"يُرى" كمنصة الكترونية ترتكز بالأساس على أرشيف الواسطي، ولدينا حاليًا في المنصة الالكترونية نمطًا يشير إلى أرشيف كل مّادة أرشيفية موجودة لدينا، يوجد إلى جوار الواسطي أراشيف أخرى، مثل أرشيف تيسر شرف أو مازن قبطي، فيرا تماري وأرشيف كريم دبّاح وغيرهم من الفنانين.
أطلقت "حوش الفن الفلسطيني" مشروع " يُرى"، موارد الفنون البصريّة الفلسطينيّة في نوفمبر، وهو منصة رقمية تقدم مورد معرفي متاح للاطلاع والبحث ومنصّة تفاعلية مفتوحة للإنتاج المعرفي، والمساهمات النقدية والبحثية والنقاش في حقل الفنون البصرية الفلسطينية، وتجرى "رمّان ثقافيّة" في هذا السياق حوارً مع روان شرف، قيمة المشروع، نحاول بواسطته التعرف أكثر على الفكرة وقصتها ومحركات الفعل وسياقاته المعرفيّة والإجرائيّة.
يرتكز المشروع بشكلٍ أساسي على مجموعةٍ من الأرشيفات الفنيّة والتي يُعتبر أرشيف الواسطي أحد أهمها، أخبرينا أكثر عن المواد التي أرشفها الواسطي؟ عن الحقب التاريخيّة التي تغطيها هذه المواد؟ عن عددها وعن تنوعها؟
انطلقَ مشروع الواسطي في العام 1998، بمبادرة من مؤسسة الواسطي التي كانَ يُشرفُ عليها في حينِهِ الفنان الفلسطيني سليمان منصور والباحثة والفنانة دينا شرول، التي كانت بضيافةِ المؤسسة ولعبت دورًا في بناء المشروع ورؤيته وتصورّه كمشروعٍ ثقافي.
حينَ بدأت عملية بناء الأرشيف، كانت هناك رغبة تحركت بالأساس من الحاجة إلى بناء أرشيف فني فلسطيني يُراكم مواد بصريّة ومعرفيّة متعلقة بالفنان كمحور أساسي في عملية الإنتاج الفني، وبالتالي التوجه ارتكزَ على "الفنان" كمحور في عملية بناء الأرشيف؛ ولذا كانت المنهجية تقوم على حالةِ اتصالٍ مباشرةٍ مع الفنانين، أو إرسال باحثين؛ للتواصلِ معهم، بهدف تعبئةِ استمارة تجمعُ معلوماتٍ عامة عن الفنان، تتضمنُ اسمه ومكان ميلاده، تحصيله العلمي، ومعلوماتٍ أخرى ذات صلة بمشروعِهِ الفني، بالإضافة إلى جمع مجموعة مختارة من إنتاجه الفني على شكل "شرائح"، كما أتاحت العملية وفقًا للمنهجية السابقة المساحة أمام الفنانين لتزويد الواسطي بالمواد المطبوعة المُتعلّقة بإنتاجاتهم الفنية ونطاق تحرك مشاريعهم في مساحة الفضاء الفني العام؛ لتتسع دائرة التوثيق وتشمل أخباراً عن معارضهم، مقالات من صحف تكتب عن مشاريعهم، مطويات تخصُ معارضهم الفنية، دعوات إطلاق هذه المعارض، بمعنى آخر أتاح الواسطي الفرصة لتوثيق كلَّ المواد الأرشيفيةّ التي يؤرشف بواسطتِها الفنانون مشاريعهم الفنيّة بحسب اختيارهم، وبالتالي فإن المّادة الأرشيفية التي جمعها الواسطي هي نتاج ما أراد الفنانون المشاركون في هذا المشروع أن يزودوه ويتيحوه. هذا إلى جانب الطريقة السابقة والتي اعتمدت على الباحثين الذين كانوا يقومون بإجراء زيارات ميدانية للفنانين؛ بهدف تعبئة الاستمارات وتصوير النتاجات والأعمال الفنية وجمع المواد المطبوعة.
فيما يخصُ سؤال الجغرافيا، فقد بدأت عملية بناء أرشيف الواسطي من مدينة القدس. حيثُ كان مقر الواسطي، وهذا يبرر انطلاق المشروع منها كمركز ثم بدأت عملية توسعه بصورةٍ تدريجيّةٍ إلى الجغرافيا الأخرى، ويُغطي الأرشيف بصورةٍ أساسيّة فناني الأراضي المحتلة 48 بالإضافة إلى الفنانين الفلسطينيين في الأردن، حيثُ غطى العمل البحثي الأردن، بواسطة مجموعة من الباحثين الذين طُلب منهم الذهاب؛ لتنفيذ زيارات لاستديوهات الفنانين الفلسطينيين وتصوير انتاجاتهم وجمع المطبوعات الخاصة بمشاريعهم الفنية، هذا بشكلٍ أساسي ما وثقهُ مشروع الواسطي، مع إضافاتٍ قليلةٍ لفنانين فلسطينيين في الشتات كانَ يتم التواصل معهم عبر المراسلات، أو من خلال زياراتهم خلال فترة التسعينيات إلى فلسطين. مثل إسماعيل شموط وسمير سلامة وغيرهم ممن تمكنوا بعد أوسلو من زيارة الأراضي الفلسطينية. وهذا أيضًا ينسحبُ على الحقب التاريخية التي تغُطيها هذه النتاجات، والتي تبدأ منذ منتصف سبعيناتِ القرن الماضي، حتى بداية الألفية الجديدة. إلى أن توقفت الواسطي في 2002 وهذا يعني أنه إلى حد بعيد يُغطي الواسطي محاور أساسية في التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر.
فيما يخص العدد، إلى الآن نقلنا إلى المساحة الرقميّة ما يقارب 2000 مّادة، رفعنا على المنصة الإلكترونية 500 ويوجد جزء من هذه الأعمال لا يمكن رقمنتها لأسباب ذات صلة بقوانين الأرشيف وأخلاقيات البحث، حيث لا نمتلك حقوق إتاحتها للجمهور، كما أن هناك مواد موجودة أصلًا في أرشيفات أخرى، فلا داعي لإعادة أرشفتها من جديد، وهذا يعيدنا من جديد إلى طرق بناء الأرشيف ومنهجيات الاختيار، والاختيارات لدى الحوش مبنية بالأساس على معايير أخلاقية ومعايير قانونية.
بالإضافة إلى أرشيف الواسطي والّذي يعتبر حجر الزاوية في بناء المشروع، يوجد كذلك أرشيف حوش وأرشيف تيسر شرف، ومازن قبطي، أخبرينا أكثر عن الأرشيفات الأخرى، عن تلك المبادرات الفردية المستقلة، كيف تم الحصول عليها؟
"يُرى" كمنصة الكترونية ترتكز بالأساس على أرشيف الواسطي، ولدينا حاليًا في المنصة الالكترونية نمطًا يشير إلى أرشيف كل مّادة أرشيفية موجودة لدينا، يوجد إلى جوار الواسطي أراشيف أخرى، مثل أرشيف تيسر شرف أو مازن قبطي، فيرا تماري وأرشيف كريم دبّاح وغيرهم من الفنانين. حصلنا على هذه الأرشيفات من خلال تواصلنا المباشر ومعرفتنا بالأشخاص وبالتالي معرفتنا بوجود أرشيفات شخصية لديهم، وهذا مبرر في سياق الظرف المرتبك والمعقد الّذي نعيشه كفلسطينيين والذي يجعل من المهم عمل أرشيفات شخصية سواء فنانين أو فاعلين ثقافيين، واحدة من هذه الأرشيفات هي لوالدي وهي أرشيف تيسير شرف، وهو فنان كان فاعًلا في الحركة الفنية والثقافية، توفى والدي منذ عشرين عامًا، ولقد قمت بعد وفاته بمبادرة فردية بأرشفة مواده وأوراقه والتي تتضمن عدداً كبيراً من المطبوعات الخاصة بالحركة الفنية والخاصة بمشروعه الفني الشخصي، وكان جزءاً من رؤيتنا في العمل هو أننا سنتوجه للأفراد الذين لديهم أرشيف فني شخصي، يمكن أن يكون رافدًا للأرشيف الأوسع أو الأشمل في المنصة وضمن مشروع يُرى ويُغنيه. بالنسبة لأرشيف والدي، بعد التشاور مع العائلة وافقنا على تضمينه المشروع، وأن نتيح المّادة للرقمنة من خلال الحوش، على أن يبقى الأرشيف الورقي ملكاً للعائلة، وبذات الطريقة جرى الحصول على أرشيف مازن قبطي، وهو فنان ومقتني للعديد من الأعمال الفنية، كما أنه مُقتني لمطبوعات و اصدارات متعلّقة بالفن الفلسطيني جمعها خلال زياراته المتعددة والتي جمع خلالها آلاف المواد المطبوعة، منذ نهاية السبعينات إلى اليوم، ويغطي جزءٌ كبيرٌ من هذه المطبوعات الحراك الثقافي في الضفة الغربية والداخل، ولقد وافق الأستاذ مازن قبطي بإعطاء أرشيفه للحوش بذات الطريقة، إتاحته للرقمنة والفضاء الإلكتروني على أن يبقى الأرشيف المادي ملكًا له. وهذه الأرشيفات جاهزة لأن يبدأ الحوش عمله في نقلها إلى المنصة الالكترونية.
