عادل الاسطة - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/42rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:42:43 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png عادل الاسطة - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/42rommanmag-com 32 32 غسان كنفاني: أثر قراءاته في تشكيل نصوصه https://rommanmag.com/archives/20930 Tue, 12 Jul 2022 07:36:51 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%ba%d8%b3%d8%a7%d9%86-%d9%83%d9%86%d9%81%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%a3%d8%ab%d8%b1-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a7%d8%aa%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%b4%d9%83%d9%8a%d9%84-%d9%86%d8%b5%d9%88%d8%b5%d9%87/ ماذا لو تتبع قارئ روايات غسان كنفاني وقصصه ومسرحياته أثر قراءاته في تشكيلها؟ ربما لم يثر هذا السؤال من قبل إلا على خجل، ولكن دارسي أعماله ومترجميها، مثل رضوى عاشور ومحمد صديق وفيحاء عبد الهادي وعز الدين المناصرة والسويسري هارتموت فيندرش، أجابوا عنه فيما كتبوه عن أعماله وصلتها بالآداب العالمية، وكان غسان نفسه في المقابلات […]

The post غسان كنفاني: أثر قراءاته في تشكيل نصوصه appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
ماذا لو تتبع قارئ روايات غسان كنفاني وقصصه ومسرحياته أثر قراءاته في تشكيلها؟

ربما لم يثر هذا السؤال من قبل إلا على خجل، ولكن دارسي أعماله ومترجميها، مثل رضوى عاشور ومحمد صديق وفيحاء عبد الهادي وعز الدين المناصرة والسويسري هارتموت فيندرش، أجابوا عنه فيما كتبوه عن أعماله وصلتها بالآداب العالمية، وكان غسان نفسه في المقابلات التي أجريت معه أجاب على قسم منه.

في إحدى المقابلات سئل عن تأثره برواية وليم فوكنر “الصخب والعنف” فلم يخفِ قراءته للرواية وإعجابه فيها وتأثره بها أيضا، وقد تتبع دارسون عديدون جوانب التشابه بين الروايتين (عاشور والمناصرة)، وذهب قراء آخرون، مبالغين، إلى أنه لم يتأثر وحسب بل سرق الفصل الثاني من “الصخب والعنف” (محمد سناجلة وحول ذلك أنظر مقالتي: “هل سرق كنفاني فوكنر؟ جريدة الأيام الفلسطينية ٢٨ / ٣ / ٢٠٠٠ ).

وكما تتبع دارسون عديدون تأثره بفوكنر تتبع آخرون أوجه التشابه بين “عائد إلى حيفا” ومسرحية برتولد بريخت “دائرة الطباشير القوقازية” ( فيندرش كتب بالألمانية عن “عائد إلى حيفا” مقالا عنوانه “دائرة الطباشير القوقازية بالعربية”)، كما أشار قسم ثالث من الدارسين إلى أن الأم في رواية “أم سعد” تذكر برواية مكسيم غوركي “الأم”.

لم يلتفت إلى مسرحيات غسان بالقدر نفسه الذي التفت فيه إلى رواياته، ومع ذلك فإن قارئ المسرحيات ومنها “الباب” و “القبعة والنبي” لا يستطيع أن ينكر تأثره بالأدب الوجودي الذي ترجم في خمسينيات وستينيات القرن العشرين إلى العربية وأسهمت “دار الآداب ” البيروتية في نشره. إن فكرة العبث واللاجدوى وفكرة الانتظار اللامجدي في المسرحيتين المذكورتين غير بعيدتين عن أعمال سارتر وكامو وصموئيل بيكيت.

كل ما سبق التفت إليه ولكن ما لم يلتفت إليه إلا نادرا وقليلا هو انعكاس قراءاته للأدب الصهيوني في رواياته.

يكتب دارس ألماني ألّف عن غسان كنفاني كتيّبا عنوانه “غسان كنفاني: حياة فلسطيني” (١٩٧٥ ) الآتي:

“إن التشابه البنائي بين شتات فلسطين وشتات اليهود، الغربة و galut، قد بولغ فيه من الحركتين الفلسطينية (؟) والصهيونية. وعلى أية حال فليس هناك شك في أن هناك ثمة تشابها جزئيا بينهما. فثمة تشابه قوي إلى حد ما بين الطريقة التي وصف فيها كنفاني أرض فلسطين في قصصه، وتحديدا في المهمة المطلقة للعودة مهما كانت التكاليف والنتائج بالعواقب وبين الكتاب الصهيونيين الأوائل” (استيفان فيلد: حياة فلسطيني، ترجمة عادل الأسطة، نابلس ١٩٩٦، ص ٩) .

لقد ركز دارسو “رجال في الشمس” على حدث قتل أبطالها ذاهبين إلى أن كنفاني قصد أن أي حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يكمن في عودتهم إلى فلسطين لا بعيدا عنها، تماما كما رأى زعماء الحركة الصهيونية أن حل المشكلة اليهودية يكمن في إنشاء وطن قومي لليهود لا في ذوبانهم في المجتمعات التي يقيمون فيها. ولا يخفى أن غسان الذي قرأ الأدبيات الصهيونية وكتب عنها لاحظ ذلك. قد يكون تأثره هنا تأثرا غير معلن عنه، تأثرا خفيا غير مباشر، ولكن تركيزه على هذه الفكرة لا يختلف عن تركيز الحركة الصهيونية على فكرة عودة اليهود إلى فلسطين.

يبدو أثر قراءات كنفاني للأدبيات الصهيونية في رواياته أوضح ما يكون في رواية “عائد إلى حيفا” ( ١٩٦٩) وكتبت هذه الرواية بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧، وكان قبل الهزيمة قرأ الأدب الصهيوني قراءة دارس وكتب عنه .

إن الأدبيات الصهيونية مثل “اكسودس” لليون اوريس و “لصوص في الليل” لآرثر كوستلر ركزت على شخصية اليهودي الفاعل المتفوق على غيره والمتعالي عليه وبأنه -أي اليهودي – يتسم بالعصمة وأنه الجدير بأرض فلسطين، فالعربي فيها عاجز عن الفعل وكسول ومتواكل وبالتالي لا يستحقها. من هنا جاءت رواية كنفاني لتدحض هذه المقولات.

في “عائد إلى حيفا” يخاطب دوف الذي تبنته عائلة يهودية وعلمته أن العرب قتلوا والديه، فخدم في الجيش الإسرائيلي، وتربى بذلك تربية صهيونية، يخاطب والده البيولوجي سعيد . س بعبارات كان كنفاني قرأها في الروايات الصهيونية التي قرأها وخلص إلى أنها تعكس الفكر الصهيوني، وقد اختارها عناوين رئيسة لكتابه “في الأدب الصهيوني” (١٩٦٦) . العرب عاجزون لا يفعلون شيئا وينتظرون ويظلون ينتظرون. إنهم مقيدون بسلاسل تشدهم إلى الماضي ولا يتقنون سوى الالتفات إليه والبكاء عليه، ولهذا فسعيد . س الذي ترك هو وزوجته في غمرة حرب ١٩٤٨ ولده خلدون دوف ظل ينتظر ٢٠ عاما لم يفعل خلالها أي شيء. في هذه الأعوام ، كما تقول الأدبيات الصهيونية، حقق اليهود معجزتهم المتمثلة، من وجهة نظرهم، بإقامة دولتهم وتحويل فلسطين من صحراء خربها العرب، خلال سيطرتهم عليها، إلى جنة تدهش الرائين حتى من الفلسطينيين أنفسهم، ومنهم صفية زوجة سعيد . س وأم خلدون التي اندهشت بما رأت، والكتابة عن معجزة اليهود في بناء دولة على غرار دول أوروبية متقدمة بدت في رواية ثيودور هرتسل (١٩٠٢) “أرض قديمة – جديدة “.

إن تصور الشخصيات الصهيونية للعرب، في الروايات الصهيونية، هو ما تلخصه آراء دوف فيهم .

ما سبق كله هو في صميم الأدبيات الصهيونية التي قرأها كنفاني، ولو قارنا رواياته مثلا بروايات كاتب فلسطيني ثان كتب في تلك الفترة هو جبرا ابراهيم جبرا ، وعلى الأغلب أنه لم يقرأ الأدبيات الصهيونية، فلم يكن له اهتمام بهذا الجانب ، للاحظنا بوضوح ما ذهب إليه عنوان هذه المقالة. صور جبرا حياة الفلسطيني المثقف في المنفى، المثقف البعيد عن دائرة الصراع والحالم بالعودة إلى فلسطين. بل يمكن أن نقارن روايات كنفاني بروايات كاتب فلسطيني ثان هو ناصر الدين النشاشيبي. لقد أصدر الأخير في ستينيات القرن العشرين روايتين هما “حفنة رمال” و”حبات البرتقال” ولم يجادل فيهما الأفكار الصهيونية التي ظهرت في الأدبيات الصهيونية، وإن تقاطعت كتابته مع كتابة كنفاني في جانب هو جناية الصهيونية على اليهود والإشارات شبه العابرة إلى الهولوكوست ومعسكرات الإبادة.

لقد قرأ غسان عموما الأدبيات الصهيونية باللغة الإنجليزية التي أتقنها، لأنه تعلمها في المدارس الخاصة، ولما كان عليه أن يقدم مشروع تخرج في أثناء دراسته في جامعة دمشق، فقد كتب ما شكل لاحقا كتابه المذكور “في الأدب الصهيوني” .

وبعيدا عن الأدب الصهيوني والأعمال الأدبية لغسان فإن كتاباته السياسية أيضا بدت متأثرة بقراءاته.

التفت الدارس الألماني إلى تفكير كنفاني بعد هزيمة ١٩٦٧ واقترابه من الجبهة الشعبية، ونظر في مؤلفاته واقتباساته ورأى أن قراءاته لكتابات ماوتسي تونغ برزت بوضوح في ما كتبه تحت عنوان “المقاومة ومعضلتها”. لقد كان يقتبس كثيرا من كتابات تونغ.

وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الحفر.

The post غسان كنفاني: أثر قراءاته في تشكيل نصوصه appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
أدب السبعينيات الفلسطيني: بدايات زمن الرواية  https://rommanmag.com/archives/20855 Thu, 28 Apr 2022 16:53:38 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a3%d8%af%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a8%d8%b9%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%b2%d9%85%d9%86-%d8%a7/ في ملفنا عن فنون الثورة وآدابها:

The post أدب السبعينيات الفلسطيني: بدايات زمن الرواية  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
في العام ١٩٩٩ صدر كتاب الناقد المصري جابر عصفور “زمن الرواية” وعنوانه يفصح عن محتواه عموما، وجاء العقدان اللاحقان ليعززا وجهة نظره، وهي عموما وجهة نظر تتفق ووجهة نظر شاعت في ثمانينيات القرن العشرين تقول إنهم في فرنسا يدقون آخر مسمار في نعش الشعر، ووجهة نظر أصحاب الرأيين أن الرواية تطبع وتوزع وتقرأ وتعاد طباعتها بالآلاف في حين أن أشهر الشعراء ما عاد يطبع من دواوينهم إلا ألف نسخة أو بضعة آلاف من النسخ، والأخيرون محظوظون عموما وهم قلة قليلة جدا، ومن يتابع المشهد الثقافي العربي والمشهد الثقافي الفلسطيني يلحظ إقبال دور النشر على طباعة الرواية وعزوفها عن طباعة الدواوين الشعرية، بل ويلحظ أن كثيرا من الشعراء أخذوا يميلون إلى كتابة الرواية، ما دفعني ذات نهار إلى اقتراح الموضوع على أحد طلاب الماجستير ليكتب فيه أطروحته، وهو ما أنجزه عمر القزق في جامعة النجاح الوطنية “الشعراء الروائيون”. وأنا أتابع بدايات كتابة الشعراء للرواية توقفت أمام تجربة الشاعر محمد العدناني، وهو من الشعراء الفلسطينيين الذين ينتمون إلى الرعيل الأول، أي شعراء فلسطين قبل العام ١٩٤٨.

كان محمد العدناني شاعرا بالدرجة الأولى، ولكنه في العام ١٩٤٦ كتب روايته الوحيدة ” في السرير”، وهي سيرة روائية كاتبها وساردها وشخصيتها معا، هم المؤلف نفسه الذي اتخذ لنفسه الاسم “طريف” ليقص لنا جزءا من سيرته هي فترة مرضه وسفره إلى ألمانيا إبان الحكم النازي. وفي حدود ما أعرف فإن هذه الظاهرة غابت عن الأدب الفلسطيني ولم تتكرر مدة عشرين عاما، إذ بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ كتب أمين شنار روايته “الكابوس” (١٩٦٨) ذات المنحى الرمزي التي عالج فيها هزيمة حزيران، وبعدها بفترة قليلة كتب الشاعر هارون هاشم رشيد روايته الأولى “سنوات العذاب” (١٩٧٠) وقد صدرت بعد إصداره مجموعات شعرية عديدة كتبها عن اللجوء والغربة والاغتراب والعودة والحلم بها، وقد أهداها إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وفيها قص حكاية طفلة فلسطينية من حي المنشية في يافا تشردت عن مدينتها في العام ١٩٤٨.

