في شهر تشرين ثاني/نوفمبر الماضي، أطلقت مجموعة “سينمائيون ضد التطبيع” بيانًا تحذر فيه وتدعو لمقاطعة ورشات العمل والفعاليات التي تنظمها مؤسسة سينمائية أوروبية جديدة تحمل اسم “Close Up” ومنشؤها بروكسل، في بلجيكا. وجاء في نص البيان أن المؤسسة المذكورة تهدف الى تطبيع العلاقات مع السينمائيين الإسرائيليين، وتعزيز وجود إسرائيل ككيان طبيعي في المشهد السينمائي/الثقافي في المنطقة من خلال ورشات لخلق فرص إنتاج مشترك لأفلام تسجيلية بين المخرجين من الدول العربية، وإيران، وتركيا، وأفغانستان وإسرائيل.
مؤخرًا، وتحديدًا في منتصف آب المنصرم، عادت قضية التعامل مع مؤسسة “Close Up” لتطفو على السطح بعد الإعلان عن ورشة جديدة للإنتاج المشترك وفتح التسجيل لها حتى منتصف أيلول الحالي، كذلك مبادرة المؤسسة للتواصل مع عدد من المخرجين والمخرجات الفلسطينيين والعرب، ودعوتهم للمشاركة وتقديم مقترحاتهم. هنا بات التحذير من مغبة مشاركة مخرجين فلسطينيين وعرب في هذه الورشة واجبًا بنظر عدد من السينمائيين الفاعلين في سياق المقاطعة، والذين يرون الخطورة في مشاركة كهذه ويعتبرون عمل المؤسسة فخًا لإيقاع السينمائيين الذين يبحثون عن فرص لإنتاج أفلامهم في ظل قلّة الفرص للتمويل.
المخرجة الفلسطينية/الأردنية ميس دروزة كانت من المبادرين إلى التحذير من التعامل مع “Close Up” ليس على مستوى صناع الأفلام الفلسطينيين فقط، بل العرب أجمع. ميس تحدثت الى رمان حول الموضوع موضحة:
“لقد خضنا كصنّاع أفلام تجربة شبيهة مع مؤسسة “Green House” التي توقف عملها. الحديث عن مؤسسات بغطاء أوروبي وتمويل إسرائيلي أو مقرّب من اسرائيل، تقوم بتوظيف شخص عربي للتواصل مع السينمائيين العرب من خلال إرسال رسالة شخصية عبر الحساب الشخصي في الفيسبوك. العمل في حقل السينما يعتمد على الترابط والعلاقات، ويبدو غريبًا جدا استلام رسالة متعلقة بمشروع دعم أفلام وإنتاجات مشتركة من شخص غير معروف بتاتا في حقل السينما. المثير للشك في تواصل هذه المؤسسات مع صناع السينما هو هذه الرسائل الشخصية والتي تدل على أن المؤسسة تقوم ببحث جدّي وعميق للحصول على أسماء المخرجين أو أن هناك طرف ما يقوم بتزويدهم بالأسماء. ومن المهم أن ننتبه أن عمل هذه المؤسسات يستهدف الزملاء من العالم العربي وليس الفلسطينيين فحسب.
وعند سؤالها عن كيف تنبهوا إلى قضية التطبيع والتمويل الإسرائيلي في عمل المؤسسة المذكورة، قالت: يمكن الدخول إلى موقع المؤسسة والبحث والمقارنة والاطلاع على أسماء الشخصيات التي أقامت المؤسسة، كذلك المؤسسات والمهرجانات الشريكة. وهذا ما قامت به زميلتنا المخرجة المصرية أمل رمسيس، وهي من المبادرين إلى كتابة بيان المقاطعة. وهناك تفصيل آخر لافت في تعامل المؤسسة مع صناع السينما وتوجيه الدعوات لهم للمشاركة مرة تلو الاخرى على الرغم من الرد الصريح بأننا مقاطعون للمؤسسة وفعالياتها. ناهيك عن انعدام المهنية في تصرّف كهذا، إلا أن الإصرار على الدعوة للمشاركة هو مثار للشك كما ذكرت سابقًا.
