صناعة السينما في وقت الحروب والثورات ليست نوعاً من الرفاه، إنها نوع من النحت في الصخر، وحاجة ماسة للتوثيق، كيف برأيك بدأ الفلسطينيون والمنظمات الفلسطينية يدركون أهمية فن السينما في خدمة ثورتهم؟ وماذا قدمت السينما للثورة وللقضية؟
كنت أحد صناع الأفلام "غير الفلسطيني" الذي التحق بالثورة الفلسطينية وصنع أفلاماً عن الفلسطينيين وثورتهم، فقد كانت سنوات السبعينيات حافلة بصناع السينما العرب وغير العرب، الذين ذهبوا إلى لبنان لصناعة أفلام عن الفلسطينيين والثورة ولبنان والحرب، هل يمكنك الحديث عن بدايات تلك المرحلة؟ أقصد زياراتك الأولى إلى لبنان، هل ذهبت إلى لبنان لصناعة أفلام أم قررت صناعة الأفلام حين زرت لبنان؟
لم التحق بالثورة الفلسطينية. بداية عملت أفلامي عن فلسطين أولاً في سوريا في التلفزيون السوري، وفي مؤسسة السينما في دمشق، وأول مرة زرت لبنان، لها علاقة بالسينما الفلسطينية، كانت للمشاركة في ندوة نظمها هاني حوراني في السبعينيات في مركز الأبحاث في بيروت، مع غيري من السينمائيين.
بعد أن حصلت متغيرات في المؤسسة اتيحت لي الفرصة لإخراج فيلم " نداء الأرض"، من إنتاج التلفزيون العربي السوري عام 1976 الذي حاز على جوائز ثلاثة في مهرجان فلسطين في بغداد في العام نفسه، وعرض في التلفزيون السوري مساءً وشاهده عبد الله الحوراني مدير عام دائرة الثقافة والإعلام في بيروت وفرعها بدمشق واتصل بيّ ومن حينها بدأت علاقتي كسينمائي تتطور تدريجيا بدائرة الثقافة والإعلام.
إذاً كيف بدأت العلاقة سينمائياً بينك وبين فلسطين؟
كانت البداية أثناء عملي، حيث عملت في المؤسسة العامة للسينما، مساهمتي الفنية في المونتاج في فيلم "أكليل الشوك" لنبيل المالح، غير أني بعد أن توقفت عن العمل في المؤسسة بعد شهر، أتيحت لي الفرصة لاحقاً في التلفزيون العربي السوري لإخراج الفيلم التسجيلي"بعيداً عن الوطن" الذي أصبح عنوانه عنواناً لحياتي، بعيداً عن وطني العراق، وبعد فترة طويلة صعبة، عدت للعمل في المؤسسة كمشرف على قسم المونتاج، وأنجزت أول فيلم روائي تجريبي قصير هو "الزيارة" كما ساهمت أيضاً بالسيناريو والتصوير والمونتاج في ثلاثية "رجال تحت الشمس" وهي ثلاثية وضعت البداية لنوعية جديدة من الأفلام السينمائية السورية ونال في قرطاج الجائزة الفضية.
وُصف فيلم "بعيداً عن الوطن"، 1969، الذي يعتبر من أوائل أفلامك عن فلسطين، بأنه فيلمٌ بلغة سينمائية تعامل مع مفهوم الزمن واللقطة والتتابع الزمني بشكل جديد وغير مسبوق، لماذا فكرت بصناعة أفلام عن الفلسطينيين؟ هل كانت هذه المحاولة الأولى وتم إنتاجها أم أن هنالك محاولات سابقة لم تتم؟ وبأي ظروف أنتج الفيلم؟
وجدت من المهم أن أبتعد، وأنا أعمل في مؤسسة قطاع عام، عن إخراج أفلام دعائية لأن انتمائي يعود إلى جيل من سينمائيي السبعينيات، الذين درسوا السينما في أوروبا وفق منهج أكاديمي وتعرفوا على تاريخ السينما وتأثروا بتياراتها الفنية المختلفة واعتقدوا أن بوسعهم لعب دور مهم في تجديد السينما العربية وجعلها كظاهرة فنية موازية للسينما التي برزت في أوروبا الشرقية أو في بعض بلدان العالم الثالث أو في كوبا. وحينما بدأت أعمل في السينما التسجيلية العربية وجدت أنها تفتقد لمقومات المنهج التسجيلي، وخضنا أنا وبعض السينمائيين العرب معركة متنوعة الأشكال في محاولة لخلق تقاليد تنتسب حقاً إلى تقاليد السينما التسجيلية العريقة في العالم.
وانطلاقا من خبرتي في الفيلم التسجيلي أردت أن أصل بالموضوع الفلسطيني إلى محافل دولية ومهرجانات. وبدأت بموضوع عن الطفل الفلسطيني في "بعيدا عن الوطن". وكما اعتقدت فأن اللجوء إلى الطفل الفلسطيني كمادة في معالجة سينمائية هو محاولة الاقتراب من المأساة الكبيرة عبر رصدها فيما هو يومي. بمعنى إن هدفي كان التعبير عن المأساة في رصد اليومي في حياة طفل المخيم، والأصح طفل الخيمة، لأن وضع الخيمة مؤقت بينما وضع المخيم هو دائم. أما في شهادة الأطفال، فحاولت التعبير عن موهبة الطفل الفلسطيني، الذي هو طفل يشبه كل أطفال العالم، لكن الخيمة والحرب لا تقتل موهبته فقط، إنما تقتل طفولته نفسها. أما بالنسبة إلى استخدام الطفل كحامل مباشر لدلالة فهو أمر صحيح.
ويمكن القول إن هناك تجربة مميزة في فيلمي الأول "بعيدا عن الوطن"، فقد أخذت الأطفال بعد التصوير إلى استوديو الصوت، عرضت عليهم ما صورته من مواد أولية "رشز" في المخيم، فراحوا يتصايحون فرحاً وشجاراً، أخذت الصوت وركبته على الفيلم، وجرت محاولتي هذه لأنه حينئذ لم توجد تقنية تصوير صوت وصورة متزامن لهذا تم ابتكار علاقة جديدة في استعمال الصوت وربما حصل الفيلم على الجائزة بسببها (الجائزة الفضية في مهرجان لايبزغ).
في فيلم "الزيارة" كفيلم روائي شاعري قصير مستوحى من ديوان شعر المقاومة، تشكلت صيغته الشعرية من عناصر فنية تنتمي إلى الرسم والشعر والموسيقى الشرقية والغربية والفوتوغراف والبانتوميم في شكل يجمع في وحدة فنية كل تلك العناصر، وهنا سيأتي أيضاً، دور المونتاج الذي يجعل من ما هو منفصل متصل السياق ومن ما هو متجزئ مستمر السياق...
أما في فيلم "شهادة الأطفال الفلسطينيين في زمن الحرب" فإن الأطفال في مخيم البقعة في عمان يحلمون بأن يصبحوا فدائيين لأن الفدائي هو من سيعيدهم إلى فلسطين. وفي فيلم "نداء الأرض" فهو مستوحى من انتفاضة أطفال الحجارة.
ومع تقدم الزمن أصبح عندي باستمرار ارتباط خاص بين موضوعين، موضوع السينما وموضع فلسطين. محاولة انتماء إلى السينما ومحاولة انتماء إلى فلسطين. أغلب أفلامي في سوريا كانت عن القضية الفلسطينية، أيضا في ألمانيا. ولطالما جرى وصفي بأنني فلسطيني الانتماء. ففي إحدى المهرجانات صدر كتاب لتكريمي بعنوان «عاشق فلسطين». والحقيقة أنني أتضايق من وصفي كمخرج عراقي، فأنا كسينمائي لم أصور حتى صورة فوتوغرافية واحدة في العراق.
