حين بدأت عملية التفكير في شكل أو موضوع المعرض الفني المرافق لبرنامج هذا العام، وجدتني أرسو شيئًا فشيئًا على فكرة معرض بمساهمة ثماني عشرة مشاركة تتمحور حول التنظيم الذاتي، هذا الشكل الذي ينبثق من روح قيم الانفتاح، والأفقية، والتشاركية التي لطالما حاورها ال
أردت بناء برنامج فنون بصرية عنوانه "المؤسسة ممارسةً"، Institution as Praxis، وحاولت منذ البدء التفكير بكيفية تطوير برنامج ينسجم وما يقترح مركز خليل السكاكيني الثقافي من قيم، ورؤية، وأهداف، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم المؤسسة وموقعها بين المؤسسات الصغيرة والكبرى وانعكاس ذلك على دورها. يعبر المركز عن رؤيته بأنه فضاء "[لـ]خلق ثقافة تعددية، ونقدية، وتحررية" يعكف على مواءمتها مع المجتمع الفلسطيني. باستنطاقي لهذه الرؤية خرجت ببعض القيم، منها الانفتاح، ومساعدة المجتمع على خلق ثقافة قاعدية أفقية، والإسهام بإنتاجها، ساقني ذلك للتفكير بالمناطق التي يمكن للبرنامج المساهمة فيها، لأخلص إلى أن توسعة طيف المشاركة المجتمعية في الفعل الثقافي والفني تقتضي عملًا نشطًا وممتد، يتجاوز الشهور الستة التي عملت خلالها على توفير مقدمات ومعلومات أولية عن مختلف الفنون وحمل هذه المعرفة من ممارسيها وممارساتها لمشاركتها مع المجتمع الأوسع، ذلك لخلق قاعدة معرفية بالفنون على المدى الطويل. أملت لتلك المقدمة أن تكون تراكمًا فتبني عليها مؤسسات ومراكز فنية وتعليمية أكبر، فكانت سلسلة "ما هو؟" بباكورتها مع "ما هو الفن الفلسطيني؟" قدمها الفنان سليمان منصور، ثم "ما هو الفن الإسلامي؟" مع الفنانة فيرا تماري، وصولًا إلى "ما هي الفنون المعاصرة؟" وكان لهذه الأخيرة أن تكون برفقة الفنان خليل رباح، إلا أن الظروف بجائحتها وأوضاعها السياسية حالت دون إقامتها خلال الإطار الزمني للبرنامج.
إذا أردنا مشاركة حقيقية تنطلق من أسفل المجتمع لأعلاه في إنتاج الثقافة والتفاعل معها، حريٌ بنا نشر الأدوات المحققة لذلك. دون الأدوات، سيبقى التواصل مع مراكز إنتاج المعرفة الفنية عموديًا، أي نقيضًا للأفقية والقاعدية المنشودتين. أما أدوات فهم الفنون، فكيرة، لكن الأداة النقدية لا تنفك تكون إحدى أهمها، من هنا جاءت خطتنا لورشة مركزة في الكتابة النقدية المتخصصة بتوجيهٍ من الكاتب الفني المقيم يزن أشقر مع أربع/ـة من الكتاب والكاتبات الشباب والشابات، هن/هم: جودة فقوسة، وبتول أبو عقلين، ورهام سماعنة، ورولا مرار، أما نصوصهن/ـهم، فأوشكت على الإصدار، تلك النصوص التي طلبنا أن تطرق معارض فنية من أرشيف السكاكيني كي تتسنى للمركز فرصة المراجعة، وإعادة النظر، والقراءة، وربما الاستنطاق، لحظة لا تحظى بها المؤسسات في ظل ما تعيشه من سباق مع الوقت. كذلك كان مقررًا أن نعقد ورشة أخرى في ذات الموضوع إلا أن الظروف شاءت غير ذلك مجدداً.
حين بدأت عملية التفكير في شكل أو موضوع المعرض الفني المرافق لبرنامج هذا العام، وجدتني أرسو شيئًا فشيئًا على فكرة معرض بمساهمة ثماني عشرة مشاركة تتمحور حول التنظيم الذاتي، هذا الشكل الذي ينبثق من روح قيم الانفتاح، والأفقية، والتشاركية التي لطالما حاورها المركز في كثير من أنشطته وأهدافه. وهكذا جاء معرض "لكن هذه الأشكال يجب أن تخترع" ليقدم أشكال تنظيمية ذاتية قاعدية مختلفة تتسق قيمها النظرية وما يحاول المركز ملامسته، كما يتأمل في إنتاجات هذه الأشكال، وفلسفتها، وأوجه قصورها. بنظرة للخلف أجد بأننا حققنا جزءًا ليس بضئيل من الخطة الأساسية ضمن محددات أسقفها الزمنية والتمويلية.
قبل الأخيرًا وليس آخرًا، أعود مرة أخرى لأشدد على أملي في المراكمة على ما أنجز إلى الآن حتى تتجلى نتائجه وآثاره، شريطة المواصلة على صعد الوقت المكرس، والتقاطعات، والتكاملات النشطة مع سائر المؤسسات العاملة في ميدان الفنون. ختامًا، أشكر أسرة مركز خليل السكاكيني الثقافي على دعمها طيلة هذه الفترة، وامتناني موصول أيضًا لدعم جميع الأفراد والمؤسسات الثقافية الصديقة، فلولا هذا الدعم، لما كان هذا البرنامج ممكنًا.