Syrian Eagle, Dino Ahmad ALI, 2014, Print on Polyester, 120 x 120 cm
هذه الكتابة التي نتحدث عنها وجدت ضالتها في المواضيع الجديدة التي أفرزتها الثورة السورية والحرب التي فتحت الأبواب واسعة أمام أقلام جديدة لا ينقصها الحماس الزائد والصراخ الإيديولوجي، لكن بالتأكيد ينقصها الكثير لتصبح كتابة قادرة على مقاومة الزمن والبقاء، كما ينقص كتابها القدرة على السمع، والتمحيص، والقدرة على تقبل النقد، من يجرؤ اليوم على نقد نص لكاتب يقرأ نصوصه في مدن المانية ويتحدث عن الثورة.
لا نستطيع الحديث عن تغيير جوهري في الأدب السوري حتى الآن، رغم أن سوريا القديمة انتهت، وقرار دفنها ينتظر حضور المعزين والقتلة لإكمال تكفين الجثمان والدفن. كل التحولات في الكتابة السورية خلال السنوات السبع الماضية كانت شكلية، رافقها ضجيج كبير يمكن تلخيصه بفتح كل الأبواب أمام كتّاب شباب ومخضرمين من قبل دوائر ثقافية أوربية، قدمت المنح والدعم المطلق لهؤلاء الكتاب الذين وجدوا أنفسهم فجأة تحت أضواء مربكة، وغالباً ما تكون هذه الأضواء مؤقتة ترتبط بزمن الحدث، لكن لا يمكن إقناع كاتب شاب يجول أوربا ويقرأ نصوصه في منتديات ثقافية بأنه لم يصل إلى سدرة منتهى الكتابة، لا يمكن إقناعه بأن نصوصه لا قيمة لها بمعايير الكتابة وحساباتها.
هذه الكتابة التي نتحدث عنها وجدت ضالتها في المواضيع الجديدة التي أفرزتها الثورة السورية والحرب التي فتحت الأبواب واسعة أمام أقلام جديدة لا ينقصها الحماس الزائد والصراخ الإيديولوجي، لكن بالتأكيد ينقصها الكثير لتصبح كتابة قادرة على مقاومة الزمن والبقاء، كما ينقص كتابها القدرة على السمع، والتمحيص، والقدرة على تقبل النقد، من يجرؤ اليوم على نقد نص لكاتب يقرأ نصوصه في مدن المانية ويتحدث عن الثورة.
وإذا راجعنا هذه النصوص التي كتبت خلال السنوات السبع الماضية سنشعر بخيبة أمل حقيقية، أغلبها كررت القصص المرئية والمسموعة في نشرات الأخبار ووسائل الميديا والتواصل الاجتماعي المختلفة، ولم تذهب هذه النصوص إلى العمق الذي يجب أن تذهب إليه الكتابة بعد تجليات كارثة سوريا التي لا مثيل لها في التاريخ.
وإذا بحثنا عن أسباب هذا القحط الإبداعي سنحتاج إلى مئات الصفحات، والكثير من الألم بالمكاشفة، لكن يمكن تعداد بعض الأسباب التي تتلخص باعتبار التراجيديا السورية حدثاً يجب كتابته فوراً لوجود قراء جاهزين لديهم شغف بمعرفة ما يحدث في هذا البلد، والأمر الثاني أغلب الذين كتبوا عن هذه المأساة كانوا بعيدين عنها، إما كتاب غادروا البلاد بوقت مبكر جداً من إندلاع الثورة، أو إنهم أصلاً يقيمون خارج البلاد، ورأوا الحدث السوري عن بعد وتلمسوا تجلياته ومراحله المختلفة التي مر فيها من الثورة إلى الإحتلال الأجنبي للبلاد من قبل عدة جيوش متناحرة ومتنافسة على مستقبل البلاد. هذه المراحل المختلفة والتي كانت خارج كل الحسابات السياسية وغير متوقعة كانت تسبق النصوص المكتوبة، والنصوص التي ستكتب في الوقت الراهن يشعر كتابها بأنهم يجب اللحاق بالحدث وكتابته. في أعماقهم يشعرون بنوع من الاحتكار، إنهم أصحاب القضية ومن حقهم إحتكار الكتابة عنها، هذا الخليط أتحفنا بنصوص ضعيفة، مملة، ركيكة، مدعية، تتعامل مع الحدث بتعالي العارف، ووجهة النظر التي يجب تبنيها، مما حوّل