بعد إتاحة وثائق الستينات... لا أخلاقية "نوبل للأدب" ليست جديدة!

2018-05-29 13:00:00

بعد إتاحة وثائق الستينات... لا أخلاقية
ستاينبيك، وشولوخوف، سارتر

حجب جائزة الآداب للعام الجاري، مع إتاحة وثائق فترة الستينات، كشف الكثير عن تسييس الجائزة، حقيقة وأكيدًا، وأكد أن الأسباب الأخلاقية التي تسببت في حجب جائزة هذا العام لا يجب أن ننظر لها كتحول في مسار الجائزة الأشهر عالميًا، لأن التحول تأكد أنه قديم، قديم جدًا، واللاأخلاقية أيضًا ليست بالمفاجأة فيما يخص جائزة نوبل، التي فقدت الكثير جدًا من نزاهتها، ولا يعلم أحد ماذا سيحدث لها في السنوات المقبلة.

منذ أيام، حجبت الأكاديمية السويدية جائزة الآداب للعام الجاري 2018، وذلك لأسباب أخلاقية، بعد فضح تجاوزات زوج إحدى عضوات لجنة الآداب بخصوص تحرش واغتصاب 18 امرأة في مقرات تابعة للأكاديمية، وهي ليست المرة الأولى التي تُحجب فيها جائزة الآداب، بل الثامنة، ولكنها الأولى فيما يخص السبب المعلن، حيث إنه للمرة الأولى في تاريخ الأكاديمية يُعلن عن سبب الحجب بوصفه أخلاقيًا، فالمرات السبع السابقة كانت لأسباب سياسية، ولكن المدقق في مسار ومسيرة الجائزة الأشهر عالميًا، يدرك، بسهولة، أن التجاوزات الأخلاقية ليست بالجديدة هذه المرة، إذ أعلنت الأكاديمية أوائل العام الجاري عن وثائقها السرية لعام 1967، ومن المعروف أنه لا يتم الإعلان عن مرشحي سنة من السنوات لجائزة نوبل إلا بعد مرور خمسين سنة كاملة، ومع إعلان الأكاديمية عن وثائق عام النكسة، وما قبلها من سنوات تبدأ العام 1962، حيث تزايدت حدة الصراع والتوتر العربي الإسرائيلي الذي انتهى نهاية مشؤومة صبيحة الخامس من يونيو/ حزيران 1967، تتبدى بعض الحقائق التي من شأنها أن تسيء بوضوح إلى الأكاديمية واختياراتها غير المبررة خلال تلك الفترة البعيدة.

1962

66 مرشحًا فقط تم قبولهم في العام 1966، بينهم 15 مرشحًا تم ترشيحهم للمرة الأولى، ومن المعروف أن الأكاديمية لا تقبل أي طلب ترشيح من أي جهة، بل تُقدم لها مئات الطلبات، ثم تستقر هي في النهاية على عدد من طلبات الترشيح تختار من بينهم فائزًا أو أكثر بالجائزة.

اختارت اللجنة في قائمتها القصيرة: الأمريكي جون ستاينبيك، الإنجليزي روبرت جريفز، الفرنسي جان أنويه، الدنماركية كارين بليكسين، والبريطاني لورانس داريل. في السابع من سبتمبر تضاءلت القائمة لتضم أربعة أسماء فقط، وذلك بعد وفاة كارين بليكسين. اختارت اللجنة جون ستاينبيك لتمنحه جائزة الآداب لهذا العام، وكانت هذه هي المرة الثامنة التي يترشح فيها ستاينبيك الذي كشفت وثائق الأكاديمية أنه وصل للقائمة القصيرة أعوام: 1943، 44، 45، 49، 58، 59، 60، 61. وكان إلى جانبه كاتبان ترشحا من قبل في أعوام سابقة وهما: روبرت جريفز أعوام 1950، 1960، 1961، وجان أنويه عام 1961.

1963

80 مرشحًا اختارتهم اللجنة لهذا العام، بينهم 22 مرشحًا يظهرون للمرة الأولى على قوائم الترشيحات النهائية. ضمت القائمة القصيرة ذلك العام ستة مرشحين هم: التشيلي بابلو نيرودا، اليوناني جيورجيوس سيفريس، الأيرلندي صمويل بيكيت، الياباني يوكيو ميشيما، والدنماركي أكسيل ساندموس، والإنجليزي ويستن هيو أودن.

