ميسرة بارود: ما زلت، بالرسم، حياً

2024-05-11 02:00:00

ميسرة بارود: ما زلت، بالرسم، حياً
جميع الصور من المعرض

سننهض ولكن لن يحدث هذا سوى بجهود الجميع وكل في موقعه يستطيع أن يقوم بواجبه نحو بناء المستقبل على الرغم من كل التحديات، لدينا الإرادة في الصمود والصبر ولدينا القدرة على تحمل الصعاب من أجل حياة كريمة وغد مشرق.

حيث السجن والموت والقهر والدمار يصدح الفن ليعلن عن استمرارية الحياة في معرض "ما زلت حياً" في غاليري زاوية للفنان ميسرة بارود ابن مدينة غزة. تشكل هذا المعرض من 12 جدارية تم نقلها الى جدران الجاليري بواسطة الفنان الفلسطيني محمد سباعنة وفؤاد اليماني وفنانين محليين آخرين مثل رهف نتشة، سلسبيلا عنبتاوي ودانيا العمري.

جاء هذا المعرض ليؤكد على الإستمرارية والحياة التي لطالما أثبتها الفلسطيني بصموده بشتى الطرق على الرغم من كل النكبات التي حلت به، وحال ميسرة كغيره من الفلسطينيين حلت به الكثير من النكبات من خسارة منزله الى الإستديو إلى أعماله الفنية وأدواته وذكرياته، إلا أنه بأوراقه وقلم الرصاص ما زال يحاول النجاة.

يقول بارود: «أرسم لأقول لأصدقائي إنني مازلت على قيد الحياة». يذكرنا بارود بواسطة رسوماته أنه ما زال حياً شاهداً على النزوح والقصف والخوف والموت، التي يوثقها إن لم يكن بجسده فبأوراقه وكلماته التي يشاركها من خلال يومياته على منصات التواصل الاجتماعي كفعل إثبات يؤكد من خلاله صوته و وجوده. وكونه لم يستطيع الوصول بجسده الى رام الله استطاع أن يصل بفنه، وتغلب على كل المستحيلات التي يفرضها المستعمر. وفي مقابلة معه عبر العالم الإفتراضي أجاب بارود عن بعض التساؤلات، والتي كانت بدايتها مع إقامة المعرض.
 


من أين وكيف جاءت فكرة المعرض والتعاون؟

تلقيت اتصالاً من غاليري زاوية وصديقي سباعنة وتحدثوا فيه معي عن فكرة العرض في رام الله أسوة بما قدمه الزملاء في المتحف الفلسطيني ومؤسسة القطان، لقد كانت الفكرة بأن يتم نقل أعمالي وإعادة رسمها وصياغتها على جدران الجاليري وفي فضائه العام وأن يتم مشاركة عدد من الفنانين في تنفيذ الفكرة كرسالة تضامن معي بشكل خاص ومع غزة بشكل عام.

لماذا اخترت هذه الفترة بالذات للعرض في  رام الله؟

لقد تلقيت مسبقا عدة دعوات من جهات مختلفة لعرض تجربتي الحالية، لم أرفضها بطبيعة الحال ولكن كانت إجابتي بأن الحرب لم تنتهي بعد وعليه فإن العمل لم يكتمل وأنني سأكون اكثر استعداداً بعد ان تنتهي الحرب، العرض في رام الله جاء بتوقيت مختلف والفكرة كانت مختلفة فأنا لا ارى فيه معرضاً شخصياً كذلك ولكن بالنسبة لي كان المعرض فعل ونشاط احتجاجي على ما يحدث في غزة وصوت من قلب الحرب يتجاوز الحدود والحواجز والقتل ليعلن تحديه للإبادة، ومحاولة لكشف وتسليط الضوء على ما يحدث في الحرب، لكن بصياغة فنية خالصة، وقد كان للأصدقاء محمد سباعنة وفؤاد اليماني الفضل الأكبر في إنجاز المعرض واختيار الفريق المساعد و تعاونو جميعا في إخراج هذا العمل، لقد تركت هامشا كبيرا لدى الأصدقاء للتصرف بالأعمال حسب رؤيتهم بعد أن توافقنا على الشكل والإطار العام والفكرة.

