أفلام قصيرة لهموم فلسطينية كبيرة... بين رائحة القهوة وموسيقى وغضب مراهقة وطفل

2018-11-23 02:00:00

أفلام قصيرة لهموم فلسطينية كبيرة... بين رائحة القهوة وموسيقى وغضب مراهقة وطفل
المخرجون في دار الكلمة

مثل هذه النوعية من الأفلام تؤكد دائماً أن ثمة مخارج عديدة لنقل الواقع وما يحدث من حوله، بلغة سينمائية بات الفلسطيني الذي يدخل إلى عالمها لا يقبل أن يقدمها بشكل سطحي، وهذا الذي يضع دائماً وأبداً السينما الفلسطينية في محافل دولية كبيرة لأنها مع كل الإمكانات البسيطة استطاعت أن تترك بصمتها  في الصناعة وتفرض نفسها بخصوصية لغتها السينمائية الموجهة ليس فقط للعرب بل للعالم.

عندما يطلق على اسم مشروع سينمائي "أحب بيت لحم" تقف كثيراً أمام كلمتين في الجملة: الحب وبيت لحم، فالحب موجود في حضرة مدينة ومدن فلسطينية كاملة المشهد في الذاكرة تنتظر فقط لحظة عودة يكون اللاجئون فيها جزءاً من يومياتها ومن حزنها وفرحها وغضبها وهدوئها، هذا هو الحق الذي نستجديه، لمن يصعب عليه حتى اللحظة تعريف معنى التمسك بحق العودة، الذي بتنا نبحث عنه من خلال  تفاصيل مدن عبر أفلام سينمائية تنقل لنا وجوهاً نلجأ بعدها للمرايا لنتأكد أن ثمة شبه بيننا ولو في العيون، نبحث عن حكايات تربطنا معهم أكثر لنكون على علم بكل ما يجري من حولنا بعيداً عن نشرات أخبار يتم إعدادها حسب الملفات وحسب المصالح.

مقدمة فرضت نفسها بعد مشاهدة أفلام قصيرة ضمن برنامج كلية ”دار الكلمة“ الجامعية للفنون والثقافة ”برنامج الإنتاج الفيلمي“ وبالتعاون مع نادي السينما ضمن مشروع ”أحب بيت لحم“.

بين رائحة قهوة وموسيقى وغضب مراهقة وطفل يستجدي الأمان، ستدرك أن ثمة رابطاً بين تلك الأفلام المتنوعة لها علاقة ببث المشاعر المختلفة في حضرة الاحتلال الذي بات يتفنن في تكريس كل المشاعر النفسية السلبية تجاه وجوده كل يوم أكثر فأكثر..

في فيلم مثل "منطقة ج" للمخرج صلاح أبو نعمة، أنت أمام مشهد واحد لمنزل في عائلة مكونة من أب وأم وطفل وكلب، كل هم الأب هو أن يحيط ذلك المنزل بكل صمامات الأمان، من مستوطنين عنصريين متربصين يريدون قتله وعائلته بدم بارد، المنطقة ج وهي المحاطة بأشرس البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، التي لا تحتمل وجود بيت صغير فيه طفل يلهو مع الكلب وبألعاب فيديو تصدر أصوات طلقات نار كفيلة بأن تبعث مشاعر الخوف عند مستوطن متفنن بالقتل.

في 10 دقائق تدرك معنى عدم الشعور بالأمان، وتدرك معنى محاولات غير مكتملة لترك المنزل، بخاصة بعد وفاة الكلب الذي كان من ضمن أساليب حماية العائلة من خطر قادم على شكل مستوطن.. نهاية الفيلم كفيلة بأن تعي معنى التمسك بالبيت والأرض والأمل حتى لو لم تعرف معها من كان القاتل ومن كان المقتول مع صوت إطلاق نار ينتهي مع أحداث الفيلم المصنوع بطريقة تجعلنا نتابع ما سيقدمه المخرج من جديد.
 

منطقة ج


في المقابل ستعيش تفاصيل لصباحات فلسطينية لكنها مصنوعة بالأبيض والأسود في فيلم "دلة قهوة" للمخرج ثائر العزة، الذي كان ذكياً باختيار أن يكون فيلمه غير ملون، لا تحتاج تلك التفاصيل إلى ألوان، بل تحتاج إلى لونين فقط لتنقل واقع تحت اسم القهر، كلها تلمسها من وجع العم جمعة بائع القهوة التي من شدة التركيز في صناعتها ووضعها بالدلة وتسخينها تستشعر رائحتها، عندما يأخذ مكانه أمام لوحة كبيرة لا يسعها كادر الكاميرا لأسماء من كان يعيش يوماً وبات شهيداً، العم جمعه لا يبتسم، يعمل على ما يبدو كي يشتري دخانه، طريقة نفثه للدخان بحد ذاتها تفصيلة لا تمر عبوراً، ينتظر من يناديه لأكواب قهوة توزع هنا وهناك وتأكيدات على أنه صانع "أزكى قهوة" في البلد. العم جمعة يحتاج إلى عمل إضافي، ينتظر من يعرض عليه أن يعتّل شيئاً ما على ظهره، وتأتيه الفرصة التي تكون لأجل هدم منزل أبو أيوب الذي قرر الاحتلال إزالته عن الوجود، ولدى صاحب المهمة تعليل لذلك أن يتم هدمه منا وفينا ولا يهدمه الاحتلال، هنا تسمع صوت العم جمعة وهو يقول "نزلني" بطريقة تحكي القهر بكل ما تحمله من معنى، يهيم على وجهه بعد سير بين الشوارع المؤدية إلى المخيم ليصل إلى منزله وينام، وأنت كمشاهد لا تبرح من رأسك رنين كلمة "نزلني" التي خرجت منه.

