المقاربة إذن، من بعد خيبة العناصر الأولى المفترَض أن تأتي بفيلم جيد، المقاربة للموضوع كانت أقرب لتقارير مكاتب التحقيقات الأمريكية والسياسات الخارجية والداخلية لها، في استعادة "حكومية" لموضوع الحرب على فيتنام.
لن يستغرب أحدنا في الخروج من فيلم للأمريكي بول شرايدر بشعور جيد حيال السيناريو المأخوذ عن رواية، وحسب. الأساس الأدبي للسيناريو قيمة أولى، والمهارة الكتابية لصاحب السيناريو ومخرج الفيلم قيمة ثانية، وهو مؤلف السيناريو المتميز في تاريخ السينما لفيلم "سائق التاكسي" لمارتن سكورسيزي عام ١٩٧٦.
عنصران يكفيان للبناء عليهما في صناعة فيلم ممتاز، أضيف إليهما سيرة المخرج، وهو من رعيلٍ قديم من الكلاسيكيين اليوم، ممن كانوا ثوريين قبل نصف قرن وأقل، رعيل ممن انتشلوا السينما الأمريكية من استديوهات هوليوود وكرنفالاتها إلى نيويورك (قبل أن يعودوا شبه تائبين إلى معقل تلك الاستديوهات)، وبسينما وجودية تغازل تلك الأوروبية.
لكن، كل هذا الكلام لا يعني أن الفيلم المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي، عظيم، أو بمستوى المتوقَّع. لا يكمن العيب في رفع التوقعات فتسهل الخيبة، بل في موضوعية ومعقولية المتوقَّع من صاحب سيرة فيلمية، كتابية تحديداً، كشرايدر. ولا يعني ذلك أن الفيلم دون المستوى. لكن، يخرج أحدنا من الصالة متسائلاً إن كان لفيلم ممتع نسبياً، كهذا، أن يصل حد التنافس على السعفة الذهبية.
يحكي "أوه كندا" (Oh Canada) عن هارب من الخدمة العسكرية الأمريكية في فيتنام، بأثر رجعي، من خلال مقابلة لفيلم وثائقي يجريه أحدهم معه. وهو، الهارب، بقي إلى حينه رمزاً وطنياً للسلام ورفض الحرب إلى درجة اللجوء إلى الجارة كندا، من بعد أفكار بالذهاب إلى كوبا، مطلوباً من قبل الأمن الأمريكي كهارب من الخدمة العسكرية. إنما يخلو الفيلم من مشاهد تعطي تبريراً درامياً للمحكيّ، فكما كان حديث الرجل عبارة عن ذكريات عشوائية ومنقوصة، كان الفيلم كذلك، أعطى المعلومة من دون إظهارها أو تبرير إعطائها. وكان علينا أن نقبل المعروضَ أمامنا كما هو، بنقائصه.
بكل الأحوال، سنعرف من القصة المبنية على شهادات الرجل وكلامه، أمام الكاميرا، أنه لم يكن بطلاً، سيحكي عن صُدف جعلته كذلك، عن خياناته الزوجية، عن تنكره لابن له من علاقة قديمة، وعن سرقته من متجر عمل به، وأساساً عن أن الهروب لم يكن لمواقف سياسية أو فكرية أو نضالية بأي شكل. الفيلم، هنا، يمزّق من صورة بطل قومي للسلام من خلال تسطيح فعل التمرد وحصره بالتهاءاتٍ وصدفٍ وقصورٍ شخصي، لا أنسنة الأسطورة.
المقاربة إذن، من بعد خيبة العناصر الأولى المفترَض أن تأتي بفيلم جيد، المقاربة للموضوع كانت أقرب لتقارير مكاتب التحقيقات الأمريكية والسياسات الخارجية والداخلية لها، في استعادة "حكومية" لموضوع الحرب على فيتنام.