سوف يعمل المشروع مع مجموعة من الكاتبات والكتاب على مجموعة من النصوص الأدبية في إطار التجريب، ورفض الالتزام بأنماط وأساليب ووسائط الكتابة التقليدية، وتتجرأ على محاورة فكرية وثقافية أخرى كالعمارة والفنون والفلسفة.
ضمن مشروعها للثقافة والفنون أعلنت مؤسسة عبد المحسن القطان عن مسابقة الفنان الشاب "اليايا" وتحمل عنوان "عرّافات: فن تذكر المستقبل" الذي يُعقد من ضمن فعالياته ملتقى لتأمل الرؤى والممارسات الفنية في فلسطين، امتد الملتقى على مدى ثلاثة أيام من 9 وحتى أمس، 11 تموز، ويستهدف الفنانين والفنانات في مختلف المجالات. أما المسابقة في نسختها الحادية عشرة، والقيّمة له هي الروائية عدنية شبلي، فتحرص على اتخاذ هوية تتخيل شكل المستقبل، وتتحول إلى عملية إنتاجية للفنون من خلال فن العِرافة بدل أن تكون معارض نهائية، لتركز بذلك على العملية الإنتاجية المستمرة وعلى قراءة الحاضر والماضي كمادة يمكن من خلالها توقع المستقبل وإنتاج فنون ترى في الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا الآن حول الواقع السياسي والاجتماعي واليومي واقعاً يمكننا توقعه ومجاراته والتعامل معه.
ويتخذ الملتقى أسئلة الفنون كاحتمالات لتطوير المستقبل والعمل على تحديده في إطار يمكننا تخيله منذ الآن، خاصة بعد الهبة الفلسطينية الأخيرة التي فتحت أبواب الممكن على جميع احتمالاتها في صورة يستعيد فيها الفلسطيني تجربته الثورية وينهض على أسئلة الحاضر التي يمكن قراءتها من خلال الفن ورؤيته للخيال كأساس يستعيد من خلاله الإنسان قدرته على التوقع وعلى استعادة احتمالات الممكن التي تنطلق من الحاضر.
أكدت القيّمة المساعدة للملتقى زينة زعرور لـ "رمّان" أن التجربة فرصة لتخيل شكل المستقبل وتأمل الخبرات التي اكتسبوها من خلال التجربة، والصعوبات التي تفرض شروطها على الواقع، وبناء رؤية يحدد من خلال الإنسان شكل ما يعيشه كل يوم من تحديات سياسية واجتماعية بصورة فنية يرصد فيها احتمالات الزمن في المستقبل. لذلك، تضيف زعرور، الأسئلة التي يعمل عليها الملتقى هي محاولة لتصوير مسارات المستقبل من قلب ظروف الحاضر التي تعبر عن الاضطهاد والحرمان والفوضى، وذلك ليس بعيداً عن قراءة الماضي وتأمله كنتيجة حتمية للواقع الذي وصلوا إليه، فمن خلال القراءة وإعادة القراءة يمكن أن الوصول إلى فن يرى ويرصد احتمالات الوجود وشكل هذا الوجود.
وحول فكرة الملتقى، استند القائمون على مسابقة الفنان الشاب "اليايا" التي تنطلق من المشروع الأدبي للكاتب رسمي أبو علي، وخاصةً قصة "قط مقصوص الشاربين اسمه ريس" التي نشرتها مجلة الآداب عام 1977 والتي قال عنها الكاتب محمود درويش إنها واحدة من أفضل عشر قصص قرأها في حياته، لما تناولته من أبعاد معقدة وجديدة في صورة الثوري في تلك الفترة، ولما كسرته من حواجز في علاقة الثوري مع الحياة اليومية، وقدمته كإنسان يحب ويكره ويسخر ويثور أيضاً، لتشكل القصة بحد ذاتها نبوءة للحياة التي يعيشها الفلسطيني اليوم، بكل ما فيها من تداخلات ويأس ولما تمثله في حياتنا الحاضرة من حلم مستقبلي لماض ثوري مهمش، فمن هنا رأى القائمون على الملتقى أن الحقل الثقافي كما عبر عنه أبو علي هو من أدوات تحريض مخيلتنا لمواجهة الاضطرابات الجارية في طرح الرؤى لمستقبلات بديلة، لذلك من الضروري أن ينخرط ممارسو الثقافة والأكاديميون والفنانون والمفكرون والناشطون في الحاضر في عملية الاستذكار والكهانة للتوصل لرؤى بديلة لمستقبل أكثر عدالة.
يمتد الملتقى على 6 جلسات يضيء فيها المشاركون على جوانب مختلفة من رؤيتهم للمستقبل ويشاركون مشاريعهم من خلال رصد احتمالات الواقع الذي قد نعيش فيه، وتقديم إجابات من خلال النقاش حول شكل الممارسات الفنية ومسارها، عن الطبيعية والحياة واللغة وحدود استخدامها وعن الموسيقى وغيابها، وعن دور الأدب ورصد يومياتنا في أكثر من شكل يرى من خلاله المشاركون احتمالات مشاريعهم من خلال الحاضر الذي نعيش فيه.
