صدرت الطبعة الأولى من كتاب معين بسيسو “نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة ” في العام ١٩٧٠، وأعيدت طباعة الكتاب عن دار الفارابي ثانية في العام ٢٠١٤.
يعد معين بسيسو ثاني كاتب فلسطيني يلتفت إلى أدب العدو، وكان الكاتب الفلسطيني الأول هو غسان كنفاني الذي أصدر في العام ١٩٦٦ كتابه الذي شاع وصار مرجعا “في الأدب الصهيوني” وقد نشر الكتاب من مؤسسة فلسطينية في بيروت يزينها شعار “اعرف عدوك”، ودشن مركز الأبحاث الفلسطيني سلسلة جديدة، كما أعرف، لم تألفها الدراسات العربية التي كانت ترفض أي توغل في جبهة العدو الأدبية أو حتى الإعلامية بشكل عام، فقد كان الاستماع إلى إذاعة العدو الصهيوني محرما على المواطن العربي.
لم يعرف كنفاني أو بسيسو اللغة العبرية، ولكنهما أتقنا اللغة الإنجليزية التي مكنتهما من قراءة أدبيات الآخر؛ الصهيوني والإسرائيلي، وأنا استخدم هذين المصطلحين بوعي تام وبقصد أيضا.
قرأ غسان كنفاني الأدب الصهيوني لا الأدب الإسرائيلي، فكتب عن روايات صهيونية الطابع كتبها يهود ومسيحيون أوربيون أو أميركان انحازوا لإسرائيل وتبنوا الفكر الصهيوني ودافعوا عنه وحرضوا على العرب وأبرزوا لهم صورة بشعة جدا؛ شكلا وسلوكا وطريقة حياة، وأعلى الكتاب من اليهودي الصهيوني ونفخوا فيه وجعلوه الوحيد الذي يمتاز بالجدارة.
لاحظ كنفاني أن الأدب الصهيوني يغلب عليه العنصر الدعائي والتحريضي الذي كتب تأييدا ودعما للمشروع الصهيوني.
ما كتبه كنفاني شاع وانتشر وصار شعارات يرددها قراء وكتاب حين يتحدثون عن الآخر وأدبه، دون أن يلحظوا أن هناك أدبا جديدا يخلق في إسرائيل يختلف عن الأدب الصهيوني والنصوص التي عالجها كنفاني في كتابه.
ما غاب عن الكتاب العرب الذين شكلوا فكرة عن الأدب الصهيوني من خلال كتاب كنفاني التفت إليه معين بسيسو الذي قرأ نماذج من الأدب الإسرائيلي الذي كتب في دولة إسرائيل لا في الغرب، وهو من لاحظ أن هذا الأدب الجديد غائب عن أنظار العرب، فقام هو بقراءته وتقديم نماذج منه، لافتا النظر إلى أهميته، ولاحظ أن الذي يجب أن نفهمه ونعيه هو “أن الواقع الموضوعي للأدب والفن الإسرائيليين لا يقوم كله على أسس دعائية، ولا يقوم كله للمرة الثانية على أساس السلعة التي تصنع خصوصا للتصدير الخارجي”.
إن المقدمة التي كتبها المؤلف لكتابه الذي نادرا ما التفت إليه، قياسا إلى الالتفات إلى كتاب كنفاني، مقدمة مهمة جدا، فهي تتناول العديد من الإشارات القيمة.
رأى بسيسو أن الكتاب العرب يجلسون في بيوت بلاستيكية فيما يخص الكتابة عن القضية الفلسطينية، فما أنجز عنها قليل جدا، علما بأن المخيمات الفلسطينية لم تكن مثلا تبعد عن القاهرة كثيرا، فلم يزر الكتاب المصريون الكبار هذه المخيمات ليعيشوا تجربة اللجوء ويعرفوا معاناة سكانها وآلامهم وآمالهم، بخلاف الكتاب الصهيونيين الإسرائيليين الذين عاشوا في الكيبوتسات وخدموا في الجيش وكتبوا نصوصهم عن الإسرائيلي الجديد.
على أن النقطة السابقة ليست هي النقطة الأهم في مقدمة الكتاب. ثمة قضايا أخرى مهمة تمس الأدب الإسرائيلي تكمن في أهميته في بناء الدولة العبرية، الأدب الذي يتكئ على عناصر عديدة.
لا يقلل بسيسو من العوامل السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والدور الغربي في بناء إسرائيل ليرى فقط في الأدب العامل الوحيد الذي عليه بنيت الدولة. إن العوامل المذكورة كان لها الدور الأساس في إنشاء إسرائيل وانتصارها، ولكن هذا ربما ما كان ليحدث لولا بناء المقاتل الإسرائيلي الذي اندفع ليحارب من أجل كيانه وانتصاره. يقول معين في هذا:
“غير أننا نرتكب خطأ فادحا وربما يكون قاتلا لو أسقطنا العنصر الأدبي والفني من معادلة تكوين الرجل الإسرائيلي” فـ “الأدب الإسرائيلي في صلب تكوينه يهدف إلى إعطاء المحارب الإسرائيلي تلك الفرحة الروحية التي يحس بها الإنسان – الذي كان منتميا إلى أرض أو جنسية أو لغة عبر الدهور – ثم أصبح ذلك المنتمي إلى أرض وجنسية ولغة… والأدب الإسرائيلي يتجه أول ما يتجه إلى تقديم أدب وفن لمجتمع إسرائيلي، كان أناسه يرتبطون تاريخيا ونفسيا بآداب وفنون المجتمعات المختلفة التي عاشوا فيها عبر القرون، ولأول مرة يصبح لهم أدب خاص”.
ويتوصل بسيسو بناء على ما سبق إلى أن الأدب الإسرائيلي ليس كله للدعاية وإن كانت الدعاية في صلب تكوينه. واتكاء على رأيه السابق يبدي رأيا آخر جريئا فيما يخص جماليات الأدب الإسرائيلي.
كان المعروف أن الأدب الصهيوني أدب دعائي لا قيمة جمالية وفنية له، ولاحظ معين أن الكتاب والأدباء الإسرائيليين يقدمون لأول مرة قاموسا أدبيا وفنيا خاصا بالإسرائيليين، ويرى أن القراء العرب أو الكتاب العرب الذين يرون فيه أدب دعاية وأدبا عنصريا، وأنه يفرض نفسه على دور النشر الغربية للنفوذ الصهيوني، هم كتاب يقتعدون “الارائك في حجرة من البلاستيك”.
لقد أسهم الكتاب الإسرائيليون في بناء وجدان المواطن الإسرائيلي فيم أخفق الأدباء العرب، باستثناء محاولات كنفاني، في بناء وجدان المواطن الفلسطيني. ويخلص بسيسو إلى الآتي.
“إن العدو الإسرائيلي ليس ذلك الكيس التقليدي المحشو بالرمل الذي اعتدنا تعليقه في خطاف حديدي في حجرنا، وتصويب الحراب إليه.. إنه ذلك العدو الذي يجب أن نعرفه كشرط رئيسي من شروط الانتصار عليه” وعليه يقدم لنا الكاتب قراءته لنماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة.