ذاكرة على شاهدة قبر

2022-10-23 17:00:00

ذاكرة على شاهدة قبر

حسام معروف

 

أقلد ظلي

في الضوء
أقلّد ما يفعله ظلي دون تفكير،
جسدي يخطئ أحياناً
ويفعل حركة مخالفة
لكنّكم لا تشعرون،
ظلّي يغفر لي ويضحك،
لا أعرف ما أنا حين ينطفئ الظلّ.
في العتمة
أشعر أننّي أقلد أكثر من ظل
لكنّني
النسخة الأوضح
لكل ذلك الغموض!

 

نوم على حافة القبر

غذاء العاشق الميت،

هل كما كان في الحياة نظراتكِ؟

هل حفر قناة توصله إلى العالم،

أدق من صوتكِ الكثيف!

ذاك الذي

درّب أنفاسه من قبل،

على إيقاع خطاكِ،

ولطالما انهار

لحظات انغماسه في التفاصيل.

يضع الميت ذاكرته على شاهد قبره،

نظراتكِ صور جديدة يتم تخزينها،

لا تبكِ أمام الشاهد،

الميت لا يقبل الصورة المغبشة.

مشطي شعركِ أمامه،

فالميت بحاجة إلى تراب أملس ليستريح.

بينما تلمس يدكِ الشاهد،

يتذكر الميت ويتقلب،

ويجدكِ المار تنامين على حافة القبر، فيقول:

ينسى الميت فتنبت على قبره عشبة.

 

سؤال منهار من الأعلى

هل أوقفتك التفاصيل يومًا في المنتصف،

فلم تجد الباب الذي خرجت منه؟

هل حملك التيه بطرفي أسنانه،

فانقطع الهواء في مخيلتك.

هل أغلقت الباب ذاته،

فنسيت من أين يدخل الضوء إلى تيهك!

تسألين بينما صوتي في الفستان يتنفس.

وبينما أرتب إيقاع خطاكِ في دمي،

يرفع الوعي المشانق للنظرات الواسعة،

وأبقى ألتقط اللهاث كوخز الإبر.

وسؤالي المنهار من الأعلى:

من يضع الخطوط الحقيقية حول الصورة المبعثرة؟

من يعيدني للإطار بعد أن مسحني الغبش؟

 

من يملأ المكان حين تغادر؟

نأتي إلى العالم في حفلة الأصوات،

نأتي صراخًا،

باهتين بفقدان المعنى،

منفتحين على الضياع.

فرادى

نمشي فوق الطريق فنقتلها بخطانا،

فرادى

نسند الخوف المهول بأسناننا،

بالكلام نملأ الفراغ،

وبالأسئلة نفرغ العالم من جوهره.

صخب ما يقوله النهر في الخارج،

صخب،

قرقعة الأصابع،

مثل وردة على قبر قديم.

حتى البكاء،

ماء فائض عن حاجة النهر،

حمله الإنسان،

والمرء لا يكف عن نزف ماضيه.

يا أيها الصخب،

من يملأ المكان حين تغادر؟

من يغطي الألم بالغبار،

فيصير موسيقى؟

كيف حجزت مقعدك الدائم على دراجة الزمن!

كيف يظهر صوتك في الصورة!

أوليست الأرض مستقبلك،

أوليست الأرض ماضيك؟

 

من أصل واحد جاءت كل الأصوات مكبلة،

من أصل واحد هذا التراكم للأحزان،

ولطالما حاول المرء تدوير حزنه،

ليكون ضحكة،

في هيئة امرأة يحبها.

 

كاميرا دون جفون

للبكاء ورشة كما الحديد.

بينما ترتجف اليد،

يحاول المصور حساب المسافة

لو أننا نلتقط للحزن صورة بحجم صورة نحبها

المصور يعرف أن عينه ستخذله في لحظة مثالية لذا اختُرعت الكاميرا دون جفون.

 

مخزن اللحظات المنسية

لا دهشة،

تمضي السّنون اليابسة،

وأنا هنا قابع في مخزن اللحظات المنسية.

عِصيّ في البال،

وأحزمة حول الفراغ

لا إفلات من المصيدة

الأسئلة الدائرية تحمل العالم إلى حتفه.

أولم يكن أبونا ذلك الغبارَ؟

ضمي أجنحتكِ أيتها المرايا،

حوّطيني، لأحفظ ملامحي في ثباتك.

واذهب يا فن إلى حوض الله، هنالك ملاذك.

من يَثني إبطك أيها الوجود، لتجف الأشجار،

ويفنى المسخ في عتمته.

ولأنها مستلقية قناعتي بالمجيء،

ضاع من عمودي الفقري إيقاع الوقوف.

لست بناجٍ يا لعبتي، لست بمحكوم لأبقى،

لكنني في تيه النرد أنمو،

عدّاد للموتى في الحروب.

سق ماضيك أيها الجندي، لن تراه!

إنك لم تختنق بالدخان، تلك أصابعك التي كنت تدفنها، سبحت طويلًا في دم المقتول.  ثم عادت.

 

 

من مجموعة الشّاعر "الحلّاق الوفيّ لزبائنه الموتى" الصّادرة حديثاً عن دار النهضة العربيّة وهي ضمن سلسلة أصوات الشّعرية الحاصلة هذا العام على منحة آفاق للكتابة الإبداعيّة.