سلامة كيلة - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/10rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:41:07 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png سلامة كيلة - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/10rommanmag-com 32 32 رسالة قصيرة إلى شلومو ساند https://rommanmag.com/archives/19354 Mon, 16 Jul 2018 08:02:47 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d9%82%d8%b5%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%b4%d9%84%d9%88%d9%85%d9%88-%d8%b3%d8%a7%d9%86%d8%af/ شلومو ساند بروفيسور يدرّس في جامعة تل أبيب، كتب ثلاثة كتب تسعى لتفكيك الأسطورة الصهيونية هي: «اختراع الشعب اليهودي» و«اختراع أرض إسرائيل» و«كيف لم أعد يهودياً». بالتالي فهو ضد الصهيونية وكل الجرائم التي ارتكبتها الدولة الصهيونية، ولا زال يؤيد “حل الدولتين”. ويعتقد بعد ما حدث في الواقع أنه لا يجب رمي الطفل مع الثياب المتسخة […]

The post رسالة قصيرة إلى شلومو ساند appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
شلومو ساند بروفيسور يدرّس في جامعة تل أبيب، كتب ثلاثة كتب تسعى لتفكيك الأسطورة الصهيونية هي: «اختراع الشعب اليهودي» و«اختراع أرض إسرائيل» و«كيف لم أعد يهودياً». بالتالي فهو ضد الصهيونية وكل الجرائم التي ارتكبتها الدولة الصهيونية، ولا زال يؤيد “حل الدولتين”. ويعتقد بعد ما حدث في الواقع أنه لا يجب رمي الطفل مع الثياب المتسخة التي لُفّ بها.

لا شك في أنه أثبت أن ليس هناك شعب يهودي، وأشار إلى تنوّع انتماءات اليهود القومية، سواء الأوروبيين أو العرب. وبالتالي فهو يفكك خطاب “الأمة اليهودية” و”الشعب اليهودي” معتبراً أن اليهودية دين وليست إثنية. لهذا ليس هناك أرض هي “أرض إسرائيل”. ولقد قدّم في هذا المجال تحليلاً مهماً يفتت كلية منظور الحركة الصهيونية والأحزاب الصهيونية. ولا شك في أن كل ذلك يجب أن يدفعه إلى أن يرفض الدولة الصهيونية كأساسها الأسطوري وتكوينها الاستعماري، لكنه بدل أن يفعل ذلك يذهب إلى مستوى آخر، حيث يقرّ بوجود “إسرائيل”، ويعتبر أنها باتت أمراً واقعاً، وهذا يتناقض مع كل التحليل الذي قدّمه الذي يبيّن خرافة وجود شعب يهودي وأرض يهودية. المبرر الذي يقدمه فلسفي قليلاً، حيث يشير إلى أنه لا يجوز رمي الطفل مع ثيابه المتسخة، بالضبط لأن الثياب متسخة. طبعاً الثياب المتسخة هي مجمل الظروف والأفكار التي دفعت لنشوء الدولة الصهيونية، لكن كيف يمكن أن نحدد من هو الطفل؟

شلومو يعتبر أن “إسرائيل” كتكوين بشري وسياسي هي هذا الطفل، وهذا يطرح السؤال: إذن أين الثياب المتسخة؟

فالأفكار التي طرحتها الرأسمالية ونشأت الحركة الصهيونية على أساسها، والظروف التي كانت تدفع اليهود الأوروبيين أولاً إلى الهجرة رغماً عنهم، تجسدت في تشكيل دولة على أنقاض شعب آخر، وعلى أنقاض أحلامه بالاستقلال. هل نقبل بالأمر الواقع؟ الخضوع للأمر الواقع يعني قبول كل السردية الرأسمالية الصهيونية، باعتبار أن ما نشأ بات أمراً واقعاً. ومن هذا المنظور يصبح قبول حل الدولتين هو التغطية على قبول جريمة حدثت وتمثلت في نشوء دولة على أنقاض شعب. قد يكون هذا مراوغة اللا وعي، أو تبريد الإحساس بالجريمة، لأن المنظور لم يجد حلاً لإشكالية نظرية تتمثل في العلاقة بين الطفل والثياب المتسخة.

الأمر يتعلق بالدولة التي أنشأتها الرأسمالية لحماية مصالحها في الشرق، والتي قامت على أسس أيديولوجية متعصبة، ومن ثم الفئات اليهودية التي قبلت بأن تكون أداة إمبريالية، أو باليهود الذين فُرض عليهم التهجير نتيجة الوضع الوحشي الذي وُضعوا به في أوروبا خلال عقود طويلة قبل الهولكوست، ومن ثم في الهولكوست ذاته؟ هنا يجب أن نبحث عن الطفل وعن الثياب المتسخة، لكي نعرف من نلقي به. وإلا سنقبل بالطفل وبثيابه المتسخة معاً، وهذا يعني “موت الطفل” بالحتم. إن بقاء الطفل يفرض رمي ثيابه المتسخة حتماً، وهذا يعني بكل بساطة إنهاء الدولة الصهيونية لكي يتحرر الطفل من كابوسها. كابوسها الذي يتمثل في استخدام اليهود كأداة للسيطرة الإمبريالية، وكدولة قهر وسحق لشعب آخر، واستغلال لجزء كبير من اليهود كذلك.

هناك أمر واقع بات قائماً، هو وجود ملايين اليهود في فلسطين، ولهم دولة تدعي أنها تمثلهم وهي “دولة اليهود”، أو “الدولة اليهودية”. لكن بين هذين الطرفين (اليهود والدولة) وبين السكان الأصليين في فلسطين (وقد أشار شلومو إلى أن اليهود القدامى هم الفلاحون الفلسطينيون الحاليون)، ومع المنطقة العربية عموماً (حيث الدولة الصهيونية عنصر صراع ضد المنطقة كونها حاجزاً لمنع وحدتها وتطورها، وأداة لمواجهة كل ميل تحرري فيها) صراع، وهذا صراع تاريخي ممتد، وليس من حل له، لأن الدولة الصهيونية بدون دورها “العربي” (أي ضد المنطقة) لا قيمة فعلية لها في سياسات الدول الإمبريالية، وهي وحدها غير قابلة للاستمرار، بالتالي هي معنية بتوسيع سيطرتها وهيمنتها. لهذا لا تقبل “السلام” سوى ذاك الذي يسمح لها بأن تكون القوة المسيطرة. في المقابل ليس من خيار لدى العرب سوى الصراع لأن تطورهم ووحدتهم يصطدمان بوجود الدولة الصهيونية، وبالتالي لا بدّ من إزالتها. بهذا لا حل بوجود الدولة الصهيونية، ولا نهاية للصراع ولا ”سلام”.

نعود إلى الطفل والثياب المتسخة، حين أشرت إلى أن بقاء الطفل بثيابه المتسخة يعني موت الطفل كنت أقصد ذلك، حيث إذا كانت الظروف الآن تسمح باستمرار وجود الدولة الصهيونية نتيجة الدعم الإمبريالي، والسيطرة الإمبريالية على المنطقة العربية، فإن الواقع يؤشّر إلى إمكانية كبيرة لانقلاب الوضع، حيث ليس قدراً أن يبقى العرب في هذا الوضع المزري، ولقد أوضحت الثورات العربية أن الشعوب تنهض، وأنها ستحمل مشروعاً جديداً. كذلك فإن الرأسمالية ذاتها تعاني من مرض مزمن، وربما أسوأ من ذلك، وهي تشهد أزمة لا حلّ لها، كل ذلك ينعكس على الدولة الصهيونية حتماً.

بالتالي، يجب أن نفصل الطفل عن ثيابه المتسخة. هنا تعود إلى ما هو الأمر الواقع؟ أظن أن الأمر الواقع هو وجود أعداد كبيرة من اليهود الذين هاجروا أو هُجّروا إلى فلسطين، والذين أقيمت باسمهم دولة لكي تكون أداة سيطرة تستخدمها الرأسمالية، وتحوّل هؤلاء إلى “مرتزقة” في جيشها الاستعماري. ولا شك في أن هناك فئات مستفيدة من هذه الوضعية، وقابلة لأن تكون “حليفاً” للرأسمالية، ومنفذاً لسياساتها الإمبريالية. لكن لا يمكن إلا أن نرى أن في فلسطين بات هناك نسبة كبيرة ممن يدينون باليهودية، ممن أتى من بلدان عربية وأوروبية وأفريقية وغيرها، وممن ولد في فلسطين. وإذا كان قهر الأنظمة الأوروبية والضغوط التي مارستها على اليهود، والتخويف الذي وضعتهم فيه، هو الذي فرض هجرتهم إلى فلسطين. أو دور النظم العربية في ترحيل العرب الذين يدينون بالديانة اليهودية إلى الدولة الصهيونية بعد قيامها، فإن هذا الوجود بات أمراً واقعاً. رغم أن أي حل سوف يدفع إلى هجرة معاكسة بالضرورة (وهي تحدث الآن، وإنْ بشكل بسيط بعد أن ملّ الشباب استمرار الصراع وغياب الاستقرار، والأزمة الاقتصادية) لكن بات هناك أمر واقع هو وجود “سكان جدد” في فلسطين.

ما الحلّ بالتالي؟ رمي الثياب المتسخة والحفاظ على الطفل، حيث أن وجود الدولة الصهيونية التي تعبّر ليس عن مصالح اليهود بل عن مصالح الرأسمال، والتي قامت على جثة شعب آخر، وشرّدته، هو هذه الثياب المتسخة التي تحتاج إلى رمي. هذا يعني أن الأمر يتعلق بإنهاء الدولة الصهيونية بالتحديد، مع الاعتراف بوجود السكان الجدد كجزء من أي تشكيل جديد يستعيد فلسطين. بمعنى أنه على الطفل أن يسهم في رمي الثياب المتسخة، وأن يقبل الفلسطينيين بالأمر الواقع المتمثل بوجود “سكان جدد” في فلسطين، في ظل دولة علمانية ديمقراطية عربية.

هذا يعني أن وجود “إسرائيل” هو المشكلة التي تحتاج إلى حل، فهي الثياب المتسخة التي يجب أن تلقى بعيداً كي ينجو الطفل.

The post رسالة قصيرة إلى شلومو ساند appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
دولة واحدة في فلسطين؟ ما اسمها؟ https://rommanmag.com/archives/19330 Thu, 21 Jun 2018 07:57:59 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d8%9f-%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d8%b3%d9%85%d9%87%d8%a7%d8%9f/ الفكرة العامة التي يجري تداولها هي أن يكون هدف الدولة الواحدة في فلسطين دون تحديدات أخرى، حيث أن هذا الهدف يجمع تيارات مختلفة، وهذا أمر ضروري لتشكيل “تيار واسع” يمكنه تحقيقه. وهنا يُشار إلى تيارات قومية وإسلامية في الجانب الفلسطيني، وربما لا يشار إلا بشكل هامشي لتيارات في الوسط “اليهودي”. هذا الأمر يطرح أسئلة عدة […]

The post دولة واحدة في فلسطين؟ ما اسمها؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الفكرة العامة التي يجري تداولها هي أن يكون هدف الدولة الواحدة في فلسطين دون تحديدات أخرى، حيث أن هذا الهدف يجمع تيارات مختلفة، وهذا أمر ضروري لتشكيل “تيار واسع” يمكنه تحقيقه. وهنا يُشار إلى تيارات قومية وإسلامية في الجانب الفلسطيني، وربما لا يشار إلا بشكل هامشي لتيارات في الوسط “اليهودي”. هذا الأمر يطرح أسئلة عدة تحتاج إلى إجابة واضحة، وبالتالي لا بدّ من تفكيكه لكي يتوضّح الأمر. فهو هدف عمومي، يقوم على الوحدانية فقط، أي دولة واحدة في فلسطين، دون لمس لطابعها الطبقي، أو شكلها السياسي، وحتى دون تحديد هويتها.

أي دولة واحدة؟

السؤال الأول هو: أي دولة واحدة، فلسطين أم إسرائيل، أو فلسطين/ إسرائيل، أو أي تسمية أخرى؟

إن الفكرة التي قامت عليها الدولة الصهيونية تتمثل في أن في فلسطين دولة واحدة هي إسرائيل، وليس هناك من دولة أخرى. وهذا ما تسعى الآن من أجل تحقيقه من خلال ضم القدس وجزء كبير من الضفة الغربية. هذه “دولة واحدة”، هناك من يقبل بأن تكون أساس الحل من منطلق أن الوضع الديموغرافي سوف يفرض تغييرها نحو دولة فلسطينية، وهذا وهم بالطبع، لأن الدولة الصهيونية تعمل بوضوح لإخراج فلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة من الضم، وبالتالي ستضم الأرض دون السكان الذين يجري تحديد حلّ خاص لهم خارج البنية السياسية للدولة الصهيونية.

وهناك من يركّز، ليس على “اسم الدولة” بل على شكلها، أي يركز على أن تكون دولة ديمقراطية لكل مواطنيها، أو دولة ثنائية القومية، لكنها “دولة إسرائيل”. باعتبار أن الاسم ليس هو المشكلة بل أن المشكلة تكمن في تكوين الدولة الصهيونية القائم على التمييز العنصري، ولهذا يكون الهدف هو “النضال” من أجل إزالة هذا التمييز وتحويلها إلى دولة ديمقراطية. في هذه الصيغة يجري القفز عن كل المشكلة التي أدت إلى تدمير شعب واحتلال بلده وتشريد جزء كبير من سكانه، وكذلك مشكلة وضع الدولة الصهيونية ودورها الإقليمي في خدمة الإمبريالية. وأيضاً يجري تجاهل أن هذا الحلّ يفضي حتماً إلى وضع الفلسطينيين في وضع أدنى في تكوين الدولة والمجتمع، حيث تسيطر النخبة الصهيونية، ويتحكم الرأسمال الصهيوني. مع ملاحظة أن الصراع في جوهره هو صراع عربي صهيوني نتيجة كون الدولة الصهيونية مرتكز السيطرة الإمبريالية، وبالتالي ليست فلسطين معزولة عن محيطها، ولا يتعلق الأمر بوضع مشابه لجنوب أفريقيا، التي أدى الحلّ فيها إلى استمرار هيمنة الرأسمال “الأبيض” على الاقتصاد، وبقاء التمييز قائماً.

إذن، هل أن الدولة هي فلسطين؟ مما هو مطروح يظهر أن هناك، من الفلسطينيين، من لا يتمسك بهذه المسألة، ولا يتوقف عند “الاسم”، ويميل إلى اعتبار أن الدولة لا بدّ أن تكون دولة ثنائية القومية وليست دولة واحدة لكل مواطنيها. وهناك من “اليهود” من يطرح ذلك كذلك. وهنا يمكن أن يبقى الإسم هو إسرائيل، أو فلسطين/ إسرائيل، لكن ليس فلسطين. وربما يجري البحث عن إسم جديد. هنا أيضاً يجري تجاهل تاريخية الصراع وطبيعته، بل يُنظر إلى الأمر من منطلق أن هناك مشكلة في تكوين هذه الدولة لا بدّ من حله، وبالتالي يغيب أمر أن المشكلة تكمن في تكوين هذه الدولة ذاتها.

طبعاً هناك من يصرّ على أن الدولة الجديدة هي دولة فلسطينية، أو جزء من دولة عربية موحدة. وهذا رأي شائع لدى الفلسطينيين، بالتأكيد ليس بالمستوى المقبول لدى “اليهود”. وهناك من الفلسطينيين من يريد التكيف مع “الوضع الجديد” بحيث يقبل التنازل عنه.

هذه التناقضات في تحديد “إسم” الدولة تحكم التيارات التي يمكن أن تنشط تحت مسمى “الدولة الواحدة”، فهل يمكن التوفيق بينها؟ أظن أن التوفيق مستحيل، لأن الأمر يتجاهل طبيعة الصراع، وينطلق من أمر واقع مفروض بالقوة.

أي دولة واحدة أيضاً؟

كذلك تُطرح مسائل أخرى، وتُفرض أسئلة جديدة، فالدولة الواحدة بلا تحديد لطبيعتها السياسية، هل هي دولة ديمقراطية، أو هي دولة علمانية ديمقراطية، أو أن الأمر متروك لوقت لاحق، حيث يفرض التيار الأقوى منظوره؟

إن ما يمكن أن يظهر أنه يجمع تيارات مختلفة حول هدف الدولة الواحدة سوف يبدو في الواقع مجال اختلاف واسع لطبيعة الدولة الممكنة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار مواقف وسياسات هذه التيارات سوف نلمس التناقض بشكل واضح، حيث أن الأمر هنا لا يتعلق باختلافات بل بتناقض حدّي. الكل يريد الدولة الواحدة، من الإسرائيليين إلى الفلسطينيين، وكما أشرت قبلاً يُطرح السؤال هل هي دولة عربية أو دولة يهودية، أو هي إسرائيل؟ لكن الأمر يتعدى هنا ذلك إلى البحث في طبيعتها، أي هل أنها دولة علمانية أو ديمقراطية أو إسلامية، أو يهودية. هذه خلافات كبيرة بين التيارات التي يمكن أن تتوافق على مبدأ الدولة الواحدة. هل يمكن أن تتوحد في إطار حركة أو حراك أو حتى حملة؟

إن إشكالية ذلك هو أن التوافق على الدولة الواحدة لا يفضي إلى توافق على طبيعتها، وبهذا يؤسس لتوجسات ورفض لا يسمح بأن تكون هناك إمكانية لتقبّل شعبي في مستويات عدة. حيث ليس مقبولاً أن يكون بديل “الدولة اليهودية” دولة “إسلامية”، وبهذا فيجب أن يكون واضحاً أن الدولة الواحدة هي ليست إسلامية. وهل يكفي الإشارة إلى أنها دولة ديمقراطية دون أن يتحدد أنها علمانية؟ إن رفض طابعها الديني، اليهودي أو الإسلامي، يفرض أن يكون التحديد العلماني واضحاً، حيث يجب تحييد الدين، وفصله عن الدولة. بهذا ستكون العلمنة مسألة مركزية هنا، رغم أن الديمقراطية لا تتحقق دون العلمنة، فهي أساس النظر إلى الأفراد كمواطنين في مقابل الدولة، وهؤلاء المواطنون هم الشعب الذي يجب أن يكون هو المشرّع لدستور الدولة ومقرر إرادتها.

إن التعميم هنا، بحيث يصبح “الهدف” هو الدولة الواحدة، بغض النظر هل هي عربية أو يهودية، فلسطينية أو إسرائيلية، أو حتى شكل من أشكال الدمج بينهما، وبغض النظر عن طبيعتها، هل هي إسلامية أو يهودية، إسلامية أو ديمقراطية. إن هذه التعميم يفرض بالحتم تناقضات لا تؤسس لبنية متسقة، حيث سيطرح كل تيار رؤيته، وهي رؤى متناقضة، سواء تعلق الأمر بالأساس “القومي”، أو بالأساس الديني، أو بالميل لتأكيد ديمقراطية “مخصية” عبر نزعها من أساسها (العلمانية). ومن ثم ستؤدي إلى تفكك حتمي. إن هذا التحديد لا يؤدي إلى تأسيس إطار “وطني” عام، ما دام هناك تيارات تطرح الوطنية في سياقات متناقضة، أو تلغي الوطنية لمصلحة ما هو ديني. وبهذا لن تتشكّل وطنية تجبّ الأيديولوجيات، رغم أنه ليس من وطنية تجبّ الأيديولوجيات.

بهذا فإن الانطلاق من الهدف العام الذي هو: الدولة الواحدة، يتضمن تناقضات تفكك كل تكوين يقوم على أساسه، وفي الواقع لا تسمح بانخراط فئات مجتمعية فيه، سوى المنتمين للتيارات التي تشكّل الإطار الذي يقوم على هذا الأساس. وهنا سيهيمن التيار الأقوى، الذي هو الآن التيار الأصولي الإسلامي، بالضبط لأنه لا يستطيع إخفاء أيديولوجيته، ولا دعوته الإسلامية، بينما يخفف الديمقراطيون من ديمقراطيتهم، ويتجاهلون أساسها الذي هو العلمانية. بالتالي لا يصبح ممكناً تأسيس تكوين مجتمعي داعم للدولة الواحدة، بل تبقى فكرة تطرحها تيارات سياسية. حيث أن هذا الطرح لا يشكّل رؤية أو بديلاً بل هو هدف سياسي يمكن أن تتوافق عليه تيارات سياسية، بينما يجب أن يتحدّد الآن ليس واحدية الدولة، فهذه محسومة منذ أن طُرح شعار تحرير فلسطين، بل أن المطلوب هو حلّ يسمح بقبول كتلة كبيرة من السكان الأصليين والمستوطنين الجدد، وهنا لا بدّ من تحديد طبيعة البديل، طبيعته التي يمكن أن تؤسس لأغلبية تستطيع التأثير في فرضه. أما حين يجري البحث في التوافق مع تيارات سياسية فيمكن تحديد نقطة اتفاق بينها لكن ليس كرؤية بل كهدف عملي، وهذا أمر يتعلق بالتكتيك وليس ببلورة برنامج وحركة أو حملة أو مبادرة. فكل ذلك يُطرح لقطاع شعبي عريض وليس لتيارات، هذا التمييز ضروري لأنّ تجاوزه يفرض الخضوع لـ “الصوت الأعلى”، ويفرض بديله وليس ما يبدو أنه توافق.

الفكرة الجوهرية هنا هي أنه بدون وضوح في طرح الدولة الواحدة لن يكون ممكناً أن يتشكّل تيار يدعمها، والوضوح لا يتحقق حول هدف عام بل يجب أن يتحدد البديل المطروح لتجاوز وجود الدولة الصهيونية، والذي يمكن أن يستقطب تكوينات مجتمعية. لهذا إن واحدية الدولة في ظل الوضع القائم تفرض أن يكون واضحاً أنها محيده تجاه الدين، خصوصاً أن الدولة القائمة هي “دولة اليهود”، وأن هناك تياراً “إسلامياً” تقوّى في العقود الماضية يريدها “دولة إسلامية“، رغم أن العلمنة ضرورة حتمية في كل مشروع يهدف إلى التطور والحداثة. وأن تكون ديمقراطية بالتأكيد، مع ملاحظة أنه لا دولة ديمقراطية لا تقوم على أساس علماني. ويبقى وضع الحقوق التي يجب أن تعود لأهل فلسطين الأصليين، دون أن يعني ذلك خلق إضطهاد جديد. بالتالي فإذا كانت الدولة هي فلسطين خلال الاحتلال الإنجليزي وحوّلها هذا الاحتلال إلى دولة إسرائيل، فإنه يجب أن يكون واضحاً أنها ستعود فلسطين، لكن متضمنة كل من يريد البقاء من المستوطنين الجدد، في ظل طبيعتها المشار إليها للتو، أي أن تكون دولة علمانية ديمقراطية.

تبقى مسائل أخرى عديدة تخص ذلك، منها طبيعة الاقتصاد، وكيف يمكن إنهاء الارتباط بالنمط الرأسمالي، الذي أوجد الدولة الصهيونية، وبالتالي ما هو دور الدولة الجديدة في بناء الاقتصاد في مصلحة الطبقات الشعبية. كل ذلك يحتاج إلى منظور طبقي سياسي أوسع من التركيز على الشكل السياسي للدولة الجديدة. هنا يظهر دور الأحزاب وأيديولوجياتها وبدائلها الشاملة.

The post دولة واحدة في فلسطين؟ ما اسمها؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
ماذا سيفعل الحزب الشيوعي “الإسرائيلي” بخصوص فشل حل الدولتين؟ https://rommanmag.com/archives/19306 Thu, 07 Jun 2018 10:12:50 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%b3%d9%8a%d9%81%d8%b9%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b2%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d9%88%d8%b9%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84%d9%8a-%d8%a8/ يظهر الآن واضحاً أن حل الدولتين الذي جرت المراهنة عليه من قبل الفصائل الفلسطينية، والسلطة التي تشكلت باسمها، وكذلك من الأحزاب الشيوعية، ومنها الحزب الشيوعي الإسرائيلي، هذا الحل بات “في خبر كان”، حيث فرضت الدولة الصهيونية على الأرض ما ينفي كل إمكانية لتحقيقه، وهي تسعى الآن لضم معظم أرض الضفة الغربية بعد أن ضمنت عدم […]

The post ماذا سيفعل الحزب الشيوعي “الإسرائيلي” بخصوص فشل حل الدولتين؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
يظهر الآن واضحاً أن حل الدولتين الذي جرت المراهنة عليه من قبل الفصائل الفلسطينية، والسلطة التي تشكلت باسمها، وكذلك من الأحزاب الشيوعية، ومنها الحزب الشيوعي الإسرائيلي، هذا الحل بات “في خبر كان”، حيث فرضت الدولة الصهيونية على الأرض ما ينفي كل إمكانية لتحقيقه، وهي تسعى الآن لضم معظم أرض الضفة الغربية بعد أن ضمنت عدم المساس بوضع القدس، ومن ثم بعد أن بات الموقف الأميركي داعماً علناً لهذه السياسة، وحيث تسعى أميركا ترامب إلى فرض “صفقة القرن” التي تشطب مسألة قيام دولة فلسطينية.

هذا كله بات مكشوفاً بعد أن كان واضحاً لكل من يعتمد التحليل العلمي في فهم طبيعة الدولة الصهيونية والوضع العالمي الداعم لها، كونها أداة بيد الإمبريالية للسيطرة على البلاد العربية وضمان تفكيكها. حيث أن المنظور الأساس هو أن فلسطين هي إسرائيل، ولا بديل عن ذلك، وربما تسعى الدولة الصهيونية إلى التوسّع أكثر من ذلك في الأردن أو سيناء. وأنها لم تُقَم هنا لكي تتعايش بسلام مع المحيط العربي بل من أجل أن تهيمن عليه، وتمنع تطوره ووحدته، فهذا هو دورها. بهذا لا وجود لكيان فلسطيني، ولا سلام ممكن. بالتالي إذا لم يكن ذلك واضحاً في السابق، وكان وجود الاتحاد السوفيتي يُطلق الوهم حول إمكانية الضغط من أجل حل الدولتين وحصول الفلسطينيين على دولة على 20% من فلسطين، وتحقيق التعايش، وأيضاً كان وهم تأثير المقاومة الفلسطينية على الرأي العام العالمي يُنتج الوهم ذاته القائم على حصول دعم عالمي لتحقيق “قرارات الشرعية الدولية”، فقد سقط كل ذلك الآن، وباتت الأمور واضحة، حيث تسير الأمور نحو فرض الحل الصهيوني كما رُسم منذ البدء. الأمر الواقع الآن يتمثل في أن الدولة الصهيونية تفرض هيمنتها على كل فلسطين، ولن تعطي السكان الفلسطينيين سوى شكل ما من الحكم الذاتي (ربما المرتبط بالأردن)، وستبقى الأرض هي “أرض إسرائيل”. هذا ما بات واضحاً تماماً، ومؤسس على الأرض بسيطرة استيطانية واسعة، وبدعم دولي كامل (وهنا ليس أميركياً فقط ولا أوروبياً فحسب، بل روسياً كذلك، وأيضاً صينياً). وكذلك بوجود نظم عربية تدعم ذلك.

لهذا يُطرح السؤال على الأحزاب التي راهنت على حل الدولتين، وقبل ذلك قبلت بوجود الدولة الصهيونية، ماذا ستفعل الآن؟

هنا أقصد الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي وافق على قرار التقسيم حينما كان ضمن عصبة التحرر الوطني، بعد أن وافق الاتحاد السوفيتي على هذا القرار مباشرة. ومن ثم قبل الدولة الصهيونية كأمر واقع، متجاهلاً كل ما كتبت العصبة وقبلها الحزب الشيوعي الفلسطيني، من أن الحركة الصهيونية هي أداة بيد الإمبريالية، وأنها تعمل ضمن مخطط تقسيم البلاد العربية والسيطرة عليها، وأنها معادية للتحرر والتقدم، وتمثل الرجعية والتعصب، وغيرها من المصطلحات الدقيقة والصحيحة. ولهذا طرحت قيام الدولة العلمانية الديمقراطية في فلسطين، وناضل أعضاؤها من أجل هذا الهدف. لكن التبعية لسياسة الاتحاد السوفيتي فرضت هذا التحوّل الدراماتيكي، غير العقلاني ولا العلمي، والمعادي للماركسية، حيث قبلت بدولة احتلال استيطاني قامت على أنقاض شعب جرى تهجير جزء كبير منه، وأتت ضمن مشروع إمبريالي. انقلاب في الموقف يُظهر التبعية لموسكو حينها، ويوضّح غياب المبادئ والقيم، ويكشف التخلي عن الصراع ضد الإمبريالية والعنصرية والاحتلال الاستيطاني.

هذا ما حكم، كذلك، مجمل الحركة الشيوعية العربية والعالمية، لكن ما قام به الشيوعيون الفلسطينيون الذين شكّلوا الحزب الشيوعي الإسرائيلي هو “مسح” فلسطين، حيث انقسمت عصبة التحرر الوطني التي تريد الدولة العلمانية الديمقراطية في فلسطين إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي ينطلق من الاعتراف بوجود الدولة الصهيونية، وجزء آخر يقيم فيما تبقى من فلسطين (الضفة الغربية) أسهم في تأسيس الحزب الشيوعي الأردني، بعد أن باتت الضفة الغربية جزءاً من الدولة الأردنية. بهذا تلاشت فلسطين ولم يعد هناك قضية فلسطينية، مع السعي لتعزيز سياسة السلام والتعايش بين العرب والإسرائيليين، هذا هو شعارها من أجل “السلام العالمي”.

