستحيل”، ويقول خالد أنه وجد هذه المصنفات في منزل عائلته في العنابية “ضمن أوراق كثيرة كانت تخصّ جنيد خليفة أحد أخوة جدّه” مضيفاً أنه “أعاد كتابة المصنفات بأسلوبه، كما أعاد كتابة رواية “الحب المستحيل” بتصرّف…” 

وفي “مصنف حنّا رقم 4” يسأل حنّا الأب إبراهيم الحوراني “إن لم يكن الله موجوداً فمن يعوّض ملايين البشر عن حياتهم الواهمة التي عاشوها” ليجيبه الأب إبراهيم: بـ”أننا نحن البشر اخترعنا الله، وحدّدنا صفاته، وإن كان غير موجود كقوة مادّية ملموسة فإن اختراعه منح ملايين البشر الراحة في سعيهم نحو الموت”.

علاقات الحب المتشابكة، تلعب دوراً هاماً في حياة شخصيات الرواية، علاقة حنّا بسعاد أخت صديقه زكريا، وصديقة طفولتهما. قصة “الحب المستحيل” بين وليم عيسى وعائشة المفتي، التي تنتهي بقتلهما، وقصة حب وليم ابن زكريا البيازيدي للفتاة الأرمنية مريم. علاقات حب أجهضتها الأديان ورجال دين متطرفين والحروب والمجازر، وماضي المدينة الجاثم على صدور أبناءها، والتوق للنجاة، هكذا نرى الصراع الداخلي لمريم، التي حلمت بحياة طبيعية، بعيداً عن العيش في الكنيسة كلاجئة وهاربة من الجنود الأتراك الذين ذبحوا عائلتها، لكن هروبها من  العيش في الكنيسة والفقر وعدم الأمان، يدفعها للزواج من رجل تركي غني، يشعر بتأنيب ضمير تجاه ما حصل من مذابح بحق الأرمن، ويريد التطهر من عار قومه، بالزواج من فتاة أرمنية، لتتخلى مريم عن وليم الذي أحبها منذ أيام الطفولة. 

لا يمكن للرواية التي تجري أحداثها في مدينة حلب إلا أن تتقاطع مع حاضر المدينة اليوم. فالمدينة التي شهدت في السنوات الأخيرة دمارًا هائلاً، وقتلاً ومجازر، أشبه بالطوفان الذي بدأ في قرية حوش حنّا، وما تلاه من حروب ومجازر في وقت مضى. 

ضحايا كثر، ماتوا أو قُتلوا، ولم يُصلّ عليهم أحد، كالجثث التي لفظها النهر بعد الطوفان، ولم تعرف هويتهم، هل هم مسلمون أم مسيحيون؟ ليرفض الشيخ والخوري أن يصلّ عليهم. أو كما قُتل العاشقين وليم وعائشة، ودُفنوا من دون أن يصّل عليهم أيضاً. 

«لم يصلّ عليهم أحد» أشبه بمرثية لماضي وحاضر مدينة حلب، ولأهلها ولعشاقها، ولتاريخها الغارق بالآلام.

The post «لم يُصلّ عليهم أحد»… عن مدينة حلب وماضيها الغارق بالآلام appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
رحلة الاغتراب الداخلية لمثليين ومثليات من سوريا ولبنان… من أفلام مهرجان “كوز” في حيفا https://rommanmag.com/archives/19882 Fri, 06 Dec 2019 12:58:58 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b1%d8%ad%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ba%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d8%ae%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%85%d8%ab%d9%84%d9%8a%d9%8a%d9%86-%d9%88%d9%85%d8%ab%d9%84%d9%8a/ على المرء توخي الحذر عندما يُجري في ذهنه عملية مقارنة ما بين معاناة ومعاناة أخرى أشد ألمًا وقسوةً. إذ هناك أشياء خارجة عن إرادتنا وخياراتنا، ومكان وظروف وطبيعة نشأتنا وانتماءاتنا وتحديد هوية أو هويات من خلالها نُعرّف بها عن أنفسنا.  لكن في عالمنا العربي لا يمكننا أن نمنع أنفسنا من إجراء بعض المقارنات، مثل أن […]

The post رحلة الاغتراب الداخلية لمثليين ومثليات من سوريا ولبنان… من أفلام مهرجان “كوز” في حيفا appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

على المرء توخي الحذر عندما يُجري في ذهنه عملية مقارنة ما بين معاناة ومعاناة أخرى أشد ألمًا وقسوةً. إذ هناك أشياء خارجة عن إرادتنا وخياراتنا، ومكان وظروف وطبيعة نشأتنا وانتماءاتنا وتحديد هوية أو هويات من خلالها نُعرّف بها عن أنفسنا. 

لكن في عالمنا العربي لا يمكننا أن نمنع أنفسنا من إجراء بعض المقارنات، مثل أن نقارن ما بين المرأة والرجل، من ناحية الاضطهاد والتواطؤ الاجتماعيين؟ فالمجتمع يضهد المرأة ويتواطأ مع الرجل. يسامح المجتمعُ الرجل على أخطائه وغفواته، فو حرّ بممارسة الجنس قبل الزواج، ومسموح له بتعدد الزوجات. أما المرأة فتكاد تكون أسيرة أنماط وأشكال فرضتها قوانين المجتمع الذكوري، والنصوص المقدسة. 

مع هذه المقارنات، تحضر قضية “مجتمع الميم” في العالم العربي، إذ قد يستطيع أي شخص غيريّ جنسياً تحديد هوياته المتعددة والإجهار بها في العلن بشكل واضح، والعيش بشكل “طبيعي” نوعاً ما. أما المثليين والمثليات والمتحولين جنسياً، فتكاد تكون مهمة الإجهار بهويتهم الجنسية أمام المجتمع بمثابة تعريض حياتهم للخطر، والاضطهاد المستمر، والشعور الدائم بأنهم منفيين داخل الأوطان التي ولدوا وعاشوا فيها، الأوطان التي شكّلت بالمقابل انتماءهم الايديولوجي، وانتماءهم وعلاقتهم مع المكان، المكان بوصف هوية أيضاً. 

في الدورة الرابعة من “كوز – مهرجان أصوات للأفلام الكويرية” التي انطلقت أمس الخميس في “مسرح خشبة” بمدينة حيفا الفلسطينية، نحن أمام تجارب سينمائية عربية جريئة على مستوى الطرح فيما يخص معاناة “مجتمع الميم” في العالم العربي، سواءً ممن ما زالوا يعيشون دخله، أو ممن هاجروا أو هجّروا منه. 

من الأفلام المشاركة في هذه الدورة والتي سنتحدث عنها هنا، فيلم «Mr. Gay Syria» من للمخرجة عايشة توبراك (تركيا، 2010، 127 د)، وفيلم «ذاكرة جسد» للمخرجة ملك مروة (لبنان، 2018، 19 د)، وفيلم «ماركو» للمخرج سليم حدّاد (لبنان، 2019، 22 د)، و«سينما فؤاد» للمخرج محمد سويد (لبنان، 1993، 41 د). 

«Mr. Gay Syria»

يحكي الفيلم عن حياة اللاجئين السوريين من “مجتمع الميم” في تركيا، فمحمود لاجئ سوري مثليّ في ألمانيا، لكنه اختار أن يعيش في تركيا، وينظم مسابقة ” أداء” للمثليين السوريين تحت عنوان Mr. Gay Syria ومن يفوز في هذا اللقب سيحظى بفرصة الحصول على فيزا إلى مالطا، للمشاركة في فعالية للمثليين من كافة أنحاء العالم. 

يفوز في المسابقة اللاجئ السوري حسين، القادم من مدينة عفرين، ويعمل في محل حلاقة في تركيا، لكن رغم خروجه من سوريا، لم يستطع أن يعبّر عن مثليّته بشكل كلّي، فانتمائه لعائلة محافظة، والتي تجبره على أن يتزوج زواجاً تقليدياً من فتاة لا يشعر اتجاهها بأية مشاعر، ومن ثم إنجابه منها طفلة، يضعه داخل صراع نفسي، يشطر حياته إلى حياتين؛ حياته السرية داخل مجتمع الميم السوري في تركيا، وحياته مع عائلته التي تقيم معه في تركيا، وتهديدات والده بقتله في حال لم “يتغيّر”. 

رغم أن الفيلم يتطرق إلى حياة شباب سوريين غير حسين، إلا أن شخصية حسين وصراعاته الشخصية تستحوذ على تفاصيل الفيلم، فحياته اليومية يسيطر عليها القلق والخوف الدائمين، شعوره بالذنب تجاه زوجته التي يراها ضحية المجتمع مثله، انتظار الموافقة على الفيزا، ليستطيع السفر إلى أوروبا، ليعيش حياة طبيعية وآمنة، إلى جانب تفكيره الدائم بمصير طفلته التي لا يريد لها أن تكبر وتعيش في مجتمع لا يتقبل المختلف عنه. كما يسيطر عليه هاجس الاعتراف لابنته بأن مثلي جنسياً عندما تكبر، وعدم رغبته في التخلي عنها. 
 

«ذاكرة جسد»

أما الفيلم اللبناني «ذاكرة جسد» للمخرجة اللبنانية ملك مروة، فيسلط الضوء على مسألة “علاج إعادة التوجيه الجنسي” الذي يجري فرضه في لبنان من قبل عائلات والأهالي، على أبناءهم وبناتهنّ ممن اكتشفوا أنهم مثليين جنسياً، بغرض “تصحيح” ميولهم الجنسية. إذ بعد ان تكتشف والدة الفتاة مايا علاقتها العاطفية بصديقتها دانا، تجبرها على الخضوع لعلاج بالصدمات الكهربائية العنيفة، هذا عدا إجبارها في المستشفى على تحسس جسد رجل، ومشاهدته وهو يمارس العادة السرية أمامها. 

تصوّر المخرجة العلاقة العاطفية التي تربط مايا بدانا، من خلال الحالة التي تدخل فيها مايا أثناء جلسات الصدمات الكهربائية التي تُجرى على دماغها، ما إن تغمض مايا عينيها، حتى تنتقل الكاميرا من مشهد العلاج، إلى مشهد مايا ودانا أثناء ممارستهما العلاقة الحميمة. لتتداخل مشاهد النشوة مع مشاهد التعذيب على ذات الجسد الذي يقاوم الاستسلام لعملية “التحول”. 

تعمل مخرجة على إحداث تناص بين حكاية الفيلم الواقعية، ومحاكاتها بالفن، كأن نجد صورة كبيرة تملأ الجدار الذي يقع خلف السرير في غرفة نوم دانا، للوحة The Oreads للفنان الفرنسي ويليام بوغيرو، والتي تصوّر عدداً من الحوريات معلقين ما بين الأرض والسماء أو متجهين نحو السماء ربما، وثلاثة رجال يحاولون الإمساك بهنّ. وتجري محاكاة حيّة للوحة بوغيرو في مشهد لفتيات عاريات مستلقيات في وضعية مشابهة لحوريات بوغيرو. وتعد لوحة بوغيرو وعملية تجسيدها ممسرحة، أشبه بحالة تمرّد، تمرد الجسد الذي لا يمكن مسح ذاكرته.  

كما تظهر في لقطة أخرى صورة لتمثال «نشوة القديسة تريزا»، للنحات الإيطالي جان لورينزو برنيني، وهي قصة عشق صوفية روتها الراهبة الإسبانية القديسة تيريزا في كتاب سيرتها الذاتية.

تتقاطع ملامح النشوة في وجه المنحوتة – القديسة تيريزا مع ملامح النشوة التي نراها على وجه مايا. وبينما يقاوم جسد مايا ذاكرة لذته ونشوته بين أحضان صديقتها دانا، تصدح في خلفية المشاهد المتداخلة بين العذاب والنشوة، مقطوعة من سيمفونية “قداس الموت” (requiem) للمؤلف الموسيقي النمساوي فولفغانغ أماديوس موزارت. 

 فيلم «ماركو»

تطرح قصة فيلم «ماركو» قصة مشابهة لقصة الفيلم الوثائقي «مستر جاي سيريا» وهي علاقة المثليين مع عائلاتهم، لكن من زاوية مختلفة بعض الشيء، إذ إن «ماركو» يصور هذه العلاقة في مرحلتها النهائية؛ أي بعد تحقيق الوصول لبلد المهجر، وانقطاع بعض الخيوط التي تربط بين الأبناء المثليين مع أهاليهم. عمر الذي يعيش لندن، يحاول التهرب من التواصل مع والده الذي دخل إلى المستشفى لإجراء عملية خطيرة، بعد أن تتصل والدته وتطلب منه أن يتحدث لوالده بعد نجاح العملية التي أجراها، بالمقابل يحضر إلى بيته في لندن شاب يدعى ماركو، يدّعي أنه إسبانيّ، مختص بجلسات المساج، لكن بعد أن يتحدثا، يكتشف عمر أن ماركو، لاجئ سوري مثليّ، قدم مؤخراً إلى لندن، واسمه الحقيقي أحمد. 