هذه الكتابات وغيرها أثارت أسئلة عديدة عن الشعر والشعراء وكتابتهم الرواية في فترة ربما لم تخطر فيها في أذهانهم فكرة أن الزمن هو زمن الرواية، فما الذي دفعهم إلى كتابة رواية؟ هل رأوا أن القصيدة لا تستوعب أحداثا كبيرة فيها من التفاصيل ما فيها، فالشعر، بخاصة الغنائي، يوجز ولا يطنب ويتمحور حول شخصية واحدة هي ذات الشاعر بالدرجة الأولى، والحياة تحفل بشخصيات ونماذج بشرية لها تجاربها المختلفة عن تجربة الشاعر؟ 

في نهاية سبعينيات القرن العشرين كتب الشاعر سميح القاسم حكاية أوتوبوغرافية “إلى الجحيم أيها الليلك” ( ١٩٧٧) أتبعها بعد عامين بقصة طويلة “الصورة الأخيرة في الألبوم” (١٩٧٩)، ولم يصنف أيا من العملين على أنه رواية، ويبدو أنه لم يكن مهتما بالتجنيس الأدبي قدر اهتمامه بالتعبير عن أفكار آمن بها بقوة في تلك المرحلة التي كان فيها منضويا تحت لواء الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح)، مع أنه كتب عنوانا فرعيا للأولى هو “حكاية أوتوبوغرافية”. حكاية أوتوبوغرافية لا رواية مخرجا بذلك عمله من جنس الرواية.

في الحكاية التي كتب حولها الكثير من المقالات والدراسات واحتفل بها احتفالا لافتا يكتب سميح القاسم النثر بروح الشاعر، ما أضفى على الكتابة قدرا من جماليات الكتابة، وهذا الاحتفال بالحكاية شجعه على تكرار التجربة ثانية، فبعد عامين من صدورها أصدر “الصورة الأخيرة في الألبوم” وأتى فيها على واقع الفلسطينيين الباقين ومعاناتهم في التعليم الجامعي والحصول على وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية التي يحصلون عليها، ما يجعلهم يعانون من البطالة فيضطرون إلى العمل في المطاعم والمقاهي وأماكن العمل التي يترفع اليهود الغربيون بالدرجة الأولى على العمل فيها، ولا يقتصر الأمر على هذا، فلكي يستمروا في عملهم وجب عليهم إخفاء هويتهم القومية واستبدال أسمائهم العربية بأسماء عبرية. هكذا يصبح يوسف يوسي وداوود ديفيد وما شابه. ولأن سميح كان ينطلق من منطلق ماركسي، ولأن إسرائيل كانت تتكون من ثلاث “إسرائيليات”؛ إسرائيل الاشكناز وإسرائيل السفارديم وإسرائيل العرب، فإن إسرائيل الأولى تتعالى على الثانية والثالثة، وهو ما يحدث مع أمير الذي يحصل على ماجستير في العلوم السياسية ويعمل نادلا في مطعم يتردد عليه اليهود الغربيون، ظانين أنه يهودي شرقي.

روتي تدرس الآداب وتتردد مع والدها الضابط على مطعم يعمل فيه أمير نادلا، ويتعالى الضابط الاشكنازي على العمال، وتنشأ علاقة حب بين روتي وأمير يرفضها الأب الذي يظن أن أمير يهودي شرقي . يبدي الأب اشمئزازه من اليهود الشرقيين ويعنف ابنته، وتنتهي القصة الطويلة بانتحار روتي. حبكة بسيطة أقرب إلى النوفيلا يطرح فيها الكاتب رؤية فكرية سياسية للصراع، ولكنها مع الحكاية ورواية العدناني ورواية شنار تشكل معا خطوة في مسيرة الأدب الفلسطيني. لم تكن الأعمال السابقة المذكورة الوحيدة في هذا، ففي العام ١٩٧٩ صدرت رواية الشاعر الفلسطيني الشهيد في بيروت في١٩٨٢ علي فودة، وعنوانها “الفلسطيني الطيب”، وقد صدرت في بيروت.

عرف علي فودة بعد هزيمة حزيران شاعرا غنائيا، وعانى في أثناء وجوده في الأردن، ما دفعه إلى مغادرتها والالتحاق بالثورة الفلسطينية في بيروت، وهناك استرجع تجربته المرة القاسية مع الجهات السياسية ومع بعض المثقفين الفلسطينيين الذين عدهم متعاونين مع النظام الأردني، وفرغ هذا كله في روايته التي لم يكتب رواية أخرى يلحقها بها، ولا ندري إن كان يفكر في كتابة غيرها لو امتد به العمر.

الرواية أيضا سيرة روائية مثلها مثل رواية العدناني، إذ يقص علي فودة تجربة حياته في الأردن، فيتخذ من شخصية الشاعر صابر مطر قناعا، ليكون هو المؤلف والشخصية. وعلى غرار رواية نجيب محفوظ “الكرنك” يبني روايته التي يقص فيها قصة أربع شخصيات؛ صابر مطر وعبد التواب الفواعرة ومروان الراعي وعثمان الأعرج، ويخصص لكل شخصية قسما، فتتكون الرواية من أربعة أقسام وقسم خامس عنوانه “نهايات” يفصح لنا فيه نهاية كل شخصية من الشخصيات الأربعة.

صابر شاعر يعاني أسريا من زوجة أبيه، كما يعاني من النظام الذي يلاحقه بسبب قصائده، وينتهي به الأمر إلى مغادرة الأردن والالتحاق بالثورة الفلسطينية في لبنان. أما عبد التواب الفواعرة فهو فلسطيني من رام الله أبعدته سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى الأردن بعد هزيمة حزيران، وهناك نشط أدبيا وصار يعمل لصالح النظام الأردني بعد أن تساقط، وفي النهاية يقدم على الانتحار. مروان الراعي هو شاب مثقف صديق لصابر مطر، ومروان ابن أسرة برجوازية لا تعجبه حياة أبيه الثري الذي يملك سيارات وكسارة والكثير من المال شغله الشاغل. يضرب العمال ويضطهدهم وعلاقته بابنه ليست على ما يرام. أما عثمان الأعرج فهو مناضل طبقي يعمل عاملا في كسارة تعود إلى والد مروان الراعي وتكون علاقته مع والد مروان متوترة، لدفاع عثمان عن العمال وحقوقهم، وينتهي عثمان في السجن حيث يعذب إلى أن يلقى نهايته تحت التعذيب.

والملاحظ أن أكثر الروايات التي كتبها المذكورة أسماؤهم هي سير روائية بالدرجة الأولى، ويلاحظ أيضا أن كتابها لم يصبحوا روائيين محترفين، فلم يكتب أي منهم أكثر من رواية، باستثناء سميح الذي أصدر بعد حوالي عشرين عاما من إصدار روايتيه جزءها الثالث وعنوانه “ملعقة سم ثلاث مرات يوميا بعد الأكل”، وما يلاحظ أيضا هو الكتابة عن الصراع الوطني والصراع الطبقي جنبا إلى جنب، بخاصة لدى سميح القاسم وعلي فودة، إذ تأثر خطابهما بالخطاب الذي أخذ يسود في ستينيات القرن العشرين وهو الخطاب الماركسي، وهو خطاب لم يتأثر به كل من محمد العدناني وأمين شنار المتأثرين بالخطاب الديني، بخاصة الثاني، فالأول على الرغم من توجهه العروبي الإسلامي بدا في روايته مزاجيا متأثرا في أثناء الكتابة باللحظة الآنية للكتابة وبمزاجه المتقلب الطريف، وليس عجبا أن اختار لبطله/شخصيته/قناعه الاسم طريف. إنه طريف حقا.

عموما ان هذه الظاهرة تكررت في ثمانينيات القرن العشرين، فقد كتب بعض الشعراء أيضا روايات هي في النهاية أشبه بسير روائية، وأبرز هؤلاء علي الخليلي في روايته الأولى “المفاتيح تدور في الأقفال” وغسان زقطان وزكريا محمد وأسعد الأسعد وإبراهيم نصر الله، ويختلف الأخيران، إذ أصدرا العديد من الروايات؛ واصل نصرالله كتابة الرواية إلى جانب كتابته الشعر، وتحول أسعد الأسعد إلى الرواية متجاهلا نشر أعمال شعرية إن كتب الشعر، ولمن يرغب في القراءة التفصيلية وتحولها من كتابة الشعر إلى كتابة الرواية، فعليه أن يقرأ دراسة عمر القزق التي أعدها رسالة ماجستير في جامعة النجاح الوطنية.

The post أدب السبعينيات الفلسطيني: بدايات زمن الرواية  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
طه محمد علي الذي بدأ قاصاً https://rommanmag.com/archives/20578 Thu, 29 Jul 2021 10:15:11 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b7%d9%87-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%8a-%d8%a8%d8%af%d8%a3-%d9%82%d8%a7%d8%b5%d8%a7%d9%8b/ عرف قراء الأرض المحتلة طه محمد علي ابن قرية صفورية شاعر قصيدة نثر بالدرجة الأولى، ومن كان من أنصار هذه القصيدة تابع الشاعر وأشعاره، ومن لم يكن من أنصارها، مثلي أنا، فإنه قرأ الشاعر ولكنه لم يتابعه متابعة حثيثة ولم يكتب عن نصوصه ، وربما ظل ينظر إليه على أنه شاعر عادي، علماً بأن محبيه، […]

The post طه محمد علي الذي بدأ قاصاً appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
عرف قراء الأرض المحتلة طه محمد علي ابن قرية صفورية شاعر قصيدة نثر بالدرجة الأولى، ومن كان من أنصار هذه القصيدة تابع الشاعر وأشعاره، ومن لم يكن من أنصارها، مثلي أنا، فإنه قرأ الشاعر ولكنه لم يتابعه متابعة حثيثة ولم يكتب عن نصوصه ، وربما ظل ينظر إليه على أنه شاعر عادي، علماً بأن محبيه، مثل المرحوم الشاعر فاروق مواسي، أشاد به إشادة كبيرة وتحدث عن اهتمام بعض المستشرقين به اهتماماً لافتاً، لدرجة أن اقترحوا اسمه للترشيح لجائزة نوبل، والكلام على ذمة فاروق.

أول ما قرأت من قصائد لطه محمد علي كان تلك القصيدة التي أدرجها له الشاعر المرحوم عبد اللطيف عقل في ديوانه الثالث “هي… أو الموت ” الذي صدر في العام ١٩٧٣، وكان عنوانها “عبد الهادي يصارع دولة عظمى” وهي قصيدة قصيرة لا تتجاوز الثلاثة عشر سطراً، ونصها:

“في حياته ما قرأ ولا كتب

في حياته ما قطع شجرة، ولا طعن بقرة

في حياته ما جاب سيرة النيويورك تايمس بغيابها

في حياته ما رفع صوته على أحد،

إلا بقوله ” تفضل… والله غير تتفضل”.

*

ومع ذلك

فهو يحيا قضية خاسرة

حالته ميؤوس منها

وحقه ذرة ملح سقطت في المحيط

*

أيها السادة

إن موكلي لا يعرف شيئاً عن عدوه

وأؤكد لكم أنه لو رأى بحارة الانتربرايز

لقدم لهم البيض المقلي ولبن الكيس”.

وظلت القصيدة وعنوانها عالقين في ذاكرتي، كما لو أنهما طه محمد علي كله.

حين طلب مني الروائي سليم البيك أن أشارك في الكتابة عن الشاعر ضمن سلسلة مقالات تنشرها المجلّة، سألته إن كان أحد سيكتب عنه قاصاً، وهكذا قررت أن أعرّف بطه محمد علي قاصاً، لا شاعراً، فقليلون من قرائه ومتابعيه يعرفونه كاتب قصة قصيرة.

القصة التي كتبها في ١ /١١ / ١٩٥٥ “قناني فارغة” ذات دلالة مهمة، فهي تقول لنا إن طه بدأ قاصاً لا شاعراً، وإذا ما قرأنا بعض قصائده مثل “مذبحة على شواطئ عكا” و”شرخ في الجمجمة”، وهما من قصائده المبكرة، وذواتا أسلوب قصصي، تأكدنا من غلبة روح القاص فيه على روح الشاعر الغنائي.

وهنا قد يثير دارس نصوص الشاعر السؤال المهم وهو:

لماذا عزف الشاعر عن كتابة القصة القصيرة ومال إلى كتابة قصيدة النثر التي تقترب في أسلوبها من أسلوب القص؟

ويتبع السؤال السابق سؤال آخر متعلق به وهو:

لماذا عاد في منتصف تسعينيات القرن العشرين ليكتب القصة القصيرة؟

وما يلفت النظر في كثير من قصص طه محمد علي أن بيئتها المكانية تأتي من قريته صفورية في أزمنة مختلفة يعود بعضها إلى زمن الانتداب البريطاني أيام كان طه طفلاً، ولكنها لا تقتصر على قريته، فقسم منها يقص عن حياة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، حيث أقاموا بعد تشريدهم من وطنهم في العام ١٩٤٨.

