تحذر أسطورة الإبحار في إسبانيا، من أن الخلود يتحقق في الغرق للمرة الثالثة، وفي مدريد غرق الأديب خوسيه مانويل كاباليرو بونالد مرتين، وفضل عدم تأكيد ذلك رغم أنه أغوى البحر مرات عديدة، ولأن الأدب والفلامنكو والبحر كانوا يمثلون الجوانب الثلاثة لسيرته الذاتية، السيرة الواسعة جدًا، والغنية بالمغامرات فقد بدأ ضوؤه كشاعر يسطع في عام 1948 في أول مجموعة شعرية له، ثم جاءت مجموعة التكهنات (1952)، وبعدها ذكريات وقت قصير (1954)، ثم أنتيو (1956)، والساعات الميتة (1959)، وصفائح الخيط (1963)، وتشويه البطل (1977)، ومتاهة الحظ (1984)، ويوميات أرجونيدا (1997)، ودليل المخالفين (2005)، والليل بلا جدران (2009).
ولم يكن الشعر وحده هو ضوء ابيرو في عالم الأدب في إسبانيا، بل كانت الرواية المميزة والساخرة أيضا هي امتداد هذا الضوء إلى آخر كهوف أعماق القارئ الباحث عن الاكتشاف، كتب كاباييرو: يومان من شتنبر (1962)، أغاثا عين القط (1974)، طوال الليل أصغوا إلى عبور الطير (1981)، في بيت الأب (1988)، وحقل أغرمانطي (1992). وفي سنة 1995 نشر الجزء الأول من مذكراته: زمن الحروب الخاسرة، ثم في سنة 2001 نشر الجزء الثاني تحت عنوان: التعود على الحياة. وفي مجال الدراسة له عدة أبحاث ودراسات أهمها: أضواء وظلال الفلامنكو، إشبيلية في عصر ثيربانطيس.
حصل من خلال منجزه الإبداعي الضخم والمتنوع على معظم الجوائز الأدبية العظيمة في إسبانيا، منها جائزة النقاد لثلاث مرات متتالية. وجائزة رينا صوفيا للشعر الأيبيري الأمريكي في عام 2004 عن عمله ككلّ، وفي العام التالي حصل على الجائزة الوطنية للآداب الإسبانية، ثم جاء التكريم الأهم لأعمال كابايرو حين حصل على جائزة الشعر الوطنية عن عمله “دليل المخالفين”، في عام 2006 وهي مجموعة قصائد وصفها المؤلف بأنها “اعتذار عن العصيان”. وأخيرا وفي 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 حصل كابايرو على جائزة سرفانتس، وهي أعلى جائزة للأدب الإسباني. وقد تم انتخابه ابناً شرفيّاً للأندلس 1996، وابناً شرفيّاً لمنطقة قادش 1998، وابناً شرفيّاً لشريش 2000، وهو عضو مراسل للأكاديمية الأمريكية للغة الإسبانية. حصل في سنة 2000 على الميدالية الذهبية لحلقة الفنون الجميلة، وفي سنة 2004 على الدكتوراه الفخرية من جامعة قادش.
أثبت كاباليرو بونالد نفسه بمرور الوقت كإنسان وأديب له شخصية طاعنة الخصوصية والعمق والجرأة، ذي دعوة تمرد دائم ووذي التزام مدني وإنساني وتجسيد سياسي ومبدئي لالتزاماته، منذ سنواته الجامعية الأولى في إشبيلية، حيث درس الفلسفة والأدب، تولى التزامًا سياسيًا حافظ من خلاله على روابط نشطة للغاية مع كل الجمهوريين في إسبانيا مقارعا فرانكو والفاشية ليصبح خوسيه مانويل كاباليرو بونالد العضو قبل الأخير الذي بقي من الفريق المؤسس لجيل الخمسين، جنبًا إلى جنب مع فرانسيسكو برينث ومع الشعراء الأسبان المعاصرين مثل جوليا أوسيدا، أنطونيو جامونيدا أو ماريا فيكتوريا أتينسيا الذين لا زالوا يحافظون على نبض لوركا وانتونيو ماتشادو في الشعر.
درس الملاحة بقادش والفلسفة والآداب بإشبيلية ومدريد، شغل مهمة نائب مدير المجلة الأدبية أوراق سون أرمادانس وعمل مدرسا للعلوم الإنسانية والآداب الإسبانية بالجامعة الوطنية بكولومبيا وبمعهد برين ماور. لدى عودته إلى إسبانيا، عمل بالأكاديمية الملكية الإسبانية. كما أشرف على دار للنشر، وشغل مهمة رئيس المركز الإسباني للنادي الدولي للقلم إلى أن قدَّمَ استقالته سنة 1980.
لقد شهد العقدان الأخيران من حياة كابيرو شيئًا غير عادي بسبب العمل الهائل الذي تم إصداره حين كان عمره أكثر من 70 عامًا، كما لو كان قد تم إحياؤه بالشيخوخة، لقد كانت بذرة ذلك الجزء الأخير من الكتابة القوية عبارة عن كتاب تمرد الذي يحمل اسم دليل المنتهكين (2005) وبعده جاء كتاب الليل بلا جدران.
كان كابيايرو ينتمي إلى عائلة فريدة استقرت في خيريث، من أب كوبي وأم منحدرة من الطبقة الأرستقراطية الفرنسية. وكانت لطفولته ثلاثة اكتشافات أساسية ليصبح ما يريده: الأدب والفلامنكو والبحر. الذي أضاف إليه فكرة مخترعة أسماها “كوتي دي دونيانا” كأرض أسطورية تخللت جزءًا كبيرًا من عمله. وبين إسبانيا وأمريكا، تطورت لديه طريقة مختلفة للكتابة والقراءة والتشابك مع اللغة، وفي الوقت نفسه، توسع الوعي لديه النقدي الذي صنع به حياته وعمله.
ولأن الخمسينيات من القرن الماضي كانت تتمثل في إسبانيا بوجود مجموعة شعراء عانوا الحرب الأهلية وعانوا انكسار الحلم الجمهوري وفوز الطاغية فرانكو، إلا أنهم بقوا دائما مجموعة مرحة “بومة ليلية واحتفالية، متواطئة وغير متكافئة”، الأمر الذي قاد إلى إنشاء رموز شعرية جديدة في إسبانيا وإلى اهداء العالم جيلًا شاعريًا في المقام الأول. وقد كان كاباليرو بونالد أحد قادة الحملة الاستكشافية لتلك المغامرة جنبًا إلى جنب مع خوسيه أنخيل فالينتي، وكلاوديو رودريغيث، وجيل دي بيدما، وخوسيه أغوستين جويتيسولو، وأنجيل غونثاليس، وفرانسيسكو برينث ، وغابرييل فيراتر، الذين استمتع معهم، بالوقت المشترك، والليالي الطويلة حتى يطل الضوء عليهم وهم يبنون معا صداقات متينة وعلاقات شعرية نادرة.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن كاباليرو بونالد كان مدركًا دائمًا أن أفضل طريقة لعمل خط خاص في الكتابة هي اتخاذ هذا الخط بمفرده، وقد سيطر هذا اليقين عليه وجعله يطبقه حتى النهاية ليكون وبكل جدارة أغرب شعراء الخمسينيات وأهمهم. كتب كاباييرو:
“أكتب مرة أخرى السؤال الكبير الذي لا يمكن الإجابة عليه:
هل ما يخمن بعد الحد الأخير لا يزال هو الحياة؟”
كان يبلغ من العمر آنذاك 86 عامًا وحافظ على رغبة كتابية مذهلة، مصنوعة من الوضوح الشديد الذي لم يكن من المعتاد أن يتخلى عن حذره. وبقي هذا هو الحال مع آخر مؤلفاته المنشورة بعنوان فحص الذكاء، التي تمثل سيرة مبهرة للعواطف والسخط، وتؤكد على أن كاباليرو بونالد الشاعر المعبر المحاط بالصمت، لم يقبل الشيخوخة كمينًا أو كبر السن أو هروبًا، بل على العكس فقد كان الشعر في شيخوخته أفضل درع له. لقد ظل مستاءً من الحاضر ومن هذا السخط والاستياء من الظلم ومن عدم العدالة في هذا العالم الأعور والأحدب، جاءت كل كتاباته، لقد افترض الحقيقة الشعرية كشرط لتحمل خيبة الأمل وحدود الأشياء والبشر.
لم تكن قصائد كاباليرو بونالد جدلية أبدًا، بل، على العكس من ذلك، فقد جاءت قصائدة دائما للتعبير عما لا يوصف، وعما لا يزال يتعين قوله، وعما يحدث في مناطق العقل القوية، والذهول، والرفض، وعدم الراحة المتمرد، والحب، وكما يؤكد لويس أنطونيو دي فيلينا، فإن قصائد بولاند كانت دائما تصل إلى أنفاسها الطبيعية، وتدفقها العميق، من خلال تشويه الخطاب.
وكان الليل والبحر من رموزه المفضلة. وكان التفاوت الغامض الذي ينتقل من الحياة إلى الحياة المختلفة، والذي ينطلق من اعتبارات من ينقل التجربة إلى اللغة هو سر إبداعه. وهذا ما جعل شعره يتجلى في صورة خيالية مليئة بالحيوية مليئا بفكره الغنائي وبهلوساته الخاصة، وهذا ما يجعل القصيدة عند بولاند نوعاً من ممارسة غير مسبوقة فوق فوهة بركان، وعبوراً لا يمكن التنبؤ به يلغي التفاهة المحيطة ويتخلى عن الحلول الأخلاقية لمفترضة. ليصبح وبكل جدارة “مترجم الحيرة” التي ظهرت بوضوح في المرحلة الأخيرة من عمله الشعري من كتب التمرد والذاكرة المليء بالازدراء الطوعي للعادات الدنيئة، ولكنه في نفس الوقت الغزير في قوة الشاعرية بحد ذاتها، الشاعرية التي كان يعرفها بأنها “تثير نفسه، وتنشر نفسه وتبعثرها، وتعيد اكتشاف نفسه”، و بهذا المعنى، فإن شعر كاباليرو بونالد هو أمر ضروري مضاد للتطويق الواقعي الضيق، وفي نفس الوقت هو لهجة وفردية وقوية للكشف عن المشاعر، وذلك ليس فقط كمحفز للتفكير وللبحث، ولكن كموقف وإعادة تعريف الحياة، واكتشاف ما هو حقيقي فيها. وهذا ما يربكنا بالأصالة لأن “استحضار ما كان يُعاش يعادل اختراعه”.
في الشهر الماضي رحل خوسيه مانويل كاباييرو بولاند الذي ألقى وبطلب من بيت الشعر في المغرب، كلمة الشاعر لاحتفالات اليوم العالمي للشعر (21 مارس 2013)، وهي الكلمة التي دأب بيت الشعر على ترسيخها كتقليد سنوي ضمن الاحتفاء الكوني بيوم الشعر. والتي قال فيها:
شَرَعْتُ في محاولاتي الشعرية الأولى بعْد أنْ قرأت، في البَدْء، لشعراء حرَّكوا مشاعري وجعلوني أحسُّ بانفعال مُبْهَم. بدون تلك القراءات الأوَّلية، ما كنتُ لأعرف كيف أوَجِّه خطواتي الأولى في الأقاليم السِّرِّيَّة للشعر. أخُصُّ من الشُّعراء مُوَاطِنِي الأندلسيين؛ خوان رامون خيمينث، غارسيا لوركا ولويس ثيرنودا والشيلي بابلو نيرودا. هؤلاء كانوا مُعَلِّمي الأوائل بجَدارَةٍ مُسْتَحَقة.
منذ ذلك الحين، بدأتُ أستوعبُ معنى تلك العبارة الشعريَّة التي تفيضُ على دلالتها في المعاجم، وتمْضي أبعَدَ من حُدودِها التعبيريَّة المشترَكة. لربَّما ذلك ما يدْعُوني، أحياناً، إلى التفكيرفي أنه ليس من الضروري أنْ يَفهم القارئُ القصيدةَ بشَكْلٍ مُطْلَق. يكفي أن تَفتَحَ له كلماتُها باباً وتجعلَهُ يُطلُّ على واقعٍ مَجْهول، وتكشفَ له عالَماً يُغْني بشكل ما حساسيته. في سيرُورةِ هذه المعرفة، يكمُنُ سِرُّ الشِّعْر.
بعد خطوات التعلُّم الأولى تلك، استكشفتُ مسالكَ مُغايرةً، طرقاً طبيعيّة أخرى لمُقاربة تجربة الشعر. يَتوجَّبُ عليّ، بَدْءاً، أن أذكرَ الشعراء الرّمزيّين الفرنسيّين؛ فقراءةُ رامبو وبودلير ومالارمي، بالنسبة إليّ، تَعَلُّمٌ مُستمِرّ مُنذ نصف قرن تقريباً، ما دام هذا المقروءُ نموذجاً لا ينضب. فيه وجدتُ شكلاً جديداً لوضْع أسُس الشِّعْر التي كنتُ أجْهَلها، تلك التي أبرَزَتْ لي سجلات جديدة تضيءُ ما هو أشدّ إلغازاً في الواقع.
أظنُّ أنَّ ولوجَ شعر الرمزيّين لا يُمْكنُ أن يتحقق دون التمثل القبلي لترابطاته التعبيريّة الأكثر صفاء، و بوَجْهٍ خاصّ، دون استيعاب، على نَحْو رئيس، بعض المُغذيات الأساسية لفكره الجمالي.
ذلك ما يحدُثُ مع المبدعين الكونيّين في نظام شعريّ مُجَدّد، خصوصاً إذا كان هذا النظام الشعريُّ يتأسَّسُ على إبداع قوانينَ جماليّةٍ جديدة. وقد حدَثَ لي شيءٌ مُماثِل مع خلوات غونغورا، ومع حيوان الأعماق لخوان رامون خيمينيث، ومع جُزْءٍ كبير من شعر ثيسار باييخو وأوكتافيو باث أوليثاما ليما ومع السورياليين الفرنسيين؛ من بروتون إلى إيلوار ومن أراغون إلى سبولت. كانَ الأمْرُ شبيهاً بوُلوجِ غابة بكرٍ من غير أنْ أعرف كيف أشقُّ لنفسي طريقاً، إلى الحدّ الذي يبلغُ فيه المرءُ حالة التيه بين الظلمات والمسالك الخادعة. وهنالك بالذات سألتقي، فجأة، وميضاً، علامة، ومفتاحاً: يقينَ اكتشاف بُعْد شعريّ جديد.
أعتبرُ نفسي وريثاً للرمزيّين، هُم مَنْ علَّمُوني البحْثَ عن الشِّعْر في حالةٍ خالصة، مُجَرَّدَة مِنْ كلِّ عُنصُر مألوف: تلك الكيمياء السِّرِّيَّة للكلمة التي لا يُمْكنُ بلوغها نظريّاً، مضمومة إلى “مفهوم الحدّ”. يتعلَّقُ الأمْرُ بالمُتخيَّل وقدْ أزيحَ الواقعيّ: فالتجاوُزُ المُستمِرّ للمعنى المألوف للكلمة والقبض على كلِّ الوسائل التعبيريَّة للغة التي بين حدودها يرتفعُ الشاعر إلى المقام الأسمى للفنان الباحثِ في الشعر عن التركيب التأويليّ للعالم، هو المفتاح الأساس للمعيش.