كيف كانت علاقتك بالمخرجين الآخرين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين؟ ماذا تشاركتم؟ كيف كانت مراحل التأسيس الأولى؟ ماذا كانت تعني الثورة والسينما لكم؟
تعرفت في أوائل السبعينيات على عدنان مدانات وقاسم حول في دمشق وكنت أعمل بمؤسسة السينما وتعاونت معهما في إخراج أفلامهما الأولى، وعمل بعدئذ مدانات في مؤسسة السينما الفلسطينية ببيروت، وذهب حول أيضاً إلى بيروت وأخرج فيلمه "النهر البارد" ومن ثم أسس قسم السينما في الجبهة الشعبية. وبعد ذلك تعرفت على مصطفى أبو علي عند عرض فيلمه "بالروح بالدم" الذي حصل على الجائزة الفضية، وكان بمثابة إعلان ولفت الانتباه إلى السينما النضالية الفلسطينية وفلسطين في السينما عربياً ودولياً! التقينا في المهرجان مجموعة من السينمائيين والنقاد المؤمنين بسينما جديدة أطلق عليها "السينما البديلة" وبدأ التحضير لائتلاف يجمع بين هؤلاء السينمائيين ذوي ايديولوجية متقاربة وطموح فني هم: قيس الزبيدي، قاسم حول، عبد الهادي الراوي، عدنان مدانات، مصطفى أبو علي، كريستيان غازي، فؤاد التهامي والناقدين: سمير فريد ووليد شميط.
بعد انتهاء المهرجان عقد اجتماع غير معلن في بيروت في شقة جُهزهت للسينمائيين والنقاد من بينهم أسامة العارف، عن طريق الحزب الشيوعي اللبناني. وذلك للتعارف والتفاهم حول تعاضدنا وتكاتفنا خاصة إذا ما تعرض احد منا أو أي من السينمائيين الجدد إلى أي مشاكل من الرقابة في هذا البلد أو ذاك. وكان أول نتاج لبعض أفراد تلك المجموعة: العدد الخاص لمجلة الطريق اللبنانية حول السينما البديلة (1972). وكان موضوع الغلاف لهذا العدد مكرساً للسينما العربية البديلة.
أما حول علاقتي بالسينمائيين الأجانب من أغلب الدول، فمتميزة ومنتجة للغاية، ويمكن أن يكتب عن أهميتها وما حصدته من أفلام عن القضية الفلسطينية كتاباً تكون له قيمته تاريخية. وحصلت العلاقة المتينة بيني وبينهم خلال بحثي عن أعمال السبعينيات واقتنائها للأرشيف الفلسطيني في برلين، وبعد فترة طويلة نظمت برامج عروض لأفلامهم ودعوتهم للحضور الشخصي في مهرجان دمشق وأبو ظبي.
وما رأيك فيما يقال بأن سينما الثورة الفلسطينية منذ بداية السبعينيات وحتى تقريباً منتصف الثمانينيات تورطت في معظمها بالشعار؟ أم أن سينما تلك المرحلة كانت تستلزم هذا النوع من الأفلام؟
لقد تعرض فيلم "بعيداً عن الوطن" حينما عرض في دمشق لنقد شديد لأنه أتخذ من الأطفال في مخيم سبينه، الواقع قرب دمشق والذي يعيش فيه اللاجئون الفلسطينيون منذ سنة 1948 والنازحون منذ سنة 1967، مادته الأساسية. فيكشف عن مظاهر الحياة داخل المخيم، وعن آمال الأطفال الفلسطينيين وأحلامهم. أطفال من مخيم للاجئين وضعوا تحت المراقبة وهم يلعبون ويعبرون عن رؤيتهم.
لم تكن ما يسمى أفلام الثورة الفلسطينية في عمّان تنتسب لهذا الشعار ما عدا فيلم "بالروح بالدم" الذي صُور في عمّان ونفذ في بيروت بعد خروج المنظمة من الأردن، وفي مؤسسة السينما الفلسطينية بدأت ما تسميه بالمنظمات المسلحة التي بدأت تنتج أفلاماً مسلحة في صراعها المسلح مع إسرائيل. وفي دراستي عن دور مصطفى أبو علي كتبت: "وعقب مصطفى أبو علي: كنا في تلك الفترة نبحث عن لغة سينمائية تعبر عن نضال شعبنا، (...) يعني ضمن المسعى للبحث عن لغة سينمائية، ومضى الجميع في طريق رحلتهم السينمائية التي أخذ فيها عملهم التوثيقي -كما يقول المستشرق السوفيتي شاخوف- يستمر في ظروف صعبة للغاية، وتأتّى عليهم أن يتسموا بالشجاعة ورباطة الجأش والاتزان والمهارة المهنية والقدرة على العمل في مناطق العمليات الحربية في لبنان، مخاطرين في كثير من الأحيان بحياتهم. إن الفيلم الفلسطيني -حسب رشاد أبو شاور- لم يكن فيلم "داخل إطار: ثورة حتى النصر" مجرد وثيقة نضالية فحسب بل تجربة نضالية بحد ذاتها.
ويمكن هنا طرح سؤالين جوهريين: ماذا يصنع الناس بوسائل الاتصال؟ وماذا تصنع وسائل الاتصال بالناس؟
كلا السؤالين يفتح أمام الانشغال بتاريخ السينما الفلسطينية النضالية آفاقا واسعة. لأن أول ما يواجه عملية النقد التحليلي هو كيف تتم عملية التصوير في الواقع، وكيف تنشأ، نتيجة لذلك، العلاقة بين بنى سرد الفيلم التسجيلي وتأثير قدراته الاتصالية، تبقى المسألة الأهم والأكثر إثارة والأكثر أمانة في طبيعة تصوير الأفلام في مؤسسة السينما الفلسطينية أن تكون عملية التصوير مفتوحة وأن لا تكون وظيفة الكاميرا مجرد آلة تسجيل لا مبالية، إنما طرفاً محفزاً تُستخدم بوعي لإثارة ردود فعل ومشاعر فورية درامية حادة.
انطلاقا من عملية تصوير مفتوحة لم يكن أمام مصطفى أبو علي إلا أن يشاهد مراراً وتكراراً ما تم تنفيذه -من رشز rushes- ليصنع من موادها الخام الأفلام التي أخرجها عن طريق مونتاج قد تكون مختلفة كل مرة.
ففيلم "بالروح بالدم" تم تصويره من قبل هاني جوهرية، سلافة جادالله، مطيع إبراهيم، عمر مختار، ومصطفى أبو علي وفيلم "مشاهد من الاحتلال في غزة: وثائق من الأرشيف" تصوير: وليد نعمة، وفيلم "عدوان صهيوني" من تصوير سمير نمر ومصطفى أبو علي، وفيلم "ليس لهم وجود" من تصوير: مطيع إبراهيم، عمر مختار، سمير نمر. كما قدرت المواد المصورة التي تمت مشاهدتها، اختيار مشاهد منها لإخراج فيلم "تل الزعتر"، من قبل مصطفى أبو علي وجان شمعون والإيطالي بينو أدريانو، بحواليّ 15.000 من الأمتار، والتي شارك في تصويرها عمر المختار.
وفقا لهذه الظروف الصعبة وارتباط المؤسسة بالإعلام الموحد وشعار ثورة حتى النصر، بدا كما لو أنها لا تملك خياراً اخر، وبالتالي أغفلت عموماً تناول وضع الفلسطينيين وحياتهم اليومية في مخيمات اللاجئين من عام 1948. ومن المعروف أن مصطفى أبو علي كان قد حصل على تمويل أولي لإنتاج سيناريو «المتشائل» عن رواية إميل حبيبي، لكن تنفيذ الفيلم تعطل بسبب مشكلة تمويل إنتاجه، والشيء ذاته حصل في محاولته الثانية حينما أراد إخراج سيناريو "أيام الحب والحرب"، الذي أعده عن رواية رشاد أبو شاور. ويقول مصطفى أبو علي بهذا الصدد "كل مشاريعي في هذا الإطار اصطدمت بعقبة التمويل".