الحزب الشيوعي الإسرائيلي وافق على وجود الدولة الصهيونية، واعتبر أن قيامها هو انتصار لحركة التحرر اليهودية (كما خطب توفيق طوبى بعد عام من قيامها). ورغم الدور الذي لعبه للحفاظ على الهوية العربية، وعن الوجود العربي في “دولة إسرائيل”، ودفاعه عن الأرض والسكان، فقد ظل يعترف بالدولة الصهيونية، ووجد في حل الدولتين مخرجاً لتأكيد أنه مع الشعب الفلسطيني، ومع حقه في إقامة دولته. وبهذا فقد استمرّ في النضال من أجل الحقوق المدنية لـ “عرب إسرائيل”، وضد سياسات إسرائيل العدوانية، كما من أجل دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس في الضفة الغربية وقطاع غزة. لقد كان يريحه ذلك، حيث يُقنع الذات بأنه مع حق الشعب الفلسطيني وهو يقبل بوجود الدولة الصهيونية، ويحصر نضاله في حقوق مدنية وسياسية ضمن الدولة الصهيونية، وفي “النضال” من أجل “السلام” من خلال التفاوض لتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني” في دولة على 20% من فلسطين. لكن، حين يصبح حل الدولتين منعدماً ماذا سيفعل؟ كيف سيبرر سياساته؟ هل سيقبل أن تصبح إسرائيل هي الدولة الواحدة التي تسيطر على فلسطين، ويظل يناضل من أجل حقوق مدنية وسياسية للشعب الفلسطيني؟

يتعامل الحزب مع الدولة الصهيونية كدولة “طبيعية”، أي أنها باتت قائمة وليس مطروحاً التفكير في إنهائها، مع سخريته من كل من يطرح ذلك، فالحزب يعتقد أنه أمر مستحيل نتيجة اختلال الميزان القوى والدعم العالمي لها، وبالأساس لأنها دولة معترف بها من قبل الشرعية الدولية. ولهذا يصبح السؤال بعد وضوح نهاية حل الدولتين، ماذا سيفعل الحزب؟ ربما سيقبل بالأمر الواقع الجديد (فهذا من أساسات المنظور الأيديولوجي الذي أنشأته الماركسية السوفيتية)، و”يناضل” من أجل حقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحسين وضعهم المعيشي، وتوسيع سلطة “الإدارة الذاتية” الفلسطينية. أو يبقى يكرر دعمه لحل الدولتين لكي تكون غطاءً لسياسة استسلامية. إن المنظور الذي يحكم الحزب لا يخرج عن هذه الممكنات، حيث لم يكن حزب النضال من أجل الثورة والتغيير بل كان حزب القبول بالأمر الواقع ضمن تكتيك الدولة السوفيتية، وأيضاً ضمن الواقع العالمي القائم الآن.

فهو “حزب مطلبي”، يغطي ذلك بشعارات كبيرة “ضد الإمبريالية” و”مواجهة المخططات الإمبريالية”، و”ضد الرجعية”، لكنه لا يؤسس للنضال ضد الإمبريالية وتمظهراتها في الواقع، ومن هذه التمظهرات الدولة الصهيونية ذاتها، وكل النظم الرأسمالية التابعة. لا يريد تطوير الصراع الطبقي، ولم يُرِد تصعيد الصراع الوطني الفلسطيني ضد كيان استيطاني استعماري وأداة إمبريالية. ولا يظهر أنه معني بذلك. حتى أنه لا يسعى لتغيير الدولة من خلال النضال من أجل إسقاط الطبقة المسيطرة، وفرض سلطة طبقات أخرى. هنا ستعاد السخرية نتيجة اختلال ميزان القوى، لكن من قال أن الشعوب تنتصر بلا جهد كبير من أجل تغيير ميزان القوى على ضوء شعارات صحيحة؟ فالسلطة تكون هي الأقوى بداية مع غياب فاعلية الشعوب، لكن تصعيد الصراع وتنظيم حراكها، وأزمتها الطاحنة التي هي نتاج نهبها، تفرض تغيير ميزان القوى. هذا هو التكتيك الذي إتبعه لينين لكي تنتصر ثورة أكتوبر التي تُمجّد دون فهم كيف انتصرت. والصراع هنا “داخلي” وليس شعارات ضد الإمبريالية، ومن أجل تنظيم قوى فعلية وليس لتشكيل تحالفات وتجمعات أكثر ما تقوم به هو اصدار البيانات، وضد عدو “بعيد”، في تجاهل بأن أرجله هي هنا “في الداخل”، وهي الأرجل التي يجب أن تقطع لكي تنتهي السيطرة الإمبريالية.

لقد خدم الحزب “عرب إسرائيل” في مرحلة ما، لكن هذا لم يعد كافياً منذ زمن طويل. فالدولة الصهيونية باتت تسيطر على فلسطين، وهي تمدّ نفوذها عربياً، وتفرض مركزيتها في السيطرة على المنطقة. كما أنها تعزز من تفكيك البلاد العربية، وتسهم في تدميرها. بمعنى أنها لا تريد أن تقنع بجزء من فلسطين كحلّ لمشكلة يهود مشردين كما جرى الإدعاء الصهيوني الإمبريالي، بل هي قوة سيطرة ونهب وتدمير. حيث أن وجودها جاء كمشروع رأسمالي لتحقيق كل ذلك (وهذا ما كانت تقوله عصبة التحرر الوطني، والحركة الشيوعية قبيل الاعتراف بقرار التقسيم). بالتالي لا بدّ من إعادة بناء الصراع على الأسس التي نشأ نتيجتها، فقد انتهى وقت الأوهام حول السلام، والنضال من أجل تحسين أوضاع “عرب إسرائيل”، رغم أن كل ذلك كان وهماً منذ البدء، لهذا نشأت أجيال فلسطينية تريد التحرير، ولا زالت تنشأ.

لقد طرحت المقاومة الفلسطينية شعار تحرير فلسطين لكنها قبلت ببعض فلسطين دون أن تحصل عليه، وظهر واضحاً أن الأمر يتعلق بصراع جدّي بين مشروعين ليس من تعايش بينهما. هذا الأمر يجب أن تُسقط كل الأفكار والمفاهيم التي قامت على أساس القبول بالأمر الواقع، وأن يصبح واضحاً أن ما يجب النضال من أجله هو استعادة فلسطين، وإنهاء الدولة الصهيونية، من أجل إقامة دولة علمانية ديمقراطية، فلسطينياً، وفي الإطار العربي العام. هل يسعى شباب الحزب الشيوعي إلى ذلك؟ هذا ما يجب أن يكون هدف هذه المرحلة، وأن يتركز النقد ضد السياسة القديمة، وكشف أساساتها، من أجل بديل حقيقي في فلسطين. لم يَعُد مقبولاً المراوحة في إطار السياسات القديمة ذاتها، ولا حصر النشاط في نضال مطلبي حقوقي، و شعاراتي على المستوى السياسي. والتوهم بخوض نضال “ضد الإمبريالية” مع القبول بتمظهرها الواقعي، فالنضال ضد الإمبريالية يفرض السعي لإنهاء قاعدتها: الدولة الصهيونية. وكل كلام آخر هو مزاودة وشعاراتية لا معنى لها.

مشروع النضال من أجل فلسطين بات هو نقطة المركز الآن، وهذا يعني تصفية الحساب مع كل السياسات السابقة، وإعادة بناء الصراع على أساس أن الصراع ضد الإمبريالية وأدواتها يفرض تطوير الصراع من أجل إنهاء الدولة الصهيونية. لقد انتهت مرحلة بكل أوهامها، وعلينا أن نؤسس لمرحلة جديدة وفق فهم علمي ورؤية واضحة، وبلا ميول إصلاحية أو تساومية، بل بفهم ثوري حقيقي. لهذا لا بدّ من إعادة بناء مشروع النضال من أجل فلسطين.

The post ماذا سيفعل الحزب الشيوعي “الإسرائيلي” بخصوص فشل حل الدولتين؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
ما الذي يريده رافضو الدولة العلمانية الواحدة؟ https://rommanmag.com/archives/19296 Wed, 30 May 2018 08:23:07 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%8a-%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%af%d9%87-%d8%b1%d8%a7%d9%81%d8%b6%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7/ يواجه طرح الدولة العلمانية الديمقراطية الواحدة في فلسطين بالرفض، وحتى التهجّم، من قبل العديد ممن يعتقد أنه الوصي على القضية الفلسطينية. ولقد واجه نشر وثيقة الحركة الشعبية من أجل فلسطين دولة علمانية ديمقراطية واحدة هجوماً من بعض ممن يضع ذاته في صفّ النضال من أجل تحرير فلسطين. والواضح في الوثيقة أنها تطرح إنهاء الدولة الصهيونية، […]

The post ما الذي يريده رافضو الدولة العلمانية الواحدة؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
يواجه طرح الدولة العلمانية الديمقراطية الواحدة في فلسطين بالرفض، وحتى التهجّم، من قبل العديد ممن يعتقد أنه الوصي على القضية الفلسطينية. ولقد واجه نشر وثيقة الحركة الشعبية من أجل فلسطين دولة علمانية ديمقراطية واحدة هجوماً من بعض ممن يضع ذاته في صفّ النضال من أجل تحرير فلسطين. والواضح في الوثيقة أنها تطرح إنهاء الدولة الصهيونية، أي بمعنى ما تحرير فلسطين، لأن هدف تحرير فلسطين هو إنهاء الدولة الصهيونية، ولأن إنهاء الدولة الصهيونية يعني تحرير فلسطين.

بالتالي ما هو منطلق هؤلاء الذين يتوترون، أو حتى يتشنجون، إلى هذا الحدّ وهم يسمعون فكرة الدولة العلمانية الواحدة؟ هل أنهم ينطلقون من تحرير فلسطين، وبالكفاح المسلح؟ أو أنهم ينطلقون من التمسك بحلّ الدولتين؟ الأمر هنا مختلط، حيث أن الذي يطالبون بتحرير فلسطين يتبنون حل الدولتين، ليبدو أن تحرير فلسطين هو شعار يغطي القبول بالاستسلام، أي بحل الدولتين الذي هو وهم مستحكم.

بالتالي، في الغالب لا يبدو المنطلق الذي يؤسس هؤلاء تصورهم عليه واضحاً، حيث أن كل ما يركزون عليه هو رفض فكرة الدولة الواحدة، ويدخلون في ديالوغ شتائم ضد الذين يطرحون حل الدولة الواحدة. هناك من طرح حلاً أكثر سخفاً من حل الدولتين، حيث فكك القضية الفلسطينية إلى قضايا تتخذ طابعاً حقوقياً مؤسّساً على الشرعية الدولية. لكن في المجمل ما يجري بعد نشر وثيقة الحركة الشعبية هو أن هناك من يعلن رفضه بأقصى مستوى من الشتائم، ويبدو أنه لا يجرؤ على طرح رؤيته. ما يمكن فهمه من كل ذلك هو أن هناك ثلاثة أطراف قررت التصدي لمشروع الدولة الواحدة العلمانية الديمقراطية، التي تقوم على أنقاض الدولة الصهيونية. رغم أن هناك شيزوفرينا تحكم العديد ممن يتصدى، حيث يرد من منظور وهو في الواقع يتبنى منظوراً معاكساً، حيث أن الرد يأتي من كادرات في فصائل فلسطينية تتبنى حل الدولتين وتدافع عنه، ويأتي الرد متوتراً لا يجرؤ على طرح المعاكس لذلك، لكنه يشتم انطلاقاً منه، أي أن الرد يأتي من التمسك بـ “تحرير فلسطين”، وبـ “الكفاح المسلح”، وبرفض وجود اليهود بعد التحرير، لكنه رد به غمغمة، ويختفي تحت سيل من الشتائم مع التبني الواقعي لحل الدولتين. وهو ضد “اليهود المستوطنين”، ومع تشريدهم، لكنه يقبل دولة على 20% من فلسطين. وهو يريد “تحرير فلسطين” وهو يفقد كل مكامن القوة، ليتحوّل العمل المسلح إلى عمل فردي، ومحدود. أو يأتي الرد من أفراد هامشيين لا يستطيعون سوى “التميّز” بإعلاء الصوت، ورفض كل ما يطرح، في منظومة متكاملة من الشتائم والتخوين والتجريح، هي كل ثقافتهم.

كيف نفسّر هذا الفصام؟ الجبن، أو الخشية من تجاوز سياسة الفصيل الذي ينتمي إليه؟ أو حتى تشوش الأفكار، ومتاهة التخيلات التي يؤسس لخليط من الأفكار المتناقضة المبنية على رفض شكل معيّن من البديل المطروح لوضع فلسطين؟

كيف يمكن النبش في خلفيات هذه المواقف من أجل فهم هذا التشنج الذي يبدونه تجاه الدولة الواحدة؟ فلا شك في أن وعياً عاماً قد تشكّل لدى الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً لدى كادراتها، ومن أتى منهم من الخارج في ظل اتفاق أوسلو، يتمسك بـ “السلطة الفلسطينية” كـ “أساس” للدولة المستقلة وعاصمتها القدس. لقد نشأت مصالح تربط بهذه السلطة، وبات تجاوز خطابها يعني الخسران، لهذا يجري رفض كل بديل عنها. إن حساسية التعبير عن التمسك بهذه السلطة تفرض المراوغة، لهذا يجري رفض كل بديل لها. هنا سيكون خطاب المواجهة متشنجاً بالضرورة، لأن السير وراء البديل يعني فقدان مصالح. هذا أساس مصلحي يقبع في قاع الهجوم، إن الوعي العام لدى الفصائل تمحور منذ عقود أربعة حول حل الدولتين، وعلى ضوء ذلك نشأت مصالح للفصائل ولأفرادها، لهذا يصبح التمسك بالسلطة ضرورة. ولأن السلطة “مرذولة” فيجري التعبير عن ذلك من خلال الرفض المتشنج لكل بديل يُطرح، ويقوم على إنهائها. هذا رافد من روافد الهجوم على الدولة الواحدة، وهو رافد يرتبط بمصالح، ويتكيف مع “وعي” نشأ منذ بدء  طرح السلطة على أي أرض “يتم تحريرها”، ومع تبلور “المشروع الوطني” القائم على دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وصولاً إلى أوسلو. وبهذا بات “النضال” من أجل “الدولة المستقلة” هو الذي يحكم هذا الوعي. ومن ثم شكّل نشوء السلطة مصلحة واقعية تدعم هذا الوعي. لهذا، ورغم وضوح فشل حل الدولتين، وظهور نهايته المحتومة، ظل هؤلاء يتمسكون به ما دام هناك مصالح يقدمها. إن قيادات وكادرات حركة فتح تتمسك بهذا الحل لأنها تستحوذ على السلطة والمصالح، لكن ذلك يشمل مجمل الفصائل الفلسطينية التي لا زالت تتمسك بهذا الحل رغم خلاف بعضها مع السلطة.

إذن، يواجه هذا التيار مشروع الدولة العلمانية الديمقراطية الواحدة في فلسطين، من منظور التسمك بحل الدولتين. سواء أعلن ذلك، أو أخفى ما يضمر، أو ما يسكن في اللاوعي، فهو ينطلق من مصالحه وليس من أي منظور وطني. وهو يرفض أي حديث عن فشل حل الدولتين، ويستمرّ في “التفاوض” من أجل فرض وجود “دولة فلسطين”. وكل الآخرين الذين يرفضون الدولة الواحدة يغضون النظر عن كل ذلك.