كتبت اللجنة تقريرها الذي وضع سيفريس على رأس الترشيحات، يليه أودن، ثم بابلو نيرودا ثالثًا، فيما استبعدت المرشحين الثلاثة الآخرين، وبررت استبعادها لصمويل بيكيت باعتباره يكتب عن أفكار مثالية بعض الشيء لا يمكن أن تُمنح جائزة عالمية كنوبل، كما أشارت إلى أن ساندموس لا يرقَ بعد لينال جائزة عالمية أيضًا، فيما كان سبب استبعاد الياباني ميشيما هو الأغرب، إذ أوضحت اللجنة في تقريرها أنه يُرشح للمرة الأولى، وأنه ياباني، وأن اللحظة لم تحن بعد لمنح كاتب ياباني جائزة كنوبل، خاصة وأنه كان واحدًا من بين أربعة كتاب يابانيين ضمتهم القائمة الأولية، وضمنيًا، فإن هذا يكفي الآن.

أخذت الأكاديمية بقرار اللجنة، وفاز اليوناني جيورجيوس سيفريس بالجائزة، بعد أن ترشح مرتين سابقتين 1955، و1961.

1964

76 مرشحًا لذلك العام، بينهم 19 مرشحًا جديدًا، ضمت القائمة القصيرة ستة مرشحين هم: الأيرلندي صمويل بيكيت، الإنجليزي ويستن هيو أودن، الفرنسي جان بول سارتر، الفرنسي يوجين يونسكو، الياباني جونيتشيرو تانيزاكي، والروسي ميخائيل شولوخوف.

وضعت اللجنة في تقريرها النهائي اسمين فقط يستحقا الحصول على الجائزة، وهما: سارتر أولًا، ثم شولوخوف. ترشح سارتر من قبل سبع مرات متتالية، إذ كان مرشحًا دائمًا منذ العام 1957 وحتى 1964، أما شولوخوف فترشح خمس مرات أعوام 1955، 1956، 1968، 1961، 1964.

اختارت الأكاديمية الفرنسي جان بول سارتر لتمنحه جائزة نوبل للآداب، غير أنه اعتذر عن قبولها، معبرًا عن رفضه التام لكافة أشكال التكريمات والجوائز الأدبية، وكانت المرة الأولى التي يرفض فيها كاتب جائزة نوبل.

1965

90 مرشحًا ضمتهم القائمة الأولية التي قبلتها الأكاديمية السويدية ذلك العام، ويقول تقرير العام إن هذا هو العدد الأكبر في تاريخ الجائزة من حيث عدد الطلبات المقبولة، ومن بين الـ 90 مرشحًا كان هناك 19 كاتبًا يظهرون تحت أضواء نوبل للمرة الأولى.

اقترحت اللجنة ذلك العام أن تذهب الجائزة مناصفة لكاتبين يكتبان في نفس اللغة، ووضعت ستة كتاب في قائمتها القصيرة، واختارت في المركز الأول أن تُقسّم الجائزة بين الروسيان ميخائيل شولخوف وآنا أخماتوفا، وثانيًا الجواتيمالي ميجيل أنخيل أستورياس ولويس بورخيس، وفي المركز الثالث السويدية من أصل يهودي نيلي زاكس والإسرائيلي صموئيل عجنون. ظهور يهودي كبير، ولافت.

رفضت الأكاديمية اقتراح أن تذهب الجائزة مناصفة، وكان على اللجنة أن تعود لتعيد تقييم الأمور والاختيارات من جديد، فاختارت ثلاثة أسماء: شولوخوف أولًا، وعجنون ثانيًا، ثم أودن ثالثًا، لتقرر الأكاديمية منح الجائزة لاختيار اللجنة الأول ميخائيل شولوخوف.

1966

72 مرشحًا لذلك العام بينهم عشرة مرشحين يظهرون للمرة الأولى، واختارت اللجنة الكاتب اليابانى ياسونارى كواباتا، على رأس المرشحين للجائزة، وبعده مناصفة الثنائى نيلى زاكس وشموئيل يوسف عجنون، وفى المركز الثالث جراهام جرين، ورابعًا ويستن هيو أودن، ثم صمويل بيكيت.

