عماد الدين موسى - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/93rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:43:08 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png عماد الدين موسى - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/93rommanmag-com 32 32 “تمارين على المعرفة” لطارق حمدان: إعادة خلق صور جديدة للحياة https://rommanmag.com/archives/21378 Fri, 17 Nov 2023 10:16:05 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%aa%d9%85%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d9%86-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%81%d8%a9-%d9%84%d8%b7%d8%a7%d8%b1%d9%82-%d8%ad%d9%85%d8%af%d8%a7%d9%86-%d8%a5%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a9/ في المجموعة الشِعريّة الأحدث “تمارين على المعرفة”، الصادرة مؤخراً- باللغتين العربيّة والفرنسيّة- عن دار نشر لانسكين في باريس 2023، للشاعر الفلسطيني طارق حمدان؛ ثمة صور خارقة من الفجائع، لا تحدثُ أوْ قد تحدُث– عجائبية، صور من بُنية سردية لا سحر فيها ولا جن، ولكنها عجائبية مثل أن يقوم: نيزكٌ ضخمٌ فيضرب كرة الله كما في […]

The post “تمارين على المعرفة” لطارق حمدان: إعادة خلق صور جديدة للحياة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

في المجموعة الشِعريّة الأحدث “تمارين على المعرفة”، الصادرة مؤخراً- باللغتين العربيّة والفرنسيّة- عن دار نشر لانسكين في باريس 2023، للشاعر الفلسطيني طارق حمدان؛ ثمة صور خارقة من الفجائع، لا تحدثُ أوْ قد تحدُث– عجائبية، صور من بُنية سردية لا سحر فيها ولا جن، ولكنها عجائبية مثل أن يقوم: نيزكٌ ضخمٌ فيضرب كرة الله كما في الأفلام، لكن هذه المرَّة بدون جيشٍ أمريكي يحول دون ذلك. 

الشاعر طارق حمدان وإن جاء بمثل هذه الصور؛ إنما ليسخر ويتهكم من القوَّة الخارقة والعجائبية للقوَّة العظمى؛ قوَّة أمريكا في هذه الحالة؛ وهل ستتحكَّم أمريكا بجيوشها وجيوش حلفائها (قطيع الأغنام) بصفتها الذئب، أن تمنعَ النيزكَ من أن يضربَ الأرض، ويخطر لي أن أسأل بصفتي قارئاً: هل عندها القدرة على معاقبة النيزك إن ضرب أرض الله التي تحكمها أمريكا؟. طارق حمدان في ديوانه هذا تراه يدخل في أزمانٍ ويخرج إلى أزمانٍ من السياسي إلى الاقتصادي، ومن الاقتصادي إلى الأخلاقي، ومن الأخلاقي إلى الزمن الاستنكاري. نَعَمْ زمنٌ استنكاري – هذا أقل ما يفعله الشاعر، من كل الجرائم التي يقوم بها الإنسان ضد الإنسان: برمجية خبيثة، تُفضي في النهاية إلى إطلاق الرؤوس النووية، تتناثر المدن وتُمحى، ويقتلُ الغبارُ ما تبقى من حياة.

مرحبا أيها السبعة

صورةٌ مرعبة لحقائق وإن كانت غرائبية وعجائبية وافتراضية، صورٌ قد تحدث، أو تحدث. فالعلم لما يكون علماً من أجل المعرفة الإنسانية فيكون أخلاقياً، إلاَّ إذا استُخدم ضد؛ بل وللقضاء على الإنسانية، مع أن العلم هو من أجل الإنسان، وليس الإنسان من أجل العلم، فيتحول العلم من حارس للعقل إلى ذئب: فيروسٌ سريعٌ فتَّاك، تقف أمامه الحكومات التي تقتل، وشركات الأدوية التي تخترع أمراضنا لتبيع بلا حول ولا قوة. الشاعر طارق حمدان يكتب صوره الشعرية كما لو إن تماساً؛ هو تماسٌ أصاب عقله الذي لم يحتمل، ولم يصدق، أو سيصدق: تتوقف الأرض عن الدوران، نصفٌ يموت من الحرارة، والآخر من التجمد. طبعاً هذا السيناريو كما سمَّاه طارق حمدان يحصل عندما لا يصير العلم أو يكون من أجل ارتقاء السلوك المعرفي والعمراني للإنسان. صورٌ مخيفةٌ هي الصور التي يرسمها الشاعر طارق حمدان، قدْ لا تصدق، ولكنه، ولعمق المأساة الإنسانية التي يصورها لما يحدث للإنسان الذي صار ضحية العلم والاستبداد السياسي صارت تُصدَّق، ذلك لقدرته على الإيحاء والإقناع، كونه يصنع صوره الشعرية من مادةٍ فكرية: مرحبا أيها السبعة، ها أنا أرى وجوهكم الجافة عبر الشاشة بابتساماتكم الباردة، وحركات أجسامكم المدرَّبة ككلب مطيع ببزاتكم النظيفة المكوية، وخطاباتكم المجهزة كوجبة قطط. في القاعة المغلقة تحدَّثتم كثيراً عن السوق، وفي حفلة تهريجٍ مبالغ فيها أحصيتم مشاكل العالم: الحروب والنزاعات، التهديد النووي، الاحتباس الحراري، الإرهاب، أزمة الطعام والمياه، اللاجئين والمهاجرين. وبعد أن نسيتم إحصاء أنفسكم تحدَّثتم كثيراً عن القيم.. وماذا لو كانت لحياتكم قيمة فقط؛ بوجودها في حياة الآخرين؟
 

شرخ لا يمكن ترميمه

الشاعر طارق حمدان يسخر من هذه القوى السبعة (مجموعة الدول الصناعية السبع، وهي ملتقى سياسي حكومي دولي يضمُّ: كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. ويُعتبر أعضاء المجموعة أكبرَ الاقتصادات المتقدمة في العالم وفقًا لصندوق النقد الدولي وأغنى الأنظمة الديمقراطية الليبرالية) والتي تتحكم في اقتصاد العالم، على إننا كائنات مذنبة بحق هذه الدول، وأننا أغبياء.

سبعة، ثمانية، مئة. ليست الحياةُ حياة حين تغترب عن وطنك، وكل الأوطان لا تنوب عنه وأنهُ أُغتُصب في لحظة ضعفك، وهذا ما يدفع الشاعر طارق حمدان لأن يبين لنا أنه وإن كان يقيم، يستوطن فرنسا، لكنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن فلسطين، ولا يمكن أن يقطع صلته بالوثاق الذي يشده إليها. لا يمكن استبدال أو إزاحة ما هو حقيقي وواقعي عن عرشه، عن فلسطين: مرحبا فرنسا، ها أنا أخرجُ من قاعة البلدية مثقل الكتفين، أحملك كطفلٍ في أوَّل مشيته يحمل جبلاً من الأسئلة، قد أرمي بعضها عندما أتعب، قد أحتفظ بالباقي، أو أتخلى عنها كلها إلاَّ سؤالاً واحداً سيظل يقرع كمطرقة حدَّادٍ في رأسي الصلب: ماذا يعني أن تحصل على بيتٍ جديدٍ بعد أن تُحرَمَ من بيتك؟ الشاعر حمدان يرسم صورته هذه وهو يكزُّ على أسنانه متألماً، فالتسلسل والالتحام بوطن المعيش، هو التحام مزيف. هناك شقٌّ، شرخ، تشقق لا يمكن ترميمه بين ما هو حسي وما حركي.

تحطيم صور الاستبداد

خراب ودمار وموت وحياة، يقابله الشاعر طارق حمدان بالسخرية والتهكم، ما من صورة عنده تخلو من لا معقولية أفعال السادة المتحكمين بدفة الاقتصاد والسياسة والاجتماع، وآلات الحرب البدائية إلى النووية وما بعد النووية، وأظنها وسيلة ليثير إحساس القارئ حتى لا يخاف ولا يذعن ولا يقبل ولا تصطك أسنانه وفرائصه من سوداوية الحياة، وهذا الجحيم الذي يرمي أولاد السبعة فيه أبناء الثمانية والثمانين ما بعد مليارات مليارات البشر الذين تمَّ حرقهم ليضيئوا لياليهم المعتمة. الشاعر طارق حمدان في قصائده هذه يحطم ويقوِّض صور الاستبداد، ويعيد خلق صور جديدة للحياة بعد تفريغها وتجويفها من محتواها اللاَّ إنساني.

The post “تمارين على المعرفة” لطارق حمدان: إعادة خلق صور جديدة للحياة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“لا يُذكرون في مجاز” لهدى حمد: التخييل الغرائبي https://rommanmag.com/archives/21123 Tue, 31 Jan 2023 10:57:59 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%84%d8%a7-%d9%8a%d9%8f%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%88%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%ac%d8%a7%d8%b2-%d9%84%d9%87%d8%af%d9%89-%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ae%d9%8a%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84/ في عملها الروائي الأحدث “لا يذكرون في مجاز” الصادر مؤخراً عن دار الآداب في بيروت 2022، تضعنا الروائية العُمانية هدى حمد في نهر من المعاني والدلالات وهي تفكُّ منظومة الجهل الممنهجة في قرية مجاز التي تستغرق حاضر ومستقبل من يقرأ، والذي عليه أن يبقى خائفاً وجلاً طائعاً خاضعاً لأوامر سلطاتها. هدى حمد تأخذنا من الواقع […]

The post “لا يُذكرون في مجاز” لهدى حمد: التخييل الغرائبي appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
في عملها الروائي الأحدث “لا يذكرون في مجاز” الصادر مؤخراً عن دار الآداب في بيروت 2022، تضعنا الروائية العُمانية هدى حمد في نهر من المعاني والدلالات وهي تفكُّ منظومة الجهل الممنهجة في قرية مجاز التي تستغرق حاضر ومستقبل من يقرأ، والذي عليه أن يبقى خائفاً وجلاً طائعاً خاضعاً لأوامر سلطاتها. هدى حمد تأخذنا من الواقع حيث تسرد لنا روايتها إلى الخيال؛ عن قرية فاسدة، فالتخييل، فالعودة إلى الواقع.

حكايات تبدو خرافية، أو هي كما الخرافة تذكرنا بالأساطير. إنَّ مَنْ يقرأ، من يتعلم العِلمَ في قرية مجاز سيجلب عليها الجوعَ وتجف المياه إن في السماء أو الأرض، بل إن الأطفال سيولدون مشوهين، والموت يحصد من يحصد من الناس والحيوان والزرع والضرع، ونحن مع رواة يروون؛ بثنة تروي لصفيراء مقلبة القلوب، والخبابة تروي لبثنة وصفيراء، والضحاك سيترأس الرواة ويروي عن من تمَّ كمُّ أفواههم، عن المنسيين في مجاز، عن جَدَّةٍ تحب حفيدتها ذات الخبرة في العلاج الشعبي، ولكن منذ قال الأبُ للجدَّة: أنت تمارسين الخرافة المحرَّمة. يهجرها الجميع. 

في الرواية سنقع على جدتين، بثنة الثائبة التي ماتت من مئات السنين والتي في الماضي، الزمن الذي ولّى فتخبرنا عن أحداثه برسائل عن الجدَّة التي في الحاضر؛ إلى الحفيدة. وما بين الجدتين سنرى سلطة قهرية تهيمن على مجاز، سلطة تمارس النفي والإقصاء لمن يفكر بتغيير واقعه الشخصي فكيف بالعام؟. كيف بقرية تتحول إلى زنزانة انفرادية لكل من يعصى ويخالف أوامر سيد الحصن، عُصاة، مارقون ولكنهم مُدهشون، إنهم أصحاب نظرية فكرية، نظرية هدم الجهل بالعلم ولو كلفهم السجن أو الموت، لأنهم لا يكفون عن القراءة التي حرَّمها السيد الحاكم المطلق. الروائية هدى حمد في “لا يذكرون في مجاز” تذكر، تسرد ستة حكايات، حكاية أغرب من أخرى. وفي كل حكاية يُضبط مجرمٌ بتهمة القراءة فيُرسَل بأمر السيد إلى جبل المنسيين في قرية مجاز. والمنسيون هم المُعاقبون بالموت في الحياة بسبب خرقهم قانون منع القراءة، فقرأوا، وأن القراءة تُحدث رجَّاتٍ عنيفة في الدماغ، وتكسر كل السياقات المترابطة بالجهل والتخلف. بل وأنها تأخذ بالقارئ الذي يقرأ الكتاب من الهدوء حيث يخزِّن العلم الذي يقرأه ومن ثم يتشرَّبه إلى الانفجار؛ حيث ينفجر في عنفٍ هجومي على السيد ومساعده، وهذا ما يخافه ويخشاه فاحتاط لذلك السجن، السجن لمن يقرأ.

هدى حمد تهزأ وبمخطط حسي حركي رسمته لروايتها من تلك العلاقة بين سيد الحصن وسكَّانه، بين تلك العلاقة الصارمة والقاسية من السيد الذي يرى أن الحرية وحش، وأن الناس في حصنه، جمهوريته، مملكته، ماخوره، إنما هم رهائن، أو، أو فارون من العدالة. مثل هذا السيد، سيد الحصن ماهو إلا ديكتاتور. يؤخذ على الروائية هدى حمد أنها لم تحرك الحس الانتقامي لدى من (قرأوا) فَسُجِنوا، وأنهم حين هُدمَ الحصن السجن فلن يكتفوا بقتل السيد ومستشاره ومعاونيه مرةً أو مّرَتين.

إنَّ رواية هدى حمد “لا يذكرون في مجاز” تقوم بنيتها على التخييل الغرائبي، كأنها أحلام، رؤى، كوابيس. فتذهب الروائية في رحلة سرمدية إلى الماضي السحيق، لتحكي عن بطش المستبدين بشعوبهم دون خوف، هو الاحتماء بالأساطير حيث تتنفس الشعوب المقموعة بهواء الحرية. فتحكي وتحكي ما يدهش وما يثير القارئ، فتتوالد الحكايات، حكاية من حكاية، حكاية ثنان الغاشي، حارسة العين، الخيول العجائبية، المقايضين، صراع الثيران، وغيرها. 

الروائية هدى حمد  في روايتها هذه تنبش في ذاكرة قريةِ خيالها، قريةٌ خيالية فاسدة ليس كما القرى والمدن الفاضلة، وكأنها تحكي لنا حكايات سحرية من كتاب الخوف والموت والجنيات والأشباح، فتنزع قشرة الجهل والجُبن عن العقل فيتشجَّع على الثورة على سيِّد الحصن ومستشاره الذي يحكم القرية بالحديد، معوِّلةً على الجدَّة “بثنة الثائبة” التي تحرِّض على التمرد والعصيان حين تساعد على قتل الساحر (حبين) فيهدم الحصن ويسقط السيد ومستشاره. 

رواية “من لا يذكرون في مجاز” لهدى حمد (من مواليد 1981)، والتي صار في رصيدها الحكائي من الروايات والقصص: “نميمة مالحة (2006)”، “ليس بالضبط كما أريد (2009)”، “الأشياء ليست في أماكنها (2009)”، “الإشارة البرتقالية (2013)”، “التي تعد السلالم (2014)”، “سندريلات مسقط (2016)”، “أنا الوحيد الذي أكل التفاحة (2018)”، “أسامينا (2019)”. وفيها إذ تستعين بالأسطورة لتمرر آراءها بالسلطة الأمنية، فإنما لتكسر الحواجز والأسلاك الشائكة، وتدك حصون هذه السلطة، ودون أن تستغني عن العلم والفلسفة.

The post “لا يُذكرون في مجاز” لهدى حمد: التخييل الغرائبي appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“معارك خاسرة”… شهادة عن ممارسات الدولة البوليسية https://rommanmag.com/archives/20960 Tue, 23 Aug 2022 06:11:13 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b1%d9%83-%d8%ae%d8%a7%d8%b3%d8%b1%d8%a9-%d8%b4%d9%87%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d9%85%d9%85%d8%a7%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7/ شال أحمر ورخام أبيض وكرة سوداء: ثلاث حكايات في رواية “معارك خاسرة” الصادرة عن دار هاشيت أنطوان/نوفل في بيروت 2022، للكاتبة السورية نغم حيدر، تصوِّر فيها الحياة الاجتماعية والسياسية لما جرى لشخصياتها: مَيّْ وأختها يمنى وأمُّهما هدى أو هدهد في “شال أحمر”، وبهاء الدين حفَّار أسماء شاهدات القبور الرخامية ومساعده في الحفر، وصراعه مع والده الذي ورث […]

The post “معارك خاسرة”… شهادة عن ممارسات الدولة البوليسية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
شال أحمر ورخام أبيض وكرة سوداء: ثلاث حكايات في رواية “معارك خاسرة” الصادرة عن دار هاشيت أنطوان/نوفل في بيروت 2022، للكاتبة السورية نغم حيدر، تصوِّر فيها الحياة الاجتماعية والسياسية لما جرى لشخصياتها: مَيّْ وأختها يمنى وأمُّهما هدى أو هدهد في “شال أحمر”، وبهاء الدين حفَّار أسماء شاهدات القبور الرخامية ومساعده في الحفر، وصراعه مع والده الذي ورث عنه هذه المهنة، وعزمَ أمه على تزويجه باللمز والغمز على زوجته سمية التي لا تنجب أولاداً في “رخام أبيض”، وفاضل ابن سهيل لاعب البلياردو ورفيقه درويش في مدينة السلمية، وعداءه لوالده سهيل الذي قضى ثلاثة عشر سنة سجيناً في أقبية النظام بصفته شيوعياً مُعارضاً في “كرة سوداء”.

 الكاتبة نغم حيدر في قصصها هذه، التي صُنّفت كـ “رواية”، تقوم بإجراء بحثٍ تقشِّر فيه العواطف عن شخصياتها، نحو الكشف عن حقيقة المصائر التي راحت إليها هذه الشخصيات، فتحاول في سردٍ طبيعي أن تبلِّغنا شعور كائناتها من خلال ما جرى لها من أحداث في المأساة السورية التي بدأت عام 2011 ولم تنته.

 الروائية نغم حيدر في “معارك خاسرة” تسرد كيف احتال القتَلَةُ على القتيل، على الفكر وقد خدعوه، على الحدس الأولي عند الإنسان. بل تكتب، تسرد، تحكي، تصوِّر ذاك الانطباع الذي تتركه حلوى هدى-هدهد أمُّ ميّْ عند تذوقه، انطباعٌ مطلق، ولكنه ليس كالانطباع الذي صاد فيه رجال المخابرات ميّْ حين استدرجوها من بيت عمَّتها زبيدة الذي لجأت إليه هرباً من نقِّ أمِّها كي لا تشارك في المظاهرات حين أرسلوا لها رسالة من جوَّال أمها هدهد أواخر شهر حزيران بعدما كانت تتجاهلها طوال الوقت: “تعالي إلى البيت حالاً، أحتاج إليك” أمُّها التي كانت قد أمضت مرّةً أسبوعًا كاملاً لم تكلّم فيه ميّْ فقط لأنّها ألقت بعض النكات عن الرئيس في زيارةٍ لصديقاتِ الشغل في البيت، ميّْ المتظاهرة ضد نظام حوَّل البلد إلى مزبلة وليس مزرعة، وهدهد الأم التي لمَّا الحكي ما عاد يجدي نفعاً مع ميّْ شكَّلت بجسدها حاجزاً كي تحول بينها وبين خروجها للالتحاق بالمظاهرات المناهضة للنظام ذلك كما الذئبة تدافع عن أولادها، وهي المرأة التي التاعت وذاقت ألم فراق زوجها الشيوعي والد ميّْ الذي اعتقل في كمين وغاب في ظلمات السجن، ومن ثم خرج ومات بحادث سير على دراجته النارية. هدى الأم والزوجة البسيطة الساذجة التي احترقت أحلامها، كانت تعرف وهي صانعة الحلوى المنزلية أنَّ الأنظمة الديكتاتورية جلدها قاسٍ وقد تسمح لمواطنيها بالانزلاق عليه، ولكن لا تسمح في النوم فوقه أو تحويله إلى ممسحة.

 في قصتها “رخام أبيض” تسرد نغم حيدر حكاية بهاء الدين الذي كان يعمل منذ طفولته على نحت الشواهد. فقد حفر أسماءً وآياتٍ لا تُحصى على شاهدات قبور الموتى بحروفٍ ما زالت تفتنه، كأنّها كائناتٌ تشعل في داخله جذوة فنٍّ لم يستطع إخمادها. جذوة فوتت عليه فرصة الدراسة فيمشي وراء أبيه إلى الدكّان مُجرجراً آماله الخاصة كلّها كمن يقبر نفسه في الحياة، متخيّلاً أنّ جهنّم موجودةٌ عند باب الدكّان، وما إن يخطو بعيداً عنه مخالفاً رغبات ورضا والده حتى تتلقفه النيرانُ وينتهي خالداً فيها. بهاء الدين كان يدرك أن بعض شاهدات القبور تخفي حفرة يُرمى فيها المحكوم عليهم بالموت لمَّا ثاروا على السلطة. وها هو مُساعِدُه هو الآخر مفتونٌ بالثورة يجري نحو بهاء ويفرجيه شاشة تلفونه كي يتفرَّج على تظاهرات الجمعة الماضية في حارتهم وهو يقول لبهاء: تخيَّل! مشهد الناس وهم يهتفون محتشدين. لقد كان وقع الهتاف عظيماً، يقول بهاء، ولطالما كانت الحروف في بالي شعراً أو آياتٍ أو أسماءً لكنَّني في تلك اللحظة عرفتُ أنّها أصبحت ثورة. نطقتها الحناجر ثمَّ جابت فضاء السوق ورفرفت في سوق المدينة بين هامات الناس وواجهات الدكاكين. شهدتُ تحرُّر الحروف من مكمنها في الصدور. ضرب مساعدي كفّيه ببعضهما مبتسماً ثمَّ أشار بإصبعه على الشاشة. انظر يا معلّمي. هنا فلان. وهنا دكَّان فلان. الكلُّ كان، حتى التمثال الذي نحته ها هو يهمس همساً ناعماً قرب أذني بهاء: بهاء، يا بهاء، قُمْ لنصرخ معاً!. فيلتفت إلى يمينه ليرى امرأةَ الهتاف مستلقية قربه وقد حلّت الشال فبان وجهُها منحوتاً ببراعة. بدت تفاصيله متقنة برغم العتم، شفتاها رقيقتان وأنفها مدبّب وصغير. نظرَ إليها بهاء غير مُصدِّقٍ، وتأمَّلها لوهلة، ثمَّ لمس وجنتها بيده ووضع كفَّه على جبهتها. فابتسمت له ثمّ أمسكت كفَّه قائلةً: أهذه هي الأصابع الحارَّةُ التي صَهرَتِ الرخام؟ ما أحلى ما تصنعه. 

