فيلم يوم الجمعة… وجمال عبد الناصر

منال محاميد

فنانة من فلسطين

وتعتبر هذه الممارسات جزءاً لا يتجزأ من فكر وروح المنظومة الكولونيالية التي تحاول تملك الموروثات الحضارية للشعوب تماماً كما تسيطر على مصادرها الطبيعية وثرواتها.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

12/11/2019

تصوير: اسماء الغول

منال محاميد

فنانة من فلسطين

منال محاميد

توجهت إلى المصعد في طريقي للطابق السابع، وعند وصولي إليه مشيت في الرواق وهناك، للوهلة الأولى قبل دخولي لفضاء/فراغ العرض استدرجتني أصوات أعادتني إلى الذاكرة الفردية/الجماعية لأفلام يوم الجمعة التي كانت تعرض على شاشة القناة الإسرائيلية الأولى…

دخلت قاعة معرض “خطاب الفشل” البيضاء الباردة والمنسجمة وهناك علّقت على الحائط صور فوتوغرافية، وهي عبارة عن بورتريهات للزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر حيث تم انتزاعها من عدة أفلام مختلفة ومن ثم تم تكبيرها لحجمها الطبيعي، وتم تأطيرها بأطر غير متوازية (asymmetrical) التي أعتقد أنها جزء من مقولة المعرض وعلى الأقل جزء من مقولة ما! وراء الحائط تم عرض عمل فيديو آرت وهو عبارة عن مشاهد مستعارة من عدة أفلام مصرية أنتجت بين السنوات 2016- 1972 والتي عرض من خلالها خطاب التنحي المشهور لعبد الناصر.

إن العلاقة الجدلية والاستعراضية بين الفيديو آرت والصور الفوتوغرافية هي علاقة “مونوطونية” تسير بوتيرة واحدة وهي منطقة الأمان التي اختارها الفنان وهي ربما المنطقة التي يجب أن نشكك بها، وهي تلك المنطقة التي كنت أود أن أراها تعيش توتراً واختلافاً في الوزن الذي أعطي للفيديو مقابل الصور الفوتوغرافية. في حين أن جميع الوسائط اتخدت وزناً واحداً. وهنا تطرح تساؤلات، حول بديهية وضرورة لجوء عيسى غريّب لتكثيف تجارب ومحاولات أكثر جرأة لعملية تفكيك الصورة النمطية ربما بممارسة حية وليس فقط من خلال الشعور بالراحة في عرض مواد أرشيفية. 
 

العودة إلى أفلام يوم الجمعة

لا يمكن التنصل من تلك الذاكرة الفردية الجماعية التي لازالت تلاحقنا وتذكرنا كل يوم وكل دقيقة وفي كل فرصة ومناسبة، تطاردنا ونطاردها بشكوكنا وأسئلتنا تجاه ما حدث، وما يحدث، وما سيحدث. فلا يجوز ومن غير اللائق أن ننسى لأن الذاكرة تعيدنا إلى الكم الرهيب الذي تم سلخنا وعزلنا فيه اجتماعياً/ سياسياً/ ثقافياً عن حضن أمتنا بشكل مبرمج ومدروس من قبل المؤسسة الصهيونية ومحاولاتها اللانهائية من أجل عزلنا عن الوطن العربي/الأمة العربية، فحتى سنوات الثمانينيات كان التواصل الوحيد تقريباً مع العالم العربي عبر محطات تلفزيونية ضئيلة جداً ومحدودة العدد بالنسبة للفلسطينيين الذين يقطنون فلسطين التاريخية (١٩٤٨)، وكان اتصالاً باتجاه واحد فقط. 

حالة التشرذم لا زالت قائمة بل تزيد سوءاً

خطاب التنحي وصور” البورتريهات” الشخصية لجمال عبد الناصر ومحاولة غريّب لصياغتها من جديد هي عملية أبروبريشين (appropriation-التملك)، وهو أسلوب تعبيري معاصر في الفن يقوم على إعادة إنتاج لمشاهد فيديو وصور فوتوغرافية من مصادر مختلفة مع الحرية الفنية الشخصية الكاملة وذلك من خلال مزجها وتفكيكها وتركيبها من جديد. عملية استعارتها، واقتباسها وممارسة تغيرات عليها بالأسلوب أو التقنية هو بهدف إعادة إنتاج تشكيلها من جديد ضمن منتج فني مستحدث. ويعود تاريخ التملك بالفن إلى 1917، حين عرض الفنان مارسيل دوشامب النافورة (fountain)، وهي عبارة عن مرحاض سيراميكي مُصنّع وكان تدّخُل الفنان شبه الوحيد توقيعه باسم مستعار على الكرسي المرحاض وتقديمه في إطار صالة عرض. ومن ثم في سنوات الخمسينيات عندما قام جاك فيلغلي وريمون هاينز في جمع المعلقات الإعلانية الممزقة من الشوارع ومن ثم صوّراها فوتوغرافياً وأجريا عليها بعض التعديلات والتدخل قبل عرضها، ومن ثم فنان البوب آرت Andy Warhol، ولاحقاً فنانون أمثال Richard prince و cindy shermsn و Sherirue Levin وغيرهم.

ولا أريد أن أطيل الشرح أكثر عن تاريخ فن التملك وعمليات الاستعارة والاقتباس والمزج بين مصادر مختلفة.
 

العودة مجدداً لفيلم يوم الجمعة

الفكرة هي جزء من الموروث الحضاري الذي لا يزال يرسخ في أذهاننا واختيار غريّب لبناء مشروع فني مبني على أيقونة هو ليس بمشروع سهل من حيث المطبات والمخاوف. بالنسبة لي كفنانة هناك تحدٍ كبير في كيفية تغيير التأويلات والصورة النمطية التي تبلورت في وعينا وأسئلة كثيرة مثل: هل المنتج الثقافي واع لهذه الشكوك والتساؤلات التي تريد أن تحاورها ضمن العمل الفني؟ فثقل الأيقونة وعبئها وما تحمله من معاني التأويلات بات من الصعب قراءتها بصيغة مختلفة والتشكيك بها.

إن صورة جمال عبد الناصر هي الصورة الجماعية التي بدون أدني شك لم تكن تخلو منها بيوتنا جميعاً في فلسطين التاريخية، وربما اليوم استبدلت بصور وديكورات كليشيهات أخرى. لقد دخل عيسى غريّب نحو منطقة الخطر ومن المثير أن نبحث ما كان سيحدث لو اختار عيسى أن يعرض صوراً مع تفاصيل البيوت التي علقت بها الأعمال وماذا علق المصريون والعراقيون على جدران بيوتهم، وفي جدران بيوت الوطن العربي في تلك الحقبة الزمنية.

أما موضوع التملّك (appropriation) فهو بالتأكيد يثير قضية “التملّك الثقافي” التي تختلف بجوهرها عن قضية “التبادل الثقافي” وهو أسلوب يطغى على ثقافة المستعمر الصهيوني، واستهدف كافة الأطياف الحياتية والثقافية للشعب العربي عموماً وللشعب الفلسطيني خاصة، ومع أن مصر كانت تعتبر أشد أعداء إسرائيل إلا أن تلفزيونها الرسمي كان يهتم بعرض فيلم عربي مصري مساء كل يوم جمعة، وقامت سلطة البث بالتستر على مصدر وصول هذه الأفلام حتى اليوم، علماً أن بث الأفلام بدأ مباشرة بعد نكسة العام 1967. وفي هذا محاولة للتملك الثقافي ورسم صورة تختلف عن الواقع غير السلمي بين البلدين، هذا إلى جانب محاولات التملك الثقافي على المطبخ الفلسطيني، وتسميات القرى وغيرها والتي لم تسلم منها حتى الحيوانات والنباتات.

وتعتبر هذه الممارسات جزءاً لا يتجزأ من فكر وروح المنظومة الكولونيالية التي تحاول تملك الموروثات الحضارية للشعوب تماماً كما تسيطر على مصادرها الطبيعية وثرواتها.
 

الكاتب: منال محاميد

هوامش

موضوعات

...للكاتب/ة

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع