نواحٌ إباحيّ أبيض

2023-10-12 16:00:00

نواحٌ إباحيّ أبيض

لعلّها الحالة الأشد في التاريخ المعاصر التي حاصرت الموقف الغربي الأبيض أخلاقياً وضيّقت عليه. لم يلتمّ الغرب على بعضه خلف إسرائيل من قبل كما يفعل الآن.

لوثة التفوّق العرقي الأبيض، الأستذة والعنصرية، تكشّفتا اليوم كما لم تفعل أوروبا من قبل، مجتمعات وحكومات وإعلام وأحزاب، في القارة التي لم تعد خجلةً ولا مخفيّةً نفسيةَ المستعمِر وعقليته، من فرنسا إلى باقي أوروبا التي لم تكفّ عن النواح الإباحيّ تجاه يهود هجّرتهم بعد عقود من اللاسامية المريعة، ليلتمّوا خلف "الدولة اليهودية" في استعادة واستحضار مريعين لتاريخ أوروبي أسود إلى راهن أوروبا.

نواح أوروبي على مدنيين إسرائيليين غطّى على كل ما تلاه من السبت حتى اليوم الخميس، وما سيليه من أيام تبيد فيها إسرائيل المزيد من مدنيي قطاع غزة. هذا النواح غطى على تلك الإبادة، مهّد لها، برّر لها، فالقاتل متى كان أبيض أو مائلاً إلى البياض، قادماً من بلدان الاستعمار، إلى بلد استعمار آخر، كان مدنيّوه أعلى قيمة من آخرين، مستعمَرين، محاصَرين، مفقَرين، وهم عرب ومسلمون، لا قصص لعائلاتهم ولا صور شخصية لهم، لم يحصل أن كانوا في حفلة تكنو يوم قصفهم، فلا تراجيديا  إعلامية في أن تصيب القذيفة أحدهم في غرفة نومه. هم وحسب عدد كلّي يتجدّد نهاية كل يوم أو نشرة، لساكني منطقة اسمها قطاع غزة، لا اسم لهم ولا توصيف عند مثقفي أوروبا البيضاء وصحافييها وبرلمانييها. القطاع، المكان، هو الذي يُقصَف، القطاع، ذاته، منطلق "حماس" ومنتهاها. هذا أبعد ما يعرفه هؤلاء.

تفجّر الهلع الاستعماري لأنّ حركة تحرّر وطني -اتفقنا مع منهجها، فكراً وممارسة، أم لم نتّفق- في مكان ما في العالم، ردّت الصاع صاعين. لا يتوجّب على الفلسطينيين في غزة سوى أن يكونوا ضحايا كي يحافظوا على عناوين أقرب للحياد، لا يتوجّب عليهم سوى تلقي الضربات والصراخ. نحن موضوع للموت لا أكثر. "موتوا كي نلتفت إليكم، لا تقاوموا موتكم لأن انفجاراً أبيض سيلطّخكم".

التاريخ الأسود للأوروبيين البيض تجاه يهودهم، اتخذ شكلاً آخر اليوم، تجاه ضحايا يهودهم. العنصريون من الأوروبيين اليوم، أقرب إلى الفاشيات التي لم ترَ استغراباً في توصيف رسمي إسرائيلي للفلسطينيين بالحيوانات البشرية، تمهيداً لإبادتهم. الانحطاط الأوروبي في أعلى أشكاله اليوم، هو امتداد لحقبٍ مسودّة مغبرّة مدمّاة، من الاستعمار وما فيه من نهب وقتل واغتصاب واستعباد، إلى الحرب العالمية وتفشّي الفاشية واجتياحات النازية والقتل على القومية، إلى أنظمة رأسمالية كانت ولاتزال حواشي للولايات المتحدة وسوقاً ثقافياً وسياسياً واقتصادياً لها، إلى نوّاحين إباحيّين اليوم، وقد ذكّرتهم غزّة ومقاومتها بتاريخهم الأسود، في قارتهم وفي العالم.