في ملفنا عن فنون الثورة وآدابها:

آداب الثورة في الصحافة العربية: "الآداب" مثالاً

2022-04-25 02:00:00

آداب الثورة في الصحافة العربية:
من غلاف الهدف، العدد ١١٩. ٢٥/٩/١٩٧١

وظهر التشكيل الثوري أيضاً في قصيدة "حكاية الولد الفلسطيني" للشاعر الفلسطيني أحمد دحبور، الذي جعل من "نظرية الأجيال" فكرة يبني عليها قصائده الثورية؛ فالولد في مخيلة الشاعر، هو الصبي المفعم بالنشاط والقوة وحب الحياة، فهو المطل على البلاد، وواصف "حالها"، فهي ضيقة على الفقراء نتيجة المعاناة، والواسعة بحبهم، وعشقهم لها: 

تُعتبر مجلة الآداب من المجلات الثقافية العربية المهمة، التي اهتمت، منذ تأسيسها، بـ "تمثيل" الواقع العربي، والتعبير عن قضاياه، من خلال مقالات أدبية وفكرية وفلسفية، أسهم في إنتاجها كُتّاب مشهورون في العالم العربي. تأسست المجلة عام 1953، برئاسة تحرير سهيل إدريس، الأديب اللبناني المعروف، الذي رسم أهداف المجلة ورؤيتها في افتتاحيتها المعنونة بــ "رسالة الآداب"، مؤكداً على أن المجلة "ميدانٌ لفئة أهل القلم الواعين، الذين يعيشون تجربة عصرهم، ويُعدّون شاهداً على عصره"، ويتضح هذا بتتبع أعداد المجلة كلها؛ حيث القراءات الفكرية والأدبية التي تحاكي القضايا التي يعيشها العالم العربي، بتخصيص ملفات كتابية لقضايا عديدة، وقراءات نقدية قصيرة ومعبرة في الوقت نفسه، فكان لهذه المجلة دورٌ في التكوين الثقافي عند القارئ العربي، وفضاء كتابي لصناعة كُتّاب قادرين على تحقيق أهداف المجلة ورسالتها. 
 

ومع اندلاع الثورة الفلسطينية عام 1965، أي بعد سبع سنوات تقريباً من تأسيس المجلة، بدأت المقالات الممثلة لأحداث تلك الثورة، تلك المدمجة بين: القراءات الفكرية المؤلفة والمترجمة، والنصوص الأدبية بأنواعها؛ الشعر والقصة والرواية والمسرح، وبمساهمة "كُتاب ثائرين" من أمثال الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور، الذي مثل الثورة بقصائد شعرية تحاكي "لغتها"، وتتخيل بعض شخصياتها، ليسهم وجود مثل هذه القصائد وغيرها في إدخال المتلقي إلى معركة القتال، ولكن "ثقافياً". 

ومن الأعداد التي خصصها يوسف إدريس لتصوير الثورة الفلسطينية، أعداد عام 1969م، وتحديداً العدد الثالث من ذلك العام، الذي صدر في شهر مارس، وكان عنوانه، كما دوّن على صفحة غلاف المجلة: "الثورة الفدائية". وتجدر الإشارة إلى أن لوحة غلاف المجلة في ذلك العام، لوحة واحدة، تجسد صورة إنسان يرفع رأسه عالياً، ويمد يده اليمنى بقوة، في إشارة إلى المعاناة، والسعي إلى الحرية، كتعبير عن "موضوعات" المجلة في تلك السنة كلها. إلا أن عدد شهر مارس كان عدداً "ممتازاً" مخصصاً للتمثيل الأدبي والفكري للثورة، ومن المقالات التي تضمنها هذا العدد، على سبيل المثال: مقال "الثورة العربية والفكر العربي" لأحمد عباس صالح، وقصيدة "القضية" لنزار قباني، و"الثورة الفدائية والثورة النقدية" لمطاع صفدي، ومسرحية "زهرة من دم" لــ سهيل إدريس... وغيرها. 