في العام ١٩٧٢ طُرحت فكرة توحيد جميع أقسام ولجان السينما لدى المنظمات الفلسطينية في مؤسسة واحدة للسينما تتبع دائرة الإعلام الموحد لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن المشروع لم يكتب له النجاح، فتم تأسيس (جماعة السينما الفلسطينية) كبديل عن ذلك في أواخر العام ١٩٧٣، وفي العام التالي فشلت محاولة أخرى لتوحيد أقسام السينما، لماذا برأيك لم تنجح محاولات توحيد المؤسسات السينمائية لدى المنظمات الفلسطينية؟
هذه المحاولة لم تأتِ من قبل دائرة الأعلام الموحد، بل المحاولة حصلت قبل الغزو الإسرائيلي للبنان بسنة على الأرجح ووفقا لفكرة مني هدفها إنشاء مؤسسة للسينما الفلسطينية تتمتع بشخصية مستقلة وبميزانية خاصة منطلقها أن مشكلة السينما الفلسطينية في تعدد اقسامها السينمائية، وكل منها يتبع فصيل فلسطيني مستقل، لكن مشاركته في أي مهرجان يتم بتسمية وفده وأفلامه وكأنها من إنتاج منظمة التحرير الفلسطينية وأحيانا تشارك عدة وفود مستقلة في الوقت نفسه باسم المنظمة. كما أن الحقيقة، تكمن في عدم وجود أساس مادي إنتاجي لها فقد كانت المحاولات دائماً متواضعة الإمكانات.
تبنى الفكرة بحماس مدير عام دائرة الثقافة، تتوحد بموجبها كافة المؤسسات السينمائية الفلسطينية في مؤسسة واحدة تحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية، وقُدّم المشروع للجنة التنفيذية لتقره ولتوافق على نظامه الداخلي وميزانيته، لكن من المؤسف أن الحوراني وقتئذ لم يكن عضوا في اللجنة التنفيذية التي أخذت تؤجل موضوع مناقشة المشروع وإقراره في كل مرة تجتمع فيها، بحجة أولية مناقشة قضايا أكثر أهمية. إلى أن حصل الغزو الإسرائيلي، وقاد إلى خروج المنظمة والفصائل الفلسطينية من لبنان. وهكذا لم تسمح الظروف السياسية للأسف بنجاح المشروع.
وأذكر ملاحظة واحدة مهمة، بالرغم من أهمية المشروع لجميع السينمائيين العاملين في المؤسسات المتعددة، إلا أن بعضهم تخوف من فقدان أوضاعهم في هذه المؤسسة أو تلك خاصة وإنهم لم يكونوا سينمائيين من أصول أكاديمية أو من خبرة تقنية/فنية عالية.
عملت في ألمانيا على تأسيس "الأرشيف السينمائي الوطني الفلسطيني" بالتعاون مع الأرشيف الاتحادي في برلين، كيف ولماذا جاءت فكرة تأسيسه في ألمانيا؟ ما طبيعة هذا الأرشيف وكيف تم جمعه؟ من يحق له الاطلاع عليه ومن يحق له استخدامه؟
حينما بدأت العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأفلام الفلسطينية المفقودة تحقق الانتماءان: فلسطين كتاريخ والسينما كذاكرة. لا أقول هذا الكلام من باب التأكيد على أهمية ما فعلته من أجل السينما ومن أجل فلسطين، لأن ما فعلته بالقياس مع ما كان يمكن أن أفعله هو شيء متواضع. المهم أن هناك حوالي 70 فيلماً تم جمعها وحفظها في الأرشيف الألماني الاتحادي، وهناك مشروع جاهز لبناء أرشيف في فلسطين وصدر "كتاب فلسطين في السينما" عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وهو بمثابة فيلموغرافية من 799 فيلما تناولت القضية الفلسطينية في العالم.