وقالت دروزة عن الطريقة التي يمكن من خلالها توفير مساحة آمنة للسينمائيين الذين تورطوا ثم تراجعوا عن مشاركات أو شراكات كهذه: نحن في المنطقة العربية مهاجمون على كل المستويات، نحن منطقة محتلة! أي شخص يشارك في عمل تطبيعي ويود التراجع عنه مع دراية ووعي يكون قد وصل إلى مرحلة من التطور الفكري والوعي لمفهوم التطبيع والتهويد الذي تنتهجه إسرائيل منذ قيامها. لكن منح المساحة الآمنة ليس بالأمر السهل، لأن الجمهور يعاني من عنف ممنهج وبالتالي من الممكن أن تكون ردود فعله عنيفة أيضًا. المُتراجع عن التطبيع -رغم أهمية موقفه- يجب أن يفهم بأن القضية ليست شخصية في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة العربية بأكملها، والظلم الذي يحرك مشاعر الجمهور.
مواجهة الجمهور أمر في غاية الصعوبة، ومع ذلك هو أفضل بآلاف المرات من الوقوف على الحياد وعدم اتخاذ موقف. نحن بشر والخطأ جزء من سيرورة حياتنا، لكن مواجهة الخطأ والاعتراف به هو نضوج وعلى هؤلاء الأشخاص عدم المكوث في الحفرة التي تم ايقاعهم بها. العزلة عن المجتمع والثقافة وحالة الاغتراب التي يسببها التطبيع هي أثمان باهظة!
المخرجة المصرية أمل رمسيس أوضحت بدورها الدافع من وراء دعوة المخرجين لمقاطعة الورشة بقولها: ” قام زوجي بالبحث عن اسم شخص تركي موجود في مجلس إدارة “Close Up” ووجد أنه كان في السابق عضو مجلس إدارة “Green House” ثم توسع في البحث ووجد أن الشخصيات التي وقفت من وراء “Green House” هي ذاتها تقف اليوم وراء “Close Up”، فتواصلتُ مع السينمائيين العرب والفلسطينيين للقيام بحملة مقاطعة وجمعنا توقيعات على البيان. في شهر آب بدأت المؤسسة ترسل رسائل شخصية للمخرجين وتدعوهم للمشاركة في ورشتها القريبة”.
سألناها إن كانت هنالك شخصيات سينمائية معروفة تعمل مع هذه المؤسسة أو ترفض التوقيع على بيان مناهض للتطبيع، فقالت: طبعاً، مثل كل مشروع هنالك سينمائيون يعملون مع هذه المؤسسات ولكنهم قلّة. هناك سينمائيون لم يوقعوا البيان ولديهم أسبابهم ودوافعهم لكنهم لا يشاركون في مشاريع كهذه. في الحقيقة هذا محبط أن الناس تخاف على مسيرتها المهنية وتمتنع عن إدراج اسمها في بيانات مناهضة للتطبيع”.
سألناها عن الدور السينمائي الواعي الممكن اتخاذه إزاء خطورة مشاريع كهذه لتوعية السينمائيين الجدد الذين يمكن أن يروا في هذه الورشات فرصة لإطلاق افلامهم الاولى، فقالت: من لديه استعداد للحصول على تمويل من أي طرف لإنتاج فيلمه، مليون سينمائي مخضرم لن يردعه! الأمر متعلّق بالمبادئ، هناك من يبدي تهاوناً في كتابة سيناريو كي يتم قبوله وهناك من يصر على كتابة سيناريو يعكس مواقفه دون تنازل. في جيل الشباب هناك من يفاجئنا بوعيه، لكن هناك من يفاجئنا سلبيًا لأن المجال السينمائي تنافسي جدًا والموارد فيه قليلة جدًا. لكن نصيحتي الوحيدة للسينمائيين الشباب الذين يعتقدون أننا وصلنا الى مرحلة تجربة تجعلنا “كبار” ولا يخيفنا إعلان المقاطعة هي: عمرك ما تكبر إلا بمبادئك ومواقفك.