"دليل المتوتر واللامتعمد من حب الأرض مستقبلاً"
تضيء آلاء يونس، كما أخبرتنا، في مشروعها حول حب الأرض على المخيلة التي يمكن من خلالها دراسة حب الأرض وفلسطين في إطار تطوير هويتها، واستعادة معاني التعبير عنها في عالم متوتر وفوضوي بشكل كامل، كما تدرس دور الفلسطيني في فهم حاضره وعلاقته مع أرضه ضمن مفهوم الأرض كمعنى متجدد يستمد منه الإنسان حبه للأشياء المتغيرة التي يفرضها الواقع، كما تفرض حب الأرض ضمن الانتكاسات الكبيرة والإحباط الذي تعرض له الفلسطيني على مدار أعوام من الثورة، وكيف ينتمي حب الأرض إلى أساسيات وجود الفلسطيني على مدار مواجهته الدائمة مع الاحتلال، وأيضاً تعمل على سد الثغرة بين وعود الثورة والتحرير وبين الواقع الذي يعيشه الفلسطيني.
يمتد المشروع على عشر لقاءات تستعرض حب الأرض في الفضاء العام، من خلال الحوار مع شخصيات من الشتات الفلسطيني أو من فلسطين حول واقع حبهم للأرض. يستعرض اللقاء الأول صورة أهل الشتات وما الذي يحكم على حبهم للأرض، وكيف يتصورون حبهم لأرض لم يعيشوا بها أبداً بحكم أنهم ولدوا في الشتات، ودراسة التناقضات التي تدور حول حب الفلسطيني لأرضه ومن أين يستمد هذا الحب وكيف يتحدث الفلسطيني عن علاقته مع نفسه ومع الأرض.
ستكون هناك أيضاً جلسات حول علاقة حب الأرض في المشاريع الرأسمالية وكيف تحدد هذه المشاريع علاقتنا مع هذا الحب ومع الهوية الفلسطينية وكيف تستطيع هذه المشاريع أن تتحكم بعلاقتنا مع أرضنا ضمن تسويق فلسطين من خلال منتجات تقدم هويتنا في إطار ضيق جداً، بينما فلسطين تحتوي معاني متعددة لا يمكن تحديدها ضمن مشاريع تجارية.
وتعمل آلاء يونس في جلستها الأخيرة على التعليم وتطرح فيها أسئلة حب الأرض في الإطار التعليمي وكيف تعلمنا حب الأرض، وكيف يمكننا أن نتعلم حب الأرض في المستقبل، وتدرس ممارسات حب الأرض ضمن مهارات جديدة يمكن من خلالها تطوير تعبيرنا اليومي عن الأرض من خلال تواصلنا الجديد الذي تفرضه وسائل التواصل التي نتعامل معها بشكل يومي، وسوف تقتبس من أسئلة إدوارد سعيد حول الهوية وأسئلة الأرض لتقديمها للحاضرين في مستقبل رؤية الباحثين عن حدود علاقتنا مع أرضنا في ظل الاحتلال اليومي ومحاولة الحجب اليومي للفلسطينيين.
مسارات الوادي
يستعيد شريف سرحان ورنا بطراوي حياة وادي غزة التي تبدلت تسمياتها خلال الزمن من "وادي الحسا" ثم "نهر البيسور" الذي ارتبط بالمملكة الكنعانية بيسور في صحراء النقب، عبر الحضارات التي مرت على فلسطين من خلال قصة الوادي الذي يعبر بصورة معينة عن حياة فلسطين العامة في ظروف مختلفة واتجاهات سياسية واجتماعية بدلت صورة الوادي عبر الزمن.
ينبع الوادي من جبال الخليل والنقب، كما أخبرانا، ويصب في البحر المتوسط، طوله 77 كم وفي غزة 9 كم، وسوف يدرس المشاركون في دراسة تاريخ الوادي والظروف التي كانت تحكم وجوده باستعراض حاضره من خلال الإجراءات التي غيرت مركز الحياة حوله إلى الانتقال نحو المدن، وسيدرسون ممارسات الاحتلال اليومية وتأثيرها على حياة الوادي من خلال تقليل كمية المياه ببناء السدود إلى أن بدأ يعاني من الجفاف، والأسباب التي غيرت التشكيل السكاني حول الوادي، وكيف أثرت على واقع الوادي اليوم، خاصة التقسيم الجغرافي، مثلاً الاختلاف الطبقي بين شرق الوادي وغربه، والتدخلات السياسية والأمنية المفروضة على الوادي.
بالاستناد على الماضي والحاضر سوف يقدم المشاركون مستقبل وادي غزة من خلال قراءة الواقع وتجميع المعلومات والأرشيف المختص بالوادي، ومدى نجاح السلطة باعتبار الوادي محميةً طبيعية، وكيفية تأثير التداعيات السياسية للحالة الفلسطينية على حياة الوادي. سيقوم المشروع برسم مسار يعتمد بدوره على الصور والخرائط والأصوات التي سوف تُسجَّل بالتعاون مع مجموعة من المصورين والموسيقيين الأكاديميين والفنانين بهدف التعرف على الوادي بكل نواحيه البيئية والاجتماعية والجغرافية.
من هذا المنطلق يسعى هذا المشروع عبر البحث في منطقة وادي غزة إلى مخاطبة القدرات الإبداعية من أجل تأمل إمكانيات تحويل علاقة الإنسان بالطبيعة، وتسليط الضوء على التحديات المتمثلة بالاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية والتغير المناخي الذي ينجم عنها، فحال الوادي الذي نشير إليه هو تكثيف لحالة التشرذم والجفاف التي تعيشها الأرض الفلسطينية.
عبر الأثير
من خلال الموسيقى تعمل دنيا جرار على ألبوم موسيقي مركب، يركز بشكل أساسي على التمثيل الموسيقي للروايات الفلسطينية المعاصرة من منظور نسوي تفكك من خلاله الاحتلال وتحلل الوجود الفلسطيني العابر للتقاطعات والحدود، وسوف تحاول رصد الأصوات الفلسطينية والموسيقى كمشروع يمكن من خلاله شرح الحاضر الذي يعيشه الفلسطيني والماضي الذي عاشه، والحاضر الذي يسعى للوصول إليه، ستمثل كل طبقة صوتية عنصراً من عناصر الطبيعة الخمسة: الأرض الماء الهواء النار والأثير، التي استلهمتها من الكاتبة الأميركية من أصل أفريقي "أوكتافيا بتلر" في روايتها "مثل الزارع" التي تترك الشخصية الرئيسية وراءها وجوداً بائساً بحثاً عن مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً.
ويعمل المشروع على تحديد الأثير الذي تكبر فيه فلسطين، من خلال تعريف المشهد الصوتي الفردي والجماعي، وجمع التسجيلات الميدانية للبيئة الطبيعية، حيث تلعب الموسيقى دوراً في استكشاف البيئة الزمانية والمكانية، ليطرح المشروع أسئلته حول كيف يمكننا المطالبة بملكية بيئتنا الصوتية وتشكيلها بطريقة تقودنا نحو مستقبل من الوجود والعمل الجماعي.
المستقبل كبناء يخبىء العجائب
أسئلة الذاكرة والحاضر التي يطرحها كل من داليا طه ومجد كيال تعتمد على القلق المستمر من المستقبل الذي يحاول أن يسأله المشروع من خلال طرح إمكانيات اكتشاف حدود التجربة الأدبية والثقافية الفلسطينية، اللغة كأداة اكتشاف يعبر من خلالها الإنسان عن حدود وجوده، وعن شكل هذا الوجود. في الوقت نفسه يسأل المشروع عن دور الحاضر اليومي في صياغة أسئلة المستقبل وإمكانياته.
سوف يعمل المشروع مع مجموعة من الكاتبات والكتاب على مجموعة من النصوص الأدبية في إطار التجريب، ورفض الالتزام بأنماط وأساليب ووسائط الكتابة التقليدية، وتتجرأ على محاورة فكرية وثقافية أخرى كالعمارة والفنون والفلسفة.
يعمل المشروع على تقديم مساحات للكتاب ليمكن من خلالها طرح أسئلة المستقبل وهي تشمل جميع جوانب حياة الفلسطيني اليوم ومنها مساحة الحياة الاجتماعية التي اتخذت "النميمة" كمثال أوّل لها، كونها فعلاً اجتماعياً شائكاً جارحاً، يقدم قدرة الإنسان على البوح وعلى نقل الخاص والعام، يرى من خلاله الإنسان قدرته على السرد ورواية القصص. الثانية هي المسرح كفعل ثقافي حركي وجماعي يمثل نقطة التقاء تجمع المهتمين في المجال الثقافي، كذلك العمل المسرحي والامتداد بين الوهم المسرحي والواقع، والثالثة هي البارودة كونها فعلاً ثورياً حاملاً للإمكانيات الثورية والرجعية في الوقت ذاته، أما الرابعة فهي علاقتنا مع العدو تحت عنوان (تل أبيب) الذي يرى المشاركون أننا لا نستطيع أن نرى أنفسنا دون مواجهته، والمساحة الأخيرة هي الليل بما حمله غموض وفوضى يمكن من خلالها اكتشاف المجهول وخوض التجربة.
يواصل الملتقى عبر عرضه لكافة هذه المشاريع ونقاشها مع جمهور الفنانين والمهتمين بالشأن الثقافي ما تحرص مسابقة الفنان الشاب "اليايا" في هذا العام عليه وهو قراءة وسائل فهمنا لأنفسنا من خلال فهم المستقبل، وتعمل من خلال مشاريعها على فهم الحاضر كونه مرآة يمكن من خلالها استعادة ماضينا والتنبؤ بمستقبلنا، لذلك حرضت الفنون الفلسطينية على إدارة نفسها بقدرات يمكن من خلالها العمل على رؤية مستقبلية لحدود وجودنا، كما عززت الطاقات الفلسطينية لإدارة عمل ثقافي يبحث عن حدود إمكانياتنا في واقع يحاصرنا باستمرار.