وبعض القصص تبدو أقرب إلى سيرة قصصية ذاتية للكاتب نفسه، حيث يتوحد أنا السارد مع أنا الكاتب.

بالإضافة إلى ما سبق فإن روح الدعابة والسخرية تشيع في قسم منها، كما تشيع فيها الروح الشعبية.

ونظراً لأن قراء كثيرين لم تتح لهم الفرصة لقراءة هذه القصص فسوف أستعرض بعض قصصها مبتدئا بقصة “قناني فارغة” باعتبارها الأقدم، مع أن ترتيبها هو السادس.

“قناني فارغة”:

يكتب طه محمد علي في هذه القصة عن حمّال لم يطور نفسه وظل يضع السل على كتفه ولم يشتر حماراً ينقل البضاعة عليه، ما جعل زبائنه يتركونه إلى حمالين آخرين.

يبحث الحمال عن عمل فلا يجد، وبينما هو يمر بورشة بناء يسأل صاحبها المتجبر فيكلفه بإحضار قناني فارغة مقابل مبلغ من المال، وحين ينجز المهمة يقع فتتكسر ما يشعره بالقلق، إذ ماذا سيقول لصاحب الورشة؟

لحسن حظ الحمال أن المتجبر يريدها كذلك، وهكذا ينقذه الحظ من ورطته وتغريمه.

تبدو القصة عادية وليست الأفضل بين القصص.

“جاي يا غلمان”:

تأتي هذه القصة على حياة الناس في قرية صفورية وعلاقتهم ببعضهم، علاقة أهل القرية بأهل حي تل العيد، وهو حي من أحيائها، فيروي نكتاً عن أهل الحي ونوادرهم وسلبياتهم، ومع ذلك يتشابه أهل الحي مع باقي أهل القرية في جوانب إيجابية.

أطرف القصص قصة زوجين لم ينجبا فيتبنيان سخلة ماتت أمها في السيل ويحرصان عليها ويسميانها زهرة.

في يوم من الأيام تخرج زهرة مع قطيع أغنام وتعود، فتحلم أم زهرة بأن سخلتها حملت بوليد ولكنه يموت في البئر، فيذهب أهل حي تل العيد ليعزوها بالفقيد. القصة التي تنتهي بالآتي قصة ساخرة جداً:

“وبينما كان العرق الساخن كزجاجة القنديل، يتفصد من جبين أم زهرة ووجنتيها وأبطن يديها ورجليها… ارتفع نحيب النسوة الشابات، وجلجل زعيق العجائز الطاعنات، يحرضن “جدة الفقيد” على إعطاء العزاء حقه!

– صابري؟ قومي إمعدي يا مشحرة

– الله يكون بعونك وعون أبو زهرة!

– والله لو قتلت حالك يا أم زهرة ما حدا لامك!

كل ذلك وزهرة رابضة على بعد خطوات من المعزين تجتر بهدوء ودعة، وترمق الجميع، بين الحين والحين، بنظرات وديعات صافيات، تخلو تماماً من أي معنى، وأظهر ما يبدو عليها أنها لا تعي مما يدور حولها قط شيئاً”.

“دق، دق، ظلك دق…!”

هذه القصة قصة ساخرة جداً، وهي تصور حياة القرية الفلسطينية في زمن الانتداب البريطاني وتأتي على واقع اللجوء الفلسطيني في مخيمات لبنان.

يأتي السارد أسعد على حياة متعلم فلسطيني، هو الشيخ الأبيض، تعلم أولا في الكتاب، ثم واصل تعليمه في القدس وعاد ليدرس في عكا، وبعد أربعة عقود حن إلى بلدته، فعاد إليها ورمم بيت أهله فيها واستقر فيه، وصارت له بين أهل البلدة مكانة معتبرة وغدت كلمته مسموعة.

ذات نهار يزوره في مجلسه شخص اسمه صالح كنعان ويطلب منه أن يعمل له وصفة عله يتخلص من وجع رأسه الذي عجز عن شفائه الأطباء، ووعد الشيخ الأبيض -إن شفي- أن يعطيه “اللي تأمره”.

يرفض الشيخ الأبيض أي اعطية ويكتب له الوصفة الآتية:

“حلبة، قرفة، يانسون، كمون، محلب، ملح ليمون، وزعفران، ملعقة صغيرة من كل عنصر ثم تضع العناصر جميعاً في هاون، وتعالجها بالدق، حتى تصهر صهراً جيداً. تطحن تماماً!”

و

“حط الخلطة كلها في الهاون، ودق دق ظلك دق تتنعم منيح”

و

“بعد صلاتك وقبل نومك تفتح شباكك، وتدلق خلطتك على فضاء خرابتك”.

يصغي السارد أسعد مذهولاً لكلام الشيخ، وتكون حيرته الثانية أكبر من حيرته الأولى، إذ ينفذ الوصية تماماً، فيزف الخبر إلى الشيخ حاملاً له” ديكي دجاج مسنين، وعشر بيضات”.

في حرب ١٩٤٨ يهاجر أسعد إلى لبنان ويعمل معلماً في مخيم عين الحلوة، وتتضاعف كارثته حين يتقاعد في ١٩٧٨ فيلم به وجع راس مشابه لما ألم بصالح كنعان، وهنا يتذكر وصية الشيخ الأبيض، فيلجأ إلى تنفيذها وعبثاً يتخلص من وجع رأسه.

تنتهي القصة بالآتي:

“- اسمع مني يا أبو فوزي، يرضى عليك، روح الصبح عند الشيخ اللي عنا في المخيم، خلي يقرأ على رأسك آية الكرسي ويعملك حجاب، وتطيب، وتتريح من هالعذاب!

وانبرى فوزي:

– لا لا يابا، بكرة أروح معاك، نراجع الدكتور الكندي!

صفعت الليبي -أي ابنه- وبصقت بوجه أمه. لعنت أبا جارنا القديم صالح كنعان، وشتمت أجداده. حرقت دين الشيخ الأسود سبع ثمان حرقات، وعدت إلى منديل، برمته حتى اتخذ شكل الحبل. ربطته حول رأسي الذي يكاد أن ينفجر… واستأنفت صراخي مردداً: (يا راسي يا راسي)”.

والخاتمة تقول كل شيء. إنها تسخر من صالح كنعان والشيخ الأبيض والوصفات الشعبية وهوس بعض المؤمنين بها، والطريف أن الطب نفسه لم يشف صالح في حين أنه زعم أنه تخلص من وجع رأسه بوصفة مضحكة.

“سيمفونية الولد الحافي”:

هذه قصة طريفة جداً. إنها أقرب إلى سيرة ذاتية لطفولة طه محمد علي البائسة الفقيرة في زمن الانتداب البريطاني . يبدأ السارد خالد القصة بالمقطع الآتي:

“العشر سنوات الأولى من حياتي سرتها حافي القدمين، غير أن مرارة إحساسي بالحرمان من الحذاء، وطغيان رغبتي في الحصول عليه، يوم حادث حذاء المغربي وحده، فاقا والله، كل عذابات الحذاء التي كابدتها في سني العشر مجتمعة!”.

زمن الكتابة هو ١٩٩٦ والزمن القصصي هو زمن الانتداب -أي قبل ١٩٤٨- فالعملة المستخدمة هي الجنيه.

كان خالد في طفولته فقيراً معدماً لا يملك ثمن حذاء، وهكذا كان يسير حافياً، ولنلاحظ العنوان “سيمفونية الولد الحافي”، وذات مرة يأتي مواطن مغربي يبيع أحذية بأسعار زهيدة، ومع ذلك لم يكن خالد يملك الثمن، وحين يحصل على المال ويذهب ثانية إلى البائع يكون الأخير باع ما لديه ولم يتبق معه سوى فردتين متشابهتين، فالفردتان يمينيتان:

– يميني يميني، ما يكون يميني، بيعني الفردتين وأنا حر فيهن!

– لكن بزوز (جوز) يميني ما تحسن والو تمشي.

– ما يكون ما أحسن! إنت مالك؟

بيعني وخلاص!

– الزوز يميني…

– ما يكون، بيعني وما خصكش!”

ويحصل خالد على الحذاء، وحين يلبسهما يمشي فيقع غير مرة:

“- خالد! قال والدي بحزم، إشلح هاي الكندرة!

فقلت وأنا أرتجف:

– ما هو… ليش يابا أشلحها؟!

– الفردتين يمينيات، إشلح!”

وحين يرفض يصرخ به والده ويبكي هو، ويكون الحذاء أثر عليه.

تعيد أم خالد القروش التي استدانتها من جارتها أم قاسم، وتخبرها:

“والله يا أم قاسم، خالد الليلة عينيه ما غضو النوم، طول الليل حامي مثل النار يا ضنا، وكل شوية يجفل ويصيح: “ما يكون”! وينام دقيقتين وبعدين يهب ويصرخ:

– “ما يكون، ما يكون، ما يكون!!”.

“يسلموا دياتك يا أبو مصطفى”:

هذه قصة شخصية ومكان بالدرجة الأولى. إنها قصة صفورية وما اشتهر به أهلها وما برعوا به منذ أيام أبو يوسف النجار قبل ألفي عام، وهي قصة النجار خضر محمد النجار المعروف بأبي مصطفى الذي كان ماهراً في عمل مختلف الأدوات الزراعية المعروفة، بخاصة صناعة ” القادم”، والقادم هو “هيكل من خشب وحبال، يزيد علوه قليلا عن المتر، وله شكل سلم السيبة . يضم إليه في الحقول ما يزيد على أربعة أضعاف حجمه، من أغمار حصاد القمح أو الشعير أو الفول، أو من أكداس العدس أو… ويسار بـ “القوادم” محمولة على ظهور الجمال أو الخيول أو البغال أو الأحمرة إلى البيادر، حيث تكوم الأحمال، وتهيأ للدرس والتذرية”.

وكان أبو مصطفى الذي يجتمع في منحرته معارفه وأصدقاؤه ويتحدثون في شؤون الدنيا والسياسة وسياسة بريطانيا اللئيمة التي ضحكت علينا وسلمتنا لليهود.

أبو مصطفى في نهاية نيسان يجد ويجتهد ويبرع ويتفنن في صنع القوادم والرسم والكتابة عليها لدرجة يشهد له بما يصنعه حتى من يسخرون أحيانا منه، ويستعد لتسليمها لمشتريها يفاجأ بخبر تنشره الجريدة يقرؤه له الشيخ إبراهيم:

“صرحت مصادر مطلعة أنه وصل إلى البلاد عن طريق البحر، هذا الأسبوع ألفا قادم جديد!

– خرب بيتك يا أبومصطفى! (وضرب أبومصطفى كفا بكف).

ألفين قادم؟ يا ويلك من الله يا بريطانيا، ألفين قادم بتدفن صفورية وكفر مندا معاها! خرب بيتك يا أبو قرد، يا أبو مصطفى!”.

وليت الأمر في سياسة بريطانيا اقتصر على أبو مصطفى! لقد خربت بريطانيا بيت الشعب الفلسطيني منذ مائة عام وأكثر، وما زال الفلسطينيون يتجرعون ويلات سياستها وويلات وعد بلفور المشؤوم.

 

The post طه محمد علي الذي بدأ قاصاً appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
في رحيل الشاعر عز الدين المناصرة https://rommanmag.com/archives/20443 Tue, 06 Apr 2021 09:27:01 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d8%b9%d8%b1-%d8%b9%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b5%d8%b1%d8%a9/ وأخيرا ترجل الشاعر عز الدين المناصرة عن فرسه. أودت به الكورونا ورحل عن أربعة وسبعين عاماً دون أن تتكحل عيناه بتراب الخليل ودون أن يقطف بيديه قطف عنب من دالية من دواليها هو الذي غنى بغنائية عالية مذهلة، قلما تجد لها مثيلاً في الشعر الفلسطيني، لمدينته وعنبها. لسوء حظ عز الدين المناصرة أنه عاش في […]

The post في رحيل الشاعر عز الدين المناصرة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

وأخيرا ترجل الشاعر عز الدين المناصرة عن فرسه. أودت به الكورونا ورحل عن أربعة وسبعين عاماً دون أن تتكحل عيناه بتراب الخليل ودون أن يقطف بيديه قطف عنب من دالية من دواليها هو الذي غنى بغنائية عالية مذهلة، قلما تجد لها مثيلاً في الشعر الفلسطيني، لمدينته وعنبها.

لسوء حظ عز الدين المناصرة أنه عاش في زمن محمود درويش الذي غطى شعره على شعر كثيرين، وإلا لحظي باهتمام كبير أكبر من الاهتمام الذي حظي به شعره، علماً بأن طلابه في الجزائر، حيث علم في جامعاتها لسنوات، اهتموا به وبشعره اهتماماً لافتاً.

