تتناول سندويشاً وهي متكئة على المشرب، تتحدث بخيالها معه عن لوركا، ينقطع صوته عن خيالها فجأة. ما كان ذلك؟ أهو الحب؟ متى ولد بداخلها؟ تتقاطع الصور والأحداث، تستخرج ما كان إلى الآن دون اسم، تتكثف الصور مع كل ظهور، تشعر باللذة. أستاذ الأدب الألماني! يتحدث الألمانية، ويقيم في براغ، يكثر من التقبيل لتمويه تراجعه الجنسي -من المتعذر تمييز ما كان عليه مما ما أرادته أن يكون- كانت قد رأته يقرأ هرمان بروخ مرة، يسحره موزيل ولا يحس بأي تآلف مع أدب أمريكا اللاتينية. يشرب البيرة، يأكل سندويشة الجبن.. تظهر صورة منفصلة عن ألفة الصور المتداولة عنه برأسها، صورتها هي معه يتحدثان عن غوته! قصيدة غوته، تلك القصيدة التي يعبر فيها عن ألمه لحظة امتناع ذكره عن الانتصاب بحضرة فتاته الجذابة في الفندق الريفي
لماذا فجأة توقف صوته في خيالها؟ “فجأة” لنضفي التركيز على الحدث، لمماثلة اللحظة التي حدثت باللحظة الصادمة. تتذكر كل مشاهد اللقاء الأول بين الحبيبين في الروايات التي تحبها. لحظة آنا كارنينا و فرونسكي، تتذكر تلاقي العيون كحدث سببي. ثم إيما بوفاري تدس الورد بين ثدييها لتلقيها على وجه ليون عشيقها. قفزت من تلاقي العيون إلى هذه اللحظة (تدس الورد بين ثدييها لتلقيها على وجه عشيقها) . ليس بمقدور أحد أن يسلبها الحرية المطلقة والكاملة لتتخيل أستاذ الأدب الألماني. تتخيل، وتظل تجرب وتخلق وتشكل بالقدر والشكل الذي يحلو لها، وتدعو جسدها للانفعال مع الأفكار. يتصل حبيبها، يتأسف عما حصل الليلة السابقة، تخبره بأنه لا بأس وتقفل الخط بسرعة لتستعيد الحالة، تحاول الإمساك بالصور، تشم رائحة سيجارة فتتخيل أو تتذكر أنها قد شمت رائحة سيجارته. رغبة ملحة لاستنشاق دخان سيجارته. تفقد التمييز بين دخان الخارج الممزوج بالهواء وذلك العابر بدماغها. تخرج لتتمشى قليلا، تمر بحالة نشوة وهي تطأ الدرجات الأخيرة لتصل البيت
كان من المتعذر تمييز ما كان عليه مما ما أرادته أن يكون ذلك لانها التقت به مرتين تقريبا ولم يكن كما كان لها أن تتصور، فمثلا انحنت مرة لتلتقط كوب القهوة وظهر جزء من صدرها ولم يعر الأمر أي اهتمام. كما أنها لم يعجبها ذوقه في النساء وطريقة كلامه. هذه الأحداث لم تكن ضمن الصور التي كانت تستخرج من رأسها في الحانة قبل قليل. هذا صعب لكن بالنسبة لها الأمر كان يبدو أسهل مما يبدو عليه، كانت تحدق فيه من البعيد تراه كائن ذو قدرات خارقة. باستطاعته ببساطة التحكم بمجريات الأحداث دون جهد منه. هكذا كانت تراه بعين تملؤها الدهشة. إيمان مطلق. تفتح النافذة المطلة على شقة أستاذ الأدب الألماني، تجلس على الكرسي بعد أن وضعت مخدة لتعلو أكثر. توسع ما بين ساقيها، تمد يدها، حركة دائرية، تغمض عينيها… ترى نصف ظلام ونصف هذا الآخر الذي يمثل الوجود بالنسبة لها ويربطها به شعور محدد بالعاطفة. ثم يتحول إلى كرة كريستال ساحرة وبراقة. تحس بقوة وثقة بنفسها وبالحياة وهي تنظر عبر كرة الكريستال البراقة. احتكاك وتصادم. استمناء؟ هي تستمني الآن ولا ترى غير سواد وفي المنتصف أستاذ الأدب الألماني يتمثل على شكل كرة كريستال. ينقفل الوجود وتعلو وتتأوه ويصبح العالم من جانبيها أشياء لا تخصها الآن. متصلان ببعضهما من أصل انفصال. تفتح بأصابعها متناهية الطول لإحتواء كل ما يمكن أن تشمله، يصير الخوف، الخوف من إمكانية حدوث تلك اللحظة -لحظة أن يتضاجعا- لذلك ينكسر الإيقاع الدائري لحركتها وتتوقف لتقع في الألم من وصولها الذروة. ليعود حينها الوجود إلى استقامته في خط وتير