«استراتيجية المقاطعة» عن "المركز العربي"... هذه ساحتُنا

2019-06-21 01:00:00

«استراتيجية المقاطعة» عن
Nabil Anani, At Dawn, 2011, Acrylic on canvas, 120 × 150 cm

هذه الخصيصة الأساسية، البنيوية في هذا الفعل، إذ هو "فرض عين" لا يقتصر على "فدائيين"، وسلميّتُه، وتكيّفُه، وعالميّتُه، وأخيراً تراكمُه، تجعل المقاطعةَ بكافة أشكالها، ساحتنا للقتال اليوم، ساحة تجعلنا، بخصائصها، ندّاً للاحتلال.

نعرف أنّ أساليب المقاومة للاحتلال، كفلسطينيين، تتباين زمانياً ومكانياً، تبعاً للظروف الموضوعية والذاتية التي تحكم الفرد والجماعة منّا، وهذا ما جعل المقاومة، كفعل جماعي للفلسطينيين، تتراوح بين البقاء في (والإبقاء على) البيت، مروراً بقصيدة، في زمن سابق داخل الأرض المحتلة، إلى الكلاشْنِكوڤ في زمن لاحق، وقد خرج، وخرجت به الثّورة، من المخيّمات.

أسلوب مقاومة واحد يمكن القول إنّه جمع الفلسطينيين، وقد نضج اليوم، واتّضحت معالمه وبان تأثيره ومدى إزعاجه، عميقاً، لدولة الاحتلال وأصدقائها. هو، تحديداً، المقاطعة. مقاطعة الاحتلال بالمدى الواسع الذي يمكن لهذه الكلمة -لهذا الفعل- أن تشمله، لا كتنظيم ولا مؤسسة، بل كفعلٍ هو جماعي تماماً كما هو فردي.

بدراسات امتدّت موضوعاتُها تاريخياً وتفاوتت جغرافياً وتنوّعت اختصاصياً، إنتخبَ "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" من أوراق البحث لمؤتمر «استراتيجية المقاطعة في النضال ضد الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي: الواقع والطموح»، وأصدرها في كتاب بالعنوان ذاته (ديسمبر ٢٠١٨/ ٤٤٨ صفحة) بمقدّمة شاملة لمدير المركز، عزمي بشارة. إذ يوفّر الكتاب أرضيّة ثابتة لإدراك أهميّة وضرورة فعلٍ كالمقاطعة، اليوم تحديداً، كامتداد راهن وجامع لعموم التراث المقاوم للفلسطينيين.

في مقدّمته، يفصّل بشارة في التنويع داخل فعل المقاطعة ذاته، المتعلّق -كما كان فعل المقاومة دائماً- بمكان تواجد الفلسطيني، فتختلف المقاطعة بأشكالها، باختلاف المجتمع الذي ينتمي إليه الفلسطيني، ويمتد ذلك إلى أصدقائه في العالم، وأشقائه العرب، منظّمات وأفراد وحتى دوَل. ليحتمل هذا الفعل -المقاطعة بشكل عام- تنويعات تودي كلّها إلى عزل دولة الاحتلال، من صغيرها كالامتناع عن شراء برتقالة، إلى كبيرها كمواقف بلديّات ونقابات وجامعات.

ما قد يحتاجه أحدنا، لإدراك مدى التأثير الذي يمكن للمقاطعة أن تُحدثه -إضافة إلى رد الفعل الإسرائيلي النّاظر إلى المقاطعة كخطر استراتيجي- هو بحوث بهذه الرّصانة والاتّساع، تبدأ من "مقاطعة الفلسطينيين للصهاينة والاحتلال الإنكليزي" ما قبل النّكبة، في الفصل الأوّل، إلى فصول تناولت مناهضة التطبيع الرسمي والشعبي، والاستراتيجية الفلسطينية البديلة، وفرص بناء اقتصاد وطني فلسطيني، ودراسة مثال جنوب إفريقيا، وحركات المقاطعة عاليماً، مع دراسات اختّصت بمواقع بعينها كالأردن والبحرين والولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا وتشيلي وماليزيا.

هذا الفعل السلمي والشعبي والممتد إلى حيث تواجد منتَج/سلعة إسرائيلي/ة، داخل الوطن وخارجه، وحّدَ لا فقط الفلسطينيين في كافة أماكن تجمّعهم/تشتّتهم، كشعب يمكن أن يمارس نوعاً موحّداً (بفتح الحاء وكسرها) من المقاومة بتنويعات خفيفة يحدّدها موقعهم، بل عَولمَ (الفعلُ) المقاومةَ السلمية عينها متخطّيةً الفلسطينيين، متخطيةً فلسطين، كموقع، لتكون المقاطعة فعلاً إنسانياً يتكيّف مع كل حالة على حدة، بتأثيرات متفاوتة على دولة الاحتلال، لكنّها (التأثيرات) تكامليّة، لها طابع كرة الثلج المتراكم عليها صغيرُ المقاطعة وكبيرها، من كلّ صوب.

لعلّ أبرز خصائص هذا الفعل، وهو ما تعجز إسرائيل عن ردعه، لطبيعته، هو ما وُرد في مقدّمة بشارة إذ "تتطوّر المقاطعة الحالية بوصفها حركة شعبية غير مركزية وغير رسمية في عدد من دول العالم، قوامها قوى المجتمع المدني والحركات الاجتماعية."

هذه الخصيصة الأساسية، البنيوية في هذا الفعل، إذ هو "فرض عين" لا يقتصر على "فدائيين"، وسلميّتُه، وتكيّفُه، وعالميّتُه، وأخيراً تراكمُه، تجعل المقاطعةَ بكافة أشكالها، ساحتنا للقتال اليوم، ساحة تجعلنا، بخصائصها، ندّاً للاحتلال.

 

مقدمة عزمي بشارة منشورة في "العربي الجديد" على ثلاث مقالات:

١- في تطبيع غير الطبيعيّ (1-3)

٢- في تطبيع غير الطبيعي (2-3)

٣- في تطبيع غير الطبيعي (3-3)