في ذكرى هزيمة حزيران

قراءة جديدة لأخطر إخفاق سياسي وعسكري عربي في التاريخ المعاصر

2023-06-18 02:00:00

قراءة جديدة لأخطر إخفاق سياسي وعسكري عربي في التاريخ المعاصر
Gazbia Sirry. al-Hazima (Defeat). 1967. Oil on canvas. Museum of Egyptian Modern Art, MEMA.

بشارة رأى، في بحثه في هذا الكتاب، أنّ حرب الأيّام الستة تُعدُّ تاريخ نشوء إسرائيل الحقيقي، فقد كانت إسرائيل قبل مشروعاً غير مستقرٍّ في نظر الحركة الصهيونية وما سُمّي "يهود الشتات" الذين أقنعتهم حرب 1967 أنّ إسرائيل أكثر من مغامرة، وأنها مشروعٌ مضمون؛ فتكث

مرّت قبل أيّام الذكرى السادسة والخمسون لنكسة حزيران/ يونيو 1967، التي يُجمع الباحثون والمؤرّخون والمفكّرون العرب على أنها مثّلت نقطة تحوّل رئيسة في مسار الصراع العربي - الإسرائيلي، إذ قامت إسرائيل بالاعتداء على كلٍّ من مصر والأردن وسوريا، واستطاعت خلال ستة أيّام احتلال ثلاثة أضعاف مساحة الأرض التي احتلّتها عام النكبة 1948، حيث بسطت كامل سيطرتها على الجزء الشرقي من مدينة القدس والضفّة الغربية وقطاع غزّة وسيناء وهضبة الجولان السوري.

"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، نظم في الفترة ما بين 20 و22 أيّار/ مايو 2017، مؤتمراً تحت عنوان «خمسون عاماً على حرب حزيران/ يونيو 1967: مسارات الحرب وتداعياتها»، ركّز على عدّة محاور منها أسباب الهزيمة العربية، والتأريخ الإسرائيلي للحرب وروايته، وتداعيات الحرب على المشروع الوطني الفلسطيني. في عام 2020، قام "المركز العربي" بإصدار كتاب ضمّ بين دفتيه بحوثاً منتخبة من تلك البحوث التي قُدِّمت في المؤتمر، والتي قاربت الهزيمة التي لحقت بالجيوش العربية خلال ستة أيّام، من زوايا علمية محدّدة الهدف منها إعادة تركيب المشهد العسكري والسياسي والاقتصادي للحرب بعيون عربية.

شارك في الكتاب، الموسوم بـ «حرب حزيران/ يونيو 1967: مسارات الحرب وتداعياتها»، الذي يقع في (376 صفحة)، والذي حرّره الكاتب والباحث الفلسطيني السوري، أحمد قاسم حسين، مدير تحرير دورية "سياسات عربية" التي تصدر عن "المركز العربي"، كلّاً من: عزمي بشارة، وأسامة أبو ارشيد، ومحمود محارب، وبلال محمد شلش، وعمر عاشور، ومروان قبلان، وعبد الحميد صيام، وغازي ربابعة، ومعين الطاهر، وعبد الوهاب الأفندي، ومحمد السمهوري، وياسر جزائرلي. 

تكمن أهمية هذا الكتاب، المقسّم إلى اثنا عشر فصلاً وُزعت في أربعة أقسام، بوصفه محاولةً لتقديم معالجات جديدة لمجريات الحرب، التي تركت بصماتها على الشرق الأوسط، في سياق وضعٍ حرج، من ناحية إيستوريوغرافية، يواجهه المؤرّخ العربي، متمثّل بغياب الأرشيف العربي لهذه الحرب، وبغياب أي روايات رسمية عربية عنها. 

ما هو مؤكّد، أنّ غياب كتابات ودراسات عربية عن "نكسة" لا بل هزيمة حزيران/ يونيو 1967 وتقييمها تقييماً موضوعياً يمكن أن يكون، في حدِّ ذاته، موضوعاً للعديد من الأبحاث والدراسات العلمية العربية. ولعل مهمّة الكتاب الرئيسة، الذي نتناوله هنا بالعرض-، هي سدّ بعض جوانب ما يمكن اعتباره ثغرة في الكتابات والدراسات العربية حول الهزيمة العربية في ثاني حرب تخوضها قوّات الاحتلال الصهيوني ضدّ الجيوش العربية وتقييمها فعلاً تقييماً موضوعياً، إلى حدٍّ ما، وذلك عبر البحث في الحرب ذاتها من زاوية نظر التاريخ العسكري والتحليل الإستراتيجي، مع محاولة تقديم معالجات جديدة لآثارها وتداعياتها على القضية الفلسطينية ومنطقة الشرق الأوسط.