في المقابل، هناك من يرفض حل الدولة العلمانية الديمقراطية من منطلق الرؤية التي قامت على مبدأ “تحرير فلسطين”، والتي ارتبطت بـ “تحريرها” من اليهود، الذين قدموا كمستوطنين. إنه يعود إلى منطق أحمد سعيد، والميل القومي المتطرف، الذي لم يفعل سوى جرفنا من هزيمة إلى أخرى. هذا التيار يرفض ما نقول حول المستوطنين، وحل “المسألة اليهودية” في فلسطين، ويخوّن على أساس أن ذلك يعني التنازل عن فلسطين لـ “اليهود”، أو لـ “المستوطنين”. حيث يعتبر أن علينا أن نفرض ترحيل هؤلاء، و”تطهير” فلسطين منهم، وأي حلّ غير ذلك يعني الاستسلام للمشروع الصهيوني. هنا يمكن أن نقول بأننا إزاء استعادة لأفكار “شوفينية” كانت تتخلل الحركة القومية تجاه اليهود المستوطنين. عودة إلى ماضٍ جرى تجاوزه، بالضبط نتيجة فهم أن هذا الطرح لا يقود إلى تحرير فلسطين بل إلى إفشال ذلك. لا شك في أن التطرف “اليميني” المتعصب الصهيوني يُنتج تطرفاً معاكساً، ولهذا تصبح العودة إلى “طرد اليهود” سياسة معاكسة لسياسة “يهودية الدولة”. لكن عادة يكون الرد المعاكس هو تمتين للأصل وليس شطباً له.

هذا مكنون فئات، رغم أنها في الواقع تقبل حل الدولتين كما أشرت، لهذا ترفض الدولة الواحدة من منظور أنها تقبل بقاء “اليهود” متجاهلة للوقائع ولما هو إنساني، وحتى لكل منظور براغماتي. فالذي يريد أن ينتصر يجب أن ينطلق من الواقع لكي لا يخسر حلمه، والواقع يشير إلى وجود أجيال من “اليهود” استوطنوا فلسطين، وكثير منهم ولد فيها، وبالتالي باتوا جزءاً من الوجود المادي لتكوينها، وجزءاً من الصراع الدائر فيها، والذي يهدف إلى إنهاء الدولة الصهيونية. وكعادة العقل السائد، بدل تفكيك بنى العدو، ووضع منظورات تؤدي إلى ذلك، يجري الشغل على توحيدها، وإعطاء كل مبررات الميل نحو اليمين المتطرف، ودفع قطاعات شعبية في هذا المسار. وبالتالي بدل أن يتحقق الانتصار تحدث الهزيمة، فليس من إمكانية لانتصار على عدو موحّد. هذا الفهم ينطلق مما هو غريزي وليس مما هو عقلاني. وفي الغريزة لا تُرى الفروقات والاختلافات وإمكانات التفكيك والتفكك، وطبعاً تضيع القيم كلها، الطبقية والإنسانية وغيرها.

الخلاف الجوهري هنا هو حقوق الشعب الفلسطيني التي نُهبت والتي من حقه استرجاعها، بما في ذلك عودة اللاجئين. هذا ما يخلق إشكاليات لا بد للدولة الجديدة أن تحلها انطلاقاً من هذا الأساس، ودون التسبب بمشكلات جديدة. أما أن تصبح المسألة متعلقة بطرد “اليهود” فهذا ما يعزز بقاء الدولة الصهيونية، ويزيد من تطرفها، كأي موقف طائفي ضد طائفة معينة.

المشكلة في هذا الطرح تتمثل، أولاً، في أنه تغطية على موقف استسلامي يقبل بجزء ضئيل من فلسطين، وثانياً لأنه يضخّم الأمر بما لا يجعل أي إمكانية للوصل إلى حل حقيقي، ويطيل أمد الصراع بلا جدوى. ثم، إذا تجاوزنا كل ذلك، لا يطرح الرؤية التي تحقق هذا الحل، بل لا يكون سوى المضاد لحل الدولة العلمانية الديمقراطية الواحدة، أي “مناكفة” مع هذا الحل ليس أكثر.

انتهى حل “طرد اليهود” منذ زمن طويل، كما انتهى حل الدولتين، ولا بدّ من أن ننطلق من الواقع والوقائع دون القفز عن الحقوق، وأن نؤسس الصراع على ضوء الحقائق الجديدة وليس على أوهام لا قيمة لها. إنهاء المشروع الصهيوني مسألة حتمية، لأن الصراع حدّي وجذري، لكن ذلك لا يعني إعادة فلسطين كما كانت قبل الاستيطان اليهودي، حيث لا بدّ من الانطلاق من هذه الحقيقة دون التخلي عن حقوق الشعب الفلسطيني العامة والخاصة. وفي حدود ذلك يجري البحث عن تحقيق العدالة لسكان فلسطين عموماً.

 

The post ما الذي يريده رافضو الدولة العلمانية الواحدة؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
كيف تتحقق الدولة الواحدة؟ https://rommanmag.com/archives/19282 Mon, 21 May 2018 05:45:16 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%aa%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%af%d8%a9%d8%9f/ ساد في العقود الماضية الميل للنظر إلى الحل في فلسطين كونه نتيجة التفاوض المباشر، أو الضغط الدولي، أو حتى تغيّر فجائي في الوضع الديموغرافي، أو أخيراً بتحوّل في “قناعات” المستوطنين. لا شك في أن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، ولقد ظهر واضحاً بعد عقود من التفاوض أن الدولة الصهيونية لا تسمح بحلّ يعطي الفلسطينيين جزءاً […]

The post كيف تتحقق الدولة الواحدة؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
ساد في العقود الماضية الميل للنظر إلى الحل في فلسطين كونه نتيجة التفاوض المباشر، أو الضغط الدولي، أو حتى تغيّر فجائي في الوضع الديموغرافي، أو أخيراً بتحوّل في “قناعات” المستوطنين. لا شك في أن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، ولقد ظهر واضحاً بعد عقود من التفاوض أن الدولة الصهيونية لا تسمح بحلّ يعطي الفلسطينيين جزءاً ضئيلاً من فلسطين. وأن الوضع الدولي يخدم وجود الدولة الصهيونية، حتى في ظل أزمة الرأسمالية، وضعف أميركا، وتصاعد الصراعات بين الدول الإمبريالية، لأن كل منها يميل لتأكيد دعمه لهذه الدولة للإفادة منها في فرض سيطرته على المنطقة. آخر ذلك هو دور روسيا الإمبريالية، روسيا التي تسعى لأن تكون الدولة الصهيونية أداة لها وهي تهمّ في السيطرة على المنطقة.

أما الوضع الديموغرافي فالدولة الصهيونية تعي حقيقة هذه المشكلة لهذا تعمل على إخراج فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة من بنية الدولة، رغم أنها تضم الأرض، كون كل أرض فلسطين هي “إسرائيل” كما تدعي، وكما تعمل على فرض أمر واقع يحسم ذلك. وبالتالي فإن ضم كل أرض فلسطين للدولة الصهيونية لن يؤدي إلى وجود أغلبية فلسطينية فيها كما يتوهم بعض من يمتلك نظرة سطحية، وحلولاً سهلة.

وحول “قناعات المستوطنين” ليس الأمر سهلاً، وإلا سنقع في سذاجة مفرطة. هنا لا بدّ من فهم التناقضات التي تخترق المجتمع الصهيوني، وفهم كل إمكانية يمكن أن تؤثر في هذه القناعات.

بالتالي لا يتعلق إنهاء الدولة الصهيونية وبناء الدولة العلمانية الديمقراطية الواحدة بمسارات عفوية، ولا بأقدار يمكن أن تقود إلى ذلك، بل يتعلق بدور فعلي، بنشاط عملي، بجهد من أجل تصعيد كل الصراعات الممكنة وصولاً إلى لحظة يصبح ممكناً فيها حسم الصراع. هنا يجب أن يكون واضحاً تماماً أن ما يبدو غير ممكن الآن، أو حتى مستحيلاً، هو كذلك نتيجة النظر إلى الواقع بسكونية، الواقع كما هو الآن، وبهذا سيكون مستحيلاً بالتأكيد. لكن لا بد من فهم تناقضات الواقع والبناء عليها، والعمل على تصعيدها. هنا للفعل الذاتي دور كبير في تحويل القناعات وتغيير موازين القوى، وتحديد السياسات الصحيحة. فحسم الصراع، أي صراع، لا يخضع للأقدار، بل يرتبط بفعل الإرادة، وبالدور العملي.

إن الوضع العربي القائم لا يوحي بأي إمكانية لأن يكون للنظم العربية دور في تحرير فلسطين، على العكس فإن النظم العربية تسير نحو التفاهم والتوافق العلني مع الدولة الصهيونية، وحتى إقامة حلف معها. لكن هذه النظم هي في مواجهة مع شعوبها، أظهرت الثورات ذلك بكل وضوح، لهذا فإن تناقض الشعوب مع النظم يفرض حتماً رفض منظومة علاقاتها وارتباطاتها، ولقد بات واضحاً تبعيتها للإمبريالية الأميركية، وتوافقها مع الدولة الصهيونية، الأمر الذي يجعل الصراع مع النظم هو صراع مع هذه الدولة ومع الإمبريالية. وأعتقد أن الوعي الشعبي يستوعب أنّ تخلفنا وتفككنا هو نتيجة دور كل منهما. من هذا المنظور يصبح من الضروري تطوير الصراع مع النظم، وتأسيس نظم تعبّر عن الشعوب، وستكون بالضرورة في تناقض مع الدولة الصهيونية كونها أداة إمبريالية. هنا، لا بدّ من أن نلاحظ أن الوصول إلى ذلك يحتاج إلى فعل قوى سياسية تعي طبيعة الصراع، وتعرف كيف تخوضه. ولقد أشرت أن هذا الصراع هو الصراع الأساس لاستعادة فلسطين، كون تغيير النظم، أو جزء منها في محيط فلسطين، سوف يفرض تغيير ميزان القوى، وتحوّل طبيعة الصراع. وسينعكس ذلك على التناقضات الأخرى التي سأشير إليها تالياً، بحيث يكون ممكناً أن تعود فلسطين عربية.

أشرت إلى مأزق النضال الفلسطيني، وإلى أزمته الراهنة، لكن هذا النضال ليس من الممكن أن يتوقف نتيجة أن الشعب الفلسطيني فقد أرضه، ويعاني من سيطرة صهيونية فرضت نظام أبارتهيد، ولهذا هناك تناقض وطني يفرض ذاته. لهذا سوف يستمر النضال الفلسطيني بأشكال مختلفة، من قبل اللاجئين الذين كانوا “وقود” الثورة الفلسطينية (قبل بيعهم من قبل القيادة الفلسطينية)، ورغم تشردهم بعد استهداف وجودهم في المخيمات في لبنان وسورية والعراق، فلسوف يظلون معنيين بتطوير الصراع ضد الدولة الصهيونية. في فلسطين، هناك أشكال مختلفة من النضال الوطني أشرت إليها قبلاً. لكن كل ذلك يفترض إعادة بناء مشروع المواجهة، وإعادة طرح المسألة “كما هي”، أي مقاومة شعب ضد مشروع استيطاني إمبريالي. وأن الهدف هو استعادة فلسطين. لقد فشل شكل الصراع السابق، وفشلت سياسة القبول بدولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، لا مستقلة ولا تحت الحماية، حيث ترفض الدولة الصهيونية كل ذلك. وسارت الثورة الفلسطينية إلى دمار نتيجة سياسات قادتها. لهذا بات من الضروري إعادة بناء المشروع.

هناك أسس نشوء تناقضات أخرى، وبالتالي مستويات صراع أخرى هي ممكنة. ربما تظهر أنها هامشية الآن، أو حتى مستحيلة، ويمكن اعتبار أن الشغل فيها أمر عبثي، أو حتى “خيانة”، لكنها تناقضات ممكنة، ومن الضروري الشغل على تصعيدها.  وكلما كان المشروع المطروح واضحاً سوف يزيد من ممكناتها. وكذلك كلما تغيّر ميزان القوى في الصراع العربي الصهيوني سوف تكون ممكناتها أكبر. أولها يتعلق بالأزمة التي باتت تنشأ لدى “نخب” يهودية، وجزء من الشباب في المجتمع الصهيوني نتيجة الانشداد المستمر والطويل للحرب ضد المحيط العربي، وخوض الحروب المستمرة، والشعور بالتهديد الدائم، الأمر الذي يوجد حالة من الإرهاق من جهة، ومن الشعور بعبثية الوجود ذاته من جهة ثانية، وكذلك من الشعور الأخلاقي الذي ينعكس بفهم الدولة الصهيونية كدولة قتل من جهة ثالثة. هذه العناصر توجد ميولاً نحو الهجرة، هي في تزايد، وكذلك نحو مقاومة الدولة، أو الطابع العنصري بالأبارتهيدي في الدولة. ويؤسس لميول تريد “السلام”، أو حتى البحث عن حلّ توافقي، وحتى القبول بإنهاء الدولة الصهيونية ذاتها. إن جزءاً من الأجيال التي ولدت في فلسطين تشعر أنها موضوعة في تناقض مع المحيط، وأن السبب هو ممارسات الدولة الصهيونية العنصرية والعنيفة. ولكي تستمر في العيش هنا، في فلسطين، تفكّر في ضرورة الوصول إلى حل ينهي الصراع، حتى وإن جاء كنهاية للدولة. من هؤلاء من دعم حل الدولتين كشكل من أشكال إنهاء الصراع، لكن فشل حل الدولتين فرض ان يجري طرح شكل ما من الدولة الواحدة الديمقراطية، لكنها “إسرائيل”. ولا شك في أن استمرار الصراع سوف يعزز من هذه الميول، ويطورها، خصوصاً إذا ما جرى طرح حل حقيقي في إطار فلسطين. ولا شك في أن وجود ودور الدولة الصهيونية في إطار المشروع الإمبريالي بات واضحاً لجزء من هؤلاء. وهذا أمر يسمح بالتوافق على “دولة جديدة”، ربما لم يحسم أنها فلسطين، لكن سيكون واضحاً أن لا بديل عن ذلك.

وثانيها التناقضات فيما بين اليهود، حيث أن مرور سبعين سنة على نشوء الدولة الصهيونية لم يخلق هؤلاء “إسرائيلية” تحلّ محل اليهودية التي التزمتها الحركة الصهيونية، والسبب الجوهري هو أن اليهودية كانت هي أساس نشوء الدولة، وأنها الأسطورة التي بني عليها الحق بإقامتها. ربما يظهر أن هناك من ولد في فلسطين، أو أولاد هؤلاء، قد تكيفوا مع الهوية الإسرائيلية، لكن أيديولوجية الدولة، ونظام التعليم يفرضان التأكيد على “يهودية الدولة”، وبالتالي يجعلان كل من بات يرى أنه “إسرائيلي” مغترباً في التكوين العام القائم. وكذلك سيكون هناك تناقض مع الهوية العربية القائمة. وأيضاً تناقض في تحديد حدود الدولة ذاتها، أي هل ستشمل كل فلسطين، وهذا يفكك طابعها الإسرائيلي نتيجة التوازن الديموغرافي، أو نتيجة الشكل الأبرتهايدي الذي يمكن أن تتخذه. بمعنى سيكون هناك تناقض بين الهوية وحدودها، وكذلك اختلافها، أو تناقضها مع هوية أخرى هي الهوية العربية.