نتحدث في هذه المقالة عن النصوص الأدبية اللافتة في هذا العدد، والتي أعدّها كُتّاب مشهورون من أمثال: نزار قباني، وأحمد دحبور، وسهيل إدريس، وممدوح عدوان، وغيرهم، وسنرى كيف أن مثل هذه النصوص لعبت دوراً مهماً في "تقريب" المعنى الثوري إلى المتلقي، وشكّلت مضموناً سردياً، يحاكي وقائع تلك الثورة. 

ومن هذه النصوص قصيدة الشاعر السوري نزار قباني، "القضية"، وهي قصيدة وصفية، مفعمة باللغة الثورية في كل سطر من سطورها، والممثلة بتكرار مفردة "البندقية" التي كانت رمزاً "مباشراً" للثورة الفلسطينية، كما تجلى ذلك في "الملصقات" الفنية التي ظهرت في تلك الفترة. ونجد اللغة نفسها في قصيدة "الحروف من رصاص" للشاعر المصري مهدي بندق، الذي جعل من الصراخ، والهتاف، والبندقية، وعبارات القوة والانتصار، تشكيلاً أساسياً لبناء القصيدة، وهو التشكيل الذي أطلق عليه بعض النقاد اسم "التشكيل الثوري"، المبني على لغة القصيدة وأسلوبها، المخصصان لــ "تصوير" أحداث الثورة ونتائجها، يقول: 

ستصرخ: 

تلك الحروف البليدة! 

وتصرخ: 

تلك المعاني العتيدة!


وتهتف في صيحة من عذاب: 

فأين المعاني التي تشع البريق؟ 


ولن يتأسى يقول "العيال"

ولن يستكين لحكم القدر

وظهر التشكيل الثوري أيضاً في قصيدة "حكاية الولد الفلسطيني" للشاعر الفلسطيني أحمد دحبور، الذي جعل من "نظرية الأجيال" فكرة يبني عليها قصائده الثورية؛ فالولد في مخيلة الشاعر، هو الصبي المفعم بالنشاط والقوة وحب الحياة، فهو المطل على البلاد، وواصف "حالها"، فهي ضيقة على الفقراء نتيجة المعاناة، والواسعة بحبهم، وعشقهم لها: 

بلادُ الله ضيقة على الفقراء، 

بلاد الله واسعة، وقد تطفح

وكبر الطفل، وأصبح رجلاً، وشاهداً على مُكملاّت المأساة الفلسطينية: الذبح، والنفي، والفقر، واليتم، وهي مكملات التشكيل الثوري في القصيدة الفلسطينية التي كُتبت في تلك المرحلة الزمنية. ونجد معنى قريب إلى هذا في قصيدة "أشياء عن الأرض والمقاومة" للشاعر سعد الله حرب، وهي قصيدة شذرية -بتعبير موريس بلانشو- تحاكي الواقع الثوري؛ فتبدأ بتمجيد الفتيان، رمز الحيوية والقوة، الذين لا ينامون، يسهرون، ويترقبون، فهم، في الظاهر، يشبهون غيرهم من الفتيان، "يحلمون مثلنا بالحب والزواج والصغار.."، إلا أنهم في داخلهم "ميتون.. مغرمون بالحياة.. وفي دمائهم غضب". 

أما مسرحية "زهرة من دم" لـ سهيل إدريس، والمكونة من ثلاثة فصول، فهي عبارة عن "تخيل سردي" للحياة اليومية التي عاشها بعض الثوار في بعض القرى الفلسطينية، مستشهداً بذلك بقصة حقيقية وقعت في بلدة بيت فوريك شرق مدينة نابلس، وهي الفضاء المكاني المتخيل في المسرحية، ويصوّر فيها: الثائر، والمتعاون، وصديق الثائر، والضابط، مقتحما ذوات هذه الشخصيات، ومعبرا "عن قرب" عن دلالات خطاباتهم القولية، التي تصف حياة الثائر الهارب، والثائر "الغريب" الذي جاء من دولة أخرى ليقاتل، ويستشهد في جبل، يُدفن فيه، دون معرفة هويته، سوى أنه ابن تلك الدولة فقط، ليصبح مكان استشهادهم جزءاً من ذاكرة القرية وهويتها الوطنية.