على هامش "الأزمة الوجودية اللبنانية"

2024-04-29 12:00:00

على هامش
Aula Al Ayoubi

شخصيات تمثل أحزابها، إعلام وبعض الجماعات لا تبدو "خجلة" وهي تعبر عن عنصريتها وفوقيتها وطائفيتها، ألا ينُبهنا هذا من مزاجات غضب ثانية قد لا يكون اللاجئون السوريون وحدهم المعنيين فيها؟

يُضرب، يُركل، يتكوّر على نفسه، وما أن يُحاول النهوض حتى يُنهال عليه بمزيدٍ من الأذى ثم يُسحل جسده الأرض. في الثامن من شهر نيسان (أبريل) نشر الجيش اللبناني بياناً يعلن فيه عن مقتل باسكال سليمان المنسق في حزب القوات اللبنانية مشيراً إلى تورط سوريين في الجريمة، دون الخوض في ملابساتها أو  الكشف عن احتمالية وجود متورطين آخرين، لكن على مايبدو كان الهدف من البيان هو الإشارة الواضحة إلى جنسية مرتكبي الجريمة، وهذا ينسحب على بقية الجرائم التي يرتكبها أفراد سوريون في لبنان منذ عام 2011  إذ يُشاح النظر عن القضية على حساب إظهار "سوريّة" الجريمة بشكل فاقع.

أحدثت الجريمة غضباً في الشارع اللبناني، الغضب ليس الكلمة المناسبة بل انفجر الوضع على نحوٍ غير مسبوق، رأينا فيديوهات تصور مشاهدة التعدي على لاجئين سوريين عُزل في الشوارع، تم إذلالهم وضربهم، بعدها أُعلن عن حظر تجول للسوريين في لبنان. وشاهدنا سيارات بمكبرات صوت تجوب مناطق مختلفة من الأراضي اللبنانية تنذر بالإخلاء وبلغة شديدة اللهجة وشديدة العنصرية. في الأيام الماضية هُدمت مخيمات للسوريين في المرج وبر الياس في البقاع اللبناني وطرد سكانها من قبل مخابرات الجيش اللبناني بحسب ما أشار السكان. فيما "جنود الرب" يجولون ويصولون حتى وصل الأمر إلى حدود الاعتداء على تلاميذ سوريين في دوام بعد الظهر المخصص لتعليم اللاجئين السوريين. على مدى أيام، ظل السوريون مختبئين في منازلهم، خوفاً من أن يسحقهم غاضب هنا أو هناك. وامتلأت الشوارع بالحواجز.

لكن القصة لم تبدأ هنا، إذ لا يمكن لعابرٍ في الطريق ماشياً، راكضاً، في سيارته أو أثناء توصيله لأطفاله إلى المدارس ألا يرى اللافتات الكبيرة التي اجتاحت لبنان منذ فترة وهي تقول undo the damage المطالبة برحيل اللاجئين السوريين. وبموازاة حالة الجنون العنصري المتفشية بين الأحزاب اللبنانية، نجد أن الأوضاع في البلدان المجاورة ليس بأفضل حال في تركيا والأردن مع اختلافات تتعلق بالسياسات التي تنتهجها السلطات في تلك البلدان. في العراق مثلاً، تشكل نسبة اللاجئين السوريين نحو 87 بالمئة  من اللاجئين عمومً، أي ما يقارب 260 ألف لاجئ-ة ويقيم معظمهم في إقليم كردستان. 

أصدرت حكومة إقليم كردستان العراق قرار تعليق منح تأشيرة الدخول لجميع السوريين اعتباراً من 29 آذار. وأشارت منظمات حقوقية إلى قلقها إزاء الانتهاكات ضد اللاجئين السوريين المتعلقة بالترحيل. خلال شهر آذار رحلت السلطات عشرات اللاجئين بينهم نساء وأطفال إلى سوريا وسلمتهم للسلطات السورية. لم تعد الخطابات الحقوقية مجدية وسط هذا العبث السياسي المحلي والإقليمي وحتى العالمي، ما يقال عن احتمالات الخطر الوجودي الذي يهدد لبنان جراء اللجوء السوري يمكن نفيه بقليل من البحث ومحاولة الإجابة عن سؤال ماذا الذي يعنيه فعلاً الخطر الوجودي، ماذا يقصدون؟ وما الغاية من حجة كهذه؟

في الحقيقة، بات اليوم وجود اللاجئين السوريين في لبنان هو الخطر الوجودي الحقيقي الذي يهددهم ويهدد كيانهم. لم يكفِ الخروج من عتمة البلاد وخرابها واحتلالها بعد تدمير منازلهم وتهجيرهم أو حتى محاولة إبادتهم للنجاة، فالغرض من اللجوء كان دائماً بالنسبة للسوريين يعني إيجاد طريقة ممكنة للحياة وهذا الذي لم يعد ينطبق على الحالة السورية في لبنان.

