نائلة الوعري: «القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية» يدرس مسيرة المدينة المقدسة

2023-07-10 11:00:00

نائلة الوعري: «القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية» يدرس مسيرة المدينة المقدسة

الآن أعمل على إكمال مشروعي العلمي التاريخي عن فلسطين وعن مدينة القدس بالذات، وإن شاء الله سأكمل مسيرتي في كتاب جديد عن مدينة القدس، ضمن مشروعي التخصصي، وقد بدأت بالتحضير له ليكون تكملةً لكتابي «القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية (1908-1948)».

نحاور الباحثة والمؤرخة المقدسية نائلة الوعري، للحديث معها عن كتابها الأخير «القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية (1908-1948)»، الصادر عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" (بيروت/ عمّان)، 2022، والذي يقع في 567 صفحة من القطع الكبير. كما تناول الحوار الحديث عن مؤلفاتها الثلاثة السابقة، وهي: «موقف الولاة والعلماء والأعيان والإقطاعيين في فلسطين من المشروع الصهيوني (1856 - 1914)»، الصادر عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" أيضاً، طبعة أولى 2012؛ و«فلسطين في كتب الجغرافيين والرحالة العرب والمسلمين من القرن الثالث إلى القرن الرابع عشر الهجري»، (جزئين)، "دار ورد"، عمّان 2014؛ و«دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين (1914 – 1840)»، "دار الشروق"، عمّان 2007. 
 

وُلدتِ في حارة السعدية داخل البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلّة، فماذا عن هذا المكان الأوّل، الذي يظلّ يحفر في الإنسان عميقاً، خصوصاً لدى مبدعة مسكونة ببلدها مثلكِ؟

في القدس، وعلى بعد أمتار من المسجد الأقصى في حي من أحيائها القديمة. وفي حارة السعدية في حوش البسطامي ولدت، وعلى أرضها عشت طفولتي وجزءاً صغيراً من مراهقتي، في أزقتها وحواريها لعبت، وبكيت وغنيت. في مدارسها تعلمت الأبجدية، تعلمت الحب والعطاء والانتماء هذه الطفلة البريئة قصفت حرب الـ 1967 ضفيرتها، وأسقطت من يدها خبزتها، وقذفت بعيداً حقيبة كتبها، لتجد نفسها هي وعائلتها خارج الوطن.

قلتِ في حوار سابق، أنك "بدأتُ بكتابة سيرتي الحياتية التي تتناول ثلاثة عشر سنة عشتها في القدس، ثم بقية عمري في البحرين". فمتى سترى هذه السيرة/ المذكرات النور؟

نعم لدي الكثير لأقوله ولدي مخزون من الذكريات الحية الحزينة والجميلة ما بين القدس وعمان والمنامة وجاء الوقت للكتابة عن حياتي في هذه المدن، وقد أنجزت الجزء المتعلق بذكرياتي في مدينتي ومسقط رأسي القدس وفي البحرين؛ لدي دفتر ذكريات جميل فيه أحداث ومشاعر ممزوجة بالحب والانتماء والامتنان والفقد والحنين للوطن. كتابة السيرة الذاتية ليست بالعمل السهل ولكن إن شاء الله سأنجزها قريباً.

كيف كانت بداية تشكّل فكرة كتابكِ الأخير «القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية (1908-1948)» بذهنك، وكيف كان مسار العمل عليه لتحرير التاريخ الفلسطيني من قبضة الدراسات الصهيونية الاستعمارية؟  

كنت أريد أن أشتغل على موضوع يهم مدينة القدس، وخصوصاً التحديات التي تمر بها المدينة بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، "القدس عاصمة لإسرائيل"، لقد شغلتني كثيراً فكرة الكتاب، وأنا أعلم أنّ عملي على أي مشروع يهم القدس يجب أن يأتي بموضوع لم يكتب عنه سابقاً، ويثبت بالدلائل والوثائق والشواهد التاريخية مسيرة القدس وحضارتها كعاصمة سياسية وروحية، من خلال التحولات والتبدلات والتطورات المادية منها والمعنوية التي أسهمت في رسم تكوينها كعاصمة.

ما هي أبرز المحاور، وأهم الأفكار والأطروحات الرئيسة التي ناقشتها في هذا الكتاب؟ وهل من عقبات واجهتك أثناء عملية البحث والتحرير؟

هذه الدراسة اعتمدت في مضامينها على تفسير مفهوم العاصمة (القدس) في تلك الفترة الزمنية المهمة من تاريخ فلسطين، حيث بدأت الملامح الأولى لِتقَدُم مدينة القدس نحو مركز الريادة السياسية والروحية، معتمدةً على الشواهد التاريخية والمصادر والمراجع المتنوعة التي تثبت ذلك. فقد شهدت مدينة القدس في تاريخها الحديث والمعاصر مجموعة كبيرة من التحوُّلات والتبدُّلات والتطوُّرات المادية منها، والمعنوية، التي أسهمت في رسم وتكوين منجزاتها الثقافية والنهوض برسالتها الحضارية السامية بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية، ولاتزال تواصل مسيرتها الريادية إلى الأمام، وتدخل الألفية الثالثة بإرادة قوية وعزيمة لا تلين، وبتحدٍّ صارخ للغطرسة الصهيونية التي عملت كل ما في وسعها؛ لإنفاذ مشروعها الاستعماري على أراضيها، مدعومةً بالقوى الاستعمارية التي تعهدت بالرعاية والمؤازرة منذ انطلاق الحملة الصليبية السلمية عام 1831م، وانتهجت أسلوب جديد من الغزو الاستعماري ليس "بقعقعة السلاح" وإنما بالغزو الديني التبشيري والثقافي وبالتمدد والتغلغل الاستعماري وفتح باب الهجرة لليهود لتمكينهم من أرض فلسطين التاريخية، والسيطرة على القدس بشقيها الغربي والشرقي واعتمادها عاصمة للكيان المحتل. وقد ركَّزَت الدراسة جُلَّ اهتمامها بالبحث في المقومات الحضارية التي استندت إليها مدينة القدس وأهَّلتها لاحتلال مكانة الصدارة بين المدن الفلسطينية، وتوليها دفة القيادة كمركز إداري متقدم وعاصمة سياسية ما بين 1908- 1948، وفي مجملها تعكس حجم التحول السياسي الذي انتاب مسيرتها وباتت تَجْمَعُ في تكوينها ما بين المركزية الإدارية والسياسية والرمزية الروحية، وانطلقت في حدودها الزمنية من عودة الحياة الدستورية في الدولة العثمانية المجمدة منذ عام 1876 من جانب السلطان عبد الحميد الثاني وإجراء أول انتخابات برلمانية عام 1908، وبانتهاء فترة الحكم العثماني ورحيله عن مدينة القدس بتاريخ 9/12/1917 تابعت الدراسة مسيرة القدس إبان الاحتلال البريطاني ودخول الجنرال اللنبي المدينة غازياً ومحتلاً ومعلناً انتهاء الحروب الصليبية بتاريخ 11/12 من العام نفسه (أي بعد يومين من رحيل العثمانيين). وقد تم عرض مسيرة مدينة القدس وما امتلكته من مقومات: حضارية، وسياسية، ودينية، تميزت بها على بقية المدن المنتشرة في المناطق الوسطى والجنوبية من بلاد الشام، وأسهمت بارتقائها إلى عاصمة سياسية وروحية في التاريخ الحديث والمعاصر، وجاءت الدراسة في تسعة فصول أرفقتها بالنتائج التي توصلت إليها، والتي أثبتت مكانة القدس كعاصمة سياسية وروحية للعالم.
 


كيف تقرّبين لقرائنا كتابك السابق، «موقف الولاة والعلماء والأعيان والإقطاعيين من المشروع الصهيوني (1856-1914)»، وكيفية اشتغالك عليه؟

كتابي «موقف الولاة والعلماء والأعيان والإقطاعيين من المشروع الصهيوني»، هو في الأساس رسالتي لنيل درجة الدكتوراة التي أشرف عليها المرحوم البرفسور حسان حلاق، وقد مُنحتُ عليها "درجة التميز في البحث العلمي" (والتي تسمى دكتوراه دولة)، وهو كتاب يستأهل تسليط الضوء عليه لما يمثل من أبعاد سياسية واجتماعية وشرعية ودينية وعلمية بأبعادها العثمانية والفلسطينية والعربية والصهيونية والأوروبية. ويعاين الكتاب النخب من الولاة والعلماء والأعيان والإقطاعيين وموقفهم من المشروع الصهيوني، والذين لعبوا دوراً مهماً في ثلاثة محاور ارتكز الكتاب عليها وهي: من هادن المشروع الصهيوني، ومن تعاون معه، ومن سهل ومن سرب ومن باع أرض فلسطين، وكان التركيز بهذا على دور الإقطاعيين الذين كان مجملهم من العائلات العربية اللبنانية والسورية والمصرية.

ماذا عن كتابك المعجم الموسوعي «فلسطين في كتب الجغرافيين والرحّالة العرب..»، ومدى أهميته الفكرية والسياسية والأدبية، ونحن نتصدى منذ أكثر من قرن، لزيف السردية الصهيونية الرسمية المرتكزة على أساطير توراتية وتلمودية في نظرتها لحسم الصراع الفلسطيني الصهيوني؟ وعن التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة في مثل هذا الموضوع الشائك؟

تكمن أهمية هذا المعجم عن المدن والقرى الفلسطينية، أنه لا يخلو كتاب جغرافي أو معجم موسوعي من كتب الرحالة والجغرافيين من ذكر المدن الفلسطينية ورحلاتهم لها، وفي مقدمتها زيارة مدينة القدس والتغني بوصفها وخصوصاً الأماكن الدينية؛ ويرجع ذلك إلى المكانة الدينية التي تحتلها الأرض المقدسة في قلوب المسلمين، عبر عصور التاريخ الإسلامي التي تلت الفتح العمري لمدينة القدس. ولوجود القدس على أرض فلسطين الطهور؛ والتي كانت قبلة المسلمين الأولى لمدة ثلاث عشرة سنة ونيفاً، قبل أن يأمر الرسول المسلمين أن يولوا وجوههم شطر المسجد الحرام. وفيها ثالث الحرمين الشريفين، وهي مدينة الأنبياء، ومدينة الإسراء والمعراج، ولا ننسى المكانة العلمية التي تتميز بها القدس ابتداءً من القرن الخامس الهجري، حيث كانت مركز إشعاع علمي يقصده العلماء من كافة أصقاع العالم الإسلامي لطلب العلم والمجاورة. وللعلم أخذ مني هذا المعجم الموسوعي عن بلدانية فلسطين أكثر من 6 سنوات من العمل الجاد، مع فريق متخصص في البحث في كتب الجغرافيين والرحالة وخط سيرهم وزيارتهم إلى بلاد الشام وفلسطين، وطبعاً وجدنا كثير من الخرافات والأساطير التي كتبت وقد عكفنا على تخليص النصوص من سرديات التوراة والأساطير المختلقة خصوصا عن مدينة القدس. وقد جاءت مادة القدس في المعجم على امتداد 400 صفحة من حجم المعجم الذي جاء في 1700 صفحة.

أعود معك لكتابك الأول، «دور القنصليات الأجنبية في هجرة وترسيخ الاستيطان في فلسطين (1840-1914)»، لأسألك عن الأهداف الأساسية التي خطّطتِ لها حين شرعتِ في إنجازه؟

هذا الكتاب الصادر في عام 2007 يُعد اليوم، من أهم الكتب التاريخية التي اعتمد عليها كثير من الباحثين والطلاب في الجامعات الفلسطينية والعربية عن القضية الفلسطينية في مادة التاريخ. تتناول هذه الدراسة النوعية والأولى في هذا الموضوع، الأدوار المختلفة للقناصل والبعثات القنصلية، من خلال الوثائق العثمانية والبريطانية والفرنسة والألمانية، بخاصة أنّ هذه البعثات القنصلية الأوروبية خرجت عن إطارها الدبلوماسي المعهود وتجاوزت حدود نشاطاتها وصلاحياتها المتعارف عليها دبلوماسياً، لتقوم بأدوار تجاوزت خطورتها حدود الزمان والمكان، مستخدمة أدوات رسمية سُخرت لخدمة أهدافها وهي: الامتيازات الأجنبية الممنوحة لدولها من قبل السلطان العثماني، والإرساليات والبعثات الدينية والتبشيرية، ورغبة الدول الأجنبية وعلى رأسها بريطانيا في مساعدة اليهود على إقامة دولة لهم في فلسطين.

أنتِ رئيسة جمعية "نساء من أجل القدس" في البحرين، كيف ولدت فكرة تأسيسها في حزيران/ يونيو 2003، ومن ثم توسعت لتمتد إلى عدة دول عربية وأجنبية ما الذي تقدّمه الجمعية للقدس وأهلها؟

نعم، أترأس الأمانة العامة لـ "تجمع نساء من أجل القدس/ افريقيا"، وأيضاً رئيسة الجمعية في البحرين. جمعية "نساء من أجل القدس"، تم تأسيسها في البحرين عام ٢٠٠٣، ومن ثم عممنا فكرة إنشاء جمعيات تحمل نفس الاسم والأهداف في الدول العربية والأفريقية، وكانت ثاني جمعية أنشئت في العاصمة الأردنية عمّان، بعد عدة أشهر من انطلاق الجمعية في البحرين، ثم في تونس، ثم في بيروت، ومراكش، وكيب تاون وجوهانسبرغ في جنوب أفريقيا، حيث وجدنا رغبة كبيرة من النساء الإفريقيات عند زيارتي لهم في العام 2005 لخدمة الشعب الفلسطيني ومدينة القدس. الجمعية من أنشط الجمعيات التي تعمل من أجل مدينة القدس، وذلك ضمن مشاريع التعليم وكفالة الأيتام ودعم المسنين والمدارس التي تهتم بالأطفال. ولها أيضاً، مشاريع في باقي المدن الفلسطينية وخصوصاً في غزة. 

ما الدور الذي ترينه منوطاً اليوم، بالباحثين والمؤرخين والمثقفين الفلسطينيين في ظل مشهد فلسطيني يتصف باستمرار اعتداءات جيش الاحتلال الصهيوني والمستوطنين، وتسمين المستعمرات وتوسيعها وهدم البيوت وقتل الأطفال والشباب؟ 

بتنا محتاجين أن يتحول الباحثين والكتاب إلى جزء من معركة هذا الوطن، الذي يحتاج لعقول مفكرة ولكتاب وباحثين لإظهار القضية الفلسطينية العادلة والظلم الذي وقع عليها للعلن، وبكل لغات العالم، لا أن تبقى الحقيقة في الكتب المرصوصة فوق رفوف مكتباتنا. الواجهة الإعلامية الجديدة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مهمة أيضاً وتصل للقراء مباشرة، طبعاً إلى جانب البحث العلمي الجاد المكتوب والمقروء.

في الختام؛ هل هناك مشاريع بحثية أو إبداعية تشتغلين عليها وستنشر لك قريباً؟

الآن أعمل على إكمال مشروعي العلمي التاريخي عن فلسطين وعن مدينة القدس بالذات، وإن شاء الله سأكمل مسيرتي في كتاب جديد عن مدينة القدس، ضمن مشروعي التخصصي، وقد بدأت بالتحضير له ليكون تكملةً لكتابي «القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية (1908-1948)».