ضمن الحوارات المهمة التي وفرها مهرجان “أيام فلسطين السينمائية” كانت مناقشة قضية الأرشيف والذاكرة، حيث عرضت المخرجة مونيكا ماوور مقاطع من فيلمها “يوم الأرض” الذي تم تصويره في العام 1981 ثم دار نقاش مع الجمهور حول أهمية جمع المواد المصورة والمكتوبة وإنشاء أرشيف وطني فلسطيني.
في رصيد مونيكا عدد من الأفلام التي تبحث في القضية الفلسطينية، ومن خلال حوارها مع الجمهور الذي أبدى نوعًا من الإحباط من عدم مبادرة أي من الحكومات الفلسطينية لإنشاء أرشيف، واقتصار الأرشفة على الأفراد؛ أثنت مونيكا على عمل بعض الباحثين والجمعيات في أرشفة مواد تمثل عاملاً مهماً في حرب الخطاب المهيمن بين الفلسطينيين وإسرائيل.
تقول مونيكا: “يجب العمل على إعادة الأرشيف إلى المكان الذي ينتمي اليه حقًا- فلسطين. حتى ذلك الحين ومنذ 37 عامًا أحلم بوجود أرشيف وطني فلسطيني، أرشيف أفلام وطني فلسطيني. وحتى الآن توجد مجموعة مبادرات لكن لا يوجد من يحمل مسؤولية إقامة أرشيف أفلام وطني يستحق هذه التسمية.
ضمن عائلة الفدرالية العالمية لأرشيف الأفلام مع معايير مهنية عالية للحفظ والاستعادة، أنا مثل آخرين كثر أؤمن بأن الأرشيف إلى جانب كونه مصدر توثيق يجب أن يكون حيًا ويحاور الحاضر.”
وأضافت: “عنوان هذه الحوارية هو “لا مستقبل بلا ذاكرة”، نحن جميعاً نعرف أن الذاكرة الجماعية وبالأخص الذاكرة الجماعية التصويرية هي هوية، وأنا أعتقد أنه في حال الاعتداء على الخطاب الفلسطيني إلى جانب الاعتداء على الأرض والبيوت والحياة، يجب أن يكون هناك مشهد يوثق ولذلك اخترت أن أبدأ ما عرضته اليوم بصور من بيوت حيفا المهدّمة والتي كانت تعج بالحياة قبل العام 1948، ومثلها كانت الكثير من القرى والمدن، وأنا بهذه الصور أعكس الاستراتيجية الصهيونية في المحو والقضاء على الحضارة والتاريخ والخطاب الفلسطيني.”
وأنهت قائلة: “هذا الحوار هدفه رفع الوعي لضرورة إنشاء أرشيف وطني، طبعاً هذا يحتاج إلى سيرورة عمل طويلة وجهود جماعية جبارة من قبل المجتمع المدني والمؤسسات. لا يستطيع شخص أو جهة بمفردها الادعاء أن بإمكانه إنشاء أرشيف، هذه نتيجة عمل جماعي، وأنا أشكر كل من يعمل في هذا الحقل، آن الأوان للتشبيك بين مختلف الجهات لتحقيق هذا الحلم. سأقدّر جدّا ملاحظاتكم وانتقاداتكم ومقترحاتكم أيضاً.”
أما المخرج كمال الجعفري، فقال في الموضع ذاته: “عندما قمت بتصوير المواد التي عرضت، سواء صور البيوت المهدمة من حيفا أو صور الناس في تظاهرة يوم الأرض والقيادات، لأي هدف قمت بذلك؟ الفكرة الأساسية كانت توثيق المشاركة الحاشدة للجماهير في تظاهرة يوم الأرض، ورؤية هذه الأعداد من الناس ومن مختلف فئات المجتمع تأخذ دورها في نضال وطني للدفاع عن الأرض، واعتقدت أن ذلك مهم حينها واليوم أرى قيمة هذا التوثيق، فهي صفحات ذهبية في التاريخ الفلسطيني ويجدر الحفاظ عليها لتعليم الجيل الجديد الذي لا يملك الكثير من المواد المصورة حول تلك الفترة، إضافة إلى كون الحدث فخراً وطنياً تجدر أرشفته.”
أما عمر القطان فقال: “أولاً أود الإشارة إلى أن أي مادة متعلقة بالأرشيف الفلسطيني يجب أن تتوفر باللغة العربية. تقديم أي مادة حول الأرشيف يجب أن تتمتع بالمصداقية والشفافية خاصة إن كانت فيلمًا، مصداقية حتى في اختيار الموسيقى المرافقة للمشاهد. باعتقادي وكي لا نشعر بالإحباط فإن بدء إنشاء أرشيف ليس صعبًا، الأمر متعلق بالثقة. سأعطي مثالاً حول متحف فلسطين الذي يحتوي على أرشيف مصور، لقد وضعت الناس ثقتها في من عملوا على جمع المواد وهذه نواة لبدء العمل.”
تقول مونيكا: “لنحاول الإجابة عن السؤال: لماذا لا يوجد أرشيف فلسطيني؟ وجود أرشيف فلسطيني يحتاج إرادة وعمل حكومي. نحن نتحدث عن الأرشيف منذ عشر سنوات، وهناك حاجة لجمع مواد من كل الجهات التي تقوم بالأرشفة. من الواضح أن هناك تنوع كبير في أساليب الأرشفة وقواعدها وأهدافها، لكن هناك إجماع على ثلاثة أمور متعلقة بالأرشيف، فهو يجب أن يكون:
– عامًا وليس خاصًا.
– مستقلاً وغير مرتبط بحكومات أو وزارات أو خاضع لتأثير حزب أو حركة.
– متاحاً للجميع ويخدم كل من يحتاجه سواء للجيل الجديد الذي يبحث عن جذوره أو لصانعي الأفلام والباحثين والكتّاب.”
تضيف: “منذ عشرين عامًا كانت هناك مبادرة لإنشاء أرشيف لكنها لم تخرج لحيز التنفيذ. خلال إحدى الدراسات الأكاديمية تم التوجه إلى عدد من وزراء الثقافة وقد تكررت الإجابة نفسها لديهم جميعاً، بأن إقامة الأرشيف ليست أولوية. أعتقد أن هذا نابع من قلة الوعي لأهمية الأرشيف. كذلك عدم وضوح العلاقة المتينة بين الهوية والأرشيف.
لقد كانت منظمة التحرير الفلسطينية حركة التحرر الوحيدة التي قامت بالتوثيق وتصوير الحياة الاجتماعية والسياسية. حتى اليوم لا يوجد هناك وعي كاف لهذا الموضوع من قبل الحكومات الفلسطينية، العمل يقتصر على بعض الجمعيات والأفراد والمؤسسات الثقافية.
علينا أن نكون واعين لمعنى أرشيف وطني فلسطيني، يجب ألا ننسى أن الأرشيف الفلسطيني الذي تم جمعه قبل إقامة وطن قومي على الأرض الفلسطينية نُهب خلال اجتياح إسرائيل لبيروت، وهناك جزء منه كان موجوداً في الجزائر ولا يعرف حتى اليوم أين هو لأنه دفن تحت الرمال!