وفقاً للناشر، فإنه على الرغم من كثرة الكتابات العربية عن حرب حزيران/ يونيو 1967، فإنها ما تزال معدودة بالنسبة إلى حدث مفصلي تاريخي ترك آثاره، وما يزال، في المصير العربي برمته. وقد كانت معظم الكتابات جزءاً من المعركة الأيديولوجية والسياسية بين الأنظمة والقوى السياسية الحزبية العربية، كما أنها هدفت، في إجمالها، إلى تبرئة طرف وتحميل طرف آخر مسؤولية الهزيمة فيها، سواء أكان هذا الطرف نظاماً سياسياً أم تياراً سياسياً/ أيديولوجياً.

بشارة… قراءات نقديّة تتجاوز الصدمات 

يشتمل القسم الأوّل من الكتاب، وعنوانه «نصف قرن على حرب حزيران/ يونيو: قراءة جديدة»، على فصلين. الأوّل فحواه نص المحاضرة التي افتتح بها المفكّر الفلسطيني عزمي بشارة، المدير العامّ لـ "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" المؤتمر، وهي بعنوان «ما قبل حرب 1967 وما بعدها، كي لا يتجنب النقدُ النقدَ»، وفيها يطرح مسألة عدم التطرّق إلى أخطر إخفاق سياسي وعسكري عربي في التاريخ العربي الحديث للحرب، بينما صدرت مئات الدراسات في إسرائيل والغرب في دراسة الحرب وتحليل أسبابها ونتائجها، بل في توثيقها أيضاً، رادّاً ذلك إلى أنّ التدقيق في مجريات الحرب نفسها، والبحث في الإخفاقات العسكرية والتخبط في صنع القرار السياسي، اعتُبرا من المحظورات، في حين أنّ النقد العيني لا يكتفي بالعموميات، إضافةً إلى أنّ المثقفين العرب انشغلوا بعد الحرب بمسائل، مثّل الصدمة الحضارية، أو صدمة الحداثة المجدّدة التي أحدثتها الحرب، كما أنّ بعضهم قارن أثرها بأثر غزو نابليون بونابرت لمصر، فضلاً عن انشغالهم بصدمة اكتشاف قوّة المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية التي غالباً ما استخفوا بها.

بشارة رأى، في بحثه في هذا الكتاب، أنّ حرب الأيّام الستة تُعدُّ تاريخ نشوء إسرائيل الحقيقي، فقد كانت إسرائيل قبل مشروعاً غير مستقرٍّ في نظر الحركة الصهيونية وما سُمّي "يهود الشتات" الذين أقنعتهم حرب 1967 أنّ إسرائيل أكثر من مغامرة، وأنها مشروعٌ مضمون؛ فتكثّفت الهجرة إليها بعدها، وتدفقت الاستثمارات أضعافاً مضاعفةً، وانتقلت إسرائيل من اقتصاد القطاع العامّ الاستيطاني التعبوي إلى اللبرلة الاقتصادية.

فيما يحاول الأكاديمي السوداني، عبد الوهاب الأفندي، أستاذ العلوم السياسية في "معهد الدوحة للدراسات العليا"، في الفصل الثاني، الموسوم بـ «حزيران/ يونيو الأسود والنهضة الغائبة: الخلل المركّب في تحليل أُمّ الهزائم العربية وتشخيصها»، أن يشخص الهزيمة بوصفها أقسى من الصدمات السابقة، منذ غزو نابليون بونابرت لمصر؛ إذ كانت، في رأيه، هزيمةً لعمارة المجتمع العربي ولبنيته المادية والعقلية معاً، كشّافةً لتأخره السياسي والاقتصادي والتقني والثقافي.

