Sliman Mansour, Girl in the Village, 1982, Oil on canvas, 71x82.5cm, Courtesy of the Artist and Gallery One
نجاحات الحركة الصهيونية في استعمار "اليهودية" و"اليهود" تواصلت وتتواصل ليومنا هذا في محاولاتها الحثيثة لتحفيز الخوف من العالم العربي والإسلامي وذلك كميكانزيم فاعل وفعّال في التفاف جمهور يهودي حول برنامجها، برنامج بناء "الدولة اليهودية القومية "، أي بناء الـ“دولة/الأمة“ اليهودية ومن هنا يأتي الإصرار الإسرائيلي الراهن على مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل.
تُجزِمُ "إيلا حبيبة شوحات" Ella Habiba Shohat بِحزم بكولونيالية "الخطاب الصهيوني" وبجذوره الاستشراقية والتي لم تنظر إلى الفلسطيني فقط من زاوية الرؤية المركزية/الأوروبية وإنما إلى اليهودي العربي المدعو للتخلص من عروبته لكي يتوافق ونموذجها الكولونيالي/الأوروبي للرجل العنصري الأبيض، "المُتَحَضِر" و"المُحَوِل لصحراء فلسطين القاحلة لجنات عدن“.
هكذا، تقترحُ هذه الكاتبة والأستاذة الجامعية أن يُنظر إلى الحركة الصهيونية من خلال السردية الفلسطينية واليهودية العربية معاً، فشعارٍ من شعارات الحركة الصهيونية لـِ "غزو الأرض الفلسطينية" رافقه شعار" العمل اليهودي" حصراً ولم يكن من الممكن تطبيق هذا الشعار إلا بتوفرِ هذا اليهودي العربي المدعو للحلول محلِ عربي آخر: الفلسطيني. وهذا الفلسطيني العربي المطرود من أرضه ضمن سياسة "الاستعمار الإحلالي" استُبدِلَ باليهودي العربي المعمولِ على تجريده من عروبته بل وكره أصوله وثقافته العربية الأصيلة وذلك عِبرَ إشعاره بدونيته أمام السيد الأبيض الأشكنازي: الصهيوني النموذجي.
الكولونيالية/البيضاء/الأوروبية/الأشكنازية هذه، ووفقاً لـِ "إيلا شوحات"، وظَفتْ استراتيجيات مُحكمة لوضع اليهودي العربي أمام خيارين: أن تكون يهودياً بحق، يستلزمُ أن تكون صهيونياً متماثلاً مع النموذج الأشكنازي ومُتبنياً لاشتراطاته ونماذجه اللغوية والثقافية، إذ أن الحرص على الإرث الثقافي العربي يتعارضُ واليهودية الحقة التي لا يمكن أن تكون سوى اليهودية بنسختها الصهيونية الكولونيالية الغربية.
وهكذا، سطوُ الحركة الصهيونية على أرض فلسطين صاحبه سطوٌ آخر: السطو على أتباع الديانة اليهودية مُحَوِلاً للدين اليهودي إلى أسطورة قومية لدعم المشروع الصهيوني بقيام "دولة ـ أمة" يهودية نقيّة "العرق" على "أرض الميعاد السماوي" ودامِجةً بذلك للمعاني الرمزية للخطاب الديني اليهودي بِجغرافيا "قومية" مُتَخَيَلة ومُستَنسِخة للنموذج القومي الأوروبي المُتماهية مع جوهره الكولونيالي والعنصري.
يفضحُ "شلومو ساند" Shlomo Sand وبقوة مقولات "الأمة" اليهودية إذ ليس هناك سوى الدين اليهودي اللاقومي لأتباعٍ متعددي القوميات والثقافات والمشارب رغم المحاولات المستميتة من قِبَلِ الحركة الصهيونية لتقديمه كـ ”دين قومي" وكركيزة من ركائز بناء الدولة/الأمة اليهودية.
بهذا، يمكن اعتبار "شلومو ساند" وريثاً أميناً للمفكرة اليهودية الالمانية، "حنة أرندت" Hannah Arendt والتي وإن استهوتها الطروحات الصهيونية في بدايات شبابها، فإنها سرعان ما اكتشفت الطابع العنصري الذي يُميزُها بوضوح. هذه الفيلسوفة الألمانية، تلميذة الفيلسوف الألماني الكبير "هايدجر"، والمتحدرة من عائلة يهودية علمانية لم تنتقد الدولة/الأمة الأوروبية فقط بل انتقدت أيضاً بشدة فكرة قيام "دولة يهودية" في فلسطين مُعتبرةً لها كمصدر للصراعات والحروب المتواصلة بما هي في الجوهر دولةٌ "عنصرية" لقيامها باستبعاد عرب فلسطين بل وطردهم من ديارهم.
"حنة أرندت" الفيلسوفة الناضجة تحدثت علانية عن تواطؤ بعض زعامات التجمع الألماني اليهودي مع السلطات النازية، وعن رفضها لهذه "الدولة القومية اليهودية" والتي ستكرر مآسي الماضي الأوروبي وسترتكب مجازر جديدة على شاكلة ما ارتكبته ”الدولة/الأمة" الأوروبية من مجازر في المستعمرات وفِي حروبها الداخلية والتي أسفرت عن حربين عالميتين تدميريتين. وهكذا، كان رفضها للصهيونية معتمداً على تحليل فلسفي عميق لكشف العلاقة العضوية ما بين الطرح الصهيوني والطرح المعادي للسامية فكلاهما يتقاسمان نفس المقدمات العنصرية.
وهكذا، يمكن القول بأن هناك صوتاً يهودياً رافضاً للهيمنة الصهيونية ولإرهابها الثقافي في الحاضر كما في الماضي وهذا الصوت المتمايز في طرحه هو دعامة من دعامات الطرح الفلسطيني العلماني الديموقراطي الراهن، طرحاً مدعواً لإنتاج نظرية سياسية متكاملة في "الدولة الفلسطينية العلمانية الديموقراطية“.
هذه الدولة المرجُوّة هي دولة المواطنة في فلسطين والتي لا بدّ وأن تكون في المحصلة الأخيرة "دولة فلسطين العلمانية الديموقراطية" مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية بروز تحفظاتٍ ومخاوف من قِبَلِ الطرف اليهودي الذي قد تنتابه مشاعر التطابق ما بين تعريف الدولة كَـ"دولة فلسطين" وهذه الدولة كَـ ”دولة/أمة“ الفلسطينية/العربية، دولةً تستبعِدُ المكون اليهودي المُتأسرِل وتحديداً جيلُ الصابرا: وريث الأيديولوجية الصهيونية الأشكنازية.
هنا، لا يمكننا إلا الإقرار باحتمالِ بروزِ "دولة فلسطين" وإن كانت علمانية وديموقراطية كـ «دولة/أمة“ فلسطينية حصرية (كما نقول مثلاً "دولة فرنسا" كَـ ”دولة/أمة" فرنسية) وذلكَ في وعيٍ يهودي عَمِلت على صنعه آلة حرب أيديولوجية صهيونية منذ عقود مديدة. وبمواجهة هذه المخاطر الفعلية سنكون بمواجهة مراحل نضالٍ قاسية وقد تكون طويلة لنزعِ "الوعي الزائف" الذي استعمرت الحركة الصهيونية من خلاله جملة الوعي اليهودي لبناء دولة الأبارتهايد الحالية.
في هذا السياق المعقد، هناك ضرورة فعلية للإنتاج النظري المُعَمَق وبغزارة لمعالجةٍ تدخُلُ في أدق التفاصيل وأكثرها حساسيةً بخصوص العديدِ من الجوانب الإشكالية لهذا الطرح التقدمي. وهذا من شأنه أن يُفَوّت الفرصة على الحركة الصهيونية لاستغلال تلك الشحنات الدلالية للمفهوم "الغربي" الحصري للدولة كَـ ”دولة/أمة" لكي تُطيل أمد هيمنتها الأيديولوجية على التجمع اليهودي في فلسطين ولكي تُقاوِم الصبغة الإنسانية والتقدمية للطرح العلماني الديمقراطي ضد نزعاتها العنصرية.
