قرية فلسطينية مُهجّرة، تقع في قضاء غزّة (حسب التقسيمات الإدارية من فترة الاحتلال/الانتداب البريطاني). تبعُد عن مدينة غزة حوالي 14 كم إلى الشمال الشرقي منها، وإلى الجنوب من مدينة مجدل عسقلان. وتبعد عن ساحل البحر المتوسط قرابة 4 كم فقط. وتحيط بها أراضي القرى التالية: الجورة والخصاص وبربرة وبيت جرجا ودير سنيد وبيت لاهيا.
أصل الاسم “هِربيا” من الكنعانية والآرامية ويعني “الوفرة” و”الكثرة”. ويبدو أنّ لهذا الاسم علاقة بوفرة مياهها ومحاصيلها. سكنها الإنسان الفلسطيني منذ القِدم، وتشهد على ذلك الآثار الباقية فيها وفي المناطق المجاورة لها.
بلغت مساحة أراضيها حوالي 22،312 دونما. وتسرّب منها لأيدي اليهود ما مقداره 1226 دونمًا. وقام سكانها بغرس ما مقداره 2765 دونمًا من أشجار الحمضيات على أنواعها المختلفة، وفي مقدمتها البرتقال. وانتشرت فيها الآبار التي ساهمت في إرواء الحقول والبيارات.
وتفيدنا المصادر التاريخية العثمانية أنّ عدد سكانها في العام 1596 بلغ 963 نسمة، وكانت القرية تابعة لناحية غزة. واستنادًا إلى احصاءات الانتداب البريطاني من العام 1922 فإنّ عدد سكان هربيا بلغ 1937 نسمة، ليرتفع في إحصاء العام 1931 إلى 1510 نسمة. أما عددهم في عام النكبة حوالي 2600 نسمة موزعين على 300 منزل. ولقد اعتمد سكانها على الزراعة وخصوصًا زراعة قصب السكر والحمضيات وفي مقدمتها البرتقال، مستفيدة من كميات كبيرة من مياه من الينابيع التي روت أشجار الحمضيات بما يكفيها. وكان مزارعو القرية يبيعون محاصيلهم إلى تجار البرتقال اليافيين خاصة، وهؤلاء يقومون بتصريفها إلى الخارج عن طريق ميناء يافا. ومن الأهالي من عمل في الحرف اليدوية التقليدية التي كانت منتشرة آنذاك بحكم ارتباطها بالأشغال الزراعية كالحدادة والنجارة. وبرزت أيضًا حرفة أشغال الأنوال (جمع “نول”) بتأثير انتشارها في بلدة مجدل عسقلان القريبة.
ونتيجة لتحسُّن الأحوال المعيشية لأهالي القرية فإنّهم سارعوا إلى إرسال أولادهم إلى مدرسة القرية التي شهدت نموًا وتطورًا مع مرور الزمن. وجدير ذكره هنا إلى أن بداية المدرسة كانت في غرفة مجاورة لمسجد القرية، والتي تُعرف بـ “كُتّاب”. ثم بادر الاهالي إلى تأسيس مدرسة رسمية لأولادهم في 1922، حيث بلغ عدد الطلاب المنتسبين إليها 124 طالبا موزعين على ستة صفوف يعلمهم ثلاثة معلمين، كانت القرية تدفع أجرة اثنين والثالث على حساب وزارة المعارف الانتدابية.
ولا بُدّ من الإشارة هنا إلى أنّه وقعت على أراضي هربيا معركة شهيرة في سنة 1244م بين المسلمين بقيادة الأيوبيين وبين جيش الصليبيين. ويعتبرها عدد من المؤرخين بمرتبة “حطين الثانية” حيث شارك في المعركة جنود خوارزمية مع الايوبيين مقابل الفرنجة الصليبيين. وكانت هذه المعركة فاتحة لاستعادة القدس من الجيوش الصليبية وبالتالي إلى طردهم من فلسطين في وقت لاحق.
