انطلقت فعاليات مهرجان “أيام فلسطين السينمائية” بدورته السادسة ليلة أمس الأربعاء في قصر رام الله الثقافي بعرض فيلم المخرج الفلسطيني إيليا سليمان “إن شئت كما في السماء” وذلك بحضور المخرج، وكان ذلك العرض الأول للفيلم في العالم العربي وفلسطين بعد أن رشحته وزارة الثقافة لتمثيل دولة فلسطين رسميًا عن فئة الفيلم الأجنبي لجوائز “الأوسكار” ٢٠٢٠، وقد نافس الفيلم على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان “كان” السينمائي في أيار/مايو ٢٠١٩، حيث حاز على تنويه خاص من لجنة التحكيم، كما حاز على جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين في المهرجان. وكان الافتتاح كذلك بحضور ورئيس الوزراء محمد شتيّة، ووزير الثقافة عاطف أبو سيف، وعدد من ممثلي الفيلم، وصناع السينما والعاملين في حقل الثقافة والفنون والإعلام.
ابتدأ حفل الافتتاح بتكريم عدد من الشخصيات التي ساهمت وتساهم في تقديم العون لإقامة هذا المهرجان المتميز، ومن ثم قام المدير الفني للمهرجان حنا عطا الله بتقديم الشكر في كلمته لكل أصحاب الجهود الجبارة التي تبذل من أجل السمو في كل عام بكم كبير من الفعاليات السينمائية ومحاولة إتاحتها لأكبر عدد ممكن من أبناء فلسطين من خلال توزيع العروض على مختلف المناطق، سيّما تلك التي لا تحتوي قاعة عرض مجهزّة مثل المخيمات وقرى الأغوار.
المخرج إيليا سليمان، كما في أفلامه، كان مقلًا في الحديث، وتحدث للجمهور حول مميزات حارته التي ولد ونشأ فيها – حارة الروم في مدينة الناصرة- وعن ارتباطه بالمكان وتفاصيله؛ الأمر الذي يظهر جليًا في كل أفلامه.
خلال كلمة الافتتاح تم رصد نشاطات ومشاريع المهرجان التي ستشمل عروض أفلام عربية وعالمية، عروض أفلام للأطفال، مشروع عروض سينمائية في الهواء الطلق في المناطق المهمشة في فلسطين، ملتقى تبادل الخبرات لصناع السينما، منصة لعرض مشاريع أفلام أمام منتجين، صفوف دراسية مع خبراء، إلى جانب الورشات والجلسات الحوارية والتي ستتطرق لقضايا تمويل الأفلام، والأرشفة، وبرنامج خاص حول العنف على أساس النوع الاجتماعي ” لا يعني لا”.
في فلسطين كما دائماً، لا يقوم نشاط بمعزل عن واقعنا السياسي، استذكار الشهداء والأسرى والنشيد الوطني، والوقوف إجلالًا وايمانًا للأمل الذي لا يصمت نبضه بالاستقلال… يثير بي كفلسطينية تعيش في مناطق الـ 48 إحساسًا غامرًا بالانتماء إلى ما هو جامع بيني وبين من يفصلني عنهم جدار وحاجز عسكري: اللغة والثقافة. الاحتفاء بانطلاق فعاليات مهرجان سينمائي ثقافي له من المعنى ما هو أعمق من جدول عروض وفلاشات مصورين وحشود تبتسم أفرادها معتذرة عند الاحتكاك، هو حالة تُبقي على البديع الذي فينا وتغذيه.. هنيئًا لنا بثمانية أيام فلسطينية تضجّ بالسينما وحلاوتها، فلنفرح ونتهلل بها.
في المهرجان كذلك…
يلحق الافتتاح ليلة أمس، وابتداء من اليوم الخميس، عروض لأكثر من 60 فيلـماً دوليًا عربيًا ومحليًا، يشمل أفلامًا طويلة (روائية ووثائقية) وأفلامًا قصيرة وأفلامًا متحركة للأطفال قدّمت جميعها من دول عدة عربية وأجنبية تشمل المغرب، تونس، إيران، كوسوفو، ألبانيا، أفغانستان، الدنمارك، ليبيا، أمريكا، فرنسا، مصر، لبنان وفلسطين.
في هذا السياق أكد وزير الثقافة الدكتور عاطف أبو سيف على ضرورة مواصلة تنظيم هذه الفعاليات الثقافية لتؤكد على الدور الكبير المنوط بالثقافة في الدفاع عن الهوية الوطنية وحماية الموروث الثقافي والوطني، وأضاف أنه على مدار العقود الماضية كان للسينما في فلسطين دور كبير في تعزيز الهوية والموروث والفعل الوطني وساهمت في تشكيل الوعي لصالح القضية الفلسطينية لما فيها من تسجيل وتوثيق وتأكيد على الحق الفلسطيني ومسيرتنا بأبعادها المختلفة.
بدوره أكد موسى حديد، رئيس بلدية رام الله، أن مهرجان “أيام فلسطين السينمائية ” هو حدث سنوي هام وأساسي كونه يضيف الكثير إلى المشهد الثقافي في المدينة، كما ويضيف قيمة نوعية كانت قد اختفت عن المشهد الثقافي السينمائي في فلسطين. تكمن أهميته أيضًا في نجاحه المستمر ليس فقط في بناء شراكات جديدة سنويًا، بل في بنائه قاعدة جماهيرية ممتدة، كما تستقطب عشرات المبدعين والمبدعات وضيوف من أنحاء العالم لزيارة المدينة والتفاعل ضمن واقعها الثقافي والسياسي والاجتماعي.
وتشمل دورة المهرجان هذا العام أيضًا برنامجاً خاصاً بعنوان “الجيل القادم Next Generation” والذي يسلط الضوء على أفلام للأطفال والعائلة، حيث سيتم افتتاح هذا البرنامج يوم 3 تشرين الأول/أكتوبر، وقد قامت مؤسسة “فيلم لا”ب بشراء حقوق فيلم “المغامر طوبي” كما وقامت بدبلجته إلى اللغة العربية في خطوة هي الأولى من نوعها في فلسطين والتي يتم من خلالها دبلجة فيلم للعربية ليتسنى إلى جمهور الأطفال واليافع مشاهدته. هذا إلى جانب مجموعة من الأفلام القصيرة والأفلام المتحركة للأطفال، تشمل أفلامًا قام بإنتاجها الأطفال أنفسهم على مدار العام وبتدريب وإرشاد مؤسسة “فيلم لاب”.
كما وينظم المهرجان أيضاً وللسنة الثالثة على التوالي “ملتقى صناع السينما” والذي سيعقد على مدار 3 أيام، ابتداءً من يوم الجمعة 4 تشرين الأول/أكتوبر ولغاية يوم الأحد 6 تشرين الأول/أكتوبر في مؤسسة عبد المحسن القطان، في المبنى الجديد الكائن في حي الطيرة في مدينة رام الله وفي 6 تشرين الأول/أكتوبر في دار جاسر في مدينة بيت لحم. ويشارك فيه أكثر من 50 ضيفًا/ةً من الناشطين/ات في القطاع السينمائي الدولي والعربي والرائدين/ات في المهرجانات السينمائية الدولية والعربية للمشاركة في الملتقى. كما وتنظم وللسنة الرابعة على التوالي مسابقة “طائر الشمس الفلسطيني” والتي خصصت لأفلام فلسطينية أو أفلام صنعت عن فلسطين. حيث تقدم هذا العام أكثر من 40 فيلمًا، تم اختيار 18 منهم للمشاركة بالمسابقة يشمل 9 أفلام عن فئة الفيلم الوثائقي الطويل، و 9 أفلام عن فئة الفيلم القصير. فيما تقدم 12 مشروعاً لمسابقة الإنتاج. كما وتم تشكيل ثلاثة لجان تحكيم مختصّة مكونة من سينمائيين/ات ومختصين/ات محليين/ات ودوليين/ات وعرب، لاختيار الأفلام الفائزة بالمسابقة والتي ستعلن عن الفائزين/ات بجائزة طائر الشمس الفلسطيني في حفل الختام يوم 9 تشرين أول/أكتوبر في قصر رام الله الثقافي.
وإلى جانب البرنامج العام، ولأول مرة منذ انطلاقته، بادرت مؤسسة “فيلم لاب: فلسطين”، المؤسسة القائمة على المهرجان بتنظيم برنامج موازي للبرنامج العام تحت شعار “لا يعني لا – No Means No” والذي سيسلط الضوء على صورة المرأة في السينما والعنف الممارس ضدها في المجتمع، كون هذا النوع من العنف أحد أكثر أنواع التمييز شيوعًا وأشدها تطرفًا، ويتخذ أبعادًا سائدة وأشكالًا لا حصر لها. إذ سيتم تناول هذا الموضوع والخوض به من خلال عرض أفلام تتناول هذا الموضوع بشكل خاص إلى جانب تنظيم ندوات ومحاضرات مختصة عن صورة المرأة في السينما العربية ومدى مسؤولية صانعات الأفلام بتسليط الضوء على حقوق المرأة، وموضوع العنف القائم على النوع الاجتماعي في أعمالهن، ولرفع الوعي ومكافحة التحرش الجنسي والصورة النمطية عن المرأة والعنف المبني على النوع الاجتماعي باعتباره انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان.
وقالت المديرة التنفيذية لمؤسسة “فيلم لاب: فلسطين” د.بريجيت بولاد “نحتفل هذا العام بدورة متميزة. فأعداد المخرجين من فلسطين والعالم العربي الذين تركوا بصمتهم في صالات العروض في تزايد، والإقبال المحلي والدولي على موضوع فلسطين أصبح واقعاً لا مفر منه. وما يغني برنامجنا هذا العام هو التنوع في البرامج، حيث نعرض ولأول مرة برنامجاً موازياً بعنوان “لا يعني لا”، والذي نركّز من خلاله على موضوع العنف القائم على النوع الاجتماعي وقضايا عدم المساواة، وذلك من خلال عرض مجموعة من الأفلام الوثائقية وكذلك من خلال تخصيص حلقات نقاش وحوارات تركّز على مسألة صورة المرأة في السينما.”
وستنطلق فعاليات المهرجان في ست مدن فلسطينية تشمل العاصمة القدس ورام الله وبيت لحم ونابلس وغزة كما وستنطلق في الداخل الفلسطيني في مدينة الناصرة. حيث ستقام الفعاليات والعروض في مدينة القدس في المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) والمركز الثقافي الفرنسي ومركز السرايا لخدمة المجتمع في البلدة القديمة. وفي رام الله في كل من قصر رام الله ثقافي، وفي المسرح البلدي /دار بلدية رام الله، ومؤسسة عبد المحسن في حي الطيرة ومسرح وسينماتيك القصبة. وفي مدينة نابلس في مؤسسة مشروع الأمل “Project Hope” واسكدار للثقافة والفنون. وفي بيت لحم في كلية دار الكلمة ودار جاسر ومجموعة باور “Power Group”. أما في قطاع غزة فسيقام المهرجان في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني والمركز الثقافي الفرنسي وفي مدينة الناصرة في مؤسسة سينمانا.
ينظم مهرجان “أيام فلسطين السينمائية” بالشراكة مع وزارة الثقافة الفلسطينية وبلدية رام الله، وبدعم كل من البيت الدنماركي في فلسطين، منظمة دعم الإعلام الدولية (IMS)، ومؤسسة التعاون والممثلية السويسرية في رام الله والقنصلية الفرنسية العامة في القدس وبرعاية كل من جوال وشركة غرغور التجارية وبنك الاتحاد وبرعاية إعلامية من تلفزيون فلسطين وراديو راية أف ام ومجلة رمان الثقافية وتلفزيون الغد وبالتعاون مع العديد من المؤسسات الثقافية بالمدن الفلسطينية المختلفة.
من الجدير ذكره أن “فيلم لاب: فلسطين” تأسست عام 2014 كمؤسسة غير ربحية، تقوم رؤيتها على صناعة إنتاجية وديناميكية للأفلام في فلسطين عن طريق توفير فضاء مثالي للجمع بين صناع السينما بهدف التحفيز على التعلم، وتبادل الخبرات، وتشكيل مصدر إلهام لبعضهم البعض، بالإضافة إلى إنتاج أفلام فنية، من خلال عرض مخزون متنوع من الأفلام للجماهير. كما يأتي مهرجان “أيام فلسطين السينمائية” ضمن الخطة الاستراتيجية للمؤسسة والتي تقع تحت بند تنمية الثقافة السينمائية، والهدف منها إعادة إحياء الثقافة السينمائية في فلسطين واستقطاب أكبر عدد من المشاهدين للأفلام المستقلة.