أما من يحق له استخدامه فلأضرب بعض الأمثلة، حين قرر مهرجان الاسماعيلية تكريم مصطفى أبو علي وعرض أهم أفلامه كانت الفرصة الوحيدة لعرض تلك الأفلام هي الاستنجاد بي وفعلاً ساعدت على إرسال الأفلام من الأرشيف الألماني إلى مهرجان الإسماعيلية، أيضاً أرسلت أكثر من فيلم لمهرجان أحلام أمة عام 2004، نظمته آن ماري جاسر في القدس وبعض المدن الفلسطينية. أيضاً تم عرض فيلم "فلسطين سجل شعب" في أكبر قاعة سينمائية في برلين نظمته جهة ألمانية وهكذا.
وما هي أبرز مشاكل الأرشيف السينمائي الفلسطيني؟ وما هي أكبر نكساته؟
الجواب على مثل هذا السؤال، الذي كان وما يزال يطرح باستمرار هو سؤال صعب وهناك أجوبة عديدة عن مصير أرشيف مؤسسة السينما الفلسطينية بشكل خاص. وأخرجت عزة الحسن فيلم "ملوك وكومبارس" عام 2004، الذي تتبع فيه مصير أفلام سينما الثورة الفلسطينية.
ما هي المشكلة الأكبر التي كانت تعاني منها السينما الفلسطينية؟
أن كل الذين دخلوا الساحة السينمائية في كل العالم كان عليهم أن يؤهلوا أكاديمياً قبل أن ينخرطوا في ممارسة صنع الأفلام، لأن التقنيات الفيلمية كانت صعبة الاستخدام، أما التقنيات الحديثة فإنها من جهة تتيح لأي شخص أن يستخدمها في تصوير الأفلام. بحيث أصبحنا نرى "مخرجين" بخبرة متواضعة وتأهيل أولي، لكنهم يصنعون فيلمهم بدون مشاركة من كوادر أخرى، فهم يكتبون النص ويصورون ويمنتجون ويشرفون على كامل العملية السينمائية. وإذا تأملنا هذه الظاهرة في السينما العالمية فسنجد حالات نادرة، أما الآن فهذه الحالة التي كانت استثنائية أصبحت قاعدة عندنا. ماذا نستنتج من ذلك؟
يبقى السؤال كيف نستطيع أن نحاكم ما ينتج الآن من سينما ديجيتال، والذي يجد له مكانا واسعاً في الفضائيات المنتشرة، التي تستطيع استيعاب كم هائل من الأعمال على مدار ساعات البث المستمرة. لكن بالإمكان الاستعانة بهذا التطور الإشكالي، هذا ما حصل في العالم وعندنا أيضا بدأت بداياته، وهناك تجارب إنتاجية مثلا في سوريا، يتم إنتاج فيلم سينمائي باستخدام التقنيات الحديثة "الديجيتال" وينقل فيما بعد على الأشرطة السينمائية التقليدية (قياس 35 ملم). المهم أن تتم معالجة الموضوع السينمائي وفقا لتقاليد وتراث السينما وجمالياتها.
عام ٢٠١٥، أي بعد نحو أربعين عاماً من العمل المتواصل من أجل قضيتهم، منحك الفلسطينيون الجنسية الفخرية الفلسطينية، اعترافاً وشكراً لك على منجزاتك السينمائية المتعلقة بالقضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني. ما الذي عناه لك ذلك؟
كان عندي باستمرار ارتباطان في موضوعين، موضوع فلسطين وموضوع السينما. محاولة انتماء إلى السينما ومحاولة انتماء إلى فلسطين، وكان كثيرون يعتقدون بأني فلسطيني لأني كنت دائما أقدم دائماً في المهرجانات والمحافل الدولية ليس كعراقي بل كفلسطيني دون أن أكون في واقع الحال فلسطينياً! وكان هناك عرف لغير الفلسطيني أن يكون فلسطينياً بالنضال. وبعد منحي الجنسية الفخرية والجواز الفلسطيني من قبل الرئيس أبو مازن أصبحت فلسطينياً ومشكلتي قد تم تجاوزها دون أي إدعاء أو بدعة!