رسائل كان السينمائي... المساحة والهوية

2022-05-24 03:00:00

رسائل كان السينمائي... المساحة والهوية

التفرّد يكمن هنا، تكسير المساحة المحدودة وإعادة تعريف الانتماء الوطني للشخصيات لا بصراخ ولا هتاف، بل بتثبيته في محليته ومدّه إلى إنسانيته، بهدوء كما يجب أن تكون.

وصلتُ أمس إلى مدينة كان ومهرجانها السينمائي، لسبب واحد هو مشاهدة فيلم «حمى البحر المتوسط» لمها حاج، والإخبار عنه، في "رمّان". تساءلتُ في الأيام الأخيرة عن السبب في ذلك. أمكن لي أن أشاهده في مكاني، أينما كنت، والكتابة أو التحرير عن الفيلم وحوله. لكني لم أجد سوى إجابة واحدة ولم أبحث من بعدها عن غيرها، كافية لتحريكي وإشغالي ثلاثة أيام لأجل فيلم واحد لي فيه توقّعات.

تساءلتُ وكانت الإجابة دائماً أنّها التجربة الخاصة والمتفرّدة لمها حاج، ما اتّضح من فيلمها الطويل الأول «أمور شخصية»، وكذلك فيلمها القصير، السابق له، «برتقال». فيلمان، أو فيلم طويل أوّل سبق فيلمها المشارك في مهرجان كان السينمائي هذه الأيام، يكفي للقول إنّ تجربة فلسطينية متفرّدة تتمثّل فيه، وتوحي باستمرارية خاصة. غداً، الأربعاء، يُعرض «حمى البحر المتوسط» مرجّحاً تلك الاستمرارية.

لا كلام الآن عن الفيلم الجديد قبل مشاهدته، إمّا أن يثبّت من تفرّد مها حاج ضمن السينما الفلسطينية، وإمّا أن يكون انعطافاً أو تغييراً في الشكل والمضمون والمستوى، وإن كان ما عُرف عن الفيلم حتى اللحظة يشي بصفّه إلى جانب سابقه في مراكمة تجربة سينمائية ناضجة تُخرج فلسطين بصفتها صورة متحرّكة، من تسيّد مَشاهد متشنّجة وحوارات متوتّرة متناقَلة من فيلم لآخر.

لا تبني مها حاج أفلامها على عناصر متداوَلة هنا وهناك في هذه السينما، ولا تَحدّ من حكايتها في السياق المُعطى مسبقاً لما هو فلسطيني. الهوية الوطنية في «أمور شخصية» هي من ناحية، محلية، وهي من ناحية أخرى، إنسانية، وهنا أبرز مفاصل هذا التفرّد. والحالة الوطنية لشخصياتها تتكشّف في علاقة المحلي (الناصرة ورام الله) بالإنساني (السويد)، وذلك بتكسير الحدود المكانية ومدّ المساحة بما يتلاءم مع علاقة المحلي بالإنساني. فكان لشخصيات الفيلم انتماءٌ محلّي وأهلي حملَه الفيلم إلى شؤون هي إنسانية بالأساس، ولا حدود لها فكانت بعيداً إلى السويد، وبعيداً في السويد.

لا مساحة محدودة في الفيلم، ولا هوية ضيقة. كلاهما، المساحة والهوية، أعطيا مفهوماً سينمائياً خاصاً لدى الفلسطينيين.

التفرّد يكمن هنا، في إعادة تشكيل المساحة الوطنية وإعادة تعريف الانتماء الوطني للشخصيات لا بصراخ ولا بهتاف، بل بتثبيته في محليته ومدّه إلى إنسانيته، بهدوء كما يجب أن تكون.

هذه الإضافة إلى السينما الفلسطينية، بحساسيتها وذكائها تجاه معنى أن تكون المساحة من ناحية والهوية من ناحية ثانية، فلسطينية، استحقّت انشغالاً، لفيلم غدٍ، لثلاثة أيام.