إذا قمنا بتجميع هذه الأحداث والمشاهد ووضعها في سياقها الزمني، نجد أنّ مؤتمر بروكسل لدعم سوريا والمنطقة على الأبواب، عبر مراجعة بسيطة للأعوام السابقة نجد كيف انتهجت السلطات اللبنانية الآلية ذاتها، تحريض، وخطابات عنصرية ثم ابتزاز للدول المانحة فمنح مالية، غير أنّه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ طيف الأحداث هذا ليس كسابقاته: أولاً، من حيث الوضع الأمني للبلاد واشتعال جبهة الجنوب اللبناني والانهيار الاقتصادي وغياب مؤسسات الدولة فضلاً عن "إجماع" الأحزاب اللبنانية على اختلافاتها وفي أكثر لحظاتها نزاعاً، على شيطنة اللاجئين وترحيلهم. شخصيات تمثل أحزابها، إعلام وبعض الجماعات لا تبدو "خجلة" وهي تعبر عن عنصريتها وفوقيتها وطائفيتها، ألا ينُبهنا هذا من مزاجات غضب ثانية قد لا يكون اللاجئون السوريون وحدهم المعنيين فيها؟

ثانياً، من جهة ردود الأفعال على الأرض وشرعنة العنف. ما يحدث الآن هو تكثيفٌ معنى كراهية الأجانب، الخوف منهم ورهابهم، كراهية الفقراء والعمال، فالقوانين اليوم وخاصة بعد زيادة رسوم الإقامات وشروطها التعجيزية يمكن وصفها بأنها أداة "انتقاء غير طبيعي" تبُقي على ميسوري الحال فيما تطرد المعدمين. وهذا ما عملت عليه الماكينات الإعلامية والخطابات السياسية،  فتركيب "الخطر الوجودي" وعلى الرغم من استهلاكه والتعامل معه على أنه عبارة جاهزة جرى توظيفها عشرات بل مئات المرات للتحريض على اللاجئين السوريين، لكنها بذات الوقت وجبة عنصرية دسمة للأحزاب السياسية اليمينة لإباحة العنف واستباحة كرامة السوريين وأجسادهم وبيوتهم ومخيماتهم، ففي بلد مقسم ومُشرذم طائفياً وطبقياً، عبارة كهذه تكفي لدفعهم من أجل ممارسات كهذه بحجة الدفاع عن النفس وعن الوطن؛ "وجودنا إذاً متعلق بنفيهم أو محوهم، لن نوجد ما داموا موجودين، إما نحن أو هم" وهذا هو الحال أقله إلى يومنا هذا.

قبل أيام، قُتل لاجئ سوري في بيروت حين تم تعذيبه حتى الموت، بالكاد قرأنا عنه شيئاً، بالكاد سمعنا أو عرفنا، نُدرك الآن أنه على مدى سنوات جرى التمهيد للوصول إلى هذه اللحظة من محاولات المحو السوري دون أي حسابات سياسية أو حتى محاكمات أخلاقية.

كب، رمي، سحل، ترحيل، ضرب، إذلال أليس هذا ما فعله نظام الأسد بالسوريين؟ ليست السلطات اللبنانية وحدها من مهدت وبررت بل سبقها نظام الأسد، وها هم اللاجئون السوريون في دول الجوار يعيشون لحظات وجودية ثانية بعد 13 عاماً في بلادٍ تحولت إلى ساحات معارك مفتوحة تحكمها موازين القوى الإقليمية والعالمية، ربما آخر ما يمكن أن يُفكَّر فيه هو قيمة أو معنى حياة مجموعات يُعاملهم العالم على أنهم قمامات بشرية.