وتنتشر في القرية آثارٌ قديمة يعودُ بعضٌ منها إلى الفترات الكنعانية والرومانية والصليبية والإسلامية. وأبرزُها خربة “معربة”. وخربة “الرسم” وخربة “الشرف” أو كما تُعرف بـ “خربة أشرف” (وكانت تُعرف سابقا بـ “خربة سرافيا” ومن هنا جاء اسمها العربي. لكنها في الفترة الرومانية كانت تحمل اسم “ديوكليتيانابوليس”)، وخربة “حنونة” وخربة “دير ساوي”.
أما المعالم الدينية فيها فهي على النحو التالي: مسجد القرية وكان في وسط القرية وهو قديم، ولا زال قائمًا. وللقرية اربعة مقابر وهي: مقبرة سعد، مقبرة البيادر، مقبرة الساقية، مقبرة منشية حسن. أما المقامات المنتشرة فيها فهي: مقام الشيخة فاطمة غرب القرية، ومقام سعيد قرب المدرسة، ومقام الشيخ أحمد شمالي القرية.
ومن عائلات القرية: الشرافي، الغول، سالم، مقبل، عليان، كريزم، العرابيد، حسونة، النحال، الترامسة، أبو عوكل، ابو سمرة، وغيرها. ومن مخاتيرها في أواخر عهد الانتداب: محمود سالم، العبد عليان، صلاح مصلح الغول، ابراهيم العرابيد، رمضان مقبل.
احتلال القرية وطرد سكانها في 1948
قامت فرقة عسكرية من لواء جفعاتي (المشاة) في الجيش الإسرائيلي باستهداف قضاء غزة، وفيه قرية هربيا وذلك في مطلع شهر تشرين أول من العام 1948. واستخدم الجيش الإسرائيلي سلاح طيرانه لقصف القرية والقرى المحيطة بها وذلك لوجود مركز عسكري للجيش المصري مُستحكِمٌ فيها. ومن بين القرى الأخرى التي تعرّضت إلى قصف جوي ومدفعي من هذا اللواء كانت قرية “بربرة” وهي تعتبر من القرى الكبيرة في القضاء من حيث تعداد سكانها. وشمل القصف بأشكاله المختلفة مدينة “مجدل عسقلان” التي سقطت بيد الجيش الإسرائيلي. ونتيجة لسقوط قرى وبلدات مجاورة وتعرّضت هربيا إلى قصف متواصل اندفع سكانها نحو غزة حماية لأنفسهم وعائلاتهم، مُخلّفين ورائهم بيوتهم العامرة وأراضيهم ومزارعهم وبياراتهم الخضراء ذات الاشجار المُثمرة. وتحولوا إلى لاجئين في مخيمات قطاع غزة.
أمّا الجيش الاسرائيلي فتابع عمليات التطهير العرقي لكافة قرى قضاء غزة بحيث لم يبقَ منها أثر إلاّ بالنادر. فمسجد هربيا باق وعدد من المنازل ومنها منزل عائلة العلمي المقدسية ومبنى المدرسة. وتمّ تحويل معظمها إلى مخازن ولاستعمال المستعمرات التي أقيمت على أراضي هربيا.
وللحيلولة دون عودة أهالي قرية هربيا وقرى أخرى في المنطقة سارعت الحكومة الاسرائيلية ومؤسساتها الاستيطانية إلى إقامة مستعمرات على أراضيها وتوطين مستوطنين جلبتهم من أوروبا. ومنها مستعمرتا “كرميا” و”زيكيم”. وأقامت في الأخيرة قاعدة حربية بحرية كبيرة قريبًا من قطاع غزة تشترك في فرض الحصار على القطاع وقصف مواقع مدنية فيه. ومن حاول بعد التهجير والطرد العودة إلى هربيا وغيرها من القرى المجاورة تمّ قتله بذريعة “التسلل” غير القانوني بنظر إسرائيل.
أمّا المباني المُتبقية في القرية فتدّعي إسرائيل وإدارات المستعمرات إنها تحافظ عليها كبادرة حُسن نيّة. وطبعا، هذا جزء من آلة الكذب وتزوير الحقائق التاريخية التي تهدف إلى تلميع صورة إسرائيل وإلى أنسنتها لإبعاد شُبُهات ارتكابها جرائم حرب وفي مقدمتها القتل والطرد.