بينما يحاول عمر الابتعاد عن ماضي العائلة، يسهب أحمد في الحديث عن علاقته بأهله، وحنينه إلى بلده، فهو لا يريد، ولا يستطيع قطع علاقته بعائلته، إذ أنه ابنهم الوحيد، ويخاف أن يمرض أبوه أو أمه وهو بعيد عنهما، كما أنه يحلم بأن يحصل على إقامة، أو لجوء بشكل رسمي في المملكة المتحدة، حتى يستطيع إحضار عائلته. 

الشعور بالاغتراب هنا مضاعف، فالاغتراب مع استمرار صلة التواصل مع الأهل قد يكون أهون من الاغتراب الذي يترافق مع فِعل القطيعة، والتي بدورها تفاقم الشعور بالعزلة عند اللاجئين. 
 

«سينما فؤاد»

مع «سينما فؤاد» نعود بالزمن لفترة التسعينات في لبنان، إذ أن الفيلم من إنتاج 1993، أي بعد ثلاثة سنوات من انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990). يتناول الفيلم قصة السوري من مدينة حلب خالد الكردي. يحكي خالد قصة العنف الذي تعرض من قبل أخيه الأكبر، عندما كان يعيش مع عائلته في حلب، ويرتدي ملابس أخته، ويتشبه بالنساء. 

حلم خالد بأن يصبح راقصة، كما حلم أن يجري عملية تحول جنسي، لكي تتضح ملامحه كأنثى، وتنتهي معاناة عيشه داخل جسد نصفه أنثى ونصفه الآخر ذكر. 

لكن المخرج اللبناني محمد سويد يركزّ في فيلمه على أكثر من جانب في شخصية خالد، التي أطلقت على نفسها إسم ” أوسكار الحلبية”. فأوسكار تعشق الرقص الشرقي، وقد عملت كراقصة في الكازينوهات والملاهي الليلية، لكن بالمقابل هي شغوفة في السينما، وأثناء حديثها مع المخرج، تعود بذاكرتها لأول مرة دخلت فيها السينما في حلب؛ سينما فؤاد. 

خلال عملها كراقصة، تتعرف أوسكار على أحد رجال المقاومة الفلسطينية، وتنضم إليه في المقاومة المسلحة، وتنفيذ عمليات فدائية في جنوب لبنان ضد الإسرائيلين وجيش أنطوان لحد في فترة الحرب الأهلية. 

يقدم فيلم «سينما فؤاد» شخصية فريدة من نوعها، إذ أن حب أوسكار لأنوثتها، يطغى على كل تفصيل بحياتها، سواء في طريقة تعبيرها عن نفسها، وحبها وتقبلها لذاتها، فعندما تتطرق أوسكار للحديث عن موضوع الدين وأداء الصلاة، تقول بأنها تفضل أثناء تأدية فروض الصلاة أن تكون بين يدي الله أنثى، كما تشعر من أعماقها وكما حلمت بأن ترغب أثنى كاملة من الخارج كما في الداخل، لذلك عندما تصلي، ترتدي الحجاب المخصص للصلاة. 

 

The post رحلة الاغتراب الداخلية لمثليين ومثليات من سوريا ولبنان… من أفلام مهرجان “كوز” في حيفا appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
«سوريا الأخرى… صناعة الفن المعارض»… سوريا الباردة في فترة التسعينيات  https://rommanmag.com/archives/19851 Tue, 12 Nov 2019 12:58:51 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d8%b1%d9%89-%d8%b5%d9%86%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b1%d8%b6-%d8%b3%d9%88/ في السنوات الخمس التي سبقت انطلاقة الثورة السورية، ازداد اهتمامي بالسينما الأوروبية، وتحديداً الأفلام التي تناولت فترة الحرب الباردة. إذ كان ينتابنا ونحن ما زلنا نعيش في سوريا، تحت حكم استبدادي، أن المعسكر الاشتراكي لم ينهار بعد، وما زال قائماً.   كان الفيلم الألماني “حياة الآخرين” (The Lives Of Others) الذي أُنتج عام ٢٠٠٦، وأخرجه فلوريان […]

The post «سوريا الأخرى… صناعة الفن المعارض»… سوريا الباردة في فترة التسعينيات  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

في السنوات الخمس التي سبقت انطلاقة الثورة السورية، ازداد اهتمامي بالسينما الأوروبية، وتحديداً الأفلام التي تناولت فترة الحرب الباردة. إذ كان ينتابنا ونحن ما زلنا نعيش في سوريا، تحت حكم استبدادي، أن المعسكر الاشتراكي لم ينهار بعد، وما زال قائماً.  

كان الفيلم الألماني “حياة الآخرين” (The Lives Of Others) الذي أُنتج عام ٢٠٠٦، وأخرجه فلوريان هينكل فون دونرسماك، من أكثر الأفلام السينمائية محاكاة للواقع في سوريا قبل الثورة. إذ تجري أحداث الفيلم في فترة الحرب الباردة في ألمانيا الشرقية (جمهورية ألمانيا الديمقراطية ١٩٤٩ – ١٩٩٠)، والتي تدور أحداثه حول تكليف جيرد ويسلير، الذي يعمل في وزارة “الأمن القومي” في ألمانيا الشرقية بالتجسس على حياة الكاتب المسرحي جورج دريمان، وزوجته. كما أن الفيلم يلقي الضوء على الخوف الدائم الذي يعيشه المثقفون في ألمانيا الشرقية، والذين يخضعون لمراقبة دائمة، كيفما تحركوا، هذا عدا المضايقات، والتهديدات، والاعتقالات. وكان أغلب هؤلاء المثقفين، رافضين لمغادرة ألمانيا الشرقية، والهروب إلى ألمانيا الغربية، لأنّ ما يحدث في ألمانيا الشرقية، هو ما يستحق الكتابة عنه. ولذلك أدرك النظام الخطر الذي يشكله هؤلاء عليه، ولذلك كان يراقب أدق تفاصيل حياتهم.

كتاب «سوريا الأخرى… صناعة الفن المعارض» للباحثة الأمريكية ميريام كوك، والذي صدر باللغة العربية أواخر عام ٢٠١٨، عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ترجمة الطبيب والباحث السوري حازم نهار (صدر بنسخته الإنكليزية في عام ٢٠٠٧) يوثق ملمحًا من ملامح الحراك الثقافي والفني في سوريا في فترة التسعينيّات، وهي الفترة ذاتها التي زارت فيها ميريام كوك سوريا: “أقمت في سورية بين خريف عام ١٩٩٥ وربيع عام ١٩٩٦”. 

ما جعلني أتذكر فيلم “حياة الآخرين” الألماني، هو عنوان النسخة العربية لكتاب ميريام كوك «سوريا الأخرى» إذ أن عنوان الكتاب الأصلي Dissident Syria أي «سوريا المنشقة»، كما أن صدور الكتاب بلغته الأصلية، كان بعد عامٍ من إنتاج فيلم “حياة الآخرين”. 

حياة أخرى تتشكل داخل حياة يجري فرضها بالقوة، وتلميعها من الخارج، وبلاد أخرى لا أحد يعرفها ممن يعيشون خارجها، داخل بلاد يجري تصديرها للخارج بأنها “سوريا الأسد” ولا شيء آخر غيرها. أو كالسؤال الذي يُطرح على الملتحقين بالخدمة الإلزامية العسكرية في سوريا، من قبل ضباط الجيش، عندما يسأل ضابط ما، مجند: “أنت من وين”، ليردّ المجند بعفوية ” أنا من الشام” أو “أنا من حمص”، وليأتي الردّ الغاضب، والمنتشي من سذاجة المجند: ” وقت أسئلك أنت من وين… بتجاوب: أنا من سوريا الأسد”. 

هذه البلاد الأخرى، التي يعيش فيها آخرون مجهولون، هو الذي سيصبح أحد الدوافع الرئيسية للباحثة ميريام كوك، لتأليف كتابها البحثي «سوريا الأخرى». إذ ترى الكاتبة أن كثيرين في الغرب، يعتقدون أن غالبية الشعب السوري، خانع ومستسلم للسلطة الحاكمة، ولا يوجد أي نوع من المقاومة. وذلك بعد أن كان هدف زيارتها إلى سورية مقابلة الأديبات السوريات من دون معرفة مسبقة لما يمكن أن تجده في هذه الصدد، حسب تعبيرها. وعندما تتحدث عن الكاتبة السورية نادية الغزّي، تقول أن “أياً من أعمالها لم يترجم إلى لغات أخرى”. كما أن عبارة “أدبنا حبيس الوطن” تلخص لها الحالة الخانقة التي يعيشها الأدب السوري في تلك المرحلة  فتقول: “كانت هذه أول مرة أسمع فيها هذه المرثية، التي رددّها آخرون طوال فترة إقامتي في سوريا. ولهذا السبب كان النقّاد الأجانب مثل جين فونتين لا يعرفون سوى النزر القليل عن الأدب في الداخل، وكانوا يعتقدون تالياً أن الأدب السوري ما هو إلا استجابة سيئة لقمع لا يميز بين أحد، وبالتالي أدبٌ غاية في البساطة لا يستحق الدراسة”. 

كما أن الكتاب يكشف عن سلطة الرقابة والمنع التي يتبعها النظام اتجاه أي منتج ثقافي أو فني، يشعر أنّه يمثل خطراً عليه. كما يركز الكتاب أيضاً، على سيطرة النظام على الإنتاج الثقافي، والتحكم به، بتحميله شعارات مفرغة من معناها، لتعزيز شرعية وجوده. وتذكر كوك في مقدمة الكتاب “منح القانون العرفي لعام ١٩٦٣، المعزّز في عام ١٩٧٠، السيطرة المطلقة للحكومة على الإنتاج الثقافي وتوزيع المعلومات، حيث نصّت الفقرة الرابعة من قانون حالة الطوارئ على أنَّ دائرة الرقابة تشمل “الرسائل والاتصالات بجميع أنواعها، والرقابة الصحافية، والنشرات الدورية، والرسوم، والمطبوعات، والبث ووسائل الاتصال جميعها، والترويج والدعاية قبل النشر، إضافة إلى الاستيلاء عليها ومصادرتها وإيقافها”. 

اتّبع النظام السوري وبالأخص في فترة التسعينات، سياسات عديدة في قمعه للمنتج الثقافي، وهذا ما لمسته مريام كوك أثناء تأملها للمشهد الثقافي في سوريا، فسياسة “التنفيس” الذي اتبعها النظام في تلك الفترة، أربكت المثقفين السوريين، فهم لا يعلمون سقف المسموح به في التعبير عن انتقادهم للنظام، ومتى يكونون قد تجاوزا الخط الأحمر. وهذا ما كان يشكك بأي مثقف معروف بمعارضته للنظام، ويتجاوز الأخير عن عرض فني أو خطاب ثقافي ما، ينتقد أداءه. وهذا ما أسمته الكاتبة بـ “الانتقاد المُكلّف” أو الانتقاد المشترى، وتعتمد في تحليلها هنا على كتاب دليل المواطنة لحسان عبّاس وأحمد معلا، التي تقتبس منه هذا المقطع: “يرتئي الرئيس أنّه من الأفضل وجود مستوًى آمن يمكن السيطرة عليه من الاستياء الشعبي، بدلاً من كبت مشاعر الشعب بشكل كامل”. كما تقول كوك في مقطع آخر “الانتقاد المشترى هو آلية صمام أمان تسمح بما يدعوه السوريون “التنفيس”. وهذا التنفيس هو تلك اللحظة التي يتشارك فيها الجميع رفضهم ووعيهم الظلم الواقع عليهم، فهو يوفّر لهم شيئاً من التنفيس الممتع للضغط المحقون في النفوس”. 

في زيارتها إلى سوريا، تلتقي ميريام كوك، أبرز الكتّاب والفنانين السوريين في تلك الفترة، مثل الكاتب ممدوح عدوان وسعد الله ونوس. إضافة إلى لقائها بكاتبين كانوا في وقتها من أبرز كتّاب أدب السجون، والذين قضوا جزءًا من حياتهم في معتقلات النظام كالكاتب المسرحي غسان جباعي والقاص إبراهيم صموئيل. كما تلتقي أيضاً بالمخرج السينمائي محمد ملص. 

لكن في الفصل الأخير من الكتاب، يلفت أحد أصدقاء الباحثة من السوريين انتباهه كوك بأنها لم تهتم أثناء زيارتها بلقاء كتّاب سوريين من أجيال أصغر سنًّا. لتردّ عليه بأنّ “النساء اللواتي التقيتهن من المثقفين التقليديين المحافظيين، مثل كوليت خوري وإلفة الإدلبي. وأكدن لي أنه لا توجد موجة جديدة”. 

