أفينيون: الفرنسي يان جويل كولان يوزّع العنف على أكثر من روبرتو زوكو

2017-07-15 17:00:00

أفينيون: الفرنسي يان جويل كولان يوزّع العنف على أكثر من روبرتو زوكو
ROBERTO ZUCCO - YANN-JOËL COLLIN - (c) RDL

كل هذا استطاع أن يقدمه المخرج الفرنسي دون الإشارة إليه، إنما كان واقعه الخشبة، وافتراضه شاشة العرض، وما بينها من عنف، وفي العمل على نصوص فرنسية ما بعد حداثية، مع طلاب يخطون أولى خطواتهم بالتمثيل المسرحي، يبرع بالنفاذ إلى جمهور أفنيون، ليعكس شكل العالم اليوم ويصور العنف والضياع كما نحياهما.

استضاف مسرح (gymnase de lycée saint-joseph)، مسرحية المخرج الفرنسي يان جويل كولان المقدمة ضمن التظاهرة الرسمية لمهرجان أفينيون المسرحي، العرض الناتج عن عمل المخرج مع طلاب المعهد العالي الوطني للفنون الدرامية حمل اسم «روبرتو زوكو مدخل عن المسرح» (Roberto Zucco Prologue sur le théâtre). نسبة إلى استناده إلى نصّيْ «روبرتو زوكو» للفرنسي برنار ماري كولتيس بشكل رئيسي، و«مدخل عن المسرح« للفرنسي ديديه جورج غابيلي.

قرر كولان العمل مع سبعة عشر طالباً من أعمار متساوية، فاختار العمل على النص العنيف «روبيرتو زوكو»، مدخلاً بعض التفاصيل التي تخدم موضوعته من نص برولوغ عن المسرح. وكما هي بنية النص الرئيسية كان حال بنية العرض، فصول معنوَنة وسريعة ومتلاحقة، تشكل خط سير روبرتو زوكو، الشخصية العنيفة بلا مبرر درامي واضح. حيث أن النص المسمى باسم بطله رسمت ملامح شخصيته الرئيسية عن شخصية حقيقية لقاتل إيطالي متسلسل، ارتكب فظائعه بعد أن هرب من مصح عقلي، إلا أن كولتيس جعل حكاية هذا القاتل مرجعية لنقد منظومات اجتماعية سائدة، لا يحتاج التمرد عليها إلى دوافع عدا عن كونها موجودة.

في النص كما في العرض يهرب زوكو من سجن منيع بعد أن اعتُقل لأنه قتل أباه، فيذهب للبيت لأخذ ثيابه وقتل أمه، ثم يغتصب فتاة قاصر ستكون الشخصية الوحيدة التي تحب زوكو بعد أن صارت امرأة وأراحت أخيها العنيف من عبئ حراسة بكارتها، وخلال تتابع الأحداث يقتل زوكو شرطياً، ثم يقضي على طفل دونما ذنب، وينتهي بأن يتم القبض عليه مجدداً عن طريق الفتاة القاصر التي تخبر عنه بالخطأ بينما هي تبحث عنه، أما في الختام يصعد زوكو سطح السجن مجدداً وكأنه يهرب، لكن هذه المرة تستطع شمسٌ حجب الأبصار محولة زوكو لرمز يتجاوز كونه مجرماً.

الرؤية التي يطرحها كولتيس هي أن المجتمع دافع رئيسي للعنف، وأن أفعال زوكو مهما بلغت قسوتها، لن تعادل العنف اليومي، ذاك المتداول ببساطة تجعله اعتيادياً. أما كولان فقد أخذ النص باتجاه آخر وهو الغربة ضمن المجتمع ومعنى فقدان الهوية للأفراد وتبعات هذا الضياع على الشبان، وفي حوار له في كتاب المهرجان الرسمي يقول كولان في حديثه عن روبرتو زوكو: "إن أي شاب صغير يعاني هذا النوع من فقدان الهوية، بالإمكان أن يصبح وحشاً لا أحد يستطيع فهمه".
 