في فلسطين التاريخية المحتلة، لم يحظ المناصرة دراسة وطباعة أعمال بما حظي به شعراء المقاومة الذين ولدوا فيها وترعرعوا على أرضها، من راشد حسين وتوفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم، ويخيل إلي أن دور النشر الفلسطينية اكتفت بالالتفات إلى هذه الأسماء أولاً، فنشرت لها وأعادت نشر أعمالها مرات ومرات، والديوان الأول الذي طبع للمناصرة حتى العام ١٩٩٣ هو “لا يذكرني أحد غير الزيتون” الذي صدر عن منشورات “شروق” لصاحبها الشاعر أسعد الأسعد، وأعتقد أن الصلة السياسية والشخصية بين الشاعرين هي التي دفعت الأسعد بإعادة طباعة الديوان، والصلة بينهما صلة قديمة تعود إلى أيام جريدة الفجر المقدسية التي نشرت للمناصرة قصيدة  “وطن الشركس”؛ القصيدة التي خرج بسببها من الأردن ولم يعد نشرها في أي من أعماله الشعرية، بل ولم يعطها للدارسين إن أرادوا أن يكتبوا عن قصائده المحذوفة، وأنا هنا أتحدث عن تجربة شخصية، فعندما التقيت بالشاعر في عمان وأهداني أعماله الشعرية الكاملة طلبتها منه فاعتذر.

شكلت القصيدة المذكورة للشاعر عقبة في علاقته مع النظام الأردني، فعندما أراد في ثمانينيات القرن العشرين العودة إلى الأردن من الجزائر ليستقر فيها رفضت الأردن لولا تدخلات شخصيات فاعلة في منظمة التحرير.

غير أن ما لفت الأنظار إلى عز الدين في فترة مبكرة بالإضافة إلى موقفه الحاد في قصيدته هو توظيفه لشخصية الشاعر امرئ القيس في أشعاره، وهو توظيف لفت نظر الدكتور المصري علي عشري زايد في كتابه الشهير عن استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، وكما خذلت القبائل العربية الملك الضليل امرأ القيس للأخذ بثأره من قتلة أبيه، فنشد المساعدة من ملك الروم، خذل العرب الفلسطينيين، فشعر الأخيرون بالخيبة، وهو ما عبر عنه عز الدين المناصرة في قصيدته “امرؤ القيس، يصل فجأة إلى قانا الجليل” بقوله:

” هزهم هزهم هزهم

في مشارف مكة، حتى المدينة، حتى البقاع

هزهم بيمينك، لن تلقى غير الخداع

هزهم بيسارك، لن تلقى غير الخداع

لقد ختلوك، يريدون عظمك، حتى النخاع،

هزهم، هزهم، هزهم”.

حين أسست السلطة الفلسطينية اهتمت وزارة الثقافة الفلسطينية بالشاعر فطبعت له مجموعة شعرية عنوانها  “لا أثق بطائر الوقواق”، وهو ديوان شعري ظلت فيه نبرة عز الدين الغنائية عالية جداً، هذه النزعة التي راقت للشاعر محمود درويش الذي عد المناصرة من أهم الشعراء الفلسطينيين، فحين سئل عن أهم الشعراء ذكره شاعراً من شاعرين.

وعلى الرغم من كتابته القصيدة الغنائية إلا أنه شغل نفسه بقصيدة النثر كما لو أنه أحد كتابها والمنحازبن لها مقابل القصيدة الموزونة المقفاة، وقد أصدر كتابين حولها طبعا طبعات عديدة؛ الأول عنوانه  “قصيدة النثر (المرجعية والشعارات): جنس كتابي خنثى (الإطار النظري)” عام ١٩٩٨، والثاني “إشكالية قصيدة النثر: نص مفتوح عابر للأنواع ” عام ٢٠٠٢.

الشاعر الذي بدأ شاعرا وانضوى إلى حركة المقاومة الفلسطينية سرعان ما تحول إلى المجال الأكاديمي  فدرس الدكتوراه في الأدب المقارن في جامعة بودابست، ثم ذهب إلى الجزائر ليدرس في جامعاتها، وكان له هناك حضور لافت، وحين عاد من الجزائر إلى الأردن درس في جامعة فيلادلفيا. هل ترك عمله الأكاديمي أثره في مسيرته الشعرية؟ وهل أثر عليه تأثيراً سلبياً، إذ لم يتفرغ للشعر كليا تفرغ محمود درويش وسميح القاسم له؟

عمله الأكاديمي دفعه إلى الاهتمام النظري بدراسة النقد الثقافي والنقد الحضاري والنقد المقارن، وصار له باع طويلة في هذا المجال زادت من انتشاره بخاصة في الوسط الأكاديمي العربي.

عندما شرعت في العام ١٩٩٧ بدراسة شعراء المقاومة قبل أوسلو وبعدها لم تكن أعمال عز الدين متوفرة لي، وهكذا لم أكتب عن شعره وموقفه فيه من اتفاقية السلام، وحين حصلت على أعماله كان كتابي صدر.

برحيل عز الدين المناصرة تخسر الحركة الشعرية الفلسطينية والحركة النقدية الأدبية العربية اسماً مهماً.

 

عز الدين المناصرة

The post في رحيل الشاعر عز الدين المناصرة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الأدب الفلسطيني و”أدب النكبة” https://rommanmag.com/archives/20071 Fri, 15 May 2020 06:32:26 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d9%88%d8%a3%d8%af%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%83%d8%a8%d8%a9/ مر وقت ساد فيه مصطلح “أدب النكبة” إلى حين، ولم تنته النكبة ولم تتوقف ذيولها عن التوسع والانتشار، ولكن المصطلح الذي ساد وطغى فيما بين ١٩٤٨ و١٩٦٧ تراجع استخدامه إلى حد كبير، إذ إثر هزيمة حزيران حل مصطلح جديد محل المصطلح القديم وهو “أدب حزيران” أو “أدب الهزيمة” وما عدنا نقرأ عن النكبة وتأثيرها في […]

The post الأدب الفلسطيني و”أدب النكبة” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مر وقت ساد فيه مصطلح “أدب النكبة” إلى حين، ولم تنته النكبة ولم تتوقف ذيولها عن التوسع والانتشار، ولكن المصطلح الذي ساد وطغى فيما بين ١٩٤٨ و١٩٦٧ تراجع استخدامه إلى حد كبير، إذ إثر هزيمة حزيران حل مصطلح جديد محل المصطلح القديم وهو “أدب حزيران” أو “أدب الهزيمة” وما عدنا نقرأ عن النكبة وتأثيرها في الأدب أو حضور قضية فلسطين في الشعر العربي أو القصة القصيرة العربية أو في الرواية العربية، وكان حضورها في الجنسين الأخيرين عموماً حضوراً قليلاً. 

لم يعد مصطلح “أدب النكبة” إذن مستخدما إلا لدى دارسين قليلين، وصار أكثر الدارسين يهتمون بالأدب الذي كتب بعد الخامس من حزيران ١٩٦٧، وهناك من رأى في الهزيمة الخطر الأكبر الذي أصاب الأمة العربية كلها، فالنكبة لم تؤثر على العرب قدر ما أثرت على الفلسطينيين. وإذا ما قارنا حجم الأدب الذي كتب بين ١٩٤٨ و ١٩٦٧ بحجم ما كتب بعد الهزيمة عرفنا سببا آخر لمقاربة “أدب الهزيمة” أكثر.

مع ما سبق لم يختف حضور النكبة في الأدب العربي؛ الفلسطيني وغير الفلسطيني، وإن خفت إلى حين، ويبدو أنه بعد أوسلو اشتعل من جديد في الرواية ولدى شعراء قليلين ممن عادوا وأبرزهم محمود درويش وأحمد دحبور، فقد أشعلت عودتهما فيهما الذكريات وعلاقتهما وعلاقة أهلهما بالمكان، وليس هذا الرأي ضربا من إطلاق القول بلا دليل.

ولو تتبعنا ما كتب في فلسطين المحتلة قبل حزيران وبعده، فإننا نعثر على التفات الأدباء إلى الكتابة عن حياتهم بعد العام ١٩٤٨ وإن كان حاضرهم هو نتاج ماضيهم. كانت النكبة تلامس في النصوص ولكن ما كان يلامس أكثر هو الكتابة عن معاناة الفلسطيني في الظروف الجديدة. إن “متشائل” حبيبي تأتي على النكبة، ولكنها تأتي على حياة العرب تحت الحكم الإسرائيلي أكثر، ومثلها كتابات سميح القاسم النثرية “إلى الجحيم أيها الليلك” و”الصورة الأخيرة في الألبوم” و “ملعقة سم ثلاث مرات يوميا بعد الأكل”، وظل الأمر كذلك إلى أن فطن الكاتب سلمان ناطور في العام ١٩٧٩ إلى الأمر، فنشر سلسلة حلقات تحت عنوان “وما نسينا” وواصل الكتابة حتى أصدر كتابه “ستون : رحلة الصحراء” في الذكرى الستين للخروج الفلسطيني الكبير من فلسطين.

في الضفة الغربية وقطاع غزة لم تكن هناك أصوات أدبية محترفة والكتاب الشباب انشغلوا بالكتابة عن حياتهم تحت الاحتلال فسحر خليفة لم تقارب موضوع النكبة في رواياتها كلها وهي أبرز صوت روائي في الضفة الغربية، وظل الأمر كذلك إلى أن فطن الكتاب بعد أوسلو إلى مدن آبائهم وقراهم التي خرجوا منها فبدأت سلسلة من كتابات أدب الحنين والفقدان بلغت ذروتها في روايتي عاطف أبو سيف “حياة معلقة” و “الحاجة كريستينا”.

مع أن ما كتبه غسان كنفاني قارب النكبة إلا أنه لم يكتب في رواياته تفاصيلها، وكانت تفاصيلها أكثر حضورا في قصصه القصيرة وفي قصص سميرة عزام أيضا، ولم يقارب جبرا ابراهيم جبرا النكبة إلا قليلاً جداً، ولذلك ما إن كتب الياس خوري روايته “باب الشمس” حتى عدها بعض الفلسطينيين رواية النكبة وذهب إلى أن من كتبها هو لبناني، وعموما فقد واصل الياس كتابتها في روايته “أولاد الغيتو : اسمي آدم”. 

وأنا أفكر في “أدب النكبة” خطرت ببالي مقولات نظرية التلقي ومن أهمها قراءة النصوص الأدبية في أزمنة مختلفة، وتساءلت ماذا لو تتبع دارس كتابة موضوع واحد، مثل أدب النكبة، في أزمنة مختلفة؟

أصدر ناصر الدين النشاشيبي، وهو ليس روائيا محترفا، بعد ١٩٤٨ روايتين هما “حفنة رمال” و”أرض البرتقال” وقارب فيهما الواقع الفلسطيني قبل النكبة، ولم يكتب أية رواية عن النكبة التي أكثر الشعراء في الكتابة فيها، وأصدر كنفاني بين ١٩٦٣ و١٩٧٢ العديد من الروايات وترك لنا مسودات روايات أخرى، وقارب فيها النكبة أكثر من مقاربة النشاشيبي لها والسبب هو أن غسان كاتب محترف فيما لم يكن الأدب محور اهتمام النشاشيبي الأول، وعبر جبرا عن حياته في العراق وعن البيئة العراقية أكثر مما كتب عن فلسطين، فكان الحضور الأوسع للبيئة العراقية ومشاكلها ولم يكتب أية رواية عن اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وهو ما أنجزه الشاعر محمد الأسعد في روايته “أطفال الندى” وهي نص روائي متميز في هذا الجانب، ويعد إبراهيم نصرالله أكثر روائي فلسطيني في المنفى بعد العام ٢٠٠٠ انشغالا بالنكبة وتلاه رشاد أبو شاور ومن العائدين يحيى يخلف. لقد حضرت النكبة في الرواية الفلسطينية لا في زمن حدوثها وإنما بعد مرور عقود عليها، وهنا أعود إلى نظرية التلقي الألمانية ثانية. كيف حضرت النكبة في النصوص التي كتبت مباشرة بعد حدوثها، وكيف حضرت في النصوص التي كتبت بعد عقود على مرورها ؟ 

كيف صاغها وعبر عنها من عاشها وكيف كتبها وعبر عنها من عاش ذيولها وصاغ تجارب غيره بالدرجة الأولى ولم يكتب مشاهداته هو ؟ 

ولد ابراهيم نصرالله في مخيم الوحدات ولم يكتب حتى العام ١٩٨٠ أية رواية وكتب روايات النكبة بعد العام ٢٠٠٠ – أي بعد مرور حوالي خمسين عاما، وكتب رشاد أبو شاور قبل العام ٢٠٠٠ عن المنفى والثورة وأتى إتيانا على واقع اللجوء الفلسطيني وكتب أكثر عن الثورة وإن خص مجزرة الدوايمة برواية، ولكن كتابته عن نكبة ١٩٤٨ وطفولته فيها جاءت متأخرة، كما في “وداعا يا زكرين” و”ليالي الحب والبوم”، وما كتبه يحيى يخلف قبل العام ٢٠٠٠ في موضوع النكبة لا يكاد يذكر وهو ما برز في “بحيرة وراء الريح”، وما كتبه عن ذيول النكبة وحياة المنفى واللجوء حضر في روايتيه “ماء السماء” و “جنة ونار”. 

ليس القصد من وراء هذه الكتابة رصد رواية النكبة رصداً دقيقاً قدر ما هو إثارة سؤال ولفت انتباه، أما السؤال فهو : 

– كيف حضرت النكبة في النصوص الأدبية في مراحل مختلفة؟ 

ويليه سؤال آخر هو:

– هل من تشابه أو اختلاف وما سبب ذلك؟

وأما لفت الانتباه فيرمي إلى مقاربة موضوع يستحق المقاربة لأن ما كتب فيه قليل.

النكبة لم تنته وهي مستمرة وهذا ما كتبه الياس خوري، وهنا أشير إلى روايتي سامية عيسى “حليب التين” و “خلسة في كوبنهاجن”، وفيهما وصلت ذيول النكبة إلى الدول الإسكندنافية، وكتب سليم البيك روايته “تذكرتان إلى صفورية” وأثار فيهما سؤال هوية اللاجئ الفلسطيني الذي ولد في ثمانينيات القرن الماضي في المنفى، وكتب ربعي المدهون في “السيدة من تل أبيب” عن طفولته. لقد طالت نباتات البعيد وزرعنا التين في كوبنهاجن وفي برلين أيضا، واتسعت رقعة الشتات الفلسطيني وما زالت تتسع واتسع المخيم الفلسطيني وفاض سكانه على المكان وساءت أحواله.

The post الأدب الفلسطيني و”أدب النكبة” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
غرباء في «مملكة الغرباء» لالياس خوري https://rommanmag.com/archives/20027 Fri, 03 Apr 2020 11:28:08 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%ba%d8%b1%d8%a8%d8%a7%d8%a1-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%85%d9%84%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8%d8%a7%d8%a1-%d9%84%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a7%d8%b3-%d8%ae%d9%88%d8%b1%d9%8a/ لاحظنا أن الياس خوري في “الوجوه البيضاء” أسطرَ فدائي مرحلة الستينيات وجعل منه نموذجاً إيجابياً في المطلق، وفي الوقت نفسه رصد التحولات التي طرأت عليه في مرحلة السبعينيات، وهي تحولات لم تكن لصالحه. (انظر مقالي في جريدة الأيام الفلسطينية بتاريخ ٢٢و٢٩ آذار ٢٠٢٠) أخذ فدائي السبعينيات، بحكم ملاحقته وانشغاله -مجبراً- في شؤون البلد الذي انطلق […]

The post غرباء في «مملكة الغرباء» لالياس خوري appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
لاحظنا أن الياس خوري في “الوجوه البيضاء” أسطرَ فدائي مرحلة الستينيات وجعل منه نموذجاً إيجابياً في المطلق، وفي الوقت نفسه رصد التحولات التي طرأت عليه في مرحلة السبعينيات، وهي تحولات لم تكن لصالحه. (انظر مقالي في جريدة الأيام الفلسطينية بتاريخ ٢٢و٢٩ آذار ٢٠٢٠)

أخذ فدائي السبعينيات، بحكم ملاحقته وانشغاله -مجبراً- في شؤون البلد الذي انطلق منه، وتدفق أموال الدول النفطية على المنظمة، وتحول العمل الفدائي من السر إلى العلن، أخذ فدائي حقبة السبعينيات يهتم بالمظاهر والتظاهر وإبراز العضلات والانشغال في أمور اجتماعية وما شابه، وتخلى نسبياً عن الأهداف الرئيسة أو أشغل بغيرها عنها.

تركت منظمة التحرير الفلسطينية بيروت مكرهة وخلفت وراءها شعباً ارتُكبت بحقه مجزرة مرعبة، وأوضاعاً فلسطينية مأساوية أدت إلى حرب بين الفلسطينيين أنفسهم هي حرب المخيمات التي استمرت ثلاثة أعوام تقريباً.

أصدر الياس خوري في هذه الأثناء مجموعة قصص “المبتدأ والخبر” ١٩٨٤ ورواية “رحلة غاندي الصغير”، وفي العام ١٩٩٣ أصدر روايته “مملكة الغرباء” وفيها كتب عن غرباء هذا العالم؛ كتب عن فئات اجتماعية في المجتمع اللبناني متعددة الجذور والديانات والأصول، من المسيح فالشركس إلى اليهود اللبنانيين والرهبان المسيحيين والمسيحيين فالفلسطينيين، وبدا أكثر هؤلاء -إن لم يكونوا كلهم- غرباء في هذا العالم، وهو ما يقوله عموماً العنوان.

كان حضور الفلسطينيين في الرواية لافتاً وبدوا مثل غيرهم، في لبنان، غرباء.

تحفل الرواية بشخصيات فلسطينية حقيقية لها تاريخها الشخصي الخاص وملامحها الفردية الخاصة أيضا مثل علي أبو طوق وأنيس صايغ ونبيلة سلباق وحنة شاهين.

استشهد علي أبو طوق في حرب المخيمات، وقتلت نبيلة، مع أنها مسيحية، لأنها فلسطينية، واستشهدت حنة إثر نسف مركز الأبحاث الفلسطيني حيث كانت موظفة هناك، وفيصل مات قبل أن تكتمل قصته هو الذي نجا من مجزرة شاتيلا التي قتلت فيها عائلته.

إن الموت غير الطبيعي هو مصير هؤلاء الفلسطينيين الأربعة، ولقد قتلوا بأيدي جهات مختلفة؛ بأيدي الكتائب -وقتل قسم من أهلهم بطائرات الإسرائيليين- وبمسدسات مقنعين أغلب الظن أنهم عنصريون من القوات اللبنانية، وبأيد فلسطينية تدعمها جهات لبنانية وربما سورية في أثناء حرب المخيمات. 

فما هو التاريخ الشخصي لكل شخصية من هؤلاء؟

أول هذه الشخصيات شخصية علي أبو طوق وهو فلسطيني حقيقي من لحم ودم قاتل في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية وكان قائد قواتها في الحرب التي استمرت ثلاث سنوات. كان شجاعاً ومحبوباً، أحبه من عرفه ومنهم الطبيب اليوناني الذي مات علي بين يديه “كان هذا الرجل أقرب إنسان إلي . كنت وحدي في هذا المخيم المحاصر بالدمار والخوف. كنت وحدي، ولولاه لمت خوفا من الوحدة.” 

وكانت تربطه بالراوي علاقة صداقة، فقد قضيا معا، في الخنادق والبرد والموت وتحت مطر القذائف، سنوات الحرب الأهلية، ثم افترقت خطاهما:

“علي تحول إلى فدائي في كتيبة “الجرمق”، وأنا صرت ما أنا. وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢، غاب علي في السفن اليونانية التي نقلت الفدائيين إلى منافيهم الجديدة. عام ١٩٨٤، بعد انتفاضة ٦ شباط، وانسحاب المارينز الأمريكيين، عاد إلى بيروت، بلحيته القصيرة، وعصاه، ليتحول إلى القائد العسكري لمخيم شاتيلا. عاد ليصير رجل الحصار، ثلاث سنوات من الحصار والدمار، والمخيم يضيق ببيوته المدمرة، حتى تحول إلى كمشة من البيوت التي يسند دمار واحدها دمار الآخر. 

ومات علي”.

فيصل هو الفلسطيني الثاني الذي يحضر في الرواية، وفيصل كما ذكرت لاجئ فلسطيني من مخيم شاتيلا رأى المجزرة التي قتلت فيها عائلته ونجا بأعجوبة، مع أنه أصيب بثلاث رصاصات في خاصرته ويده.

يعيش فيصل، في المنفى، واقع اللجوء المأساوي ويظل يحلم بالعودة إلى فلسطين بلده الذي ظل أبوه يحدثه عنها الكثير وصار يحلم بأنه عاد إليها، وما كان يؤرقه هو مستقبل علاقته، بعد العودة، مع أصدقائه، فإن عاد كل إلى مدينته وقريته الأصلية فكيف سيجتمعون؟ ويقترح فيصل، أيضا في الحلم، على أصحابه أن يعمروا في فلسطين بلدا صغيرا “بلد أو قرية أو مخيم، شي زي شاتيلا يللي كنا عايشين فيه. رحت دغري أدور على أصحابي تقول لهم، تعالوا نعمر بلد بقلب فلسطين، تجمعنا مع بعض، وتكون زي المخيم، بس لحظتها فقت”.

ومثل علي أبو طوق فعندما رجع إلى شاتيلا ليقاتل في حرب المخيمات التي دامت ثلاث سنوات، وليعيش الحصار الطويل في مخيم شاتيلا، كان يبحث عن طريقة للذهاب إلى فلسطين. “فلسطين جاءته على شكل طلقة في الرأس ، وقبر في جامع”.

يتساءل الراوي وهو يحكي عن فيصل السؤال الآتي:

“- كيف أصفه ؟”

ويصفه على النحو الآتي، وأعتقد أن هذا الوصف ينطبق على فيصل في العام ١٩٨٢، وحين استشهد بعد خمس سنوات كان في السادسة عشرة:

“فتى في الحادية عشرة، أسمر مثل الفلسطينيين، أو كما نتخيل الفلسطينيين، يشبه هؤلاء الفتيان الذين يرمون الحجارة في شوارع غزة ونابلس. لكنه كان مهدما. هل سبق لكم أن رأيتم فتى مهدما؟ عادة نستخدم كلمة مهدم لنصف رجلا كهلا أصيب بكارثة. وأما هذا الفتى فكان مهدما ولم يكن يشبه الكهول. وجه أسمر ناصع، عينان صغيرتان ترقصان في الوجه، أنف مستقيم، شفة ممتلئة تتدلى، وكلام”.

ليس لحنة شاهين حضور لافت، فلا هي شخصية رئيسة ولا هي شخصية ثانوية بالمعنى المتعارف عليه لمفهوم الشخصيات في العمل الروائي، وما حدث معها حدث مع جموع عديدة من الشعب الفلسطيني والفرق بينها وبين الجموع يكمن في ذكر اسمها وفي كونها مثقفة عاملة. وكما أوردت سابقا فإنه يؤتى على ذكرها حين يقص السارد عما جرى لمركز الأبحاث الفلسطيني الذي نسف بسيارة مفخخة، وحول بعد الاجتياح الإسرائيلي عام ١٩٨٢ إلى مقبرة “فماتت حنة شاهين القادمة من “فسوطة” في الجليل، وصارت سعاد كسيحة، ودخل ثلاثون من العاملين فيه المستشفيات، وبقيت أشلاء الموتى في شارع “كولومباني” ثلاثة أيام قبل أن يأتي عمال التنظيفات ويرشوا الحي بالماء والمبيدات”.

وبعد السرد السابق يتساءل الراوي تساؤلاً افتراضياً حول علي لو كتبت له الحياة وعاش الكهولة وروى ذكرياته، فماذا سيروي؟

“هل سيجد متسعا في الذاكرة ليميز بين معارك أيلول ١٩٧٠ في الأردن، وبين حصار مخيم شاتيلا في بيروت عام ١٩٨٥؟”.

ثمة هجرة لا تنتهي يعيشها الفلسطينيون منذ ١٩٤٨ وثمة مجازر ترتكب بحقهم يتكرر حدوثها هنا وهناك.

هل يمكن أن نقول شيئاً مختلفاً عن الفلسطينية المسيحية نبيلة سلباق عما قلناه عن حنة شاهين؟ 

ليست نبيلة شخصية رئيسة أو حتى شخصية ثانوية، ولكنها صفيت على انفراد ولم تقتل قتلاً جماعياً.

في العام ١٩٦٢ كانت نبيلة في الصف الثانوي الخامس وكانت تروي للراوي وصحبه عن فلسطين، وقد أهدته كتابا لنقولا الدر عنوانه: “هكذا ضاعت وهكذا تعود”، وحين ينجح الراوي، وتنجح، في التوجيهي يزورها في منزلها في عين الرمانة” وهناك التقيت بشقيقتها الصغرى التي سحرني جمال عينيها”.

وفي العام ١٩٧٦ “دخلت الميليشيا الكتائبية المنزل في عين الرمانة، وكان فيه الأب والأم والأخت الصغرى الجميلة العينين، وقتلوهم. وجدت جثة الفتاة الصغيرة مختبئة قرب السرير، وهي مذبوحة بالبلطة. 

وفي العام ١٩٨٦ وهي عائدة من عملها “اليونسيف” بسيارة أجرة، حيث كانت مسؤولة عن برامج المساعدات الإنسانية والطبية للمخيمات الفلسطينية، إلى بيتها في محلة “البربير”، أوقف ثلاثة مسلحين السيارة وأفرغوا في نبيلة بنادقهم الرشاشة. “أقول لك إنهم قتلوك لأنك فلسطينية” ولم يشفع لها كونها مسيحية. 

هنا نسأل: من هو الراوي؟

الراوي هو دارس لبناني يدرس الحكاية الشعبية الفلسطينية في جامعة نيويورك، وكان التحق بالمقاومة الفلسطينية بعد هزبمة حزيران ١٩٦٧، وتعرف إلى الفلسطينيين وربطته بهم صداقة قبل العام ١٩٦٧. تقدم للتوجيهي في العام ١٩٦٦ وزار نبيلة سلباق في بيتها في عين الرمانة، وعمل أيضا في مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت، وأكثر المعلومات السابقة إن قابلناها بما قرأناه عن المؤلف الحقيقي -أي الياس خوري – تقول لنا إن هناك تطابقا بين المؤلفين؛ الحقيقي والضمني.