أما اليوم عندما نتأمل الإنتاج الثقافي والفني السوري في السنوات التي تلت بداية الثورة السورية مطلع عام ٢٠١١، نلاحظ  أن أبرز ما ينتجه السوريون هو خارج سوريا، وهو الذي يطغى على المشهد العام. وهذا بديهي، إذ أن أغلب الفنانين والمثقفين السوريين المعارضين سواء قبل الثورة أو بعدها، خرجوا من سوريا، هاربين من بطش النظام. حتى أن أكثر الفنانين والأدباء والسينمائيين من جيل الشباب، بدأوا مشاريعهم الأولى، خارج سوريا. قلة من الفنانين والمثقفين المعارضين تحديداً، بقوا في سوريا، منهم من آثروا الابتعاد عن نقد النظام بشكل مباشر، ووجدوا حلولاً وحيلاً للتعبير عن آرائهم. ورغم ذلك، يُعتبر قرار البقاء لأي مثقف في داخل سوريا – وتحديداً القادرين على مغادرة البلاد بأي وقت- قراراً شجاعاً. 

إذن ليس من السهل على المثقف السوري، أن يعبر عن آرائه السياسية، والثقافية، والاجتماعية، بهذه السهولة وهو داخل البلد، وهذا يحتم على البعض تقديم بعض التنازلات، إما بالصمت، أو باتّخاذ موقف سياسي معارض، بمعزل عن أي خطاب ثوري، أو كما تقول ميريام كوك في كتابها: “ربما لا تمنع السلطة الحاكمة السلوك المعبِّر عن المعارضة، لكنها تقاوم النشاط الثوري”. 

The post «سوريا الأخرى… صناعة الفن المعارض»… سوريا الباردة في فترة التسعينيات  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“أرواح صغيرة”… عن اللجوء وترقّب المصائر المجهولة https://rommanmag.com/archives/19797 Fri, 04 Oct 2019 10:46:52 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a3%d8%b1%d9%88%d8%a7%d8%ad-%d8%b5%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ac%d9%88%d8%a1-%d9%88%d8%aa%d8%b1%d9%82%d9%91%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%a7%d8%a6%d8%b1/ يُعرض اليوم ضمن مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"

The post “أرواح صغيرة”… عن اللجوء وترقّب المصائر المجهولة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

أكثر ما يمكن أن يستفز المرء، المعني بمتابعة ما يحدث في البلدان العربية، والتي اشتعلت فيها الحروب، بعد قيام ثورات الربيع العربي، هو اختصار بعض وسائل الإعلام المرئية لمآسي الناس، أو تأطير قصصهم، أو إعادة رواية قصصهم بما يتماشى مع التوجه السياسي، أو الأيديولوجي لقناة إعلامية ما. 

ودائماً ما يصاحب أي تقارير ميدانية مصورة صوت المراسل أو الصحفي، والذي يروي بصوته قصص الناس ومصائرهم. لكن هذه التقارير، تذوب كالملح، في ماء الذاكرة، وإن لم تذب، فهي بالأساس لا يتجاوز التقرير الواحد منها خمس دقائق. وبعد نهاية التقرير، لا القناة التلفزيونية، ولا من أعدّ التقرير، ولا من روى قصة التقرير، سيعرف ما مصير هؤلاء الناس، الذين تم إعداد التقرير عنهم. 

أما عندما يجري تناول موضوع ثورة ما، وما تلاها من حروب، من خلال فيلم تسجيلي أو وثائقي، فيختلف الأمر. إذ أن القصة، وأبطالها الحقيقيون، داخل فيلمٍ تسجيلي، خيوطها تتمدد وتتفرع داخل شريط الفيلم. ونادراً ما ينجح مخرج سينمائي في رواية قصة بديلة، أو كاذبة، عن قصة واقعية تجري أمامه. خلافاً لما يحدث أحياناً في الأفلام الروائية. وإن حدثت أي محاولة لقولبة قصص وأحداث، استناداً لإيديولوجية سياسية أو دينية، فلا يمكن أن يمرّ الفيلم، دون أن يتعرض لنقد ما، أو مُساءلة. وأحياناً تكون القصص المتناولة في فيلم ما، عصيةً على القولبة أو التحوير. 

من هذا المنطلق، يمكن أن نتحدث هنا عن الفيلم التسجيلي “أرواح صغيرة” (2019) المشارك في مهرجان “أيام فلسطين السينمائية”. فالفيلم يتناول موضوعة اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري في الأردن، هذا المخيم الذي تناوله الإعلام المرئي والمكتوب بكثرة، في تقارير إخبارية، كلما جرت مصيبة جديدة، من غرق خيام تحت الأمطار الغزيرة، أو اقتلاع بعضها إثر حدوث عواصف شديدة، أو بتجمد النازحين فيها، أثناء تساقط الثلوج. 

لكن مخرجة الفيلم الأردنية من أصل فلسطيني دينا ناصر، تدخل المخيم، لتتبع حكاية عائلة سورية من درعا، مرّ على وجودها في المخيم قرابة أربعة أشهر، في عام 2012. وعلى وجه التحديد، حكاية أصغر أفراد العائلة، مروة، 11 عاماً، وآية، 9 أعوام، ومحمود 5 أعوام. لتضعنا المخرجة أمام حكاية سورية، يرويها الأطفال بصوتهم. والحكاية هنا، لن تنتهي، برواية الماضي القريب، أي ما حدث لهؤلاء الأطفال، حتى وجدوا أنفسهم فجأة، نازحين، خارج بلدهم، ويعيشون حياة قاسية، داخل خيمة ” اليونيسيف”. 

تبدأ الحكاية على لسان مروة، إذ تحكي للكاميرا كيف خرجت مع عائلتها من درعا، وتقول للمخرجة كيف كانت عائلتها متخبطة، وفي حيرة من أمرها، حول قرار خروجهم من درعا. ويلاحظ المشاهد من خلال رواية مروة للحظة خروجهم من درعا، الأثر الذي حُفر داخل ذاكرة الطفلة لتلك اللحظة. تقول، إنهم بكوا طوال الطريق داخل الميكروباص الذي خرجوا به، وكان أخوها الصغير محمود، وعمره الخمسة أعوام، يرتجف من الرعب. 

أما الأخت الأصغر سناً آية، ستحكي كيف أتى عناصر من النظام السوري، وأخرجوهم من بيتهم، وأحرقوه أمام أعينهم، بسبب انشقاق أخيهم الكبير سليمان، عن الجيش النظامي. 

الطفلة البالغة من العمر تسع سنوات، كانت شاهدة على انتقام عناصر النظام من غرفة أخيها، التي كان يجمع فيها تجهيزات زواجه المرتقب، بعد انتهاء الخدمة الإلزامية. وتروي أمام الكاميرا كيف تم تدمير غرفة أخيها وتمشيطها بالرصاص، قبل إحراق البيت بأكمله. 

صُوّر الفليم على مدار أربعة أعوام، وهي المدّة التي مكثت فيها هذه العائلة في المخيم، وكان من ضمنها ستة أشهر، حاولت العائلة فيها الانتقال إلى مدينة عمان، والسكن في بيت يستأجرونه. لكنهم لم يستطيعوا الصمود، أمام غلاء المعيشة، وقلة المدخول المادي. ليعودوا بعد ذلك إلى مخيم الزعتري مرغمين. 

ظلت مخرجة الفيلم، تتابع حياة هذه العائلة، ومصيرها. فقد وثّقت أيضًا داخل شريط الفيلم، المعوقات التي كانت تواجهها للحصول على تصريح من الجهات الرسمية للدخول إلى المخيم، في كل مرة تأتي فيها إلى المخيم لمتابعة التصوير. 

كما أن الماضي الشخصي للمخرجة، كان يتجسد أمامها، وهي تجول في كاميرتها داخل المخيم، لتتذكر حكايات والدها الفلسطيني عن النزوح والمخيمات والتهجير القسري من فلسطين، لتقول في لقطة بصوتها: ” كل القصص اللي حكالي ياها.. صارت صور.. شفتها بعيوني!” فالحاضر السوري الذي تصوره المخرجة في كاميرتها، ليس سوى الماضي المستمر لمأساة الفلسطينيين. 

وفي مقطع آخر تقول المخرجة: “مرة سألت والدي؛ في بالمخيم حرب؟” ليجيبها والدها “في المخيم مافي حرب، ولا سلام، كل يوم في ترقب وفي خوف، ممكن اليوم تكون موجود هون، وبكرا لأ” لتقول المخرجة في نبرة يأس: “هي حياة المخيمات، في حاجة لكل شي، وحاجة لولا شي”. تقول المخرجة المقطع أعلاه، وكاميرتها تتجول في الخيم بعد يوم ماطر أحال أرضها الترابية إلى وحل. 

الانتظار الطويل، والترقب، والخوف، هو محور حياة أطفال بات المخيم هو عالمهم الذي فرض عليهم. هم يكبرون، وملامحمهم تتغير، في واقع يزداد قسوة يوماً بعد يوم. مروة التي قدمت إلى المخيم وعمرها 11 عاماً، تبدأ ملامحهما الأنثوية في الظهور، ويبدأ بعض الشباب المراهقين الذين من سنّها بالإعجاب بها. وفي إحدى محادثات مروة مع المخرجة، تقول لها، أنها في حال عادت إلى سوريا، مع من ستتكلم؟ ومع من ستتحدث؟، فهي لا تعرف أحداً هناك، ولم تكوّن في حيّها في مدينة درعا أي صداقات، أما هنا في المخيم، فقد كونت صدقات عديدة، وهناك شاب تحبه ويحبها بالسّر، رغم منعها من الخروج للعب بالشارع، من قبل أمها، وإلباسها الحجاب، بعد أن صارت فتاة مراهقة. 

الصراع ما بين العودة إلى سوريا، والحياة التي تشكلت في وعي أطفال كبروا داخل المخيم، يستحوذ على الجزء الأخير في الفيلم، ففي محاولة المخرجة للدخول إلى المخيم، لوداع العائلة بعد أن علمت أنهم وجدوا حلاً للعودة إلى درعا، تتأخر كالعادة الموافقة على طلب التصريح  بالدخول للمخيم من قبل الجهات الرسمية. ليبقى مصير العائلة، التي حاولت المخرجة طوال الأربعة أعوام ملاحقته وتوثيقه، مجهولاً. 

https://www.youtube.com/watch?v=ysoEVmrUJfU

The post “أرواح صغيرة”… عن اللجوء وترقّب المصائر المجهولة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
سلام الكواكبي: أراد فرعُ الأمن تعريفاً للمجتمع المدني في الثانية صباحاً! https://rommanmag.com/archives/19775 Tue, 17 Sep 2019 09:20:40 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%88%d8%a7%d9%83%d8%a8%d9%8a-%d8%a3%d8%b1%d8%a7%d8%af-%d9%81%d8%b1%d8%b9%d9%8f-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%86-%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%8a%d9%81%d8%a7%d9%8b/ الحوار الافتتاحي لسلسلة "حوارات ثقافية سورية"

The post سلام الكواكبي: أراد فرعُ الأمن تعريفاً للمجتمع المدني في الثانية صباحاً! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
سلام الكواكبي (من مواليد مدينة حلب 1965). المعروف في الأوساط الأكاديمية العربية، والغربية، بوصفه باحثاً في العلوم في السياسية وفي العلاقات الدولية. وهو الحاصل على إجازة في الاقتصاد من جامعة حلب عام 1987. ودبلوم الدراسات العليا في العلاقات الدولية من جامعة حلب عام 1991. وفي العام ذاته، حاز على دبلوم الدراسات العليا من معهد الدراسات السياسية في إكس أون بروفانس في فرنسا، البلد التي سيصبح سلام الكواكبي، أحد مواطنيها، بعد حصوله على الجنسية الفرنسية عام 2002. 

يكفي أن تتأمل هذا الباحث من بعيد، لتأخذ فكرة بسيطة عنه، وهي أنه لا يضيع وقته. إن كان في الدراسة والتعليم في شبابه، من جهة، ونشاطه الذي لا يتوقف، سواء على صعيد الانشغال في  الشأن العام السوري، قبل الثورة السورية، وبعدها. أو على مستوى العمل الأكاديمي داخل أكثر من مؤسسة ثقافية وأكاديمية من جهة أخرى. 

آخر مؤلفاته كانت بحثاً جاء تحت عنوان “النشاط السياسي في سورية: بين اللاعنف والمقاومة المسلحة” مع وائل السواح، ضمن كتاب “التظاهر: تحول النشاط السياسي العربي” والذي صدر باللغة الإنكليزية عن دار(جون هوبكنز 2014).