إلى اي حد قادر أن تنتج في وسط هذه الابادة؟ وكيف ترى شكل الإنتاج لديك قبل وأثناء الإبادة؟

فكرة الإنتاج وسط الإبادة لم تكن سهلة على الإطلاق ولن اخفي أنني كنت مترددا في البداية من النشر على مواقع التواصل كنت أظن بأن مشاركة الأعمال في ذلك الوقت هو نوع من الترف، ولكنني أقنعت نفسي لاحقا بأن النشر والمشاركة يحمل في طياته عدة رسائل أولها توثيق الأحداث برؤية فنية خاصة، وثانيا النشر كان بمثابة رسالة للأصدقاء لطمئنتهم بأنني لازلت حيا، ومن ناحية أخرى كان الرسم يعينني على تجاوز المحنة بالتعبير عنها.

ما هي الأوقات التي ترسم فيها في هذه الفترة التي تشهد إبادة للفلسطينيين؟

لقد اعتدت على ممارسة هذا الطقس اليومي في الرسم والمشاركة واحتفظت بادائه رغم صعوبة الظروف، كنت ابحث عن الفرصة التي أستطيع أن أخلو بها إلى نفسي بعد أن ينام الجميع، ولقد كنت محظوظا بالعثور على قلم وبعض الأوراق لتكون بداية إنتاج هذه السلسلة. في البداية بدا كل شيء مختلف أنتجت السلسلة خارج مرسمي (الذي سوته الصواريخ بالأرض) و بأدوات بسيطة مثل قلم الرصاص والورق ولاحقًا حصلت على بعض أقلام الحبر. لقد خصصت لنفسي مساحة لا تتجاوز 2 متر مربع لأرسم فيها واحتفظ بأدواتي، وهي المساحة التي تكون متاحة استغلها بعد أن ينام الجميع، كان الليل طويل وصوت الطائرات التي تطلق حممها في كل مكان لا يتوقف، لقد غرقت غزة في ظلام دامس منذ السابع من أكتوبر فاستعنت بمصباح صغير لا يكاد يضيء مساحة الورقة عثرت عليه في متجر لبيع ألعاب الأطفال، ورغم ذلك كنت سعيدا بما أنتج في كل ليلة.   
 


ما هو شكل مقاومتك كفنان؟

لقد حرصت منذ بداياتي الأولى حتى الآن على أن اعبر عن القضايا الإنسانية بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص من خلال التعبير عن (الاسرى وتهويد القدس والاستيطان والحرب  والهجرة والحواجز وجدار الفصل العنصري والاعتقالات اليومية والهدم والاستيلاء على الأراضي واقتلاع الأشجار والحصار) وغيرها من موضوعات، لقد شغلتني تلك القضايا واستطعت ان اعبر عنها في معظم أعمالي، لقد تشكلت المعاناة ببعد إنساني وكانت صرخة جمالية تصف ما يعانيه الإنسان في كل أنحاء العالم بشكل عام والمعاناة الفلسطينية بشكل خاص، ولا زلت أقوم بأداء هذا الدور من خلال الرسم اليومي والنشر عبر الفضاء الأزرق.

في أي حيز انت اقوى الخاص أم العام وهل تفصل بين الحيز الاجتماعي وعالمك مرسمك؟

أنا أعيش ضمن واقع عام ولست ادري ان كان باستطاعتي فصل أعمال وتصنيفها بالعام او الخاص فكلاهما مترابط، اتأثر بشكل شخصي بكل التفاصيل العامة التي تحدث من حيث التعبير. كثيرا ما أقوم بإنتاج أعمال مختلفة ضمن إطار التجريب والبحث وأقوم بتدوين النتائج في ملاحظات وأسجلها كأفكار مؤجلة وتبقى في إطار الخاص إلى ان يتم تنفيذها لتفقد هذه الصفة، فجميع الأعمال تصبح ضمن العام حين نشاركها مع الآخرين.