قاسيةٌ نغم حيدر تمدُّ نفقاً بين الأحياء والأموات، نفقاً تعبر منه الأرواح لتمرَّ من تحت قوس نصرٍ- ولكنَّها لا تمر، لقد استهلكنا المعرفة وبعد لم نمسك بالأعماق السحيقة للحياة، من جلادٍ إلى جلاد، والأكثر بؤساً يصير حمالاً يحمل الفرح. نغم حيدر لا تني تروِّض القصة/الرواية على تحمل آلام الوجود. فها هو أبو بهاء يخاطب ابنه: اسمع يا بهاء. الأمور متوتِّرة كما تعرف. نحن ليس لنا علاقة بأيّ شيء، أفهمت؟ إيِّاك والتدخُّل أو التفوُّه بحرف. نحن أناس لا نحبُّ المشاكل. 

 ما الذي فعلته الدولة البوليسية بالناس حتى يخافوا ويجبنوا، كيف سيتم استدعاء التاريخ وقد تلطَّخ بدماء الضحايا، وأبو بهاء يذهب من الخوف من بطش النظام بوصفه ضحية إلى التعامل مع ضحايا الثورة بوصفهم بضاعة، فقد طلب من بهاء أن يأمر مساعده بأن يرفع سعر شاهدات القبور فالموتى سيزدادون. بل عليه أن يعمل بوتيرة أسرع ويوظّف مساعداً آخر، الموتُ سيكثر، قال.

 لكن بهاء وبعد أن حملت زوجته سمية بولد، ها هو يجلس إلى طاولة الشغل ويبدأ بطرقِ الرخام. لقد كان صوت الحفر عالياً وهو يدق على الشاهدة اسم أبيه بعمق، وبصلابة وبدقّة: الحاج أبو بهاء الدين. الفاتحة. لقد كانت أجمل شاهدة نقشها بهاء في حياته كلّها. فوضع عليها قطعة قماشٍ سميكة مغطّياً إيَّاها، ثمَّ خبَّأها في أخفض رفٍّ بعيداً عن الأنظار. وجلس وهو يفكّر في تلك الشاهدة التي ينقصها التاريخ فقط… يوم. شهر. سنة. 

 الكاتبة نغم حيدر في قصتها الأخيرة “كرة سوداء” تتابع شغلها وحفرها في الواقع الاجتماعي والسياسي السوري محمِّلة الآباء مسؤولية عسر وإخفاق وسقوط المشروع النهضوي. طبعاً هي روائية وليست فيلسوفة لكنها تحاول قراءة ما آل إليه السوريون خاصة في الخمسين سنة الأخيرة وهي تنتقل في القراءة بين الأسباب المادية والصورية والغائية، تُشرِّح الوعي الزائف الذي تتم مأسسته ليدمِّر المعرفة بالحرية ويدفعها نحو التلاشي. هي عملية اغتيال؟ ربَّما.

 فالكرة السوداء الثامنة في منتصف طاولة البلياردو وفاضل ابن سهيل يربح بضربة ودرويش أخذ يصفّر ويصرخ فاضل، فاضل! فاضل الذي ينتقم من أبيه سهيل فيسرق موتوره، ويتمنّى أن يأخذ منه كلَّ أشيائه ويجرِّده من ممتلكاته. فهي بالنسبة لفاضل مثل غنيمة ذهبية برَّاقة. وهذا ما أثار غضب والدته التي سألته: أتريد أباً على مزاجك؟ هذا ما جادت لك به الحياة. فيردُّ فاضل عليها قائلاً: بأنّ سهيل فضَّل النضال السياسي عليه. غاب في السجن من أجل أمرٍ لا يعنيه ولا يفهمه. لماذا لا أكون أنا القضيَّة يسأل فاضل؟ ويجيب: سأستهزئ بالفكر بقوَّتي العضلية وأصرعُ قضاياه كلّها بجسمي الفتيّْ. وأبرهن له أنَّ الفكر هراءٌ وأنّ العضلات هي الأبقى. غير أنَّ فاضل يستمر في حقده على والده سهيل وبحسٍّ انتقامي حين تخبره أمُّه أنَّ (الأمن! أخذ أباك اليوم صباحاً). لكنَّه وبكل برودة يتساءل: أما شبع منه لثلاث عشرة سنة؟ لكنَّ الأم ترى أنَّهم اعتقلوه لأنَّ لديهم مع سهيل حقد قديم. ما هذه الأقدار يا الله؟. 

 الروائية نغم حيدر (من مواليد دمشق عام 1987) في روايتها هذه، تقدم شهادة عن لامعقولية ممارسات الدولة البوليسية وشفافيتها الزائفة، فتكتب بالقوَّة القانونَ- قانونها، مُلغية، بعد المصادرة العقلَ الفلسفي كما العقل العملي، فلا مُجابهة، بالتالي يبطل التحدي وتبقى المعركة مستمرة.

The post “معارك خاسرة”… شهادة عن ممارسات الدولة البوليسية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
«اسمعني يا رضا» لسارا صفيّ الدين: ثورةٌ على الجحيم https://rommanmag.com/archives/20910 Wed, 22 Jun 2022 13:56:32 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d8%b3%d9%85%d8%b9%d9%86%d9%8a-%d9%8a%d8%a7-%d8%b1%d8%b6%d8%a7-%d9%84%d8%b3%d8%a7%d8%b1%d8%a7-%d8%b5%d9%81%d9%8a%d9%91-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9%d9%8c/ في عملها الروائي الأوّل “اسمعني يا رضا “، الصادر في بيروت عن دار هاشيت أنطوان/ نوفل 2021، تطرح الكاتبة اللبنانية سارا صفيُّ الدين مسألة الوجود واللا وجود التي تعاني منها المرأة العربية، فبطلتها سارة الحاج حسن تقاوم باستماتة متمسِّكةً بفعل الأمر (اسمعني) لإثبات وجودها وهي تعيش ألماً عظيماً في ظل غياب حبيبها وزوجها رضا، سارة […]

The post «اسمعني يا رضا» لسارا صفيّ الدين: ثورةٌ على الجحيم appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
في عملها الروائي الأوّل “اسمعني يا رضا “، الصادر في بيروت عن دار هاشيت أنطوان/ نوفل 2021، تطرح الكاتبة اللبنانية سارا صفيُّ الدين مسألة الوجود واللا وجود التي تعاني منها المرأة العربية، فبطلتها سارة الحاج حسن تقاوم باستماتة متمسِّكةً بفعل الأمر (اسمعني) لإثبات وجودها وهي تعيش ألماً عظيماً في ظل غياب حبيبها وزوجها رضا، سارة قلقة حائرة تبثُّ رضا– لا تستعطف القارئ، شوقها وغيرتها وألمها على غيابه المفاجئ وعدم قدرتها في العثور عليه رغم أنَّها بلَّغت عن غيابه مخفر الشرطة، من أن يكون أحدٌ ما قد خطفه أو قتله: نعم لا تعجبني الأبواب يا رضا. تذكّرني بالفراق. وأنت كنت تعلم ذلك جيِّداً، فكم من مرَّة أزحتك عن الباب حتى نكمِّل حديثنا بعيداً عنه؟ وكم مرَّة رأيتني أفتح جميع أبواب غرف منزلنا حتى لو لم نكن سندخلها؟ لكنَّك بكلِّ ثقة يا رضا، فتحتَ باب منزلنا، خرجتَ، ثمَّ أغلقتَه واختفيتْ. 

كيف اختفى؟ وهي بأمسِّ الحاجة إليه، فبعدما يتزوَّج الرجل بالمرأة، ويصيران زوجين، وقد كانا، أو كان القلب قلبيهما ينبض بالحب والاشتياق في فترة التمرين على الزواج، يقع التباعد الروحي، ثمَّ يليه المادي، يتباعدان، وشيئاً فشيئاً تصير المرأة بالنسبة للرجل خشبةً أو شجرةً يابسة أو نبع ماء جفّْ. وهذا ما يذبح سارة، ورغم ذلك ما تزال تنتظر عودته:  سأخبرك أمراً آخر، أشعر بأنَّ كلَّ ما تحتاج إليه الفتاة في حياتها هو اهتمام رجل. تنضج الفتاة عندما يغرم بها أحدهم لأوَّل مرَّة. تزيد ثقتها بنفسها فجأة. والأب هو اهتمام الطفولة في حياة الفتاة. هو يزوِّدها بالحبِّ والثقة. لذلك عندما يرحل اهتمام الأب، اهتمامك يا رضا عليه أن يبقى. فأنت الرجل الذي بقيتَ بعد الأب!.

سارة فقدت أباها وأمَّها وهي في العاشرة من عمرها، وهذا شكَّل لها عقدة نفسية، إذ كانت تستمدُّ قوَّتها من وجوده، ولمَّا تزوَّجت رضا فكانت تعوِّل عليه، فوجودها من وجوده- لا وجود لها إلاَّ بوجود رضا. هي مسألة (الإنوجاد) من صُور إلى بيروت وتفقد رضا. سارة الحاج حسن بطلة الرواية تحبس في أعماقها أسئلة وجودية، وهي تتلمَّس بذور ثورة على الجحيم الذي وُلِدَت فيه كونها أنثى، ولكنَّها تتردَّد وتصبر، عسى يرد عليها رضا الذي غابَ ولم يرجع وهي تعاتبه: ما زلتُ امرأةً تحتاج إلى رسالة عليها عطر، أو إلى كلمة، أو حتى نظرة. أنا إنسان والإنسان لا ينتهي يا رضا. لماذا عليَّ أن أشعر بأنَّ للحبِّ والاهتمام صلاحيةً تنتهي؟ كأنَّ الأمسيات الرومانسيَّة لا تليق إلاَّ بالحبِّ الجديد. كأنَّ أغاني الحبِّ والورود لم تعد مسموحة لأمثالنا.