وهنا نص الحوار الذي أجرته مجلة رمان الثقافية مع الباحث والكاتب السوري سلام الكواكبي:

ثمانية عشر عاماً في العمل كباحث، ومدير لأكثر من مؤسسة ثقافية. من المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في حلب عام 2000، حتى استلامك لمنصب مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات – فرع باريس عام 2018. كيف ترى اليوم هذه التجربة؟ وما الصعوبات التي واجهتك؟

قبل أن أبدأ في المعهد الفرنسي، كنت مقيماً في فرنسا، وأعمل كباحث أيضًا في معهد دراسات الشرق الأوسط، والدراسات الإسلامية والدراسات الشرق أوسطية في (آكس أون بروفانس) جنوب فرنسا، وهو مشهور في أبحاثه عن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وفيه أكبر الباحثين الذين عملوا على هذه المنطقة، منهم أندريه ريمون الذي أرّخ لمدينتي حلب والقاهرة، وكتب فيهم ما لم يكتبه أحد من الباحثين المحليين، للأسف. كما كان فيها برينو ايتيين الباحث المهتم بالفكر الصوفي، الذي كتب سيرة الأمير عبد القادر الجزائري، وكان يعمل على القضايا الشمال أفريقية، والعلاقات بين الديني والسياسي. إذاً، كانت لدي قبل أن أصل إلى حلب، خلفية بحثية؛ إدارية وعلمية محددة. 

لقد قمت بتأسيس فرع المعهد الفرنسي في حلب، حيث أن المعهد الفرنسي العريق في دمشق يعود تأسيسه إلى عشرينيات القرن الماضي. وقد كان اسمه المعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق، وتحول في منتصف الألفية الأولى، إلى المعهد الفرنسي للشرق الأدنى. 

أما في حلب، فقد تأسس من الصفر. حيث كان العمل البحثي في سورية صعباً للغاية، وممكن أن نطوّر هذا الموضوع في بند خاص، إذا أحببت. 

في حلب، ورغم أنه المعهد هو معهد فرنسي، ولكن كل نشاط كنت أقوم به، كان يحتاج إلى موافقات عدّة، ومن أجهزة أمنية متعددة، وغالباً لم يكن هناك أي تنسيق بين هذه الأجهزة، وهذا طبعاً تراث “سوري”. وبالتالي كان يجب علي أن أقدّم طلباً للسماح بإقامة محاضرة، لجهازين على الأقل، من الأجهزة الأمنية. كذلك كان يحضر عنصر من كل جهاز، ويطلبون من أحد الموجودين أن يزودهم بملخص عما يجري قوله. حتى لو كان الحديث عن الموسيقى، أو فن تشكيلي… ألخ. أي حتى لو كان بعيداً عن السياسة طبعاً. 

وعلى سبيل المثال لا الحصر، ففي عام 2002، وبمناسبة مئوية وفاة عبد الرحمن الكواكبي، نظمت لقاءً هاماً علمياً، شارك فيه الدكتور نصر حامد أبو زيد، وقد تعرضتُ لمواقف صعبة جداً، حيث اتُهمت أني أحاول أن أحرّك الأذهان، وأدفع الناس للتفكير. وقال لي وقتها أحد رجال الأمن الكبار: “نحن أمضينا أربعين عاماً لنجعل منهم حميراً، وأنت تأتي في ثلاثة أيام لتحاول أن تفتح عقولهم”. فكانت هذه في نظره جريمة. 

طبعاً، لم يتعرضوا لي أثناء المؤتمر، لأن المؤتمر عقد خلال يومين، وانتهى. لكن في ما تلا ذلك؛ أمضيت شهراً غير ودّي أبداً، في زياراتي للأجهزة الأمنية، وفروعها، للإجابة عن أسئلة بعيدة جد البعد عن الثقافة وعن البحث العلمي، كما يمكن أن تتصور. 

عودتي إلى فرنسا، أو خروجي إلى فرنسا… لا أعرف ماذا أسميه. أنا كنت في فرنسا منذ عام 1993 حتى 2000. ومن عام 2000 إلى 2006 عملت فقط في المعهد الفرنسي، وخبرت في هذه السنوات الست؛ العلاقة مع أجهزة الدولة، والعلاقة مع “المؤسسات الأكاديمية” السورية، حيث الجامعة، وحيث معهد البحوث العلمية وما إلى ذلك. كان العمل فردياً في التنسيق مع بعض الأساتذة، وكان هناك حذر شديد من أي أستاذ، في التطرق إلى مواضيع عامة، وبعيداً عن الأمور التراثية، والتاريخية. وحتى في الأمور الأثرية، كان هناك حساسية معينة، لها علاقة بقراءات مختلفة للعصور المتعاقبة، والتي مرت بها سورية، حسب الميول السياسية للمرحلة، فإن كانت سوريا تمر بمرحلة غزل مع تركيا، فيجب أن تكون الدراسات الأثرية، تركز على غنى التراث العثماني. وإن كانت المرحلة سيئة مع تركيا، يجب أن تكون الدراسات الأثرية والتاريخية، تركز على حقب أخرى، أو تشتم حقباً بعينها. 

وكان هذا كله، خبرة، أثناء وجودي في سورية، في التعامل مع الأجهزة الأمنية. أما في التعامل مع مختلف الأساتذة، ومن مشارب عدة، فقد نشأت علاقة احترام، ولكن كان هناك أيضاً علاقة شكّ فظيعة، فأن تعمل مع مركز أجنبي، فأنت جاسوس في العقلية العقائدية المتخشبة. مع أنني شعرت بأن خلال هذه الفترة، ما قدمته، للثقافة، أو المثقفين في حلب، من مساحة تعبيرية، ومساحة استماع للمحاضرات، بعيداً عن لغة الخشب، ولغة الحجر، كان لا بأس به. وهذا الموضوع لا أقدّره أنا، إنما يقدّره أصحاب الشأن، الذي كانوا مهتمين فيه، وكانوا يحضرون كل اللقاءات. 

ودائماً أستند إلى مقولة عبد الرحمن الكواكبي في موضوع البحث العلمي، والاهتمام بالعلوم الإنسانية. والتي تقول “ترتعد فرائس المستبد من علوم الحياة، مثل الحكمة النظرية والفلسفة العقلية وحقوق الأمم وطبائع الاجتماع، والسياسة المدنية والتاريخ المفصل والخطابة الأدبية، ونحو ذلك من العلوم التي تُكبر النفوس وتوسع العقول، وتعرّف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها، وكيف الطلب وكيف النوال، وكيف الحفظ، وأخوف ما يخافه المستبد من أصحاب هذه العلوم، المندفعين منهم لتعليم الناس الخطابة أو الكتابة”. الدولة المستبدة إذاً تخشى العلوم الإنسانية وتجعل تدريسها سيئاً إلى درجة التهميش وتعتبر من يراودها هم الطلاب الفاشلون. 

أرغب في العودة لحديثك عن واقعة نصر حامد أبوزيد. خلال كلامك ذكرت أنك بقيت فترة تذهب إلى أجهزة الأمن، وكان هناك تساؤلات حول حضور نصر حامد أبو زيد. الشق الأول من السؤال؛ ما هي الأسئلة التي أثيرت حول موضوع المؤتمر، وهل كان هناك باحثون بارزون غير نصر حامد أبو زيد، وكان تحت اسمهم “خط أحمر”؟ وكيف تعاملت مع الموضوع في ذاك الوقت؟ 

والشق الثاني من السؤال؛ ما هي “مساحة الحرية” التي كنت تتحرك من خلالها أثناء عملك في المعهد الفرنسي في حلب؟ ما هي المواضيع التي كنت تستطيع أن تمررها من تحت “عين الرقيب” ونجحت في طرحها على المستوى الأكاديمي والبحثي، وليس فقط على المستوى الثقافي؟

هم كانوا يعززون تأسيس الظلامية في المؤسسات الدينية، أي هناك سياسية ممنهجة. عندما تقوم مديرية ثقافة في حلب بتنظيم ندوة عن “السيدا” أو “الإيدز” في القرآن، فهذا شيء خطير. وحينما يقوم معهد التراث العلمي العربي في جامعة حلب بتنظيم ندوة تحت عنوان “الطبيب المسلم داوود الأنطاكي” مشدّدة على أنه “طبيب مسلم”، في تعريف طائفي. في حين أن هذا “التفصيل” لا يعني المهتمين بأعماله وما أنتجه داوود الأنطاكي منذ قرون في المجال الطبي. وبالمقابل، كنت أسعى لجلب مفكرين مهمين، كان منهم محمد أركون ونصر حامد أبو زيد، مما كان يسبب لي الكثير من المشاكل. 

الاعتراض الأساسي الذي صحب مؤتمر الكواكبي، هو قيامنا في المعهد بالإتيان بمن يساعد على فتح الأذهان في أمور الدين، من وجهة نظر فلسفية، وعقلانية، ومن وجهة نظر تحترم الدين، ولكنها تحترم أيضاً العقل البشري. وبالتالي، فمن أثار غضب اتجاهي، كانوا رجال دين السلطة، وخاصة الشيخ محمد رمضان البوطي، والشيخ صهيب الشامي مدير أوقاف حلب آنذاك، الذي خرج على المنبر ليقول بشكل شبه حرفي إن المعهد الفرنسي يجمع الشيوعيين والماسونيين والصهاينة والفرنسيين لشتم الإسلام. فقامت قيامة رجال الدين وقتها، وطلبوا أن يُحقق معي. وسرعان ما قامت فروع أجهزة الأمن بتنفيذ طلبات رجال الدين. هذا في سورية التي كانوا يدّعون أنها “دولة علمانية”. علمانية في العناوين ولكن الظلامية المسيطر عليها في المضمون. 

وكان وجود نصر حامد أبو زيد قد سبب أرقاً لهم، على الرغم من وجود مفكرين مهمين آخرين في الندوة، إلا أن “ثقافة” هؤلاء (أجهزة الأمن، رجال الدين)، حجبتهم عن معرفتهم. فالراحل نصر حامد أبو زيد كان مشهوراً إعلامياً، لكن كان هناك آلان روسيون، وهو من أهم الباحثين الفرنسيين في الشؤون الإسلامية، وكان هناك آصف بيات الباحث الإيراني الأمريكي المختص بأمور الحركات الاحتجاجية، والحركات الاجتماعية، على سبيل المثال لا الحصر. ومن أقلقهم وأزعجهم أيضاً، كان من الباحثين السوريين المحليين، الذي لم يكن لديهم أي منبر للتعبير، وهو الدكتور عبد الرزاق عيد، واعتبروا أن وصوله إلى منبر، مهما كان هذا المنبر، هو فشل لهم في عزله وإقصائه. 

وصراحة، وبعيداً عن موضوعة هذه الندوة، إلا أنني عموماً أفتخر بأن ما استطعت أن أمرره من أبحاث، هو موضوع المجتمع المدني، والحديث عن المجتمع المدني لأول مرة بشكل صريح، بعيداً عن “العكّ” اللغوي الذي لا يعترف بما يسمى المجتمع المدني، ويسمونه المجتمع الأهلي، وأوضحت أيضاً قبل الثورة بسنوات كيف تم تأميم المجتمع المدني في سورية، وتحويله على طريقة كوريا الشمالية، إلى منظمات ديمقراطية شعبية، تؤطر الشعب السوري منذ طفولته عبر منظمة “الطلائع” وصولاً إلى كهوله، عبر النقابات، عبر الجامعات، والاتحادات، عبر كل هذه التسميات التي كانت هي عبارة عن جزء من البيروقراطية الأمنية الشعبية التي كانت أساس عماد نشاطها مراقبة الناس، وليس التعبير عن رغباتهم والدفاع عن حقوقهم. وهذا ضمن ما استطعت أن أكتبه قبل الثورة، ولكن، وهنا ربما أعود إلى سؤال، قد طرحته علي قبل أن نجري هذا الحوار هنا؛ عن سبب وجود مؤلفات نشرتُها أساساً باللغات الأجنبية، كالفرنسية والألمانية والإنكليزية، ونقص المؤلفات باللغة العربية. 

بصراحة، في السنوات السبع التي تواجدت فيها بسوريا، لم أستطع أن أكتب من 10 لـ 15 مقالة صحفية، نتيجة خوف الصحف من النشر، بلهجة أو خطاب مرتفع، وأيضاً نتيجة حذري وممارستي لرقابة ذاتية، لأني كنت واعياً، أن العقلية الأمنوقراطية السورية، لا تخاف ربما من بحث علمي، لأنها تظن أن الناس جهلة، وبالتالي الناس لن تقرأ، لكنها كانت تخاف أكثر من المقالات الصحفية، لأن المقالة الصحفية تُقرأ، وتوزع بشكل أسهل، وما إلى ذلك. 