المثير في عرض كولان أنه لا يوجد مؤدي ثابت لروبرتو زوكو، في كل مشهد من العرض يلعب أحد الممثلين الذكور الشخصية، فمن لعب دور المحقق سيأخذ دور روبيرتو زوكو بنفس ثيابه، وكذلك الشرطي، ووالد الفتاة المراهقة السكير، وحتى الطفل الذي قُتل دون أي اعتبار وسط ثرثرة جمهور من المجتمع يتبارى بالتحليلات حول ما سيحدث، الطفل أيضاً سيكون روبيرتو زوكو المشهد التالي، وما ساعد في تحقيق هذه الرؤية أن الشخصيات التي يؤديها ممثلون من عمر واحد (شباب) لم نشعر بفتوّتهم إلا عندما يؤدون شخصية زوكو، أما باقي الشخصيات وعلى الرغم من متانة بنائها إلا أنها لا تملك أسماء، وليس من الضروري أن تؤدى بحذافيرها النفسية، فتتعدى كونها شخصيات لتصبح مضماراً لمسيرة زوكو، وصانعة بابتذالها مزاجه العنيف. الجميع قتلة، وليس زوكو هو المجرم في مجتمع مشوه، إنما المجتمع بأسره هو عبارة عن اجتماع عدد من المجرمين فاقدي الهوية.

وما ساعد في توسيع مجال عنف زوكو ليشمل المجتمع كاملاً، هو استخدام المخرج لشاشة عرض، وخلق فضاءات أداء حي خارج الخشبة، يتم تصويرها لتبث مباشرة، فعلى سبيل المثال فإن حديقة المسرح الخارجية استُغلت عدة زوايا منها لتشكل شارع المواخير الذي يقتل فيه زوكو الشرطي، كما شكلت الكواليس بيت الدعارة حيث تباع المراهقة هناك وتتحول إلى عاهرة بعد اغتصابها. وعلى الخشبة نفسها وضعت كاميرا لتبرز تعابير وجوه الممثلين بلقطات مقربة معظم الأحيان، ولتُدخل الجمهور بالعرض أحياناً أخرى، ففي المشهد الثالث عندما ينسل زوكو بوجهه البريء إلى الفتاة، ويأخذ عذريتها، تبحث الفتاة بداية بين الجمهور بالكاميرا عن زوكو، فنرى وجوه بعض المتفرجين بلقطات مقربة تظهر على الشاشة، وصولاً إلى زوكو، خجله وارتباكه يلقياننا بحيرة إن كان ممثلًا أم متفرجاً، ما أدخل الجمهور أيضاً باحتمالية أن كلاً منهم متهم بالإجرام، والجميع زوكو دون استثناء.

تأتي أهمية الرؤية المطروحة من قبل كولان هي أن العالم اليوم كله يتساءل عن معنى الهوية، فبالإضافة للسوريين والفلسطينيين وأشباههم من المنفيين الذين يخضعون لهذا السؤال بشكل شبه يومي، فإن معظم مواطني العالم يشعرون أن العالم أكثر اختلالاً وأحداثه أكثر تسارعاً يوماً بعد يوم، فعلى الصعيد السياسي فإن العالم الذي يحكمه ثلة من الطراطير يشكل تهديداً لهويات الدول التي يحكمونها، عبر السير ببلادهم نحو الجحيم، وعلى الصعيد الاجتماعي فقد خلق التطور المعلوماتي حالة من الفصام بين الواقعي والافتراضي معظم التنبؤات تشير بخطورتها النفسية المستقبلية. وبين البعد السياسي والبعد الاجتماعي، هناك برك الدم المفتوحة والمتجددة في الشرق الأوسط والعالم العربي خصوصاً، لا بد من أن ينبت العنف على أثر هذا الاغتراب فلا تربة أخصب له منها.

كل هذا استطاع أن يقدمه المخرج الفرنسي دون الإشارة إليه، إنما كان واقعه الخشبة، وافتراضه شاشة العرض، وما بينها من عنف، وفي العمل على نصوص فرنسية ما بعد حداثية، مع طلاب يخطون أولى خطواتهم بالتمثيل المسرحي، يبرع بالنفاذ إلى جمهور أفنيون، ليعكس شكل العالم اليوم ويصور العنف والضياع كما نحياهما.
ROBERTO ZUCCO - YANN-JOËL COLLIN - (c) Rdl

ROBERTO ZUCCO - YANN-JOËL COLLIN - (c) RdL

ROBERTO ZUCCO - YANN-JOËL COLLIN - (c) RDL

ROBERTO ZUCCO - YANN-JOËL COLLIN - (c) RDL



ROBERTO ZUCCO - YANN-JOËL COLLIN - (c) RDL

ROBERTO ZUCCO - YANN-JOËL COLLIN - (c) RDL