هل ترى الفن الفلسطيني يرتقي لكونه فن مقاوم؟

الفن الفلسطيني فن مقاوم ومنذ نشأته وبشكل عام قام بمهمة أساسية وحافظ على الإستمرار فيها وهي نشر الرواية الفلسطينية وفضح ممارسات الاحتلال متحديا محاولات الاحتلال في طمس هويته وإنكار وجوده، فعبر عن قضاياه بأمانة والتزام مناديا بحقوقه في العيش الكريم والحرية والسلام. لقد كان العمل الفني يسير بخطى واثقة نحو هدف نبيل جنبا إلى جنب مع المناضلين في الميادين ومرافق للخطاب السياسي وربما كان أكثر قدرة في التعبير عن الذات الفلسطينية من الخطاب الرسمي.

هل وصل صوتك للمتلقي سواء من معرضك أو منشوراتك عبر الفضاء الإلكتروني وكيف تقيس مقدار التواصل بينك وبين المتلقي في أي مكان كان؟

اعتقد ان تفاعل الأصدقاء والمتابعين كان له دور كبير في استمراري، لقد كانت مشاركاتهم لمنشوراتي اليومية وتفاعلهم معي حافز كبير لمواصلة الأداء والإنتاج، كان تفاعلهم كصدى صوتي الذي ينتقل في فضاءات أكثر اتساعا من الفضاء الأزرق، لقد تلقيت دعوات كثيرة للمشاركة وعرض الأعمال كانت سواء في أماكن مغلقة أو فضاءات عامة مفتوح، لقد شاركت أعمالي في احتجاجات الجامعات في امريكا وكندا، وتم عرضها على مبنى متحف الفن الحديث في نيويورك، وفي فينيسيا على هامش البينالي، والآن في جاليري زاوية، كما تلقيت دعوات أخرى من جهات مختلفة في القاهرة وألمانيا وأمريكا وكندا والأردن والضفة الغربية سواء كانت هذه الدعوات بالمشاركة أو إقامة عرض خاص او نشر المجموعة في كتاب ناهيك عن الصحف والمجلات التي قامت بالكتابة عن السلسلة كصوت حي من وسط المقتلة.

محو الجداريات في ختام المعرض ماذا يعني أو ما الهدف الرساله منه؟

لكل شيء نهاية وأعتقد أنه في نهاية المعرض يجب أن يعاد تهيئة المكان لاستقبال عروض جديدة، وأعتقد أن الرسالة الكامنة في الرسم على الجدران هي بإزالتها، رسالة تقول بأن للحرب نهاية، وان الحروب هي ظرف مؤقت لن يدوم والى زوال.

هل أنت قادر في هذه اللحظة على أن تتخيل المستقبل الفلسطيني؟ وهل تستطيع أن ترى الامل بعد كل ما حدث ويحدث؟

المستقبل الفلسطيني على المستوى القريب ومن وسط المقتلة ربما سوف يراه الكثيرون كمشهد مظلم وسأكون واقعيا في الإجابة في ظل هذا الدمار الهائل والقتل اليومي والإبادة وكل ما يحيط بنا من ملايين الأطنان من الركام والبؤس والظلام فأنا لا ارى مستقبلا مشرقا على المستوى القريب، ولكن لا يمكن لأسطورة العنقاء الفلسطينية أن تتبدل فنحن نؤمن بها وسنعود من جديد نحيا من قلب الموت ونعود للبناء من جديد.

كيف سننهض من جديد بعد كل الموت والدمار الذي يحدث؟

سننهض ولكن لن يحدث هذا سوى بجهود الجميع وكل في موقعه يستطيع أن يقوم بواجبه نحو بناء المستقبل على الرغم من كل التحديات، لدينا الإرادة في الصمود والصبر ولدينا القدرة على تحمل الصعاب من أجل حياة كريمة وغد مشرق.

يحاول بارود من خلال فنه الثورة على مصيره كفلسطيني واثارة فكرة الحياة والوجود في ظل الإبادة من خلال إيصال رسالة مفادها أنه ثمة أحياء ووجود وعلى البشرية جمعاء ان تفكر بحالهم وأن تراهم، كما يشير من خلال فكرة المحو للجداريات إلى أن هناك نهاية لكل شيء سواء نهاية لمعرضه أو نهاية للحرب والاستعمار فلا ثبات هذه القاعدة الوجودية الأكثر وضوحا في عالم المتغيرات.