سارة امرأة بسيطة تريد أن تخرج من اللاوجود إلى الوجود وهي المتعلِّقة برضا إلى درجة الهوس به عشيقاً وزوجاً لكنَّه غابَ فجأةً صار غريباً، وصارت تعاني ألاماً من وجوده؛ الوجود الغائب/. أين هو رضا؟ أهو لغز؟ سارة ما عادت تملك نفسها فتعبِّر عن مشاعرها: أنا غاضبة من رضا كثيراً. وأيضاً أشعرُ بالقلق عليه. لا أعرف. أشعر بأنَّه عندما يكون شخص ما بعيداً إمَّا أن يكرهه الشخص الآخر أو يقع في حبِّه بإفراط. أنا لا أعرف ماذا كنت أشعر تجاه رضا. شعرت فقط بأنّني لم أعد أعرفه. سارة  تُصعِّدُ من غضبها وأسئلتها الوجودية، وصارت تخشى أكثر ما تخشى أن يكون قد تزوَّج عليها. هل غيابه يعني أنَّه في حالة زواج، وصار عندها ضرَة، سارة تريد من رضا أن يسمعها، هو يسمعها  أم أنَّه لا يسمعها لأنه غير موجود، ولكن وجوده هو الذي خلخل حياتها؛ رجَّها رجَّاً وهي تنتظر عودته على عتبة باب البيت: أين رحلت صباحاتنا يا رضا؟ أنا أخاف! أخاف على صباحاتك، من أن تدخل عليها واحدة غيري. 

سارة/البطلة في “اسمعني يا رضا” تتأرجح بين الماهية والوجود، فلا تبقى بين جدران البيت تنتظر الذي يعود ولا يعود. فمعاناتها عقلانية، ولكنها معاناة في لحظة عدمية تحاول استعادة ونقض ما تستعيده لو عاد- عاد رضا. سارا صفي الدين تشتغل على شخصية سارة بطلة روايتها تباطن اللا فعل – لن يعود رضا، بالفعل قد يعود رضا. في الحالين اللا فعل والفعل تؤكِّد الروائية سارا على لسان الراوية سارة نفي عودة رضا لإثبات وجوده، مع إنه في الوجود. سارة صفي الدين تلعب معنا في روايتها “اسمعني يا رضا” لعبة الوجود والعدم، تكرُّ وتفرُّ بين اليقين والشك. مطمئنة في أنَّه يعود، وغير متأكدة ومطمئنة في أنه يسمعها، ثمَّة فعل وقصد في أن سارة تدرك وجود رضا، لكنها تغيبه قسراً لتعيش هذا القلق الوجودي على مدار زمن الرواية.

سارة رضا تقاوم الموت والغربة كأنثى؛ امرأة حاضنتها الدينية والاجتماعية تراها كينونة منقوصة الوعي والوجود؛ نصف كائن إنساني عندما يهينها وينتقص إنسانيتها كل من حواليها إلاَّ والدها الذي تحن إليه كونه حفظ لها كينونتها كاملة. وها رضا الذي تعوِّل عليه حبيباً وزوجاً يفلت من يدها في هذا الغياب؛ الغيبوبة. إذن؛ ونقولها بصوتٍ عالٍ؛ اسمعها يا رضا، فالأنا الإنسانية لزوجتك سارة، وإدراكها لحريتها كأنا – إنية، هناك من يتربَّص ويترصَّد لسحبها منها ويحيلها إلى عدم. 

The post «اسمعني يا رضا» لسارا صفيّ الدين: ثورةٌ على الجحيم appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“في كل مكان من المنفى” لناتالي حنظل… شعر يتدفّق كينبوع ماء https://rommanmag.com/archives/20844 Tue, 19 Apr 2022 07:36:04 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%81%d9%8a-%d9%83%d9%84-%d9%85%d9%83%d8%a7%d9%86-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d9%81%d9%89-%d9%84%d9%86%d8%a7%d8%aa%d8%a7%d9%84%d9%8a-%d8%ad%d9%86%d8%b8%d9%84-%d8%b4%d8%b9%d8%b1-%d9%8a/ في قصائدها تقترحُ، أو تضعُنا ناتالي حنظل، الشاعرة الأمريكية من أصولٍ عربيّة فلسطينية؛ في عالمٍ ينوس ما بين ملَكَتَيْ التخيُّل والواقع. فأشعارها في دواوينها: “قصيدة نفرفيلد (1999)”، “حيوات المطر (2005)”، “الحب والخيول الغريبة (2010)”، “شاعرة في الأندلس (2012)”، “النجمة الخفية (2014)”، والتي صدرت مؤخراً مختارات منها، ومن قصائد لم تطبع بعد في كتاب بعنوان “في […]

The post “في كل مكان من المنفى” لناتالي حنظل… شعر يتدفّق كينبوع ماء appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

في قصائدها تقترحُ، أو تضعُنا ناتالي حنظل، الشاعرة الأمريكية من أصولٍ عربيّة فلسطينية؛ في عالمٍ ينوس ما بين ملَكَتَيْ التخيُّل والواقع. فأشعارها في دواوينها: “قصيدة نفرفيلد (1999)”، “حيوات المطر (2005)”، “الحب والخيول الغريبة (2010)”، “شاعرة في الأندلس (2012)”، “النجمة الخفية (2014)”، والتي صدرت مؤخراً مختارات منها، ومن قصائد لم تطبع بعد في كتاب بعنوان “في كل مكان من المنفى”  2022، الصادر مؤخراً بالعربية عن دار فواصل السورية وبترجمة الشاعر والمترجم أحمد م. أحمد. هي أشعارٌ تحاول تَفَهُّمَ الجمالَ وفصلِهِ عن رُكام البشاعة الذي يحكم عالمنا: “الجدران أكثر رقّة الآن، تتشبَّثُ يداي بالصخبِ الذي تركته وراءَك، الفِقد الذي يصمُّ الحُجرة. انظر، هناك حريقٌ شبَّ تحت البساط الفارسي، هناك خطٌّ من الفضَّة يتأجَّجُ حول لُفافتك. أعطني زنبقةً، قصَّ عليَّ حكاية القمر، حين باعَدَ ما بين جسدينا
ليفسحَ مكاناً للحمائمِ في قاع قلبينا”.

هي أشعارٌ وإن كانت مكتوبة بـ”الكلمة”، والانكليزية، باعتبارها اللغة الأم للشاعرة، فإنَّها تُحمِّلُها صوراً وأصواتاً: أن تنتمي، ولو احتفظتَ بالساعات في خزانتك- سيستغرقُ سنواتٍ أن تنسى شخصاً تطلَّعَ إليكَ وحسب -سيستغرقُ سنواتٍ لكي تفهم لماذا وأنت تمشي ستُملي الأوراق طريقةَ النبض على قلبك- سيستغرقُ سنواتٍ أن تحبس الريحَ في فمكَ وتجعله يتَّسعُ لما لا طاقة له به لتاريخ اشتباك قمرين يهويان بعد مطرٍ غزير، ومن ثمَّ تُذكُّرك باقة الزهر- أنَّ الأمر يستغرقُ سنواتٍ لكي تعود من الجهة التي تشطركَ إلى نصفين. صورٌ قاسية على رقَّتها.

ناتالي حنظل تلعبُ بالأحاسيس، فكلماتها التي تدوِّنُ بها قصائدها ذات النزوع الإنساني تتحوَّلُ إلى أشكالٍ، إلى لوحاتٍ ألوانها ذات مؤثراتٍ بصرية، وإلى أصواتٍ نغماتها تصدح: فلنقُل إنَّكَ حملت ملح البحر ووضعته على شفتيَّ، فلنقُلْ إنَّكَ بُحتَ لي عند الظهيرة بأنَّ كلمات أغنياتك الشهيرة ليست لكَ. فلنَقُلْ إنَّ قلبكَ ينزف فوق يديَّ، وأنَّكَ تلفَّظتَ باسم امرأةٍ أخرى وأنت في الداخل. فلنقُلْ إنَّك أريتَني عينيكَ اللتين يتطاير منهما الشررُ وابتسامتَك المتصلِّبة وجانبك الآخر، الوعرَ والمهول. فلنقُلْ إنَّك تستحضر لي عطرَ الشهوة وتترك للشمس أن تقعَ ما بين سيقاننا. هل سيكون ذلك كافياً أم لا أيُّها الغريب العاشق. 

 سباحةٌ، اندفاعٌ، ارتفاع. انحلال، ذوبان. تحويل الحياة إلى صور، إلى نغماتٍ وإنْ كانت تبعثُ على الحزن. ولكنَّها صورٌ تأخذ إلى الارتقاء بالمادي كي يتسامى الشعور. ناتالي حنظل وإنْ راحت إلى الروحي وحلَّقت، لكنَّها تشدُّنا إلى الأرض، وإلى طعم ترابها مهما حلَّقت بِشِعْرِها- صوره وموسيقاه، نحو السماء بفعل قوَّة اندفاع أحلامها: لأنَّنا لم نعد نسمعُ سنابك الخيل، لأنَّنا لم نعد نراها ترمح، لم نعد نراها تنتصب على الشاطئ المرجاني، تساءلنا؛ أين تختبئ موسيقا الصوت البشري؟ هل تستطيع أن تجد أغنيتَها في البحر، وأنت ترتابُ في مياهه، في الحقل، وأنت ترتابُ في هشيمه، في براعم الكرز، وأنت ترتابُ في تربته، ما بين أميالٍ من أجذالِ الأشجار المرمية. أو ربَّما في الصقيع ما بعد الهجير؟ لأنَّنا لم نعد نرى ما هو مقدَّس ونديّْ، لأنَّنا استجرنا بالجبابرة التيتان ولصوص الخيل، كانت الرسالة اليتيمة التي أرسلوها: في نهاية الأمر، ستهدرُ الطبيعةُ، وتُغرقُ، وتُدمِّرُ، وتسود، سألنا، أنجرؤُ على الحبِّ علَّنا نعثرُ على الأسطورة المنسية في الموسيقا، بينما يعلو العشبُ حتى يطالَ بكاءنا. 

 الشاعرة ناتالي حنظل هي كالسابح في الفضاء ولكنَّه فوق الأرض، على الأرض متماسكٌ وإن كان ترابها ثقيلاً وقاسياً، وهو العنصر الذي سنعود إليه. ناتالي وجهاً لوجه، وصورها مثلما هي حسيَّة، هي مادية، مادية خصبة: سمعتُ أنَّني أرمنية تؤمنُ بأنَّ النجومَ هي شظايا من تاريخِ برقٍ مضى في الفضاء، سمعتُ أنَّ في عروقي دماً رومانياً، وأنَّ أخي تركي ويوناني، سمعتُ أنَّ قلبي قرب مسجد عُمَر قرب كنيسة المهد إلى جوار تعويذةٍ ورجلٍ عجوزٍ بلا أسنان وبلا مفاتيح. سمعتُ أنَّ قصائدي ألت حجارةً تحملُ أحرفاً آرامية، سمعتُ أنَّ الغزاةَ يدفعون بالأهالي، وأنَّ الأهالي يودِّعون أسماءهم لدى الأشجار، وأنَّ الأشجار تردِّدُ الآياتِ التي تركتها الحريَّة، سمعتُ أنَّني كنتُ بيتاً شُيِّدَ من ضوءٍ متوسطي غير أنَّي سمعتُ ذلك في الربيع وهنا قد لا يحلُّ الربيع بعد الآن- أخذوا كلَّ أشجارنا- ربَّما يسوع مَنْ يستطيع تفسير ما حدث، أو ربَّما كل ما احتاج أن أتذكَّر أني سمعتُ- وهذا ما أعرفه- بأنَّي عربية، وأنَّ الأحياء السبعة في المدينة القديمة قد تركت لي سبعة مفاتيح كي أستطيع الدخول على الدوام.

