قصّة بجودة الحلم
“ذات يومٍ رأيت كاهناً باسكيّاً معمّراً يعمل وسط سحاباتٍ من النّحل، كان بمقدوره أن يخبر النّحلات بأن تبقى بعيدة أو أن يرشدها إلى خلايا مختلفة، أتذكّر أيضاً حارس الأحراش في سلسلة جبال الرّوكي الكنديّة الذي كان يعرف موقعه بالضّبط من خلال قراءة الطّحالب بأصابعه على جذوع الأشجار. أستطيع الجّزم بحقيقة أنّ ثمّة وشيجة بين هذا الكتبيّ العجوز وبين كتبه ستحكم عليها قواعد الفيزيولوجيا بأنّها ضربٌ من المحال“.
هكذا يقارب ألبرتو مانغويل تلمّس بورخيس لكتبٍ لا يعرفها في متجرٍ أو في مكتبة، بورخيس الذي داخل منزله يعلم أين مسكن كلّ كتاب فيذهب إليه دون أن يخطئه، يجد نفسه مرّاتٍ قرب رفوفٍ غير مألوفة فيمرّر يديه فوق كلّ كتابٍ كما لو أنّه يجسّ سطحاً مجعّداً لخارطةٍ مجسّمة وينتظر من جلد يديه أن يقرأ له الجّغرافيا.
“النّاس يمكنها أن تضيّع حياتها في المكتبة، يجب أن يتمّ تحذيرهم من ذلك“، يقول بورخيس، لكن ومع ذلك، إنّ جوهر الحقيقة لديه يكمن في الكتب، قراءة الكتب، تأليف الكتب، التّحدّث حول الكتب، كان يعي باطنيّاً مسألة متابعة الحوار الذي بدأ قبل آلاف السّنين: “مع الزّمن، كلّ قصيدةٍ تصبح مرثاة“. ربّما هو أيضاً قصد مانغويل ذاته وألمح إلى حواريّةٍ طويلةٍ بينهما عن ولع مانغويل بالكتب والمكتبات، أعود هنا إلى كتاب مانغويل “المكتبات في الليل” (دار الساقي، ٢٠١٦):
“في طيش فتوّتي، حين كان أصدقائي يحلمون بمآثر بطوليّة في حقول الهندسة والقانون والمال والسّياسة كان حلمي أن أصبح أمين مكتبة“.
مكتبة بيغماليون الأنغلو-ألمانيّة كانت واحدةً من ملتقيات المهتمّين بالآداب عموماً هناك في بيونس آيريس خلال منتصف القرن الفائت، مانغويل الشّاب الذي يعمل في المكتبة بعد انتهاء مدرسته سيصغي يوماً إلى عجوزٍ أعمى يطلب منه أن يقرأ له شيئاً ما، ورث بورخيس العمى عن أسرته، في بداية ثلاثينيّات عمره بدأ نظره يتراجع تدريجيّاً حتّى غلبه الظّلام أبديّاً بعد عيد ميلاده الثامن والخمسين. لاحقاً وبدايةً من عام ۱۹٦٤ وحتّى ۱۹٦۸ سيقرأ مانغويل بين عديدين لبورخيس الذي كان زبوناً دائماً في المكتبة، يزورها في طريق عودته من عمله كمديرٍ للمكتبة الوطنيّة، ثمّ سيتحوّل مكان القراءة من المكتبة إلى منزل بورخيس الذي يتقاسمه مع أمّه والخادمة فاني.
“مرآةٌ عملاقةٌ لمتاهة“
لا يكتب مانغويل عن بورخيس فقط كصديقٍ أو كمعلّم لكن أيضاً كندّ وعدوّ شاعريّ مشتهى، كما لو أنّها رغبةٌ هائلةٌ بحياكة زمنٍ بهيئة قصيدةٍ بين كاتبين، عمر مانغويل الصّغير فترة معرفته ببورخيس لم يكن ليجعل منه شريكاً لدوداً حينها بقدر ما جعله مصغياً مسجّلاً لأدقّ تفاصيل شخص بورخيس، بدايةً بالمنديل المعطّر بماء الكولونيا كما تقدّمه له الخادمة والذي يحمله بورخيس دائماً في جيب سترته العلويّ بأطرافٍ مرئيّة، وليس انتهاءً بشخصيّات بورخيس المتخيّلة منها التي أحبّها مانغويل والواقعيّة التي عايشها، “القارئ المثاليّ قادرٌ على الوقوع في غرام إحدى شخصيّات الكاتب“. يعرف مانغويل بورخيس معرفة العالم بمخبره ويصفه كما يصف من يهوى جمع الفراشات بمتعةٍ ألوان جناح فراشةٍ لا يملّ النّظر إليها.
مانغويل إذ يتذكّر زياراته المبكّرة لشقّة بورخيس، يصفها كمكانٍ حميمٍ دافئٍ معطّرٍ بأريجٍ ناعم، ويصف وجوده فيها كأنّه خرج للتوّ من قبضة الزّمن أو أنّه دخل لتوّه زمناً تشكّل من تجارب بورخيس الأدبيّة، من إيقاع عهود إنكلترا الفيكتوريّة والإدوارديّة، من عصر التّعبيريّة الألمانيّة، من فصول الصّيف في مدريد ومايوركا، من الصّحارى ومياه النيل، بورخيس الرّحالة الذي لم يكن ليعنيه أكثر ممّا هو استحضارٌ لقراءاته، سيثبّت كلّ شيءٍ في مخيّلته أو في كتبه وقصائده أو حتّى سيعلّقها حوله في أماكن جلوسه كصفحةٍ من ألف ليلة وليلة وصفحةٍ من الكتاب المقدّس هنا أو صفحةٍ من هوميروس وأخرى من فرجيل هناك.
عالم بورخيس بكليّته كان لفظيّاً، نادراً ما داخلته موسيقى أو لون وشكل، هو ذاته اعترف مرّات عديدة أنّه وبقدر ما كان الفنّ التّصويريّ مبعث اهتمامٍ بالنّسبة له، كان هو فيه دائماً أعمى، حتّى إعجابه بأعمال صديقه خول سولار وأعمال أخته نورا وكذلك دورير وبيرنيسي وبليك ورامبرنت وتيرنر، كان كلّه إعجاباً أدبيّاً وليس أيقونيّاً، أيضاً بدا أصمّاً تجاه الموسيقى، قال أنّه أعجب ببرامز لكنّه قلّما استمع إلى موسيقاه، وبالنسبة للأفلام كان يتذكّر الموسيقى التي رافقت أفلاماً محدّدة، لكنّه كان يوليها اهتماماً أقلّ من اهتمامه بحكاية الفيلم.
علاقة مانغويل ببورخيس تظهر بجانبٍ منها في رمزيّة سرد مانغويل لزيارات صالات السينما التي كانا يقومان بها، بورخيس في الغالب سيكون قد شاهد الفيلم سابقاً أو أنّ أحداً رواه له بالتّفصيل بعد عماه، مانغويل يراقب تفاصيل بورخيس متجاهلاً الفيلم، بين الفينة والأخرى سيتظاهر بورخيس أنّه يستطيع رؤية ما يحدث على الشّاشة وحتّى سيعقّب على مدى إتقان مشاهد المعارك بين العصابات أحياناً كما على تناسق الألوان وجمال نساء الفيلم في أحيانٍ أخرى، مانغويل سيسجّل حياة بورخيس في ذاكرته كفيلمٍ كثيف التّفاصيل، ثمّ سيخرجان للمشي سويّةً نحو البيت وفي داخل كلّ منهما فيلمه الخاص.