منذ متى بدأ اهتمامك بالمجتمع المدني قبل مغادرتك سورية أم بعد ذلك؟

اهتمامي بأمور المجتمع المدني، سبقت مغادرتي سوريا، وقد قمت بعدة نشاطات في حلب وفي غيرها من المدن السورية والعربية، وساهمت في بعض الكتابات عن تاريخ المجتمع المدني، والتمييز بين الأهلي والمدني، وكذلك نشطت عدة لقاءات مع مؤسسات ألمانية، كانت معنية في هذا الموضوع، مع مجموعات مدنية سورية، وكذلك في شروط صعبة جداً، حيث كان الشك دائماً في هذه اللقاءات، وكان الأشخاص المشاركون فيها يتعرضون للمساءلة والتحقيق وما إلى ذلك. ونجم عن ذلك العمل، قبل الثورة السورية، كتاب صدر باللغة الانكليزية بشكل أساسي، ومن ثم ترجم إلى اللغة العربية، عن “أصوات المجتمع المدني السوري ما قبل الثورة”، حيث غطينا مجال البيئة، ومجال التنمية، والمرأة، والسينما، ومجال السياسة وحقوق الإنسان، وإلى آخره من المجالات التي تهتم بها منظمات المجتمع المدني. 

شاركت بعد اندلاع الثورة السورية، بعدة نشاطات لها علاقة أيضاً بالعمل المدني، حيث كنت من المؤسسين لمبادرة اليوم التالي من أجل سوريا ديمقراطية، حيث كان هناك أكثر من 150 مشاركاً أكاديمياً سورياً في جلسات عصف ذهنية، امتدت لمدة ستة أشهر، نجم عنها مشروع اسمه “اليوم التالي”، وكنا نأمل حينها بأن نهيئ  الظروف الموضوعية، والعلمية، لليوم التالي في سوريا ديمقراطية، حيث تمّت دراسة الأمور الدستورية، إصلاح القطاع الأمني، وإصلاح القضاء، الإصلاح الاقتصادي، والتشريعات، كانت دراسة مفصّلة، وتحولت المنظمة فيما بعد إلى منظمة تعنى بتوعية المواطن السوري في الأمور الأساسية، كالتعددية، والانتخابات، والمساواة… إلخ. 

ومن الجمعيات التي أفتخر بأني أرأس مجلس إدارتها؛ جمعية “اتجاهات، ثقافة مستقلة”، وهي جمعية ثقافية تدعم الإنتاج الفني والثقافي السوري في سوريا، كما في المهجر، وفي بلاد اللجوء، وتقدم المعونة للباحثين الشباب في الشأن الثقافي لخوض هذا الحقل الذي أهمل طوال عقود في بلادنا. ويشكل هذا الاهتمام بالنسبة لي بعداً ثقافياً  إضافة إلى الأبعاد السياسية والفكرية التي عملت عليها. 

وعملت أيضًا على إنشاء مؤسسة اسمها “مبادرة من أجل سوريا جديدة”، تعنى بالقروض الصغيرة، ولكن للأسف الشديد، نتيجة الأنظمة التي تمنع أي تحويل أو أي وصول لمبالغ مالية، تحتوي على اسم سوريا في الحساب، حتى في البنوك الأوروبية، وهذه من المآسي، وما يؤكد كذب التضامن الأوروبي مع الشعب السوري، فاضطررنا إلى إغلاق هذه الجمعية، وتوقف نشاطها، لأن نشاطها كان قائماً على توزيع القروض الصغيرة التي كنا فعلاً نسميها قروضاً، لكنها كانت غالباً منحاً، وهذا كان ضمن منظورنا للموضوع. 

في الحديث أيضًا عن المجتمع المدني. وبالتزامن مع عودتك إلى سوريا عام 2000. هذا العام كان مثيراً في سوريا، هو العام الذي مات فيه الرئيس السابق حافظ الأسد. هل عدت إلى سوريا قبل وفاة حافظ الأسد أم بعد؟

أنا رجعت إلى سوريا في شهر نيسان/ أبريل عام 2000. أي قبل موت حافظ الأسد. 

كيف كانت أصداء “ربيع دمشق” بالنسبة لك؟ تلك الفترة شهدت انفتاحاً سياساً واجتماعياً نوعًا ما. وكثرت نشاطات المعارضين السياسيين في ذلك الوقت، مثل إنشاء المنتديات والصالونات السياسية، مثل منتدى جمال الأتاسي، ومنتدى رياض سيف على سبيل المثال. كيف رأيت تلك المرحلة؟ 

ككل سوري وطني ومثقف وواع، شعرت بالتفاؤل للحظات محددة، ليس في انفتاح السلطة الوهمي على بعض النشاطات، بل في الرغبة في إنجاز هذه النشاطات لدى بعض الأطراف النقدية والمعارضة. 

للأسف الشديد كان الوضع مختلفاً جداً بين المحافظات. تتحدث في دمشق عن منتدى رياض سيف على سبيل المثال، إنما في حلب كان الموضوع مختلفاً. حلب كانت خاضعة لخمسة أجهزة أمنية مختلفة، وكان هناك صراع على تقديم الولاءات، وإظهار نجاح في قمع أي نشاط. ومع ذلك كان هناك منتدى الكواكبي للحوار الديمقراطي، أسس في حلب في ذلك الوقت. أظن أنه لم يعقد اجتماعاً أو اجتماعين، وأغلق، وهَدد من قام بإغلاقه بالاعتقال. وأنا كنت مدعواً لافتتاحه ولإلقاء كلمة، لكنني مُنعت أيضاً، لأن جهاز الأمن أتى إلى المنزل في لحظة مغادرتي، ليتحدثوا معي في موضوع آخر تماماً، وبالتالي وبهذه الطريقة، فقد نجحوا في منعي من حضور الافتتاح. أنا تفاؤلي كان دائماً على نمط الكاتب الفلسطيني إميل حبيبي، نصفه تفاؤل، ونصفه تشاؤم. وكان التشاؤم غالباً، لأني كنت أعتقد أن منظومة قامت على عقلية أمنوقراطية لا يمكن أن تنفتح، لأن انفتحاها ومحاولاتها إطلاق إصلاحات مهما كانت محدودة، هو إعلان نهايتها، وهي واعية لهذا، ولذلك ترفض أي انفتاح، وأي مبادرة إصلاح، ولكن نتيجة الكبت والضغط والقهر، الناس تفاءلت، أو ظننت خيراً، وطبعاً لم يدم وقت طويل، حتى أُصبت بالخيبة. 

كيف كانت تتعامل معك الأجهزة الأمنية، هل كانوا يأخذون بعين الاعتبار أنك حفيد عبد الرحمن الكواكبي، ويجب التعامل معك بأسلوب دبلوماسي بعض الشيء؟ أم كانوا يتعاملون معك بصفتك باحث أكاديمي أو معارض؟ هل مارسوا عليك شكلاً من أشكال العنف، سواء كان لفظياً أم جسدياً؟

في الحقيقية لم أتعرض لا لعنف لفظي ولا لعنف جسدي مباشر. أما العنف النفسي، فقد تعرضت له. ففي أحد الأيام، اتصلوا بي حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وقالوا لي: “نحنا سهرانين بالفرع، وعم نسأل بعض عن تعريف مناسب للمجتمع المدني، وشفنا أنو إنت أفضل من يمكن أن يجد لنا هذا التعريف”. فأجبت الشخص الذي يتحدث إلي: “هذا الموضوع لا يمكن أن ينتظر للغد، وتأتون إلى المكتب، وأعطيكم بعض التعريفات؟” فقال لي: “يبدو زعجناك، إذا بتحب نجي هلأ على البيت، وناخد منك التعريف”. فأنت تفهم تماماً من أن هذه الطريقة هي نوع من الاستفزاز، ولكن الحق يقال، لم يخطئوا معي في كلمة ولا بتصرف. وقالوا أكثر من مرة، وبأكثر من أسلوب “أنت حفيد الكواكبي… أخ لو مالك حفيد الكواكبي شو كنا عملنا فيك… بس ما بدنا نخلق منكم سلالة شهداء وسلالة أبطال”. كانوا واعيين لهذه القصة، والجانب الآخر الذي لعب دوراً أيضاً، بعدم تعرضي لشكل مباشر للتعنيف، أنني كنت مواطناً فرنسياً منذ عام 2002، وكنت أعمل مع مؤسسة فرنسية، وكان هناك غزل مع فرنسا في تلك المرحلة، وبالتالي كانوا يخشون من الإساءة للعلاقات مع  فرنسا. أعتقد أن هذين العاملين، لعبا دوراً أساسياً. لكنني كنت أعتبر أنني أتعرض لتحرش نفسي دائم. الأسئلة التي كانت تسأل لي بعد كل محاضرة، فرانز كافكا لم يكتبها في مؤلفاته. مثلاً، أعمل محاضرة عن “الشرق في لوحات الرسام الفرنسي هنري ماتيس”، يأتون إليك، ليسألوك؛ أين أقام ماتيس، وفي أي فندق؟! أقوم بعرض فيلم، عن “إطلاق الدببة في جبال البيريني” يأتون ويسألونك؛ ما هي الحمولة السياسية للفيلم، وماهو الحوار الذي جرى بين الدببة في الفيلم. هذه الأمور التي كانت تحدث، تبعث على الابتسام حالياً، لكن أن تعيشها يومياً، فهذا موضوع منهك. 

هذه الممارسات “الأمنية” يمكن اعتبارها تهديدات بشكل غير مباشر. خلال الست سنوات من العمل في حلب، هل وصلت لمرحلة يأس؟ وقلت على سبيل المثال؛ سأحزم حقائبي وأعود إلى فرنسا؟

طبعاً وصلت إلى هذه المرحلة. ويوم مقتل الصديق الكاتب والصحفي اللبناني سمير قصير، كنت بحالة نفسية صعبة جداً. وخاصة أنه كان لنا صديق مشترك، وهو صحفي ألماني، مختص بالشؤون العربية، كان قد توفي قبل فترة وجيزة. كان هناك رسائل متبادلة بيني وبين سمير، نتحدث من خلالها عن موت هذا الصديق، وهو صديق شخصي، وصديق قضيتنا؛ قضية الديمقراطية، والحرية، والعدالة. وكانت آخر جملة كتبها سمير لي؛ “حافظ على صحتك، فنحن نعيش الربع ساعة الأخيرة ما قبل الديمقراطية”. قتل سمير في 2 حزيران / يونيو 2005، وأنا غادرت سوريا في نيسان/ أبريل 2006. 

طبعاً أنا غادرت سوريا إلى المجهول. حيث لم يكن لدي أي عمل في فرنسا، ولم أفتش عن عمل قبل أن أغادر. وعندما وصلت بدأت بالبحث عن عمل، ولحسن الحظ سرعان ما شاركت بالمرحلة التأسيسية لمبادرة الإصلاح العربي، وهي كانت المؤسسة، التي ما زالت مستمرة، تعنى في نشر مفاهيم الإصلاح ودعمها، وقياس مدى الإصلاح في الدول العربية وعملت فيها -كما ذكرت سابقاً- عشر سنوات.

كيف ترى النتاج الثقافي والفني والفكري السوري، منذ بداية الثورة في مطلع عام 2011 حتى الآن، وفي ظل الحرب والقتل والدمار؟ 

طبعاً هناك نقطة هامة هنا. المثقفون كانوا في أبراج عاجية غالب الوقت، باستثناء البعض من المثقفين العضويين، الذين كانوا منخرطين في بعض الحركات السياسية. لكن عموماً، المثقفين الماكثين في المقاهي، المنظرين لكل شيء، ولا شيء، المنتمين إلى أحزاب عقائدية، حتى لو كانت معارضة، ولكنها ذات نفس العقلية المتحجرة للأحزاب الحاكمة، كان عندهم عدة مشاكل. وقد كان هناك استقطاب شديد للمثقفين، استقطاب من قبل السلطة، وإفساد، وعطاءات، ومنح. فبالتالي المثقف الذي “نفذ بريشه”، ولم يذهب إلى السجن، غادر البلاد. وقليل جداً منهم، ممن استطاعوا الاستمرار في إنتاج ثقافي حقيقي في ظل الأمنوقراطية السورية. أما الثورة فقد فتحت المجال أمام حريات التعبير، حتى ضمن النطاقات الضيقة، وحتى في الفنون وفي المسرح. التخلص ليس فقط من الرقيب السياسي، بل من الرقيب الديني والاجتماعي. شاهدنا مشاريع ثقافية متميزة، متخلصة من كل هذه القيود. شاهدنا تطوراً واسعاً في فن الرواية السورية، رغم أن له بعض السليبات، أي أنه كثيراً ما كان يُكتب، أو كُتِبَ، أو مازال يُكتب، كان في عقلية كاتبه، متوجهاً بالأساس، إلى اللغة الأجنبية، حيث ستترجم أعماله، وسيحوز على إعجاب قرّاء في خارج البلاد العربية، إضافة إلى ذلك، أنتجت هذه الثورة، ثورة في مفاهيم، في تقييم الحدود، والممنوعات، أيضاً سمحت للكثير من السوريين في التعبير عن ميولهم السياسية، وميولهم الجنسية، دون خجل ولا خوف. وهنا يمكن أن أقول، ورغم أن هذا الشيء سيفاجئ البعض، وهو أن الثورة السورية قد نجحت، رغم أنها لم تنجح في التغيير الجذري، للواقع السياسي، السلطوي، الأمني، ولكنها استطاعت أن تنجح في إعطاء السوريين مساحة واسعة للتعبير والخروج من بواتق العقائدية المتحجرة. 

هل تعتقد أن على السوريين من أدباء وفنانين، أن تقتصر كتاباتهم، وأعمالهم، على أحداث الثورة السورية، أو عن القمع، والاضطهاد. أم أن الثورة من الممكن أن تشمل أكثر من مستوى في الكتابة أو في العمل الفني؟ على سبيل المثال. الفنان التشكيلي يوسف عبدلكي. عندما أقام معرضاً للوحاته في غاليري في دمشق منذ أكثر من سنة، تعرض لانتقاد واسع من شخصيات معارضة، ومثقفين كثر مؤيدة للثورة. بما معناه، رأوا أن إقامة معرض، لشخصية معارضة للنظام، مثل يوسف عبدلكي، هو نوع من المحاباة للنظام السوري. هل تعتقد ذلك؟

أنا أعتبر أن المثقف أو الكاتب الروائي، ليس مطلوباً منه أن يكتب عن الثورة وإلى الثورة فقط، أو يُعتبَر متخلياً ومتخاذلاً. هذا كلام أيضاً غوغائي، ولا أؤمن به أبداً. ربما يكتب البعض رواية مثلاً، يمكن أن يكون استوحى، أو أخذَ شيئاً من حقبة ثورية، أو النشاطات الثورية، لكن ليس مفروضاً أن تتحدث عن الثورة. هناك أطر عديدة، لم يدخل فيها السوريون قبل الثورة، سمحت لهم الثورة بعد ذلك الانخراط بها، فيمكن الكتابة من هذه الزاوية، وأعتقد أن هناك الكثير من الروايات التي نجحت، وإن كانت تحدثت عن تفاصيل حدثت في الثورة، أو أنها تحدثت عن شهادات شخصية لبعض الذين كانوا يتعاملون أو يعملون مع النظام. 

أما بخصوص قضية يوسف عبدلكي، فأنا أرفض تماماً محاكمة أشخاص، باعتبار أن من يحاكمهم، خارج البلاد غالباً، ويسمح لنفسه، أو الظروف تسمح له، بإعطاء الدروس لهذا وذاك. معرض يوسف لم يصدمني. أيضاً هناك الكثير من الفنانين السوريين الذين يقاومون من خلال إنتاج الإبداع، وليس بالضرورة الإبداع الثوري. الإنتاج الإبداعي، هو نوع من مقاومة الظلم والعسف، ومنع الحريات. وبالتالي هذا موقفي من يوسف، كما هو موقفي من جميع ممن ما زال يعمل من الداخل السوري. ولا يمكن أن نسمح لأنفسنا بأن نوزع شهادات وطنية، وشهادات انتماء، وشهادات قبول، ونصنّف الناس. 

طبعاً هناك مثقفون “شبيحة” بالمعنى المباشر للكلمة، هؤلاء ليسوا في دائرة اهتمامي في هذا الموضوع، لكن من أهتم لهم، هم المثقفون الذين قرروا، أو لم يستطيعوا مغادرة البلاد. 

كيف ترى الإعلام السوري المعارض اليوم؟ كيف تقيّمه؟ هل هناك إعلام سوري معارض ومستقل في رأيك؟ وما هي المشكلات التي يعاني منها؟ 

بالمطلق، لا يوجد هناك إعلام مستقل في أي دولة في العالم، وهذه ليست إدانة للإعلام، كما يحلو للبعض أن يجد فيها. لكن هذه حقيقة وواقع المؤسسات الإعلامية في العالم قاطبة. 

بالنسبة للإعلام السوري، طبعاً جرت ثورة إعلامية، من حيث مفهوم المواطن الصحفي، وخرج ما أسماه البعض بالإعلام البديل. لكن عندما تاتي إلى مشهد سوري، شهد ما يقارب الخمسين عاماً من الكبت والمنع والرقابة، فما بالك ما سيخرج من هذا، منتج إيجابي؟ سيخرج شيء سلبي. وهناك محاولات من بعض المؤسسات الإعلامية المعارضة، للقيام بعمل حرفي. للأسف الموضوع المهني يفتقده الكثيرون، ومنهم من يؤمنون بالثورة، وبالتالي الحديث يكون مبنياً على نفس عقلية نظام البعث، كالمقدمات الطويلة، والمفردات التي يجدها الشخص عند القراءة أو الاستماع، وعشرات المرادفات لإملاء الفراغ. كل هذا يلعب دوراً أساسياً أيضاً في تخفيف الحماس للعمل، وساعات من العمل مع النصوص والأبحاث. بصراحة، أنا لا أعتقد أن في العالم العربي، وخصوصاً في المشرق العربي، بحث علمي حقيقي. خصوصاً في مجال العلوم الإنسانية. هناك باحثون جيدون، لكن لا تتوفر لهم الفرص والإمكانيات المادية. 

إعلام المعارضة، وقع في أخطاء فظيعة، هناك إعلام طائفي، وإعلام إقصائي، وإعلام ثوري. الإعلام باعتقادي، يجب أن يستخدم لغة تخاطب العقل، وليس مخاطبة العواطف. لدرجة أن بعض الناس كانت تطالب بعض الأجهزة الإعلامية المعارضة بأن تكون ناطقة رسمية باسم الفصائل المسلحة وهذا لا علاقة بالإعلام به. 

طبعاً الإعلام الجديد، والمعارض، كانت تنقصه الإمكانيات. فالتمويل، في بداية الثورة، من قبل بعض المنظمات الدولية، كان لا بأس به بالنسبة للإعلام البديل، أو إعلام الثورة، ولكنه تراجع جداً، مع تراجع الاهتمام، بالمسألة السورية، وبالتالي صار هناك صعوبة جمة في إنشاء مؤسسات إعلامية مهنية، وتحترم عقل المتلقي. 

من خلال عملك في “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، ما هي المواضيع والأفكار البحثية، التي تلفت نظرك، أو تراها مهمة، وخصوصاً فيما يخص القضية السورية، وترى أن على القارئ الأوروبي أو الفرنسي المهتم، أن يلقي نظرة عليها، أو يطلع عليها. هل هذا يدخل ضمن خياراتك بتفضيل بحث عن بحث آخر مثلاً؟ 

عملي في المركز العربي لا يقتصر على الملف السوري. نحن هدفنا الأساس، توصيل المعرفة بالعلوم الإنسانية العربية، والعكس. أو إيجاد جسر ترابطي بين الباحثين، على ضفتي المتوسط، بحيث يكون هناك احترام متبادل، وتعاون متبادل، وتثاقف، وأن تحدث نقاشات معمقة ومتبادلة. أما بالشأن السوري، هناك بعض النصوص التي كتبت من قبل باحثين أوربيين، هي هامة للغاية، وبالطبع أعيد وأكرر، أنا ضد طفولية تعريف الاستشراق، وسهولة رمي المستشرقين بالحجارة في بلادنا، نتيجة ثقافة ما. من أهم ما كتب عن بلادنا، كتبه الأجانب، للأسف الشديد. لكن هذا يجب أن يدفعنا إلى تعزيز عملنا البحثي وليس شتم الآخرين، واعتبار أن كل ما فعله هو للاستعمار، ولاحتلالنا ولتسهيل عمليات جيوشهم في بلادنا. هناك نصوص هامة خرجت عن الثورة السورية، لجون بيير فيلو Jean pierre filiu وميشيل دكلو Michel duclot وفلاديمير غلاسمان Wladimir glassman وآخرين كثر، كتبوا بشكل موثق وعلمي وعميق عن الظواهر الدينية والطائفية. توما بيريه thoms pierret كتب عن علاقة الديني بالسياسي في سوريا، من أهم الكتب التي أتمنى أن تصدر قريباً عن المركز العربي باللغة العربية. وأيضاً نحن نسعى إلى ترجمة الكتب العربية إلى اللغة الفرنسية، ونعمل الآن على عدة كتب لتعريف الفرنسيين المهتمين بالشأن العربي بالإنتاج العلمي في هذا المجال. اليوم على سبيل المثال كنت أقرأ في عجالة عما نشر عن سوريا من كتب، لا أقل من 15 إلى 20 كتاب جدّي وجميل عن سوريا، وعن الثورة السورية. 

القارئ الأوروبي والفرنسي، يحتاج إلى أن نوصل له المعلومة دون ” لت وعجن” كما نقول باللغة العامية. يحتاج إلى عقلية علمية تتعامل معه، منهجية واضحة. للأسف نحن في أحيان كثيرة، نكون أصحاب حق ولكن طريقة التوصيل هي التي تفقد هذا الحق قيمته. وبالتالي هناك نصوص هامة لبعض الباحثين العرب في مواضيع اجتماعية وأنثروبولوجية بالذات، مفيد جداً أن نترجمها لفرنسية. 

هل بالإمكان أن تذكر لنا أسماء مؤلفات لباحثين عرب من المهم ترجمتها إلى اللغة الفرنسية؟

من الأسماء التي تشمل مختلف العلوم الإنسانية وأغلب الدول العربية هي التالية: ناصر الجابي من الجزائر: لماذا تأخر الربيع الجزائري، نشر 2012، وعبد الله ساعف من المغرب: المعرفة التاريخية: كتابات ماركسية حول المغرب (1860-1925)، عزمي بشارة من فلسطين: الجيش والسياسة، وكتاب الطائفة، الطائفية والطوائف المتخيلة، وجمال باروت من سوريا: العقد الأخير في تاريخ سورية. 

The post سلام الكواكبي: أراد فرعُ الأمن تعريفاً للمجتمع المدني في الثانية صباحاً! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مسرحية «الآخر»… هل هناك صراع ندّي بين المرأة والرجل؟ https://rommanmag.com/archives/19727 Mon, 12 Aug 2019 11:54:54 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%b3%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%ae%d8%b1-%d9%87%d9%84-%d9%87%d9%86%d8%a7%d9%83-%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d9%86%d8%af%d9%91%d9%8a-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7/ ثلاثة أجساد ملتصقة ببعضها البعض، ترتدي زيًا رماديًا، ملتصقاً بها، وكأنه جلد فوق الجلد، يغطي الرأس وجزءاً من الوجه، يجعل أصحابها يبدون مثل لاعبي النينجا. الجسد الواقف في الوسط، ثابت لا يتحرك، والجسدان على يمينه وعلى شماله، يحاولان الفكاك منه. عملية أشبه بعملية الولادة، وخروج الطفل من رحم أمه.  بهذا المشهد، تفتتح مسرحية “الآخر” التي عرضت […]

The post مسرحية «الآخر»… هل هناك صراع ندّي بين المرأة والرجل؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

ثلاثة أجساد ملتصقة ببعضها البعض، ترتدي زيًا رماديًا، ملتصقاً بها، وكأنه جلد فوق الجلد، يغطي الرأس وجزءاً من الوجه، يجعل أصحابها يبدون مثل لاعبي النينجا. الجسد الواقف في الوسط، ثابت لا يتحرك، والجسدان على يمينه وعلى شماله، يحاولان الفكاك منه. عملية أشبه بعملية الولادة، وخروج الطفل من رحم أمه. 

بهذا المشهد، تفتتح مسرحية “الآخر” التي عرضت مساء السبت 20 تموز/ يوليو في المدرسة الفرنسية (الفرير) في القاهرة. “وهي من تأليف ميسرة صلاح الدين، وإخراج محمد أسامة عطا الذي يشارك أيضاً في الأداء إلى جانب علي إيهاب، وإيمي دياب.

وكان القائمون على المسرحية، قد كتبوا لمحة موجزة عن موضوع وفكرة العرض، ضمن الإعلان الذي سبق موعد العرض، على أنه يدور “حول تجسيد الصراع الأزلي والمستمر بين الذكر والأنثى، لفرض كل منهما هويته على “الآخر”، في سلسلة من المشاهد الدرامية الموحية التي يربطها خيط من الشعور المتدفق بالحزن والفرح والسعادة والتوتر والأمل والنشوة وغيرها من المشاعر المختلطة، التي جسدت شعور كل جنس تجاه الآخر، ووطدت المفاهيم “الجندرية” الحديثة، في إطار درامي تجريبي معاصر.”
 

بعد نجاح الجسدين بالفكاك والانفصال عن الجسد الثالث الذي كان يتوسطهما. نكتشف أنهم رجلان وامرأة. الجسد/الرجل الذي كان في الوسط، يبدو للوهلة الأولى عاجزاً عن الحركة، بعد لحظة انفصال جسدين لرجل وامرأة عنه. وليبدأ الرجل والمرأة في أداء رقصات وحركات تعبيرية، تصور بداية تعرف الإنسان على الحياة، وبداية اكتشاف المرأة للرجل والرجل للمرأة من ثم اكتشافهما للحب والجنس، أما الجسد الثالث، فسنكتشف لاحقاً أنه يرمز للمجتمع، والذي كان يراقب حركات الرجل والمرأة ويتعلم من كل واحد منهما حركة أو إيماءة ويحاول تقليدها. وكأنه في صراع -سيدوم طوال العرض-  في اختيار هوية أو صفة له ويتبناها. 

كل ما سبق قُدّم من خلال الأداء والرقص التعبيري. بعدها ستقف المرأة في مقدمة خشبة المسرح، وتلقي جملةً شهيرة للكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار: “لا تولد المرأة امرأة، ولكنها تصبح كذلك”. يسخر الرجل من الجملة التي قالتها المرأة، ويسألها ماذا تقولين؟ وعندها تقول له إن هذه العبارة للكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار، يعود لسؤالها: “من سيمون؟… ده راجل؟” 

عند هذه اللحظة يبدأ الصراع بين الرجل والمرأة، وكل واحد منهما يريد أن يثبت وجهة نظره للآخر، لكن الفارق هو أن الرجل غير آبه بالمجتمع، وغير مشغول بسلطته، إلا أن المرأة في كل حركة من حركاتها وتصرفاتها، تقول للرجل: “مش ملاحظ أننا مش لوحدينا؟” ليرد الرجل: “مفيش غيري وغيرك هنا… مش شايف حد هنا غيرنا”، إلا أن المرأة تحاول في كل مرة أن تلفت انتباهه إلى وجود “الرجل الثالث/المجتمع” الموجود في صحبتهم في كل حركة يتحركونها. لكن حين يقرر الرجل الانتقام، أو الانتصار بالقوة على المرأة، يبدأ في رؤية المجتمع، كشيء يمكن تكريسه لخدمة سلطته كـ “رجل /ذكر”. لنرى كيف يخضع المجتمع/الرجل الثالث لأوامر الأول، ويطيعه. 

لكن المرأة بعد أن جرى تحطيمها، والتي نراها مستلقية على خشبة المسرح مهزومة، تحاول القيام من جديد واستعادة قوتها. عند هذه اللحظة يتحول العرض إلى صراع “ندّي” بين الرجل والمرأة على المجتمع، وإلى أي واحد منهم سيخضع في النهاية؟

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، حينما يتحول الصراع بين الرجل والمرأة إلى صراع ” ندّي” ويتم تصوير المجتمع كـ”ضحية” لهذا الصراع “الذي وصف في “اللمحة الموجزة” للعرض على أنه “صراع أزلي”؛ من أين جاءت هذه النّدية؟ وعلى أي مجتمع سواء كان من العالم الثالث، أو العالم كله، من الممكن أن يجري إسقاط هذه النظرية؟ 
 

تتجاهل مسرحية “الآخر” الكثير من القضايا المتعلقة بهيمنة الرجل/الذكر على مدى قرون، ويجري تسطيح خطاب “النسوية” واختصاره بعبارة لسيمون دي بوفوار. كما أن المسرحية تُعرض في بلد عربي المرأة فيها مضطهدة (كغيره من البلدان العربية) ومسلوب حقها، وجسدها معرض دائماً للانتهاك بأي لحظة، سواء في الحياة العامة أو الخاصة. 

يستمر الصراع -داخل العرض- بين الرجل والمرأة على “المجتمع”، من خلال فرض كل واحد منهما هويته عليه، فتارة يجلب الرجل الأول، ثياب رجل، ويقوم بإلباسها للرجل/المجتمع، وتارة أخرى تحضر المرأة فستاناً وقبعة نسائية، وتقوم بإلباسهما للرجل، ليتحول الرجل/المجتمع إلى مسخ، ليتداعى، ويؤول تدريجياً إلى الأسفل، حتى يسقط في النهاية، أو في مشاهد أخرى ينفجر “غاضباً” من هذا “الصراع”. 

جانب آخر، وأساسي، في تصوير فكرة المجتمع، لم يكن حاضراً في مسرحية “الآخر”، وهو أن المجتمعات العربية تحديداً، تتمتع بحس “إداني”. إذ أن هذه المجتمعات دائماً تنزع لإدانة المخالف لتقاليدها والمعتقدات التي تربت عليها. فالمرأة دائماً مدانة في أي حركة تحرر أو تمرد تقوم بها، بدءاً من أبسط فعل تمرد وهو خلع الحجاب، انتهاءً بإعلانها عن هويتها الجنسية بشكل صريح، في حال اكتشفت على سبيل المثال، أنها مثلية جنسياً، وليست غيرية كأغلبية أفراد المجتمع التي تعيش فيه. 

تنتهي المسرحية بهزيمة الرجل الثالث/المجتمع، الذي يجري تصويره طوال العرض على أنه ليس طرف في “الصراع الأزلي”، إنما هو ضحية. 

لكن هل أقنعت هذه “النتيجة” من حضروا وشاهدوا المسرحية، وخصوصاً “من لم تولد امرأة، لكنها أصبحت كذلك”، حسب تعبير سيمون دي بوفوار؟!

مسرحية “الآخر” هو نتاج مشروع ” الجسد والهوية ” بدعم من المعهد الفرنسي – مصر. وهو أحد مشروعات “مجموعة مغاير للفنون الأدائية” بالشراكة مع مؤسسة تنويرة للتنمية الثقافية، ومؤسسة انعكاس للفنون والتدريب والتنمية، ومركز ريزودانس.
 

The post مسرحية «الآخر»… هل هناك صراع ندّي بين المرأة والرجل؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
«أرواح صخرات العسل»… حكاية التمرد على الطاعة https://rommanmag.com/archives/19702 Wed, 24 Jul 2019 07:11:01 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a3%d8%b1%d9%88%d8%a7%d8%ad-%d8%b5%d8%ae%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b3%d9%84-%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%85%d8%b1%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%89/ ليس من السهل، على “الفن الروائي” تحديداً، أن يستقبل حدثاً آنياً، كـ” الثورة” مثلاً، وينتج من خلاله عملاً روائياً متميزاً. هذا يحتاج إلى ثورة في الكتابة الروائية، إن جاز التعبير. كما أن الفن الروائي وتقنياته القديمة والحديثة، على مستوى الشكل، والأسلوب، واللغة، لا يتحمل ثورة “عفوية” -في الكتابة- كما يجري في الواقع، بل يحتاج إلى […]

The post «أرواح صخرات العسل»… حكاية التمرد على الطاعة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

ليس من السهل، على “الفن الروائي” تحديداً، أن يستقبل حدثاً آنياً، كـ” الثورة” مثلاً، وينتج من خلاله عملاً روائياً متميزاً. هذا يحتاج إلى ثورة في الكتابة الروائية، إن جاز التعبير. كما أن الفن الروائي وتقنياته القديمة والحديثة، على مستوى الشكل، والأسلوب، واللغة، لا يتحمل ثورة “عفوية” -في الكتابة- كما يجري في الواقع، بل يحتاج إلى ثورة، مخطط لها مسبقاً.

ويبدو أن النتاج الأدبي السوري اليوم، لا يقل تشظياً عن مشهد الحياة في سوريا بعد الثورة السورية، وما تلاها من قتل وتدمير، ونتائج مأسويّة على البشر والحجر. عملية التشظي هذه، رأيناها عبر تجارب مربكة على مستوى الشكل تارة، وعلى مستوى المضمون تارة أخرى، وعلى مستوى هيمنة الحدث؛ كان حاضراً وجاثماً فوق قلوب الساردين. وكأن هنالك رعب من أن تسبق أدواتُ القتل الفتاكة، بمحو تاريخ البشر والمكان، وإعادة كتابته من فوق. بينما ذاكرة الكاتب تلهث وراء التفاصيل التي بإمكانها محاولة نبش قبور ضحايا، تم دفنهم على عجل، أو هاجروا مع حكاياتهم وأحزانهم وآلامهم، أو أختطفتهم أيادي “الأمن” إلى غياهب السجون والمعتقلات إلى أجل غير مسمى. 

لكن الروائي السوري ممدوح عزام (١٩٥٠)، في روايته «أرواح صخرات العسل»،(سرد للنشر، ٢٠١٨)، يضعنا أمام نص روائي قائم على خط زمني عام، وهو ببساطة، العودة للزمن إلى الوراء قليلاً، ومن ثم التقدم نحو اللحظة الأشد ظلاماً التي تمر في سوريا، وتأثير الثورة، ومن بعدها الحرب، على مصائر شخصيات الرواية. وما يميز كتابة ممدوح عزام، في هذه الرواية، هي أنه جعل جزءاً من تاريخ سوريا امتدادًا للحدث، أو حدثاً فوق الحدث الآني، من خلال سرد تاريخ أبطال الرواية، والذي ماتوا في منتصف العشرين من عمرهم.

 وكأن أحد تكوينات العمل الروائي الذي يخاطر في تناول حدث آني، لا يمكنه الاعتراف في الحدث الآني بوصفه مفصولًا عن الزمن الذي قبله، والاكتفاء به، بل هناك حقبة تاريخية بأكملها، هي من صنعت هذا الانفجار/الحدث، ويجب استعادته، لا بوصفه خلفية للحدث الآني، بل باستنهاضه، وإخراجه من مكانه الخامل في الذاكرة الجمعية، وسرده، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من اللحظة الراهنة. 

تحكي الرواية قصة ثلاثة شبان، عابد، وحامد وخالد. والثلاثة ماتوا في زمن الثورة والحرب، رغم أنه لم يكن لديهم موقف سياسي، كأنهم قد آثروا الصمت والحياد. ولا تكتفي الحكاية، في سرد كيف انتهت حياتهم، بشكل مأسوي، بل الرواية قائمة على صداقة هؤلاء الثلاثة منذ أيام الطفولة، وإخلاصهم لبعضهم البعض، وكيف كانت تلك الصداقة، بنقائها، وبراءتها، تهدد شكلاً سائدًا من أشكال الحياة، وكيف حافظوا على هذه القيم، التي ولدت معهم بالفطرة، من دون أن يجري تلويثها أو إنهاؤها، رغم محاولات تحطيمها من المجتمع الأبوي، والسلطة المتمثلة في المدرسة، ونمط التعليم، وشخصية المدير، والمعلم، ورئيس الحزب. 

كما تخلو الرواية من إشارات واضحة إلى النظام الدكتاتوري الذي حكم البلاد على مدار زمن طويل، بشكل مباشر، لكن شخصية الطاغية، كانت متمثلة في تكاثر روح الحاكم المستبد والفاسد، القامع لشعبه، من خلال منظومة التعليم، المتمثلة بشخصية مدير المدرسة “برهان العلمي” في قرية “المنارة” وهي قرية ريفية تابعة لمدينة السويداء في سوريا، وكيف تتم عملية زرع الخوف والرعب داخل نفوس الأطفال، في المدرسة، إضافة إلى الآباء الحاقدين على أبنائهم، ويعبرون في تصرفاتهم وغضبهم عن كبت سلطوي، يفرغونه على زوجاتهم وأطفالهم، كمحسن الجوف والد عابد، الذي كان يمارس كل أشكال العنف والكراهية على ابنه، حتى خيل لعابد أن محسن ليس والده، وإنما الرجل الأنيق جميل الصخري الذي رآه مرة في حياته، عندما زارهم في البيت، والذي كان صديق والده أو تربطهما علاقة عمل: “إن وجود ذلك الرجل الغامض العجيب، الذي مسح رأسه بيده الدافئة، جعل عابد يدرك أن الله أرسله إلى هنا، لا لينقذه بحضوره، إذ لا يمكن لأحد أن يُضرَب في حضرته أبداً دون أن يتعرّض للتوبيخ، بل لأن وجوده يحرك في أعماقه فردوساً من البهجة”. كما أن والد خالد لا يختلف كثيراً في بلادة مشاعره تجاه ابنه عن والد عابد: “قال خالد إن أباه سلّمه للمعلم في اليوم الأول للدراسة وهو يقول: ” إلك اللحم وإلنا العظم”. وفي تلك الأيام صار يظن أن المعلم سوف يأخذ ذات يوم لحم فخذه للشواء، أو لطبخ الفاصولياء.”