من هذا المنظور ستكون هذه الهوية في مأزق، وسيُظهر الصراع هشاشتها. بالتالي يمكن أن نشير إلى أن الهوية الدينية يمكن أن تتراجع لمصلحة الهويات “القومية”، والمناطقية، وهو ما يظهر في التناقض بين اليهود الغربيين (الأشكناز) واليهود الشرقيين (السفرديم)، واحتمال تصاعد الميول القومية على حساب الهوية الدينية. ولا شك أن هناك تناقضات ظاهرة تتحدد في التمايز في الوضع الطبقي بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين، ومن ثم الفلاشا. كما في التمايز الثقافي، حيث يظهر اليهود الغربيين كنخب بالقياس إلى اليهود الشرقيين المفقرين الذين يعانون من التخلف الثقافي، وبالتالي يمكن أن يتشربوا أيديولوجية يمينية. لكن في كل الأحوال سوف يفرض وضعهم الميل ضد الدولة، واستعادة هوية هربوا منها طويلاً. وهذا يحتاج إلى شغل ورؤى تسهم في تسهيل هذا الميل. هؤلاء عرب يدينون بالديانة اليهودية، ويجب أن يجري العمل معهم انطلاقاً من ذلك، بغض النظر عن موقفهم، أو موقف بعضهم الراهن كداعم لليمين للصهيوني، حيث لا بدّ من أن يكون هناك رؤية واضحة تسمح بالتأثير في “الأيديولوجية” التي تخترقهم، تقدم بديلاً لهم تأسيساً على أنهم عرب، ومضطهدون، وأنهم يُستخدمون ضد العرب. إن التعامل مع هؤلاء كعرب أمر مهم في إعادة بناء هويتهم، وبالتالي إعادة ربطهم بتاريخهم، ومن ثم بمستقبلهم.

ثالثها الدولة الصهيونية ليست بمنأى عن الصراع الطبقي رغم كل المحاولات التي جرت من أجل تحويل المستوطنين إلى “كتلة متماسكة” في مواجهة العرب. وربما كان الدور المركزي للدولة في تكوين الاقتصاد والمجتمع أثر في خلق شكل ما من التماسك في مراحل نشوئها، لكن بعد أن استقرت أخذ اقتصادها يتشكل في تكوين “طبيعي”، وتراجع دور الدولة الاقتصادي لمصلحة اللبرلة. وبهذا تشكل الاقتصاد في إطار رأسمالي، لكنه متداخل مع الاقتصاد الإمبريالي ومتأثر به. لهذا زاد تمركز الثروة، واتسع التفاوت الطبقي، وظهرت حركة احتجاجات مختلفة. في الغالب يتخذ التفاوت شكل انقسام “إثني”، أي بني اليهود الغربيين واليهود الشرقيين (العرب)، لكنه يطال العرب الفلسطينيين كذلك. وهذا يعني أن بنية الاقتصاد الصهيوني تسمح بتفاقم الصراع الطبقي، رغم أن الأيديولوجية الصهيونية تحاول توحيد كل هؤلاء في إطار كتلة تخاف من محيطها، وبالتالي تجهد لمنع تفاقمه. لكن وضع الاقتصاد الذي يميل إلى المركزة العالية، وارتباطه بالاقتصاد الرأسمالي الذي يعاني من أزمة عميقة ومستعصية الحل، سوف يعزز من الميل نحو الاحتجاج، ويسمح بأن يتصاعد الصراع الطبقي، خصوصاً إذا حدثت أزمة جديدة في الاقتصاد العالمي. فإذا كانت أزمة سنة 2008 قد أدت إلى تراجع الصادرات إلى أهم منطقتين، وهما أميركا وأوروبا، فإن أي أزمة جديدة سوف تؤثر أكثر، وربما تنخر الاقتصاد الصهيوني ذاته.

هذا الوضع يشمل الأرض المحتلة سنة 1948، فهي المنطقة التي تشكّل بنية الاقتصاد للدولة الصهيونية،والتي تضم اليهود والعرب الفلسطينيين، ويتراكب فيها التمييز الطبقي. بينما يظهر وضع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة كوضع استعماري، وبالتالي تقوم علاقة استعمارية على صعيد الاقتصاد، حيث يظهر اقتصاد هاتين المنطقتين كاقتصاد تابع يخضع لنهب الرأسمال الصهيوني، خصوصاً في مجال احتكار السوق، وفرض الضرائب، والسيطرة على الأرض والمياه، وتدمير الاقتصاد المحلي. لهذا يظهر الصراع هنا كصراع وطني “خالص”، رغم أن الهيمنة الاقتصادية الصهيونية تفرض تعميم الإفقار في هاتين المنطقتين، وبالتالي تضافر الصراع الوطني مع وضع اقتصادي يدفع إلى التمرُّد.

رابعها يتعلق بعنصر مساند، حيث أن كون الدولة الصهيونية هي نتاج مشروع إمبريالي استعماري يجعل لشعوب العالم دور في التأثير في مسار الصراع، من خلال كبح دعم نظمها للدولة الصهيونية، ووقف تسليحها ومقاطعتها، وفي “حصار” الدولة الصهيونية عبر مقاطعتها، ودعم النضال من أجل إنهائها وتأسيس دولة علمانية ديمقراطية.

هذه مجمل تناقضات ممكنة التفجّر، بعضها قائم وبعضها ممكن، لكنها جميعاً تحتاج إلى فعل، إلى “إرادة ذاتية”، أي نشاط فعلي من أجل أن تتطور، وتصبح فاعلة. وفي كل ذلك لا يجب الانطلاق مما هو قائم فقط، بل بما يمكن أن يكون نتيجة وجود أسباب موضوعية تسمح بحدوث تحوّل أساسي. وهذا يطرح السؤال حول ماذا يمكن أن نفعل من أجل تطوير كل هذه التناقضات لكي تصبّ في مسار واحد يؤدي إلى إنهاء الدولة الصهيونية وإقامة فلسطين علمانية ديمقراطية ضمن دولة عربية موحدة.

The post كيف تتحقق الدولة الواحدة؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
اليرموك في مرحلة التدمير https://rommanmag.com/archives/19245 Thu, 26 Apr 2018 08:42:31 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%b1%d9%85%d9%88%d9%83-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b1%d8%ad%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d9%85%d9%8a%d8%b1/ مخيم اليرموك يتعرض للتدمير الشامل بعد أن تعرّض لتدمير كبير خلال سنوات الحصار. لماذا هذه الوحشية؟ لماذا يجب أن يتدمر؟ بغض النظر عن المبرّر الشكلي المطروح، هنا ما هو أبعد من ذلك. فقد كان المخيم الفلسطيني متهم بـ “إثارة الشغب” والفوضى واستخدام السلاح منذ بدء الثورة السورية، حيث حمّلت بثينة شعبان مخيم درعا مسؤولية أحداث […]

The post اليرموك في مرحلة التدمير appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مخيم اليرموك يتعرض للتدمير الشامل بعد أن تعرّض لتدمير كبير خلال سنوات الحصار. لماذا هذه الوحشية؟ لماذا يجب أن يتدمر؟ بغض النظر عن المبرّر الشكلي المطروح، هنا ما هو أبعد من ذلك. فقد كان المخيم الفلسطيني متهم بـ “إثارة الشغب” والفوضى واستخدام السلاح منذ بدء الثورة السورية، حيث حمّلت بثينة شعبان مخيم درعا مسؤولية أحداث درعا، التي كانت تعبّر عن بدء توسّع الثورة. ومن ثم حمّلت فلسطينيي الرمل الجنوبي مسؤولية تظاهرات اللاذقية. ولهذا تعرضت المخيمات إلى القصف الممنهج والتدمير والتشريد منذ اليوم الأول للثورة السورية. من مخيم درعا والرمل الجنوبي إلى مخيم حمص وحندرات في حلب، وحتى مخيم خان الشيح ومخيم اليرموك.

كان لافتاً زج الفلسطينيين في الصراع منذ البدء، رغم أن الشباب الفلسطيني لم يكن خارج الثورة، فهو سوري كما هو فلسطيني. لكن رغم ذلك، أن يُتهم بأنه يقوم بالتخريب والقتل، فهذا أمر يوضّح أن هناك إستراتيجية محدّدة كان النظام يطبقها على مجمل المخيمات، حتى تلك التي لم تشهد وجود “مسلحين” مثل مخيم خان الشيح. وأصلاً حينما اتهم مخيم درعا، أو الرمل الجنوبي، لم تكن الثورة السورية أصلاً دخلت مرحلة التسلح. هذا ما أوضحه بشار الأسد بعد عام وأشهر من بدء الثورة حينما قال بوضوح شديد أنه في الستة أشهر الأولى لم يكن هناك سلاح ولا مسلحين. هذا يعني أنه كان لدى النظام تصوّر يخص المخيمات منذ البدء يتعلق بوجودها، وكان الإتهام هو المبرر لقصفها وتدميرها.

مخيم اليرموك كان في عين الهدف، حيث عمل أزلام النظام على إدخال السلاح إليه قبل بدء التسلح، وكان ذلك يستثير الشباب في المخيم، هؤلاء الذين كانوا مصممين على أن يبقى المخيم بدون سلاح، وأن يظلّ حاضة كل المهجرين من محيطة، الذين أجبرهم القصف الوحشي للنظام على ترك بيوتهم. وعملوا على ضبط المجموعات المسلحة التي ظهرت في الحجر الأسود وأحياء أخرى محيطة في المخيم، لكي لا تقتحم المخيم وتبقيه كحاضنة لأهاليهم. لكن فجأة دخلت مجموعات مسلحة من هذه المناطق قيل بأن هناك فلسطينيين شاركوا فيها، ومن الحجر الأسود خصوصاً. وهناك مَنْ برّر ذلك بوجود “حقد طبقي” نتيجة الفقر الشديد الذي كان يعيشه سكان الحجر الأسود، لكن تبيّن أن النظام لم يكن بعيداً عن ذلك، وظهر أن هناك بعض المجموعات التي كانت من تأسيس أجهزة الأمن (ومن قبل واحدة منها استشهد رفيقنا أنس عمارة). بالتالي كان همّ النظام إدخال السلاح إلى المخيم، ومن ثم حصاره. وشهدت هذه المرحلة تهجير معظم سكانه من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، بعد حصار صعب وقصف مريع، وقتل بلا سبب.

وبخصوص الهدف من ذلك، نلمس بأن القصف والقتل والتدمير هنا كان تحت حجة وجود مسلحين، لكن مخيم خان الشيح لم يدخله مسلحون، ولقد فرض سكانه ذلك، لكنه قُصِف، وحوصر، وتعرّض لغارات كبيرة، ليس من طائرات النظام فقط بل كذلك من الطائرات الروسية، وكان القصد تهجير سكانه، الذين خرج منهم الكثير.

بعد إدخال المخيم في خضمّ الصراع العسكري، سيطرت مجموعات فلسطينية عليه، خصوصاً بعد أن مالت حركة حماس نحو “الثورة” نتيجة انخراطها في مسار جماعة الإخوان المسلمين، وتحالفها مع قطر. لهذا، ولتصفيتها، جرى إدخال جبهة النصرة التي تشكلت من أفراد من محيط المخيم، ومن آخرين أتوا من الخارج بمساعدة النظام ودول إقليمية (السعودية وتركيا والأردن). وكان واضحاً أن النظام هو الذي يقوم بهذه “اللعبة” التي نجحت في كسر أكناف بيت المقدس والسيطرة على جزء كبير من المخيم. ومن ثم أصبح المخيم يُقصف تحت حجة وجود إرهابيين. لقد أدى القصف، ومن ثم دخول جبهة النصرة والسلطة التي فرضتها، والحصار المريع الذي تعرّض له المخيم إلى أن يبقى فيه حوالي 18 ألف لاجئ، في وضع سيء للغاية، ومع قصف بين وقت وآخر. لم يكتفِ النظام بذلك، فقد كانت “المفاجأة” في دخول تنظيم داعش إلى المخيم قدوماً من الحجر الأسود، رغم أن المخيم في وضع حصار شامل، وكذلك الحجر الأسود يخضع لحصار شامل، حيث تبيّن أن النظام هو الذي سهّل انتقال داعش من الحجز الأسود إلى المخيم، وأن جبهة النصرة هي التي أدخلتها. وبات كل منهما يسيطر على جزء بعد طرد أكناف بيت المقدس.

الآن يُقصف المخيم بحجة وجود “الإرهابيين”، ويلحق به رهط من الممانعين الفلسطينيين الذين يتلذذون بتدمير المخيم، الذي كان قد لفظهم منذ زمن طويل. وبالتالي وصلنا إلى لحظة إنهاء المخيم تماماً، طبعاً تحت حجة طرد داعش والنصرة، هاتين المجموعتين التي أصبحت باصات النظام هي وسيلة نقلهما من منطقة إلى أخرى، في عملية تدمير مستمرة. فقد عقد النظام اتفاقاً مع كل منهما لنقله، داعش إلى الرقة والنصرة إلى إدلب، ثم توقفت عملية النقل، ربما ظهر أن دورهما لم يكتمل في المخيم. وبعد تدمير الغوطة الشرقية انتقل كل من النظام وروسيا إلى جنوب دمشق، ومنها المخيم، حيث جرى عقد اتفاق لنقل النصرة إلى إدلب وداعش إلى البادية السورية. بعد الاتفاق بدأ التدمير المنهجي لما تبقى من المخيم. هذا ما فعلته أميركا في الرقة، حيث بعد أن أخرجت داعش قامت بعملية تدمير منهجية للمدينة. ليظهر أن الهدف هو ليس قتل عناصر داعش والنصرة بل تدمير المخيم. فهؤلاء حجة ليس أكثر، وهم ينقلون إلى كل المناطق التي يراد تدميرها، ومن ثم يجري نقلهم إلى مناطق أخرى ما دام هناك منطقة لم تتدمر.

لا شك في أن التدمير الممنهج هو سياسة اتبعها النظام منذ زمن طويل، وتهدف إلى تدمير بيئة الثورة، وتهجير الشعب الذي ثار ضده. وهناك مناطق، خصوصاً في دمشق ومحيطها جرى تدميرها نتيجة مصالح بعض مافيات النظام التي تريد “إعمارها” لمشاريع “تجارية” بعد أن باتت أسعار الأرض فيها مرتفعة جداً. لكن للمخيم ميزة تدمير أخرى، إضافة إلى السببين سابقي الذكر. لهذا أشرت إلى التحريض على المخيمات منذ بدء الثورة في درعا، والتركيز على الدور التخريبي الذي يقوم به الفلسطينيون. وأقصد هنا أن النظام يساير السياسة العامة التي قررتها الدولة الصهيونية وفرضت أميركا تنفيذها، وظهرت واضحة بعد أن طرد عملاء إيران في العراق فلسطينيي العراق، حيث أبقاهم النظام في منطقة التنف الصحرواية سنوات دون أن يسمح لهم بدخول سورية، رغم ادعائة دعم القضية الفلسطينية. وكذلك ما فعله في لبنان قديماً بدعم تدمير مخيم تل الزعتر والضبية على يد عصابات حزب الكتائب. ثم تشكيل “فتح الإسلام” ودعم تدمير مخيم نهر البارد، ودعم حركة أمل وهي تدمر مخيمي صبرا وشاتيلا، وغيرها. ومن الواضح أنه يكمل الآن هذه السياسة التي تقوم على تهجير اللاجئين الفلسطينيين من محيط فلسطين إلى أقاصي الأرض، من أجل إنهاء “مشكلة اللاجئين”، في سياق سياسة صهيونية تهدف إلى تكريس السيطرة على كل فلسطين.