نجاحات الحركة الصهيونية في استعمار "اليهودية" و"اليهود" تواصلت وتتواصل ليومنا هذا في محاولاتها الحثيثة لتحفيز الخوف من العالم العربي والإسلامي وذلك كميكانزيم فاعل وفعّال في التفاف جمهور يهودي حول برنامجها، برنامج بناء "الدولة اليهودية القومية "، أي بناء الـ“دولة/الأمة“ اليهودية ومن هنا يأتي الإصرار الإسرائيلي الراهن على مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل.
بمواجهة هذه الخرافة القومية للصهيونية ولروايتها التوراتية، لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار آثار تلك التربية الشوفينية الصهيونية لأجيالٍ من اليهود في فلسطين وإمكانية استغلال هذه التربية في معركة الصهيونية للحفاظ على كيانها الكولونيالي. وبالتالي، وبمواجهة هذه الحقائق العنيدة، قد يكون الشعار النضالي "من أجلِ فلسطين دولة علمانية ديمقراطية واحدة " ذا فعاليةٍ لإحداث اختراقٍ ما في أسوار الأطروحات العنصرية والكولونيالية الصهيونية والتي هيمنت على الوعي اليهودي الحالي.
شعارُ "فلسطين دولة علمانية ديموقراطية" هو شعار سياسي عامل على استحداثِ أدواتٍ سياسية للوصول إلى الشارع اليهودي/الإسرائيلي وذلك لنزع مخاوف وتوهماتٍ عميقة لدى أولئك ممن زرعت الأيديولوجية الصهيونية جذورها في طبقات الوعي واللاوعي لديهم.
بالطبع، غني عن القول هنا بأن مهمة اختراق حواجز وأسوار الأيديولوجية الصهيونية هي مهمة تلك الطلائع اليهودية اللاصهيونية وإن كان من الضروري أن يكون الخطاب الفلسطيني بدوره سنداً لهذه الطلائع عبرَ تبنيه لمبادئ العلمانية والديموقراطية في دولة مابعد-قومية بكل وضوح وشفافية.
ولكن، لن تكون الصهيونية هي حجر العثرة الوحيد (وإن كانت أهمُها) أمام حركة النضال من أجل دولة علمانية ديمقراطية واحدة في فلسطين بل سوف تبرزُ رزمةً من الإشكالات العميقة أمام هذا الخطاب السياسي العلماني الديموقراطي المابعد-قومي في الجانب الفلسطيني أيضاً.
بمواجهة هذه المصاعب، لا بُدّ من شحذِ أدوات النضال الفكري الفلسطيني والعربي لتقديم إجاباتٍ عادلة وصائبة أخلاقياً، إنسانياً ووطنياً فلسطينياً وذلك لكي يكتسبُ الخطاب العلماني/الديموقراطي الفلسطيني كل مصداقيته وقدرته بالتالي على تشكيلِ رافعة سياسية نحو الهدف الأسمى للنضال الوطني الفلسطيني في الحرية والعودة.
هكذا، تقترحُ هذه الكاتبة والأستاذة الجامعية أن يُنظر إلى الحركة الصهيونية من خلال السردية الفلسطينية واليهودية العربية معاً، فشعارٍ من شعارات الحركة الصهيونية لـِ "غزو الأرض الفلسطينية" رافقه شعار" العمل اليهودي" حصراً ولم يكن من الممكن تطبيق هذا الشعار إلا بتوفرِ هذا اليهودي العربي المدعو للحلول محلِ عربي آخر: الفلسطيني. وهذا الفلسطيني العربي المطرود من أرضه ضمن سياسة "الاستعمار الإحلالي" استُبدِلَ باليهودي العربي المعمولِ على تجريده من عروبته بل وكره أصوله وثقافته العربية الأصيلة وذلك عِبرَ إشعاره بدونيته أمام السيد الأبيض الأشكنازي: الصهيوني النموذجي.
الكولونيالية/البيضاء/الأوروبية/الأشكنازية هذه، ووفقاً لـِ "إيلا شوحات"، وظَفتْ استراتيجيات مُحكمة لوضع اليهودي العربي أمام خيارين: أن تكون يهودياً بحق، يستلزمُ أن تكون صهيونياً متماثلاً مع النموذج الأشكنازي ومُتبنياً لاشتراطاته ونماذجه اللغوية والثقافية، إذ أن الحرص على الإرث الثقافي العربي يتعارضُ واليهودية الحقة التي لا يمكن أن تكون سوى اليهودية بنسختها الصهيونية الكولونيالية الغربية.