 ألحانٌ مأساوية، ألحانٌ هي مواقف فكرية، هي عواصف جامحة ينقاد لها الإيقاعُ صاخباً، عاصفاً، متدفقاً، رقيقاً كينبوع ماء. ناتالي حنظل أشعارها تأخذُ بِكَ من اليأسِ إلى الوجد. ومن صورةٍ إلى صورة، ومن فكرةٍ إلى فكرة، ولكنَّها الصورُ، الأفكارُ التي لا تأتي إلاَّ بعد أشدِّ الآلام تعذيباً؛ آلام الولادة.

The post “في كل مكان من المنفى” لناتالي حنظل… شعر يتدفّق كينبوع ماء appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“الجنة أجمل من بعيد ” لكاتيا الطويل: صرخات التمرُّد https://rommanmag.com/archives/20826 Fri, 25 Mar 2022 07:25:40 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%a9-%d8%a3%d8%ac%d9%85%d9%84-%d9%85%d9%86-%d8%a8%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d9%84%d9%83%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%88%d9%8a%d9%84-%d8%b5%d8%b1%d8%ae%d8%a7/ تمنح شخصياتها حرية إبداء الرأي باعتبار أنَّهم ليسوا ضحايا صامتة

The post “الجنة أجمل من بعيد ” لكاتيا الطويل: صرخات التمرُّد appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
في العمل الروائي الأحدث “الجنة أجمل من بعيد” للكاتبة اللبنانية كاتيا الطويل؛ الصادرة عن دار هاشيت أنطوان/ نوفل في بيروت 2021، وهي الرواية الثانية بعد عملها الروائي الأوّل “السماء تهرب كل يوم (2015)”، كلا الراوي وشخصيات الرواية على غير وفاق. راوٍ يريد أن يكتب روايته، وشخصياتٌ تنقلب عليه كما لو أنها تريد أن تكسر يده لا قلمه فحسب. فإما أن يكتبوا روايتهم، أو أنهم لن يسمحوا له بالكتابة. صراع بين خالقٍ ومخلوقاته، ولا مجال للتقارب أو التفاهم في عالم متوحش، متقهقر، الإنسان فيه أعزل.

غنائيّة عنيفة

الروائية كاتيا الطويل (من مواليد 1990)، تكتب عن صرخات التمرد عند الإنسان، فهي وشخصيات روايتها التي تكاد تتغلب عليها- تقهرها، ولا تنقهر لأنهم من صنيعتها، تمارسُ على قارئها عنفاً، أو هي تكتب روايتها بغنائية عنيفة عن عزلة وخيبة الإنسان الميتافيزيائية. وجود ولا وجود.

لعبة روائية، أو مغامرة. فلا يهز الإنسان رأسه بالموافقة وهو يصغي للنصائح والإرشادات في الاجتماعات القطيعية وكأنه مثل الحيوانات التي تبحث، أو التي لا تريد غير الطعام والدفء. نصائح خادعة ووقحة لتسلبك حريتك. كاتيا الطويل تُحرِّض شخصياتها على عصيانها، فلا يستسلموا لها في الوقت الذي تعمل فيه على السيطرة عليهم، فتهاجم من خلالهم خور البشر الذين يتحولون إلى غوغاء ورعاع. تريد منهم أن يثوروا وبعيداً عن سلطة ووصايا الآلهة. لكنها وهي تحاول ترويضهم، ولا يتروضون على العيش كما تريد، تراهم لا يأبهون لسأم الحياة وعبثيتها وآلامها. هم مصممون على تحديها، هم ضد الضعف الإنساني، ضد طردهم من الحياة والحياة لهم: أنا الغريب الذي لا يعرف لماذا خُلق سأبدأ هذه الرواية من دون انتظار الكاتبة. سأكتب روايتي، وستساعدونني في ذلك. أطالب بحقي في أن أكتب روايتي بنفسي.

شخصيات متمردة حيناً ومسالمة حيناً آخر 

الروائية كاتيا الطويل تروي عن عجز الإنسان وجهله وضعفه وحيرته وبحثه الدائم عن ذاته، وإن ادَّعى مستخدماً عنجهيته بعدم مبالاته بالناس مثل من وضعَ يده على الحقيقة ووقف موقف الحياد: لديَّ نوع من اكتفاء ذاتي بنيته لنفسي ورحتُ أربِّيه كلَّ يوم وأرسله إلى مدرسة الحياة. لستُ أنانياً. أنا فقط لا أبالي بالناس. لا أكرههم ولا أحسدهم ولا أتعلَّق بهم. أساعدهم متى استطعت. أسايرهم عند الضرورة. أتجنَّبهم عموماً. الواقع أنَّني لم أتعلَّم يوماً كيف أدَّعي أنَّني أبالي. توقَّفت عن المبالاة. هكذا. ببساطة. ليس عن تكبُّر أو عن أنانية. لا أبالي لأنّني لم أتعلَّم أن أبالي كما لم أتعلَّم أن أحب. الأمر على هذه البساطة. إمَّا أن تتعلَّم وإمَّا أن تبقى حياتك بأكملها عاجزاً عاطفياً. وأنا لم أجد مَنْ يعلِّمُني أن أبالي. كان أبي مشغولاً بواجباته الاجتماعية بينما لم تعلم أمي كيف تؤدِّي دورها كاملاً. ربَّما هي الأخرى لم تكن تعرف كيف تبالي. أو كيف تحب. ربَّما هي الأخرى لم يعلِّموها. 

كاتيا الطويل ومعها شخصياتها المتمردة حيناً والمسالمة حيناً آخر في صراعها، الرواية تقوم على صراع أفكار- لا ترى أن الحقائق ملقاة على قارعة الطريق، أو أنها تعوم فوق بحر من الزئبق. لا استسلام، فالكاتب والراوي وشخصيات الرواية هم الحكَّام والشهود المخيفون. لا يبالون؛ ولكنهم غير تائهون ولم يصابوا بمرض فقدان الذاكرة أمام فوضى الحياة المخيبة لآمالهم. فالحقيقة أن تثور من أجلها لأنها ضرورة روحية، ليقوم،  ويستمر ذاك الصراع بين الكاتبة التي تتوقف عن البحث والكتابة في عملية تبادل أدوار بينها وبين الشخصيتين المركزيتين- بين قرائها، فيكتبان عنها روايتهما؛ الرواية لعبة فنية يلعب فيها الرواي مع شخصياته، فيوقفونه عن الكتابة ليكتبوا ما يعانونه وما يفكرون به، فلا أحد يعاني عن أحد – وإن جازَ وصار؛ فلا أحد بالتأكيد يمكن أن يفكِّر عن أحد. 

إنَّ الروائية كاتيا الطويل في روايتها “الجنة أجمل من بعيد” تتحد وتنفصل عن شخصياتها، تكتب وتستعين بالقرَاء وبشخصيات من الروايات العالمية مثل: أنا كارنينا تولستوي، فاوست غوتة، جولييت شكسبير وغيرها، لا لتغذي الرواية بالثرثرة، ولكن لتفرض عقداً روائية هي من اعترافات شخصياتها وصراعهم مع الراوية المؤلفة؛ إنها ترجمة ذاتية لما يفكِّر فيه الإنسان من تقييد لحريته.

كاتيا الطويل تلعب بالسرد بحثاً عن شكل روائي القارئُ طرفٌ في بنيته، وتورد سبع محاولات لكتابة روايات فاشلة: اللامبالي، المهمَّش من قبل أسرته رغم حيوته وتفوقه، الكذَّاب، والسارق-الحرامي، بائع الجرائد الذي يشتغل مُخبراً للأمن، والمهرِّب،  والمعتدي على أرزاق جاره- على نبع مائه. وهي إذ تكتب روايتها “الجنة أجمل من بعيد” وضمن شروط وجودية التمرُّد، وذلك لتكسر القاعدة التقليدية للكتابة الروائية، ولتدفعنا للدخول في مشكلة الشكل الروائي الذي تقترحه في إشراك القارئ في كتابة الرواية مع (أنا) الراوي المركزية، التي تمارس سلطة مطلقة في تأسيس ديناميكية السرد الروائي، حتى وهي تمنح شخصياتها حرية إبداء الرأي باعتبار أنَّهم ليسوا ضحايا صامتة، كما في الروايات التي يذهب أبطالها إلى مصائرهم رغبةً أو رهبةً. 

The post “الجنة أجمل من بعيد ” لكاتيا الطويل: صرخات التمرُّد appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“احتضار عند حافة الذاكرة”: ذاكرة مثخنة بالجراح https://rommanmag.com/archives/20808 Tue, 08 Mar 2022 21:25:44 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d8%b6%d8%a7%d8%b1-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d8%a7%d9%83%d8%b1%d8%a9-%d8%b0%d8%a7%d9%83%d8%b1%d8%a9-%d9%85%d8%ab%d8%ae%d9%86%d8%a9-%d8%a8/ مغامرة فنية، حدثٌ، أحداثٌ تحملها الرواية تنهض ما بين الشعر والنثر

The post “احتضار عند حافة الذاكرة”: ذاكرة مثخنة بالجراح appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
بسردٍ حُرٍّ وسَلِسٍ يسوق الروائي الفلسطيني أحمد الحرباوي أحداث روايته الجديدة “احتضار عند حافة الذاكرة”، الصادرة حديثاً عن دار نوفل/ هاشيت أنطوان (بيروت – 2022)، والتي أتتْ بعد ثلاث روايات، هي: “أمرُ من السُكر (2013)”، “في كانون يموت الحب حياً (2015)”، “خيانة مقدسة (2016)”. إذ تبدأ أحداثها مع العام 1914 وحتى عام 1953، حيث يوثّق فيها المؤلف الأحداث السياسية والاجتماعية في فلسطين، تحديداً في مدينة الخليل.