إذن، النظام يدمّر، والممانعون الفلسطينيون يصفقون، وبعض منهم يشارك في تدمير المخيم، وجزء من الفلسطينيين لا زال يطبّل للنظام السوري. ليظهر أن أولوية بعض الفلسطينيين هي الدفاع عن النظام السوري تحت وهم محاربة الإمبريالية والممانعة والخوف من تنظيمات مجرمة كان النظام هو أول من أسهم في صنعها حين أطلق سراح قادة وكادرات كانوا في سجونه، وأمدهم بالسلاح، وبجلب الدعم الخارجي (السعودي أولاً). لهذا لا يرفض هؤلاء ما يقوم به من تدمير ممنهج، وقتل منتظم، وتصفية لمخيمات سورية، بل أنهم يوافقون عليه، وهم كرمى لعيون الممانعة وقائد الممانعة يوافقون على تدمير كل فلسطين. مخجل أمر هؤلاء، الذين يغضون النظر عن كل ما فعله النظام ضد الشعب السورية، وحتى ضد اللاجئين الفلسطينيين. فهم ربما بلا وعي يشاركون في تصفية القضية الفلسطينية، القضية التي يدعون أنها قضيتهم، وأنهم يدعمون النظام السوري لأنه يدافع عنها. رغم أن كل ما قام به يكرّس الدولة الصهيونية، بعد أن دمّر سورية وجيشها، وتواطأ في تدمير المخيمات مكملاً ما بدأه في لبنان.

The post اليرموك في مرحلة التدمير appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الصراع كـ “عربي صهيوني” والدولة العلمانية الواحدة https://rommanmag.com/archives/19216 Wed, 11 Apr 2018 05:42:57 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d9%83%d9%80-%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%b5%d9%87%d9%8a%d9%88%d9%86%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86/ كان واضحاً منذ البدء أن فلسطنة الصراع، والانتقال إلى الكفاح المسلح، يعاني من مأزق، حيث أنه ينطلق من أرض تحكمها نظم لها حساباتها، وسياساتها، جوهرها أنها إما تحدد هي كيف ستخوض الحرب أو أنها أصلاً لا تريد الحرب. لهذا كان من الطبيعي أن تصطدم المقاومة الفلسطينية المنطلقة من الخارج معها، وأن يتحوّل الصراع إلى صراع […]

The post الصراع كـ “عربي صهيوني” والدولة العلمانية الواحدة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
كان واضحاً منذ البدء أن فلسطنة الصراع، والانتقال إلى الكفاح المسلح، يعاني من مأزق، حيث أنه ينطلق من أرض تحكمها نظم لها حساباتها، وسياساتها، جوهرها أنها إما تحدد هي كيف ستخوض الحرب أو أنها أصلاً لا تريد الحرب. لهذا كان من الطبيعي أن تصطدم المقاومة الفلسطينية المنطلقة من الخارج معها، وأن يتحوّل الصراع إلى صراع مع النظم العربية، كما حدث في الأردن. وإذا كانت فلسطنة الصراع تفيد النظم كون أن هناك من الفلسطينيين من بات يعتبر أن القضية هي قضيته، وهو الأمر الذي يحررها سياسياً من عبء القضية، فهي ترفض أن يمارس هؤلاء الصراع ضد الدولة الصهيونية من أرضها لكي لا تنجرّ إلى الحرب “في وقت غير مناسب”، ولهذا تمنع “العمل الفدائي” أو تسحقه، أو تحاصره.

هذا هو الوضع الذي جعل المقاومة محاصرة، وسَهُلت تصفيتها في “دول الطوق”. بالتالي، إذا كان من دور فلسطيني من خارج فلسطين لا بدّ أن تكون “البيئة” مؤاتية، أي أن تكون “دول الطوق” معنية بالصراع مع الدولة الصهيونية. ما يجعل هذا الأمر ممكناً هو أن الصراع أصلاً لم يكن فلسطينياً صهيونياً، وإن كانت الثورة ضد الاحتلال الإنجليزي والهجرة الصهيونية فلسطينية، وكان ذلك أمراً طبيعياً لأن فلسطين كانت تحت الاحتلال، لكنه صراع عربي ضد كل الظروف التي فرضها الاستعمار الإنجليزي الفرنسي خصوصاً منذ اتفاق سايكس بيكو ووعد بلفور. فقد نظر الاستعمار إلى الوطن العربي ككتلة واحدة، لهذا وضع إستراتيجية تفكيكه ومنع تطوره، ومن ضمن ذلك إيجاد الدولة الصهيونية، التي كانت الرأسمالية الإنجليزية هي أول من طرحها قبل أن تصبح رؤية لقطاع من اليهود شكّل الحركة الصهيونية. فقد طرح قيام “دولة يهودية” من قبل بالمرستون سنة 1841، وجرى الاشتغال بعدها على إيجاد نخب يهودية ورأسماليين من أصل يهودي ينشطون من أجل تحقيقها. وبالتالي كان هناك ترابط واضح بين إنشاء الدولة وتفكيك الوطن العربي إلى “دول”. لتكون هذه الدولة حاجزاً يمنع توحيد المنطقة، وقوة هيمنة تستخدمها الرأسمالية ضد كل بلدان المنطقة.

هذا الأساس يجعل كل ميل في البلدان العربية إلى الوحدة والتطور والاستقلال يصطدم بوجود الدولة الصهيونية. ولهذا كان القبول بالدولة الصهيونية مرتبطاً بترسيخ وجود “الدولة القطرية”، وتعميق تبعيتها للرأسمال الإمبريالي. بهذا فإن هناك صدام حتمي بين تطلع العرب إلى التطور والوحدة ووجود الدولة الصهيونية. وهو صدام مع الرأسمالية وأدواتها، بما في ذلك النظم القائمة. وإذا كان الميل التحرري الذي بدأ منذ خمسينات القرن العشرين قد أخفق، وأعيد تركيب المنطقة اقتصادياً وسياسياً بما يجعل النظم تابعة، ومتصالحة مع الدولة الصهيونية، بعضها في العلن من خلال اتفاقيات، ومعظمها في السرّ، وبالتالي دخول النضال الفلسطيني في مأزق عميق، فإن الدعوة للدولة العلمانية الواحدة لن تكون ممكنة خارج سياق الصراع في البلدان العربية، وفي السعي لإعادة بناء المنظورات التي تؤسّس لنشوء بديل جذري يطرح على عاتقه مسائل الاستقلال والوحدة والتطور، ومن ضمن ذلك الصراع ضد الدولة الصهيونية.

لقد نشأت الدولة الصهيونية كقوة هيمنة رأسمالية على المنطقة، ولهذا باتت أكبر قوة عسكرية، وأكثرها تطوراً، وكذلك يجري التعامل معها كامتداد رأسمالي، وكقاعدة عسكرية تخدم المصالح الإمبريالية في المنطقة. ومن أجل ذلك ليس في مقدرة الفلسطينيين تغيير ميزان القوى بما يسمح لهم بالانتصار وحدهم، وليس من سبيل لتغيير ميزان القوى إلا بتغيير النظم في البلدان العربية (وليس بالضرورة فيها كلها بداية) لكي يصبح ممكناً تحقيق مواجهة ناجحة. وأمام المأزق الفلسطيني المشار إليه، لا بدّ من أن يكون في الأولوية إسقاط النظم القائمة، وهذا لا يعني وقف الصراع ضد الدولة الصهيونية بشتى السبل لأنه لا إمكانية لوقفه أصلاً. ولا شك في أن النهب الذي مارسته الطغم الإمبريالية والمافيات الحاكمة، قد أوصل إلى تفجّر الصراع الطبقي في كل البلدان العربية، كما أوضحت الثورات التي بدأت نهاية سنة 2010. وهو الأمر الذي يعني أن الوطن العربي بات في وضع يفرض التغيير، ويدفع إلى إسقاط النظم القائمة. وهو ما ظهر في شعارات الشعب الذي يريد إسقاط النظام.

إذن، هناك عدة متحولات يجب لمسها، وهي تصبّ في إعادة بناء الصراع انطلاقاً من “طبيعته” ذاتها. المتحوّل الأول هو وضع النمط الرأسمالي والأزمة التي يعيشها، وهي أزمة لا حلّ لها، وتدفع إلى تفاقم الصراع الطبقي على صعيد عالمي، وهي في الواقع تُضعف الاقتصاد الصهيوني. والمتحوّل الثاني هو الثورات التي نتجت عن ذلك، والتي رغم كل الوحشية التي تواجه فيها ستستمر، وسيساعد على استمرارها وتفاقمها انتقال الثورات إلى أمم عديدة نتيجة ما فرضه توحش الرأسمالية. بالتالي فإن الوضع مؤاتٍ لكي تنشأ قوى معنية بالتغيير، وفي إعادة بناء الصراع.

حين نتحدث عن تحرير فلسطين، وعن بناء الدولة العلمانية الواحدة فيها، يجب أن نعتبر أن الأساس في ذلك هو التغيير في البلدان العربية، وأن كل أشكال الصراع الأخرى هي متممة لذلك، وتتأثر بمدى تغيُّر ميزان القوى العربي الصهيوني لمصلحة العرب. حيث أن وجود الدولة الصهيونية قام على أساس مواجهة العرب عموماً، ولم تكن فلسطين سوى القاعدة العسكرية التي لتبرير وجودها أُقيم عليها مجتمع مدني، ولكي يكون سكان هذا المجتمع هم “المرتزقة” الذين يخدمون مصالح الرأسمال الإمبريالي. وبالتالي ليس من إمكانية إلا أن يواجَه عربياً، فهذه هي طبيعة الصراع، هذين هما حدّيْ التناقض، ويكمن هنا جوهر الصراع.

من هذا المنظور ليس من الممكن تغيير ميزان القوى إلا بتغيير الوضع العربي، وتأسيس النظم المعنية بمواجهة الرأسمال الإمبريالي وأداته الصهيونية. هذا يعني العمل على تغيير الواقع العربي، والفلسطيني معني من هذا المنظور بالذات أكثر من غيره في ذلك. حيث ليس لديه خيار آخر لإنهاء الدولة الصهيونية سوى أن يعود الصراع إلى أساسه “الطبيعي”، أي كصراع عربي صهيوني، وبالتالي أن يعمل على دعم التغيير في البلدان العربية. وهو ما يعني الآن، وبالتحديد، دعم الثورات في مجمل البلدان العربية.

وبهذا هناك أسبقية حتمية لتغيير النظم في البلدان العربية، أو في بعضها على الأقل (وفي بلدان الطوق أولاً)، لكي يصبح ممكناً وضع الدولة الصهيونية في شروط حرجة، وتطوير الصراع ضدها بما يجعل إنهاءها مسألة ممكنة. ومن هذا المنظور ستكون فلسطين جزءاً من دولة عربية موحدة، علمانية وديمقراطية.

الصراع في المنطقة هو، في الجوهر، صراع عربي ضد الدولة الصهيونية، وهذا جزء من الصراع ضد السيطرة الإمبريالية، الذي هو الطريق لتحقيق الاستقلال والوحدة والتطور الاقتصادي والمجتمعي. ودون إعادة بناء الصراع على هذا الأساس سيبقى وضع فلسطين صعباً، وتبقى الأرض تُقضم، والمستوطنات تتزايد، والنضال الفلسطيني في مأزق يتزايد كل يوم.

The post الصراع كـ “عربي صهيوني” والدولة العلمانية الواحدة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
أزمة النضال الفلسطيني و”الدولة العلمانية الديمقراطية” https://rommanmag.com/archives/19185 Mon, 26 Mar 2018 07:25:07 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b6%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7/ الآن، بعد كل هذه السنوات على نكبة فلسطين، وعلى أشكال النضال التي مورست ضد الدولة الصهيونية، لا بدّ من أن نعيد بناء التصوّر حول الأشكال الممكنة للنضال في فلسطين. لكن هنا لا بدّ من لمس إشكالية النضال الفلسطيني ذاته، هذا النضال الذي قام على أساس “حرب الشعب”، وتحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح. بالتالي يجب فهم […]

The post أزمة النضال الفلسطيني و”الدولة العلمانية الديمقراطية” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الآن، بعد كل هذه السنوات على نكبة فلسطين، وعلى أشكال النضال التي مورست ضد الدولة الصهيونية، لا بدّ من أن نعيد بناء التصوّر حول الأشكال الممكنة للنضال في فلسطين. لكن هنا لا بدّ من لمس إشكالية النضال الفلسطيني ذاته، هذا النضال الذي قام على أساس “حرب الشعب”، وتحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح. بالتالي يجب فهم إشكالية النضال الفلسطيني الذي بدأ من تحرير فلسطين كاملة ليغرق في سلطة إدارة ذاتية تحت الاحتلال. ما أريد توضيحه هنا يتمثل في الشكل الممكن للنضال الفلسطيني بعيداً عن “الشعارات” والأوهام، والمزايدات، والأحلام.

فحين نطرح تجاوز الحلول التي فُرضت على القضية الفلسطينية، وآخرها اتفاق أوسلو، والتأكيد على ضرورة وحتمية إقامة دولة علمانية ديمقراطية، لا بدّ من فهم ممكنات النضال الفلسطيني. فالشعب الفلسطيني معني باستمرار النضال من أجل استعادة فلسطين، كل فلسطين. ولهذا يجب الإجابة على السؤال حول طبيعة النضال الممكن؟

أدت النبكة واقتلاع جزء مهم من الشعب الفلسطيني، وضم ما تبقى منها إلى الأردن ومصر، وبالتالي تشريد هؤلاء ليعيشوا في مخيمات، إلى تطلع الشعب الفلسطيني لأن تؤدي التغييرات الكبيرة التي حدثت في عدد من الأنظمة العربية، خصوصاً مصر وسورية والعراق والجزائر، إلى تحرير فلسطين، بعد أن كانت مسألة فلسطين وخسارة حرب سنة 1948 في جوهر الانقلابات التي فرضت استلام نظم تطرح مسألة التحرر والاستقلال، ومواجهة “العدو الصهيوني”. فهؤلاء المشردين لا يملكون حينها أي إمكانية للتفكير في أن يقوموا بدور لتحرير فلسطين نتيجة الوضع المزري الذي وجدوا أنفسهم فيه. لهذا كان أملهم في الدول العربية، التي رفع بعضها شعارات كبيرة. وربما كان فشل الوحدة المصرية السورية، والحرب في اليمن، قد هزّ من هذا التعلق، لكن كانت هزيمة حزيران هي التي فرضت التحوّل الكبير نحو النضال الفلسطيني.

بلا شك كانت هناك بعض الأعمال العسكرية الفلسطينية ضد الدولة الصهيونية، ولقد نشأت حركة فتح نهاية خمسينات القرن العشرين، لكن هزيمة حزيران هي التي أوجدت الأساس الحقيقي للتحوّل نحو الكفاح المسلح الفلسطيني لتحرير فلسطين. كانت المخيمات هي التي أمدت النضال الفلسطيني في هذه المرحلة بالمقاتلين، وكانت قاعدة النضال، لكن كل ذلك كان من خارج فلسطين، وكل محاولات بناء قواعد عسكرية، أو تطوير صراع مسلح في الداخل باءت بالفشل. وبالتالي فشلت كل محاولات نقل الصراع إلى داخل فلسطين. خارج فلسطين اصطدم العمل الفلسطيني بالنظم، حيث حدثت حرب أيلول، ثم حرب الأحراش، التي أخرجت المقاومة من الأردن. وكان النظام السوري يسدّ كل إمكانية لممارسة العمل المسلح من الجولان. لتبقى لبنان، البلد الضعيف، وذو الحدود الضيقة مع فلسطين. لهذا استقرت المقاومة الفلسطينية فيها. ودون خوض في كل مشكلات ذلك، التي كانت كبيرة ومضرة، فقد أنهت الحرب الصهيونية سنة 1982 كل وجود للمقاومة هناك. الأمر الذي أنهى كل إمكانية لممارسة العمل المسلح من دول الطوق، التي هي قاعدة انطلاق المقاومة، وحيث تسكن أغلبية فلسطينية جرى تهجيرها من فلسطين.

وإذا كانت المنظمات الفلسطينية التي رفعت شعار الكفاح المسلح لتحرير فلسطين قد أخذت في تغيير مطالبها بعد أن بدأت تتحدث عن دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد أدى تردي وضع المقاومة في الخارج، وعدم القدرة على بناء عمل مسلح في الداخل إلى انفجار الانتفاضة الفلسطينية الأولى سنة 1987. ورغم أنها انطلقت من شعار “الدولة المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس” بتأثير دور المنظمات الفلسطينية التي قادتها، فقد مثّلت شكلاً جديداً للصراع ضد الدولة الصهيونية، هو شكل النضال الشعبي. ولقد كانت له قوة كبيرة، وأثّر كثيراً على الدولة الصهيونية. وكان لبدء المفاوضات العربية الصهيونية، بما في ذلك مشاركة وفد فلسطيني ضمن الوفد الأردني، في مدريد سنة 1991 تأثير على مسار الانتفاضة، حيث أخذت التنظيمات الفلسطينية تهمل النشاط الشعبي متطلعة لما يمكن أن ينتج عن تلك المفاوضات، حيث كان الوهم أنها ستأتي بدولة مستقلة. ومن ثم أتى اتفاق أوسلو لكي ينهي الانتفاضة ويأتي بسلطة إدارة ذاتية باتت هي المعنية بوقف كل نشاط شعبي، وبالتعامل مع الشعب الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة كسلطة دولة حقيقية، رغم أنها كانت تحت سيطرة الاحتلال.

الآن، يعاني العمل المسلح من مأزق، وهذا ما يجب أن نعترف به لكي لا نظل  نعيش أوهام “حرب التحرير”، والكفاح المسلح كما جرت ممارستها في السابق. حيث إنه جرى إكمال إغلاق الطوق، فلا الأردن تسمح، ولا سورية، وأيضاً بات حزب الله يمنع كل عمل عسكري فلسطيني وغير فلسطيني بعد أن بات المالك الحصري لـ “المقاومة”. والأدهى أن المخيمات التي كانت البيئة الاجتماعية للثورة المسلحة قد عانت من الحصار والتدمير، واتسعت الهجرة منها إلى الخارج، ومن بقي فهو محاصر كما في لبنان، وسورية. بالتالي لم يعد ممكناً القيام بعمل مسلح من بيئة مانعة، حيث تسهر الأنظمة على سحق كل محاولة لعمل عسكري، ولم يعد هناك منطقة يمكن أن توجد فيها قواعد وتدريب وسلاح. ولهذا فإن هذا الشكل الفاشل من العمل المسلح لم يعد قائماً، ولا إمكانية لأن يعود. أما في الضفة الغربية فالوضع صعب من الأساس، وبات أكثر صعوبة نتيجة السيطرة المفرطة للدولة الصهيونية، حيث أن ضيق المساحة سمح بأن تكون القدرة الهيمنية لقوات الاحتلال عالية، كما كان الأمر بعد النكبة في الأرض المحتلة سنة 1948. ويظهر ذلك واضحاً الآن، حيث أن كل عملية عسكرية يتلوها ملاحقة لمنفذها، ويجري اعتقاله أو قتله. ولقد بات الوضع أميل إلى العمل الفردي منه للعمل المسلح الذي تقوم به مجموعات. وهو عمل بطولي ولا شك، لكنه لا يغيّر من موازين القوى، أو يشكّل قوة ضغط على الدولة الصهيونية. لقد تحكمت الدولة الصهيونية بالأرض عبر الرقابة التكنولوجية، والمساعدات المخابراتية، وبالتالي حصرت العمل المسلح بنشاط فردي محدود، ومكشوف. ووضع غزة ليس أفضل، حيث لم يعد من ممارسة سوى إطلاق الصواريخ كما كان في جنوب لبنان ذات يوم، وهذا عمل ربما له تأثير معنوي (كما العمل العسكري الفردي) لكنه لا يغيّر من معادلة الصراع.

كتب إلياس مرقص حول كل هذه المسائل منذ البدء («المقاومة الفلسطينية والموقف الراهن» دار الحقيقة، بيروت)، وعانى من هجمات شديدة، لكن الواقع أوضح أن “حرب…. التحرير….. الشعبية” (كما كان يكررها) ليست هي الطريق لتحرير فلسطين، ليس لأن الحرب أمر خاطئ بل لأن الإستراتيجية ذاتها وفق ما جرى طرحها هي خاطئة. ويظهر الأمر الآن بكل وضوحه، لهذا فإن مسألة حرب الشعب، وتحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح باتا بحاجة إلى إعادة نظر. لا يعني ذلك التخلي عن الكفاح المسلح بل يعني وضع إستراتيجية تسمح بحرب حقيقية. فكما أوضحت لقد سُدّ المحيط الخارجي لفلسطين، وبات الداخل تحت الهيمنة الصهيونية الشاملة. لكن سيبقى هناك من يقاوم بالسلاح، ويبقى إنهاء الدولة الصهيونية معتمداً على تغيير ميزان القوى العسكري بالتحديد، وهذا أمر يتعلق بما سنتناوله حين تناول الصراع كصراع عربي صهيوني. بمعنى ما، سنعود إلى “الحرب التقليدية”، ربما متضمنة أشكالاً من حرب العصابات. حيث ليس من الممكن تحرير فلسطين من نضال مسلح في داخل فلسطين كما كان يحدث في كل حركات التحرر الوطني وهي تواجه الاستعمار.

في المقابل، أصبحت الانتفاضة صعبة، وحتى في غاية الصعوبة، فإذا كانت الانتفاضة الثانية دُعمت من قبل قيادة السلطة بعد فشل المفاوضات، فإن الوضع الآن بات معقداً، بالضبط لأن الاحتلال سحب قواته من الضفة الغربية، وبات الشعب في مواجهة السلطة، وهذه السلطة الفلسطينية باتت معنية بقمع كل حراك فلسطيني ضد الاحتلال. وهذا ما يظهر من كل الحراك الذي حدث خلال السنوات الأخيرة، والذي تركز في القدس ومحيطها نتيجة وجود الاحتلال، بينما كان باهتاً في الضفة الغربية، وكان يُقمع من قبل السلطة. وبالتالي باتت أي انتفاضة في الضفة الغربية ستكون في صدام مع السلطة وليس مع الاحتلال، حيث وفّر الاحتلال على ذاته قمع الحراك الفلسطيني. لهذا ليس من الممكن أن تحدث انتفاضة مثل تلك التي حدثت سنة 1987، وهذا يعني أن هناك مأزق حقيقي في الصراع ضد الدولة الصهيونية، التي وضعت في مواجهة الشعب الفلسطيني سلطة فلسطينية. أما في الأرض المحتلة سنة 1948 فإن الحراك الشعبي يقتصر على دعم الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو بلا هدف واضح يتعلق بفلسطين. وربما يكون هدف الدولة الواحدة العلمانية الديمقراطية مدخلاً لتحديد آليات الصراع بشكل جدي، ويفضي إلى إعادة بناء الصراع ضد الدولة الصهيونية. هنا، ليس من خيار غير هذا، بالضبط لأن تجاوز الإقرار بوجود الدولة الصهيونية (كما يفعل الحزب الشيوعي باعترافة بهذه الدولة)، وربط النضال الفلسطيني بكل الفلسطينيين، وكذلك التأسيس على النضال الطبقي داخل الدولة الصهيونية، يبدأ من الانطلاق من السعي لتحقيق الدولة العلمانية الديمقراطية الواحدة.

من كل ذلك نجد أن النضال الشعبي هو الممكن الآن، وهو نضال وطني ضد احتلال استيطاني، وطبقي ضد رأسمالية مسيطرة، وتفرض سيطرتها بمنطق احتلالي في الضفة الغربية. هل هذا ينفي العمل المسلح؟ بالتأكيد لا، لكنني أشرت إلى صعوبات ذلك، وإشكالياته. ولهذا سيبقى أقرب إلى العمل الفردي كتعبير عن وجود مقاومة، أي أن له دور معنوي أكثر من أن يكون أساس إستراتيجية تؤدي إلى تحرير فلسطين. التأكيد بأن إنهاء الدولة الصهيونية، الذي يعتمد على أشكال صراع متعددة، ليس ممكناً دون فعل عسكري. وكما أشرت فإن ذلك بات مرتبطاً أكثر بالصراع العربي الصهيوني، أي بدور العرب في تأسيس نظم معنية بتحرير فلسطين. وسيكون دور الفلسطينيين الوطني، والصراع الطبقي في بنية الدولة الصهيونية، مكملين لهذا الصراع. الذي سوف يساعد في تصاعد دورهما كلما بات هناك نظم معنية بتغيير ميزان القوى، ومواجهة الدولة الصهيونية.

الفلسطينيون أرهقوا في صراع غير متكافئ، وحوصروا من قبل الدولة الصهيونية والنظم العربية، وهذا أمر يجب أن يكون واضحاً. ولا شك في أن الميل إلى الفلسطنة الذي حكم منظور المقاومة الفلسطينية كان يقود إلى ذلك، لأنه كان يلغي كل إمكانية لتحقيق توازن قوى مع الدولة الصهيونية. فجوهر الصراع هو أنه صراع عربي مع الدولة الصهيونية كأداة إمبريالية تريد الهيمنة على الوطن العربي.

The post أزمة النضال الفلسطيني و”الدولة العلمانية الديمقراطية” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
هل تكون الدولة الواحدة “ثنائية القومية”؟ https://rommanmag.com/archives/19165 Thu, 15 Mar 2018 13:52:46 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%87%d9%84-%d8%aa%d9%83%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d8%ab%d9%86%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d9%85%d9%8a%d8%a9/ بعد اتضاح فشل حل الدولتين في فلسطين، وتكريس الدولة الصهيونية لسيطرتها على الأرض في فلسطين، بات يُطرح حل بديل هو حل الدولة ثنائية القومية. وهو يعني نشوء دولة واحدة لكنها ثنائية القومية، وهو ما يعني شكل ما من الوحدة بين قوميتين لكل منهما شكل سياسي خاص به. وهنا لا يشار إلى اسم الدولة، هل هي […]

The post هل تكون الدولة الواحدة “ثنائية القومية”؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
بعد اتضاح فشل حل الدولتين في فلسطين، وتكريس الدولة الصهيونية لسيطرتها على الأرض في فلسطين، بات يُطرح حل بديل هو حل الدولة ثنائية القومية. وهو يعني نشوء دولة واحدة لكنها ثنائية القومية، وهو ما يعني شكل ما من الوحدة بين قوميتين لكل منهما شكل سياسي خاص به. وهنا لا يشار إلى اسم الدولة، هل هي “إسرائيل” أو هي فلسطين، بل يشار إلى أنها دولة موحدة ثنائية القومية.

لا شك في أن فشل حل الدولتين فرض اختراع حلول أخرى، ولأن المنظور الشكلي لا يرى سوى طرفين في الصراع: الفلسطينيين والإسرائيليين، فهو يوصل إلى أن الحل يقوم على إقامة دولة ثنائية القومية. إذن، بالتالي، الفلسطينيون قومية والإسرائيليون قومية أخرى. ومن ثم يجب أن تتشكل دولة ثنائية القومية بينهما لأن حل الدولتين فاشل. طبعاً هنا يجري طرح الصيغ الدستورية لهذه الدولة، ويشار إلى شكل الحكم فيها. لكن المسألة ليست هنا بالتأكيد، فهل هناك قوميتان في فلسطين؟ هل الفلسطينيون قومية؟ وهل “اليهود” قومية؟ هذا سؤال بديهي لكي نتلمس إمكانية قيام دولة ثنائية القومية.

لا شك في أن الفلسطينيين هم جزء من أمة هي الأمة العربية، وبالتالي فلسطين جزء من الوطن العربي. وفي الصراع مع الدولة الصهيونية ليس من انفصال بين صراع الفلسطينيين وصراع العرب الآخرين، بالضبط لأن الدولة الصهيونية هي مرتكز السيطرة الإمبريالية على الوطن العربي، والحاجز الذي يمنع وحدته وتطوره. وبالتالي فإن الصراع سيبقى هو صراع عربي صهيوني. هذه نقطة أولى تشير إلى أنه لا يمكن حل المسألة الفلسطينية بعيداً عن الأساس الذي أوجد الدولة الصهيونية، أي الرأسمالية التي أرادت منع تطور المنطقة ووحدتها، والذي يعني أن الصراع العربي ضد الدولة الصهيونية سيبقى قائماً ما دامت قائمة. وهذا أمر يطال كل حل يمكن أن يُطرح في فلسطين.

في المقابل، هل اليهود قومية؟ ربما هناك من بات يتعامل مع اليهود كقومية، لكن اليهودية دين، ولقد عملت الحركة الصهيونية على تحويله إلى رابط قومي لكي تستطيع جمع اليهود الذين ينتمون لأمم عديدة. لقد كان وضع اليهود “الشاذ” في أوروبا هو الذي جعل الرأسمالية تعمل على توظيفهم في السيطرة على فلسطين. فقد كان منهم المرابين الذين كانوا يقرضون الإقطاعيين والتجار، ويصبحون مجال اتهام لأن هؤلاء لم يستطيعوا السداد. وكان منهم المفقرون الذين انخرطوا في الحركات الثورية، وبالتالي باتوا عبئاً يجب التخلص منه. وكانوا أصلاً معزولين في غيتوات. بالتالي كان يجب التخلص منهم. وكان الخوف من “توسعية” مصر بعد أن عمل محد علي باشا على توحيد المنطقة، قد أفضى إلى فكرة إنشاء كيان قومي لليهود في فلسطين يكون حاجزاً لمنع تمدد مصر، ويمنع توحيد المنطقة العربية.

لقد عمل الاستعمار الإنجليزي على تحويل هؤلاء إلى مرتزقة في مشروع استعماري، وقاعدة عسكرية لضمان السيطرة طويلة الأمد. لهذا كانت الدولة الصهيونية هي قاعدة عسكرية جرى تركيب مجتمع عليها. بمعنى أن الأساس العسكري هو الأساس في وجود الدولة. ومن ثم جرى تهجير جزء كبير من يهود أوروبا لكي يكونوا المؤسسين لهذه الدولة، بعد أن تعرضوا للعسف، وخصوصاً بعد ما قام به هتلر ضدهم في ألمانيا. وبعد نشوء الدولة قامت الأنظمة العربية التابعة للدول الاستعمارية (العراق، اليمن، مصر، المغرب، تونس) بتهجير العرب الذين يدينون بالديانة اليهودية. ثم جرى استجلاب يهود الفلاشا، ومن الهند، وغيرها.

هذا الأمر يطرح السؤال: هل اليهود قومية؟ حيث أنه لتأسيس دولة ثنائية القومية يجب أن يكون الشعب منقسم إلى أكثر من قومية، وهنا إلى قوميتين. في الدولة الصهيونية هناك تمييز بين الأشكناز والسفرديم، أي بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين، بمعنى أن اليهود ليسوا من تكوين واحد. ولقد شرح شلومو ساند الأمر بالتفصيل، حيث ليس هناك عرق يهودي. وإذا كان أصل الديانة اليهودية هو من المنطقة العربية فقد أصبحت ديانة فوق قومية ككل ديانة. وهناك عدد من الأصول التي تبدو واضحة فيما يتعلق باليهود، حيث أن ما يُطلق عليهم اليهود الشرقيين هم عرب استمرت اليهودية ديانتهم. وربما يشكّل هؤلاء معظم الذين يدينون باليهودية. وهناك اليهود الأشكناز، الذين هم اليهود الأوروبيون، ويبدو أن أصلهم من شبه جزيرة القرم (اليهود الخزر). وهم الآن فرنسيون وألمان وإنجليز وأميركيون وروس وغير ذلك. إضافة إلى يهود الفلاشا، والهنود اليهود.

ربما يطرح السؤال هنا، ألم تستطع العقود السبعة التي هي عمر الدولة الصهيونية أن تصهر كل هؤلاء في تكوين قومي واحد؟ فقد أصبحت اللغة العبرية التي كانت ميتة هي لغة الثقافة والحديث، ولقد تجمعوا في أرض واحدة، ألا يوجِد ذلك تكويناً قومياً؟ لا يظهر ذلك بشكل مؤكد، حيث أن التمايز بين الأشكناز والسفرديم قائم، ويزداد وضوحاً، ولا زال المنشأ الأصلي يتحكم في منظور وعادات الكثير منهم، خصوصاً هنا العرب الذين جرى ترحيلهم من العراق واليمن والمغرب وتونس ومصر. فلم تتشكل ثقافة واحدة، ولا شعور بارتباط مشترك. فالعرب منهم بقي كما كان: عربي. والأشكنازي ظل يحس أنه غربي. وفي هذه الوضعية لا يمكن الحديث عن قومية موحِّدة. ومن ثم لا يمكن الحديث عن دولة ثنائية القومية. ويصبح المطلوب هو معالجة الأمر بشكل أكثر تعقيداً من هذا التبسيط.

فلا شك أنه في دولة واحدة علمانية ديمقراطية سوف ينخرط اليهودي العربي مع بيئته، ليتحوّل الدين إلى طقس شخصي، بينما سيبقى الأشكنازي يتعامل بشكل مختلف، فهو مختلف عن المنطقة بعكس السفرديم الذي يمارس عادات وتقاليد المنطقة ذاتها. وإذا ما افترضنا أن كل هؤلاء سيبقون في فلسطين (رغم أن ما يجب أن يُطرح هو حق كل منهم العودة إلى موطنه)، لن يكون العرب الذين يدينون باليهودية مع الأشكناز بل جزءاً من التكوين العربي الموجود في فلسطين. وبهذا يمكن أن تبقى أقلية من الأشكناز فقط، وهذا لا يؤهل لقيام دولة ثنائية القومية، بل يمكن أن يكون لهذه الأقلية حق في ممارسة لغتها وثقافتها في إطار “حكم ذاتي” لأقلية قومية، إذا بقيت هذه الأقلية.

هنا بالضرورة ستكون الدولة هي دولة عربية. ومن هذا المنطلق ليس صحيحاً طرح حل يقوم على أساس دولة ثنائية القومية، لتبقى الدولة لكل مواطنيها هي أساس كل حلّ في فلسطين. وهي كما كررنا الإشارة دولة عربية، دولة فلسطينية. لهذا يجب الفصل الجذري بين الدين، أي اليهودية، والتكوين القومي لليهود، لكي يكون ممكناً تحديد ما يجب أن يكون عليه الحل. فاليهودية كما المسيحية والإسلام انتشرت في أمم عديدة، وإنْ كان وضع اليهودية أقل في هذا المجال، وانحسر في بضع أمم، ليس كما المسيحية والإسلام، لكن في كل الأحوال لا يمكن المطابقة بين اليهودية والقومية.

بالتالي لا ينطبق حل الدولة ثنائية القومية على فلسطين، وليس ممكناً ذلك.

The post هل تكون الدولة الواحدة “ثنائية القومية”؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
عن الدولة الواحدة: هل هي إسرائيل؟ https://rommanmag.com/archives/19147 Mon, 05 Mar 2018 09:30:15 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d9%87%d9%84-%d9%87%d9%8a-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84%d8%9f/ السؤال هو: هل الدولة الواحدة هي فلسطين أم إسرائيل؟ حيث يميل الاعتقاد حين الدعوة للدولة الواحدة أنها هي إسرائيل. لا شك في أن الأحزاب الصهيونية تعتبر أن فلسطين هي إسرائيل، وبالتالي فإن الإشارة إلى الدولة الواحدة تعني بالنسبة لهم إسرائيل. حيث أن المشروع الصهيوني قام على فكرة أن فلسطين هي “أرض الميعاد”، ولهذا يجب أن […]

The post عن الدولة الواحدة: هل هي إسرائيل؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
السؤال هو: هل الدولة الواحدة هي فلسطين أم إسرائيل؟ حيث يميل الاعتقاد حين الدعوة للدولة الواحدة أنها هي إسرائيل. لا شك في أن الأحزاب الصهيونية تعتبر أن فلسطين هي إسرائيل، وبالتالي فإن الإشارة إلى الدولة الواحدة تعني بالنسبة لهم إسرائيل. حيث أن المشروع الصهيوني قام على فكرة أن فلسطين هي “أرض الميعاد”، ولهذا يجب أن تُقام عليها “دولة اليهود”. ولقد قبلت الحركة الصهيونية بنسبة 78% سنة 1948 لأن الوضع الديموغرافي الذي استطاعت تكوينه قبل سنة 1948 لم يكن يسمح بغير ذلك، فبقيت بقية فلسطين عُهْدة بيد الأردن ومصر. ومن ثم جرّت النظم العربية لحرب سنة 1967 لكي تُكمل سيطرتها على ”أرض إسرائيل“.

فقد ضمنت السيطرة على فلسطينيي الأرض المحتلة سنة 1948 بعد أن جرى تهجير جزء كبير منهم، ولهذا كان عليها أن تُكمل السيطرة، وهو الأمر الذي فعلته سنة 1967. لكن كان يجب هضم الضفة الغربية وقطاع غزة، فعملت على الاستيطان في هذه المناطق، حيث تعاملت مع الوضع انطلاقاً من أن من حقها الاستيطان في كل بقعة من الضفة الغربية وقطاع غزة، فوسعت الاستيطان طيلة نصف قرن، وباتت تسيطر على نسبة كبيرة من أرض الضفة الغربية، حيث كان صعباً عليها ابتلاع قطاع غزة نتيجة ضيق المساحة والكثافة السكانية العالية. وكان واضحاً خلال كل هذه السنوات أنها تتعامل مع الضفة الغربية وقطاع غزة على أنها جزء من “أرض إسرائيل”، وأنه من المستحيل عليها التنازل عنها. لكن كانت مشكلتها في السكان، أي في السكان الفلسطينيين الذين يقيمون في هذه الأرض. حيث أن ضم الضفة الغربية وقطاع غزة سوف يعني ضم كتلة سكانية فلسطينية كبيرة تفرض اختلالاً ديموغرافياً كبيراً، لأن الضم يعني إعطاء الجنسية لهؤلاء.

لهذا كان الشُغْل طيلة كل هذه السنوات على كيفية الفصل بين الأرض والسكان، بحيث تبقى الأرض “إسرائيلية” ويكون السكان “جالية أجنبية”. نصف قرن مضى والأحزاب الصهيونية المسيطرة تعمل على فك الربط بين الأرض والسكان. لهذا كان الشُغْل على زيادة الاستيطان، والسيطرة على الأرض. حتى في إتفاق أوسلو جرى تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق كثيفة السكان (المدن)، ومتوسطة السكان (القرى) والأرض، وهي المناطق التي لم يسمح لسيطرة السلطة الفلسطينية عليها، وظلت مجال النشاط الاستيطاني.

كل ذلك كان واضحاً منذ سنوات طويلة، وكان يعني أن الدولة الصهيونية تستفيد من الزمن لكي تُحكم السيطرة على الأرض. رغم ذلك كان هناك من يتوهم أنه يمكن تحقيق حل الدولتين، هذا الحل الذي بات إستراتيجية نهائية لمجمل الفصائل الفلسطينية، والذي يجري الدفاع عنه كونه حل ممكن. ولا شك في أن إتفاق أوسلو هو الشكل الكاريكاتوري الممكن، حيث سلطة إدارة ذاتية تحكم الفلسطينيين في المدن والقرى، تحت السيطرة العامة للدولة الصهيونية. وكما تنص أوسلو فإن السلطة هذه تمارس سيطرتها على السكان وليس على الأرض. بالتالي فإن ما حققته أوسلو هو فصل السكان عن الأرض تمهيداً للحل الحقيقي الذي يُخرج الفلسطينيين من بنية الدولة الصهيونية، ويربطهم بحكم ذاتي للسكان. الأمر الذي يسمح بضم الأرض دون سكانها. لتكون فلسطين هي “إسرائيل”، ويكون الفلسطينيون “جالية أجنبية” على أرضهم.

هذا ما يبدو واضحاً الآن، حيث أنهت الدولة الصهيونية مسألة السيطرة على القدس الكبرى، وتسير نحو ضم مستوطنات الضفة الغربية على مساحة من أرضها تبلغ 60%. ولقد عملت طيلة سنوات على ترتيب أشكال حصار المدن الفلسطينية وتقطيع المناطق والعزل عبر الجدار، بما يعني حصر السكان الفلسطينيين في معازل. وليصبح لهم “حقوق سياسية” شكلية، وإدارة ذاتية خاضعة لسيطرة الدولة الصهيونية. ويمكن كما يتردد حين الحديث عن “صفقة القرن” أن يكون لهم ارتباط سياسي بالأردن، وقطاع غزة بمصر. وهو ما يوضّح بأن الدولة الصهيونية اقتربت من ضم هذه المناطق، وبالتالي السيطرة على كل فلسطين، مع إخراج الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من بنية الدولة التي باتت “دولة يهودية”. لتبقى أقلية فلسطينية هي تلك الموجودة في الأرض المحتلة سنة 1948 جزءاً من تكوين الدولة بالمعنى السياسي. أي على اعتبار أن هؤلاء هم “مواطنين” في “دولة إسرائيل“.

هذا هو منظور الدولة الصهيونية، الذي تعمل لتحقيقه، ويبدو أنه بات في مرحلة الاكتمال. فقد كان في منظور الحركة الصهيونية أن فلسطين هي “دولة اليهود”، ولقد حققت فعلياً ذلك طيلة عقود من وجودها، وعقود من سيطرتها على الضفة الغربية وقطاع غزة. وما يجري الآن هو تكريس الأمر الواقع، حيث تتحقق اللاءات الخمس التي رُفعت منذ سنة 1967، وهي لا للانسحاب من غور الأردن، لا لعودة اللاجئين، لا للانسحاب من القدس، لا للدولة الفلسطينية، ولا لسحب المستوطنات. وتكتمل السيطرة على الضفة الغربية، ليبقى الأمر متعلقاً بحكم ذاتي موسّع ربما يكون مرتبطاً سياسياً بالأردن.

الدولة الصهيونية إذن تُكمل وجودها، رغم أنه يمكن أن يكون لها أطماع في مناطق خارج فلسطين (الأردن مثلاً). وهنا تكون إسرائيل هي الواقع على جثة فلسطين. هذا منظور الصهيونية بأحزابها المتعددة. وهذه هي الدولة الواحدة التي تريدها. لكن أمام استعصاء حل الدولتين، وربما نقول فشل حل الدولتين، بات هناك من الفلسطينيين من يرى في أن القبول بالدولة الواحدة هذه هو حل كذلك. والفكرة التي تتردد هنا تقوم على أن الدولة الصهيونية لا تقبل بهذا الحل لأنها تخاف مع الاختلال الديموغرافي الذي سوف يحدث. هذا الطرف يراهن على الديموغرافيا، حيث أن هناك توازن الآن بين عدد الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، لكن التوالد سوف يجعل الفلسطينيين أغلبية بالضرورة. وفي ظل “دولة ديمقراطية” مثل الدولة الصهيونية يمكن أن يسيطر الفلسطينيين على الدولة.

هذا الوهم يتكرر أحياناً من أجل “تخويف” القيادات الصهيونية لدفعها لقبول حل الدولتين، وأحياناً كحل حقيقي يمكن أن يوصل إلى دولة علمانية ديمقراطية واحدة (بغض النظر عن التسمية هنا، حيث يُترك ذلك للواقع، رغم أن البعض يعتقد أنه يمكن أن تصبح هذه الدولة دولة فلسطينية). وكل هؤلاء لم يلمسوا بأن ما تقوم به الدولة الصهيونية هو إخراج الجزء الأكبر من الفلسطينيين من البنية السياسية للدولة، لهذا وافقت في أوسلو على “إدارة ذاتية”، ويمكن أن تجعلها موسّعة. وأن هذه الإدارة هي للسكان فقط، الذين يُعتبرون أقلية مقيمة على “أرض إسرائيل”.  لهذا لن يكون الجزء الأكبر هذا جزءاً من التركيب السياسي للدولة الصهيونية، حيث لا يعتبروا مواطنين يحملون الجنسية “الإسرائيلية”، ولا يحق لهم الانتخاب. وبهذا يبقى الوضع كما هو الآن: أقلية عربية ضمن “دولة إسرائيل”. أقلية قومية في دولة أغلبيتها ”يهود”.

لهذا فإن القبول بأن تكون “إسرائيل” هي الدولة الواحدة لا يعني سوى الموافقة على الرؤية الصهيونية تحت وهم الوضع الديموغرافي. وهو ما يعني الاستسلام للمشروع الصهيوني.

The post عن الدولة الواحدة: هل هي إسرائيل؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>