وإذا ما نظرنا في الشخصيات الروائية الأخرى؛ اللبنانية وغير اللبنانية واليهودية والمسيحية والشركسية، فإننا نلحظ أن الراوي لا يكتب عن غربة الفلسطينيين وحسب، بل عن غربة شخوصه كلهم، ولذلك اختار لروايته عنوانها “مملكة الغرباء” وكان أول الغرباء هو السيد المسيح، ولا يختلف عنه الراهب المسيحي في الرواية.

وعموماً فإن الياس خوري في روايته هذه لا ينتقد ممارسات الفدائيين وسلوكاتهم في لبنان، كما في روايته الأسبق “الوجوه البيضاء”، وتكاد صورة علي أبو طوق تقترب من صورة أبو جاسم في روايته المذكورة.

تنتهي الرواية في حديثها عن الفلسطينيين بعبارة لافتة لا بأس من تكرارها في نهاية هذه الكتابة وهي:

“هل هذه الأرض التي اسمها فلسطين هي مجرد حكاية تسحرنا بأسرارها وطلاسمها؟

ولماذا حين نستمع إلى هذه الحكاية لا ننام … بل نموت”.

هل كان غريباً أن تموت الشخصيات الفلسطينية الأربعة في الرواية، هذا إذا غضضنا النظر عن مجزرة صبرا وشاتيلا والموت الجماعي فيها.

The post غرباء في «مملكة الغرباء» لالياس خوري appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
منار مخول وكتابه «سيسموغرافيا الهويات» https://rommanmag.com/archives/19995 Wed, 11 Mar 2020 08:36:53 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d8%ae%d9%88%d9%84-%d9%88%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d9%87-%d8%b3%d9%8a%d8%b3%d9%85%d9%88%d8%ba%d8%b1%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a7/ «سيسموغرافيا الهويات: الانعكاسات الأدبية لتطور الهوية الفلسطينية في إسرائيل ١٩٤٨ – ٢٠١٠» هو عنوان رسالة الدكتوراه للدكتور منار مخول وقد أنجزها صاحبها في جامعة كامبردج  صدرت ترجمة الكتاب مؤخراً باللغة العربية عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت ويقع الكتاب في ٢٢١ صفحة. نقل الكتاب إلى العربية القاص نصار ابراهيم صاحب مجموعة «اغتيال كلب»، وحرره لغوياً […]

The post منار مخول وكتابه «سيسموغرافيا الهويات» appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

«سيسموغرافيا الهويات: الانعكاسات الأدبية لتطور الهوية الفلسطينية في إسرائيل ١٩٤٨ – ٢٠١٠» هو عنوان رسالة الدكتوراه للدكتور منار مخول وقد أنجزها صاحبها في جامعة كامبردج 

صدرت ترجمة الكتاب مؤخراً باللغة العربية عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت ويقع الكتاب في ٢٢١ صفحة. نقل الكتاب إلى العربية القاص نصار ابراهيم صاحب مجموعة «اغتيال كلب»، وحرره لغوياً الروائي إياد البرغوثي صاحب رواية «بردقانة». يتكون الكتاب من مقدمة تأتي على سوسيولوجيا “الفلسطينيين في إسرائيل” و”الأدب وفهم تحولات الهوية”، ومن فصول ثلاثة هي :

– الروايات الفلسطينية في إسرائيل ١٩٤٨ – ١٩٦٦ ( ص ١٩ – ٦٦ )

– ما بعد التحديث ١٩٦٧ – ١٩٨٧ ( ص ٦٧ – ١٣٢ ) 

– الروايات الفلسطينية في إسرائيل ١٩٨٧ – ٢٠١٠ ( ص١٣٥ – ٢٠٠ ) 

وأما الخلاصة فتقع من صفحة ٢٠١ إلى ٢٠٩.

ما لفت نظري في هذا الكتاب أنه يُعد الدراسة الأولى التي توقفت أمام الروايات كلها التي صدرت في فلسطين المحتلة في ١٩٤٨، فلم يترك رواية إلا أشار إليها في قائمة مصادره، وهذا ما لم يعثر الدارس عليه في دراسات من سبقه تقريبا، من محمود عباسي ومحمود غنايم وانتهاء بجهينة الخطيب من فلسطين ١٩٤٨، وفي دراسات أحمد أبو مطر وواصف أبو الشباب وغيرهما من فلسطينيي المنفى.

ولأن الكتاب يدرس موضوع الهوية وتشكلاتها وتطورها من مرحلة إلى أخرى فإنه لم يلتفت إلى إصدار حكم قيمة على الروايات من ناحية جمالية، فالجانب الشكلي والبناء الفني ظاهرة لا أهمية لها في معالجة الموضوع، وهذا يؤدي بدوره إلى تساوي النصوص وعدم تفضيل نص على آخر إلا بمقدار سؤال الهوية.

طبعاً لم يعالج الدارس الروايات رواية رواية ولم يلتفت إليها جميعاً بالمقدار نفسه، فنحن نقرأ تحليلا شبه مفصل لبعض الروايات ولا نقرأ عن روايات أخرى إلا بضعة أسطر أو فقرة أو فقرتين. إن مقدار اتضاح الهوية في هذه الرواية أو تلك هو ما يجعلها تحضر أكثر من غيرها وهذا أمر طبيعي جداً.

ما لفت نظري وأنا أقرأ المسودة عدم التفات الكاتب إلى روايات مهمة بخصوص سؤال الهوية، مثل رواية عطاالله منصور «وبقيت سميرة» وكنت عالجتها في كتابي «اليهود في الأدب الفلسطيني» عام ١٩٩١، وقد عاد الكاتب وتوقف أمامها لأنها ذات أهمية في هذا الجانب.

ما لفت نظري أيضاً هو عدم التوقف مطولا أمام سؤال الهوية في رواية إميل حبيبي «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل». إن رواية حبيبي تعد الأبرز في هذا الجانب. حقاً إن منار مخول درس الرواية وكتب عنها بضع صفحات، ولكنه لم يلتفت في أثناء دراستها إلى فقرات غاية في الأهمية بخصوص سؤال الهوية، وهنا أشير إلى رسالة “سعيد في بلاط ملك” وكنت أتمنى لو حلل الدارس هذه الرسالة فهي أوضح ما في “المتشائل” في معالجة سؤال الهوية. 

في “سعيد في بلاط ملك” يلتقي سعيد الفلسطيني المقيم المتعاون مع السلطات الإسرائيلية مع سعيد الفلسطيني اللاجئ الفدائي الذي تسلل للقيام بعملية فدائية، وهنا يثير سعيد المتعاون سؤال الهوية الخاص به. يعرف الفدائي القادم من لبنان لمقاومة الدولة الإسرائيلية نفسه قائلاً:

“فدائي ولاجئ” 

ويسأل سعيدا المتشائل :

“وأنت ؟”

فيرد المتشائل :

“فتحيرت في هويتي كيف أنتسب أمام هذا الجلال المسجى الذي حين يتكلم لا يئن ويتكلم حتى لا يئن. هل أقول له إنني كبش ومقيم؟ أم أقول له دخلت إلى بلاطكم زحفا؟”، وهنا ينظر سعيد المتعاون إلى نفسه على أنه كبش مقيم يخجل من التعريف بنفسه أمام الفدائي الذي شبهه بالملك. هنا يشعر المتعاون بضآلته وصغره ويضيف مصورا مكانته إلى مكانة الفدائي :

“فسترت عورتي بأنين طويل.

فتحامل على نفسه فإذا هو منتصب أمامي بقامته الفارعة حتى رأيته يحني رأسه كي لا تصطدم بالسقف أو كي ينظرإلي”.

لم يكن الفدائي يعرف أن المتشائل متعاون، فحين أخبره الأخير أنه من الناصرة قال له الأول :

أهلنا الشجعان.

ثم سأل: شيوعي بالطبع؟

قلت: بل صديق 

قال: أنعم وأكرم”. 

وأعتقد أن هذه الفقرة تعبر عن شيء عميق يقبع في لاوعي إميل حبيبي الذي حين كان يكتب الأدب كان صادقا تماما مع نفسه، خلافا لكتابته المقال السياسي الذي كان فيه يجنح إلى الواقعية وإلى الممكن.

من الروايات المهمة التي كان يمكن أن يلتفت الدارس إليها أكثر رواية هي عزمي بشارة «حب في منطقة الظل»، وأعتقد أنها من الروايات المهمة التي تعالج سؤال الهوية وتشكلها في روايات فلسطين ١٩٤٨. لقد أهملت هذه الرواية ولم تنل ما تستحقه ربما لأن دارسين كثرا ينظرون إلى بشارة على أنه مفكر وسياسي لا على أنه روائي. إن الجانب اللغوي فيها ليسير جنبا إلى جنب مع التحولات التي ألمت بالمجتمع العربي الباقي الذي يعيش تحت الحكم الإسرائيلي، وفيه يشعر فلسطينيون كثر بالاغتراب والنفي، فإذا كانت اللغة معياراً لتحديد الهوية فإن عمر الذي يعرف غير لغة يجد نفسه كمواطن عربي في ظل الدولة الإسرائيلية يتكلم بالعربية المطعمة باللغة العبرية حيث تتسلل مفردات كثيرة منها، بحكم الواقع المعيشي والاختلاط باليهود، إلى لسانه وقاموسه اللغوي. 

الكتاب الذي يستحق أن ينظر فيه المهتمون بسؤال الهوية وبمعرفة الروايات الفلسطينية في المناطق المحتلة في العام ١٩٤٨ لا يخلو من إشكالات لغوية في المصطلح، وهذا طبعا من آثار الترجمة. 

تبدو بعض فقرات الكتاب ذات تراكيب مزعجة ومربكة للقارئ، وأعتقد أنه يمكن قول ما أراد المؤلف قوله بعبارات وتراكيب أوضح وأسهل. خذ مثلا خاتمة الفصل الثاني. إن ما ورد فيها يحتاج إلى كد ذهن حتى يستوعب، وعدا الغموض الذي غلب على العبارة هناك ترجمات لمفردات لا تبدو مستساغة، وفي العربية كلمات ومصطلحات مستساغة، خلافا للكلمات والمصطلحات غير المستساغة وغير المألوفة، مثل محجم واللامحو وما شابه. ومع أنني اقترحت المصطلحات العربية المستساغة التي نستخدمها في النقد الروائي إلا أنها غابت عن الترجمة التي أنجزها قاص ونظر فيها روائي.

وعلى الرغم من بعض المآخذ الأسلوبية والتحليلية يبقى هذا الكتاب مهماً لدارسي الرواية الفلسطينية في فلسطين ١٩٤٨، ولا ننسى قائمة البيبلوغرافيا التي لا نعثر عليها في كتب سابقة.

إن البيبلوغرافيا تبدو أيضا مهمة لدارسي تطور جنس الرواية في فلسطين ١٩٤٨ وللغة الكتابة لديهم، فالكتاب الذي رصد ٧٥ رواية لاحظ أن هذا الجنس كان قليلا من ١٩٤٨ إلى ١٩٦٧، صدرت ١١ رواية بينها رواية واحدة بالعبرية.

ومن ١٩٦٧ إلى ١٩٨٧ صدرت ١٩ رواية بينها روايتان بالعبرية، ومن ١٩٨٧ إلى ٢٠١٠ صدرت ٤٥

رواية بينها ٥ روايات بالعبرية، والإحصائية السابقة ذات دلالة مهمة جداً.

هل سيتحول قسم من كتاب الداخل إلى الكتابة بالعبرية؟ 

لقد بدأ ذلك كتاب أبرزهم انطون شماس وسيد قشوع، وقبل أن يكتب هذان وقبلهما عطا الله منصور بالعبرية كان الأدباء يكتبون بعربية فصيحة تتخللها بعض مفردات عبرية، ولو نظرنا في كتابات سميح القاسم النثرية وفي روايات إميل حبيبي كلها فلن نعثر إلا على بضع كلمات بالعبرية. إن صدور خمس روايات لأدباء عرب باللغة العبرية لهو مؤشر دال على تحول في هوية الفلسطينيين في الداخل، وإذا ما توقفنا مثلا أمام رواية اللبناني الياس خوري «أولاد الغيتو: اسمي آدم» وقرأنا الحوار في بدايتها بين الياس خوري وبطله آدم، حيث يعرف ابن اللد وهو في أميركا نفسه بأنه إسرائيلي، وتذكرنا بعض معارفنا ممن درسوا في أوروبا وعرفوا أنفسهم بأنهم إسرائيليون أدركنا التحول اللافت بخصوص سؤال الهوية. تقول طالبة الياس سارانغ لي له عن آدم الفلسطيني:

“إن الرجل ليس إسرائيليا، بلى إنه يحمل جوازا إسرائيليا، لكنه فلسطيني، أعتقد أنه من نواحي اللد، لكنه يحب الالتباس، ولا يمانع في أن يعتقد أنه يهودي” وأما موقف الياس منه فهو الآتي: “لم أهتم بطرائف هذا الإسرائيلي الذي يتقن العربية، أو هذا الفلسطيني الملتبس الذي يتكلم العبرية كأبنائها..”. 

وأرى أن الكتابة باللغة العبرية لهو التعبير عن هذا التحول حتى لو لم تظهره الروايات، وإن قرأ المرء في رواية سليم خوري «روح في البوتقة» التي تنتمي إلى المرحلة الثانية ( ١٩٦٧ – ١٩٨٧ ) كتابة مطولة عن علاقة العرب باليهود.

ولعل ما غاب عن ذهن المؤلف هو الالتفات إلى رواية ثيودور هرتسل «أرض قديمة – جديدة » التي ترجمها الإسرائيليون إلى اللغة العربية. إن كثيرا من الروايات التي درسها الدارس تعالج أفكارا كان هرتسل أتى على ما يشبهها في روايته، وتحديدا ما يخص موقف الصهيونية من سكان البلاد العرب وتحديثهم. وكانت الترجمة العربية للرواية أنجزت في ستينات القرن العشرين. 

ومع ما سبق فإن الكتاب جدير بأن يقرأه الدارسون وكتاب الرواية الفلسطينية.

The post منار مخول وكتابه «سيسموغرافيا الهويات» appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
معين بسيسو… نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة https://rommanmag.com/archives/19978 Tue, 25 Feb 2020 11:21:17 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%b9%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d8%b3%d9%8a%d8%b3%d9%88-%d9%86%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%ac-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84/ صدرت الطبعة الأولى من كتاب معين بسيسو “نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة ” في العام ١٩٧٠، وأعيدت طباعة الكتاب عن دار الفارابي ثانية في العام ٢٠١٤. يعد معين بسيسو ثاني كاتب فلسطيني يلتفت إلى أدب العدو، وكان الكاتب الفلسطيني الأول هو غسان كنفاني الذي أصدر في العام ١٩٦٦ كتابه الذي شاع وصار مرجعا “في الأدب […]

The post معين بسيسو… نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

صدرت الطبعة الأولى من كتاب معين بسيسو “نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة ” في العام ١٩٧٠، وأعيدت طباعة الكتاب عن دار الفارابي ثانية في العام ٢٠١٤.

يعد معين بسيسو ثاني كاتب فلسطيني يلتفت إلى أدب العدو، وكان الكاتب الفلسطيني الأول هو غسان كنفاني الذي أصدر في العام ١٩٦٦ كتابه الذي شاع وصار مرجعا “في الأدب الصهيوني” وقد نشر الكتاب من مؤسسة فلسطينية في بيروت يزينها شعار “اعرف عدوك”، ودشن مركز الأبحاث الفلسطيني سلسلة جديدة، كما أعرف، لم تألفها الدراسات العربية التي كانت ترفض أي توغل في جبهة العدو الأدبية أو حتى الإعلامية بشكل عام، فقد كان الاستماع إلى إذاعة العدو الصهيوني محرما على المواطن العربي.

لم يعرف كنفاني أو بسيسو اللغة العبرية، ولكنهما أتقنا اللغة الإنجليزية التي مكنتهما من قراءة أدبيات الآخر؛ الصهيوني والإسرائيلي، وأنا استخدم هذين المصطلحين بوعي تام وبقصد أيضا.

قرأ غسان كنفاني الأدب الصهيوني لا الأدب الإسرائيلي، فكتب عن روايات صهيونية الطابع كتبها يهود ومسيحيون أوربيون أو أميركان انحازوا لإسرائيل وتبنوا الفكر الصهيوني ودافعوا عنه وحرضوا على العرب وأبرزوا لهم صورة بشعة جدا؛ شكلا وسلوكا وطريقة حياة، وأعلى الكتاب من اليهودي الصهيوني ونفخوا فيه وجعلوه الوحيد الذي يمتاز بالجدارة.

لاحظ كنفاني أن الأدب الصهيوني يغلب عليه العنصر الدعائي والتحريضي الذي كتب تأييدا ودعما للمشروع الصهيوني.

ما كتبه كنفاني شاع وانتشر وصار شعارات يرددها قراء وكتاب حين يتحدثون عن الآخر وأدبه، دون أن يلحظوا أن هناك أدبا جديدا يخلق في إسرائيل يختلف عن الأدب الصهيوني والنصوص التي عالجها كنفاني في كتابه. 

ما غاب عن الكتاب العرب الذين شكلوا فكرة عن الأدب الصهيوني من خلال كتاب كنفاني التفت إليه معين بسيسو الذي قرأ نماذج من الأدب الإسرائيلي الذي كتب في دولة إسرائيل لا في الغرب، وهو من لاحظ أن هذا الأدب الجديد غائب عن أنظار العرب، فقام هو بقراءته وتقديم نماذج منه، لافتا النظر إلى أهميته، ولاحظ أن الذي يجب أن نفهمه ونعيه هو “أن الواقع الموضوعي للأدب والفن الإسرائيليين لا يقوم كله على أسس دعائية، ولا يقوم كله للمرة الثانية على أساس السلعة التي تصنع خصوصا للتصدير الخارجي”. 

إن المقدمة التي كتبها المؤلف لكتابه الذي نادرا ما التفت إليه، قياسا إلى الالتفات إلى كتاب كنفاني، مقدمة مهمة جدا، فهي تتناول العديد من الإشارات القيمة.

رأى بسيسو أن الكتاب العرب يجلسون في بيوت بلاستيكية فيما يخص الكتابة عن القضية الفلسطينية، فما أنجز عنها قليل جدا، علما بأن المخيمات الفلسطينية لم تكن مثلا تبعد عن القاهرة كثيرا، فلم يزر الكتاب المصريون الكبار هذه المخيمات ليعيشوا تجربة اللجوء ويعرفوا معاناة سكانها وآلامهم وآمالهم، بخلاف الكتاب الصهيونيين الإسرائيليين الذين عاشوا في الكيبوتسات وخدموا في الجيش وكتبوا نصوصهم عن الإسرائيلي الجديد.

على أن النقطة السابقة ليست هي النقطة الأهم في مقدمة الكتاب. ثمة قضايا أخرى مهمة تمس الأدب الإسرائيلي تكمن في أهميته في بناء الدولة العبرية، الأدب الذي يتكئ على عناصر عديدة.

لا يقلل بسيسو من العوامل السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والدور الغربي في بناء إسرائيل ليرى فقط في الأدب العامل الوحيد الذي عليه بنيت الدولة. إن العوامل المذكورة كان لها الدور الأساس في إنشاء إسرائيل وانتصارها، ولكن هذا ربما ما كان ليحدث لولا بناء المقاتل الإسرائيلي الذي اندفع ليحارب من أجل كيانه وانتصاره. يقول معين في هذا:

“غير أننا نرتكب خطأ فادحا وربما يكون قاتلا لو أسقطنا العنصر الأدبي والفني من معادلة تكوين الرجل الإسرائيلي” فـ “الأدب الإسرائيلي في صلب تكوينه يهدف إلى إعطاء المحارب الإسرائيلي تلك الفرحة الروحية التي يحس بها الإنسان – الذي كان منتميا إلى أرض أو جنسية أو لغة عبر الدهور – ثم أصبح ذلك المنتمي إلى أرض وجنسية ولغة… والأدب الإسرائيلي يتجه أول ما يتجه إلى تقديم أدب وفن لمجتمع إسرائيلي، كان أناسه يرتبطون تاريخيا ونفسيا بآداب وفنون المجتمعات المختلفة التي عاشوا فيها عبر القرون، ولأول مرة يصبح لهم أدب خاص”.

ويتوصل بسيسو بناء على ما سبق إلى أن الأدب الإسرائيلي ليس كله للدعاية وإن كانت الدعاية في صلب تكوينه. واتكاء على رأيه السابق يبدي رأيا آخر جريئا فيما يخص جماليات الأدب الإسرائيلي.

كان المعروف أن الأدب الصهيوني أدب دعائي لا قيمة جمالية وفنية له، ولاحظ معين أن الكتاب والأدباء الإسرائيليين يقدمون لأول مرة قاموسا أدبيا وفنيا خاصا بالإسرائيليين، ويرى أن القراء العرب أو الكتاب العرب الذين يرون فيه أدب دعاية وأدبا عنصريا، وأنه يفرض نفسه على دور النشر الغربية للنفوذ الصهيوني، هم كتاب يقتعدون “الارائك في حجرة من البلاستيك”.

لقد أسهم الكتاب الإسرائيليون في بناء وجدان المواطن الإسرائيلي فيم أخفق الأدباء العرب، باستثناء محاولات كنفاني، في بناء وجدان المواطن الفلسطيني. ويخلص بسيسو إلى الآتي.

“إن العدو الإسرائيلي ليس ذلك الكيس التقليدي المحشو بالرمل الذي اعتدنا تعليقه في خطاف حديدي في حجرنا، وتصويب الحراب إليه.. إنه ذلك العدو الذي يجب أن نعرفه كشرط رئيسي من شروط الانتصار عليه” وعليه يقدم لنا الكاتب قراءته لنماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة.

The post معين بسيسو… نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
محمد الماغوط وشارع الضباب والنقد الأدبي https://rommanmag.com/archives/19920 Wed, 08 Jan 2020 08:45:10 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%ba%d9%88%d8%b7-%d9%88%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af/ وأنا أتابع النقد الأدبي والدراسات الأدبية مما يصدر عن كثير من النقاد والدارسين العرب ألحظ أنهم يعتمدون على مرجعيات أجنبية في الغالب مترجمة، لكي يمهدوا لما سيكتبون، ولا اعتراض على هذه المنهجية، فهي المنهجية السليمة عموماً في الدراسات الأدبية، إذ الأصل أن يكون لدى الناقد والدارس تصور نظري للموضوع الذي يريد أن يخوض فيه، وأعتقد […]

The post محمد الماغوط وشارع الضباب والنقد الأدبي appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
وأنا أتابع النقد الأدبي والدراسات الأدبية مما يصدر عن كثير من النقاد والدارسين العرب ألحظ أنهم يعتمدون على مرجعيات أجنبية في الغالب مترجمة، لكي يمهدوا لما سيكتبون، ولا اعتراض على هذه المنهجية، فهي المنهجية السليمة عموماً في الدراسات الأدبية، إذ الأصل أن يكون لدى الناقد والدارس تصور نظري للموضوع الذي يريد أن يخوض فيه، وأعتقد أن هذا لا يغيب عن ذهن هؤلاء النقاد والدارسين منهجيا، بل إنني وأنا أقرأ رواية أحمد أبو سليم «كوانتوم»، 2018، وهو أستاذ فيزياء؛ فقد درسها في الاتحاد السوفياتي يوم كان قائماً، لاحظت أنه في تمهيده لها يصر على ضرورة الوعي النظري في الأساس، ولاحظت أن ما صدر به روايته ورد في متنها على لسان إحدى الشخصيات. 

وأنا أدرس في الجامعة كنت أصر قبل أن أشرف على رسالة أحد الطلبة أن يدرس معي مساق “موضوع في النقد الأدبي”، وكان تدريسي يقوم على قراءة مواد نظرية صرفة مثل السرد والزمن واللغة الروائية والعتبات والشخصيات، ودائماً كنت أعتمد على أصول أو على دراسات أنجزها متخصصون مثل سعيد يقطين وعبد العالي بوطيب وعبد الملك مرتاض ومحمد يوسف نجم، وكنت أشرح النصوص للطلاب واطلب منهم أن يطبقوها على إحدى الروايات.

اللافت فيما يكتب من نقد أدبي ومن دراسات أنك وأنت تقرأ الاقتباسات ثم التطبيق تجد بوناً شاسعاً أو أنك أصلاً لا تفهم الاقتباسات جيداً، فتبدو لك كما لو أنها حلية وزينة وضرب من التباهي بأن صاحبها أطلع على مصادر ومراجع أجنبية، دون أن يدرك أن الأهم من هذا هو مدى هضمها.

وما تلحظه أيضاً هو أن كثيراً من الاقتباسات لا تتكئ على أصول، وما تخرج منه بعد قراءة الدراسات والأبحاث هو أن أصحابها أرادوا إعطاء مصداقية لأبحاثهم من ناحية، والتباهي بأنهم يعتمدون على منظرين ثقاة لا تشوبهم شائبة.

وحين أنظر في دراساتي ومقالاتي ألحظ، وهو ما لحظه غيري أيضاً، خلوها من التنظير النقدي إلا ما ندر، ولعل ذلك يعود إلى أنني أرى أن الأساس هو استيعاب المادة النظرية ثم تطبيقها على النصوص، فما يهم أكثر القراء هو التطبيق لا النظرية التي تهم قليلين، عدا أن كتب النقد النظري تكتظ بها أرفف المكتبات، وأن أكثرها يكرر بعضه، وأنظر في كتب نقد الرواية؛ المترجمة والمؤلفة، لترى هذا وتتأكد منه. والصحيح أنه راق لي في هذا المجال ما قام به الناقد كمال أبو ديب في كتابه «جدلية الخفاء والتجلي… دراسات بنيوية في نقد الشعر»، إذ إنه لم يمهد لكتابه بمقدمة نظرية عن البنيوية، لا لما ذكرت سابقا، وإنما لأن استيعاب القارئ العربي للبنيوية، نظرياً، يبدو أمراً صعباً، ولذلك قدم نموذجاً تطبيقياً لها، ومع ذلك لم يألف القارئ العربي هذا اللون من النقد.

