رسائل البرلينالي: «إنغبورغ باخمان: رحلة في الصحراء»

2023-02-19 23:00:00

رسائل البرلينالي: «إنغبورغ باخمان: رحلة في الصحراء»

في فيلمها الجديد، تبقى المخرجة الألمانية مارغريت فون تروتا في ساحتها المفضلة، السيّر الذاتية. منها وثائقي عن السينمائي السويدي إنغمار بيرغمان، وروائي عن الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت. هنا، عادت بروائي عن حياة الشاعرة والكاتبة المسرحية النمساوية إنغبورغ باخمان، في تصوير لعلاقتها المتوترة مع شريكها الروائي والمسرحي السويسري ماكس فريش.

الفيلم سيريّ وبالتالي ناقل لوقائع من حياة شخصيات واقعية. لكنه كذلك وتماماً درامي وروائي من دون الحاجة إلى إحالات واقعية لهذه الشخصية أو تلك. وهذا مستوى من صناعة الأفلام الروائية المبنية على سير ذاتية واقعية، لا تطاله الكثير من الأفلام التي تخضع لسطوة الحدث ذاته، في واقعه، ولـ"موثوقية" الحدث في شكله الدرامي ضمن فيلم روائي وبالتالي خيالي في قدر أساسي منه، فيكون الحدث الحقيقي غير درامي.

هنا، لا يسأل أحدنا عن مدى خيالية الأحداث أو واقعيتها، فالفيلم أتى بحبكة تتقدّم على مهل من دون ما يمكن أن يبدو إقحاماً "لضرورات واقعية"، والفيلم بشخصيات ملأت مَشاهدها وحواراتها بصفتها شخصيات لفيلم روائي، دون الحاجة لإحالات وربط بما هو خارج الفيلم. ما جعل الفيلم السيريّ، المبني على أحداث واقعية، درامياً في قصته وشخصياته، وتطور العلاقات ما بين هذه الشخصيات، وتحديداً بين إنغبورغ وماكس.

يحكي الفيلم عن علاقة كانت مسمومة في معظم لحظاتها، فتراكمت اللحظات لتخرج إنغبورغ منها في رحلة إلى الصحراء المصرية، بعد حبٍّ جمع بينها وبين ماكس الذي، سريعاً، سينكشف حبُّه عن استحواذٍ وغيرةٍ عاطفيّين ومهنيّين كانت إنغبورغ ضحيتَها إلى أن قررت الإفلات من زوجها وبيته ومدينته زيوريخ، لتعود إلى روما وشمسها وحيويتها ومكانتها فيها كشاعرة ومترجمة وامرأة مستقلة، وروحٍ متمرّدة وحرة.

يتنقّل الفيلم بالتوازي بين المدينتين وبرلين وقبلها باريس التي التقى فيها الزوجان. تشعر هي بالضعف وتبدأ بالتنازل إلى أن تقرر العودة إلى حياتها ونفسها، من خلال ما بدا مرحلة علاجية كانت في الصحراء لتعود إلى اكتشاف نفسها أكثر فيها وتحقيق ذاتها كامرأة أولاً وكشاعرة ثانياً، متحررة من سطوة شريكها السابق، عليها لكونها امرأة ولكونها شاعرة.

بحِرفيّة العمل الروائي، نقل الفيلم (Ingeborg Bachmann – Journey into the Desert) أعواماً قليلة من سيرة ذاتية ضمن حكاية وشخصيات متكاملة درامياً في تأليفها، بأداء ملفت للألمانية ڤيكي كريبس، ليقدّم الفيلمُ نموذجاً عن الصناعة الدرامية للعمل السّيري، حيث يكون الفيلم الروائي روائياً تاماً. الفيلم مشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، ولا يستحق الخروج من دون إحدى جوائزه.