بورخيس أيضاً يبدو مرّاتٍ مراهقاً شاعرياً فائض العواطف قرب مانغويل الذي يراقبه بهدوء عشيقٍ سريّ، يحكي مانغويل أنّ بورخيس سأله مرّة إذا كان يستطيع مرافقته لحضور الفيلم الموسيقيّ “قصّة الجّانب الغربيّ” من بطولة ناتالي وود وجورج شاكيريس، كان قد حضره مرّات عديدة ولم يبد أنّه سيملّ منه أبداً، في الطّريق كان بورخيس يدمدم “ماريا” ويقدّم ملاحظةً عن مدى صحّة قول أنّ اسم المعشوق يتحوّل من اسم بسيطٍ إلى منطوقٍ إلهيّ: بياتريس، جولييت، لسبيا، لورا، ثمّ يضيف بعدئذٍ: كلّ شيء يصبح مبقّعاً بذلك الاسم.
مرّةً أجهش بورخيس بالبكاء في نهاية فيلم “ملائكة بوجوهٍ قذرة” عندما يظهر خوف جيمس كاغني أثناء اقتياده إلى الكرسيّ الكهربائيّ وبذلك فإنّ الصّبية الذين ألّهوه لن يرفعوا أنظارهم إليه بعد الآن. ثمّ، واقفاً على حدود البامباس، المشهد الذي قال عنه أنّه أثّر في الأرجنتينيين ما أثّر مشهد البحر في الإنكليز، تدحرجت دمعة على وجنته وتمتم: “Carajo, la patria- بعد الله، يا وطني”. بكى عندما قرأ بيت شعرٍ لكاتب أرجنتيني منسيّ هو مانويل بيرو لأنّه ذكر شارع نيكارغوا، الشارع القريب من المكان الذي ولد فيه بورخيس، وتلذّذ بتلاوة أربعة أبياتٍ لروبين داريو:
البجعة تعوم ثمّ تعوم على البحيرة الهادئة
ذلك أنّ في الأحلام ينتظر أولئك التّعساء
حيث جندول ذهبيّ يرسو منتظراً
عروس لودفيغ البافاريّ.
“كم هو مؤسف أنّك لم تولد نمراً“
مانغويل، الكتبيّ، الطّفل الذي بالصّدفة دخل بيت العملاق، تظهر عاطفته المتوقّدة كقارئ لبورخيس-المتخيّل في رأسه كما الواقعيّ- في التقاطه خيبات الآمال أمام مكتبة بورخيس الفقيرة وهو الذي أسمى الكون مكتبةً بل وتخيّل الفردوس على شكل مكتبة والجّحيم -منتقداً إل غريكو حينها-فردوساً يشبه الفاتيكان مليئاً بالدّوقات والمطارنة، ربّما لأنّه أدرك كما قال مرّةً أنّ اللغة تقلّد الحكمة وحسب.
ماريو فارغاس يوسا اعتاد زيارة بورخيس أواسط الخمسينيّات، علّق مرّةً على المحيط المفروش متسائلًا لماذا لا يسكن هذا المعلّم منزلاً أكثر اتّساعاً وفخامة، ليردّ بورخيس على “أحمق البيرو” حسب وصف مانغويل قائلاً: ربّما كانت تلك الطّريقة التي يتعاملون فيها مع الأمور في ليما، لكنّنا هنا في بيونس آيريس لا نهوى التّفاخر.
ذات مرّة، أثناء وجود مانغويل في بيت بورخيس، أحضر ساعي البريد طرداً كبيراً يحتوي على طبعةٍ فاخرةٍ من قصّة بورخيس “المؤتمر” المنشورة في إيطاليا حينها من قبل فرانكو ماريا ريتشي، الكتاب الضّخم تمّ تجليده بعنايةٍ وتغليفه بعلبةٍ من الحرير الأسود مع أوراق فابريانو زرقاء طبع عليها بالذّهب وامتلأت بالرّسوم التأمليّة المشغولة يدويّاً على طراز فنّ التانتريك في الثقافتين الهندوسيّة والبوذيّة، طلب بورخيس من مانغويل أن يصف له الكتاب، ثمّ بعد أن أصغى بانتباهٍ صرخ بقوّة: هذا ليس كتاباً بل علبة شوكولا!، وأهداه لساعي البريد المرتبك.
بورخيس المشاكس كانت أيضاً شخصيّةً حاضرة قرب ظلّها الشّفيف مانغويل، هو مثلاً وعلى الرّغم من تقدّم سنّه وعمى بصره لم يكن بحاجةٍ إلى نسخٍ من كتبه التي ألّفها والتي كان يتذكّر كلّ شيء بها لا بل يقوم مرّات بسردها وتصحيحها وتعديلها في ذاكرته، النّسيان بالنّسبة له كان أمنيةً طال تكرارها مع إدراكه أنّها أشبه بالمستحيل، أمّا التّناسي فهو التّصنّع الذي يفعله ليراقب ما استطاع من انشداه ونشوة سامعيه، كأن يقول لصحفيّ أنّه لم يعد يتذكّر أعماله الأولى فيستشهد الصّحفي بها محاولاً مداهنته بسطرين من قصائده ليصحّح بورخيس الاستشهاد الخاطئ بهدوءٍ متابعاً قول القصيدة حتّى النهاية.
قصّته “استعارة طويلة للأرق” هي أيضاً حسب قوله استعادةٌ لذاكرته التي لا تلين ككومة القمامة التي يمدّها دائماً بالجّديد ولا ينظّفها أبداً، الذّاكرة كلّها بالنسبة إليه هي إعادة قراءة، إنّه يتذكّر أغاني التانغو، قصائداً قديمةً لشعراء ماتوا منذ زمن بعيد، نتفاً من حواراتٍ وكلماتٍ على صور، أحجيات من سطرٍ وحيدٍ ومطوّلات قصائد إنكليزيّة وألمانيّة وإسبانيّة وبرتغاليّة وإيطاليّة، أبياتاً من ملاحم الشّمال، حكايات عن ناس التقاهم ومقاطع من فرجيل. يقتبس من الأوديسّة كي يفسّر ذلك: “تحوك الآلهة للإنسان المحن كي يكون للأجيال القادمة ما تغنّي عنه”.
معظم روّاد الكتابة بالإسبانيّة أقرّوا أنّهم مدينون لبورخيس، من غابريل غارسيا ماركيز إلى خوليو كورتاثار ومن كارلوس فوينتس إلى سيفيرو سارودي، أيضاً الرّوائي الأرجنتينيّ موخيكا لاينث الذي كتب عنه:
إلى شاعرٍ شاب،
لن يجديك أن تتبنّى فكراً ما يتطلّع إلى الأمام،
لأنّك حتّى لو كتبت كمّاً مهولاً،
سيكون بورخيس قد سبقك إلى كتابتها.
“أكثر واقعيّة بقليل“
الحسّ المرهف لدى مانغويل لعبثيّة بورخيس ودعاباته اللاذعة أيضاً كان رؤيةً واضحةً أنّ بورخيس الذي يهوى النّقاشات جميعها كان نافذ الصّبر تجاه الغباء، وهو الذي قال مرّةً بعد اجتماعٍ خاصّ مع أستاذٍ جامعيّ فارغ حسب وصف مانغويل: أفضّل أن أتحدّث إلى قاطع طريقٍ ذكيّ. في الأرجنتين هنالك على الدوام ميلٌ لدى الناس للنّقاش كأنّهم يترجمون حيواتهم إلى كلماتٍ يتبادلونها، أحبّ بورخيس نقاش كلّ شيءٍ حتّى خلال تناول وجبات الطّعام التي لم تكن لتلهيه بأصنافها وجودتها عن الحديث مع الأشخاص حوله، كان يؤمن أنّ في وسع أيّ إنسانٍ أن يختبر ما اختبره إنسان آخر.
“حياتنا ليست فردانيّة على الإطلاق”، يقول مانغويل، بما أراه تأثّراً شديداً ببورخيس. مانغويل قارئٌ ممتاز لكتب بورخيس وناقدٌ أصيلٌ لها، من مرحلة الغنى الباروكي في واحدٍ من أوائل كتبه وهو إيفارستو كارييغو، إلى النّبرة المقتضبة في قصصٍ مثل الموت والبوصلة والرّجل الميّت، يرى مانغويل أنّ بورخيس شيّد لبيونس آيريس الإيقاع والميثولوجيا اللذين من خلالهما عرفت المدينة بعد أن أوحت لفترةٍ بالالتباس والبهوت رغم كونها مدينةً مرموقةً للفكر والثّقافة، لكنّها احتاجت كغيرها إلى خيالٍ أدبيّ يرقى بها إلى ما يتجاوز الواقع، توحي بيونس آيريس الآن بمزيدٍ من الواقعيّة لأنّها تحافظ على بقائها ضمن صفحات بورخيس وهو ابنها المتجذّر الذي استمدّ من وراء سياج حديقة منزل عائلته في محيط باليرمو قصصاً وقصائداً لما أسماهم المتغطرسون، وهم قطّاع الطّرق المحليّون الذين رأى فيهم الشّعر والكفاح في عالمٍ سفليّ ومن حيواتهم المتواضعة كان يسمع أصداء الإلياذة وملاحم الفايكنغ القديمة، هكذا وحسب وصف مانغويل: بيونس آيريس البورخيسيّة هي المركز الميتافيزيقيّ للعالم.
بورخيس، حسب قارئه وصديقه مانغويل، توجّب دائماً أن يكون فردانياً، لا قوميّاً، بلا جماعةٍ أو مدرسةٍ أو فكر، توّاقاً لأدبٍ كلّ كتاباته مرئيّة كإبداعات الرّوح ذاتها كما كان يقول محتجّاً: في الجامعة لا ندرس الأدب بل تاريخ الأدب. مع ذلك فقد غيّر بورخيس الأدب إلى الأبد، بعد المجاهرة بأنّ القارئ وحده هو من يمنح الحياة للأعمال الأدبيّة، وأنّ الأدب هو فقط إبداع المؤلّف لنظريّةٍ مستحيلة، هكذا فإنّ هناك قراءاتٍ لنصّ واحدٍ بعدد قرّائه، متنوّعة تنوّع ألوان الطاووس، وليس ما فعله بورخيس إلّا أن وضع القوانين لنسق ألوان هذا الطاووس.
تطلّع بورخيس إلى النّهاية، قال أنّه لم يستطع فهم أونامونو الذي كتب أنّه توّاقٌ للخلود: “الشّخص الذي يتوق إلى الخلود لابدّ أن يكون مجنوناً، أليس كذلك؟”، أيضاً أضاف: “لا أريد أن أموت في لغةٍ لا أستطيع فهمها”. مات في الرابع عشر من حزيران عام ۱۹۸٦ في جنيف، المدينة التي اكتشف فيها هايني وفيرجيل وكيبلغ ودي كوينسي، كان آخر كتابٍ قرئ له هو هاينرش أوفتردنغن لنوفاليس، وهو الكتاب الأوّل الذي قرأه في جنيف أيّام مراهقته.
بترجمةٍ ممتازة من أحمد م.أحمد وعن دار الساقي عام ۲۰۱٥ صدر “مع بورخيس”، المذكّرات التي حسب “الرّجل المكتبة مانغويل” هي مذكّرات المذّكرات التي قد تحرّضها وقائعٌ وصورٌ وكلماتٌ بسيطة حتّى يصير هو ذاته مانغويل غير متأكّدٍ حدّ اليقين أنّها حدثت فعلاً كما هي في ذاكرته، ثمّ سيذكر ما كتب بورخيس في شبابه: “تحّرضني حكمٌ صغيرةٌ تضيع أدراج الرّياح مع كلّ موت”.
يمكن للكاتب أن يأمل الرّضا بإيصال امرئٍ واحدٍ على الأقلّ إلى خاتمةٍ لائقة، لا؟
ينهض بورخيس مرافقاً صديقه مانغويل حتّى الباب، يقول دون أن ينتظر ردّاً: “ليلة سعيدة، إلى الغد، أليس كذلك”؟، ثمّ يطبق الباب بهدوء.