وهكذا، سطوُ الحركة الصهيونية على أرض فلسطين صاحبه سطوٌ آخر: السطو على أتباع الديانة اليهودية مُحَوِلاً للدين اليهودي إلى أسطورة قومية لدعم المشروع الصهيوني بقيام "دولة ـ أمة" يهودية نقيّة "العرق" على "أرض الميعاد السماوي" ودامِجةً بذلك للمعاني الرمزية للخطاب الديني اليهودي بِجغرافيا "قومية" مُتَخَيَلة ومُستَنسِخة للنموذج القومي الأوروبي المُتماهية مع جوهره الكولونيالي والعنصري.
يفضحُ "شلومو ساند" Shlomo Sand وبقوة مقولات "الأمة" اليهودية إذ ليس هناك سوى الدين اليهودي اللاقومي لأتباعٍ متعددي القوميات والثقافات والمشارب رغم المحاولات المستميتة من قِبَلِ الحركة الصهيونية لتقديمه كـ ”دين قومي" وكركيزة من ركائز بناء الدولة/الأمة اليهودية.
بهذا، يمكن اعتبار "شلومو ساند" وريثاً أميناً للمفكرة اليهودية الالمانية، "حنة أرندت" Hannah Arendt والتي وإن استهوتها الطروحات الصهيونية في بدايات شبابها، فإنها سرعان ما اكتشفت الطابع العنصري الذي يُميزُها بوضوح. هذه الفيلسوفة الألمانية، تلميذة الفيلسوف الألماني الكبير "هايدجر"، والمتحدرة من عائلة يهودية علمانية لم تنتقد الدولة/الأمة الأوروبية فقط بل انتقدت أيضاً بشدة فكرة قيام "دولة يهودية" في فلسطين مُعتبرةً لها كمصدر للصراعات والحروب المتواصلة بما هي في الجوهر دولةٌ "عنصرية" لقيامها باستبعاد عرب فلسطين بل وطردهم من ديارهم.
"حنة أرندت" الفيلسوفة الناضجة تحدثت علانية عن تواطؤ بعض زعامات التجمع الألماني اليهودي مع السلطات النازية، وعن رفضها لهذه "الدولة القومية اليهودية" والتي ستكرر مآسي الماضي الأوروبي وسترتكب مجازر جديدة على شاكلة ما ارتكبته ”الدولة/الأمة" الأوروبية من مجازر في المستعمرات وفِي حروبها الداخلية والتي أسفرت عن حربين عالميتين تدميريتين. وهكذا، كان رفضها للصهيونية معتمداً على تحليل فلسفي عميق لكشف العلاقة العضوية ما بين الطرح الصهيوني والطرح المعادي للسامية فكلاهما يتقاسمان نفس المقدمات العنصرية.
وهكذا، يمكن القول بأن هناك صوتاً يهودياً رافضاً للهيمنة الصهيونية ولإرهابها الثقافي في الحاضر كما في الماضي وهذا الصوت المتمايز في طرحه هو دعامة من دعامات الطرح الفلسطيني العلماني الديموقراطي الراهن، طرحاً مدعواً لإنتاج نظرية سياسية متكاملة في "الدولة الفلسطينية العلمانية الديموقراطية“.
هذه الدولة المرجُوّة هي دولة المواطنة في فلسطين والتي لا بدّ وأن تكون في المحصلة الأخيرة "دولة فلسطين العلمانية الديموقراطية" مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية بروز تحفظاتٍ ومخاوف من قِبَلِ الطرف اليهودي الذي قد تنتابه مشاعر التطابق ما بين تعريف الدولة كَـ"دولة فلسطين" وهذه الدولة كَـ ”دولة/أمة“ الفلسطينية/العربية، دولةً تستبعِدُ المكون اليهودي المُتأسرِل وتحديداً جيلُ الصابرا: وريث الأيديولوجية الصهيونية الأشكنازية.