الشِّعْرُ، بالنّسْبة إليّ، ممارسة ذاتُ صلات خفيّة بالتجربة الصوفية. ثمة ما يُشبه مماثلة سِرِّيَّة في البحْث عن المطلق في “الكهُوفِ العميقة للمعنى”، التي يتحدّثُ عنها سان خوان دي لاكروث. إنَّهُ مسلك روحيٌّ مُلغز وبرنامجٌ جماليٌّ. إلى أين تقود كهوف المعنى؟
لرُبَّما يُمكن أنْ تلخَّصَ الأجوبة الممكنة العديدة في جوابٍ واحد: بيان أنَّ كلَّ شعْر حقيقيٍّ يحدِّدُ، في كلِّ لحظة، الأحوالَ الأكثر خفاءً للحياة الإنسانية. يُمْكنُ للطريقة المُسَمّاة بوحدة الوجود عند الصوفية أنْ تجد في الشعر أحد تجلياتها الأشدّ ثباتاً أو على الأقل، الأكثر تطابقاً مع ما في التجربة مما هو مُتَمَنِّعٌ على التعبير. من هنا تنبثقُ كلُّ تلك الطرق التأمليَّة التي ميَّزت التيارات الكبرى للكمال الداخليّ: تيار الصوفيين المسيحيين والصوفيين المسلمين أو ممارسات التأمل البوذي للزن. عبر مسالك مختلفة، يتمُّ بلوغ الغاية ذاتها. نذكر عدا سان خوان دي لاكروث أو ميغيل دي مولينوس، مُعَلِّمِي الصوفية؛ ابن عربي، أو ابن عباد الرندي، أو رهبان البوذية الزن إيساي أو شويو دايشي.
منذ أكثر من نصف قرن وأنا أمارس مهنة الشاعر. يمكنني، على الأقلّ، أن أفتخرَ بالمُثابَرَة.
كلمتي المكتوبة تُعيد بشكل واضح إنتاج أفكاري الجماليّة. لكن أيضا فكري الأخلاقيّ، طريقتي في مراجعة التاريخ الذي أقتسمُهُ مع الآخرين. لقد أتاحتْ لي أداة اللغة أنْ أجعلَ مفهومي للعالم موضوعيّاً، وحرَصتُ دوماً على أن يتوافقَ ذلك المفهوم الشعريّ للعالم مع برنامج حياتي الذي لا يُمْكنُ التخلي عنه. وجرْياً على ما اعتيد أن يُقال، ففي أعمالي تضمينٌ لكلِّ ما أفكِّرُ فيه و حتى ما لمْ أفكّر فيه بعدُ، في كل مرَّة أجدُني أكثر يقيناً من أنَّ الشعر، ذاك الذي يشغلُ فضاءً أكبرَ من النصِّ بمعناه الصحيح، يُفسّر وجودي ويبرِّرُه. بل يمكنني أن أضيفَ أنَّ الشعر علَّمَني أن أعرفَ ذاتي بشكلٍ أفضل كلَّما مضيتُ أستعينُ به لكي أختار تشخيصاتي الذاتيَّة عن الواقع.
أومنُ بكلِّ عِفَّة بالدور المخلِّص للشعر، بقدرته على الإشفاء أمام الاختلالات التي يُمكن أن يمدنا بها التاريخ في عالم مثل العالم الذي نتقاسمه اليوم، العالم المحاصَرُ بالعُنف والبلايا والحُروب الجائرة والاستهانات بحقوق الإنسان. في عالم مثل هذا، يجبُ المطالبة بالحلول المنصفة للذكاء، بالأساليب الإنسانية القديمة للعقل. لرُبَّما يتعلَّقُ الأمر بيوتوبيا، لكن اليوتوبيا هي أيضا أمل مؤجَّلٌ بالتتابع، حيث يتوجَّبُ الوثوق بأن ذلك الأمل يتغذى أيضاً من الينابيع الخِصْبة للذكاء، ما الذي كانت ستصيرُ عليه بدونها العديدُ من العناوين المُشرقة التي تُزَيِّن حضارَتنا؟ أنْ تقرأ كتابا، أن تستمع الى كونشيرتو، أن تتأمَّل لوحة هي أشكال فورية وفعَّالة للدفاع عن أنفسنا من كلِّ ما يُهيننا أو يسعى إلى أن ينقص من اختياراتنا للحُرِّيَّة والطمأنينة. لرُبَّما يَتَسَنّى بذلك أن تسودَ حساسية جماعيّة جديدة تجعلُ الفكر النقدي يتغلبُ على الفكر الوحيد . لرُبَّما هكذا يتحوَّل مجتمع معقد مثل مجتمعنا إلى مجتمع متضامِن. فلنفكر بكلِّ التفاؤل الواجب بأنَّ الشعر أيضاً يمتلكُ تلك السلطة العلاجية.