تبدأ أحداث الرواية عند أولى أبطالها فنتعرَّف إلى “ليئا” اليهودية التي سرعان ما تُقتل فتظهر ميسون زوجة المختار ولمياء وبريجيتا وإيلين والأب إبراهيم، والحاخام، الحاخام الذي ما أن يسمع باسم إيلي حتى يتعكَّر مزاجه بل قد يسبِّب له جلطة، إنه كابوسه الوحيد وعليه التخلص منه بأي فرصة مناسِبة. ثم إلى استنفار قوات الدولة العثمانية التي تجنِّد كل من يحمل السلاح ليدافع عنها في الحرب العالمية الأولى أو ما سُمي حرب “السفر برلك” حيث الشباب والرجال يُساقون إليها، إلى حربٍ لن يعودوا منها ومشاهد خراب وحالات يأس وموتٌ قبل الموت؛ وإيلي الذي ضحك قبل موته دون أن يودِّع ابنته الوحيدة، ودون أن يعرف بأن زوجته ماتت ودُفنت في مكان لا يعرفه أحد، الجوع والقتل، والدم المسفوك في الساحات، والأطفال فوق أكوام القمامة، والنساء اللواتي يبكين أزواجهن وأولادهن وأشقائهن حين ساقتهم الجندرمة العثمانية إلى الموت غصباً عنهم:

“يلّي ساقوا وِلّفِكْ ع السفربرلك

شو بتنفعك غوايش الذهب

الدهب ما بيضللك

فِزّيْ لعند الخواجا

قبل ما يّنَفّقْ ويبيع العنب

الدمع ما بيشطف بكرا خطاوي حبابك

عن عتبة دارك

وما بيروي عطش الغربة ساقي بِقِرّبة ولا بفخار”.

يُسمعنا أحمد الحرباوي هذه الأهازيج؛ الأغنيات التي تقوم عليها بنية الرواية، ليكشف عن الخواص النفسية لذهن شخصياته مُستغربةً وساخرةً ومتالِّمة إذ تصير الأهازيج ذات فاعلية فيزيائية تبين انفعالات الشخصية:

“يا مدَعْسه قطوفك بكعاب الحنّة

عين الأفندي ما بترحم تَعَبْ

ما تشَمّري ع الرمانة

ليغار من العنب

يا حاملة قطوفك بقماش سْرِنك

قولي للفندي ما يكتر شُرب

لولا العازة وجورة خالي

ما رضينا ناكل من صحن الجُرُبْ”.

فقير وغني، غاصب ومغصوب. والخليل خلت من الرجال، وأهزوجة مليئة بالدراما، بالصراعات تقوم بنقل الفعل، بل تصبح مصفاة سيميائية ترسم صورة للظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بل تبرِّر الأفعال التالية لشخصيات الرواية: 

“غرب الراعي يا صبية

بِعِبّكْ بيض القز

بعد الخير يا بنية

دلب التوت بينعز”.

أهزوجة، أهازيج استغرقت بحثاً ودرساً طويلاً من الروائي ذلك لأنها تُصور مشاهد مفجعة، وتخفي حوادث إنسانية، وكونها حامل الرواية التي تقوم بنزع أقنعة الزيف في مداهنة المحتل. أهازيج استخدمها الروائي أحمد الحرباوي ليطرد الدُمى من أعماقنا. أهازيج هي ضربات، شفرات، سكاكين؛ سكاكين روائية تقوم بتحليل نفسي روحي لجيلٍ ضُحيَ به في الحرب العالمية الأولى وما تلاها. الحرباوي لم يُزيِّن بها الرواية، بل كانت المحرِّك/دينامو الأحداث لرواية تقدم موقفاً جمالياً وأخلاقياً وفلسفياً من حربٍ لا ناقة لنا فيها ولا جمل، سوى أن نكون حطباً لها، وفوقها تصير فلسطين قرباناً للصهاينة. الحرباوي يجعل السرد في “احتضار عند حافة الذاكرة” تأملياً واقعياً وغنائياً؛ كما لو إنه يرثي الذاكرة المثخنة بالجراح وهي تحتضر. فمأساة حرب “السفر برلك” هي موضوع مأساوي يسبر فيها شعور وانطباع شخصياته، والمرحلة التاريخية ليحقق الصدمة: كان الأب إبراهيم يسرُّ لنفسه بأنّه مرتاحٌ لفكرة خروج الأتراك من الأراضي المقدّسة، فهذه ستكون أجمل هدية من الممكن الحصول عليها، لذلك أصبح لا يتدخَّل في أيِّ أمر يتعلق بإيواء الفارِّين من السلطة العثمانية، إلاَّ إذا شعر بأنَّه يهدِّد أمن الرهبان والكنيسة. وقد منحه شغف بريجيتا بمساعدتهم ووساطتها لديه من أجلهم بعضاً من الثقة، كما أنَّ وجودهم وفَّر له أيدي عاملة ماهرة إضافية في مزارع الكنيسة، لأنَّهم في أوقات مَلَلِهِم يتوجَّهون إلى الأرض، وقد باشروا بتعليمه كيفية صناعة الدبس والمربَّى الخاص بشتى أنواع الفواكه التي تُزرع في جبال الخليل، وخاصَّة مربَّى السفرجل والعنب والمشمش، ووعدوه بتعليمه كيفية صناعة الكُسبة في وقت لاحق عندما يحلُّ الصيف وينضج محصول السمسم. 

مغامرة فنية، حدثٌ، أحداثٌ تحملها الرواية تنهض ما بين الشعر والنثر، كي يكون التأثير أقوى. طبعاً لا يُخفي المؤلف تلجلجه واندفاعاته وحماسه، إذ يقف وراء الأزجال التي تؤدي دوراً نقدياً فيها تحدٍّ للفناء؛ فناء الإنسان الفلسطيني وإن كانت مدينة الخليل مسرح الأحداث التراجيدية لروايته، بل إنه يكشف عن شجاعة شخصياته من النساء والرجال لدرجة أن الكلام غير كافٍ لوصف ما يغور في أعماقهم، لقد كنَّا نحتاج إلى الموسيقى.  

The post “احتضار عند حافة الذاكرة”: ذاكرة مثخنة بالجراح appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
«أب سينمائي» لسكارميتا… الخوف من الوجود https://rommanmag.com/archives/20190 Thu, 13 Aug 2020 15:55:35 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a3%d8%a8-%d8%b3%d9%8a%d9%86%d9%85%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d9%84%d8%b3%d9%83%d8%a7%d8%b1%d9%85%d9%8a%d8%aa%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%88%d9%81-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ac/ لا هي ملحمةٌ ولا شِعر، بل حكاية عاطفية اجتماعية وجودية، وغايةً في الجرأة والبساطة والاختزال، يُعيدنا -من خلالها- الروائي التشيلي أنطونيو سكارميتا إلى الحياة بطبيعتها البديهية، عبر خمس وعشرين لوحةً شِعر/سرديّة، قصيرة وخاطفة. في “أب سينمائي” رواية سكارميتا الصادرة بطبعتها العربية عن دار ممدوح عدوان (2018) وبترجمة عمّار الأتاسي، حيثُ أب تشيلي من أصول فرنسية […]

The post «أب سينمائي» لسكارميتا… الخوف من الوجود appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
لا هي ملحمةٌ ولا شِعر، بل حكاية عاطفية اجتماعية وجودية، وغايةً في الجرأة والبساطة والاختزال، يُعيدنا -من خلالها- الروائي التشيلي أنطونيو سكارميتا إلى الحياة بطبيعتها البديهية، عبر خمس وعشرين لوحةً شِعر/سرديّة، قصيرة وخاطفة.

في “أب سينمائي” رواية سكارميتا الصادرة بطبعتها العربية عن دار ممدوح عدوان (2018) وبترجمة عمّار الأتاسي، حيثُ أب تشيلي من أصول فرنسية “بيير”، يُحبّ، ويتزوّج من امرأة تشيلية ينجب منها ولداً “جاك”. يربيانه، فنرى مهارات وحذلقات أنطونيو الجماليّة، إذْ بعد أن أصبح “جاك” مدرّساٌ، يلتقي بأبيهِ في محطة قطار “كونتولمو”، الأب بيير سيعود لموطنه الأصلي فرنسا تاركاً تشيلي وولده وزوجته التي جاءت تودّعه بثياب الحداد، فيما ولده جاك ينزل من نفس القطار فيقبّلان بعضهما ويفترقان.

بين الفراق ومن ثم اللقاء يعيش الإبن تحت رحمة مصيره، حتى تسوقه الصدفة إلى قرية “أنغول” التي تبعد مسير ساعتين في القطار عن قرية كونتولمو حيثُ سيذهب جاك إلى الماخور ليمارس الجنس مع إحدى بائعات الهوى، إذ يلتقي بأبيه بيير الذي كان قد غادر تشيلي إلى فرنسا. جاك لا يريد أن يتحول إلى ضحية. هل يخبر أمه بأن أباه- زوجها كان يكذب عليها، وهي التي استسلمت لكذبته على أنها قضاء لا راد له، فتدفن نفسها في الحياة مصدّقة كذبه، وهو الذي يحمل على قتلها وليس هجرها؟

الروائي سكارميتا يسخر من فعلة الأب الذي سنعرف لاحقاً بأنه أقام علاقة غرامية مع فتاة في القرية وأنجب منها طفلاً هو “أميليو” الذي اصطحبه معه في رحلة سفره المزعوم إلى فرنسا، ليربيه بعيداً عن أمه، وهذا ما فاجأ جاك، بطبيعة الحياة التي اختطها ويعيشها الأب الذي يشتغل في سينما أنغول.

هل هي إفلاسات الإنسانية، أَوَمن إفلاسات البشريّة أن تعبث بأرواح الناس، تسرق طفلك من أمه وتهرب منها ومن زوجتك وابنك المدرّس لتعيش مع طفل وليد؟ ما هذا الخواء؟ أنطونيو يكتب روايته “أب سينمائي” ببرود أعصاب متأمّلاً، لنتأمّل معه، لا لكي نشفق على الطفل إميليو من قسوة الشرط البيولوجي الذي صمّمه ونفّذه الأب بيير، ولكن لنشهد أزمة الضمير الإنساني.

إنها الفوضى حين يفلس الإنسان، حين تموت قيم الجمال في نفسه، فيتبع غرائزه وهوسه الشخصي. والتي، وهنا السخرية، كان قد وقّع بيير عليها مع صديقه صاحب الطاحونة، الذي كما يبدو من أحاديث السمر التي كانت تجمع الولد جاك به (عهد الدم) بأن لا يفشي سرّ سفره المزعوم وسرّ الطفل إميليو من والدته إيلينا والتي أنجبته من علاقة غير شرعية وتخلّت عنه لبيير الذي لا تكن له إيلينا أي احترام، وهي تدوس بقدميها على مشاعرها وعلى غريزة الأمومة في حوار بينها وبين جاك في عيد ميلاد أخيها أوغستو بالقول: أنا أود أن أكون ملكة لحياتي وليس عبدة لطفل أحدهم. فيستنتج جاك متسائلاً: إذاً أنتِ لا تحبينه (أي ولدها إميليو). فتجيبه إيلينا: والدك أحبّكَ، ولكنه تخلّى عنك على الرغم من ذلك. أنت مدرّس يا جاك، وعليك أن تعرف أن الحياة أكثر تعقيداً من مجرّد النظر ببساطة إلى مجرياتها. فيرد عليها: تلك المجريات أبسط مما يمكن أن تتخيليه، أبي أحبّني وهجرني. هو يحب أميليو ولن يتخلّى عنه. معنى هذا أنني كلبٌ يتيم ليس إلا، يا إيلينا. وبتهكم تعلّق إيلينا وهي تبتسم: ينقصك النباح. إيلينا كانت تريد أن تبعد جاك عن أختها تيريسا، لأنها كما تقول لجاك: لا أريد لشقيقتي أن تعاني ما عانيته أنا مع أبيك.