كما يُتبع مرحلة الدراسة إجبار الشباب للانضمام إلى الحزب وإعلان الولاء المطلق له، لينتج عن عملية التدجين هذه، مجتمع خانع، مطأطأ الرأس، وفي حال الرفض، يكون المصير العقاب والتهميش، والحرمان من فرص العمل، وتكوين “مستقبل” ما، بعيداً عن الفقر والجوع والحاجة. 

تتفتح قصص المجتمع بأكملها داخل الرواية والتي تظهر أن هنالك أجيال مهزومة، وأجيال شابة يراد ترويضها من الطفولة، وقبول كل أشكال الطاعة. 

منظومة تعليم، لا تؤمن بالتعليم، ولا تؤمن بالإنسان حتى، إنما تقتلع من منهجها التعليمي مصطلح “التعليم” ذاته، وتستبدله بـ” التربية”. هناك مهمة بـ”تربية” هذا الجيل، وتأديبه. وتظل عبارة ” العصا لمن عصى”، هي النبع، الذي تسقى منها روح الكراهية. 

بينما الشبان الثلاثة، وبسبب الحب الذي في داخلهم، وتوقهم إلى حياة أفضل، يتعرضون للأذى والإهانة، والنبذ. كانت الصداقة المتينة، وحمايتهم لبعضهم البعض، وذهابهم إلى “صخرات العسل”، وقضاء الوقت في تأمل الطبيعة، وعزف الموسيقى. كما أن المرأة حاضرة في الرواية، بشخصيات متعددة، وكاشفة لنظرة المجتمع لها، وقمعه لها، وربما أكثر شخصية متمردة، كانت شخصية ” حليمة” أم حامد، إمرأة  في منتصف الأربعين من عمرها، زوجها غائب طوال لوقت، لأسباب سفره إلى ليبيا والعمل هنا.

في الرواية ، تتعدد أصوات الرواة. الرواي العليم/ الكاتب، يتحول داخل الراوية إلى “صحافي استقصائي”، في حال جاز لنا استعارة هذا المصطلح من عالم الصحافة، ومن جانب آخر هو باحث عن القصة الحقيقية، أو الموضوعية، وهو يسائل روايين آخرين، وهما نائل الجوف، المقرب، والمطلع على كواليس حياة آل الجوف، الذي ينتمي إليها الشاب عابد. وأحمد الشايب، الذي كرس حياته لمعرفة أسرار الناس، في المنطقة، ممكن وصفه بـ” كاتب تقارير، أو مخبر إيجابي”، كما أنه لا يخبر أحد من أين أتى بالخبر السرّي، أو القصة الخفية التي لا يعرفها أحد. إنما يكتفي في القول، عندما يسأل من أين جاء بهذه المعلومات أو تلك بعبارة “لديّ مصادري”. 

لكن الأسلوب الشيّق الذي أتبعه الكاتب في عرض القصة بأكثر من وجهة نظر، والتشكيك في حدوثها من عدمه، تزيد عند القارئ الفضول والتفكير، والحكم على الشخصيات ومصائرها، ومن ثم التعاطف، من غير أن يكون هناك إملاءات أو أحكام جاهزة على الشخصيات وعلى الأحداث التي تجري، من قبل الرواة  داخل النص.  

The post «أرواح صخرات العسل»… حكاية التمرد على الطاعة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“مراجعة الكتب” .. أو كتابة على الكتابة https://rommanmag.com/archives/19687 Sat, 13 Jul 2019 06:27:09 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%ac%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a3%d9%88-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d8%a9/ منذ ما يقارب الثلاث السنوات. كنت أتصفح عدداً من أعداد مجلة “عالم الكتاب” المصرية، حين كان يرأسها، الكاتب والصحفي المصري محمد شعير، كان القسم المخصص لـ”مراجعات الكتب” داخل المجلة، عنوانه “كتابة على الكتابة”. أعجبني هذا العنوان حينها، وشعرت أن هذا هو التوصيف الدقيق، لما أفعله في شغلي في الصحافة. إذ أن مصطلح “مراجعة كتاب” غير […]

The post “مراجعة الكتب” .. أو كتابة على الكتابة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
منذ ما يقارب الثلاث السنوات. كنت أتصفح عدداً من أعداد مجلة “عالم الكتاب” المصرية، حين كان يرأسها، الكاتب والصحفي المصري محمد شعير، كان القسم المخصص لـ”مراجعات الكتب” داخل المجلة، عنوانه “كتابة على الكتابة”. أعجبني هذا العنوان حينها، وشعرت أن هذا هو التوصيف الدقيق، لما أفعله في شغلي في الصحافة. إذ أن مصطلح “مراجعة كتاب” غير مثير، وغير دقيق، وأشعر في أحيان كثيرة، أن المقالات التي أكتبها، عن الكتب التي تعجبني، ليست بالمراجعة، وفي ذات الوقت، ليست بالتقرير، ولا بالتحقيق، ولا هي دراسة نقدية، أنها بالفعل “كتابة على الكتابة”. 

ورغم أننا -كصحفيين- نرضخ أحياناً كثيرة، لقوالب صحفية كلاسيكية، لكن هذا لا يعني أننا معجبين بها. إذ أنني، والكثير من أصدقائي الصحفيين، نمارس عشرات الحيل أثناء عملنا في الصحافة، كي ننجو من أفخاخ التنميط، التي من الممكن أن تصبغ أسلوبنا في الكتابة، ولولا أننا لسنا في عصر انتشار المواقع العربية المستقلة، التي فتحت لنا المجال للعب بحرية مع النص الذي نكتبه كما نحب، وكما نرغب أن يكون، من دون يخضع لعملية ” تحرير”، تدجنه، لكان أغلبنا اليوم إما تخلى عن المهنة، أو رضخ للواقع المرير. 

بالنسبة لي، أعتبر ” الكتابة على الكتابة” أو “مراجعات الكتب”، أشبه بالتقاط الأنفاس. بوصفي صحفياً، جزء أساسي من عمله، هو ملاحقة الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية، والكتابة عنها سواءً كانت تقارير، أو تحقيقات، أو مقالات رأي. فوقت القراءة، بالتزامن مع العمل الصحافي اليومي، يتضاءل. ومن جانب آخر، استمرار القراءة، والتراكم المعرفي، مهم جداً، للكاتب، سواء كان أديباً، أم صحافياً. 

مع اقتراح أسماء لكتب، للكتابة عنها، للمواقع التي أكتب بها، تصبح القراءة جزء من عملي كصحفي.  

وهناك دوافع إضافية، للاستمرار في  الكتابة عن الكتب، الشغف في قراءة الأدب، وهو أحد الدوافع الرئيسية. كما أن البحث عن لغة، وأسلوب مختلفين عن السائد والنمطي في الكتابة، واكتشاف تقنيات جديدة في الكتابة الأدبية، هو شيء تتمحور حوله فكرة الكتابة بالنسبة لدي. 

ومن جانب آخر، عند قراءة الأعمال الأدبية، وتأمل المواضيع والقضايا التي يتناولها الأدب العربي على سبيل المثال، في فترة زمنية معينة، بإمكان المرء أن يفهم عن قرب، ما القضايا التي يبتعد عنها المؤلفون في أعمالهم، لكي لا تمنع مخطوطات أعمالهم من النشر، أو يرفض نشرها من قبل الناشرين، قبل أن تمر على ” هيئة الرقابة والنشر”. 

لغة الأديب، وطريقة عرضه لمواضيع معينة، مثل الجنس والمثليّة والسياسة، تكشف أيضاً، إن كان الكاتب محافظاً، ومتعصباً دينياً، وإن كان لديه نظرة عنصرية تجاه المثليين، أم هو كاتباً ناضجاً، لا يطلق أحكاماً جاهزة على شخصيات داخل عمله. 

ظواهر سلبية 

في الكواليس، هنالك جوانب سلبية مرتبطة بـ “مراجعات الكتب”. إذ أن بعض الصحفيين لا يرون في “مراجعات الكتب”  إلا باعتبارها مصلحة متبادلة، ما بين الناشر والمؤلف والصحفي الثقافي. فالناشر يهمه أن تكتب الصحافة عن الكتب التي ينشرها، ويعتبر ذلك جزءاً مهماً في عملية الدعاية والتسويق لكتبه. وكذلك المؤلف، الذي تلعب الصحافة دوراً في تكريس اسمه، والتعريف في إنتاجه الأدبي، وما يتناوله عمله الأدبي من قضايا مواضيع اجتماعية وسياسية وثقافية. وهذا ليس انتقاداً لهذه العملية، إنما المشكلة هي في اقتصار ذلك على البعد التجاري/الدعائي للكتاب، ونفي جوانب أهم تتعلق بجودة محتوى الكتاب، ووضعه تحت عين ناقدة، وموضوعية. 

أحياناً كثيرة تكون دوافع الكاتب الصحفي -ومن خلفه الصحيفة التي يعمل بها- هي إبراز كتّاب معينين دون غيرهم، أو أن الموضوع أبسط من ذلك، إذ أن هنااك اعتقاداً عند بعض الصحفيين أنه من خلال الكتابة عن مؤلفات أدبية، كتّابها يتمتعون بشهرة واسعة، ضمن الأوساط الأدبية والثقافية، هو نوع من الوجاهة، وبناء علاقات وطيدة، تجعل من اسمهم كصحفيين، مكرساً داخل دوائر الكتّاب المشاهير الاجتماعية. 

لكن هذا الأمر تحول إلى ظاهرة في عالم الصحافة، وباتت مبتذلة، لدرجة أنْ “تكاثَر” صحافيون يكتبون عن كتب، أكثرهم يميلون لكتابة مقالات مليئة بالمديح والثناء على أعمال أدبية رديئة، أو متوسطة المستوى، ولا تستحق كل هذا الاهتمام. وهذه الظاهرة تطورت، لتكتشف أن هنالك صحفيين لم يكملوا قراءة العمل الأدبي الذي كتبوا عنه مقالاً من ” ١٠٠٠ كلمة”. 

في إحدى المرات سألني أحد الزملاء الصحفيين، ما المقال الذي تعمل عليه في الوقت الحالي؟ قلت له أني أقرأ رواية ضخمة (عدد صفحاتها يتجاوز الـ ٥٠٠)، وسـتأخذ وقتاً، لا يقل عن ٥ أيام قراءة. فقال لي بمنتهى البساطة، أنه ليس من الضروري قراءة العمل كله وأردف مازحاً “نحنا رح نحضّر رسالة دكتوراه بكل مقال نكتبه؟!”

وحين تسأل صحفياً مدح في رواية أدبية، لكاتب مشهور، لماذا مدحت في روايته في مقالك، رغم أنها لا تستحق هذا المديح، ورغم أنها مليئة بالمشاكل؟ يجيبك بأنه ليس ناقداً، إنما هو صحافي. لكن هذا التبرير مرفوض، إذ ليس على الصحفي الثقافي أن يكون ناقداً أدبياً، لتكون كتابته موضوعية، ومهنية، إلى حد ما. 

يبرر بعض الصحفيين ركاكة لغتهم، وسطحيتها، و”ثقل دمها”، بأن الصحافة باتت “أكل عيش”، أي أن دافعه للكتابة، هو العائد المادي، فقط لا غير. والحقيقية أن التعامل مع الكتابة الصحافية بهذا الشكل، مرهق نفسياً، ويستنزف الطاقة الذهنية والجسدية، وينفرّ المرء من فعل الكتابة بالمطلق. الكتابة في الصحافة قد يكون مصدر الرزق الوحيد للصحافي، لكن هذا لا يبرر له الابتذال والاستسهال. وهذا المنطق بالتعامل مع الصحافة، هو سبب أساسي في انتشار عدوى ركاكة اللغة الصحفية، واستمرار إنتاج محتوى رديء. 

الكتابة عن الكتب، عندما يؤخذ على محمل الجد، يتحول إلى عملية بحث دائمة عن أعمال أدبية، يراها الصحفي -من وجهة نظره- تستحق الكتابة عنها. وخصيصاً عندما يكون البحث خارج دوائر الأدباء المكرسين، والمشهورين. إذ أن إحدى الظواهر السلبية أيضاً، هو الاحتفاء بأعمال أدبية، وكتابة مقالات تمتدحها، بعد أن تنال جائزة أدبية، في حين أنها لو لم تنل الجائزة، لتجاهلها الكاتب الصحفي “مُراجع الكتب”، لأن كاتبها غير مشهور كفاية.

The post “مراجعة الكتب” .. أو كتابة على الكتابة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>