أما بالنسبة لأرشيف كريم دبّاح، لم يصل إلى الحوش لكن العائلة أيضًا وافقت على استخدامه وفقًا للطريقة السابقة، وهذا أيضًا ينسحب على الفنانة فيرا تماري والتي أبدت بصورة مبدئية اهتمامها، وكان لدينا في هذا الإطار اتصال مع أكثر من فنان مثل سليمان منصور وبشار شموط ابن الفنان الراحل إسماعيل شموط والفنان ناصر سومي وعدد أخر من الفنانين الذي نعرف أنه من الممكن أن يكون لديهم أرشيف فني شخصي يمكنه أن يتم تضمينه إلى المشروع بهدف إثراءه أكثر، وبالعموم هناك استجابة جدًا عالية من الجميع.
اتصالًا بسؤال الندرة البحثيّة والتحليلية المتوفرة في قطاع الفنون البصريّة، تطرحون في سياق المشروع فرصة للمساهمة في وجود إنتاج بحثي معرفي وتحليلي، هل تتوفر لديكم مواد نصية في هذا السياق، كقاعدة تنطلقون من خلالها؟ أم أنكم تحاول فتح دائرة البحث فيه بواسطة استكتابات أو إعادة نشر أوراق بحثية غير منشورة؟ بالعموم ما هي خطتكم للمساهمة في حل سؤال الندرة القائم؟
فيما يتعلّق بندرة وجودة مادة بحثية وإصدارات تتعلّق بالمواد البصرية، انطلقنا في إطار الاستجابة لهذه الإشكالية من فكرة وجود استكتابات، وهذا كان جزءًا من المرحلة الأولى في المشروع، ولقد عمل معنا على مدار عام أربعة باحثون، حيث أتحنا لهم فرصة الاطلاع على مادة الأرشيف قبل رفعها أونلاين أي قبل تجهيز المنصة الإلكترونية، ولقد كتبت الباحثون مواد بحثية بالاستناد إلى الأرشيفات الموجودة، منطلقين من فكرة النظر إلى مادة أرشيفه نعيد قراءتها اليوم من جديد، من منظور اليوم، هذا يساهم في إنتاج فهم جديد لبني ثقافية محددة، خاصة في الحراك الفني، ولفهم جزء من تاريخ الحركة الفنية بالاستناد إلى هذه المواد، ولقد توفر لدينا أربع مواد بحثية سيتم نشرها مع إطلاق المنصة، بالإضافة إلى ذلك كان هناك أيضًا تواصل مع كتّاب وباحثين في المجال الفني للحصول على مواد بحثية منشورة والاتفاق على آلية نشرها من جديد، نأمل أن يكون لدينا استكتابات بحثية بصورة دورية، تتيح لنا بصورة منتظمة الحصول على مواد بحثية كل أربع شهور أو ست شهور، فيما يشكل مع مرور الوقت ومراكمتها مادة تؤسس لقاعدة معرفية تجمع هذه المعارف، حيث من الممكن أن يمهّد ذلك لخلق مساحة نقدية، تقدم رؤى نقدية في الأعمال والمعارض الفنية مستقبلًا.