فيلم مصنوع بدقة اعتمد على قدرة المخرج على تجسيد حكاية في أقل من 10 دقائق، قدرة حملها البطل على عاتقه وأدارها المخرج بحرفية، تستحق الثناء لسينما فلسطينية نفخر بها.

ومن ناحية أخرة ستعيش تخبطات فتاة في مدينة بيت لحم اسمها سوسن على اسم الفيلم الذي صنعه المخرج صليبا رشماوي، تخبطات لها علاقة بخياراتها التي تبعد كثيراً عن رغبة والدتها التي جاءت إليها بعريس. تهرب من البيت، تنتقل من سيارة شاب يكاد يسمعها لتنزل إلى شوارع مليئة بصوت نباح على شكل كلاب تارة وعلى شكل بشر، تتعرف على المدينة المليئة بالضوء في عز العتمة التي تعيشها سوسن التي تلجأ أيضاً إلى "سندويشة فلافل" لسد جوع كناية عن أمور أخرى، وتراها أيضاً لاجئة إلى صدر صديقتها وتهرب منها أيضاً، إلى مقهى يعج بوجوه جاثمة على نفسها، لتعود أدراجها إلى المنزل في مقابلة بينها وبين نافذة لأم ما زالت تبحث عنها عن طريق مكالمات متتالية، كانت كفيلة بأن تجعل سوسن لا تدخل المنزل مكملة مسيرة هروبها  جالسة على صخرة لتعيش معنى شروق الشمس في المدينة.
 

أمبيانس

أما فيلم أمبيانس، للمخرج وسام جعفري، فهو من نوع الأفلام الذي يوصل الرسالة بخفة ظل قادرة على ترك أثرها والتفكير بما يحتويه الفيلم، وهذا من شأنه أن يعطي قيمة إضافية لجماليات الصناعة نفسها، هو باختصار يحكي عن الموسيقى النابعة من اليوميات المحيطة، من خلال رحلة شابين يبحثان عن مكان هادئ لتأليف مقطوعة موسيقية، الهدوء صفة لا يمكن أن تكون في المخيم، فصوت الجارات اللواتي يتناقلن الأخبار عبر النوافذ المشرعة من الممكن أن يضع حداً لهدوء جاء برهة حتى لو تدخل الشاب بنفسه لفض خلاف بينهن على وضع المايونز في الأول أو في الآخر على الطبخة، لتأتي بعدها أصوات البناء والحديد، يحاول الشابان قدر استطاعتهما البحث عن مكان حتى أنهما يلجآن إلى صالون حلاقة يكون السبب لانبثاق فكرة التأليف من خلال طفل يشاهد فيديو لأحدهم يضرب أيقاعات على أدوات كالطناجر، فيقرر الشابان أن يؤلفا موسيقاهم الخاصة من يوميات أصوات الناس والمخيم، لتعيش معهما تلك اليوميات المليئة بالاعتقالات اليومية والأعراس اليومية، وضحكات في الشوارع و بكاء وعمليات بناء وهدم، ومظاهرات لتستمع إلى موسيقى حياة كاملة الغريب فيها أن لحنها سيرافقك وتدندن ما سمعته حتى بعد انتهاء الفيلم الذي مدته 15 دقيقة والمصوّر أيضاً بالأبيض والأسود، لا حياد فيه أمام كل هذه الأحداث التي يعيشها الفلسطيني بشكل يومي.

مثل هذه النوعية من الأفلام تؤكد دائماً أن ثمة مخارج عديدة لنقل الواقع وما يحدث من حوله، بلغة سينمائية بات الفلسطيني الذي يدخل إلى عالمها لا يقبل أن يقدمها بشكل سطحي، وهذا الذي يضع دائماً وأبداً السينما الفلسطينية في محافل دولية كبيرة لأنها مع كل الإمكانات البسيطة استطاعت أن تترك بصمتها  في الصناعة وتفرض نفسها بخصوصية لغتها السينمائية الموجهة ليس فقط للعرب بل للعالم.
 

منتج الأفلام المعروضة سائد أنضوني