سكارميتا يضعنا أمام شخصيات عائلة غويتيرث، الأب وابنتيه إيلينا وتيريسا وولده أوغستو، وجاك المدرّس وأمّه ووالده بيير وكريستيان الطحّان، شخصيات تتصالب، لتتصالب معها مصائرها، ولكنها لا تتصادم أو تتصارع، أغلبهم إما مسالم أو يلجأ إلى الهرب. أنطونيو يرسم صوراً؛ أحداثاً ميكانيكية، فهو لا يريدها صوراً صمّاء، أو تركنا مع مشاعر وأحاسيس وإن كانت كما قلنا متصالبة، ولكن لتكشف عن قوّة الحياة وضعفها، خوار البشر حين لا يفكرون إلا بغرائزهم وكأنهم ناسٌ ولدوا مشوّهين عديمي اللون، وخلقوا للتعب والبلى والتلف.

طبعاً لا نريد، أو أنّ سكارميتا لا يريد لشخصياته وهي بهذه الحالة أن يكونوا فلاسفة، أو أن يفكّروا تفكيراً فلسفيّاً، لأننا بذلك سنكون مع شخصيات استثنائية فيما هو يرصد حياة (قطيع) نشاطهم الذهني وسيرورة تفكيرهم لا تتجاوز غرائزهم. حتى جاك المدرّس الذي يقرأ/ يتثقّف، والذي يقوم بترجمة رواية “زازي في المترو” لريمون كونو، والتي أعلنت صحيفة أنغول أنها وابتداءً من الشهر القادم ستنشر وبالتسلسل طوال الشتاء مقاطع من رواية ريمون كونو العظيمة “زازي في المترو”، لم يذكروا طبعاً -يروي جاك- أنني لم أنتهِ بعد من ترجمة الكتاب، والسلفة التي وعدوني بها لم تدفع لي هي الأخرى. لم يُذكر اسمي كمترجم للرواية. وهو الذي يريد رؤية اسمه يوماً مكتوباً بحروف الآلة الكاتبة المقولبة، فبعض الشهرة ستمنحه وقاراً أمام تيريسا.

هو الآخر لم تسحره القراءة باعتبارها كنز الأفكار الإنسانية العقلانية؛ بل كان يتلصص على إيلينا وهي تجرّب قميصاً تريد تضييقه، وهي معشوقة أبيه التي ولدت له أخاً “أميليو”، حتى إنّ شقيقها التلميذ في صف جاك شجّعه على مراقصة أخته الثانية تيريسا فيقوم بإطفاء الأضواء لينال منها ما ينال، مقابل أن يأخذه معه إلى “أنغول” ليزور إحدى المواخير، فهو كما يقول أستاذه وصديقه الذي كان اصطحبه في مرة سابقة إلى الماخور، جاك الذي بعد أن عرّف العاهرة بأنه مُدرّس جغرافيا وتاريخ واستحسنت مضاجعته لها بصفته مُتعلّم/مُدرّس، وبعد أن قام بخلع ملابسه، وقام بفك ربطة عنقه طلبت منه أن يسألها في الجغرافيا التي تعشقها فأجابته عن اسم عواصم بوليفيا وإسبانيا وتشيكوسلوفاكيا وهي تنزع عنها ثوبها، ويسألها ثانيةً في الجغرافيا ويكون السؤال: ما هي عاصمة فرنسا، وتطلب منه أن يكلمها بالفرنسية وأن يسمعها مقطعاً شِعريّاً. 

أنطونيو سكارميتا، وإن كان الأب بيير الذي لحظة سافر إلى فرنسا كما ادعى، كان يكذب ويخون زوجته وابنه يكشف لنا عن ضعفه -ضعف بيير- الذي يقول لجاك حين باغته وهو في أحد شوارع قرية أنغول يدفع طفله إميليو في عربة: اسمعني جيداً يا جاك، لقد جئتُ لكي أدمن نفسي في أكثر الأماكن ظلمةً في أنغول، في حفرة الفئران لكهفٍ حالك السواد، قضيت عمري في التخفّي بين الظلال ولم يخطر في بالي أنّ أحداً سيعثر عليّ، أو أنني مثلاً سأصطدم بابني يوماً في هذا المكان الوضيع من الأرض ومن الجحيم.

الروائي أنطونيو سكارميتا يؤثر-في روايته هذه- أن يُرينا موجة صِدامية عند بيير، ولكنها بنزعة نسائية، وهو يربّي طفله إميليو من علاقة غرامية مع إيلينا وقد هربت به إلى أنغول، القرية المجاورة لقريته التي يقيم فيها مع زوجته وابنه جاك. هي لحظة وجودية، لكنها لحظة إنسانويّة مغمّسة بالخوف من الوجود، فنهرب من الإيديولوجيا لنقع في براثن الميثيولوجيا، أو أن الثقافة بعد لم تفعل فعلتها في تغيير جهة الفكر. 

The post «أب سينمائي» لسكارميتا… الخوف من الوجود appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
«يجدرُ بكَ أن تتبخّر» لتمام هنيدي… الشاعر في مواجهة العالم https://rommanmag.com/archives/19916 Wed, 01 Jan 2020 17:06:31 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%8a%d8%ac%d8%af%d8%b1%d9%8f-%d8%a8%d9%83%d9%8e-%d8%a3%d9%86-%d8%aa%d8%aa%d8%a8%d8%ae%d9%91%d8%b1-%d9%84%d8%aa%d9%85%d8%a7%d9%85-%d9%87%d9%86%d9%8a%d8%af%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b4/ لعل أبرز ما يميّز كتابة الشاعر السوري تمام هنيدي هي تلك اللغة الإيمائية الشفيفة في وصف أحداث مؤلمة وذكريات تكاد أن تكون غايةً في القساوة وحنونة في الآنِ معاً؛ لغته سلسلة آسرة وغير مبهمة، فيما قصائده متحررة من أسر العنونة، وشبيهة بخيول البراري في صهيلها الحرّ. كتابةٌ مفتوحةٌ على آفاق جماليّة غير مطروقة، بالإضافة إلى […]

The post «يجدرُ بكَ أن تتبخّر» لتمام هنيدي… الشاعر في مواجهة العالم appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
لعل أبرز ما يميّز كتابة الشاعر السوري تمام هنيدي هي تلك اللغة الإيمائية الشفيفة في وصف أحداث مؤلمة وذكريات تكاد أن تكون غايةً في القساوة وحنونة في الآنِ معاً؛ لغته سلسلة آسرة وغير مبهمة، فيما قصائده متحررة من أسر العنونة، وشبيهة بخيول البراري في صهيلها الحرّ. كتابةٌ مفتوحةٌ على آفاق جماليّة غير مطروقة، بالإضافة إلى شحنها بمزيد من التضاد والمتناقضات المحبّبة، حيثُ نقرأ مُفردات تخصّ الحرب والخراب، جنباً إلى جنب مع مفردات أخرى عن الحبّ والشغف بالحياة.

مجموعة الشاعر السوري تمام هنيدي «يُجدر بك أن تتبخّر»، الصادرة حديثاً عن “دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع”، 2019، تدفعك وتحفزك للتأمل الجمالي، ومن ثمّ الاستعداد للتخلص من آلام الحياة. فقصائده تدق على باب الشعور ليفتح أعماقه، ولكن بمنتهى الهدوء والقسوة. صوره قاسية وهي تكشف زيف ملابسات حياتنا اليومية حتى لا ننسى آلامنا وإن تخلصنا منها، طبعاً لن نتخلص من الآلام، فخيباتنا وهزائمنا اليومية تحتاج إلى معجزة: “يجدرُ بك أن تغيب تماماً، أن تختفي، ألا تُرى، أن تتبدّد، ألا تذوبَ فحسب. لأنهم قد يجدون أثراً، ولو صغيراً، من حياتِك عالقاً في الهواء، وقد يُعيدون ذكركَ دائماً، بلطفٍ زائدٍ… يجدرُ بكَ أن تتبخر!”.

والشاعر مهما شَعَرَ وأشعَرَ، فهو يقوم بممارسة عالية للوعي، لكنه كلما وعى؛ توعّى، ترى في نسيج قصيدته تلك الشحنات الانفعالية العالية التوتر، تمام هنيدي تراه متوتراً، ووحيداً يواجه هذا الخراب: “لنقل ذلك بوضوح الآن، في جعبتنا ملايين الخيبات، نستحقّ أن نبوحَ لأصدقائنا من الأجيالِ الأخرى، مِمّن لم يعرفوا معنى أن يولدَ المرءُ ساكِتاً، أن يعيشَ ساكتاً، صموتاً، أصم/ لا يقولُ ولا يشيرُ ولا يتفوّهْ، أن نصرخَ الآنَ، أن نحتجّ على الملأ… ونحزنَ بهدوء، أنتم لا تعرفون أبداً معنى أن نأخذَ صوراً، ولو كاذبةً، مع الحياةْ”. شاعرٌ في مواجهة العالم، ولكن وهو يتأرجح ما بين الأمل واليأس: “هذا العالمُ مجزرة على هيئة طفل، طفل على هيئة شجرة ليمون، شجرة ليمون على هيئة جدّة، جدّة لا تعرفُ القراءةَ والحساب، لكنّها تحصي أحفادها جيّداً، وتخبّئ لغائبهم قطعة السكّر. غائبهم الذي أخذته مجزرة، مجزرة على هيئة هذا العالم”.

الشِعر كشفٌ وخلاص

شمول واستثناء، وإدراك حسي يصير أداةً للتأمل، فثمة أماكن، أحلاماً صلدة متماسكة تدفعنا للتمسك بالوجود، ولأننا بها نقوى، ونعالج الضجر والسأم، فالروح؛ روحنا ترى عن طريق الشعر الحياة عاريةً، فالشعر كشفٌ وخلاص، الشعر يريحنا من متاعبنا، من آلامنا الحسية والعقلية، ترانا نرتعش ونتنفس بعمق، وقد نبكي من شدة الفرح بأنّ أحلامنا لم تحترق: “عرفت أباً سويدياً مات ابنُهُ في إعصار تسونامي، فجلب جثته وأحرقها، وذرا رمادها في البحيرة. لا شيء؛ رماد. هكذا ينتهي الإنسان رماداً في بحيرة. بينما ينبتُ موتانا ورداً وشوكاً وقمحاً وفاكهة لأمسياتنا… نحن الذين لا يموتون، ولا يحبون الموت”.