لقد جاءتني فكرة الكتابة في هذا الجانب من خلال الدراسات التي قرأتها أولاً، ثم من خلال نص أدبي لمحمد الماغوط ورد في كتابه «سأخون وطني» عنوانه “يا شارع الضباب”، وفيه يسخر الكاتب من اليسار العربي بتوجهاته المختلفة؛ الماركسية والماوية والتروتسكيين، بل ومن يساريين فرنسيين آخرين ذاع صيتهم وترجمت كتبهم إلى العربية سخروا من أحزابهم الشيوعية.

في “يا شارع الضباب” يجسد الماغوط الهوة الواسعة بين النظرية والتطبيق، فاليساريون العرب يتكئون على كتب ماو وماركس ولينين وتروتسكي وريجيس دوبريه وآخرين لينجزوا ثورتهم والتغيير المنشود، ولكنهم معزولون عن واقعهم ويعيشون في عالم النظرية ويظلون يكررون عبارات ويدعمون صحة مواقفهم بما ورد في الكتب، لا بناء على معطيات واقعهم.

شخصياً غالباً ما أقرأ النصوص وأفحصها ثم أدرسها، وقد استحضر مقولات نقدية غربية وقد لا استحضر، متكئاً على مقولة لجورج طرابيشي “إن أسوأ أنواع النقاد هم أولئك النقاد الذين يملكون مفتاحاً واحداً لجميع الأقفال”، أي الذين يحفظون عبارات ويريدون أن يخضعوا لها النصوص جميعها. ببساطة يضعون العربة قبل الحصان.

مؤخراً انشغلت بقضية الكاتب والمكان وخضت جدلاً بشأنها، ما أغضب بعض الروائيين الذين سخروا مما أذهب إليه، وهجوني بمقالات في صحف عربية تصدر من العواصم الأوروبية.

وأنا أدرس صورة القدس في الرواية العربية اتبعت المنهج الاستقرائي لألاحظ الفرق بين من كتب عن المدينة وهو ملم بتفاصيلها من خلال الإقامة فيها وكاتب آخر لم ير القدس. ومؤخراً قرأت روايات عديدة؛ اثنتان منها لمهندسة معمارية هي سعاد العامري «مراد» و«دمشقي»، ورواية أحمد أبو سليم «كوانتوم»، وهو فيزيائي، ورواية سليم البيك «تذكرتان إلى صفورية» وبطله دارس الأدب الفرنسي ويعاني من إشكالية الهوية في العالم العربي وأوروبا، ولاحظت بوناً شاسعاً في رواياتهم سببه اختلاف تخصصاتهم وتجاربهم ومناطق إقامتهم. الثلاثة فلسطينيون والكتابة صادرة عن اختلاف اهتماماتهم وتجاربهم أيضاً. تلتفت العامري إلى المكان وهندسته، ويلتفت أبو سليم إلى الفيزياء والنظرية، ويحضر سؤال الهوية في رواية البيك. 

ولسوف أجدني هنا أعود إلى منهج هيوبوليت تين الذي يركز على عناصر أهمها البيئة ومعطيات العصر، وهو جزء من المنهج الوضعي الذي لا يغفل الحياة الشخصية لصاحبه.

هل وجب علي أن آخذ بمقولة رولان بارت “موت المؤلف” لأنها صادرة في القرن العشرين ولا ألتفت لمقولات تين لأنها صادرة في القرن التاسع عشر؟ وهل يجب علي أن أعيد كتابة مقولات بارت وغيره في مقدمة كتابتي ثم أخضع النصوص لها؟ 

كم حفلت الدراسات الأدبية العربية بمقولات غاستون باشلار الذي ترجمه غالب هلسا عن الانجليزية! حقاً كم حفلت دراساتهم بالاقتباس من “جماليات المكان”! وغالباً ما ألحظ عدم استيعابهم للمقولات. والطريف أن الناقد المغربي حسن نجمي الذي اطلع على ترجمة غالب هلسا وقارنها بالأصل الفرنسي لاحظ في كتابه “شعرية الفضاء” أن الترجمة غير دقيقة وأنها بذلك لم تؤد المرجو منها، بل أدت دوراً سلبياً.

إنني مع ذلك ما زلت أفكر في الأمر !!؟

The post محمد الماغوط وشارع الضباب والنقد الأدبي appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
القدس في الرواية العربية بين الداخل والخارج https://rommanmag.com/archives/19877 Tue, 03 Dec 2019 10:05:28 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%af%d8%b3-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d8%ae%d9%84-%d9%88%d8%a7/ سأبدأ هذه المداخلة ببعض دعابات حول الصورة وتشكلها، فلعل ذلك يضيء، بشكل مبسط، الفرق بين الكتابة عن القدس من الداخل والكتابة عنها من الخارج. لما عاد راوي رواية الطيب صالح من لندن سأله أهل قريته عن الإنجليز، فأجابهم بأنهم بشر مثلنا يحبون ويتزوجون ويمرضون. ما قاله الراوي وهو قولٌ صدرَ عن معاشرة الإنجليز يختلف عن […]

The post القدس في الرواية العربية بين الداخل والخارج appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
سأبدأ هذه المداخلة ببعض دعابات حول الصورة وتشكلها، فلعل ذلك يضيء، بشكل مبسط، الفرق بين الكتابة عن القدس من الداخل والكتابة عنها من الخارج.

لما عاد راوي رواية الطيب صالح من لندن سأله أهل قريته عن الإنجليز، فأجابهم بأنهم بشر مثلنا يحبون ويتزوجون ويمرضون. ما قاله الراوي وهو قولٌ صدرَ عن معاشرة الإنجليز يختلف عن الصورة المتخيلة لهم في ذهن سكان القرية.

ولما سافر أحد معارفي إلى ألمانيا لم تستقبله الألمانيات استقبال المرأة الرجل الوحيد على الأرض، فلم يجد أصلاً امرأة في استقباله ليروي ظمأها، وحين تعرف إلى طالبة أدب ألماني أنفق معها وقتاً ولم ينل منها شيئاً، فاستغرب، إذ إن الصورة المتخيلة في ذهنه للمرأة الألمانية والأوروبية مختلفة عما رأى، فقد كان يعتقد أنه ما إن يصل إلى هناك حتى يجد الفتيات يتمايلن عليه.

ثمة اختلاف إذن بين الصورة المتخيلة والصورة الحقيقية، وهذا الاختلاف هو ما لاحظه ثيودور هرتسل منّظر الحركة الصهيونية.

كانت صورة القدس في ذهن هرتسل مستمدة من العهد القديم ومن الأشعار التي كتبها الشعراء اليهود في المنفى عنها، وهي صورة جميلة مشرقة صادرة عن بنية ذهنية متشكلة من قراءات ومن بؤس حياة المنفى ومن علاقتهم بمكان روحي، فلما زار المدينة أصيب بالخيبة، إذ رأى قدساً أخرى. لقد رأى مدينة شوارعها قذرة يكثر فيها المتسولون وينتشر الذباب على الطعام فيها، فتساءل:

– أهذه هي مدينة الآباء والأجداد؟ 

وحلم هرتسل بإعادة بناء المدينة لتضاهي منطقة الريفيرا في فرنسا وأحياء فيينا الراقية. ما يخلص إليه المرء من خلال تصورات القدس في رواية هرتسل هو أن الصورة المتشكلة، عن بعد ومن خلال القراءات، تختلف عن الصورة المتشكلة من المشاهدة والمعايشة والإقامة في المكان لفترة طويلة.

ما سبق يعيدنا إلى دكارت. لقد هجر هذا الكتب والمدرسة وما تعلمه فيها وأراد أن يعتمد على ما يعيشه ويجربه. أراد ببساطة اختبار الأشياء من خلال معاينتها.

في القرن التاسع عشر درس الناقد الفرنسي هيوبولت تين الشعر الإنجليزي معتمداً على ثلاثة عناصر هي المعيش (البيئة) والمشاهد (العصر) والموروث (العرق). إن ما يشاهده المرء وما يعيشه يترك أثراً في نصوصه. 

في العام ١٩٨٢ كتب الفرنسي جان جينيه «أربع ساعات في شاتيلا» عن قرب. كان في بيروت وتسلل صبيحة يوم المجزرة إلى المخيم وكتب، ورأى أن الكتابة من داخل المخيم، عن المحزرة، تختلف اختلافاً كلياً عن الكتابة عنها من باريس اتكاءً على الصورة، فالصورة لا يمكن أن تنقل رائحة الجثث مثلا ً

في الكتابة عن الفرق بين رواية القدس التي تكتب من الداخل وتلك التي تكتب من بعيد -ولكي أقنع كتاباً كباراً- لا بد من استقراء النصوص الروائية وقراءتها قراءة داخلية وملاحظة الاختلافات بينها، فثمة كتاب يصرون على خطأ ما أذهب إليه، وحجتهم أن هناك كتاباً مشهورين؛ عرباً وغير عرب؛ قديماً وحديثاً، كتبوا عن أماكن لم يقيموا فيها ولم يعرفوها إلا من خلال الكتب.

سوف أقرأ أكبر قدر ممكن من الروايات التي أنجزت عن القدس وحصلت عليها، لألاحظ مدى التشابه والاختلاف بينها. إن المنهج الاستقرائي هنا يسعف إلى حد بعيد. وهو ما كان على أية حال. لقد التفت وأنا أقرأ الروايات المتوفرة إلى الآتي: 

– صورة المكان وعنصر الوصف ودقته. 

– اللغة الروائية واللهجات وأهمها اللهجة المقدسية – أعني التعدد اللساني.

– تصور الذات وتصور الآخر؛ اليهودي وغير اليهودي 

فماذا لاحظت؟

لو قارنا بين وصف المكان وحركة الشخصيات فيه، في روايتي عارف الحسيني «كافر سبت» و «حرام نسبي»، وبين وصفه في روايات واسيني الأعرج «سوناتا لأشباح القدس» وعلي بدر «مصابيح أورشليم» وحسن حميد «مدينة الله»، لوجدنا اختلافاً بيناً واضحاً، فعدا عن الدقة في تحديد الأماكن ووصفها هناك حركة الشخصيات فيها.

ولو تتبعنا التعدد اللساني في روايات المقدسيين أبناء القدس مثل عارف الحسيني وعيسى عيسى القواسمي «عازفة الناي» وقارناه بالتعدد اللساني في روايات الأعرج وبدر وحميد للاحظنا أن اللهجة المقدسية تظهر لدى الحسيني ولا نطالعها في روايات الثلاثة المذكورين. مرة استضفت عارف الحسيني في مساق “القدس في الأدب العربي” ليتحدث عن روايتيه وسألته إن كانت هناك لهجة مقدسية خاصة ظهرت في روايته، فأجابني مؤكداً، وضرب لي مثلا ً.

قال لي عارف إن لفظتي “الوشتي” و”شت لي” لفظتان مقدسيتان بامتياز ، ولن تجدهما في روايات غير المقدسيين، وينسحب على اللهجة المقدسية حضور اللغة العبرية التي تجري على لسان الشخصيات دون افتعال، ولا أذكر مثلاً حضور مفردات مقدسية وعبرية فيما كتبه حميد والأعرج. لقد أحصيت في روايتي الحسيني عشرات المفردات العبرية التي كان ورودها عفو الخاطر نتيجة احتكاك الشخصيات المقدسية بالشخصيات اليهودية.

ويبقى حضور شخصية الآخر 

إن روايات المقدسيين تحفل بشخصيات يهودية مختلفة عن تلك الشخصيات التي تظهر في روايات كتاب المنفى، ويمكن النظر في روايات القواسمي وجميل السلحوت وعارف الحسيني وعزام توفيق أبو السعود، ومقارنتها بما ورد في روايات كتاب المنفى. في روايات الأولين نقرأ عن هيلدا الألمانية واشتيفاني البريطانية وهنري الإنجليزي والعلاقات التي نشأت بينهم وبين سكان القدس وكيف نشأت وتطورت وإلى أين انتهت. ثمة علاقات حب وزيارات عائلية وسفر إلى بريطانيا وألمانيا. أما في روايات كتاب المنفى لا نحصل على نماذج مشابهة، وإن عثرنا على شخصية ألمانية لدى الأعرج وشخصية روسية لدى حميد فإن حضورها أقل إقناعا. ويمكن قول الشيء نفسه عن الشخصيات اليهودية، والكتابة تطول.

 

من المداخلة التي أُلقيَت في مؤتمر “القدس في الرواية العربية” الذي عقد في جامعة البترا في الأردن في يومي ١٣ و ١٤ / ١١ / ٢٠١٩.

The post القدس في الرواية العربية بين الداخل والخارج appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>