هنا، لا يمكننا إلا الإقرار باحتمالِ بروزِ "دولة فلسطين" وإن كانت علمانية وديموقراطية كـ «دولة/أمة“ فلسطينية حصرية (كما نقول مثلاً "دولة فرنسا" كَـ ”دولة/أمة" فرنسية) وذلكَ في وعيٍ يهودي عَمِلت على صنعه آلة حرب أيديولوجية صهيونية منذ عقود مديدة. وبمواجهة هذه المخاطر الفعلية سنكون بمواجهة مراحل نضالٍ قاسية وقد تكون طويلة لنزعِ "الوعي الزائف" الذي استعمرت الحركة الصهيونية من خلاله جملة الوعي اليهودي لبناء دولة الأبارتهايد الحالية.
في هذا السياق المعقد، هناك ضرورة فعلية للإنتاج النظري المُعَمَق وبغزارة لمعالجةٍ تدخُلُ في أدق التفاصيل وأكثرها حساسيةً بخصوص العديدِ من الجوانب الإشكالية لهذا الطرح التقدمي. وهذا من شأنه أن يُفَوّت الفرصة على الحركة الصهيونية لاستغلال تلك الشحنات الدلالية للمفهوم "الغربي" الحصري للدولة كَـ ”دولة/أمة" لكي تُطيل أمد هيمنتها الأيديولوجية على التجمع اليهودي في فلسطين ولكي تُقاوِم الصبغة الإنسانية والتقدمية للطرح العلماني الديمقراطي ضد نزعاتها العنصرية.
نجاحات الحركة الصهيونية في استعمار "اليهودية" و"اليهود" تواصلت وتتواصل ليومنا هذا في محاولاتها الحثيثة لتحفيز الخوف من العالم العربي والإسلامي وذلك كميكانزيم فاعل وفعّال في التفاف جمهور يهودي حول برنامجها، برنامج بناء "الدولة اليهودية القومية "، أي بناء الـ“دولة/الأمة“ اليهودية ومن هنا يأتي الإصرار الإسرائيلي الراهن على مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل.
بمواجهة هذه الخرافة القومية للصهيونية ولروايتها التوراتية، لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار آثار تلك التربية الشوفينية الصهيونية لأجيالٍ من اليهود في فلسطين وإمكانية استغلال هذه التربية في معركة الصهيونية للحفاظ على كيانها الكولونيالي. وبالتالي، وبمواجهة هذه الحقائق العنيدة، قد يكون الشعار النضالي "من أجلِ فلسطين دولة علمانية ديمقراطية واحدة " ذا فعاليةٍ لإحداث اختراقٍ ما في أسوار الأطروحات العنصرية والكولونيالية الصهيونية والتي هيمنت على الوعي اليهودي الحالي.
شعارُ "فلسطين دولة علمانية ديموقراطية" هو شعار سياسي عامل على استحداثِ أدواتٍ سياسية للوصول إلى الشارع اليهودي/الإسرائيلي وذلك لنزع مخاوف وتوهماتٍ عميقة لدى أولئك ممن زرعت الأيديولوجية الصهيونية جذورها في طبقات الوعي واللاوعي لديهم.
بالطبع، غني عن القول هنا بأن مهمة اختراق حواجز وأسوار الأيديولوجية الصهيونية هي مهمة تلك الطلائع اليهودية اللاصهيونية وإن كان من الضروري أن يكون الخطاب الفلسطيني بدوره سنداً لهذه الطلائع عبرَ تبنيه لمبادئ العلمانية والديموقراطية في دولة مابعد-قومية بكل وضوح وشفافية.
ولكن، لن تكون الصهيونية هي حجر العثرة الوحيد (وإن كانت أهمُها) أمام حركة النضال من أجل دولة علمانية ديمقراطية واحدة في فلسطين بل سوف تبرزُ رزمةً من الإشكالات العميقة أمام هذا الخطاب السياسي العلماني الديموقراطي المابعد-قومي في الجانب الفلسطيني أيضاً.
بمواجهة هذه المصاعب، لا بُدّ من شحذِ أدوات النضال الفكري الفلسطيني والعربي لتقديم إجاباتٍ عادلة وصائبة أخلاقياً، إنسانياً ووطنياً فلسطينياً وذلك لكي يكتسبُ الخطاب العلماني/الديموقراطي الفلسطيني كل مصداقيته وقدرته بالتالي على تشكيلِ رافعة سياسية نحو الهدف الأسمى للنضال الوطني الفلسطيني في الحرية والعودة.