إحراقٌ وموت ورماد، ووجود. التحام بين الفكرة وموضوعها. لكن تمام لا يكف عن السخرية والتحدي، فموت طفل شبعان بين أولادٍ يموتون من الجوع هو ما يثيره، هذا عقل مفعم بالحياة. عقل لم يتحوّل إلى فولكلور، ولا أطلال، عقل يفكّر وبمشقة، لأنه يكافح من أجل الإنسانية.

وهنا نتلمس بعضاً أو أصداء من تأثيرات رياض الصالح حسين ومحمد الماغوط، فهو كما الشاعرين، يقوم بممارسةٍ عالية للوعي الاجتماعي والسياسي، وهذا لا يقلل من أهمية تجربته، فهو يحفر ليرسي قيماً شعرية ذات شحنات انفعالية وصور. بل أفكاراً في صورة شعرية: “مراراً رجوتُهم، عمال البلديّات الذين يجمعون أوراق الخريف في محيط جذع الشجرة: اتركوا الموتى على أرضهم، لا تُبعدوا جثثهم إلى أماكنَ غريبة فيموتوا مرتين!”.

قضايا الحريّة الإنسانيّة

إنها رؤية ثورية ضد أشكال الاغتراب والاستلاب الإنساني، وهي رؤية ترتبط بواقع الحياة التي تحكمها السلطات الرجعية وإن ادّعت التقدمية. فالشاعر يحمل ويدافع عن قضايا الحرية الإنسانية، عن مآسٍ تطحن الإنسان وتحوله إلى “شيء”: “لا أنا أيضاً مللتُ انتظارَ العاصفة، لكنّ الجدرانَ الخاوية موحشة، والفراغ فسيحٌ جداً، وأنا وحيدٌ أجيلُ ناظري وأنتظرُ زيارات الأصدقاء الذين يجيئون وفي جعبهم ما يكفي من الحزن والنبيذ والكلام، بينما أمارس حياتي اليومية كواجبٍ مقدّس، أو كعادةٍ سيئة…أحتاجُ هذه الأشياء، لكي أملأ فراغاً عميقاً مثل طلقةٍ في الصدر، لشقيقةٍ تستنكرُ الغبارَ على طاولةِ الطعام، أو لأمٍ تدمعُ كلما رأت منفضةَ السجائر ممتلئة برمادٍ، نارُهُ صارت في صدرِ طفلها”.

وهو بهذا يخرج من الفردية والنرجسية والغموض والثرثرة الثورية، لأن الشعر تعبير، أو هو صوت الضمير الإنساني الذي تكسره وتدوس عليه عجلات الاستبداد السياسي والقهر الاقتصادي. تمام هنيدي يكشف عن وجه الإنسان الواقعي، وبحريّةٍ شعرية في صراعه مع قوى تهتك شرفه: ماذا يفعلُ رجلٌ يجلسُ وحيداً بجذعٍ وحيدٍ وساقينِ ورأسٍ، ماذا يفعلُ رجلٌ، ترك يديهِ في المنام تشدّان يديكِ حين كنتِ خائفة؟!

The post «يجدرُ بكَ أن تتبخّر» لتمام هنيدي… الشاعر في مواجهة العالم appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
«مشاة لا يعبرون الطريق» لعاطف أبو سيف… من قتل الرجل العجوز؟ https://rommanmag.com/archives/19861 Wed, 20 Nov 2019 12:18:45 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%b4%d8%a7%d8%a9-%d9%84%d8%a7-%d9%8a%d8%b9%d8%a8%d8%b1%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%b1%d9%8a%d9%82-%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b7%d9%81-%d8%a3%d8%a8%d9%88-%d8%b3%d9%8a%d9%81/ بجزئياتٍ وتفاصيل دقيقة، وبعيداً عن تصوير الطموح إلى الجبروت والسلطة، ينسج الروائي الفلسطيني عاطف أبو سيف قص – حكاية عن رجل في الثمانين من عمره دهسته سيارة وهو يقود دراجته الهوائية، ومن ثمّ نُقل إلى المستشفى. لا أحد يعرف عنه شيئاً، حتى اسمه، واسم شركائه في الحكاية: الصحافي، والفتاة الجامعية التي نزلت من الباص لتساعد […]

The post «مشاة لا يعبرون الطريق» لعاطف أبو سيف… من قتل الرجل العجوز؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
بجزئياتٍ وتفاصيل دقيقة، وبعيداً عن تصوير الطموح إلى الجبروت والسلطة، ينسج الروائي الفلسطيني عاطف أبو سيف قص – حكاية عن رجل في الثمانين من عمره دهسته سيارة وهو يقود دراجته الهوائية، ومن ثمّ نُقل إلى المستشفى. لا أحد يعرف عنه شيئاً، حتى اسمه، واسم شركائه في الحكاية: الصحافي، والفتاة الجامعية التي نزلت من الباص لتساعد في إسعافه والتي أبوها رئيس تحرير الجريدة التي يعمل بها الصحافي دون أن يعلم بذلك، وبائع الفاكهة، والشرطي. وُضِعَ الرجل العجوز على السرير واستسلم لنومٍ طويل، قد يكون ثُباتاً وقد يكون موتاً، ولا أحد قادر على مساعدته في الاستشفاء ولا في القبض على المجرم الذي دهسه رغم تعدد الروايات: دُهس، لم يُدهس، عاش، لم يعش.

كأنّ عاطف أبو سيف يعطي لهذا العجوز الثمانيني تسلطاً مُطلقاً على القارئ. فيتركنا في صراع تناحري، مات ولم يمت، مَنْ دَهسه، وهل الغاية كانت اغتياله، ومَنْ المستفيد من قتله؟ وهل يملك صندوقاً أسود، أم إنّه لا يملك؟ فيبقى القارئ ينوس بين العمليات الشعورية واللاشعورية ليعرف مَنْ وراء هذه الجريمة، ولماذا: الشرطي والصحافي و… و… يحقّقون في حادثة دهسه ولا يُحقّق معهم، فيما إذا كانوا طرفاً أو سبباً أو شركاء في جريمة تغييبه عن الشعور- ما يُذكّرنا برواية (الطريق) لنجيب محفوظ وبطلها “صابر” الباحث عن أبيه سيد سيد الرحيمي الذي أكّدت له أمّه قبل أن تموت بأنّه مايزال حياً، الأب، الإله، الذي لم يجده. مَنْ غيّبه، مَنْ أبعده ولم يقرّبه؟

 كأنّ عاطف أبو سيف وهو الهازئ المتهكم في سرده، يجمع ما بين الجريمة الجنائية والأسئلة الفلسفية. فالوجود الإنساني والعدم الإنساني هو ما يقلق الروائي هنا، وهذا ما يُدهش في هذه الرواية «مشاةٌ لا يعبرون الطريق» (دار الأهلية للنشر، عمّان ٢٠١٩). فأسئلتها تشكّك بالحس السليم، والمعقول. فأبو سيف يفرد مساحات للأجزاء والأسئلة الصغيرة على حساب الحكاية المحورية، ولكن بتنسيقٍ روائي. فثمة سرّ في تغييب الرجل العجوز- ثم لماذا ننعته بالعجوز، الذي لا شجرة عائلة له، وهو الإنسان الذي يحب سلوى، وفعلَ من أجل حبها أشياء وأشياء، وها هو على سرير في المشفى لا هو ميّت ولا هو حيّْ؟ عاطف أبو سيف يكتب روايته ليسحر ويدهش قارئه وليس ليشرح ويقدم معلومات. فالشرطي كائن متوحش، حتى الصحافي، والفتاة الجامعية، وبائع الفاكهة. تراهم فظين على نحو عنيف كأنهم مخلوقات كابوسية- من كابوس فظ.

هذا ما يفجر القوة الهجومية للسرد عند أبو سيف حدّ الإقلاق والإرباك والإدهاش. فهو يخلق حدثاً- وحدثاً فلسفياً. هو لا يحكي ولا يحلل الاختلالات الفيزيولوجية والنفسية للرجل الثمانيني، ولا أزماته الروحية وإحباطاته التي أودت به في المتخيّل عند أبو سيف إلى سرير المستشفى. فغزّة- غزّة، ومخيم جباليا- مخيم جباليا، وفلسطين- فلسطين، لا إسرائيل. الرجل الثمانيني يعيش اغتراباً عربياً: كيف يُهزم هنا الرجل وبطريقة خسيسة وتصادَر قوته؛ تُصادر أناه الحقيقية، فيتجرّد من شخصيته وتصبح (أناه) مأساة للكائن البشري، أنا عاجزة، أنا تعاني قلقاً بخصوص وجودها، وتوتراً يشكل خطراً على حياتها.

 عاطف أبو سيف لا يكتب مأساة غامضة، أو أنه يُغرق في اللاواقعية السوداء، بل هو يدعنا مع رجل صامت لا يتكلم وسط أُناس متوحشين معزولين ساخطين- لكنه في إيحاء آخر كأن لا وجود لكل هؤلاء الأشخاص والأحداث، وما نقرأه حول هذا الرجل الثمانيني هو لغز وكابوس رغم ما يضعنا فيه أبو سيف أمام كائنات وحوادث- شيء من كافكا.

كل ما نراه يتم بوعي، ولكنه يعمّق من الاغتراب والوحشة ولا أحد يساعد هذا الرجل الثمانيني كان (وهماً) أم حقيقة. فهو، من قبل نكبة ١٩٤٨ إلى حادثة دهسه المُتخيلة وربّما الحقيقية، ما يزال يحب سلوى وما يزال يبحث عنها، في رحلة بحث تشبه رحلة صابر وهو يبحث عن أبيه سيد سيد الرحيمي بطل رواية (الطريق) لنجيب محفوظ، فلقد اشتغل ساعيَ بريدٍ كُرمى لها عسى أن يصادفها ولقد احتفظ بالدراجة الهوائية حين دهسته السيارة وهو يقودها، حتى أنّه لما التقى بالشاعر معين بسيسو في مقهى بالمخيم سأله إن كان قد لقي سلوى أو وصلته رسائل منها. بحثٌ، بحثٌ حتى صدمته السيارة ونُقل إلى المشفى. ومن ثمّ بحثٌ عن الجاني حتى يأتي ذاك الصباح الذي: “لم يكن الرجلُ العجوز على سريره. كانت الممرضة الممتلئة أوّل من التفت إلى الأمر. كالعادة فأوّل شيءٍ تفعله في الصباح هو تفقّد الرجل العجوز. لم يكن هناك. ظنّت أنّها أخطأت الغرفة لولا أنّها رأت الشابة المرافقة للرجل الآخر تفيق من النوم، تتثاءب وهي ترفع جسدها عن الكرسي الممدّد مثل سرير. لم تتبادلا الكلمات، إذ سرعان ما استوطنت وجهها هي الأخرى علامات الدهشة والصدمة حين نظرت صوب سرير الرجل العجوز ولم تجده “لنبقى مشاةً لا يعبرون الطريق: مَنْ قتلَ الرجل العجوز ومَنْ خطفهُ؟.

The post «مشاة لا يعبرون الطريق» لعاطف أبو سيف… من قتل الرجل العجوز؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>