في تلك الدورة، لم تأخذ الأكاديمية برأي اللجنة، لم تمنح الجائزة لكواباتا، واختارت أن تمنحها للثنائي اليهودي نيلي زاكس وشموئيل عجنون، في ظل وجود بيكيت وأودن وكواباتا، وفي فترة صاخبة في فترات الصراع العربي الإسرائيلي.

1967

ضمت قائمة الترشيحات الأولية 70 مرشحًا بينهم 17 للمرة الأولى، اختارت اللجنة ثلاثة أسماء في قائمتها القصيرة، ووضعت الإنجليزي جراهام جرين على رأس القائمة، فيما حل الثنائي لويس بورخيس وأستورياس ثانيًا في اقتراح بأن تذهب الجائزة مناصفة بينهما.

للمرة الثانية تواليًا، رفضت الأكاديمية السويدية اقتراح اللجنة، لم تمنح الجائزة لجرين، كما لم تمنحها مناصفة بين أستورياس وبورخيس، وفضلت منحها للجواتيمالي أستورياس منفردًا.

علامات استفهام

من الطبيعي أن تشكل الأكاديمية لجانًا في كل مجال، لأنها بطبيعة الحال لا تعرف ولا تمتلك خبرات تؤهلها للحكم في مجالات الآداب والسلام والكيمياء والفيزياء وهكذا، وبالتالي فإن آراء هذه اللجان يجب أن يكون مُلزمًا للأكاديمية، وخلال فترة الستينات كما لاحظنا من تقارير ووثائق تلك المرحلة تشير إلى أن الأكاديمية عملت بتوصيات اللجنة. فعلت ذلك مع ستاينبيك 1962، وسيفريس العام 1963، وسارتر في 1964، وشولوخوف في 1965.

ولكن، شهد العام 1966 إهمال الأكاديمية لقرار اللجنة التي وضعت الياباني كواباتا على رأس المرشحين، وهو أديب عالمي معروف وله منجزه الذي يؤهله، كما أن تلك الدورة شهدت حضورًا لصمويل بيكيت وهوستن أودن، وكلاهما لا يحتاج لمن يتحدث عن أدبه أو قيمته، تركت الأكاديمية كل ذلك، لتمنح الجائزة مناصفة لكاتبين من أصول يهودية: الإسرائيلي شموئيل عجنون، والسويدية نيلي زاكس، على الرغم من أنها نفس الأكاديمية التي رفضت قبل عام واحد وفي 1965 اقتراح اللجنة بأن تذهب الجائزة مناصفة، وفرضت على اللجنة أن تعيد كتابة تقريرها واختياراتها، لتقوم بتقسيم الجائزة في 1966، في خطوة وتصرف مستفز للعالم العربي كله، ولأجزاء من العالم بأسره، العالم الذي كان رافضًا للممارسات العدائية لدولة إسرائيل، وفي ظل اشتداد الصراع العربي الإسرائيلي. المستفز جدًا تمثل في أن تُمنح الجائزة لكاتبين لا كاتب واحد، وكلاهما يهودي، وسط تجاهل أسماء لامعة للغاية.

وفي 1967، كررت الأكاديمية تجاهلها لتقرير اللجنة التي وضعت جراهام جرين أولًا، ثم مناصفة الجائزة بين أستورياس وبورخيس، استبعدت جرين، واستبعدت اقتراح المناصفة. لماذا إذن؟ لماذا تستبعد اقتراح المناصفة العام 1965 والعام 1967، في حين تقبله في 1966، في مشهد يبدو وكأنه كُتب خصيصًا من أجل ذلك، من أجل إثارة الاشمئزاز واستثارة الغضب العربي تحديدًا، وما دور اللجنة إذن طالما تُستبعد ترشيحاتها ولا يُعتد باقتراحاتها؟ فلتقم الأكاديمية نفسها بإدارة الأمور، وتختار من تشاء.

حجب جائزة الآداب للعام الجاري، مع إتاحة وثائق فترة الستينات، كشف الكثير عن تسييس الجائزة، حقيقة وأكيدًا، وأكد أن الأسباب الأخلاقية التي تسببت في حجب جائزة هذا العام لا يجب أن ننظر لها كتحول في مسار الجائزة الأشهر عالميًا، لأن التحول تأكد أنه قديم، قديم جدًا، واللاأخلاقية أيضًا ليست بالمفاجأة فيما يخص جائزة نوبل، التي فقدت الكثير جدًا من نزاهتها، ولا يعلم أحد ماذا سيحدث لها في السنوات المقبلة.