القسم الثاني من الكتاب، وعنوانه «مسارات الحرب على الجبهات الثلاث (مصر والأردن وسورية)»، جاء في ثلاثة فصول. الفصل الثالث، الذي أنجزه الباحث والأكاديمي المصري، عمر عاشور، أستاذ الدراسات الأمنية والإستراتيجية، ومؤسّس ورئيس "برنامج الماجستير في الدراسات الأمنية النقديّة" بـ "معهد الدوحة للدراسات العليا"، حمل عنوان «هزيمة غير حتمية؟ الأداء القتالي على الجبهة المصرية»، وفيه يرى عاشور، أنّ الهزيمة العسكرية للقوّات المصرية في الحرب لم تكن حتمية بسبب إمكاناتها الهائلة العددية والنارية والتسليحية، إلى جانب الدعم الخارجي المكثف من قوى عظمى، والدعم الشعبي والإقليمي. ولكن يمكن فهم شبه حتمية هذه الهزيمة من خلال متغيّرات أخرى، أبرزها نوع النظام ومؤسّسته العسكرية وآثارهما في الأداء القتالي للجيش، ويمكن أن يُفهم ذلك أيضاً بتحليل المستوى المتوسط من خلال البعدين التكتيكي والعملياتي في الأداء القتالي للجيش المصري.

فيما يبحث الفصل الرابع، الذي وضعه الباحث الأردني، غازي ربابعة، استاذ العلوم السياسية السابق في "الجامعة الأردنية"، بعنوان «العمليات العسكرية على الجبهة الأردنية في حرب حزيران/ يونيو 1967 (شهادة قائد سرية مشاة وضابط استخبارات في معركة القدس 1967)»، في استعدادات الجيش الأردني وقدراته عشية الحرب، مؤكّداً أنّ هذا الجيش كان مدرباً في تلك الفترة، مقارنةً بجيوش المنطقة العربية، لكن ما كان ينقصه هو غطاء جوي ورئيس أركان حقيقي. مبيّناً أنّ الجيش الأردني لو تقدّم إلى مواقع متقدّمة لما كانت الهزيمة بهذه الصورة. ولفت الخبير العسكري والإستراتيجي الأردني، إلى أنّ العرب كانوا مولعون بالتقيد باتفاقيات الهدنة رغم الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة خلالها.

إلى ذلك، يحاول الباحث السوري، مروان قبلان، مدير "وحدة الدراسات السياسية" في "المركز العربي"، في الفصل الخامس الموسوم بـ «حرب حزيران/ يونيو 1967 على الجبهة السورية: سقوط الجولان وقصّة البيان رقم 66»، تقديم أقرب رواية واقعية ممكنة للأوضاع العسكرية والسياسية التي أفضت إلى سقوط الجولان، والأسباب التي أوصلت إلى هذه النتيجة التي كان لها تداعيات كبيرة على مستقبل سوريا والمنطقة العربية كلّها.

إعادة إنتاج المواجهة بين داود وجالوت

«إسرائيل والطريق إلى حرب حزيران/ يونيو 1967»، هو عنوان القسم الثالث من الكتاب، ويتكوّن من فصلين. السادس المعنون بـ «عملية صنع قرار حرب حزيران/ يونيو 1967 في إسرائيل»، والذي يتناول فيه ‏ المؤرّخ والمحاضر الجامعي الفلسطيني، محمود محارب، العوامل التي أثّرت في عملية صنع قرار الحرب التي شنّتها إسرائيل على مصر، وأبرزها العامل الأيديولوجي الصهيوني والعامل الأمني، لتبرير توسيع حدود الدولة. 

في الفصل السابع، وعنوانه «داود أم جالوت؟ الجدل الإسرائيلي حول حرب حزيران/ يونيو 1967»، يكثّف الباحث الجزائري، ياسر جزائرلي، أستاذ في "قسم الدراسات الإنسانية" في "جامعة ولاية فيتشبرغ" الأميركية، الجدل الإسرائيلي التاريخي حول أسباب الحرب، محلّلاً رؤية إسرائيل لنفسها بأنها مطوَّقة بدول معادية تستهدف القضاء على وجودها. ويرى جزائرلي أنّ الغرب نظر إلى إسرائيل والعرب على هذا النحو طوال عقود، موضّحاً أنّ هذه الرؤية تعيد إنتاج المواجهة بين داود وجالوت، وأنّ هذه الحرب هي استمرار لهذه المواجهة.

في فصول ثلاثة جاء القسم الرابع من الكتاب، وعنوانه «حرب حزيران/ يونيو وتداعياتها فلسطينياً»، الفصل الثامن، بحث أنجزه الباحث في "المركز العربي"، الأكاديمي الفلسطيني، بلال محمد شلش، وجاء بعنوان «هزيمة حزيران/ يونيو 1967 وإسهامها في إعادة بعث القوى السياسية المقاومة في الضفّة الغربية»، وفيه يتحدّث شلش عن انطلاق مقاومة مسلّحة فورية في الضفّة الغربية، بعد هزيمة حزيران/ يونيو، تتنافى وواقع قواها السياسية المفكّكة. ويستنتج أنّ بعث المقاومة المسلّحة في الضفّة ونشاطها خلال الأعوام (1967–1970)، نتجَا جزئياً من تحطّم بنية الرقابة والسيطرة الأمنية التي فرضتها الحكومة الأردنية في الضفّة الغربية، ومن غياب أيّ بنية أمنية بديلة توفّر سيطرة تامّة للاحتلال في أشهره الأولى.

«أثر حرب حزيران/ يونيو 1967 في المقاومة الفلسطينية»، هو عنوان الفصل التاسع من الكتاب، وفيه يبحث الكاتب والباحث الفلسطيني، معين الطاهر، العضو السابق في "المجلس الثوري" لحركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح)، و"المجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية"، في أثر الهزيمة في تطوّر حركة المقاومة الفلسطينية في المجالات التنظيمية والعسكرية والشعبية، من خلال مقارنة وضعها قبل الهزيمة بما بعدها.

أمّا في الفصل العاشر، الموسوم بـ «تأثير حرب حزيران/ يونيو 1967 في الاقتصاد الفلسطيني في الضفّة الغربية وقطاع غزة»، والذي وضعه الباحث الاقتصادي والأكاديمي الفلسطيني، محمد السمهوري، المحاضر السابق في "مركز كروان لدراسات الشرق الأوسط"، التابع لـ "جامعة براندايس" في الولايات المتّحدة الأميركية، فيتطرّق فيه إلى تأثير الحرب في الاقتصاد الفلسطيني تأثيراً سلبياً وعميقاً، ويشخّص هذا الاقتصاد قائلاً: إنه لا يزال يعاني تداعيات هذه الحرب المدمّرة عليه.

حمل القسم الخامس من الكتاب الذي نستعرضه هنا، عنوان «الأبعاد الدولية لحرب حزيران/ يونيو 1967»، ويتكوّن من فصلين. الفصل الحادي عشر، وعنوانه «هل كانت الحرب حتمية؟ قوّة الطوارئ التابعة للأمم المتّحدة ودورها في حرب حزيران/ يونيو 1967»، وفيه يحاول الباحث والأكاديمي الفلسطيني، عبد الحميد صيام، الخبير الأممي، والأستاذ في "جامعة رتغرز" بولاية نيوجرزي الأميركية، الإجابة عن أسئلة عدّة، منها: (أ) هل كانت حرب الخامس من حزيران/ يونيو حتمية؟ (ب) هل كان في الإمكان تفاديها؟ (ج) ما الدور الذي أدّته قوّة الأمم المتّحدة للطوارئ؟ (د) هل تصرف الأمين العامّ لمنظمة الأمم المتّحدة بما ينسجم مع القانون الدولي؟ (هـ) ما الخطوات التي قام بها، والتي لم يقُم بها أيضاً، لمنع اندلاع الحرب؟

الفصل الثاني عشر والأخير، جاء بعنوان «الحرب العربية - الإسرائيلية في عام 1967 في الوثائق الأميركية»، وفي هذا الفصل يبحث الكاتب والباحث الأكاديمي الفلسطيني، أسامة أبو ارشيد، المدير التنفيذي لمنظمة "أمريكيون من أجل العدالة في فلسطين"، في موقف الولايات المتّحدة من الحرب، بناءً على وثائق إدارة الرئيس الأميركي ليندون جونسون (1963-1969) المتاحة، وهي وثائق نُشرت في عام 2004 على موقع تابع لوزارة الخارجية الأميركية.