الكتابة إلى عكس أهدافها وجوهرها، نصبت هذه الكتابة نفسها قاضياً لمحاكمة فيها المجرم واضح والضحية واضحة ولا داعي للغوص في العمق السوسيولوجي لما حدث، ولا يحتاج إلى الانتباه إلى جوهر الكتابة المتجلي بقدرتها على الحفر في الحدث الإنساني التراجيدي. والمتأمل لهذه الكتابة سيجد ثلاثة أنواع: النوع الأول يتجلى بكتابة الثورة وهي شرح لما حدث وتكرار للأفكار المتداولة، ومجموعة الأفكار التي يجب أن تقف معها ولا تحاسبها رغم ضعفها التقني والتخييلي، وفي ضفة كتّاب النظام كانت الأشياء أكثر سوءاً إذا جرى تزوير كل شيء حتى البديهيات، وجرى نصب المحاكم أيضاً لمحاسبة الإرهابيين الذين دمروا البلد وجرى تبني صفات أقل ما يقال عنها أنّها قمة في الغباء، كالذي نشاهده في الأفلام السينمائية المنتجة في مؤسسات النظام وإعلامه، والقصائد والروايات التي يكتبها أنصار هذا النظام الذي يقوم حسب كتابتهم بالتصدي لهجمات الوهابيين والخونة القادمين من وراء الحدود، وطبعاً لا بد من توابل فلسطين في هذا الأدب ليصعق قراءه ويقطع شكّهم بيقين الكتّاب العارفين بأحجام المؤامرة، وتغليف الكتابة عنها بصفة القضية المقدسة.
وفي الصنف الثالث يكتب أدب ثقيل الظل، يكتبه كتاب يقفون في المنتصف، تجد في رواياتهم تعاطفاً مع الضحايا دون أن نعرف من الذي قتل وحاصر وعذب وقصف ودمر المدن وأحرق الزرع والعباد، إلى درجة نشعر بأن هناك يد خفية قتلت نصف مليون سوري وشردت الملايين.
هذه الأنواع من الكتابة تجد في ضفتها أنصاراً وقراء، لكنها في النهاية تذكرنا بأدب القضية الفلسطينية الذي مات ولم يعد يسمع به أحد اليوم، أو حتى يشعر بوجوده، وهذا ما سيحصل للكثير من الكتب التي تكتب اليوم، ستموت الروايات والقصائد، والمسرحيات ومئات الأفلام التي أنتجت. وما تبقى أو سيبقى قليل جداً.
لكن قبل خاتمة هذا الرأي السريع لا بد من تسجيل الإيجابيات الكبيرة لمجموعة الشهادات التي قدمها بشر لم يدّعوا أنهم كتاب، لكنهم تحدثوا بصدق وألم عن حياتهم وتجاربهم، وتركوا لنا كتابة عارية من الممكن أن تشكل في المستقبل النصوص الوحيدة التي سنعود إليها دوماً، هذا الإنفجار في الشهادات الذي كتبه المئات من السجناء السياسيين السابقين والحاليين، والشهادات عن الحصار والتعذيب، والعيش اليومي في ظل الحرب وقمع النظام ستبقى رغم أن جهابذة الكتابة لا يصنفونها تحت اسم الكتابة لكنها الوحيدة اليوم التي لا تتعالى على الكتابة والحقيقة.
هذه الكتابة التي نتحدث عنها وجدت ضالتها في المواضيع الجديدة التي أفرزتها الثورة السورية والحرب التي فتحت الأبواب واسعة أمام أقلام جديدة لا ينقصها الحماس الزائد والصراخ الإيديولوجي، لكن بالتأكيد ينقصها الكثير لتصبح كتابة قادرة على مقاومة الزمن والبقاء، كما ينقص كتابها القدرة على السمع، والتمحيص، والقدرة على تقبل النقد، من يجرؤ اليوم على نقد نص لكاتب يقرأ نصوصه في مدن المانية ويتحدث عن الثورة.
وإذا راجعنا هذه النصوص التي كتبت خلال السنوات السبع الماضية سنشعر بخيبة أمل حقيقية، أغلبها كررت القصص المرئية والمسموعة في نشرات الأخبار ووسائل الميديا والتواصل الاجتماعي المختلفة، ولم تذهب هذه النصوص إلى العمق الذي يجب أن تذهب إليه الكتابة بعد تجليات كارثة سوريا التي لا مثيل لها في التاريخ.
وإذا بحثنا عن أسباب هذا القحط الإبداعي سنحتاج إلى مئات الصفحات، والكثير من الألم بالمكاشفة، لكن يمكن تعداد بعض الأسباب التي تتلخص باعتبار التراجيديا السورية حدثاً يجب كتابته فوراً لوجود قراء جاهزين لديهم شغف بمعرفة ما يحدث في هذا البلد، والأمر الثاني أغلب الذين كتبوا عن هذه المأساة كانوا بعيدين عنها، إما كتاب غادروا البلاد بوقت مبكر جداً من إندلاع الثورة، أو إنهم أصلاً يقيمون خارج البلاد، ورأوا الحدث السوري عن بعد وتلمسوا تجلياته ومراحله المختلفة التي مر فيها من الثورة إلى الإحتلال الأجنبي للبلاد من قبل عدة جيوش متناحرة ومتنافسة على مستقبل البلاد. هذه المراحل المختلفة والتي كانت خارج كل الحسابات السياسية وغير متوقعة كانت تسبق النصوص المكتوبة، والنصوص التي ستكتب في الوقت الراهن يشعر كتابها بأنهم يجب اللحاق بالحدث وكتابته. في أعماقهم يشعرون بنوع من الاحتكار، إنهم أصحاب القضية ومن حقهم إحتكار الكتابة عنها، هذا الخليط أتحفنا بنصوص ضعيفة، مملة، ركيكة، مدعية، تتعامل مع الحدث بتعالي العارف، ووجهة النظر التي يجب تبنيها، مما حوّل الكتابة إلى عكس أهدافها وجوهرها، نصبت هذه الكتابة نفسها قاضياً لمحاكمة فيها المجرم واضح والضحية واضحة ولا داعي للغوص في العمق السوسيولوجي لما حدث، ولا يحتاج إلى الانتباه إلى جوهر الكتابة المتجلي بقدرتها على الحفر في الحدث الإنساني التراجيدي. والمتأمل لهذه الكتابة سيجد ثلاثة أنواع: النوع الأول يتجلى بكتابة الثورة وهي شرح لما حدث وتكرار للأفكار المتداولة، ومجموعة الأفكار التي يجب أن تقف معها ولا تحاسبها رغم ضعفها التقني والتخييلي، وفي ضفة كتّاب النظام كانت الأشياء أكثر سوءاً إذا جرى تزوير كل شيء حتى البديهيات، وجرى نصب المحاكم أيضاً لمحاسبة الإرهابيين الذين دمروا البلد وجرى تبني صفات أقل ما يقال عنها أنّها قمة في الغباء، كالذي نشاهده في الأفلام السينمائية المنتجة في مؤسسات النظام وإعلامه، والقصائد والروايات التي يكتبها أنصار هذا النظام الذي يقوم حسب كتابتهم بالتصدي لهجمات الوهابيين والخونة القادمين من وراء الحدود، وطبعاً لا بد من توابل فلسطين في هذا الأدب ليصعق قراءه ويقطع شكّهم بيقين الكتّاب العارفين بأحجام المؤامرة، وتغليف الكتابة عنها بصفة القضية المقدسة.
وفي الصنف الثالث يكتب أدب ثقيل الظل، يكتبه كتاب يقفون في المنتصف، تجد في رواياتهم تعاطفاً مع الضحايا دون أن نعرف من الذي قتل وحاصر وعذب وقصف ودمر المدن وأحرق الزرع والعباد، إلى درجة نشعر بأن هناك يد خفية قتلت نصف مليون سوري وشردت الملايين.
هذه الأنواع من الكتابة تجد في ضفتها أنصاراً وقراء، لكنها في النهاية تذكرنا بأدب القضية الفلسطينية الذي مات ولم يعد يسمع به أحد اليوم، أو حتى يشعر بوجوده، وهذا ما سيحصل للكثير من الكتب التي تكتب اليوم، ستموت الروايات والقصائد، والمسرحيات ومئات الأفلام التي أنتجت. وما تبقى أو سيبقى قليل جداً.
لكن قبل خاتمة هذا الرأي السريع لا بد من تسجيل الإيجابيات الكبيرة لمجموعة الشهادات التي قدمها بشر لم يدّعوا أنهم كتاب، لكنهم تحدثوا بصدق وألم عن حياتهم وتجاربهم، وتركوا لنا كتابة عارية من الممكن أن تشكل في المستقبل النصوص الوحيدة التي سنعود إليها دوماً، هذا الإنفجار في الشهادات الذي كتبه المئات من السجناء السياسيين السابقين والحاليين، والشهادات عن الحصار والتعذيب، والعيش اليومي في ظل الحرب وقمع النظام ستبقى رغم أن جهابذة الكتابة لا يصنفونها تحت اسم الكتابة لكنها الوحيدة اليوم التي لا تتعالى على الكتابة والحقيقة.